عِشقُه للأرضِ أقوى مِنْ أيِّ عِشقٍ
عطا الله شاهين
حينما تنظرُ بعينيكَ المُندهشتيْن إلى اسحق مناصرة الرجل التسعيني بمُحيّاه المليءِ بتجاعيدٍ حفرَتها قسوة الحياة طوال السَّنين ، التي كدَّ فيها تَحْتَ أشعةِ الشَّمسِ بعملِه في فلاحةِ أرضه بهدفِ الحفاظِ عليها مِنَ المُصادرة تُدركُ ما معنى الأرض .. فحين تُلقي نظرةً عليه ترى في عينيه صمُوداً وعشقاً للمكانِ الذي عاشَ وما زال يعيشُ فيه مُنذُ صِغره في مغارةٍ تقعُ في وادٍ مُحاطٌ بالمستوطنات .. ورغم صعوبةِ العيش هناك في ذلك الكهف ، إلا أنّه يُفضّلُ البقاءَ هناك ، هذا ما سرَده لنا أحد أبنائه الذي وجدناه يجلسُ بالقُربِ منه ..
ورغم سيرنا على الأقدامِ تَحْتَ أشعة الشّمس الحارقة في وادٍ جميلٍ ومزروعٍ بجميع أنواع الأشجار المُثمرة ، إلا أنّنا كُنّا تواقين لرؤيةِ ذلك الرَّجُل العجوز، لكنّنا وصلنا إلى المغارةِ مُنهكين بعد قطعِ مسافة الكيلومترين ، وعند وصولنا قامَ رجلٌ يُناهزُ الخمسين مِنْ عُمره وتبيَّن بأنّه أحدُ أبنائه روى لنا عنْ أبيه الذي لا يُحبُّ مُغادرةَ المكان رغم العيشة الصَّعبة هناك..
وبدأ يسردُ لنا بكُلِّ حُبٍّ عنْ والده الذي يعيشُ هنا في وادي فوكين منذُ قرنٍ تقريباً ، ولمْ يترك بلده أبداً رغم المُضايقات التي يتعرّضُ لها أهالي القرية ، وبدا مِنْ خلالِ حديثه معنا بأنّه مُعجبٌ بصُمودِ أبيه على أرضه .. فأنْ يسكنَ رجلٌ عجوز في مغارةٍ تفتقرُ لمقومات الحياة ، فهذا بحدِّ ذاته صمود .. وكان الابنُ الذي يأتي دائما لزيارة أبيه للاطمنان عليه يروي قصَّة أبيه وفي عينيه ألمٌ ، لأنّه يخافُ على والدِه مِنْ أنْ يحدثَ له أيِّ مكروه ، فوالده ما زالَ يأبى تركَ الأرض على الرَّغمِ مِنْ اعتلاله ويُفضّلُ العيشَ في مغارةٍ تشهدُ له بأنه رجلٌ عنيدٌ ويريدُ فقطْ حمايةَ أرضه مِنَ الضَّياع ..
كُنّا ننظرُ إلى عينيّ الرّجُل العجوز ونُدركُ مِنْ خلال نظراته لنا بأنّه يعشقُ المكانَ لدرجةِ الجنون .. فعشقُ المكان لا يقاوم .. ورأينا بأنّه يملكُ إصراراً قويّاً رغم قسوة الظّروف للبقاءِ على أرضٍ ما زالتْ تنهبُ.. فأرضُه مُحاطةٌ بمستوطناتٍ ، لكنّه لا يخافُ مِنَ البقاءِ هناك ..
اسحق مناصرة هو عُنوانٌ للصّمود ، ولا يمكنُ أنْ ننسى قصّة هذا الرّجُل الذي تمكَّنَ مِنْ حمايةِ أرضه حتى يومنا هذا .. فهذا الرّجل يستحقُّ كُلّ الاحترام والتقدير..
وبعد الانتهاءِ مِنْ جولةٍ قُمنا بها للاطّلاعِ على مُعاناةِ الأهالي في وادي فوكين ، وشاهدنا عنْ قُربٍ ذلك الرّجُل بعزيمتِه القويّة وعِشقه للمكانِ علِمنا أنَّ عشقَ الأرض أقوى مِنْ أيِّ عشقٍ ولا يمكن للمرء أن يتخلّى عنْ حيّزٍ ارتبطَ فيه مُنذُ قرنٍ أنْ يهجرَه لأنّه لا يستطيع .. واسترحنا قليلاً وودّعنا أبنه الذي رأى في زيارتِنا له بمثابةِ مُبادرةً جيّدة للتّعرف على معاناةِ الأهالي هناك .. وودّعناه وفي عُيوننا حُزنٌ.. وعُدنا سيراً صوب الحافلةِ وانطلقنا باتجاه رام الله .. لقد شاهدنا هناك أرضا تُصادر، لكنّنا وجدنا لدى الأهالي إصراراً على الصُّمود يستمدّونه مِنَ الرَّجُلِ التّسعيني الصّامد في مغارةٍ على أرضه ..
عطا الله شاهين
حينما تنظرُ بعينيكَ المُندهشتيْن إلى اسحق مناصرة الرجل التسعيني بمُحيّاه المليءِ بتجاعيدٍ حفرَتها قسوة الحياة طوال السَّنين ، التي كدَّ فيها تَحْتَ أشعةِ الشَّمسِ بعملِه في فلاحةِ أرضه بهدفِ الحفاظِ عليها مِنَ المُصادرة تُدركُ ما معنى الأرض .. فحين تُلقي نظرةً عليه ترى في عينيه صمُوداً وعشقاً للمكانِ الذي عاشَ وما زال يعيشُ فيه مُنذُ صِغره في مغارةٍ تقعُ في وادٍ مُحاطٌ بالمستوطنات .. ورغم صعوبةِ العيش هناك في ذلك الكهف ، إلا أنّه يُفضّلُ البقاءَ هناك ، هذا ما سرَده لنا أحد أبنائه الذي وجدناه يجلسُ بالقُربِ منه ..
ورغم سيرنا على الأقدامِ تَحْتَ أشعة الشّمس الحارقة في وادٍ جميلٍ ومزروعٍ بجميع أنواع الأشجار المُثمرة ، إلا أنّنا كُنّا تواقين لرؤيةِ ذلك الرَّجُل العجوز، لكنّنا وصلنا إلى المغارةِ مُنهكين بعد قطعِ مسافة الكيلومترين ، وعند وصولنا قامَ رجلٌ يُناهزُ الخمسين مِنْ عُمره وتبيَّن بأنّه أحدُ أبنائه روى لنا عنْ أبيه الذي لا يُحبُّ مُغادرةَ المكان رغم العيشة الصَّعبة هناك..
وبدأ يسردُ لنا بكُلِّ حُبٍّ عنْ والده الذي يعيشُ هنا في وادي فوكين منذُ قرنٍ تقريباً ، ولمْ يترك بلده أبداً رغم المُضايقات التي يتعرّضُ لها أهالي القرية ، وبدا مِنْ خلالِ حديثه معنا بأنّه مُعجبٌ بصُمودِ أبيه على أرضه .. فأنْ يسكنَ رجلٌ عجوز في مغارةٍ تفتقرُ لمقومات الحياة ، فهذا بحدِّ ذاته صمود .. وكان الابنُ الذي يأتي دائما لزيارة أبيه للاطمنان عليه يروي قصَّة أبيه وفي عينيه ألمٌ ، لأنّه يخافُ على والدِه مِنْ أنْ يحدثَ له أيِّ مكروه ، فوالده ما زالَ يأبى تركَ الأرض على الرَّغمِ مِنْ اعتلاله ويُفضّلُ العيشَ في مغارةٍ تشهدُ له بأنه رجلٌ عنيدٌ ويريدُ فقطْ حمايةَ أرضه مِنَ الضَّياع ..
كُنّا ننظرُ إلى عينيّ الرّجُل العجوز ونُدركُ مِنْ خلال نظراته لنا بأنّه يعشقُ المكانَ لدرجةِ الجنون .. فعشقُ المكان لا يقاوم .. ورأينا بأنّه يملكُ إصراراً قويّاً رغم قسوة الظّروف للبقاءِ على أرضٍ ما زالتْ تنهبُ.. فأرضُه مُحاطةٌ بمستوطناتٍ ، لكنّه لا يخافُ مِنَ البقاءِ هناك ..
اسحق مناصرة هو عُنوانٌ للصّمود ، ولا يمكنُ أنْ ننسى قصّة هذا الرّجُل الذي تمكَّنَ مِنْ حمايةِ أرضه حتى يومنا هذا .. فهذا الرّجل يستحقُّ كُلّ الاحترام والتقدير..
وبعد الانتهاءِ مِنْ جولةٍ قُمنا بها للاطّلاعِ على مُعاناةِ الأهالي في وادي فوكين ، وشاهدنا عنْ قُربٍ ذلك الرّجُل بعزيمتِه القويّة وعِشقه للمكانِ علِمنا أنَّ عشقَ الأرض أقوى مِنْ أيِّ عشقٍ ولا يمكن للمرء أن يتخلّى عنْ حيّزٍ ارتبطَ فيه مُنذُ قرنٍ أنْ يهجرَه لأنّه لا يستطيع .. واسترحنا قليلاً وودّعنا أبنه الذي رأى في زيارتِنا له بمثابةِ مُبادرةً جيّدة للتّعرف على معاناةِ الأهالي هناك .. وودّعناه وفي عُيوننا حُزنٌ.. وعُدنا سيراً صوب الحافلةِ وانطلقنا باتجاه رام الله .. لقد شاهدنا هناك أرضا تُصادر، لكنّنا وجدنا لدى الأهالي إصراراً على الصُّمود يستمدّونه مِنَ الرَّجُلِ التّسعيني الصّامد في مغارةٍ على أرضه ..