الأخبار
وفد حماس يغادر القاهرة للعودة برد مكتوب على المقترح الجديد لوقف إطلاق الناربلينكن: أمام حماس مقترح سخي جداً وآمل أن تتخذ القرار الصحيح سريعاًتضامناً مع فلسطين.. احتجاجات الجامعات الأميركية تتسع وسط مخاوف إلغاء مراسم التخرجتل أبيب تستعد لإصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين كبارإعلام إسرائيلي: 30 جندياً في الاحتياط يرفضون الاستعداد لاجتياح رفحقناة كان: القيادة الإسرائيلية منقسمة بشأن مستقبل الحرب في غزةارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيا
2024/4/30
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أذكرهما يوم جئت مع الصباح كما يجيء المارد بقلم:حياة أنور دوابشة

تاريخ النشر : 2015-07-27
أذكرهما يوم جئت مع الصباح كما يجيء المارد

كتبتها:حياة أنور دوابشة

كانت انطلاقة صباحية هادئة إلا من صوت سائق الحافلة يعرفنا بمناطق نمرُ منها مر السحاب، كانت العيون مشدوهة إليه تتساءل عن المكان على اليمين وعلى الشمال، الفضول يحذوك أن تتمنى لو أن لك رأساً قابلاً للدوران يرى كل الجهات، ستكون ردة فعلك كذلك إن كانت المرة الأولى التي تتوجه فيها صوب بلادك القريبة البعيدة، وتنفيذاً لأصوات المطالبين في الأنشودة السرية "حدثنا حدث" تأتي هذه الحكاية.

سيكون قاسياً لو أنني تذكرت كل ما هو سيءٌ في هذه الرحلة، وقارنت بين فلسطين وبينهم، سيكون حديثي مطرقةً تشعر بعضكم بالعجز والهوان، وقصة ما قبل النوم تجعل كثيرين منكم يتحسرون على الشعب الفلسطيني ثم يعودون لممارسة حياتهم الروتينية.

 ولكن ها هي تفاصيل صغيرة للغاية، الإهانة التي تعرضنا لها على حاجز قلنديا كانت لا شيء،  والبيوت التي مررنا عنها تعلوها أعلام يهودية أيضاً لا شيء،  وقرية اللفتة المهجرة لا شيء،  وكل هذه الكرامة التي هدرت على جانب الطريق الذي شقه الباص مسرعاً اختفت يوم أن نظرنا إلى ذلك المخلوق الذهبي.

من بعيد تبدأ القبة الذهبية تتكشف من بين تداخلات أغصان السرو القريبة، تبدوان وقد تحالفتا لتجعلان الزائر يعاني للمرة الأخيرة في سبيل أن يرى ويصلي في بقعة الطهر تلك، في القدس.

لم ندع زاوية إلا ومررنا منها لم أدع حجراً إلا ولمسته ولم ندع بقعة إلا وصلينا فيها، لحظة أجلس فيها بهدوء أتأمل تلك الفتاة ذات الخمسة أعوام كما بدت لي تصلي بكل براءة وترفع يديها صوب السماء داعية، تنبهت إلى أكوام من الأدعية أوصوني بها دعوت ودعوت وكم كان الوقت ضيقاً لتلك الخطابات صوب السماء، صلاة الظهر في القدس جماعة...اه.... ليست كأي صلاة.

عادت أشجار السرو لتنتقم منا مرة أخرى كلما ابتعدنا صوب الحافلة تختفي معالم القدس تدريجياً فهناك مخلوق آخر أزرق اللون بانتظارنا.

لفت السائق نظرنا إلى القرية على شمالنا " لو اتخذنا هذه الطريق فستكونون في قلب مجزرة دير ياسين" تناهى إلى ذاكرتي حديث الحاجة الثمانينية سارة أخبرتني ذات يوم عن امرأتين قدمتا إلى قرية دوما من دير ياسين، شاهد سكان القرية هاتين الامرأتين وهما تلتقطان العشب عن الأرض جوعاً، وروتا لهم كيف كان الجنود يحبسونهم داخل المساجد ويبدأون بقتلهم الواحد تلو والآخر ما زالت عبارة الفتاتين  ترن في أذن سارة يوم قالتا كانوا يقولون لنا "السلاح ماضٍ لن تتألموا كثيراً".

أتراها نفس القرية التي أشار إليها السائق، سحبني بعيداً عن هذه الذكرى مشيراً إلى قرية أخرى على اليمين قرية اللفتة ذات حكاية جميلة مشرفة، هذه القرية أبى ساكنوها أن يبيعوها أبقوها تذكاراً كلما مروا من هناك رأوا عز حضارتهم السالفة بيوت هذه القرية ذات طابع جبلي جميل كبيوت قرانا القديمة تتسلق فوق بعضها البعض ومنها بيت شدني بشكل خاص كان بيتاً يطل على القرية بأكملها لابد وأن أحفاد العجوز صاحبة هذه البيت قد ملوا سماع قصة جدتهم عن أشجار البرتقال التي تحيط بالبيت وعن كواوير الزهور على شبابيك البيت الزرقاء كان بيتاً خرافياً بحق.

طريق طويلة قطعتها الحافلة خلت من أي معالم إلا من أشجار صنوبر تدق جذورها بعمق الأرض الفلسطينية وتنبعث منها رائحة لا توصف وأشجار سرو على مد البصر، على يميننا قرية قلونيا هجر أهل هذه القرية وتم إزالة آثارها وبيوتها بشكل كامل، تناهى إلى مسمعي صوت يشير إلى طلعة القسطل، تنبه سائق الحافلة إلى أن هناك شخصاً يدون معالم الطريق في مؤخرة الحافلة فكرر مجدداَ هنا حدثت معركة القسطل وأريدكم أن تنظروا إلى الأعمال على محاذة الطريق، كان هناك عمال يعبدون طريقاً جديدة فهمت أن هذه الطلعة كما تسمى سيتم إلغاؤها قريباً، بل لو مررت من تلك الطريق مرة أخرى فستراها طريقاً مختلفة تماماً، إنها معالم طمس الأرض العريقة.

على الجبل أمام الحافلة تتربع قلعة عبد القادر الحسيني، إنها نقطة عسكرية ذكية من هناك وإن نظرت أمامك فسترى جبال القدس وجبال أريحا والبحر أيضاً.

على الشمال بعيداً نقطة عبور تاريخية، كان يجب على أهل السلف الصالحين  المجيء إلى هذه النقطة ليسجلوا دخولهم إلى القدس، كانت بمثابة نقطة تفتيش، بعد هذه النقطة تحديداً ودعنا طيف القدس إلى يومٍ غير بعيد.

على أنغام أغنية "نحن زرعنا البيارة" بدأت تلوح لنا سهول عنب وقمح في الأفق وقرى كثيرة نسمع بعض أسمائها للمرة الأولى، عمواس، يالو، بيت نوبا، عين كارم، لحظات وتبدأ أشباح طائرات مطار اللد تلوح من بعيد.

هنا اللد، وهنا الرملة، هناك منطقة أم الخير وإلى الأمام قليلاً ناطحات سحاب مهيبة، لم يكن أمراً ذكياً أن تقول نحن نقترب من البحر لكن السائق قالها على أية حال.

 أضواءٌ نهاريةٌ تتلألأ، وتذوب تلك اللألأة خلف دموع الشوق خلف أحاديث أبي عن المدينة، وهناك على شاطئ البحر أتخيل الجواهري وقد وقف ينثر شعره ويقول بيافا يوم حط بها الركاب تمطر عارضٌ ودجا سحاب، لا تزال المدينة صامدة رغم محاولات خنقها الكثيرة،  ذلك المنظر لم يكن كأي منظر، تستطيع هناك أيضاً أن تتخيل رائحة الصيادين ومغامراتهم، الحافلة ما زالت تسير وتلك الأضواء بدأت تتداخل شيئاً فشيئاً، صوت جميل بدأ يتخذ من عقولنا شريطاً يسجل عليه هديره، تتلاطم أمواج البحر على بعد دقائق قليلة منا فقط، أشرعة سفن في الأفق، وأطياف المركمجين تأتيك من بعيد.

هنا تلتقي السماء بالأرض هنا يبدو البحر وكأنه يصافح الغيوم، حلت أغنية الأخوين رحباني ضيفة على رأسي طيلة تلك الفترة التي تشبعت فيها العيون من تلك الزرقة التي لا توصف، نادانا البحر... وهيأنا له المجدافا... نلمح في الخاطر أطيافاً... عدنا بالشوق إلى يافا.

 هنا وهنا فقط ستعلم مدى دهاء اليهود ورغم أننا سمعنا ألف مرة أن هذه المناطق تمثل عنق الزجاجة بالنسبة للوطن إلا أن الرؤية لا تمت للصلة بما نسمع، هنا تلتقي الثقافات بكل أنواعها على بعد أمتارٍ منك عائلات يهودية، الكل ينعم بدفئ رمال الشاطئ كانت تلك الذرات الصغيرة كفيلة بأن تحيي فينا الموت والكسل، توجهنا للصلاة في مسجد حسن بك والذي ما زال يحتفظ بأبواب خشبية جميلة الطراز، قطعنا شوارع يافا ولامسنا أرضها صلينا في مسجدها وعدنا صوب البحر، هناك وعلى حافة الصخور فتيات صغيرات يرتدين أثواب زرقاء جميلة ومعلمة يهودية تدلهن على أنغام أنشودة عبرية لم تسعفني محاضرات اللغة العبرية كثيراً في فهم تضاريس تلك الأنشودة ولكنني فهمت عبارة واحدة هذه أرضنا وهذا بحرنا.

 لم تف قصيدة هذا البحر لي لمحمود درويش بالغرض، عدت لأغنية الأخوين رحباني، فقد دخلنا فعلياً ميناء يافا ورأينا الصيادين والسفن، ولم نغادرها قبل أن نركب إحدى السفن البحرية، قطعنا البحر وبدأت أضواء يافا الليلية تسلم علينا من بعيد، تعلو السفينة بنا وتغوص مرة واحدة لم يمنعني دوار البحر أن أشدو بالأغنية،  لحظات حفظت فيها صوت الموج واستمتعت بتراشق المياه على وجهي، حفظت حتى صوت السفينة وضوء المنارة أعلى الجبل وشبح جامع المحمودية.

 تراكضت كل تلك المناظر صوب الذاكرة، وهناك في علبة صغيرة بالقرب من الأشياء الثمينة أغلقت على أصداف بحر حقيقية وبضع ذرات من الرمل وتصريح دخول إلى وطني لم يتعد اليوم، وعدنا، عدنا مع الصباح وملأنا الضفة أصدافاً ومع صياح الريح قلنا سنرجع يوماً يا يافا...سأرجع يوماً يا يافا.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف