ســــوريا فــوق صـفـيح ســاخـن
بــقـــلـم / حـــســــن زايــــــــد
منذ اندلاع الأحداث في سوريا ، في إطار ما أُطلق عليه ـ في دوائر المخابرات الغربية ، وجري تسويقه علي نطاق واسع دولياً، وجري ابتلاعه عربياً ـ ثورات الربيع ، وسوريا تعيش فوق فوهة بركان ملتهب . وآفة الثورات حمل السلاح في مواجهة الدولة لإسقاط النظام ، لأنه سرعان ما تنقلب المعركة بينهما إلي حرب أهلية ، لا تدع حجراً فوق حجر ، حتي يصبح أثراً بعد عين . فلا تبقي الدولة دولة ، ولا النظام نظام ، وما تبقي منهما لا ينفع نظاماً ، ولا يشبع معارضة . ونحن بذلك لا نقدح في الثورات العربية ، فقد كانت ثورات مدفوعة بظلال كثيفة من النيات الحسنة ، التي حالت دون رؤية أو إدراك الأيدي الخفية التي توجه عرائس الماريونيت من خلف الستار ، فهي بالإعتبار الجماهيري ثورات شعبية ، وباعتبار المحرك مؤامرة تم التخطيط لها بليل ، وباعتبار النتائج حروب أهلية طاحنة . وبنفس القدر لا نمدح في الأنظمة التي كانت قائمة ، فهي أنظمة فاسدة ، كان يمثل استمرارها تكريساً للفساد ، وشرعنة له ، وتقنيناً لوجوده ، والثورة ضده كانت واجبة ، ووجوبها وجوب الوجود والحياة ، ولكنها الثورات التي تنطلق من الشعوب وعياً ، وإدراكاً ، ورغبة ً ، وحركة ، ووجوداً، ورؤيةً ، وغاية ً. أما تثوير الشعوب برؤوس مأجورة ؛ لحسابات خارجية ، تضر بالمصالح الوطنية ، فهذه لا تسمي ثورة ، وإنما يتعين البحث عن مسمي آخر لها . ومن ثم فإنه من الصعب ابتلاع أو مضغ أنظمة قد تكلست علي كراسي السلطة من طول مكثها عليها ، وبنفس القدر من الصعوبة بمكان ابتلاع أو مضغ المبررات الداعية إلي حمل السلاح في مواجهة الدولة باسم إسقاط النظام . وسوريا بعد مرور هذه السنوات الطوال منذ تموز 2011م وحتي الآن ، وهي تغرق في نزيف الدم ، ولا أحد يعلم متي تجف الدماء ولا متي تلتئم الجراح النازفة . وأصبح الصراع بين النظام والمعارضة المسلحة صراع وجود أو عدم ، والبقاء للأقوي . والطريف المبكي حتي الهذيان هو توزع المعارضة السورية علي الخريطة السورية بنفس توزعهم بحسب مصادر التمويل ، والتسليح ، والتدريب ، وكل فصيل له لاعب دولي أو إقليمي يتبناه . ولا يقتصر ذلك علي فصائل المعارضة وحسب ، وإنما يمتد إلي النظام ذاته . ووصل الأمر إلي وجود مقاتلين أجانب في صفوف المعارضة ، وخاصة المقاتلين الغربيين ، تحارب النظام تحت دعوي الجهاد . وأصبحت سوريا ممزعة إلي شظايا وأشلاء . ولم يقف أحد مع نفسه أو مع غيره متسائلاً : لماذا يمدنا الغرب وأمريكا بالسلاح ؟ . ولماذا يدربوننا علي استخدامه ؟ . هل حقاً يريدون بسوريا وبالسوريين خيراً ؟ . بعد كل هذا الدمار الذي لحق بالعباد والبلاد والشجر والدواب ، ماذا تريد المعارضة بكافة فصائلها من تلك المعارك الضروس التي تخوضها ضد نظام لم يسقط بعد ؟ . أو لا يُسمح بسقوطه ؟ . وهل تفاجأ الغرب والأمريكان حقاً بالتدخل الروسي في صراع القوي الذي تدور رحاه علي الأراضي السورية بزعم محاربة تنظيم داعش ؟ . لقد أخبرت روسيا واشنطن بالأمر ، ولا شك أن أمريكا قد أخطرت حلفائها في الغرب . وأيما كان الأمر ، فقد أصبحت سورياً مسرحاً جديداً لاستعراض القوة بين روسيا وأمريكا ، ومكان مؤهل لتشكل التحالفات الدولية الجديدة . والواقع أن روسيا تسعي بالفعل للقضاء علي تنظيم داعش ، وهو مما يزعج العديد من الدوائر الغرب / أمريكية ، لأن هذا التنظيم يشن فعلياً حرباً بالوكالة علي الأنظمة العربية القائمة ، والقضاء المبكر عليه ، يفضي إلي الإسراع بإفشال المخطط المرسوم للمنطقة ، بعد تعثره في مصر ، وعدم وصوله إلي دول عربية أخري . وليس مسعي روسيا للقضاء علي هذا التنظيم من أجل سواد عيون المنطقة العربية ، وإنما بقصد استعادة مكانتها التي فقدتها في تلك المنطقة ، وعودتها من جديد إلي منطقة المياه الدافئة ، فضلاً عن إيقاف امتداد عمل الجماعات الإرهابية إلي أراضيها ، خاصة أن الآتحاد الروسي يضم العديد من الدول الإسلامية ، ومزاحمة النفوذ الأمريكي في المنطقة ، إلي غير ذلك من الأهداف التي قد تتقاطع أو تتوازي أو تنفرد مع أهداف ومصالح قوي أخري. دعك من المزاعم الغرب / أمريكية من أن الضربات الروسية تستهدف المدنيين ، أو أنها لا تميز بين المواقع المدنية والأهداف العسكرية ، أو أنه لا يميز بين القوي الإرهابية وتلك المعتدلة ، أو أنه يستهدفهما معاً علي السواء ، أو أن هذا التدخل يطيل أمد الصراع ، أو أنه يستهدف الحفاظ علي الأسد والإبقاء عليه ، أو أن التدخل الروسي مخالف للقانون الدولي ، أو أنه انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة ، دعك من كل هذا لأنهم جميعاً في الهم سواء ، وكل هذا يؤخذ منه ويرد ، وقد تتميز عنهم روسيا بأنها قد تدخلت بناءًا علي طلب من النظام الشرعي القائم حتي الآن . ما يعنيني في هذا الإطار ، رغبتي كعربي في إطفاء نار هذه الحرب بين الفرقاء بما يحفظ علي سوريا وجودها كدولة موحدة متماسكة ، ولا سبيل إلي ذلك إلا بالجلوس علي مائدة المفاوضات ، وما لم يحل عبر سنوات بالسلاح ، ربما يحل بالحوار ، والحوار حتماً سيحفظ الدماء ، ويحفظ الأوطان معاً . ونقطة الحوار الأولي ألا يصادر بعضنا علي وجود البعض مصادرة قد تقضي علي وجودنا جميعاً ، وتفرغ الأوطان من مضمونها ومعناها ، فتصبح بلا معني ولا مضمون . فهل إلي هذا الحوار من سبيل ؟ .
حــســـــن زايــــــــــــد
بــقـــلـم / حـــســــن زايــــــــد
منذ اندلاع الأحداث في سوريا ، في إطار ما أُطلق عليه ـ في دوائر المخابرات الغربية ، وجري تسويقه علي نطاق واسع دولياً، وجري ابتلاعه عربياً ـ ثورات الربيع ، وسوريا تعيش فوق فوهة بركان ملتهب . وآفة الثورات حمل السلاح في مواجهة الدولة لإسقاط النظام ، لأنه سرعان ما تنقلب المعركة بينهما إلي حرب أهلية ، لا تدع حجراً فوق حجر ، حتي يصبح أثراً بعد عين . فلا تبقي الدولة دولة ، ولا النظام نظام ، وما تبقي منهما لا ينفع نظاماً ، ولا يشبع معارضة . ونحن بذلك لا نقدح في الثورات العربية ، فقد كانت ثورات مدفوعة بظلال كثيفة من النيات الحسنة ، التي حالت دون رؤية أو إدراك الأيدي الخفية التي توجه عرائس الماريونيت من خلف الستار ، فهي بالإعتبار الجماهيري ثورات شعبية ، وباعتبار المحرك مؤامرة تم التخطيط لها بليل ، وباعتبار النتائج حروب أهلية طاحنة . وبنفس القدر لا نمدح في الأنظمة التي كانت قائمة ، فهي أنظمة فاسدة ، كان يمثل استمرارها تكريساً للفساد ، وشرعنة له ، وتقنيناً لوجوده ، والثورة ضده كانت واجبة ، ووجوبها وجوب الوجود والحياة ، ولكنها الثورات التي تنطلق من الشعوب وعياً ، وإدراكاً ، ورغبة ً ، وحركة ، ووجوداً، ورؤيةً ، وغاية ً. أما تثوير الشعوب برؤوس مأجورة ؛ لحسابات خارجية ، تضر بالمصالح الوطنية ، فهذه لا تسمي ثورة ، وإنما يتعين البحث عن مسمي آخر لها . ومن ثم فإنه من الصعب ابتلاع أو مضغ أنظمة قد تكلست علي كراسي السلطة من طول مكثها عليها ، وبنفس القدر من الصعوبة بمكان ابتلاع أو مضغ المبررات الداعية إلي حمل السلاح في مواجهة الدولة باسم إسقاط النظام . وسوريا بعد مرور هذه السنوات الطوال منذ تموز 2011م وحتي الآن ، وهي تغرق في نزيف الدم ، ولا أحد يعلم متي تجف الدماء ولا متي تلتئم الجراح النازفة . وأصبح الصراع بين النظام والمعارضة المسلحة صراع وجود أو عدم ، والبقاء للأقوي . والطريف المبكي حتي الهذيان هو توزع المعارضة السورية علي الخريطة السورية بنفس توزعهم بحسب مصادر التمويل ، والتسليح ، والتدريب ، وكل فصيل له لاعب دولي أو إقليمي يتبناه . ولا يقتصر ذلك علي فصائل المعارضة وحسب ، وإنما يمتد إلي النظام ذاته . ووصل الأمر إلي وجود مقاتلين أجانب في صفوف المعارضة ، وخاصة المقاتلين الغربيين ، تحارب النظام تحت دعوي الجهاد . وأصبحت سوريا ممزعة إلي شظايا وأشلاء . ولم يقف أحد مع نفسه أو مع غيره متسائلاً : لماذا يمدنا الغرب وأمريكا بالسلاح ؟ . ولماذا يدربوننا علي استخدامه ؟ . هل حقاً يريدون بسوريا وبالسوريين خيراً ؟ . بعد كل هذا الدمار الذي لحق بالعباد والبلاد والشجر والدواب ، ماذا تريد المعارضة بكافة فصائلها من تلك المعارك الضروس التي تخوضها ضد نظام لم يسقط بعد ؟ . أو لا يُسمح بسقوطه ؟ . وهل تفاجأ الغرب والأمريكان حقاً بالتدخل الروسي في صراع القوي الذي تدور رحاه علي الأراضي السورية بزعم محاربة تنظيم داعش ؟ . لقد أخبرت روسيا واشنطن بالأمر ، ولا شك أن أمريكا قد أخطرت حلفائها في الغرب . وأيما كان الأمر ، فقد أصبحت سورياً مسرحاً جديداً لاستعراض القوة بين روسيا وأمريكا ، ومكان مؤهل لتشكل التحالفات الدولية الجديدة . والواقع أن روسيا تسعي بالفعل للقضاء علي تنظيم داعش ، وهو مما يزعج العديد من الدوائر الغرب / أمريكية ، لأن هذا التنظيم يشن فعلياً حرباً بالوكالة علي الأنظمة العربية القائمة ، والقضاء المبكر عليه ، يفضي إلي الإسراع بإفشال المخطط المرسوم للمنطقة ، بعد تعثره في مصر ، وعدم وصوله إلي دول عربية أخري . وليس مسعي روسيا للقضاء علي هذا التنظيم من أجل سواد عيون المنطقة العربية ، وإنما بقصد استعادة مكانتها التي فقدتها في تلك المنطقة ، وعودتها من جديد إلي منطقة المياه الدافئة ، فضلاً عن إيقاف امتداد عمل الجماعات الإرهابية إلي أراضيها ، خاصة أن الآتحاد الروسي يضم العديد من الدول الإسلامية ، ومزاحمة النفوذ الأمريكي في المنطقة ، إلي غير ذلك من الأهداف التي قد تتقاطع أو تتوازي أو تنفرد مع أهداف ومصالح قوي أخري. دعك من المزاعم الغرب / أمريكية من أن الضربات الروسية تستهدف المدنيين ، أو أنها لا تميز بين المواقع المدنية والأهداف العسكرية ، أو أنه لا يميز بين القوي الإرهابية وتلك المعتدلة ، أو أنه يستهدفهما معاً علي السواء ، أو أن هذا التدخل يطيل أمد الصراع ، أو أنه يستهدف الحفاظ علي الأسد والإبقاء عليه ، أو أن التدخل الروسي مخالف للقانون الدولي ، أو أنه انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة ، دعك من كل هذا لأنهم جميعاً في الهم سواء ، وكل هذا يؤخذ منه ويرد ، وقد تتميز عنهم روسيا بأنها قد تدخلت بناءًا علي طلب من النظام الشرعي القائم حتي الآن . ما يعنيني في هذا الإطار ، رغبتي كعربي في إطفاء نار هذه الحرب بين الفرقاء بما يحفظ علي سوريا وجودها كدولة موحدة متماسكة ، ولا سبيل إلي ذلك إلا بالجلوس علي مائدة المفاوضات ، وما لم يحل عبر سنوات بالسلاح ، ربما يحل بالحوار ، والحوار حتماً سيحفظ الدماء ، ويحفظ الأوطان معاً . ونقطة الحوار الأولي ألا يصادر بعضنا علي وجود البعض مصادرة قد تقضي علي وجودنا جميعاً ، وتفرغ الأوطان من مضمونها ومعناها ، فتصبح بلا معني ولا مضمون . فهل إلي هذا الحوار من سبيل ؟ .
حــســـــن زايــــــــــــد