
الأمل قوة أساسية في حياة الإنسان يصعب العيش بدونها
أم أنه مجرد عقار نفسي يدمنه ضعاف الهمم لكي يتعايشوا مع ظروفهم المحبطة ؟
أ.د. آمال عبد القادر جودة
أستاذ الصحة النفسية في جامعة الأقصى
يحمل لنا التاريخ بعض وجهات النظر السلبية للأمل، حيث تناولت وجهات النظر تلك، الأمل بشكل فلسفي ونظري على اعتبار أن الأمل مشاعر يتبناها ضعاف الإرادة والدافعية ليجدون شيئاً يعيشون بداخله، فقد صور لنا المسرح الإغريقي الأمل على أنه نقطة الضعف الإنساني والتي تجعل الناس يحملون ما لا يطيقون من معاناة، فالأمل في المسرح الإغريقي هو السمة الشخصية التي يتحلى بها من هم أضعف في مواجهة مشاكلهم، كما وصف بنجامين فرانكلين أن من يعيش بالأمل سوف يموت صائماً.
وحديثا يعد الأمل Hope من الجوانب الإيجابية في الشخصية، تلك الجوانب التي يتناولها بالدراسة علم النفس الإيجابي، ذلك العلم الذي يرجع الفضل في تأسيسه إلى العالم سيلجمان Seligman في الثمانينيات من القرن الماضي، ذلك العلم الذي يهدف إلى اكتشاف وتقييم مصادر القوة لدى شخصية الفرد بما يساعده على تجاوز ومواجهة الصعاب التي تواجهه نتيجة أحداث الحياة، ومن ثم يساعده على تطوير شخصيته والتخلص مما يشوبها من نقص وضعف.
ومن ثم أصبح الأمل من المفاهيم الهامة في علم النفس، وبالرغم من أنه بدأ تقديم المفاهيم المرتبطة بالأمل في الدراسات النفسية والطبية النفسية في خمسينيات القرن العشرين، إلاّ إن عام 1991 يعتبر هو البداية الحقيقية لدراسة الأمل من خلال كتابات سنايدر Snyder، إذ يرجع الفضل له في تأصيل مفهوم الأمل، وذلك في إطار نظرية سنايدر للأمل تلك النظرية التي لاقت اهتماماً كبيراً من العلماء والباحثين داخل مجال علم النفس وخارجه.
ومن وجهة نظر سيكولوجية يمنح الأمل الإنسان أكثر قليلا من مجرد المواساة وسط الأحزان، بل يؤدي دوراً فاعلاً في الحياة بصورة مدهشة، فالأمل يرتبط إيجابياً بالإنجاز الأكاديمي للطلبة، والرضا عن الحياة، وتقدير الذات، وفاعلية الذات، والذكاء الانفعالي، والسعادة، والتوافق الاجتماعي، ومستوى رفاهية الفرد. كما لوحظ أن للأمل القدرة على التخفيف من أعراض القلق والاكتئاب.
وكشفت نتائج الدراسات التي أجريت حديثاً وتناولت فعالية الأمل في العلاج عن أن الأمل يعتبر عاملاً جوهرياً وأساسياً في عملية شفاء المرضى الذين يعانون من الأمراض النفسية والأمراض المزمنة كالسرطان والفشل الكلوي، وذلك من خلال الحد من التأثير السلبي للمرض على الحالة النفسية والجسمية، فالأمل له مزايا وفوائد جمة عند مواجهة المشكلات المرتبطة بالمرض من خلال تعزيز بعض جوانب القوة النفسية لدى الفرد كتقدير الذات والمعنى في الحياة.
ويعرف سنايدر الأمل على أنه " وجهة معرفية وحالة دافعية تتضمن إيمان الفرد بقدرته وامتلاكه القدرة اللازمة للتخطيط والعمل المستمر لتحقيق أهدافه".
وقد يتساءل البعض هل يوجد أمل زائف في هذه الحياة ؟
نقول نعم إنه الأمل الذي لا يحقق للفرد ما يريده، ويتضمن ما يلي:
1. أن تكون توقعات الفرد غير واقعية مبينة على الأوهام.
2. أن تكون الأهداف التي يضعها الفرد غير ملائمة.
3. أن تكون الاستراتيجيات التي يستخدمها لتحقيق أهدافه غير فعالة.
ويرى أريك فروم أن الأمل حالة من حالات الوجود الإنساني.. مرتبط بمشاعر الإنسان ووعيه، ..إنه استعداد باطني قوي.. وتلازم نفسي مع الحياة والنمو، فألاّ يأمل الطفل أن ينتصب واقفاً وأن يمشي ؟ وألاّ يأمل المريض أن يشفى، والسجين أن يطلق سراحه، وأن يأكل الجائع، ألاّ نأمل في أن نستيقظ على يوم آخر عندما ننام؟
وهذا ما يدفعنا إلى القول بأن الشعوب والأمم تحتاج إلى الأمل كما الفرد، فليس الفرد فقط هو من يعيش بالأمل بل الشعوب أيضاً، فالأمل هو عنصر حاسم في أي محاولة لإحداث تغير اجتماعي يتسم بالوعي والتنظيم، وقوة أساسية في حياة البشرية، فهو من أقدم الفضائل وأكثرها أهمية في حياة البشر، إذ تجعلهم ينظرون إلى العالم على أنه مكان يستحق أن يعيشوا فيه، وبالتالي يصعب عليهم العيش بدونها.
ومن الملاحظ أن المجتمع الفلسطيني يعاني من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وهو بحاجة إلى الأخذ بكافة المتغيرات الإيجابية كالأمل، سواء على المستوى الفردي أو على المستوى المجتمعي، ليس من أجل المساعدة على تخفيف المعاناة الجسمية والنفسية والاجتماعية لدى الأفراد فحسب، وإنما لرفع كفاءتهم في مواجهة أحداث الحياة الضاغطة ومشكلاتها اليومية، والإفادة من علم النفس الإيجابي في تحقيق التنمية البشرية والاجتماعية والوصول إلى مستوى مناسب من الصحة النفسية المجتمع الفلسطيني.
أم أنه مجرد عقار نفسي يدمنه ضعاف الهمم لكي يتعايشوا مع ظروفهم المحبطة ؟
أ.د. آمال عبد القادر جودة
أستاذ الصحة النفسية في جامعة الأقصى
يحمل لنا التاريخ بعض وجهات النظر السلبية للأمل، حيث تناولت وجهات النظر تلك، الأمل بشكل فلسفي ونظري على اعتبار أن الأمل مشاعر يتبناها ضعاف الإرادة والدافعية ليجدون شيئاً يعيشون بداخله، فقد صور لنا المسرح الإغريقي الأمل على أنه نقطة الضعف الإنساني والتي تجعل الناس يحملون ما لا يطيقون من معاناة، فالأمل في المسرح الإغريقي هو السمة الشخصية التي يتحلى بها من هم أضعف في مواجهة مشاكلهم، كما وصف بنجامين فرانكلين أن من يعيش بالأمل سوف يموت صائماً.
وحديثا يعد الأمل Hope من الجوانب الإيجابية في الشخصية، تلك الجوانب التي يتناولها بالدراسة علم النفس الإيجابي، ذلك العلم الذي يرجع الفضل في تأسيسه إلى العالم سيلجمان Seligman في الثمانينيات من القرن الماضي، ذلك العلم الذي يهدف إلى اكتشاف وتقييم مصادر القوة لدى شخصية الفرد بما يساعده على تجاوز ومواجهة الصعاب التي تواجهه نتيجة أحداث الحياة، ومن ثم يساعده على تطوير شخصيته والتخلص مما يشوبها من نقص وضعف.
ومن ثم أصبح الأمل من المفاهيم الهامة في علم النفس، وبالرغم من أنه بدأ تقديم المفاهيم المرتبطة بالأمل في الدراسات النفسية والطبية النفسية في خمسينيات القرن العشرين، إلاّ إن عام 1991 يعتبر هو البداية الحقيقية لدراسة الأمل من خلال كتابات سنايدر Snyder، إذ يرجع الفضل له في تأصيل مفهوم الأمل، وذلك في إطار نظرية سنايدر للأمل تلك النظرية التي لاقت اهتماماً كبيراً من العلماء والباحثين داخل مجال علم النفس وخارجه.
ومن وجهة نظر سيكولوجية يمنح الأمل الإنسان أكثر قليلا من مجرد المواساة وسط الأحزان، بل يؤدي دوراً فاعلاً في الحياة بصورة مدهشة، فالأمل يرتبط إيجابياً بالإنجاز الأكاديمي للطلبة، والرضا عن الحياة، وتقدير الذات، وفاعلية الذات، والذكاء الانفعالي، والسعادة، والتوافق الاجتماعي، ومستوى رفاهية الفرد. كما لوحظ أن للأمل القدرة على التخفيف من أعراض القلق والاكتئاب.
وكشفت نتائج الدراسات التي أجريت حديثاً وتناولت فعالية الأمل في العلاج عن أن الأمل يعتبر عاملاً جوهرياً وأساسياً في عملية شفاء المرضى الذين يعانون من الأمراض النفسية والأمراض المزمنة كالسرطان والفشل الكلوي، وذلك من خلال الحد من التأثير السلبي للمرض على الحالة النفسية والجسمية، فالأمل له مزايا وفوائد جمة عند مواجهة المشكلات المرتبطة بالمرض من خلال تعزيز بعض جوانب القوة النفسية لدى الفرد كتقدير الذات والمعنى في الحياة.
ويعرف سنايدر الأمل على أنه " وجهة معرفية وحالة دافعية تتضمن إيمان الفرد بقدرته وامتلاكه القدرة اللازمة للتخطيط والعمل المستمر لتحقيق أهدافه".
وقد يتساءل البعض هل يوجد أمل زائف في هذه الحياة ؟
نقول نعم إنه الأمل الذي لا يحقق للفرد ما يريده، ويتضمن ما يلي:
1. أن تكون توقعات الفرد غير واقعية مبينة على الأوهام.
2. أن تكون الأهداف التي يضعها الفرد غير ملائمة.
3. أن تكون الاستراتيجيات التي يستخدمها لتحقيق أهدافه غير فعالة.
ويرى أريك فروم أن الأمل حالة من حالات الوجود الإنساني.. مرتبط بمشاعر الإنسان ووعيه، ..إنه استعداد باطني قوي.. وتلازم نفسي مع الحياة والنمو، فألاّ يأمل الطفل أن ينتصب واقفاً وأن يمشي ؟ وألاّ يأمل المريض أن يشفى، والسجين أن يطلق سراحه، وأن يأكل الجائع، ألاّ نأمل في أن نستيقظ على يوم آخر عندما ننام؟
وهذا ما يدفعنا إلى القول بأن الشعوب والأمم تحتاج إلى الأمل كما الفرد، فليس الفرد فقط هو من يعيش بالأمل بل الشعوب أيضاً، فالأمل هو عنصر حاسم في أي محاولة لإحداث تغير اجتماعي يتسم بالوعي والتنظيم، وقوة أساسية في حياة البشرية، فهو من أقدم الفضائل وأكثرها أهمية في حياة البشر، إذ تجعلهم ينظرون إلى العالم على أنه مكان يستحق أن يعيشوا فيه، وبالتالي يصعب عليهم العيش بدونها.
ومن الملاحظ أن المجتمع الفلسطيني يعاني من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وهو بحاجة إلى الأخذ بكافة المتغيرات الإيجابية كالأمل، سواء على المستوى الفردي أو على المستوى المجتمعي، ليس من أجل المساعدة على تخفيف المعاناة الجسمية والنفسية والاجتماعية لدى الأفراد فحسب، وإنما لرفع كفاءتهم في مواجهة أحداث الحياة الضاغطة ومشكلاتها اليومية، والإفادة من علم النفس الإيجابي في تحقيق التنمية البشرية والاجتماعية والوصول إلى مستوى مناسب من الصحة النفسية المجتمع الفلسطيني.