
تتعرض قضية اللاجئين الفلسطينين لمخطط سياسي دولي تصفوي تامري منذ أمد بعيد يعود إلى فترة الخمسينات من القرن الماضي أي بعد حدوث النكبة عام 48 بسنوات قليلة وتثير الأزمة المالية الحالية التي أعلنت عنها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) والتي بموجبها التصريح باعلان عزمها عن اتخاذ إجراءات تتعلق بتقليص خدماتها خاصة في مجال التعليم ..تثير الأزمة في الأوساط الفلسطينية والعربية تساؤلات كثيرة قد تتجاوز في مدلولها وطرحها طبيعة هذه الأزمة المعلنة عن كونها أزمة مالية تتعلق بحاجتها إلى مبلغ مالي زهيد يقدر بمائة مليون دولار أمريكي باستطاعة أن تسدده أي دولة عربية من دول الخليج لتصب هذه التساؤلات جميعها في الهدف السياسي من وراء اثارة هذه الأزمة والحماس الغربي والصهيوني في تسويقها وكذلك التوقيت الذي تجيء فيه والذي يشهد تغيرات نوعية في المنطقة العربية والشرق الأوسط مما يوحي بوجود بعد استراتيجي دولي يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين تمس حق العودة الذي أقرته الشرعية الدولية والتعاطي مع الأفكار التي تدخل في اطار ما تسمى بالواقعية السياسية والتي تجيء على رأسها مبدا القبول بخيار التوطين والتجنيس أو على أقل تقدير تحويل الخدمات التي تقدمها الوكالة إلى مسؤلية السلطة الوطنية الفلسطينية أو إلى الدول العربية المضيفة مما يعني عمليا انهاء خدماتها التي تقدم إلى ما يقارب من ستة ملايين لأجىء فلسطيني وهي خدمات جليلة خاصة في مجالي التعليم والصحة استمرت منذ عام 51 من القرن الماضي إلى يومنا الحالي وطيلة هذه المدة كانت لا تحظى هذه الخدمات بارتياح الكيان الصهيوني والمنظمات الصهيونية لأنها أنشأت جيلا من المتعلمين وعملت على تطوير الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والصحية وبذلك حافظت على الهوية الوطنية الفلسطينية وعمقت الشعور الوطني بالتمسك بحق العودة في مواجهة مشاريع التصفية ... في أوائل عقد الخمسينات من القرن الماضي كان قد أثير موضوع توطين اللاجئين الفلسطينيين لأول مرة وكان المكان المقترح هو شبه جزيرة سيناء غير ان نصيب هذا المشروع التامري كان هو الرفض المطلق من جماهير شعبنا في القطاع لأن المخطط التامري كان يستهدفهم بالدرجة الأولى بحكم علاقة الجغرافيا التي تربط القطاع بسيناء المصرية وقد لعبت الأحزاب القومية والاسلامية واليسارية والشخصيات الوطنية في القطاع في تلك الفترة دورا كبيرا في استنهاض جماهير القطاع في إفشال هذه المؤامرة التي عارضتها مصر ايضا بقيادة الزعيم عبد الناصر ... مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء وفي دول الجوار العربية وفي بعض دول العالم مثل كندا وبعض الدول الاسكندنافية كان لفترات طويلة ومنذ حدوث النكبة هو الشغل الشاغل لاهتمام السياسة الأمريكية التي كان يهمها دائما تصفية اثار القضية الفلسطينية في المحافل الدولية وعنوانها البارز وجود المخيمات وكانت تسعى هذه السياسات لتحقيق ذلك للحفاظ على وجود وأمن الكيان الصهيوني الذي يقوم بدور وظيفي في خدمة المصالح الحيوية الأمريكية الراسمالية وكذلك في ترتيب أوضاع الشرق الأوسط تحقيقا لمشروع ملىء الفراغ وهي نظرية وزير الخارجية الأمريكي فوستر دالاس في ذلك الوقت لوراثة نفوذ بريطانيا وفرنسا في دول المشرق العربي والذي كان قد تراجع بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 56 من القرن الماضي وقد تجد هذه النظرية طريقها للتطبيق الان في صورة ترتيب بناء شرق أوسط جديد ما فتات الولايات المتحدة تخطط له منذ اعوام يقوم على تهميش الرابطة القومية للشعوب العربية بدمج الكيان الصهيوني فيه وتحويل دول المنطقة إلى أطراف مهمشة تابعة للمركز الرأسمالي الامبريالي الأمريكي والغربي ..هكذا ظلت قضية اللاجئين الفلسطينين محل اهتمام صانعي الاستراتيجية الأمريكية على المستوى الدولي وكذلك محل إزعاج للدوائر الثلاثة : الكيان الصهيوني والحركة الصهيونية العالمية الذي شكل استمرار وجود الوكالة وتقديم الخدمات للاجئين شاهد عيان على وجود المأساة الفلسطينية ثم دول الغرب الاستعمارية وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي أخذت تقود المعسكر الغربي الرأسمالي بعد انتصار دول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية وكذلك بريطانيا كونها تتحمل المسؤولة عن النكبة باعتبارها دولة الانتداب ..اما الدائرة الثالثة فهي الدول العربية المضيفة التي تأوي على أراضيها إعداد كبيرة من اللاجيئن والذين ينظر إليهم منذ اللجوء وحتى اليوم بأنهم غرباء عن البلاد وعامل تهديد ديموغرافي للنسيج الاجتماعي القبلي العشائري كما هو الحال في الأردن والديني والمذهبي كما هو الحال في لبنان ...بعد هزيمة يونيو 6 7 طغت على السطح مرة أخري قضية اللاجئين وظهر مشروع التوطين والتجنيس بهدف تصفية الثورة الفلسطينية حيث شكلت مخيمات اللجوء في الأردن ثم في لبنان مصدرها وينبوعها الأول ومركز قيادتها في الشتات وظهرت أفكار كثيرة في هذه القضية ولكن أهم هذه الأفكار ما كانت تطرحه بعض المشاريع الصهيونية والأمريكية كمشروع الوطن البديل الاسرائيلي ومشروع ريغان الرئيس الأمريكي الأسبق الذي ينص على ضم قطاع غزة والضفة الغربية للأردن وإقامة حكم ذاتي للفلسطينيين ثم الحديث عن حل قضية اللاجئين من خلال توطينهم في منطقة الأزرق بشرق المملكة الهاشمية قريبا من الحدود مع العراق بسبب الوفرة في المياه في تلك الأرض الصحراوية وغير ذلك من الأفكار والمشاريع التصفوية لحق العودة والتي ما زالت تطرح حتى اليوم بصيغ وأفكار مختلفة وكلها ترسم سيناريوهات بخصوص حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين أهمها ما أشيع في وسائل الإعلام المصرية منذ أواخر عهد مبارك وعهد مرسي عن مشروع تم تداوله في الأوساط الأمريكية عن مشروع توطين لاجئي قطاع غزة في أرض من شمال سيناء يتم ضمها للقطاع بهدف توسيعه ليشكل في المستقبل كيانا مستقلا مقابل مساحة مضاعفة من صحراء النقب تضم إلى مصر وهي القضية التي ما زالت تشغل بين الفترة والآخرى هواجس اجهزة الأمن القومي المصري وتعليقات بعض الإعلاميين المصريين المعروفين بعنصريتهم وبحقدهم وكراهيتهم وانتمائهم الاقليمي المعادي لفكرة عروبة مصر لإثارة حفيظة الشعب المصري ضد القضية الفلسطينية .. جاءت المبادرة العربية للسلام الذي أقرها مؤتمر القمة العربي في بيروت عام 2000 .. لتفتح مجال التفكير واسعا في مشاريع التوطين وتصفية حق العودة من خلال الإشارة في بنودها إلى قضية اللاجئين على انه يجب تسويتها في اطار (حل متفق عليه )وهي عبارة بعيدة في مدلولها السياسي عن قرار الأمم المتحدة الذي ينص على حق العودة والتعويض وهكذا تأتي الآن الأزمة التي تمر بها وكالة الاونروا كجزء من مخطط استراتيجي دولي يقف من خلفه بعض الدول المانحة خاصة الولايات المتحدة وكندا وبعض دول الاتحاد الأوروبي والهدف السياسي من وراء ذلك تفريغ المخيمات من اللاجيئن والقبول بفكرة التوطين والتجنيس وقد يكون هذا الوقت مناسبا في تقدايرت الدول المانحة الذي لا يوجد قرار ملزم من المجتمع الدولي لإجبارها على استمرار دفع الأموال التي تعهدت بها ...قد يكون الوقت مناسبا عندها للبدء بتنفيذ هذا المخطط تمهيدا لتصفية قضية اللاجئين من خلال التنصل بمسؤوليتها المالية وحيث لم تعد قضية اللجوء الفلسطيني المستمرة منذ عام النكبة قبل سبع وستين عاما هي قضية اللجوء الوحيدة في الشرق الأوسط التي تثير تعاطف المجتمع الدولي وتوقظ مشاعر الضمير الانساني فقد ظهرت في الواقع السياسي والإجتماعي والإنساني الان قضية لجوء متعددة أخرى أهمها هروب ونزوح إعداد كبيرة من السوريين بلغ تعدادهم بالملايين خرجوا من بلادهم للبحث عن ملاذ آمن بفعل الصراع الدموي المسلح على السلطة إلى دول الجوار مع سوريا كالاردن ولبنان وتركيا وقبرص ومصر .. لكن الحقيقة التي يجب ان تقال بخصوص أزمة الوكالة هي ان ما كان ليحدث هذا التراجع في موقف الدول المانحة لولا أن رأت حكومات هذه الدول ميلا عربيا ودوليا للتخلص من قضية اللاجئين التي طالت بدون أن يظهر أي أمل لتحقيق تسوية سياسية عادلة قريبة للقضية الفلسطينية. ..