الأخبار
إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينيةمستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلالعائلات أسرى الاحتلال تطالب الوفد بتسريع إنجاز الصفقة خلال هذا الأسبوعنعيم قاسم: لن نكون جزءاً من شرعنة الاحتلال في لبنان ولن نقبل بالتطبيعفتوح: تهجير عشرات العائلات من عرب المليحات امتداد مباشر لسياسة التطهير العرقي والتهجيرالنيابة والشرطة تباشر إجراءاتهما القانونية في واقعة مقتل شابة في مدينة يطاالغرفة المشتركة لفصائل المقاومة: ياسر أبو شباب وعصابته خارجون عن الصف الوطني ودمهم مهدور(القناة 12) الإسرائيلية: (كابينت) يصادق على إدخال المساعدات لجميع أنحاء قطاع غزةالحوثيون يعلنون استهداف مطار "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتيشاهد: خامنئي يظهر علنا لأول مرة منذ الحرب الإسرائيلية على إيرانمؤسسة هند رجب: الحكومة الإسرائيلية تخصص موارد كبيرة لإيقاف عملناالرئيس اللبناني: لن يكون في جنوب البلاد قوة مسلحة غير الجيشإعلام إسرائيلي: عملية (عربات جدعون) مُنيت بفشل ذريع"الأغذية العالمي" يدعو لفتح مزيد من الطرق الآمنة في قطاع غزةالاحتلال يعلن اعتراض صاروخ من اليمن بعد دويّ صفارات إنذار
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحركات السرية في اسرائيل ... خلفيتها الايدلوجية ومضامينها السياسية بقلم : عمرو محمد يوسف العملة

تاريخ النشر : 2015-08-12
الحركات السرية في اسرائيل ... خلفيتها الايدلوجية ومضامينها السياسية بقلم : عمرو محمد يوسف العملة
الحركات السرية في اسرائيل ... خلفيتها الايدلوجية ومضامينها السياسية

بقلم : عمرو محمد يوسف العملة
كاتب وباحث في المشكلات العالمية المعاصرة.
[email protected]


درج الفقه السياسي الفلسطيني على عدم اعطاء ظاهرة الحركات والمنظمات اليمينية المتطرفة في اسرائيل حقها من التحليل العلمي الدقيق. وهو بذلك يكرر الفكر العربي دون أي محاولة لادراج تلك الظاهرة في الواقع المعاصر للسياسة الاسرائيلية والذي اساسه مطاردة الارض والشعب داخل فلسطين وتحقيق عملية زحف ثابت في المنطقة بقصد تكريس استيعاب الاراضي المحتله. وتجميع كل يهود العالم في أرض الميعاد وتحقيق نقاء داخلي بحيث تنتهي اسرائيل لأن تصير دولة يهودية تضم فقط الشعب المختار. وقد لجأت الحركة الصهيونية على استخدام العديد من الوسائل بما في ذلك الاستناد الى الحركات والجماعات المتطرفة كاداه محلية ذات فاعلية وصولا للهدف. النماذج التي تساق بهذا الخصوص عديده ولو اقتصرنا على اهمها وأكثرها خطورة من حيث ما استطاعت أن ترتكبه من مجازر وعمليات قتل وابادة جماعية لكان علينا أن نتوقف عند ((هاشومير،الهاجاناه،الارجون،شتيرن،ليحي)) ويكفي أن نعيد الى الذهن مجزرة دير ياسين التي اشتركت فيها جميع هذه العصابات واطلقت عليها اسم (( الوحدة)) فالمدافع التي استخدمت قدمتها منظمة ((الارجون))والمتفجرات كانت تمتلكها جماعة (( شتيرن)) أما البنادق فإن الذي مول بها هو ((الهاجاناه)) وعندما انتهت العملية بنجاح فإن جميع الصهيونيين بما فيهم المعتدلين لم يقبلوا المناقشة للمسؤولية الحقيقية لاصحاب العملية وذلك رغم أن نفس أصدقاء الصهيونية من بين القادة الانجليز في المنطقة لم يترددوا في أن يصفوا هذه المجزرة بأنها تعبير عن أدنأ الخصائص التي يمكن أن يتصف بها جيش محارب. ونستطيع أن نضيف بعض من هذه الحركات التي وجدت عقب الاحتلال الاسرائيلي في العام 1967: (( حركة الاستيلاء على الاقصى)) أسسها موشيه لينفكر عام 1968 وهي حركة تدعو الى هدم المسجد الأقصى واقامة الهيكل اليهودي مكانه، ((حركة غوش ايمونيم)), أسسها كذلك موشيه لينفكر عقب حرب 1973 نتيجة للاحباط الذي أصاب الرأي العام اليهودي ولتعيد الثقة بالذات في التقاليد الصهيونية، كما أنها تدعو الى طرد العرب من فلسطين بالقوة والى هدم المسجد الأقصى لاقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه. ((حركة ارهاب ضد ارهاب)) (تي أن تي) أسسها مائير كهانا وهي الحركة التي نفذت محاولة اغتيال رؤساء بلديات الضفة في حزيران 1980.((الخلية السرية الاسرائيلية)) والتي توجد داخل الجيش الاسرائيلي واكتشفت في عام 1984 في أثناء الاعداد لمحاولة قصف المسجد الأقصى. ((حركة دمغة الثمن)) وبداية نشاطها الارهابي كانت في منتصف عام 2011 وتنفذ اعتدائها ضد الفلسطينيين ليس في الضفة فقط بل وداخل الخط الأخضر وقامت بالعديد من الاعتداءات التي طالت البشر والشجر والممتلكات والأماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية, وكان آخر ما قامت به هذه الحركة من جرائم اقدامها على عملية حرق طالت عائلة دوابشة من قرية دوما في نابلس استشهد على اثرها الطفل الرضيع علي ووالده سعد فيما بعد متأثرا بجراحه، وفي أعقاب هذه الجريمة خرجت علينا صحيفة هآرتس لتحدثنا أن النواة الصلبة لهذه المجموعة فيما عرف ب ( دمغة الثمن) و ( شبيبة التلال) تتكون من عشرات النشطاء الذين ينطلقون من البؤر الاستيطانية المنتشرة في الضفة الا انهم يتحركون في جميع انحاء اسرائيل بما في ذلك داخل الخط الأخضر ونقلت الصحيفة عن أوساط المحققين الى أن هذه المجموعة لا تعمل وفقا للاسلوب السابق كردورد فعل على بعض القرارات الحكومية المتعلقة بالاستيطان بل أصبحوا ينطلقون من أسس أيدوليجية تعمل على تقويض الاستقرار في الدولة العبرية واقامة نظام جديد يستند الى الشريعة اليهودية.ان المتتبع لهذه الحركات وأنشطتها يلحظ بوضوح التزايد في أعدادها في الوقت الذي ازداد فيه عملياتها وتنوعت أهدافها وجميعها ينبع من حركات سرية متطرفة مشبعة بالنصوص الدينية اليهودية التي تمثل لها المنبت والاطار الايدلوجي الذي ترتكز اليه في ادعائها  ((بالحق الالهي والتاريخي)) في أرض كنعان وتنطلق منه في سلوكها الاجرامي العنصري ضد من هم غير اليهود (( الغوييم)). فعلى سبيل المثال وفي التوراة : الاصحاح 33- سفر التكوين - يحدد التوسعية الاسرائيلية بالقول : فإن الرب كلم موسى أن يعبر بنو اسرائيل نهر الأردن الى أرض كنعان ويطردوا كل سكانها ويملكون الأرض ويسكنونها وحذر من التراخي في الطرد لأن من سيبقى سيكون شوكة في العين. وفي الاصحاح-9- سفر المزامير- يقول: ان الرب الساكن في صهيون يطالب بالدماء، و في الاصحاح-6- سفر يشوع- أمر باهلاك أهل المدينة من رجال ونساء وأطفال وشيوخ والدواب بحد السيف وأن تحرق المدينة بما فيها الا الذهب والفضة وآنية النحاس والحديد فتدخل في خزانة الرب.واقعة حرق الطفل أبو غوش وقبل ذلك الطفل أبو خضير ليست الا نموذجا صارخا يعكس ويؤكد حقيقة أثر التعاليم اليهودية الذي بات ظاهرا في كل الحركات الدينية المتطرفة وهي تعاليم تعني لليهوي حقه بل وواجبه في أن يلجأ الى جميع الوسائل والأدوات دون أي اعتبار لأي قيم مثالية أو خلقية في معاملته للاغيار واستباحة دمهم وعرضهم وممتلكاتهم. لن نقف كثيرا عند هذه النصوص وهي نصوص أخطر من أن تعالج في مقالة أو عدة صفحات. ولكن ما نود أن نشير اليه أنه ومنذ العام 1977 بوصول تكتل الليكود بزعامة مناحيم بيجن الى الحكم في اسرائيل هيمن الليكود و اليمين المتطرف على الحكم باستثناء عابر عام 1992 بزعامة اسحق رابين، وفي ظل حكم الليكود تكرس واقع قوي في التركيبة الاسرائيلية الداخلية ودخلت اليهودية المتدينة صلب الحياة العامة رسميا عندما سلم مناحيم بيجن الحزب القومي وزارتي التعليم والداخلية فكان لذلك اثار مزدوجة: فمن جانب نما التعليم الديني وممارسة الشعائر الدينية كثيرا في الحياة العامة والجيش والمدارس وتحول التركيز الديني عن مؤسسة السبت وطقوس العبادة الى الاهتام باسرائيل الكبرى (( التي منحها الله للهيود)) وبالجزء المبكر من التوراة الذي يبحث في الصراع الذي خاضه العبريون لتخليص البلاد من القبائل المحلية التي ذبحت لتحقيق (( النبوة الإلهية)) وفي الوقت ذاته بدأ الاسرائيليون المتدينون يلعبون دورا أنشط بكثير في الحياة العلمانية ففي حين كان على اليهود المتشددين أن يختاروا بين الدراسات الدينية والخدمة العسكرية أصبح الكثير من الكليات الدينية الشهيره يقرن دراسة التوراة بالتدريب العسكري ويؤكد أنه يساهم بعدد من ضباط الجيش يساوي تقريبا عدد من تساهم بهم الكيبوتسات، كذلك يقع الكثر من كليات (( اليشيفيا)) هذه في الأراضي المحتلة عام 1967ولذا فإنها تشكل مستوطنات يقوم طلابها بأعمال الحراسة. والواقع أن المتدينيين سيطروا على كل المستوطنات التي أقيمت ولا تزال عقب مجيء الليكود وأصبحت بؤرة نشاط لليمين المتطرف وكل الدلائل تشير الى أن المبادرات الفعلية المؤثرة في الأحداث داخل الأراضي الفلسطينية قد أصبحت الان (ومنذ سنوات بالتدريج) في أيدي جماعات  المستوطنين العنصريين التي عمقت حكومات الليكود المتعاقبة عندها الخصوصية والعنصرية والتشبع بالقومية اليهودية واهانة التعايش واهانة العرب والدعوة العلنية الى قتلهم وتدمير مقدساتهم وعلى وجه الخصوص المسجد الأقصى ((كتجسيد عميق للفعل اليهودي الخالص)) من أجل اعادة المجد الى أرض اسرائيل وذلك ببناء الهيكل المزعوم من جديد على انقاضه. وما دام التطرف والعنصرية والحقد ضد كل ما هو عربي اصبح من سمات المجتمع الصهيوني لا يجوز أن تخدعنا الخلافات الشكلية التي تثيرها القيادات الصهيونية من آن لاخر وحرصها على أن تضع حاجز وهمي بينها وبين جماعات الارهاب العنصرية ومحاولة اظهار سلوكها المعادي للعرب وكأنه سلوك شخصي لا علاقة له بالموقف الرسمي. انها ليست الا نوعا من الاخراج المسرحي الذي يدور حول عملية تمويه ضخمة على الرأي العام العالمي. وفكرة الاخراج المسرحي تقودنا الى مبدأ توزيع الأدوار والذي يمثل احدى الخصائص الواضحة والمعبرة عن التطور المعاصر للسياسة الخارجية ميز الحركة الصهيونية منذ بدايتها، بل انه يكاد يكون لصيقا بالوجود اليهودي بحيث يمكن القول أن اسرائيل لم تفعل سوى أن تلقفت هذا التقليد الثابت ولأن تجعل منه أساسا لحركتها السياسية وبرعت في تطبيقه وعلى نطاق واسع. بهذا المعنى لم تتردد السياسة الاسرائيلية في أن تستخدم جماعات الاستيطان العنصرية، فما لا تستطيع الحكومة - كواجهة رسمية - تنفيذه من عمليات ترويع وتقتيل واعتداء على الممتلكات والمؤسسات العربية توعز للمستوطنين من خلال تنظيماتهم بتنفيذه عمليا ثم احاطة تلك العمليات الاجرامية بنوع من التحرك الصوري مكتفية بالشجب العلني الكاذب للتطرف والتظاهر بمحاكمة المتطرفين، وبهذا تمتص اسرائيل كل التهم والادانات وتحويلها الى منظمات وجماعات متطرفة مهووسة دينيا وتبدو امام المجتمع الدولي المعاصر وكأنها بريئة من الفاشية والعنصرية وبريئة من الدم الفلسطيني براءة الذئب من دم ابن يعقوب. وهكذا تتوزع الأدوار داخل الكيان الصهيوني فالحكومة لها دور وداخل الحكومة هناك ادوار وللمستوطنين ادوار اخرى بل أن المعارضة لها دور هي أكثر صلاحية لادائه يتمثل في تنقية الصورة المشوهه لليكود وللجماعات اليمينية المتطرفة والمترسبة في ذهن الرأي العام العالمي.
من هذا المنطلق نستطيع أن نفهم التصريحات العديدة والأحاديث المتنوعة والزيارة اليائسة لنتنياهو لعائلة دوابشة في المركز الطبي واتصاله بالرئيس ابو مازن وتعهده بالقاء القبض على منفذي العملية الارهابية. ويخطئ من يتصور أن تصريح أو مشهد تمثيلي جيد الحبكة بجانب سرير الطفل الآخر من عائلة دوابشة سوف يضع حدا للجماعات الصهيونية المتطرفة التي رضعت من ثدي الوعظ الكهنوتي وتأصل عقدة الميز العنصري ونزعة العنف والارهاب لديها. فعلى من تلقي مزاميرك يا داوود؟ لسنا من السذاجة أن ننخدع بهذا وننسى أنه دور في مسرحية. يلعب كل طرف فيها دوره بكل دقة مما يشير الى أن حركة (( دمغة الثمن )) أو (( شبيبة التلال)) وغيرها من الحركات الجديدة ستعامل برفق لا يقل عن الرفق الذي عوملت به سابقاتها من الحركات الارهابية الاسرائيلية، خاصة اذا ما تذكرنا القرابة الايدولوجية بين التحالف الحاكم والارهابيين أقوى من أن تسمح للعملية القضائية بأن تأخذ مجراها الحقيقي.
الخلاصة التي يجب أن تمثل عصب هذا التحليل هي التأكيد على مجموعة من الحقائق يجب أن نسلم بها كبديهيات ليست في حاجة الى مناقشة، هذه الحقائق هي وحدها التي تمثل المفتاح الخفي لفهم الأحداث والمتغيرات التي تحيط بنا. اولى هذه الحقائق التي نعيشها هي أن الحركات الدينية المتطرفة أضحت أداه أساسية من أدوات السياسة الاقليمية للكيان الصهيوني فهذه الأداة منطلق أولا لاستئصال المجتمع العربي ودفعه لمغادرة الأرض الاسرائيلية والاستئصال هنا أساليبه عديدة: القتل المباشر، الحرق، التسميم، فأي عملية قتل واعتداء على العرب انما هي من فعل المتعصبين يشكل بالنسبة لاسرائيل مشجبا تعلق عليه ارهابها ومن جانب ثاني سلطات العدو الرسمية وهي توعز للمستوطنين بتنفيذ سياسة الارهاب تدرك جيدا أن الفلسطينيين لن يسكتوا على حرب الابادة وحملات الارهاب ضدهم وهنا تجد سلطات الاحتلال المبرر القانوني من وجهة نظرها لشن ارهابها المنظم ضد الشعب الفلسطيني عبر حملات قمع تأخذ أشكالا متعددة قوامها الاعتقالات والطرد والابعاد والتصفية الجسدية تحت شعار (حفظ الأمن)، اعتداء على الممتلكات ،حظر تجوال ترافقه عمليات نهب وضغط اقتصادي. وعند مراجعة تفاصيل هذا الارهاب نجد أنه تشارك به ليس فقط الاجهزة التقليدية الصهيونية مثل الجيش والشرطة والشين بيت بل يشارك به المستوطنون الصهاينة باعتبارهم قوة عسكرية مضافة. ومن جانب ثالث من مصلحة اسرائيل أن يكون لهذه الجماعات وجودها المتكامل وتضخيم الأنباء عن جرائمها الارهابية واظهار التيارات والوجهات المتضاربة والمتناقضة داخل الجسم السياسي الاسرائيلي لاظهار صعوبة تقديم تنازلات و لتشكل اوراق ضغط ومساومة ولتطالب (بحلول) لها عند أي بحث جديد للتسوية.ومن يدري فقد تطالب بحكم ذاتي ، الحقيقة الثانية تدور حول تماسك المعسكر الديني كجسم موحد فيما يتعلق بقضية ((اسرائيل الكبرى)) مما يمنحهم ميزه على احزاب الوسط و اليسار ويجعل منه حليفا جذابا لليمينيين غير المتدينين كما يتضح بالفعل في الحكومة  الرابعة الحالية لبنيامين نتنياهو بتحالف الليكود مع البيت اليهودي وشاس ويهوديات توراه وكولانو وهي تحالفات تلعب أهمية متزايدة في الحياة السياسية الاسرائيلية خاصة على صعيد الصراع العربي- الاسرائيلي والعداء للعرب، فالعديد من الوزراء ونواب الكنيست يقدمون الحماية والدعم العلني للحركات السرية المتطرفة كما أن هؤلاء يدعون الى قتل النساء والأطفال العرب كما صرحت ايليت شاكيل سابقا وقبل أن تعين وزيرة للعدل عن حزب البيت اليهودي، وهو تطور لا نزال نعيش فصوله الأولى، لقد أبرز الذئب انيابه التي عمل جاهدا خلال الأعوام السابقة وما يزال على أن يخفيها الا أنه بدأ أو انه لم يعد يستطيع اخفاء حقيقته. الحقيقة الثالثة وهي واقع المأساة التي يعيشها شعبنا تتمثل في مواجهة عدوا شرسا يملك امكانات ضخمة وتحكم أطرافه شبكة علاقات معقده وتشكل ممارسته انماطا فريدة في تاريخ الاحتلال الأجنبي لاراضي الغير وهي ممارسات لا تعرف حدا في ارهابها وعنفها ولا تقف عند مرحلة معينة أو فترة زمنية محددة، ولم يسجل التاريخ أو يعرف تجربة لعدو أو مأساة لشعب مقاوم شبيهة بتجربة شعبنا مع العدو الصهيوني: فهناك جيش الاحتلال واجهزته الأمنية، وهناك حركات الاستيطان الاهرابية المتطرفة، وهناك احزاب وقوى سياسية وعسكرية وفكرية واعلامية وشخصيات واسماء رنانة وقد حملت رداء القناعة المزيفة تمارس لغة الكذب خدعتنا وما زلنا نصفق ونطبل ونهلل لها، وهي مأساة أخرى أشد وقعا على النفس، وهكذا تصبح مقاومة العدو وكأنها مقاومة أكثر من عدو في وقت واحد، وفي هذا المضمار لو عجز أهل الضفة والقطاع عن الصمود وضعفت ارادتهم في التصدي للعدو فلن يبقى لقضية فلسطين برمتها أثر ملموس في الميدان مما يجعل من المستحيل بل ومن الساذج التحدث عن أرض يمكن استعادتها أو التفاوض بشأنها.
هذه المتابعة لتكتمل لا بد وأن نطرح تساؤلا أساسيا ملحا مما اذا كان بالامكان طرح حقيقي جدي وعملي للتعامل مع اسرائيل على ضوء (( الارهاب اليهودي السري)) ونتائجه والذي بات يشكل وجها من أوجه الصراع الذي يصب بنهاية الأمر في تعزيز الترسانة الاسرائيلية من الادوات والاسلحة التي يمكن استخدامها ضد الشعب الفلسطيني وذلك حسب مقتضيات الصراع مما يزيد بالتالي من حرية عمل كافة الفئات في اسرائيل حتى تلك التي تدعو الى رفض الارهاب. وفي هذا المجال فإنه ليس من الكافي على الاطلاق لعن الظلام والهروب من الواقع والاكتفاء بالمواقف المجانية والتعلق بمقولات وشعارات رنانة باتت تقليدية من حيث الاعتماد عليها لتبرير المعاناه الفلسطينية باشكالها المختلفة.اذ انه لم يعد من الكافي تحميل اسرائيل المسؤولية. فاسرائيل هي العدو والشعب الفلسطيني هو في حالة صراع دائم معه ومع مجمل الوجود الصهيوني على أرضه. كما وأنه لم يعد مجديا تحميل المسؤولية أو توجيه اللوم للعرب والمسلمين والعالم بحجة تقاعسهم عن الدعم والمساندة، فهؤلاء جميعا لن يكونوا ملكيين اكثر من الملك في ظل غياب الجسم السياسي الفلسطيني الموحد. وتبرز هنا أهمية طي الصفحة السوداء المخزية في العلاقات الداخلية الفلسطينية والعودة الى توحيد الصف الوطني وتنسيق السياسات الفلسطينية على اختلافها في وجه تهديد بالاساس مشترك على كافة تلك السياسات والأطراف الداعية ما قد يشكل بداية العمل والتحرك والتنفيذ الصحيح في مواجهة المستقبل دون انتظار التغييرات الخارجية أو الاعتماد عليها وتحميل الاصدقاء والحلفاء أكثر مما يمكن لهم تحمله من أجل الخلاص. وأما دون ذلك فستستمر عملية تمييع السياسات والاستراتيجيات الفلسطينية لصالح السياسة الاسرائيلية التي تسعى لخلق واقع على الارض و في عالم السياسة ووفق معدلات متسارعة وفرض هذا الواقع على مجمل المستقبل الفلسطيني وتحويله الى مستقبل اسرائيلي الملامح والاهداف والمصير.
ويبقى دائما أن من حق الشعب الذي منه تستمد القيادات شرعيتها معرفة الحقيقة ومعرفة الاسباب التي حالت وما تزال تحول دون الاستجابة لتحدي المسؤولية التي من شأنها أن تصون الموقف الفلسطيني العام وتدعمه وبما يضمن ردع للسياسة الاسرائيلية والتخفيف من أثارها على مجمل الوضع الفلسطيني وعلى كافة أطرافه.   
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف