النظام الذي يفقد عقله يموت
أحمد مظهر سعدو
في سياق ما يجري في سورية هذه الأيام , وهذا العنف والعسف النازل فوق رؤوس العباد والبلاد , لفت نظري مقالا كان قد كتبه الكاتب المصري الدكتور عبد الحليم قنديل في 1/9/2008 , يتحدث فيه عن أن " النظام الذي يفقد عقله يموت ولا يفيد معه ترقيع ولا اصلاح" ويضيف قنديل: "وليس من امكانية ولا بالتقدم العلمي الجبار – لزراعة عقل , فقد تسمع عن زرع كلي , أو عن زرع كبد , أو عن زرع قلب , لكنك لا تسمع – ولن تسمع – عن زراعة عقل , وهو ما يعني أننا بصدد وحش هائج – منزوع العقل – في صورة نظام سياسي , بصدد عصابة احتلال مسلحة , بصدد وحوش هاربة من حديقة , وتحول الشارع الى غابة , بصدد نظام مجنون هارب من حكم بالحجر العقلي , لا يتعظ بالدروس ".
ولا أدري لماذا استوقفني هذا المقال في هذه الأيام , مع أن الدكتور قنديل كان يتحدث عن نظام مبارك وليس أي نظام آخر , لكن التشابه كان كبيراً لدرجة التطابق , فقد وجدت أن ما يقوله الدكتور عبد الحليم ينطبق على الذي يجري من قبل نظام آخر في سورية الآن، ولكأن الانظمة العربية تتماهى مع بعضها البعض، علما بأنني من الذين يرون، وباتوا يعتقدون أكثر وأكثر من أي وقت مضى , أن النظام السوري لا يشبهه أحد في الدنيا , هو نموذج فريد ووحيد , فما يفعله جلاوزته وأدواته في الشارع السوري , وفي المدن والقرى السورية فاق كل حد , وتجاوز كل منطق او عقل، وربما يعرفون سوء المصير , بل يعرفونه، لكنهم أبداً لا يتراجعون عن استعمال آلة القمع والقتل اليومي، والاعتداء على حرمات النساء، وقتل الاطفال والشيوخ، وخطف الناس من منازلهم . كما الاعتداء على تراث وتاريخ وآثار سورية العظيمة , التي يعبث بها هؤلاء، وفي وضح النهار، ضمن عالم غير آبه لما يجري، ولعل الأمر لا يعنيه , فلا الأمريكان، ولا الأوربيين، ولا النظم العربية ملتفتة بشكل جدي إلى ما يجري , ولكأن عشرات الألوف من السوريين الشهداء، من كل الطوائف , والأثنيات , لا تحرك لهم بالا , وكأن المدن السورية، وأسواقها وآثارها التي تهدم فوق رؤوس ساكنيها ,لا تشكل أي خلل لدى هؤلاء ..
وقد يكون الوضع العربي والوضع العالمي أضحى مكشوفاً ومعروفاً، والدور الصهيوني مازال فاقعاً في هذه المسألة ..
الا أن الذي لا يمكن أن يقنع أو يفسر هو حال الشارع العربي من المحيط الى الخليج ،هذا الشارع الذي يرى بأم عينه كيف تدمر سورية/ الحضارة , وكيف ينتهك عرضها وشرفها... انها دمشق عاصمة الدولة الاموية العريقة ،
انها حلب عاصمة الدولة الحمدانية , وموئل وملاذ المتنبي /أشعر شعراء العرب الذي لا ينسى ... وحمص مدينة خالد بن الوليد . ومعرة النعمان حيث يرقد جثمان الخليفة الراشدي الخامس والعادل عمر بن عبد العزيز .
أين العرب، وأقصد الشعوب العربية الحية من كل ذلك، هل نسي العرب قلب العروبة النابض، وهل نسيت الشعوب العربية الفتوحات العربية الأموية، التي وصلت إلى كل أصقاع العالم من دمشق عاصمة الدنيا , وهل يعقل ان ينتهك ويحرق الجامع الاموي في حلب، ولا تتحرك شعرة في مفرق أحد ... قلنا سابقاً ان مسألة الضمير العالمي كذبة كبرى ، فهل نقول الآن ان مسألة الضمير العربي هي الأخرى كذبة أكبر , أم ماذا ننتظر .. وهل تتركون الشعب السوري ليكفر بالعروبة والعرب , وهل باتت مسألة الدستور والجمعية التأسيسية والاعلان الدستوري ( المرسوي) أكثر أهمية من شعب عربي مسلم يذبح ذبح النعاج، وتسيل دماء شهدائه يومياً دون وازع من ضمير أو عقل . واذا كان النظام السوري قد فقد عقله حسب توصيف الأخ والصديق عبد الحليم قنديل , فهل فقدت الشعوب العربية- هي الأخرى- عقلها؟
أنا من الذين لا يسمحون لليأس أن يدخل إلى جوانية تفكيرهم , ولست من الذين يقبلون الواقع كما هو دون أمل بالتغيير .. لكن ما يجري يدفع بالكثير من أبناء شعبي السوري المقهور الى التفكير بأمور أخرى... أيتها الشعوب العربية التي مازلنا ننتظر هديرها؟! الذي تحدث عنه يوماً الشاعر العراقي مظفر النواب بقوله :
( انني أسمع أمعاء تتلوى ألماً غضباً جوعاً قهراً )
ثم ألا تخجلون من شاعر دمشق وشاعر العروبة الراحل نزار قباني ،وهو الذي فُطر قلبه على حب دمشق، و كيف وماذا سيقول عنكم لو عاد ورأى، ما رأى ..
ولسان حاله يقول : وهو يخاطب دمشق :
دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي
أشكو العروبة أم أشكو لك العرب
وأعود الى مقال آخر لعبد الحليم قنديل كتبه في 14/7/2008 , يعاقر فيه نفس الأنظمة , ونظام مبارك الذي يشبهنا في بعض جوانبه حيث يقول : " فقد النظام حساسية السياسة ولم تعد له غير حاسة الأمن ، والسياسة – بطبعها – تحتمل الاحتواء أو ابداء الرشد , لكن حاسة الامن مطبوعة بالشك , وتميل الى النفي والاستعباد الكلي , خشية من خطر محتمل أو موهوم ، والنظام- بطبع الغرائز الأمنية – يدرك أنه لم يعد لديه اختيار , لا بالسياسة ولا بالاقتصاد , فقد سدت عليه المنافذ جميعاً " .
فهل يدرك النظام السوري اليوم أن المنافذ سدت جميعاً وأن غريزة الأمن لم تعد تجري وأن الاقتصاد آيل للانهيار، أو أنه انهار كما يقول كل أهل الاقتصاد.. فهل يدرك كل ذلك قبل فوات الأوان .. ان لم يكن هذا الأوان قد فات فعلاً لا قولاً ؟؟؟ .
أحمد مظهر سعدو
في سياق ما يجري في سورية هذه الأيام , وهذا العنف والعسف النازل فوق رؤوس العباد والبلاد , لفت نظري مقالا كان قد كتبه الكاتب المصري الدكتور عبد الحليم قنديل في 1/9/2008 , يتحدث فيه عن أن " النظام الذي يفقد عقله يموت ولا يفيد معه ترقيع ولا اصلاح" ويضيف قنديل: "وليس من امكانية ولا بالتقدم العلمي الجبار – لزراعة عقل , فقد تسمع عن زرع كلي , أو عن زرع كبد , أو عن زرع قلب , لكنك لا تسمع – ولن تسمع – عن زراعة عقل , وهو ما يعني أننا بصدد وحش هائج – منزوع العقل – في صورة نظام سياسي , بصدد عصابة احتلال مسلحة , بصدد وحوش هاربة من حديقة , وتحول الشارع الى غابة , بصدد نظام مجنون هارب من حكم بالحجر العقلي , لا يتعظ بالدروس ".
ولا أدري لماذا استوقفني هذا المقال في هذه الأيام , مع أن الدكتور قنديل كان يتحدث عن نظام مبارك وليس أي نظام آخر , لكن التشابه كان كبيراً لدرجة التطابق , فقد وجدت أن ما يقوله الدكتور عبد الحليم ينطبق على الذي يجري من قبل نظام آخر في سورية الآن، ولكأن الانظمة العربية تتماهى مع بعضها البعض، علما بأنني من الذين يرون، وباتوا يعتقدون أكثر وأكثر من أي وقت مضى , أن النظام السوري لا يشبهه أحد في الدنيا , هو نموذج فريد ووحيد , فما يفعله جلاوزته وأدواته في الشارع السوري , وفي المدن والقرى السورية فاق كل حد , وتجاوز كل منطق او عقل، وربما يعرفون سوء المصير , بل يعرفونه، لكنهم أبداً لا يتراجعون عن استعمال آلة القمع والقتل اليومي، والاعتداء على حرمات النساء، وقتل الاطفال والشيوخ، وخطف الناس من منازلهم . كما الاعتداء على تراث وتاريخ وآثار سورية العظيمة , التي يعبث بها هؤلاء، وفي وضح النهار، ضمن عالم غير آبه لما يجري، ولعل الأمر لا يعنيه , فلا الأمريكان، ولا الأوربيين، ولا النظم العربية ملتفتة بشكل جدي إلى ما يجري , ولكأن عشرات الألوف من السوريين الشهداء، من كل الطوائف , والأثنيات , لا تحرك لهم بالا , وكأن المدن السورية، وأسواقها وآثارها التي تهدم فوق رؤوس ساكنيها ,لا تشكل أي خلل لدى هؤلاء ..
وقد يكون الوضع العربي والوضع العالمي أضحى مكشوفاً ومعروفاً، والدور الصهيوني مازال فاقعاً في هذه المسألة ..
الا أن الذي لا يمكن أن يقنع أو يفسر هو حال الشارع العربي من المحيط الى الخليج ،هذا الشارع الذي يرى بأم عينه كيف تدمر سورية/ الحضارة , وكيف ينتهك عرضها وشرفها... انها دمشق عاصمة الدولة الاموية العريقة ،
انها حلب عاصمة الدولة الحمدانية , وموئل وملاذ المتنبي /أشعر شعراء العرب الذي لا ينسى ... وحمص مدينة خالد بن الوليد . ومعرة النعمان حيث يرقد جثمان الخليفة الراشدي الخامس والعادل عمر بن عبد العزيز .
أين العرب، وأقصد الشعوب العربية الحية من كل ذلك، هل نسي العرب قلب العروبة النابض، وهل نسيت الشعوب العربية الفتوحات العربية الأموية، التي وصلت إلى كل أصقاع العالم من دمشق عاصمة الدنيا , وهل يعقل ان ينتهك ويحرق الجامع الاموي في حلب، ولا تتحرك شعرة في مفرق أحد ... قلنا سابقاً ان مسألة الضمير العالمي كذبة كبرى ، فهل نقول الآن ان مسألة الضمير العربي هي الأخرى كذبة أكبر , أم ماذا ننتظر .. وهل تتركون الشعب السوري ليكفر بالعروبة والعرب , وهل باتت مسألة الدستور والجمعية التأسيسية والاعلان الدستوري ( المرسوي) أكثر أهمية من شعب عربي مسلم يذبح ذبح النعاج، وتسيل دماء شهدائه يومياً دون وازع من ضمير أو عقل . واذا كان النظام السوري قد فقد عقله حسب توصيف الأخ والصديق عبد الحليم قنديل , فهل فقدت الشعوب العربية- هي الأخرى- عقلها؟
أنا من الذين لا يسمحون لليأس أن يدخل إلى جوانية تفكيرهم , ولست من الذين يقبلون الواقع كما هو دون أمل بالتغيير .. لكن ما يجري يدفع بالكثير من أبناء شعبي السوري المقهور الى التفكير بأمور أخرى... أيتها الشعوب العربية التي مازلنا ننتظر هديرها؟! الذي تحدث عنه يوماً الشاعر العراقي مظفر النواب بقوله :
( انني أسمع أمعاء تتلوى ألماً غضباً جوعاً قهراً )
ثم ألا تخجلون من شاعر دمشق وشاعر العروبة الراحل نزار قباني ،وهو الذي فُطر قلبه على حب دمشق، و كيف وماذا سيقول عنكم لو عاد ورأى، ما رأى ..
ولسان حاله يقول : وهو يخاطب دمشق :
دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي
أشكو العروبة أم أشكو لك العرب
وأعود الى مقال آخر لعبد الحليم قنديل كتبه في 14/7/2008 , يعاقر فيه نفس الأنظمة , ونظام مبارك الذي يشبهنا في بعض جوانبه حيث يقول : " فقد النظام حساسية السياسة ولم تعد له غير حاسة الأمن ، والسياسة – بطبعها – تحتمل الاحتواء أو ابداء الرشد , لكن حاسة الامن مطبوعة بالشك , وتميل الى النفي والاستعباد الكلي , خشية من خطر محتمل أو موهوم ، والنظام- بطبع الغرائز الأمنية – يدرك أنه لم يعد لديه اختيار , لا بالسياسة ولا بالاقتصاد , فقد سدت عليه المنافذ جميعاً " .
فهل يدرك النظام السوري اليوم أن المنافذ سدت جميعاً وأن غريزة الأمن لم تعد تجري وأن الاقتصاد آيل للانهيار، أو أنه انهار كما يقول كل أهل الاقتصاد.. فهل يدرك كل ذلك قبل فوات الأوان .. ان لم يكن هذا الأوان قد فات فعلاً لا قولاً ؟؟؟ .