الأخبار
الولايات المتحدة تفرض عقوبات على مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية(أكسيوس) يكشف تفاصيل محادثات قطرية أميركية إسرائيلية في البيت الأبيض بشأن غزةجامعة النجاح تبدأ استقبال طلبات الالتحاق لطلبة الثانوية العامة ابتداءً من الخميسالحوثيون: استهدفنا سفينة متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي وغرقت بشكل كاملمقررة أممية تطالب ثلاث دول أوروبية بتفسير توفيرها مجالاً جوياً آمناً لنتنياهوالنونو: نبدي مرونة عالية في مفاوضات الدوحة والحديث الآن يدور حول قضيتين أساسيتينالقسام: حاولنا أسر جندي إسرائيلي شرق خانيونسنتنياهو يتحدث عن اتفاق غزة المرتقب وآلية توزيع المساعدات"المالية": ننتظر تحويل عائدات الضرائب خلال هذا الموعد لصرف دفعة من الراتبغزة: 105 شهداء و530 جريحاً وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعةجيش الاحتلال: نفذنا عمليات برية بعدة مناطق في جنوب لبنانصناعة الأبطال: أزمة وعي ومأزق مجتمعالحرب المفتوحة أحدث إستراتيجياً إسرائيلية(حماس): المقاومة هي من ستفرض الشروطلبيد: نتنياهو يعرقل التوصل لاتفاق بغزة ولا فائدة من استمرار الحرب
2025/7/10
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

نابلس ودوما، وحديث في التيه الفلسطيني بقلم: د. حسن أيوب

تاريخ النشر : 2015-08-15
نابلس ودوما، وحديث في التيه الفلسطيني بقلم: د. حسن أيوب
نابلس ودوما، وحديث في التيه الفلسطيني

الكاتب: د. حسن أيوب

أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية

 
            تبدو الحالة الفلسطينية الداخلية في الاونة الأخيرة من التفكك والتأزم بحيث بات على كل عاقل أن يدعو إلى وقفة لتقييم هذا الواقع. منذ ثلاثة أيام انشغل الرأي العام الفلسطيني، والنابلسي على وجه الخصوص، بأزمة جديدة هي أزمة إدارة البلدية التي فجرتها أزمة المياه في ظل هذا الصيف القائظ. لست من العالمين بخفايا أزمة البلدية، لكنها أزمة دالة على الحالة الفلسطينية عموما. أبرز دلالاتها هو هذا الفراغ المؤسسي والقانوني الذي نعيشه في المناطق التي "تديرها" السلطة الفلسطينية. أصبح بمقدور كل محتج على أية سياسة أو قرار رسمي من أي مستوى كان، أن يعبر عن احتجاجه بإغلاق الشوارع، وحرق الإطارات، والتصادم مع الشرطة، والاعتداء على الأماكن العامة.

             تسود مدننا ومخيماتنا حيث تمارس السلطة الفلسطينية وظائفها -أو تعجز عن ممارستها- حالة من غياب القانون، ومظاهرانهيار النظام الاجتماعي والتشظي المجتمعي، وسهولة التعدي على الحيز العام. وتنتشر في أوساطنا حالة من الغليان والاحتقان بات معها مشاهدة "الطوش" العنيفة إلى حد القتل، أمر معتاد ويومي. أصبح بوسع أي مجموعة من الناس (عائلة، مخيم، حي في مدينة، نقابة، جهة، زمرة مستزلمة تشعر بمكانتها، ...الخ) أن تلحق الشلل بهذا المرفق أو ذاك من المرافق العامة والخاصة على السواء، وصار بمقدور فئات بعينها أن تلوي ذراع القانون، وتعربد على الناس مستقوية بنفوذها المستمد من وجود السلطة الفلسطينية. في مقابل ذلك، تعمل المؤسسات الرسمية بكل مستوياتها بمنطق البلقنة والخصخصة، بحيث تحول كل من يمارس مسؤولية عامة إلى حاكم بأمره، له قواته الضاربة (بغض النظر عن مسماها) وأجهزته الأمنية، وحوله شرائح من المستفيدين والمدَاحين، وكأن كل جهة رسمية في حيز نفوذها هي كيان مستقل، أو إقطاعية خاصة. تغذي كل من هتين الظاهرتين بعضهما بعضا في مسار انحداري خطير نحو التفكك والانهيار الكامل لكل المنظومة التي أنشأتها ورعتها، وحرصت على تعميقها السلطة الفلسطينية.

            مما يزيد الأمور تدهورا ونزوعا نحو الانعدام التام للشعور الجماعي بوحدة الأهداف والمصير، هو ما ينشر عبر وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، حول الفساد المالي المستشري في أوصال مؤسسات وأجهزة السلطة الفلسطينية. لدى الجمهور الفلسطيني العريض قناعته بوجود هذا الفساد. وعندما نعلم بأن فوارق الدخل الشهري -على سبيل المثال- بين بعض المستويات العليا في مراتب السلطة الفلسطينية وبين متوسط الدخل الفردي للفلسطيننين تصل أحيانا إلى 280 ضعفا(حسب تقرير لموقع فلسطين 24)، فلن نستهجن أن يغيب عن سلوك المواطن الغاضب الالتزام بالقانون والنظام أو الامتناع عن الاعتداء على الحق العام. لا يشعر المواطن بأن هذه المنظومة مكرسة لخدمته، أو الدفاع عن أمنه، أو تحقيق الحد الأدنى من عيشه الكريم، ويرى فيها التعبير الصارخ عن عمق الفوارق الاجتماعية المتعاظم، وعن سيادة المحسوبية والاستزلام والزبائنية بأكثر صورها فظاظة. إن الحديث عن الفساد بالصيغ المعتادة وكأنه حالة يمكن "مكافحتها" لا يفيد. إذ إن استشراء الفساد بهذا المستوى يدلل على أنه جزء من بنية السلطة الفلسطينية. لا يمكن لأي مراقب حصيف لطبيعة، وأدوار، ووظائف هذه السلطة منذ قيامها، إلا أن يلاحظ بأن تصميمها، وارتباطاتها، والقيود المفروضة عليها، وتوزيع الأدوار فيها هي حاضنات بنيوية للفساد.

            إن النتيجة المتوقعة لهذه المتوالية هي مزيد من غياب الإحساس العام بهيبة القانون، وبحصانة الحيز العام، وصولا إلى الصدام المفتوح مع المنظومة المهيمنة في المجتمع الفلسطيني. إن الحلول المطروحة لأزمة ديون المياه على المواطنين مثلا لا تحل بتركيب عددات مسبقة الدفع. فالماء حق إنساني أولا، والأهم بأن الحل يكمن في احترام القانون والالتزام بالمصلحة العامة، وهو ما لن يتم في ظل الظروف الراهنة والمشار إليها هنا. إن أخطر ما يترتب على أحداث نابلس وما يشابهها هو أولا تكريس منطق الغلبة وجواز الإطاحة بهيئات منتخبة باستخدام طرق تحكمية (علما بأن الانتخابات لا تمنح شرعية للأبد أو دون توقعات في الأداء)، وهو أمر إن طان لبعض الأطراف مصلحة من وراءه فإن هذه الأطراف لن تمتلك التحكم فيه إذ تحول إلى سابقة. وثانيا: هو تعزيز حالة غياب النظام العام، وزيادة معدلات الاستخفاف بالقانون عبر ممارسات منفلته ويجري التسامح معها لأسباب سياسية، أو كون السلطة تشعر بعدم الرغبة في الدخول في صدام مع المواطنين، وهو ما يشير إلى ارتفاع احتمالات الصدام بفعل شعور الناس بسهولة خرق القانون دون عواقب.

أنا لا أبشر، ولا أدعو لهذا الصدام، ولكن المتأمل لما يجري بين ظهرانينا لا يمكنه أن يغفل هذه الإمكانية. للأمر علاقة وطيدة بالتغير الجذري الذي تحقق بفعل اتفاقية أوسلو وما نتج عنها من تحولات، وبخاصة لجهة تحميل السلطة الفلسطينية عبء الخدمات والإدارة والتوظيف...الخ دون أن تتوفر لهذه السلطة الموارد اللازمة. أقصد بالموارد ليس فحسب المالية، بل كذلك السيادية، والقانونية. لقد نجحت إسرائيل في تحويل السلطة الفلسطينية إلى متلقي الضربات نيابة عنها في كل شأن يثير غضب الفلسطينيين. قلصت اتفاقية أوسلو إلى أبعد حد قدرتنا على توجيه الغضب إلى عنوانه الأول: الاحتلال. وعمقت السلطة الفلسطينية بمسلكياتها الفضائحية من هذا الحالة، وبخاصة استمرار التنسيق الأمني الذي عمق من حالة التفاوت الكبير في القوة بين الشعب الفلسطيني والاحتلال، بحيث يات الفلسطيني مكشوف تماما أمام الاحتلال ومستوطنيه.

            لم يحدث في تاريخ حركات التحرر الوطني أن تعاونت الشعوب (قياداتها السياسية بطبيعة الحال) الخاضعة للاستعمار أو الاحتلال مع مضطهديها ومستعمريها خدمة لأمن هذا المستعمر. أصبح لدينا صورة مشوهة من العلاقة بالمحتل. تجد هذه الصورة تجلياتها في حالة التفكك الداخلي الذي وصل ذروته في الانقسام الفلسطيني، ويعبر عن نفسه في الشارع كما أسلفنا، وفي حالة العجز المتراكم عن تشكيل أي نوع من الضغط أو التهديد للمحتل، ويعبر عن نفسه في عجزنا الفاضح عن التصدي لجرائم مثل جريمة "دوما" وما سيليها من جرائم مماثلة.

إن مشهد الشارع النابلسي المنتفض بوجه بلدية نابلس، في حين لم تجف دماء كل من الرضيع علي ووالده سعد دوابشه، وفي حين تتوالى هجمات المستوطنين على المواطنين في قريوت، وقصرة، وبورين، وغيرها، هذا المشهد يروي كل حكاية ما صنعته بنا اتفاقيات أوسلو. أصبحنا عوالم مشتتة، لا يجمعنا هدف، ولا يحملنا للتكاتف في وجه المحتل منظومة كفاح وطني. لقد امتد تيهنا، بحيث أصبح الحديث يدور عن انتفاضة يبدو أنها انتفاضة المستوطنين وليس انتفاضة المقهورين تحت الاحتلال. لم لا وقد تخلينا طوعا عن خياراتنا الكفاحية، وأصبح وجود السلطة الفلسطينية -حسب تقييم قادة أجهزة الاستخبارت الاسرائيلية- هو الضامن لعدم اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة. لا أبالغ إن قلت بأن الحالة في نابلس هي نموذج مصغر لمعادلة الوضع الفلسطيني برمته: قاتلوا بعضكم داخل "الغيتو"، ونحن سنقتلكم خارجه، وستوفرون لنا العون.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف