الأخبار
كم تبلغ تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة؟تركيا تُوقف جميع التعاملات التجارية مع إسرائيلغزة: عطاء فلسطين تنفذ سلسلة مشاريع إغاثية طارئة للمتضررين من العدوانحمدان: إذا أقدم الاحتلال على عملية رفح فسنُوقف التفاوض.. والاتصال مع الضيف والسنوار متواصلأكثر من ألف معتقل في احتجاجات الجامعات الأميركية ضدّ الحرب على غزةرئيس كولومبيا يُعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيلبلينكن: نريد الآن هدنة بغزة.. وعلى حماس أن تقبل العرض الجيد جداًتركيا تقرر الانضمام لدعوى الإبادة الجماعية ضد إسرائيلالكشف عن نص العرض المقدم للتوصل لهدوء مستدام في قطاع غزةنتنياهو: قواتنا ستدخل رفح بصفقة أو بدونهاوفد حماس يغادر القاهرة للعودة برد مكتوب على المقترح الجديد لوقف إطلاق الناربلينكن: أمام حماس مقترح سخي جداً وآمل أن تتخذ القرار الصحيح سريعاًتضامناً مع فلسطين.. احتجاجات الجامعات الأميركية تتسع وسط مخاوف إلغاء مراسم التخرجتل أبيب تستعد لإصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين كبارإعلام إسرائيلي: 30 جندياً في الاحتياط يرفضون الاستعداد لاجتياح رفح
2024/5/3
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

المثقـفُ خارجَ الإجـماع.. بقلم:سعيدة تاقي

تاريخ النشر : 2015-07-29
المثقـفُ خارجَ الإجـماع.. بقلم:سعيدة تاقي
المثقـفُ خارجَ الإجـماع..

سعيدة تاقي

لنتّفق قبل البدء على أن الجَمْع بين النخب السياسية و النخب المثقفة في تصفيف واحد جمْعٌ لا يستقيم. ليس من منظور جَـمْع الجزء إلى الكل فحسب، و إنما من منظور يطمح إلى التغيير و ليس إلى الإصلاح. إن معادلة العمل من الداخل و هي منظور النخب السياسية سواء من باب المشاركة بالولاء أو المساهمة باسم المعارضة، لا تشبه في شيء العمل من الخارج و هو منظور النخب المثقفة عموماً دون انتماء حزبي أو مؤسساتي. و هي نخب لا تنشغل بالتدخل المباشر في العمل السياسي، بل تحرص على رهـان بنـاء الإنـسان و إعـلاء القيم السامية، و تشييد الفكر المتحرِّر من قيود الواقع و إكراهات السلطة السائدة و مصالح استبدادها.

في ضوء هذا المنظور لا تتحدد الأدوار التاريخية من وعي لحظة واحدة، بل بفضل التراكم. فلا شك أن تكسير جدار الصمت قصد الانطلاق الفعلي في البناء الديموقراطي لم يكن نتيجة لحظة إحراق البوعزيزي لنفسه، أو ما أشعله ذلك الفعل من انتفاضات شَـبَّتْ في امتدادات الشارع في دول متعددة. ففعل اليقظة مقابل السبات، أو الاندفاع ضد الجمود، أو الانتفاض بدل الاستسلام أو التحرر في وجه الاستبداد، ليس مَقطَعاً زمنيا أفقيا معزولاً عن العـمـق العـمودي لـمَـفاصل التـاريخ. إن الحاضر في لحظـته له مـاضٍ قد شـيَّـد تفاصيلَه، أو تخيَّلها أو حلم بها حين كان ذلك الحاضر في عرف الماضي أطيافَ مستقبل يُستشرَف.

و لا تخضع الجدوى لحساب آلي يقيسها و يضبط إيقاعها على معيار مسبق.. ففي ضوء هذا الاحتمال الافتراضي سيكون بإمكان الأجهزة الاستخباراتية أن تُجهِز على كل أفكار التحرر أو التغيير أو الحلم أو الطموح، رغم أن الواقع المعيش في مجتمعاتنا على كل الأصعدة، يقول إنها تشتغل في صمت و بمثابرة لإحباط أحلام التغيير و اجتثاث أفكاره من صدور الثوار و الحالمين.
إن مجتمعاتنا لا تختلف في سيرورة تطورها عن سيرورة التطور التي عرفتها كل المجتمعات التي تجني اليوم ثـمـار إقـرار الديموقـراطية و احترام حـقـوق الإنسان. و من هنا فمسار مواجهة الاستبداد و الشطط في استعمال السُّـلط و احتكار الأموال و موارد الحياة هو ذاته رغم التباينات التاريخية و الجغرافية..
لكن واقع الحال يقول: إن أخْذَ تلك المجـتمعات بأسباب التحرر و التغيير منذ أجيال قد نجح في تحقيقها للعدالة و المساواة و التقدم، مثلما نجح في انتقالها إلى قيادة الركب الحضاري، بعد نجـاحها في بناء الإنـسان المُنـتِـج، بينما أخْـذُ مجـتمعاتـنـا بأسـباب التـحرر و التغيير لم يؤت أُكْله بعد، رغم سيول الدم المراقة في كل بقاعنا و حجم التردي الذي تشهده مجالات الحياة من الناحية الاجتماعية و الاقتصادية و الأمنية و غيرها. هنا سيتدخَّل المنطق ـ بدروس البديهيات ـ ليضفي على معادلة "الجـدوى" التي تبدو غير مأمونة المَـداخـل و المَخارج مبدأَ الثالث المرفوع. فلا يمكن أن نحرص كل الحرص أوَّلاً على أن نكون "نحن" بكامل خصوصياتنا التي ندرك جيداً ميزاتها و أعطابها، و أن نطمح كل الطموح ثانياً إلى تحقيق ما حقَّقوه "هُم" فكريا و سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا.
بأعطابنا التي تعيق بناء الإنسان المتصالَح مع ذاته، و القادر على التفكير المتحرِّر من كل أشكال الوصاية لا يمكن لأسباب التغيير أن تجد الأصداء الملائمة لأحلامها و مطامحها، في بنية مجتمع مازال يؤمن بالخرافة و يقدِّس القادة، و يتفشى فيه الفـقـر الكافـر اجـتماعـيا و فكريا، و يحتكر ساستُه و سِيَاسِيُوه البر و البحر و الجو، و يحاصر الإحباطُ و الفشل شبابَه من كل ناحية.

يمكن القول بناء على كل ذلك؛ إن المثقف سيمتلك دوماً بفعل هويته "التَـفَـكُّرية" منابع الرؤيـة النـظرية و الخـبرة التحـليلية ليسائل الواقع في ركوده أو في تغيره، و ليقدم مقترحاته. فالمثقف كائن ينتـمي إلى واقع مجتمعه، لكنه يتقـدّمه بالفكر و المعرفة و بعد النظر. و الحاجة إلى المثقفين ستظل قائمة و ملِّحـة، لأن ما عاشته تلك الانتفاضات من قدرة على التفـكير في التحرر و التحرير، و من طموح إلى تفعيل التغيير بإسقاط كل أشكال الفـساد و الاستبداد و الإفساد، إنما ينبع عن حصيلة الوعي الذي شكَّلته نخبة المثقفين عبر أجيال.

إن الهَمَّ الذي يحق (أو يجب) الانشغال به و باستعجال ليس ترويض المثقفين وفق الأنماط التي نرتضيها لهم، و ليس استدراج النُّخـب نحو الجـري خلـف هـتـافات الشوارع، و إنّما التفكير الجاد في تحصين أحلام التغيير من الدفن و الإقبار. إن التحليل الهادئ للحظة الانتفاض التي استغرقت أربع سنوات (و هي مجرد لحظة في قياس نضال الشعوب عبر التاريخ من أجل الحرية و الكرامة و العدالة و الحياة) لا يمكن إنتاجه بحياد، فالقُرب يُـلبِس التصورات بمناحي ذاتية مُغرِقة في المَواقع و الخلفيات و المصالح..
لكن ما قد أرستْه تلك اللحظة من وعي بقوة الشباب في الحلم و التخطيط و العمل من أجل التغيير قد أصبح واقعا راسخاً. يدركه المثقف و السياسي و المواطن، و يفعِّل كل منهم مُكتسَباته و مَكاسِبه في ضوء هذا المستجَـد. فمثلما ستشحذ النخب المثقفة جهدها لصالح التغيير و التوعية و التأطير و التأثير إيماناً ثابتاً منها بطاقات الشباب المتجدِّدة و قدرة الطامحين إلى التغيير على الفِعل، ستشحذ الأجهزة الاستخباراتية مواردها للاستباق و تسييج كل الأفكار و الأحلام و النوايا، بفضل التكنولوجيات التي تلاحقها لدعم مصالح الأنظمة الحاكمة و للدفاع عن استمرار استبدادها بكل السلط دون مساءلة أو عقاب.
و يبقى الفصلُ للمواطن الإنسان الذي لم تزوِّدْه سنوات التعليم و الشهادات الأكاديمية بالقدرة على الاستقلال بفكْر يمتلك ما يكـفي من المناعة الذاتـية، ضد كل أساليب التجهـيـل و التعمية و التعبئة. و لم تحْمه الفلسفة التربوية و في عمقها السياساتُ التربوية من تدجين مسبَق يشكِّل الإنسان على مَقاس ما ترغبه الأنظمة المتحكِّمة.. فكيف الحال بمجتمع تغْـلب على فئاته الواسعة الأميةُ و الجهل و الفقر، و يقضي على سعيه البـسيـط من أجل لـقمة العيش المغمورة بالعـرق غيابُ الأمن و الاستقرار؟.
إن وعي ذلك الإنـسان الكادح البسـيط بلـعـبة الســياسة و بـمعـادلات الحـيـاة و الحـريـة و الكرامة و المسؤولية و الاستقرار و التغيير، هي التي ستحدِث الفرق في بناء الغد الذي نرغبه لأبنائنا.. و لا شك أن إمكان التغيير لن يتحقق بعيداً عن عطاء المفكِّرين و المثقفين.
المثقف في كل محطات التاريخ كان موضع تشكيك أو مراقبة أو تضييق أو قمع.. يعاديه الحكّام لما ينشره من بذور للتغيير لا تناسب مصالح سيادتهم واستبدادهم. أو يستميلونه إلى ركابهم بالترغيب أو بالترهيب. و ترتاب منه الـعامة لمخالفته لأعرافها و لعادات تفكيرها. المثقف ثائرٌ لم يكن موضع إجماع رغم عطائه و صموده، و سيظل كذلك.



سعيدة تاقي كاتبة من المغرب
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف