
هدير الضمير
مهن سادت ثم بادت - 6
(البويجي)
ياسين عبد الله السعدي
كانت هذه المهنة منتشرة بشكل واسع عندنا وفي الأقطار العربية الأخرى. وهي مهنة غير محمودة, ولكن الحاجة تدفع البعض إلى امتهانها، بالرغم من مهانتها. كان البويجي يحمل صندوقاً يضم لوازم العمل يعلقه على كتفه ويتخذ مكاناً في ركنٍ في الشارع العام، يزدحم بالمشاة وينادي على مهنته وهو يدق بفرشاته على صندوقه وينادي: (بوية، بوية) لكي ينبه المارة إلى وجوده.
فإذا أراد أحد تلميع حذائه فإنه كان يضع قدمه على مكان مخصص مرتفع في سطح الصندوق على شكل القدم ويبدأ البويجي مهمته بتنظيف الحذاء أولاً ثم يضع البوية (الكيوي) على الحذاء ويبدأ عمله بالفرشاة ثم يمسح الحذاء بقطعة ناعمة من القماش بطريقة تجعل الحذاء نظيفاً لامعاً.
كنتَ إذا سرتَ في شوارع عمان، مثلاً، قبل النكسة سنة 1967م, تشاهد بويجياً بعد كل بضعة أمتار وهو ينادي ويلفت انتباه المارة إلى وجوده.
لا أعلم إن كان البويجي لا يزال موجوداً في شوارع عمان, ولكن المؤكد أنها قلت كثيراً إن لم تكن تلاشت أو كادت؛ لأنها مهنة فيها المذلة والمهانة مهما كان دخل صاحبها مادياً، وقد صار وجود (الكيوي) متوفراً في السوق بحيث صار موجوداً في كل بيت ويستعمله الناس بسهولة ولا يحتاج المرء إلى البويجي لكي يقف ينتظر دوره أو حتى يصرف وقته في تنظيف وتلميع حذائه.
كنت قد شاهدت في عمان أكثر من مرة محلات يعمل فيها ماسحو الأحذية وفيها مقاعد انتظار وهي مهيأة لهذه المهنة بوضع حسن يجعل المرء يقبل عليها عندما يجد متسعاً من الوقت، وإن كانت تلاشت حسب اعتقادي لقلة الإقبال ولارتفاع أجرة المحلات التجارية واستغلالها في أمور تجارية أخرى أكثر مردودا من الناحية المادية.
وأذكر جيداً أن الرئيس الجزائري الأسبق، أحمد بن بللاّ، رحمه الله، قد أصدر أمراً بمنع ممارسة هذه المهنة في الجزائر لما فيها من المذلة والمهانة.
السمسرة و(الباج)
عند شراء وبيع الحيوانات
كانت تقام سوق يوم الخميس من كل أسبوع لبيع وشراء الحيوانات حيث يسوق المرء ما يريد بيعه من بقر وأغنام ودواب إلى ساحة مكشوفة ومعروفة في مكان معين من أطراف المدينة وفي المقابل يتوارد الناس ليشتري المرء ما يحتاجه؛ سواء الجزارون الذين يشترون المواشي للذبح، أو الفلاحون الذين يشترون الدواب لاستعمالها في أعمال الفلاحة مما يحتاجونه من الثيران والحمير والبغال.
كان تجار المواشي يشترون ويبيعون كما يفعل التجار اليوم بتبادل العمل التجاري، أو كما يحدث في معارض السيارات من بيع وشراء وتبديل.
كان يتجول في سوق الحيوانات أشخاص عملهم الوساطة بين البائع والمشتري ويدلون المشتري على البائع الذي يكون قد اتفق معهم على مبلغ معين مقابل خدماتهم يدفع لهم عندما تتم (الصفقة). وكان الذين يكونون قد ضمنوا تحصيل الرسوم المقررة من البلدية على هذه العمليات التجارية يتجولون في السوق يراقبون عملية البيع والشراء لكي يستوفوا الرسوم المقررة (الباج) كما يحدث في ضمان حسبة الخضار أو مواقف السيارات العامة (الكراجات) التي يستعملها أصحاب المركبات لنقل الركاب من الباصات أو سيارات الأجرة.
من الذكريات الطريفة أنه كان عندنا حمار (شرس) عض الوالد، رحمه الله، في زنده عندما أراد أن يربطه في فيء الزيتونة، مما اضطرنا إلى إدخاله للمستشفى فأقسم الوالد أن يبيعه بشرط أن يتم البيع إلى تاجر يشتري الحيوانات لتقديمها إلى حديقة الحيوانات في إسرائيل.
كان التاجر المرحوم محمد إبراهيم السعدي، أبو شوكت، من قرية إكسال في الجليل الأسفل إلى الشرق من الشارع الواصل بين الناصرة والعفولة قد اشتراه وباعه إلى حديقة الحيوانات كما أكد للوالد، رحمهما الله.
سوق السيارات
كان يتم إقامة أسواق في إسرائيل لبيع وشراء السيارات. وأذكر أنني ذهبت إلى سوق السيارات الذي كان يقام قرب شفا عمرو إلى الشمال من كريات آتا لشراء سيارة تجارية في ثمانينات القرن الماضي لكني لم أجد ما يناسبني فذهبت إلى سوق كانت تقام إلى الشمال من تل أبيب واشتريت سيارة بيجو تندر عليها صندوق من الفيبر جلاس من يهودي قادها وأوصلني إلى جنين بها لكي أتمكن من ترخيصها.
كانت سيارة مميزة لم يكن لها مثيل في كل المنطقة. وعندما تم منع دخول السيارات إلى إسرائيل في بداية تسعينات القرن الماضي بعتها إلى شخص من قرية تياسير قضاء طوباس اسمه موسى كما أذكر جيداً.
نشر في جريدة القدس يوم الأحد بتاريخ 982015م؛ صفحة 20
[email protected]
مهن سادت ثم بادت - 6
(البويجي)
ياسين عبد الله السعدي
كانت هذه المهنة منتشرة بشكل واسع عندنا وفي الأقطار العربية الأخرى. وهي مهنة غير محمودة, ولكن الحاجة تدفع البعض إلى امتهانها، بالرغم من مهانتها. كان البويجي يحمل صندوقاً يضم لوازم العمل يعلقه على كتفه ويتخذ مكاناً في ركنٍ في الشارع العام، يزدحم بالمشاة وينادي على مهنته وهو يدق بفرشاته على صندوقه وينادي: (بوية، بوية) لكي ينبه المارة إلى وجوده.
فإذا أراد أحد تلميع حذائه فإنه كان يضع قدمه على مكان مخصص مرتفع في سطح الصندوق على شكل القدم ويبدأ البويجي مهمته بتنظيف الحذاء أولاً ثم يضع البوية (الكيوي) على الحذاء ويبدأ عمله بالفرشاة ثم يمسح الحذاء بقطعة ناعمة من القماش بطريقة تجعل الحذاء نظيفاً لامعاً.
كنتَ إذا سرتَ في شوارع عمان، مثلاً، قبل النكسة سنة 1967م, تشاهد بويجياً بعد كل بضعة أمتار وهو ينادي ويلفت انتباه المارة إلى وجوده.
لا أعلم إن كان البويجي لا يزال موجوداً في شوارع عمان, ولكن المؤكد أنها قلت كثيراً إن لم تكن تلاشت أو كادت؛ لأنها مهنة فيها المذلة والمهانة مهما كان دخل صاحبها مادياً، وقد صار وجود (الكيوي) متوفراً في السوق بحيث صار موجوداً في كل بيت ويستعمله الناس بسهولة ولا يحتاج المرء إلى البويجي لكي يقف ينتظر دوره أو حتى يصرف وقته في تنظيف وتلميع حذائه.
كنت قد شاهدت في عمان أكثر من مرة محلات يعمل فيها ماسحو الأحذية وفيها مقاعد انتظار وهي مهيأة لهذه المهنة بوضع حسن يجعل المرء يقبل عليها عندما يجد متسعاً من الوقت، وإن كانت تلاشت حسب اعتقادي لقلة الإقبال ولارتفاع أجرة المحلات التجارية واستغلالها في أمور تجارية أخرى أكثر مردودا من الناحية المادية.
وأذكر جيداً أن الرئيس الجزائري الأسبق، أحمد بن بللاّ، رحمه الله، قد أصدر أمراً بمنع ممارسة هذه المهنة في الجزائر لما فيها من المذلة والمهانة.
السمسرة و(الباج)
عند شراء وبيع الحيوانات
كانت تقام سوق يوم الخميس من كل أسبوع لبيع وشراء الحيوانات حيث يسوق المرء ما يريد بيعه من بقر وأغنام ودواب إلى ساحة مكشوفة ومعروفة في مكان معين من أطراف المدينة وفي المقابل يتوارد الناس ليشتري المرء ما يحتاجه؛ سواء الجزارون الذين يشترون المواشي للذبح، أو الفلاحون الذين يشترون الدواب لاستعمالها في أعمال الفلاحة مما يحتاجونه من الثيران والحمير والبغال.
كان تجار المواشي يشترون ويبيعون كما يفعل التجار اليوم بتبادل العمل التجاري، أو كما يحدث في معارض السيارات من بيع وشراء وتبديل.
كان يتجول في سوق الحيوانات أشخاص عملهم الوساطة بين البائع والمشتري ويدلون المشتري على البائع الذي يكون قد اتفق معهم على مبلغ معين مقابل خدماتهم يدفع لهم عندما تتم (الصفقة). وكان الذين يكونون قد ضمنوا تحصيل الرسوم المقررة من البلدية على هذه العمليات التجارية يتجولون في السوق يراقبون عملية البيع والشراء لكي يستوفوا الرسوم المقررة (الباج) كما يحدث في ضمان حسبة الخضار أو مواقف السيارات العامة (الكراجات) التي يستعملها أصحاب المركبات لنقل الركاب من الباصات أو سيارات الأجرة.
من الذكريات الطريفة أنه كان عندنا حمار (شرس) عض الوالد، رحمه الله، في زنده عندما أراد أن يربطه في فيء الزيتونة، مما اضطرنا إلى إدخاله للمستشفى فأقسم الوالد أن يبيعه بشرط أن يتم البيع إلى تاجر يشتري الحيوانات لتقديمها إلى حديقة الحيوانات في إسرائيل.
كان التاجر المرحوم محمد إبراهيم السعدي، أبو شوكت، من قرية إكسال في الجليل الأسفل إلى الشرق من الشارع الواصل بين الناصرة والعفولة قد اشتراه وباعه إلى حديقة الحيوانات كما أكد للوالد، رحمهما الله.
سوق السيارات
كان يتم إقامة أسواق في إسرائيل لبيع وشراء السيارات. وأذكر أنني ذهبت إلى سوق السيارات الذي كان يقام قرب شفا عمرو إلى الشمال من كريات آتا لشراء سيارة تجارية في ثمانينات القرن الماضي لكني لم أجد ما يناسبني فذهبت إلى سوق كانت تقام إلى الشمال من تل أبيب واشتريت سيارة بيجو تندر عليها صندوق من الفيبر جلاس من يهودي قادها وأوصلني إلى جنين بها لكي أتمكن من ترخيصها.
كانت سيارة مميزة لم يكن لها مثيل في كل المنطقة. وعندما تم منع دخول السيارات إلى إسرائيل في بداية تسعينات القرن الماضي بعتها إلى شخص من قرية تياسير قضاء طوباس اسمه موسى كما أذكر جيداً.
نشر في جريدة القدس يوم الأحد بتاريخ 982015م؛ صفحة 20
[email protected]