
ان معرفة الرجال على صورتهم الحقيقية هي من اصعب الامور التي قد يتجشم انسان مشقة تحمل تبعاتها وخصوصا ان كان ممن يعني لهم المبدأ والفكرة شيئا كثيرا يعلو على فتات او حطام او حقيبة مال تتداولها الايدي فكل من يبحث في هذا المجال يفضي به الحال الى شبه عزلة او عزلة تامة لذلك غالبا ما يضن الانسان بما يصل اليه وذلك لأنه يأتي مخالفا لما يتصوره الناس او يتقبلونه فكل حقيقة يصل اليها تجعله يخسر انسانا اخر اطلع على كنه خباياه ومكنونات صدره وهنا قد لا تكفي فلتات اللسان المعبرة حتما عما يعمل في الجنان والمبدأ نفسه ربما يخذلك لأنك لا تتمنى دوما ان يكون اداة الفحص الوحيدة والمطلقة المتلقاة بشكل صحيح
ان كون المبدأ صحيحا دوما يشعرك احيانا وأنت تتقلب مؤرقا مفكرا بكلمة فلتت او موقف حدث او همسة وصلت اليك عفوا ان للرجال شؤونا وأمورا تكون من طبائع عاداتهم يحاولون تجميلها بالتطبع والتصنع ولكن هذا زيف يذوب مع غثاء الزبد الذي يذهب بشكل مفاجئ جفاء
ان اوضاع الراحة والدعة التي يظهر فيها الرجل متلفعا بثوب الكرم والإقدام والنصح والإرشاد غالبا ما تمحوها غضبة او غضبات تترى ولم اجد خلال مشواري القصير الاجل والمحدود الامكنة شيئا يكشف عن معادن الرجال كالفتن وذلك لان أي وضع اخر يكون ماّله الى زوال وكأن الفتن امر لا بد منه وكيف لا والله تعالى يقول "اولا يرون انهم يفتنون في كل عام مرة او مرتين "
ويكأن الخالق تعالى في علاه عندما خلق الانسان علم وهو العليم الخبير ان هذا المخلوق سوف يعود الى امور يتزين بها ليغطي عوار اموره وعورة اهدافه فكان لا بد من كشف ذلك مرة او مرتين في كل عام ويكانه تقلب للفصول الخاصة بالمخلوق المسمى انسان وتحديدا المنطلق في المعاملات مع الناس والمتجشم مشقة تحمل اعبائهم فهو في شتاء عطاءه يسح عليهم امطار عطاءه مخفيا شمس اهدافه وراء غيوم كرمه ومظهرا لها باردة غير مدفئة بل منظر فقط يتذرع بذرائع الوضوح عندما يبديها عيانا قائلا انه واضح صريح وله اهدافه ولكنه يقوم في اهدافه على مصالح الناس وأثناء حديثه المقتضب عن اهدافه تغيب شمسها بغطاء عطاءه وغيثه النافع الفاقع والمتلف احيانا
وعندما تسقط امطاره على ارض الناس الذين يتطلعون لخيره وينتظرون منحه فهو يوجه قسم منها ليحي اناسا دون غيرهم غالبا ما يكونون مفتونين به ينظرون اليه بعين الرضا وربما يغدق عطاءه في قسم اخر فيكون سيولا جارفة ونقمة على اناس اخرين تحرق كيانهم وتقذف بهم في بحر الصراع المتلاطم الامواج فلا يخرجون من بطن موجة إلا الى اخرى اتت من سيل نقمة اخر فأهلكت اناسا اخرين ربما كان للرجل هدف في شتاءه في الغائهم ومحقهم ليخلو له المكان فيزرع بذور مصالحه المختبئة في ثنايا صدره
وما ان ينهي الرجل تساوقه مع الارض التي خلق منها بأحوالها التي جمعت تربته من جميع انحاء الارض اثنائها
ما ان ينهي شتاء عطاءه تبدأ شمس اهدافه المخبأة في الشتاء تحمر شيئا فشيئا لينقلنا الى ربيعه الذي ينمي فيه ازلامه الذين اختارهم وبدا يرفع هذا ويخفض اخر ويكسوهم بأوراق نماء خضراء وتحمى شمس اهدافه حتى تزهر اشجار ازلامه الذين اختارهم بإهلاك اخرين ويلقي عليهم القابا ورتبا ويهيئ ذلك مجالا خصبا لنمو جو النفاق الاجتماعي المتمثل في المدائح والقصائد الغزلية في ازلامه النامين وتنطلق قطعان الرعاع المفتونة تلتهم الاعشاب النامية عند اقدام الازلام وهكذا يبدو النفاق الاجتماعي مصيبة بسيطة امام تكالب قطعان الراتعة والثالطة في نفس المكان وكل ذلك يحدث في تغافل عن الاهداف الحقيقية لذلك الرجل فكل واحد من الازلام مشغول بمجده وإنمائه وإطالة ساقه وغرس جذور فساده في رقاب الناس وهو نفسه ينمى كما قال مالك بن نبي ليذبح كما القطيع حتفه في سمنه
فإذا تم ما اراد الرجل من خروج ثمار عطاءه ونضوجها اصبحت شمس اهدافه واضحة جلية يصرخ بها في صيف قائظ حار وحصد ثمار عطاءه بسيوف منه وبه وقطع اشجار ازلامه واجتثها اجتثاثا وأهدافه لا تغيب وان غابت في ليل تعسفه تجعل الليل وكأنه رابعة نهار في تموز او اب فإذا ما حصد الثمار وقلب له المقدر الخالق ظهر المجن وادخله في خريف عمره وجعل بعد القوة ضعف وشيبة وسقطت اوراق اشجاره الواحدة تلو الاخرى نبت له تذكر هنا او هناك ولكنه لا يكون كافيا لإعادة مجد عطاءه فيتحسر ويخسر ويندم وهكذا دواليك وعلى هذا فانح
ان التشابه بين الانسان والمكان الذي خلق منه هو مصنع الفتن الاكبر ولكل امر فصول من بذر وإعداد وعطاء وإغداق وإنماء وإنضاج وقطف للثمار وتخل وتساقط وذبول وإدبار فالفتنة مرجل يغلي من دخلها بحليه وزينته خرج منها بحقيقته العارية لذلك يصبح الحكم المجرد على الرجل في هذه المرحلة امر لا سهل ممتنع سهل لان الحقائق ناصعة وممتنع لان صاحب المبدأ قد يفضل ان ينجو بنفسه او يتماهى مع ما يحدث لينجو او مستفيدا بوضع رأسه بين رؤوس الناس مستعدا للقطع فيقضي زمنه مجترا لمبدئه في ظل رجل فينتظر القطع كل حين بين السيف والنطع
ان المبدئي عندما يعيش في ظل رجل ذي فصول وتقلبات لا يكون له خيار إلا المتابعة الحثيثة لتقلباته وتصنعاته حتى يحكم عليه من خلال مبدئه وإلا فويل من مبدئه قبل أي شيء اخر
ان المبدئي في زمن وكل حال مطالب بان يستذكر ما يحمل من ثقل امانة قد تقصم ظهره ان لم ينتبه في خطوه وعليه ان يبتعد عن ظل الرجل ذي الفصول حتى يسلم ويرغب الناس في نتائجه ويتقبلونها ان بصدر رحب او ضيق حرج لان الناس مستقلهم وتابعهم غاليا ما يحاكمون المبدئي قبل غيره ويرون تطابق قوله وفعله ضرورة ملحة لا بد له من التحلي بها وجعلها هيكله العظمي الذي يظهر عند الفتن
ان ذوي الفصول من الرجال لا يتركون مجالا لمبدئي إلا اذا تساوق معهم وانساق كالسائمة العجماء التي لا يهمها إلا ما تأكله والاجترار صفة لازمة لها فالاجترار للمبدأ شيء هادئ لا يتحمل من اجله مشقة اذ انه من الفطرة وهل يحاكم المرء على غريزة ولدت فيه طاهرة فليس هناك مبدئي مخير إلا ساكني ظل الرجل ذي الفصول
بعد كل ما سبق يكون الحديث عن الفتن امر اوضح مما لو ولجنا اليه من باب الحديث المباشر لان ذوي الفصول غالبا ما يهتبلون فرص الفتن ليختاروا تابعيهم ان بعناية او بغيرها ويهلكون من يخالفهم اثناء تقلبات فصولهم
والمصيبة المدلهمة الفاجعة هو محبة عوام الناس للسجع والتشدق المشنف لأذانهم وتفضيل ذلك على مرارة الحق المحنظل لان قول الحق وان كان مرا امر من اوامر النبي عليه السلام حين قال "قل الحق ولو كان مرا" وكم من قائل للحق قتل لان الذين يتجرعون مرارة الحق من ذوي الفصول من الرجال يقتلون من يجرعهم كاس الحق المر وما صاحب الابتسامة الغامضة عنا ببعيد حين اعدم صبرا لان عين البصيرة ارته حقيقة واحد من ذوي التقلبات الفصولية المستغلين للفتن والعازفين الحانها والقاتلين بأوتار آلاتها من خالفه
ومدلهمة اخرى ان الفتنة من الناحية العملية السننية تكون لكشف الحقيقة لكل اعمى ولكن ان تزيد التعامي والتغاضي فان ذلك دليل على ان الناس تفضل العيش في كنف متقلب باحث عن مجده الشخصي في مقابل الانحياز الى الحق المر الواضح والله يعلم ان القول ليس بفندا
ان الفتْن عملية مستمرة في كل حين وكل لحظة ولكن المتعامي وان كان مبدئيا قد يصبح في دورة من دورات الفتْن متقلبا بذاته باحثا عن مصلحته ومقدما لها على مبدئه والمبدأ لا يحتمل ذلك فيبقى فتاته في جوف صاحبنا ليجتره من حين الى اخر وقد مررنا بالاجترار وليس له فائدة إلا طحن المطحون المهضوم مسبقا والفائدة غير مرجوة إلا ان ذلك يجعل صاحبنا يسلي نفسه بتقزيم مبدئه من فتات الى فتات اصغر واصغر فيكبر مبدؤه تقسيما ولا يعدو كونه فتاتا
قد تكون الرمزية والإشارة في الكتابة امر لا تفضله ولكن لا بد منها لان العلم لا يبسط لكل راغب وإنما يبسط للباحث فابحث وراقب وتعلم وإذا علمت فالزم فان معادن الرجال وصفاتهم وطبائعهم لا تعدو ان تكون واضحة لمتفرس حذر ومن لم يحذر زلت به القدم ندم وان ندم حينها فلا فائدة من ذلك وليترحم على مبدئه
تمسك بزمام مبدئك ولا تخف وكن كما قال الافغاني درويشا فانيا لا تخف شيطانا ولا تخش سلطانا لتصرخ فزت ورب الكعبة واترك اللاهين في قطعانهم واتبع خطى من نجا ولا يغرنك كما قيل كثرة السالكين واعتبر بكثرة المتساقطين المتعثرين الباحثين عن امجادهم الزائفة واقتد واهتد بخطى الناجين
الفتنة امر لا بد منه وإياك ان تخرج منه خاما كما دخلت لأنك حينها تكون معدنا رخيصا ولن تكون ذهبا مبدئيا خالصا ولجلجة الباطل في هذا الزمن متلفعة بغطاء رقيق من الحق العازف على اوتار الموت والتضحية وكل من اتبع صدقة بمن او اذى فهو صفوان وكل مدل مستكبر بجهاده او قتاله او عطاءه هلك لا محالة والأيام قُلَب
لا تتعرض للفتن ولكن ان دفعت لها كن لها بالمرصاد مستعينا بالفكرة والمبدأ وقبل ذلك كله الخالق تعالى لان القاطع للحبل المتين بينه وبين خالقه مبتور حيران مستغوا من الشياطين بنوعيها ولا شيء يصفه غير حيران والحيرة فتنة فإذا فقدت المبدأ وقطعت الحبل المتين فانظر أي سبيل سلكت وتبوأ المقعد الذي يناله من انحرف ومال وتاه
ان ظل ذوي الفصول المتقلبة من الرجال وافر الثمار وارف الظلال ولكنه زائل لا محالة فكل متاجر بمثل هذه الترهات سواء تقبلا او تسويقا او تبريرا او دفاعا فهو هالك مع من سيهلك
وختاما كن ما تريد ولكن لا تكن بلا مبدأ او فكرة والمبدأ والفكرة بحاجة الى نمو وزيادة ولا ينميهما سحت المدح او التزلف او التضعضع وكن حيث امرت ان تكون ولا تكن مستمعا للهو فتطرب اذناك ويموت قلبك وينهدم مبدؤك وأي فتنة سنحت لك فرصة متابعتها فدعها حتى يكتمل اوارها ويخبو وطيسها واحكم على ما وضعت فيها وعد للناس بالفائدة وان مقتوك للنور الذي جئت به فلا تقل هلكوا فتهلكهم فان التابع الذليل غالبا ما يكون فيه بقية فنمها وإلا فمت قبل ان تتجشم مشقة الاصلاح لان المفسد لا يصلح وكذلك القاتل
ان كون المبدأ صحيحا دوما يشعرك احيانا وأنت تتقلب مؤرقا مفكرا بكلمة فلتت او موقف حدث او همسة وصلت اليك عفوا ان للرجال شؤونا وأمورا تكون من طبائع عاداتهم يحاولون تجميلها بالتطبع والتصنع ولكن هذا زيف يذوب مع غثاء الزبد الذي يذهب بشكل مفاجئ جفاء
ان اوضاع الراحة والدعة التي يظهر فيها الرجل متلفعا بثوب الكرم والإقدام والنصح والإرشاد غالبا ما تمحوها غضبة او غضبات تترى ولم اجد خلال مشواري القصير الاجل والمحدود الامكنة شيئا يكشف عن معادن الرجال كالفتن وذلك لان أي وضع اخر يكون ماّله الى زوال وكأن الفتن امر لا بد منه وكيف لا والله تعالى يقول "اولا يرون انهم يفتنون في كل عام مرة او مرتين "
ويكأن الخالق تعالى في علاه عندما خلق الانسان علم وهو العليم الخبير ان هذا المخلوق سوف يعود الى امور يتزين بها ليغطي عوار اموره وعورة اهدافه فكان لا بد من كشف ذلك مرة او مرتين في كل عام ويكانه تقلب للفصول الخاصة بالمخلوق المسمى انسان وتحديدا المنطلق في المعاملات مع الناس والمتجشم مشقة تحمل اعبائهم فهو في شتاء عطاءه يسح عليهم امطار عطاءه مخفيا شمس اهدافه وراء غيوم كرمه ومظهرا لها باردة غير مدفئة بل منظر فقط يتذرع بذرائع الوضوح عندما يبديها عيانا قائلا انه واضح صريح وله اهدافه ولكنه يقوم في اهدافه على مصالح الناس وأثناء حديثه المقتضب عن اهدافه تغيب شمسها بغطاء عطاءه وغيثه النافع الفاقع والمتلف احيانا
وعندما تسقط امطاره على ارض الناس الذين يتطلعون لخيره وينتظرون منحه فهو يوجه قسم منها ليحي اناسا دون غيرهم غالبا ما يكونون مفتونين به ينظرون اليه بعين الرضا وربما يغدق عطاءه في قسم اخر فيكون سيولا جارفة ونقمة على اناس اخرين تحرق كيانهم وتقذف بهم في بحر الصراع المتلاطم الامواج فلا يخرجون من بطن موجة إلا الى اخرى اتت من سيل نقمة اخر فأهلكت اناسا اخرين ربما كان للرجل هدف في شتاءه في الغائهم ومحقهم ليخلو له المكان فيزرع بذور مصالحه المختبئة في ثنايا صدره
وما ان ينهي الرجل تساوقه مع الارض التي خلق منها بأحوالها التي جمعت تربته من جميع انحاء الارض اثنائها
ما ان ينهي شتاء عطاءه تبدأ شمس اهدافه المخبأة في الشتاء تحمر شيئا فشيئا لينقلنا الى ربيعه الذي ينمي فيه ازلامه الذين اختارهم وبدا يرفع هذا ويخفض اخر ويكسوهم بأوراق نماء خضراء وتحمى شمس اهدافه حتى تزهر اشجار ازلامه الذين اختارهم بإهلاك اخرين ويلقي عليهم القابا ورتبا ويهيئ ذلك مجالا خصبا لنمو جو النفاق الاجتماعي المتمثل في المدائح والقصائد الغزلية في ازلامه النامين وتنطلق قطعان الرعاع المفتونة تلتهم الاعشاب النامية عند اقدام الازلام وهكذا يبدو النفاق الاجتماعي مصيبة بسيطة امام تكالب قطعان الراتعة والثالطة في نفس المكان وكل ذلك يحدث في تغافل عن الاهداف الحقيقية لذلك الرجل فكل واحد من الازلام مشغول بمجده وإنمائه وإطالة ساقه وغرس جذور فساده في رقاب الناس وهو نفسه ينمى كما قال مالك بن نبي ليذبح كما القطيع حتفه في سمنه
فإذا تم ما اراد الرجل من خروج ثمار عطاءه ونضوجها اصبحت شمس اهدافه واضحة جلية يصرخ بها في صيف قائظ حار وحصد ثمار عطاءه بسيوف منه وبه وقطع اشجار ازلامه واجتثها اجتثاثا وأهدافه لا تغيب وان غابت في ليل تعسفه تجعل الليل وكأنه رابعة نهار في تموز او اب فإذا ما حصد الثمار وقلب له المقدر الخالق ظهر المجن وادخله في خريف عمره وجعل بعد القوة ضعف وشيبة وسقطت اوراق اشجاره الواحدة تلو الاخرى نبت له تذكر هنا او هناك ولكنه لا يكون كافيا لإعادة مجد عطاءه فيتحسر ويخسر ويندم وهكذا دواليك وعلى هذا فانح
ان التشابه بين الانسان والمكان الذي خلق منه هو مصنع الفتن الاكبر ولكل امر فصول من بذر وإعداد وعطاء وإغداق وإنماء وإنضاج وقطف للثمار وتخل وتساقط وذبول وإدبار فالفتنة مرجل يغلي من دخلها بحليه وزينته خرج منها بحقيقته العارية لذلك يصبح الحكم المجرد على الرجل في هذه المرحلة امر لا سهل ممتنع سهل لان الحقائق ناصعة وممتنع لان صاحب المبدأ قد يفضل ان ينجو بنفسه او يتماهى مع ما يحدث لينجو او مستفيدا بوضع رأسه بين رؤوس الناس مستعدا للقطع فيقضي زمنه مجترا لمبدئه في ظل رجل فينتظر القطع كل حين بين السيف والنطع
ان المبدئي عندما يعيش في ظل رجل ذي فصول وتقلبات لا يكون له خيار إلا المتابعة الحثيثة لتقلباته وتصنعاته حتى يحكم عليه من خلال مبدئه وإلا فويل من مبدئه قبل أي شيء اخر
ان المبدئي في زمن وكل حال مطالب بان يستذكر ما يحمل من ثقل امانة قد تقصم ظهره ان لم ينتبه في خطوه وعليه ان يبتعد عن ظل الرجل ذي الفصول حتى يسلم ويرغب الناس في نتائجه ويتقبلونها ان بصدر رحب او ضيق حرج لان الناس مستقلهم وتابعهم غاليا ما يحاكمون المبدئي قبل غيره ويرون تطابق قوله وفعله ضرورة ملحة لا بد له من التحلي بها وجعلها هيكله العظمي الذي يظهر عند الفتن
ان ذوي الفصول من الرجال لا يتركون مجالا لمبدئي إلا اذا تساوق معهم وانساق كالسائمة العجماء التي لا يهمها إلا ما تأكله والاجترار صفة لازمة لها فالاجترار للمبدأ شيء هادئ لا يتحمل من اجله مشقة اذ انه من الفطرة وهل يحاكم المرء على غريزة ولدت فيه طاهرة فليس هناك مبدئي مخير إلا ساكني ظل الرجل ذي الفصول
بعد كل ما سبق يكون الحديث عن الفتن امر اوضح مما لو ولجنا اليه من باب الحديث المباشر لان ذوي الفصول غالبا ما يهتبلون فرص الفتن ليختاروا تابعيهم ان بعناية او بغيرها ويهلكون من يخالفهم اثناء تقلبات فصولهم
والمصيبة المدلهمة الفاجعة هو محبة عوام الناس للسجع والتشدق المشنف لأذانهم وتفضيل ذلك على مرارة الحق المحنظل لان قول الحق وان كان مرا امر من اوامر النبي عليه السلام حين قال "قل الحق ولو كان مرا" وكم من قائل للحق قتل لان الذين يتجرعون مرارة الحق من ذوي الفصول من الرجال يقتلون من يجرعهم كاس الحق المر وما صاحب الابتسامة الغامضة عنا ببعيد حين اعدم صبرا لان عين البصيرة ارته حقيقة واحد من ذوي التقلبات الفصولية المستغلين للفتن والعازفين الحانها والقاتلين بأوتار آلاتها من خالفه
ومدلهمة اخرى ان الفتنة من الناحية العملية السننية تكون لكشف الحقيقة لكل اعمى ولكن ان تزيد التعامي والتغاضي فان ذلك دليل على ان الناس تفضل العيش في كنف متقلب باحث عن مجده الشخصي في مقابل الانحياز الى الحق المر الواضح والله يعلم ان القول ليس بفندا
ان الفتْن عملية مستمرة في كل حين وكل لحظة ولكن المتعامي وان كان مبدئيا قد يصبح في دورة من دورات الفتْن متقلبا بذاته باحثا عن مصلحته ومقدما لها على مبدئه والمبدأ لا يحتمل ذلك فيبقى فتاته في جوف صاحبنا ليجتره من حين الى اخر وقد مررنا بالاجترار وليس له فائدة إلا طحن المطحون المهضوم مسبقا والفائدة غير مرجوة إلا ان ذلك يجعل صاحبنا يسلي نفسه بتقزيم مبدئه من فتات الى فتات اصغر واصغر فيكبر مبدؤه تقسيما ولا يعدو كونه فتاتا
قد تكون الرمزية والإشارة في الكتابة امر لا تفضله ولكن لا بد منها لان العلم لا يبسط لكل راغب وإنما يبسط للباحث فابحث وراقب وتعلم وإذا علمت فالزم فان معادن الرجال وصفاتهم وطبائعهم لا تعدو ان تكون واضحة لمتفرس حذر ومن لم يحذر زلت به القدم ندم وان ندم حينها فلا فائدة من ذلك وليترحم على مبدئه
تمسك بزمام مبدئك ولا تخف وكن كما قال الافغاني درويشا فانيا لا تخف شيطانا ولا تخش سلطانا لتصرخ فزت ورب الكعبة واترك اللاهين في قطعانهم واتبع خطى من نجا ولا يغرنك كما قيل كثرة السالكين واعتبر بكثرة المتساقطين المتعثرين الباحثين عن امجادهم الزائفة واقتد واهتد بخطى الناجين
الفتنة امر لا بد منه وإياك ان تخرج منه خاما كما دخلت لأنك حينها تكون معدنا رخيصا ولن تكون ذهبا مبدئيا خالصا ولجلجة الباطل في هذا الزمن متلفعة بغطاء رقيق من الحق العازف على اوتار الموت والتضحية وكل من اتبع صدقة بمن او اذى فهو صفوان وكل مدل مستكبر بجهاده او قتاله او عطاءه هلك لا محالة والأيام قُلَب
لا تتعرض للفتن ولكن ان دفعت لها كن لها بالمرصاد مستعينا بالفكرة والمبدأ وقبل ذلك كله الخالق تعالى لان القاطع للحبل المتين بينه وبين خالقه مبتور حيران مستغوا من الشياطين بنوعيها ولا شيء يصفه غير حيران والحيرة فتنة فإذا فقدت المبدأ وقطعت الحبل المتين فانظر أي سبيل سلكت وتبوأ المقعد الذي يناله من انحرف ومال وتاه
ان ظل ذوي الفصول المتقلبة من الرجال وافر الثمار وارف الظلال ولكنه زائل لا محالة فكل متاجر بمثل هذه الترهات سواء تقبلا او تسويقا او تبريرا او دفاعا فهو هالك مع من سيهلك
وختاما كن ما تريد ولكن لا تكن بلا مبدأ او فكرة والمبدأ والفكرة بحاجة الى نمو وزيادة ولا ينميهما سحت المدح او التزلف او التضعضع وكن حيث امرت ان تكون ولا تكن مستمعا للهو فتطرب اذناك ويموت قلبك وينهدم مبدؤك وأي فتنة سنحت لك فرصة متابعتها فدعها حتى يكتمل اوارها ويخبو وطيسها واحكم على ما وضعت فيها وعد للناس بالفائدة وان مقتوك للنور الذي جئت به فلا تقل هلكوا فتهلكهم فان التابع الذليل غالبا ما يكون فيه بقية فنمها وإلا فمت قبل ان تتجشم مشقة الاصلاح لان المفسد لا يصلح وكذلك القاتل