الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الفكر الاجتماعي في العصر الحديث ... مدرسة الفلسفة الوجودية بقلم:يوسف حجازي

تاريخ النشر : 2015-08-16
الفكر الاجتماعي في العصر الحديث
الحلقة السابعة عشر
مدرسة الفلسفة الوجودية
يوسف حجازي

الوجودية حركة ثقافية أدبية ، ونظرية فلسفية راديكالية ، وهي فلسفة عن الذات أكثر منها فلسفة عن الموضوع ، لأنها تعلي من قيمة الإنسان ، وتبالغ في التأكيد على تفرده في التفكير والحرية والإرادة والاختيار ، ولذلك ذهبت إلى أن الإنسان لا يحتاج إلى موجه ، والى انه أقدم شيء في الوجود ، وان كل ما كان قبله كان عدما ، وأن وجوده سابق على ماهيته ، والماهية هي بيان حقيقة الشيء وذاته التي تميزه عن غيره ، وهنا تتناقض الوجودية مع الأديان السماوية في موضوع الوجود والماهية ، لأن الأديان السماوية تؤمن بأن الماهية اسبق من الوجود ، وفي موضوع مشاكل الإنسان ، لأن الوجودية تعتقد أن الفلسفات السابقة والأديان كل الأديان لم تستطع أن تقدم أي حل لمشاكل الإنسان ، ولذلك نرى أن الوجودية تؤمن مطلق الإيمان بالوجود الإنساني وتتخذ من الوجود الإنساني منطلقا لكل فكرة ، وتدعو الى إعادة الاعتبار الى الإنسان ومراعاة تفكيره ومشاعره وغرائزه وحريته على الإطلاق ، وبالشكل الذي يثبت فيه الإنسان وجوده كما يشاء ، وعلى الوجه الذي يريد دون شروط أو قيود ، كما أنها تكفر بالله ورسله وكتبه وبكل الغيبيات وكل ما جاء في الأديان ، ويعتبرونها عوائق أمام الإنسان نحو المستقبل ، ولذلك كان سارتر يتبنى مقولة نيتشه الشهيرة إن الله قد مات أو مقولة دستوفسكي أن الله اذا اختفى أصبح كل شيء جائزا ، الخير والشر ، الفضيلة والرذيلة ، وهي لا تسلم بوجود الروح ، ولا ترى الدين فطرة ، ولا ترى الزواج فطرة ولكنه مؤسسة برجوازية حقيرة ، ولا ترى وجود قيم ثابتة توجه سلوك الإنسان ولكنها تؤمن أن من حق كل إنسان أن بفعل ما يريد وليس لأحد أن يفرض قيما وأخلاقا معينة على الآخرين ، وهذا يعني أن الوجودية تمرد على الدين والواقع التاريخي والتراث ، وترجع الوجودية في بداياتها الأولى إلى سقراط ( 470 ق م – 400 ق م ) أحد أكبر الفلاسفة الإغريق الذين كان لهم الدور الأكبر في تأسيس الفلسفة الغريبة وفلسفة علم الأخلاق والفلسفة السخرية السقراطية والمنهج السقراطي الذي لا يزال يستخدم في مجال واسع من النقاشات ( الجدل ) والبيداغوجيا ( علم التربية ) والفيلسوف الذي كان ينطلق من فكرة أن الإنسان هو المشكلة الأساسية ولذلك يجب أن يكون هو الذي يجب أن تكون له الأولوية في صدارة الفكر الإنساني ، ولذلك كان محور فلسفة سقراط يقوم على قاعدة اعرف نفسك بنفسك ، وهكذا كان سقراط يختلف مع فلاسفة اليونان الذين كانوا يوجهون اهتماماتهم في البحث عن الفكرة المجردة ، وأصل المادة ، وطبيعة الكون ، وهل هو مستقر أم متغير ، وأصل الوجود ، ويرجع الجدال حول فكرة الوجود إلى الجدال الذي وقع بين المفكر المأساوي هيرقليطس وبارمنداس ، حيث ذهب هيرقليطس ( 600 ق م – 540 ق م ) إلى أن وجود العالم هو وجود في حالة تغير مستمر ودائم ، وهو صاحب القول المشهور ( لا تستطيع أن تضع رجلك في نفس النهر مرتين ) وهو الذي قال يجب أن ننظر إلى الوجود كظاهرة جمالية وليس كظاهر أخلاقية أو دينية ، ونفى ثنائية العوالم ، ونفى الوجود بحد ذاته ، وقال أن الوجود هو وجود الصيرورة بما هي فكرة عامة تثبت الصيرورة وفكرة تأملية تثبت وجود الصيرورة ، وهنا لا بد من الإشارة إلى مفهوم الصيرورة ، ولكن هذا الفهم لا بد أن يرتبط بمصطلحين آخرين وهما مصطلح الكينونة ومصطلح السيرورة ، وهذه المصطلحات الثلاثة كانت وما زالت محور الفلسفة والعمود الفقري لكل الأبحاث الإلهية والطبيعية والإنسانية باعتبار الكينونة هي بدء الوجود ، والسيرورة هي حركة سير الزمن ، والصيرورة هي ما انتهت إليه الكينونة ، وبارمنداس ( 510 ق م – 440 ق م ) الذي ذهب إلى تفسير وجود العالم كوحدة واحدة مستقرة وغير متجزئة وغير متغيرة . لكن أفلاطون ( 427 ق م – 347 ق م ) وهو تلميذ سقراط ذهب الى التوفيق بين فكرة التغيير عند هيرقليطس وفكرة الاستقرار عند بارمنداس وقسم الوجود الى وجودين ، الوجود المحسوس المرئي الناقص المملوء بالأخطاء والوجود المثالي المقدس المبدع وغير المتغير والخالي من الأخطاء ، وبعد أفلاطون جاء تلميذه أرسطو ( 384 ق م – 322 ق م ) الذي فسر الوجود حسب العلة الغائية وهي إحدى العلات الأربعة ، العلة الصورية وهي العلة التي تعطي للأشياء ماهيتها أي ما يوجد الأشياء بالقوة ، والعلة المادية وهي العلة التي تعطي للأشياء وجودها أي ما يوجد الأشياء بالفعل ، والعلة الفاعلية وهي العلة التي توجد الأشياء بسببها ، والعلة الغائية وهي العلة التي توجد الأشياء من اجلها ، وهكذا نرى أن أرسطو يختلف من أفلاطون في طبيعة المعقولات ، لأن المعقولات موجودة في عالم المحسوسات وليس على الإنسان إلا أن ينتزع هذه المحسوسات من خلال تجريد المحسوس من عوالقه الجزئية ، وهذا يعني أن إدراك ماهية الأشياء المجردة والمعقولة يبدأ من الحواس الى المخيلة الى العقل ، وما من فكرة في العقل إلا واصلها في الحس ، ولذلك قال أرسطو أن انتقال المعقولات من القوة الى الفعل يفترض وجود شيء دائما بالفعل وهو العقل الفاعل ، كما يختلف أرسطو مع أفلاطون في نموذج المنطق لأن ماهية إدراك الأشياء عند أفلاطون تقوم على أحادية التفكير ( العقلانية ألأحادية ) وعند أرسطو على تعددية التفكير ( العقلانية التعددية ) ، وذلك بالإضافة الى الفلسفة الابيقورية نسبه إلى أبيقور ( 341 ق م – 270 ق م ) وهو صاحب القول المشهور ( أن السعادة والألم هما مقياس الخير والشر ، وان الموت هو نهاية الجسد والروح ولهذا لا يجب أن نخاف من الموت ، وان الآلهة لا تكافئ ولا تعاقب البشر ، وان الكون لا نهائي وابدي ، وان أحداث الكون تعتمد بالأساس على حركات وتفاعلات الذرات في الفراغ ) ، ولذلك كان أبيقور يقدس الحاضر ويتوقع من الغد الشر والفقر والحرب ، كما انه كان ينكر وجود الآلهة والبعث ويدعو الى اغتراف الحياة دون ضوابط أو حدود للحريات . وأفلوطين ( 205 – 270 ) الذي حاول أن يجدد أفكار أفلاطون ، والتوفيق بين الفلسفة الأفلاطونية واللاهوت المسيحي والنظريات الفلسفية الأخرى ، ولذلك قسم الموجودات إلى ثلاثة أقسام هي الله وهو الموجود الأول والمصدر الأول الذي يصدر منه الموجود الثاني وهو العقل الكلي الذي تنبعث منه النفس الكلية وهي الموجود الثالث . وهو صاحب العبارة المشهورة لا يمكن أن تكون الصورة موجودة قبل وجود الشيء أمام المرآة ، كما انه لا يمكن أن يكون هناك ضوء بدون شعاع . والقديس انسليم ( 1033 – 1109 ) صاحب العبارة المشهورة الإيمان الصحيح يجب أن يكون مبني على العاطفة الشخصية وليس على الفكر، ولذلك كان يقول أعقل حتى تؤمن وهي عكس عبارة القديس أوغسطينوس ( 354 – 430 ) آمن حتى تفهم . وقد حاول هذا القديس أن يعطي العقل نوع من الأولوية في الكشف عن الحقيقة ، ولكنه كان يعترف أن أول ما يحتاجه العقل هو الإيمان بالله حتى تفيض على هذا العقل النعم والفضائل الروحية التي يمكن أن تخلق حالة من اليقين لدى المؤمن بالله ، وقد كان انسليم في ذلك يتفق مع سورين كيرغارد ( 1813 – 1855 ) مؤسس الفلسفة الوجودية الحديثة على الرغم من أن سورين كيرغارد كان يرفض دور العقل بصورة قاطعة في المعرفة اليقينية ، لأنه كان يفضل المواجهة المباشرة مع الله حتى يستمد منه الحقيقة اليقينية مباشرة ودون الاعتماد على وساطة العقل أو الوحي ، ولذلك كان يقول أن الإيمان المطلق بالله هو الشيء الوحيد الذي يمكننا من التغلب على عدم معقولية الحياة والسيطرة على القلق الوجودي واليأس والوحدة في هذا العالم الغريب ، وأن الخلاص من اليأس لا يكون الا عن طريق الانغماس بعمق في اليأس نفسه أي الانغماس في العدم ، والزهد في الشهرة والمال والجاه والرضي والراحة ، والزهد حتى في الاعتقاد في التفكير المنطقي والعلوم والفلسفة ، لأنك وعندما تفقد كل هذه الأشياء تصل إلى قمة المأساة ، وعندما تصل الى قمة المأساة تكون مستعدا للإيمان بالله ، وهذا في الحقيقة موقف يتفق مع الفلسفة البوذية والفكر الصوفي ، والقديس توما الاكويني ( 1225 – 1274 ) وهو قديس كاثوليكي من الرهبانية الدومينيكانية وفيلسوف وأديب رؤيوي خارج عن صنعة الشعر والفن إلى السير في أعماق المجهول عن طريق خلخلة الحواس ، ومفكر متعدد ومتنوع خارج عن الموضوعات الجاهزة إلى ما هو مهمل ومنسي ، ولاهوتي وأحد معلمي الكنيسة الكاثوليكية الثلاثة والثلاثين ويعرف بالعالم الملائكي ، وهو صاحب المقولة التاريخية الحرب العادلة ويمكن إبرازها على ثلاث محددات وهي الحرب بأمر من السلطة الدنيوية ، والحرب من اجل قضية عادلة ، والجرب من اجل هدف أنساني قبل وأثناء الحرب ، وذلك بالإضافة إلى عدد من المؤلفات الذي تناول فيها الفلسفة واللاهوت قال فيها أن الفلسفة تعتمد على العقل وحده ولكن اللاهوت يعتمد على الوحي دون أن ينكر دور العقل . ولذلك كان الاكويني يرى أن الوجود وجودين ، وجود واقعي وهو وجود الجوهر ووجود مثالي وهو الوجود الفكري الذي يعبر عنه بفعل الكينونة الفردية حيث يربط بين الوجودين الموضوع والمحمول في القضية . ومارتن هايدغر ( 1889 – 1976 ) أبو الفلسفة الوجودية الملحدة ، وهو فيلسوف آلماني كان له تأثير كبير على الفلسفة في القرن العشرين ، قرن العلم والتكنولوجيا والميتافيزيقا ، وقرن ما يعرف بالثورة الكوبرنيكية نسبة الى نيكولاس كوبرنيكوس ( 1473 – 1543 ) وهو أول فيلسوف فلكي صاغ نظرية مركزية الشمس ، والثورة الهايدغرية ، ويكفي القول أن علم الميتافيزيقا قد شهد في القرن العشرين ثورة كوبرنيكية أساسها التحول من ميتافيزيقا الموجود إلى ميتافيزيقا الوجود . ولكن بذور الفلسفة الوجودية الحديثة ترجع إلى الفيلسوف الدانمركي سورين كيركيغارد وهو فيلسوف ولاهوتي كان له تأثير كبير على الفلسفات اللاحقة وخاصة الفلسفة الوجودية ، وترجع أهمية سورين كيركيغارد إلى كونه يعتبر أبو الفلسفة الوجودية المسيحية ، مقارنة بالفلسفة الوجودية الملحدة التي تنسب إلى الفيلسوف الوجودي الفرنسي جون بول سارتر ( 1905 – 1980 ) ، والفلسفة الوجودية الدينية أقدم تاريخا من سائر الفلسفات الوجودية كما يقول بول فولكييه في كتابه هذه هي الوجودية . وعلى الرغم من أن الرجل كان يرى نفسه رجل دين ولاهوت وليس رحل فلسفة أو رحل ينتمي إلى زمرة الفلاسفة ، وعلى الرغم من انه لم يكن يعارض الفلسفة بقدر ما كان يقف موقف المعارضة من فلسفة هيغل ، ولذلك كان سورين رجل دين يختلف عن أي رجل دين ، وفيلسوف يختلف عن أي فيلسوف ، وأديب يختلف عن أي أديب ، ومفكر يختلف عن أي مفكر ، لأنه كان رجل دين خارج عن دوغماتية الإيمان اللاهوتي ، والدوغماتية تعني الحقيقة المطلقة والجمود الفكري والاستبدادية والمعصومية واللاشكية واعتبار الدين موضوع غير مفتوح للنقاش ، وفيلسوف خارج عن الأنساق الفلسفية والأنساق الفلسفية تعني التوفيق بين الفلسفة اليونانية والديانة المسيحية فيما يعرف باسم الفلسفة المسيحية ، ومن أعلام هذه الفلسفة الفيلسوف اوروجين السكندري المصري ( 185 – 254 ) الذي كان يتبنى نظرية أفلاطون في الإله المتعالي ، ويتمسك بالتنزيه المطلق للإله وفي اعتباره روح ولا علاقة له بالمادة ، وهو مستقل كل الاستقلال عن كل ما هو مادي ، ولذلك لا يمكن تحديده بالزمان والمكان ، ولا يمكن إدراك حقيقته والتعبير عنه ، وان كل ما جاء في التوراة من صفات تصف الله بصفات لا تتفق مع كون الله روحا مطلقا كوصفه بأنه نور ونفس وروح يجب أن يحمل على المعنى المجازي ، والمعنى المجازي لا يعنى المعنى الحرفي ، ولكنه يعني العلاقة غير المباشرة بالمعنى الحرفي ، والفيلسوف الجزائري الامازيغي القديس اوغسطين ( 354 – 430 ) أسقف مدينة هيبون ( عنابه ) الذي تأثر بالمانوية وهي عقيدة ثنوية تقوم على معتقد أن العالم مركب من عنصرين النور والظلم ، ثم تركها بعد أن سمع تفسير امبروسيوس أسقف ميلان ( 340 – 397 ) للعهد القديم الذي كان المانيون يتجاهلونه حيث بدأ يدرك أن الكنيسة من الله ، وان نبوءة العهد القديم تتحقق في الكنيسة ، وان الكمال الروحي والمعجزات تظهر في الكنيسة بالرغم مما تعانية الكنيسة من ضيق ، ولكن وبالرغم من ذلك لم يصل اوغسطين إلى الإيمان الحق وظل منغمسا في الشهوات لأنه كان يعتقد ان حفظ العفة أمر من الأمور المستحيلة ، ولذلك بدأ يقرأ بعض كتب الافلوطونيين التي نقلها إلى اليونانية فيكتريانوس ، ولكن هذه الكتب أيضا ورغم إعجابه بها إلا أنها لن تقده إلى الإيمان الحقيقي ، ولذلك عاد مرة ثانية إلى قراءة الكتاب المقدس وخاصة رسائل بولس الرسول فأعجب بها وخاصة في موضوع الربط بين العهد القديم والعهد الجديد ( التوراة والإنجيل ) وقد كان لهذه العودة إلى قراءة الكتاب المقدس وزيارته إلى سمبليانس صديقه القديم الذي اخبره عن اعتناق فيكتريانوس للأيمان المسيحي بروح التقوى سببا في الاقتداء به ولكن مع الاستمرار في الانغماس في الشهوات . ولذلك كانت فلسفته في الدين والتاريخ تقوم على وجود مدينتين ، مدينة السماء ومدينة الأرض ، مدينة السماء هي مدينة النور والخير ، ومدينة الشيطان هي مدينه الظلمات والشر المانوية ، مدينة السماء تبدأ منذ عهد قابيل بن آدم إلى عهد إبراهيم ، وفي هذا العهد كانت المدينتان مختلطتان ، ولكن وبعد عهد إبراهيم تمثلت مدينة الله في اليهود ، وتمثلت المدينة الأرضية وقد شملت كل البشر من غير اليهود في الدولة الرومانية ، والفاصل بين العهدين هو ظهور المسيح . والقديس توما الاكويني ( 1225 – 1274 ) مؤسس المدرسة التوماوية التي بنيت على أعمال وأفكار توما الاكويني وأخذت اسمها من اسمه ، وهي المدرسة التي تربط بين اللاهوت المسيحي وفلسفة أرسطو، وديكارت ) 1596 – 1650 ) الذي وضع فلسفة تدعى بالفلسفة الاثنينية ( المادية والروحية ) والتي أدت إلى انقسام الفلاسفة إلى ثلاثة انقسام ، قسم لا يرى في هذا العالم إلا وجود مادي كما ذهب الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز ( 1588 – 1679 ) ، وقسم يري العكس ويقول أن العالم المادي هو حالة من حالات الروحية الخاصة كما ذهل ديكارت ( 1596 – 1650 ) الذي قال ( إن الله هو الذي متى أراد شيئا وخلقه كان خيرا ، وانه لا يمكن أن ينتج عن قراره إلا الخير المطلق ، وقسم كان أكثر تطرفا في مثاليته النظرية كما ذهب ، وبليز باسكال ( 1623 – 1662 ) وهو عالم فرنسي كان له صديق ملحد ينكر وجود الله ويرفض مبدأ الإيمان القلبي بوجود الله ويصر على انه يريد ان يرى الله بعيون الجسد والحواس البشرية ، كما انه كان يرفض الإيمان بالكتاب المقدس الذي يثبت وجود الله ، ولا يقبل أي برهان منطقي أو فلسفي على وجود الله ، ولكنه وفي نفس الوقت لا يستطيع أن يقدم أي دليل على عدم وجود الله ، ولذلك وأمام هذا الموقف لم يكن أمام باسكال إلا اللجوء إلى نظرية دليل الرهان على وجود الله ، وقد وجد هذا الدليل في سباق الخيول ، لأنه وفي سباق الخيول لا يستطيع احد أن يؤكد من سيكون الحصان الفائز ، وان كل شخص يمكن أن يراهن على أي حصان حسب رؤيته وحسب قانون الاحتمالات ، ولكن النتيجة لا يمكن أن تظهر إلا في نهاية السباق ، وبناء على هذه النتيجة سوف يكسب من يكسب وسوف يخسر من يخسر ، ومن هنا كان رأي باسكال في استخدام نظرية الرهان على وجود الله ، لأن المقارنة بين وجود الله وسباق الخيول قريب ، وكما لا يستطيع أي شخص أن يحدد قبل بدء السباق من سيكون الحصان الفائز ، لا يستطيع أي شخص قبل بدء الأبدية أن يؤكد وجود الله ، وكما أن كل شخص يمكن أن يراهن على حصان معين حسب نظرته وحسب قانون الاحتمالات يقول باسكال أن كلا من المؤمن والملحد يستطيع أن يراهن على وجود الله وعدم وجود الله ، وكما أن كل شخص لا يمكن أن يتأكد من هو الحصان الفائز إلا بعد نهاية السباق ، وكذلك أي شخص لا يستطيع أن يتأكد من حقيقة وجود الله إلا بعد الموت ، وبناء على هذه النتيجة يخسر من يخسر ويكسب من يكسب ، وهكذا يكتشف الإنسان بعد الموت أن كان الله موجود أم غير موجود ، وبناء على ذلك تكون الخسارة ويكون المكسب ، وهكذا قارن باسكال بين خسارة الملحد وخسارة المؤمن ، وقال اذا كسب الملحد الرهان فلا يكون المؤمن قد خسر شيئا ، ولكنه يكون قد كسب الشرف والفضيلة والأمانة والاحترام في الأرض ، وإذا كسب المؤمن الرهان فيكون الملحد قد خسر كل شيء في الأبدية في مقابل ما ربحه من أمور دنيوية وقتية . وأخير خلص باسكال إلى هذه الحقيقة موجها كلامه إلى الملحد ( لماذا يا أخي لا تختار الجانب الآمن حتى لا تخسر الأبدية ، وتكون خسارتك فادحة لا تعوض ، لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم وخسر نفسه ، و الفيلسوف والمطران الانجيلكاني جورج بيركلي ( 1685 – 1753 ) ، والفيلسوف هيغل ( 1770 – 1831 ) صاحب الفلسفة المثالية الخاصة ، والفيلسوف والمفكر الاجتماعي الروسي نيقولا الكسندروفتش برديانيف ( 1874 – 1948 ) والذي يعتبر احد أهم رواد الفلسفة الوجودية المسيحية ، وقد بدأ تطوره الفكري كمفكر اشتراكي حاول التوفيق بين ماركس وكانط ، ولكنه تخلى عن الفكر الاشتراكي تحت تأثير نيتشه وتسلط النظام وسيطرة الدولة على حرية الأفراد في عام 1901 ، وشارك في حركة التجديد الروسية وهي حركة دينية النزعة ، وذلك بالإضافة إلى إسهامه في حركة إصلاح وتجديد الكنيسة الروسية ، وفي تأسيس الأكاديمية الحرة للثقافة الروسية ، وهو من المفكرين الحدسيين ولذلك كان يعتبر أن الشخصية الحرة الخلاقة هي محور مذهبه ، وان الوجود الحق هو وجود الشخصية الحرة ، ولذلك كان يولي أهمية كبرى للفردية ، ويعتقد أن الفردية من الواجبات المقدسة الذي يكشف بها الإنسان عن كنه ذاته وعن توظيف طاقاته لكي يرفع ذاته إلى فرد فوق البشرية . وكارل سبنسر ( 1883 – 1969 ) وهو فيلسوف وجودي آلماني كان يعتقد أن الحرية شرط الوصول إلى الله ، ولذلك قال ( الحرية والله شيئان مرتبطان لا ينفصلان ) ، والفيلسوف غبريل مارسيل ( 1889 – 1969 ) وهو فيلسوف فرنسي كان يرى أن تسامي الفرد على ذاته هو أساس وجوده وخاصة إذا كان هذا التسامي نحو الله ، ولذلك كان يقول لا يوجد تناقض بين المسيحية والوجودية . ولكن الوجودية المعاصرة وخاصة الوجودية اللادينية التي نشأت على يد الفيلسوف والروائي والكاتب المسرحي والناشط السياسي جون بول سارتر ( 1905 – 1980 ) رفيق سيمون دي بوفوار ( 1908 – 1896 ) الكاتبة والمفكرة والفيلسوفه الوجودية والنسوية والوجودية النسوية والمنظرة الاجتماعية ، وصاحبة كتاب الجنس الأخر الذي يعتبر من وجهة نظر البعض من المفكرين عبارة عن تحليل مفصل حول اضطهاد المرأة ونص تأسيسي للحركة النسوية المعاصرة ، والذي شارك في المقاومة الفرنسية وجرب قسوة الاحتلال في السجون النازية ، فقد جاءت كردة فعل على ديكتاتورية الكنيسة وتسلطها وتحكمها في الإنسان بشكل تعسفي وديكتاتوري ، وكرد فعل على القلق الوجودي الذي ساد في الحرب العالمية الثانية والاحتلال النازي لفرنسا ، حيث كثر الموت والدمار والخراب والفناء الشامل ، وساد الشعور بعدم وجود أي معنى للحياة والحرية والمسؤولية والدم ، وذلك بالإضافة إلى دور الحركة العلمانية اللادينية ( اللاربوبية ) التي دعا إليها العالم تشارلز ديكنز ( 1812 – 1870 ) ، والدارونية ( 1809 – 1882 ) نسبة إلى عالم التاريخ الطبيعي البريطاني تشارلز روبرت داروين ، وقد اكتسب داروين شهرته من نظرية التطور التي تنص على ان كل المخلوقات الحية على مر الزمان تنحدر من أسلاف مشتركة ، وأن الإنسان مجرد حلقة في سلسلة التطور، والفيلسوف الألماني لودفيغ فيورباخ ( 1804 – 1872 ) الذي قال أن الله من اختراع الإنسان ، وان الإنسان هو الذي اخترع فكرة الله ، وكارل ماركس ( 1818 – 1883 ) الذي قال ما دام الإنسان هو الذي اخترع فكرة الله كما قال فيورباخ إذن كل الأنظمة الدينية والاجتماعية هي من اختراع الإنسان وبالتالي يستطيع الإنسان أن يبدل ويزيد أو ينقص من هذه الأنظمة ، وهكذا نرى إن فيورباخ هو الذي بذر بذور الإلحاد وان ماركس هو الذي قطف ثمارها ، والفلسفة الطبيعية التي نشأت على يد عالم اللاهوت الطبيعي وليام هويويل وهو احد العلماء الطبيعيين الذين صاغوا مصطلح علوم طبيعية في عام 1834 ، وعلوم طبيعية تعني اكتساب المعرفة من خلال التجارب باستخدام المنهج العلمي بعيدا عن الفلسفة ، واللاادرية ( الأغنوستية ) وهي مصطلح طرحه عالم الإحياء البريطاني توماس هكسلي ( 1825 – 1895 ) لأول مرة في خطابه أمام الجمعية الميتافيزيقية لشرح فلسفته في عام 1830 ، واللاادرية كما يقول وليام ليونارد روي هي موقف فلسفي يؤكد أن الإنسانية تفتقر إلى الأسس المنطقية التي تبرهن على وجود الله أو عدم وجود الله في نفس الوقت ، والعدمية وهي مذهب فلسفي يرى أن الوجود الإلهي وعدمه سواء ، ومن الشخصيات العدمية ديوجين الكلبي ( 421 ق م – 323 ق م ) والروائي الفرنسي جوستاف فلوبير ( 1821 – 1880 ) والروائي الفرنسي انوريه دي بلزاك ( 1799 – 1850 ) الذي يعتبر مؤسس الرواية الواقعية في الأدب الفرنسي والأوروبي مع الروائي جوستاف فلوبير ، والناقد جوتفريد ( 1886 – 1956 ) الذي قال ان العدمية ليست مجرد بث اليأس والخضوع في نفوس الناس ، ولكنها مواجهة شجاعة وصريحة لحقائق الوجود ، والكاتب الروماني اميل سيوران ( 1911 – 1955 ) ومن أعماله كتاب ( لو كان ادم سعيدا ) وكتاب ( المياه كلها بلون الغرق ) والكاتب الفرنسي اميل فرانسوا زولا ( 1840 – 1902 ) وهو الذي قال لن تبلغ الحضارة الكمال حتى يقع أخر حجر من أخر كنيسة على أخر قس ، والشاعر أبو العلاء المعري ( 973 – 1057) أشهر العدميين العرب ومن أشهر أقواله في العدمية نزول كما زال أباؤنا ويبقى الزمان على ما ترى ، نهار يمر وليل يكر ونجم يغور ونجم يرى ، وقوله هذا ما جناه على أبي وما جنيت على احد ، وذلك بالإضافة إلى غيرها من الحركات التي صاحبت النهضة الأوروبية والتي كانت ترفض الدين والكنيسة ، ودور فلسفة سقراط الذي وضع قاعدة اعرف نقسك بنفسك ، ودور الفلسفة الرواقية التي وضعت قاعدة الإنسان مقياس كل شيء ، ولكن ماذا تعني كلمة وجود في اللغة ، وكيف يمكن أن نصف كلمة وجود ، نحن نستطيع وصف أي شيء عن طريق مقارنته بنقيضه والأشياء تعرف بأضدادها ، فالقبح لا يعرف بدون الجمال والليل لا يعرف بدون النهار والجوع لا يعرف بدون الشبع ، ولكن هل يعرف الوجود بالعدم والمفروض أن العدم نقيض الوجود ، والوجود هو وجود الشيء مجسما في العالم المحسوس في لحظة أو أكثر من الزمن أي وجود الشيء في عالم الواقع المحسوس ، والعدم لا وجود له في العالم الواقعي الذي نعيش فيه ونحسه ، ولكن بعض الفلاسفة يقولون أن الوجود موجود ولكنه لا يساوي الواقع دائما ، ولكن وفي كل الأحوال لا يمكن أن نتجاهل حقيقة وجود الفكر الفلسفي الوجودي ، وقد أشار إلى هذه الحقيقة المجمع الفاتيكاني الثاني ( 1962 – 1965 ) الذي انعقد بدعوة من البابا يوحنا الثالث والعشرون في الفاتيكان ، وهو مجمع كنسي كاثوليكي يعتبر بحسب الكنيسة الكاثوليكية المجمع المسكوني الحادي والعشرون من خلال الإشارة إلى القلق المتولد لدى الإنسان في نهاية الحياة والانتقال إلى العالم الأخر ، والإشارة إلى لغز الحياة البشرية الذي يبلغ قمته حين يواجه الإنسان الموت ، والإنسان لا يزعحه الألم وتحلل الجسد التدريجي بقدر ما يزعجه الخوف من الفناء النهائي ، ولكن وإذا أردنا إن نسأل ما الفرق بين الفلسفة الوجودية والفلسفات الأخرى ، نستطيع ان نقول أن إجابة هذا السؤال يمكن أن نجدها في مؤلفات وكتب أعلام الفلسفة الوجودية بصورة مفصلة ، ولكننا نستطيع ان نقول ولو بصورة مختصرة جدا أن الفلسفة الوجودية هي تلك الفلسفة التي تنزع إلى الاهتمام بوجود الأشياء على ماهية الأشياء ، أي الاهتمام بالوجود الحاضر أو الكيان الواقعي على جوهر الوجود الحاضر والكيان الواقعي ، وقد برز هذا الفكر الفلسفي الوجودي في القرون الأخيرة كرد فعل على نزوع الفكر الفلسفي إلى المثالية المجردة والتصورات العامة التي تجاوزت الاهتمام بالوجود الحاضر والكيان الواقعي ومشاكل الإنسان في الحياة ، وهي مذهب لاهوتي وفلسفي في نفس الوقت ( الوجودية المسيحية والوجودية اللادينية ) وقد حاولت في الاتجاهين ولكن من موقعين مختلفين أن تجد إجابة لحيرة الإنسان أمام الماهيات التي وضعها أفلاطون ( عالم ما فبل العالم الحسي ) وتجريد أرسطو الذي يعني أن العضو الحاس في الإنسان يتلقى صورة الشيء المحسوس في عملية تجريد مؤداها أن العضو الحاس يجرد الصورة الحسية عن مادتها فينطبع بها ، أي أن الإحساس هو انتقال الصورة الحسية إلى الوجود بالفعل في العضو الحاس ، كالعين مثلا تتلون واليد تسخن بالحرارة والأذن تتحد بالصوت ، ومعنى هذا أن الإحساس عند أرسطو ليس عملية جسمانية ترجع إلى الجسم كما يرى أفلاطون مثلا أو كما يشاع من أن الجسم هو الذي يتعامل مع المحسوسات في حين يظل العقل مجردا من المجردات ، وإنما ينتهي تفسير أرسطو للإدراك الحسي بأنه عملية تستدعي عمل النفس بالإضافة إلى عمل الجسم ، واستخلاص الصورة من مادتها ، أي أنها عملية تجريد تمهد لعملية تجديد أخرى أعلى ، وتحدث حين يدرك العقل المجردات أو حين يرتفع من إدراك الجزئيات المحسوسة إلى إدراك الكليات أو الماهيات العقلية ، وعقلانية هيغل المطلقة التي تقوم على فكرة أن المعرفة ناتجة عن العلاقة المتداخلة بين الحس والعقل ، ومن هذا الأساس الجدلي نشأت فكرة هيغل عن الوحدة المطلقة بين الفكر والوجود ، وشكلت الأساس الذي قامت عليه فلسفته ، لقد رأى هيغل أن الوصول إلى الوعي من المادة مستحيل كما يرى الماديون , كما أن استخلاص المادة من الوعي كما تقول الأديان مستحيل ، ولذلك نظر هيغل إلى الوعي بوصفه نتيجة للتطور السابق لجوهر أولي مطلق لا يشكل وحدة مطلقة للذاتي والموضوعي دون أي تمايز بينهما , وعليه فالوحدة الأولية التي تشكل الأساس الجوهري للعالم هي وحدة الوجود والفكر حيث لا يختلف الذاتي والموضوعي إلا فكريا فقط ، ولذلك يعتبر الكثير من المفكرين أن كل من القديس اغسطينوس والقديس توما الاكويني والمفكر باسكال من مؤيدي الفكر الوجودي على الرغم من أن وجودهم يسبق تاريخ ظهور الفكر الوجودي . كما أنهم يرون أن الفكر الوجودي كان ثورة على فكر السلطات الدكتاتورية والمبادئ الأخلاقية المستبدة التي تصادر حق الإنسان في الحرية وفي الحق في الحياة الطبيعية بلا ملل أو ضجر أو قلق أو خوف أو عبودية ، ولذلك يرى الوجوديون أن الوجودية تعني أن يعيش الإنسان واقعة الحاضر بدون الشعور بالقلق أو الخوف من الماضي والمستقبل ، لأن الإنسان هو مركز موضوع الفلسفة الوجودية ، وهو وحده الذي يملك وحده الحق في ابتكار شروط حياته والقيم الخاصة به ، لأنه وحده هو وحده صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار في تكوين جوهر حياته ومعتقداته ، ولا يحتاج إلى من يوجهه وخاصة من السلطة الاستبدادية الدينية والدنيوية ، لأن غياب التأثير المباشر لأي قوة خارجية سواء قوة الدين أو قوة السلطة يعني أن الإنسان حر وكامل الحرية ، كما يعني أيضا أن الإنسان سوف يكون مسئول عن أفعاله الحرة مسئولية خارجة عن أي نظام مسبق ، وهكذا يكون في إمكان الإنسان كما ترى الفلسفة الوجودية أن يحل مشاكله بإرادته وحريته ، لأن الإنسان يجب أن يكون حرا ، ويحب إن يكون نفسه هو نفسه ، وهذا يعنى أن لا يلتزم الإنسان يشرع احد وان يبتكر طريقه بنفسه ، وعلى ذلك ترى الوجودية ان المرض النفسي موقف انفعالي تجاه الوجود والعدم ، ولذلك هو ليس مرضا مستقلا ولكنه تحول وجودي ، ومرض هذه طبيعته يمكن علاجه بالزمن بأن ينسى الإنسان الماضي ويتطلع إلى المستقبل ، ورغم أن الوجودية هي في الأساس حركة ثقافية ، ورغم أن الوجودية ترجع إلى بداية الثلاثينات من القرن العشرين ، إلا أن مفهوم الوجودية ما زال حتى اليوم مفهوم ملتبس على رجل الشارع وحتى على بعض المثقفين ، لأن مصطلح الوجودية مصطلح غامض ، ولا يمكن فك غموض مفهوم هذا المصطلح إلا بعودة هذا المفهوم إلى الأدب ، لأن نشأة هذا المصطلح كانت على يد الفيلسوف الأديب الفرنسي جون بول سارتر الذي كان احد المقاتلين في المقاومة الفرنسية ضد الاختلال الأللماني لفرنسا في الحرب العالمية الثانية والذي جرب قسوة الاعتقال في المعتقلات النازية ، والقلق الوجودي على الحياة ، والشعور بالعبثية أي عدم وجود أي معنى للحياة ، وعدم الشعور بالمسؤولية واليأس ، والعدمية وانتشار الموت ، ولذلك كان سارتر يرى أنه من الضروري للإنسان أن يلتفت إلى إبراز قيمة الوجود وأهمية الوجود ومعنى الوجود وموضوع الوجود ، والى نظرة وجودية إلى الوجود والعدم ، وفهم معنى الوجود بالدخول بالتجربة الوجودية الفردية الداخلية وبمعايشة الواقع وجدانيا أكثر منه عقليا ، واكتشاف المعاني الأساسية في الوجود الإنساني ، وخاصة العدم والفناء ، والموت والخطيئة ، والوحدة واليأس ، وقيمة الحياة ومعنى الحياة ، والالتزام واحترام القيم الإنسانية والحقوق والحرية ، والقلق الوجودي وما قد يؤدي إلى وجود ثلاث أنماط من الرجال ، رجل الجمال ورجل الأخلاق ورجل الدين ، رجل الجمال وهو رجل المتعة واللذة وشعاره ( تمتع بيومك ) ( أحب ما لا تراه مرتين ) ، ولا زواج ولا صداقة عند هذا الرجل ، والمرأة عنده أداة للغزو وليست غاية ، ورجل الأخلاق وهو رجل يعيش تحت لواء المسئولية والواجب نجو المجتمع والدولة والإنسانية ويؤمن بالزواج ولكنه لا يؤمن بالدين ، ورجل الدين وهو الرجل الذي يعيش خارج الزمان فلا صبح ولا مساء ( ليس عند ربكم صباح أو مساء ) ، وهو رجل متجرد من الدنيا ، ولذلك يتفق مع الأحوال المعروفة عند الصوفية ، ولكن قد تجتمع هذه الأنواع الثلاثة الجمال والأخلاق والدين في شخص واحد ، بحيث يتدرج هذا الشخص من المرحلة الجمالية إلى المرحلة الساخرة إلى المرحلة الأخلاقية إلى المرحلة العبثية وأخيرا إلى المرحلة الدينية طبقا لقانون التهوية والإشباع .

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف