![مشوار حياتي.. (سيرة قلم فلسطيني) [الجزء الأول] الحلقة الثالثة والرابعة بقلم: رفيق أحمد علي مشوار حياتي.. (سيرة قلم فلسطيني) [الجزء الأول] الحلقة الثالثة والرابعة بقلم: رفيق أحمد علي](https://images.alwatanvoice.com/writers/large/2591081656.jpg)
الحلقة الثامنة عشرة
مشوار حياتي..(سيرة قلم فلسطيني)
[الجزء الأول]
ــــــــــــــ
مايو/ أيّار 1957
بدأ في مدرستنا ـ مدرسة مصطفى حافظ ـ نشاط ظاهر نحو إقامة حفلة بمناسبة ختام العام الدراسي.. وكانت بإشراف المعلم عبدالله الحوراني*(رحمه الله) والذي اصبح فيما بعد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.. وكان يشرف على الإذاعة المدرسية، حيث ألقى كلمة بمناسبة ذكرى النكبة الفلسطينية:15 مايو/أيار.. وكان قد أوعز لي بإعداد كلمة لألقيها بالمناسبة، وحيث لم أكن أملك الثقافة الكافية لمثل ذلك؛ فقد استعنت بوالدي وكتبها لي وألقيتها.. وكان قد ظهر ميلي إلى حب الموسيقى والنشيد كما أسلفت، حيث انضممت إلى فرقة الأناشيد المدرسية التي أشرف عليها المعلم عازف العود علي كتّوع(رحمه الله) وانتهى به المطاف للعمل في إذاعة الجماهيرية الليبية، حيث قام بتسجيل عدة أغاني فلسطينية، أي نابعة من الأدب الشعبي الفلسطيني.. وكنا نؤدي من خلال الفرقة نشيد (الله أكبر) الذي ظهر في إذاعة الجمهورية المصرية بعد اندحار العدوان الثلاثي.. ومن كلمات هذا النشيد أذكر مطلعه:
الله أكبر فوق كيد المعتدي.. والله للمظلوم خير مؤيّدِ
أنا باليقين وبالسلاح سأفتدي .. بلدي ونور الحقّ يسطع في يدي
قولوا معي: الله.. الله .. الله أكبر .. الله فوق المعتدي!
.............................
وقد أدّينا هذا النشيد مع نشيد (عائدون) للشاعر هارون هاشم رشيد كفقرة من فقرات الحفل المدرسي وكنت في مقدمة الفرقة، وأذكر أنّ الأستاذ عبدالله الحوراني قد التقط صورة فوتوغرافية للفرقة ما زلت أحتفظ بها في ألبوم صوري.. ومن زملائي فيها: طلعت العطار وصلاح صادق.
هذا وقد تأثّرت بالنشيد المذكور مطلعه، وأدركت الوزن الشعري من خلال التغني به والسماع إليه يتردد منطلقاً من الإذاعات المصرية كلّ حين؛ حتى حاولت أن أكتب على منواله نشيداً مشابهاً، كان البداية لمحاولاتي الشعرية التي نمت بعد ذلك.. وكنت أعرض ما أكتب على السيد والدي أحياناً فأجد منه التشجيع على ذلك؛ وكانت لديه خبرة بنسج الأهازيج والأزجال الشعبية وبعض المحاولات الشعرية الفصيحة.. فزجلية يحكي فيها عن معارك 1948 بيننا وبين اليهود يقول فيها:
باسم الله ابتدينا** وسيف الله استلّينا
وعلى بلفور احتجّينا** في سنة سبعة وأربعين
اجتنا اللجنة الملكية** والعرب عنها ملهيّة
واليهود بالكلية*** بواجب اللجنة قايمين
×××
ولمّا رِجعت للبلاد*** ناشدَت كل العباد
وحكمت بالأمر الواقع** قسمت فلسطين قسمين
ولمّا سمعنا هالكلام*** صار الضّيا كالظلام
دعينا كلّ الإسلام*** لحمل السيف والمرتين
وبدينا نهدد ونقول** سناكلهم أكل الغول!
ودقّينا للحرب طبول** حتى نطهّر فلسطين
اسمع معارك أبو كبير** وفي هاتكفا التدمير
أما معارك سلَمة*** صار القتلى بالألفين!
واسأل عنّا باب الواد** كانت كيوم المعاد
نحصد في العدوّ حصاد**والعربي منا بعشرين
شبّان بربرة وبرير** كيف موقفهم في سكرير
ويوم الجمعة والخميس** كيف منعنا الطريقين!
أما في وادي الصرار** صار الضرب كالأمطار
نهجم بالحديد والنار** ونضرب ضرب الميامين
ياما أخذنا مصفّحات** وما يوم هبنا الطيارات
واليهود جُوّا الطاقات** وحنا إلهُم صيّادين!
وزجلية أخرى جاء بها في صورة قصة خيالية عن ثلاثة إخوان؛ يقول:
أحكيلك عن ثلاث اخوان** سالم وأحمد وعثمان
اثنين فلاّح وجندي*** والثالث جدّ العربان
مات أبوهم هالأمير** خلّف الهم مال كثير
عازوا يقسمو التركة** راحوا يطلبو القُظيان
وكانت بينهم الشركة** ثوير وبعير وحصان
لما حضروا للقاظي** وقولُه عليهم ماظي
قدّمولُه حجّتهم **** وطلبوا من عندُه البيان
قام أخوهم الأوسط** وفي الغالب اسمُه أحمد
وقال للقاظي يا سيّد** أنا أطلب شيخ الثيران
حتى أحرث الأراظي** وانا بهالعيشة راظي!
واكل في غير معادي** واتعشّى وانا نعسان
قام سالم الزغير*** قال انا اطلب البعير
حتى في الصحرا أسير** وبيتي في ظهور البُعران
لا أشترك في دولة** ولا إلهُم عندي قولة
حتى في يوم وليلة*** أدور بكل البلدان!
بقي ثالث الإخوان** واسمُه في العرب عثمان
وقدّم حجة للقاظي*** يطلب تسليمه الحصان
ولما حكم القاظي*** والجمع طلع راظي
قام أحمد في الأراظي** يحرث يزرع غير كسلان
قمح وفاصوليا وشعير** ومن الخُظر كم كثير
وحصد ودبّ المطامير** وصار يطبّل وشبعان
في الصيف أجاله سالم** قال الله بحالي عالم
عايز منّك يا خويّي** شويّة قمح للطنيان
سيفه كان على حنبه*** والذنب ماهو ذنبه
أعطاله حمل وقال له** لا تخبّر كل العربان
وراح أحمد قال لعثمان** وكرباجه مثل الثعبان
قال له سويلم نهبني** فتّش عليه في البلدان
قام عثمان في البراري* وحصانه تحته جاري
طوّف كلّ الصحاري** وسويلم طمس ما بان
ولما عِقِل بسالم*** قال له تعال يا ظالم
والحاجّ مسعود في يدّه ** تسمع لصوته طنطان
وسويلم ولّى هارب** ترك كلّ المطالب!
واحمد راعي الشوارب** يضحك بالفم المليان!
وسويلم لحقه عثمان*** جابه لحد حميدان
والضرب عليه شغّال** أصبح في فراشه عيّان
×××
أحمد ندم عاللي صار**لخيّه وزاره عالدار
قدّم له حسن اعتذار*** عاللي جرى من عثمان
ورجع يتفكّر في الحال** ويردّد بلسان الحال:
كِلمة قالوها العُقّال** بات غلبان ولا تبات ندمان!
ولا يخفى ما في الحكاية من عبرة وحكمة دلّ عليها ختامها!!
ــــــــــــــــــــــــــ يتبع
* توفّي الأستاذ المربّي: الكاتب والناشط السياسي عبدالله الحوراني نوفمبر2010م
وكتبت مقالاً في رثائه نشر بصحيفة الاستقلال، كما نشر بعد ذلك في كتاب عنه بعنوان(عبدالله الحوراني حارس تراب الوطن) عن طريق المركز القومي للدراسات والتوثيق، والذي كان مؤسسه ورئيساً له ثم سمّي باسمه بعد وفاته رحمه الله.
مشوار حياتي..(سيرة قلم فلسطيني)
[الجزء الأول]
ــــــــــــــ
مايو/ أيّار 1957
بدأ في مدرستنا ـ مدرسة مصطفى حافظ ـ نشاط ظاهر نحو إقامة حفلة بمناسبة ختام العام الدراسي.. وكانت بإشراف المعلم عبدالله الحوراني*(رحمه الله) والذي اصبح فيما بعد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.. وكان يشرف على الإذاعة المدرسية، حيث ألقى كلمة بمناسبة ذكرى النكبة الفلسطينية:15 مايو/أيار.. وكان قد أوعز لي بإعداد كلمة لألقيها بالمناسبة، وحيث لم أكن أملك الثقافة الكافية لمثل ذلك؛ فقد استعنت بوالدي وكتبها لي وألقيتها.. وكان قد ظهر ميلي إلى حب الموسيقى والنشيد كما أسلفت، حيث انضممت إلى فرقة الأناشيد المدرسية التي أشرف عليها المعلم عازف العود علي كتّوع(رحمه الله) وانتهى به المطاف للعمل في إذاعة الجماهيرية الليبية، حيث قام بتسجيل عدة أغاني فلسطينية، أي نابعة من الأدب الشعبي الفلسطيني.. وكنا نؤدي من خلال الفرقة نشيد (الله أكبر) الذي ظهر في إذاعة الجمهورية المصرية بعد اندحار العدوان الثلاثي.. ومن كلمات هذا النشيد أذكر مطلعه:
الله أكبر فوق كيد المعتدي.. والله للمظلوم خير مؤيّدِ
أنا باليقين وبالسلاح سأفتدي .. بلدي ونور الحقّ يسطع في يدي
قولوا معي: الله.. الله .. الله أكبر .. الله فوق المعتدي!
.............................
وقد أدّينا هذا النشيد مع نشيد (عائدون) للشاعر هارون هاشم رشيد كفقرة من فقرات الحفل المدرسي وكنت في مقدمة الفرقة، وأذكر أنّ الأستاذ عبدالله الحوراني قد التقط صورة فوتوغرافية للفرقة ما زلت أحتفظ بها في ألبوم صوري.. ومن زملائي فيها: طلعت العطار وصلاح صادق.
هذا وقد تأثّرت بالنشيد المذكور مطلعه، وأدركت الوزن الشعري من خلال التغني به والسماع إليه يتردد منطلقاً من الإذاعات المصرية كلّ حين؛ حتى حاولت أن أكتب على منواله نشيداً مشابهاً، كان البداية لمحاولاتي الشعرية التي نمت بعد ذلك.. وكنت أعرض ما أكتب على السيد والدي أحياناً فأجد منه التشجيع على ذلك؛ وكانت لديه خبرة بنسج الأهازيج والأزجال الشعبية وبعض المحاولات الشعرية الفصيحة.. فزجلية يحكي فيها عن معارك 1948 بيننا وبين اليهود يقول فيها:
باسم الله ابتدينا** وسيف الله استلّينا
وعلى بلفور احتجّينا** في سنة سبعة وأربعين
اجتنا اللجنة الملكية** والعرب عنها ملهيّة
واليهود بالكلية*** بواجب اللجنة قايمين
×××
ولمّا رِجعت للبلاد*** ناشدَت كل العباد
وحكمت بالأمر الواقع** قسمت فلسطين قسمين
ولمّا سمعنا هالكلام*** صار الضّيا كالظلام
دعينا كلّ الإسلام*** لحمل السيف والمرتين
وبدينا نهدد ونقول** سناكلهم أكل الغول!
ودقّينا للحرب طبول** حتى نطهّر فلسطين
اسمع معارك أبو كبير** وفي هاتكفا التدمير
أما معارك سلَمة*** صار القتلى بالألفين!
واسأل عنّا باب الواد** كانت كيوم المعاد
نحصد في العدوّ حصاد**والعربي منا بعشرين
شبّان بربرة وبرير** كيف موقفهم في سكرير
ويوم الجمعة والخميس** كيف منعنا الطريقين!
أما في وادي الصرار** صار الضرب كالأمطار
نهجم بالحديد والنار** ونضرب ضرب الميامين
ياما أخذنا مصفّحات** وما يوم هبنا الطيارات
واليهود جُوّا الطاقات** وحنا إلهُم صيّادين!
وزجلية أخرى جاء بها في صورة قصة خيالية عن ثلاثة إخوان؛ يقول:
أحكيلك عن ثلاث اخوان** سالم وأحمد وعثمان
اثنين فلاّح وجندي*** والثالث جدّ العربان
مات أبوهم هالأمير** خلّف الهم مال كثير
عازوا يقسمو التركة** راحوا يطلبو القُظيان
وكانت بينهم الشركة** ثوير وبعير وحصان
لما حضروا للقاظي** وقولُه عليهم ماظي
قدّمولُه حجّتهم **** وطلبوا من عندُه البيان
قام أخوهم الأوسط** وفي الغالب اسمُه أحمد
وقال للقاظي يا سيّد** أنا أطلب شيخ الثيران
حتى أحرث الأراظي** وانا بهالعيشة راظي!
واكل في غير معادي** واتعشّى وانا نعسان
قام سالم الزغير*** قال انا اطلب البعير
حتى في الصحرا أسير** وبيتي في ظهور البُعران
لا أشترك في دولة** ولا إلهُم عندي قولة
حتى في يوم وليلة*** أدور بكل البلدان!
بقي ثالث الإخوان** واسمُه في العرب عثمان
وقدّم حجة للقاظي*** يطلب تسليمه الحصان
ولما حكم القاظي*** والجمع طلع راظي
قام أحمد في الأراظي** يحرث يزرع غير كسلان
قمح وفاصوليا وشعير** ومن الخُظر كم كثير
وحصد ودبّ المطامير** وصار يطبّل وشبعان
في الصيف أجاله سالم** قال الله بحالي عالم
عايز منّك يا خويّي** شويّة قمح للطنيان
سيفه كان على حنبه*** والذنب ماهو ذنبه
أعطاله حمل وقال له** لا تخبّر كل العربان
وراح أحمد قال لعثمان** وكرباجه مثل الثعبان
قال له سويلم نهبني** فتّش عليه في البلدان
قام عثمان في البراري* وحصانه تحته جاري
طوّف كلّ الصحاري** وسويلم طمس ما بان
ولما عِقِل بسالم*** قال له تعال يا ظالم
والحاجّ مسعود في يدّه ** تسمع لصوته طنطان
وسويلم ولّى هارب** ترك كلّ المطالب!
واحمد راعي الشوارب** يضحك بالفم المليان!
وسويلم لحقه عثمان*** جابه لحد حميدان
والضرب عليه شغّال** أصبح في فراشه عيّان
×××
أحمد ندم عاللي صار**لخيّه وزاره عالدار
قدّم له حسن اعتذار*** عاللي جرى من عثمان
ورجع يتفكّر في الحال** ويردّد بلسان الحال:
كِلمة قالوها العُقّال** بات غلبان ولا تبات ندمان!
ولا يخفى ما في الحكاية من عبرة وحكمة دلّ عليها ختامها!!
ــــــــــــــــــــــــــ يتبع
* توفّي الأستاذ المربّي: الكاتب والناشط السياسي عبدالله الحوراني نوفمبر2010م
وكتبت مقالاً في رثائه نشر بصحيفة الاستقلال، كما نشر بعد ذلك في كتاب عنه بعنوان(عبدالله الحوراني حارس تراب الوطن) عن طريق المركز القومي للدراسات والتوثيق، والذي كان مؤسسه ورئيساً له ثم سمّي باسمه بعد وفاته رحمه الله.