
''الأصول في لعب الفطبول''
******************************
''فطبول المخيَّم''
إين المونديالْ من كرة القدم في مخيَّم اليرموك؟!٠٠أدعو وبتواضعٍ جَمْ منظمةَ ''الفيفا'' أنْ تستخلصَ الدروسَ والعِبَر من المدرسة اليرموكيَّة وتدرِّسْ كتابَنا المشهور ، الذي يُعدُّ من أكبر المراجِع في كرة القدم ألا وهو ''الأصول في لعب الفطبول''!٠٠
مقدِّمة لابُدَّ منها :٠٠٠
''أودُّ بادئَ ذي بدءْ أن أنوِّه إلى أنَّ هذا الموضوع قد كتبْتُه منذُ حوالي العام وذلك في سلسلة '' إشتقتُ إليكَ يا مخيَّم'' والتي أشاركَكم فيها ذِكريَاتي عن مخيَّم اليرموك الذبيح ، لكنِّي لم أنشرهُ نتيجةَ تتالي الأحداث والتي للأسف لا نهايةَ لها/على الأقلِّ/ إلى الآن٠
واليوم ، في الوقت الذي ينشغلُ العالمُ كلَّه بمباريات كرة القدم في بلادِ السَّامبا وإنسجاماً مع هذه الحالةِ الكرويَّة من ناحية، وتعميماً للفائدة والخبرة من ناحية ثانية ، فأنَّي أقومُ بنشر هذه الأسرارْ حول ''الطَّابَة'' المخيَّمجيَّة، لعلَّ منظمة ''الفيفا'' تستفيد من مهاراتِ وقوانين كرة القدم اليرموكيَّة وأَجْرِيَ على الله!٠٠٠
ولا أظُنُّ أنِّي أُفشي سِرَّا إذا قلتُ بأنَّ : ''مارادونا'' ، ''ميسا'' ، ''بلاتيني'' ، ''الأخضر بَلُّومٍي'' ،''رابح ماجر''، ''رولاندو'' ، '' زيدان'' ،'' زيكو''، و ''سقرط'' ومن قبلِهمْ ''بيليه'' واللاعب ''ياشين'' وغيرهم الكثير الكثير قد نَهَلوا - وبلا فَخرٍ- من مدرسة اليرموك الكرويَّة٠٠٠٠
كنَّا فيما مضى من سالِفِ الأيَّام نلعبُ في حاراتِنا في مخيَّم اليرموك بما يشبهُ كرة القدم''الطابِة'' !٠٠٠ فلقد كنَّا نلعبُ ''الفطبول'' بِـ كرةٍ لم يسلَمْ جزءٌ منها مِنْ ترقيعْ، وكان عادةً لصاحبِها الأفضليةُ في اللعب ، بلْ كانَ أحياناً يفرضُ شروطَه علينا ، فالكرَة كُرتُه وبالتالي كانَ يتحكَّم بها وبنا٠٠٠كانت كلُّ مباراة [أو ''مَاتشْ'' ] تبدأ أولاً بتحديد قوانين اللعبة والإتفاق عليها!٠٠ فَلكلِّ ''ماتشٍ'' قوانينَهُ الخاصَّة٠وبالطبع ليس لها أي علاقة بقوانين لعبة كرة القدم المتعارف عليها٠٠٠٠إنها قوانين اللاعبين من لاجئي مخيَّم اليرموك!٠٠
أمَّا عنْ عدد اللاعبين فحدِّثْ عنهُ بلا حرجْ ، وكان يحدِّده عادةً عددُ الحاضرينَ الراغبينَ في اللعبة وكان يتراوح ما بين 10 إلى 20 و حتَّى 30 لاعباً أو أكثر, في المبارة الواحدة, وليسَ لهذا العددِ سقفٌ محدَّدْ ، ولقد كان العدَدُ يتغيِّرٍ / زيادةً أو نقصاناً/ أثناء اللعبة الواحدة وبإستمرار ، فقد تبدأ المباراة بأربعين لاعباً وتنتهي بوجود عشرة فقط وذلك حسب المزاج والنتيجة!٠٠٠وكثيراً ما ينسحبُ البعضُ لقضاءِ الحاجةِ مثلاً، أو نتيجة تعبٍ أو حتى نتيجةَ خناقةٍ (بين اللعيبة في الفريق الواحد أوبين لاعبي الفريقين ، وما أكثرها!!) أو لأنَّ والدةَ أحدنا-على سبيل المثال- , فجأةً , نادتْ إبنَها كي يذهبَ إلى الدُّكان /مثلاً /أو , بكلِّ بساطة, كي يتناول طعامَ الغداء أو العشاء٠٠٠ وقد يعودُ اللاعبُ بعد هذا ، أو قد لا يعود لمتابعة اللعبة-الماتشْ ، ويرجعُ ذلكَ من ناحيةٍ إلى مزاجِه ، أو يرجعُ إلى نتيجة الماتش ، من ناحيةٍ أُخرى! ، فإذا كانت لصالح فريقهِ /وخصوصاً إذا كان الفارق في النتيجةِ كبيراً/ فلا يجدُ نفسَهُ ملزماً بالعوْدة ، وذلك على عكس الحالة فيما إذا كان فريقُه مهزوماً فإنَّه يوهِمُ عائلتهُ بأنَّه قدْ شبعَ فيحمدُ الله ،على عجَلٍ، ويعودُ مسرِعاً لمؤازرة فريقه!٠٠
وقد يزيد العددُ أيضاً حين يحضرُ أحدٌ/ ولا يهمُّ في أيِّ وقتٍ أو في أيِّ مرحلة من اللعبة/فيبدي رغبته باللعبْ ولا يمكنُ رفضَ طلبه ، خصوصاً إذا كان من أصحاب العضلاتِ المفتولة أو مِن أصحاب الأسبَاقيات(أي أنَّه من الأشقياء ،أصحاب المشاكِلْ) ، حيث كان، في ذاك الزمان، يسودُ مبدأٌ لا نحيدُ عنهُ [ و ربَّما مازال سائداً إلى يومنا هذا ] ، وهو مبدأ( يَا لَعِّيبْ يَا خَرِّيبْ) وخلاصة هذا المبدأ الخطير هو: ''أنّهُ إمَّا تتركوني ألعبُ معكم أو أنِّي سأخرِّبُ لعبكم'' ، فكان يقال له ; حسناً إختر الفريقَ والمركزَ الذي تريدُه٠٠٠٠
ومن المفارقات الطريفة في لعبة ''فطبول المخيَّم'' وحتَّى أنَّه يعتبرُ من الأمور العاديَّة هو: أن تتغيَّر مواقعُ اللَّعيبة سواء في داخل الفريقِ الواحدْ أو حتَّى بين الفريقين الخصمين!٠٠٠ فَمَنْ كانَ مثلاً حارس مرمى في الفريق الأوَّل قد يصبحُ , وبقدرةِ قادرْ , قلبَ الهجومِ في الفريق الثاني[الخصم] وبالعكس أيضاً يمكن لِـ لاعب خطِّ الدفاع من الفريق الثاني أنْ يتحَوَّلَ إلى لاعب الهجوم الأيمن, مثلاُ, في الفريق الأوَّل!٠٠٠٠ وهكذا فقد تمرِّرُ الكرةَ إلى زميلِك لكي يسدِّدَ في مرمى الخصم ، فتكتشف-بعد فوات الأوان -أنَّه كان قد أصبح في الفريق الخصم!!! , وبالتالي تساهم / دون أن تدري /في إدخال الكرة في مرماك!٠٠٠
و قد يستمرُّ تبادل المواقع في الفريقين إلى أنْ ينقلب الفريق كلَّه- دون أنْ يدري- إلى موقع الخصم بل أحياناً يكتشفون أنَّه لا يوجد فريقٌ آخر (أي يصبح الجميع ، كم يقالُ في خندَقٍ واحدْ) فيختلطُ الحابلُ بالنابل ويسودُ الملعبَ فوضى عارمة٠٠٠لذا كان لزاماً علينا أنْ نعرِّفَ عن هويتِنا طوالَ وقت اللعبة ،حتى لا يحدثُ ما لا يُحمَدُ عقباه!٠٠٠
وكانت هذه التحوُّلات تحدثُ أثناء المباراة لأسبابٍ عديدة مثل خناقةٍ أو خصامٍ بين لاعبي الفريق الواحد أو حسبَ نتيجةِ ومحصِّلة الماتش فيتخلَّى ، عندها ،اللاعبُ عن فريقِهِ الخاسرْ وينتقل إلى الفريق المُنتَصرْ ولا تكادُ تخلو مباراةٌ من عمليات ''رشوة'' أو ''تهديد'' أو حتَّى ''إبتزاز'' فتتغيَّر مواقع اللعيِّبة وفقاً لذلك إلى هذا الفريق أو ذاك !٠٠٠
وبالمناسبة فلا يعدُّ شرطاً بل وليس ضروريَّاً أن يكون عدد اللاعبينَ في الفريقين متساوياً!، وإنما يحدِّدُ ذلك أعمارُ ومهارةُ اللاعبين فمثلاً يمكن أن يلعبَ مراهقٌ في السادسة عشر من عمره في الفريقِ الأوَّل مقابل ثلاثة أطفالٍ صغار في الفريق الثاني أو مثلاً ، فإن لاعباً يعتبرُ نفسهُ محترفاً(وهذا بالطبع أمرٌ نسبيٌّ) فيسمح عندها لَـ لاعبيْنِ إثنيْنِ/ يعتبرُهما دونَهُ في المستوى/ لأن يلعبا ضِدِّه في الفريق الخصم! ٠٠٠(روح رياضيِّة مخيَّمجِيَّة)٠
وكقاعدة عامَّة فإنَّ مَنْ لا يجيدُ اللعبَ أوكانَ ضعيفُ البنية كانَ يُختارُ عادةً لأن يكون حارسَ مرمى!٠٠كانَ حرَّاسُ المرمى يملُّونَ من اللَّعب وأحياناً، كُنَّا نرى حارسِيَّ مرمى الفريقيْنِ يُثرثرانِ مَعاً على أحد جانبَيِّ الملعب أو حتَّى خارجه ، لكنَّه وإنصافاً للحقيقة فقدْ كانا يتابعانِ ، مِن موّقعِهِما هذا، أحداثَ وتطوراتَ اللعبةِ ويتدخَّلانِ عند الضرورة (ما شاءَ الله عليهِما)!٠٠٠ والأطرَفُ من كلِّ ذلك أنَّهُ قد ينبِّه أحدُهُما الآخرَ إذا إقتربَ اللاعبون من أحدِ المَرْمَيِّين ،ثمَّ يعودانِ لإستكمالِ حديثهما!٠٠٠ وكثيراً ما كانت حدودُ المرمى ( والتي تحدِّدها المسافةُ ما بين حجرين كبيرين نسبياَ )، تصغرُ أو تكبرُ طيلةَ وقتِ اللعبة!٠٠ فالحارسُ كانَ ,عادة , يتسلَّى بالعبثِ بهذين الحَجريْن(حدود المرمى/''الغول'') وكثيراً ما كان المَرمَى يصغرُ وينكمش مع إقترابِ لاعبي الفريقِ الخَصمُ والكُرَةِ المُنْهَكَة منه ، ثمَّ يعودُ فيتمدَّدُ بعد زوالِ الخطرْ!٠٠٠٠
ولقد كان وقتُ اللعبة يتحدَّدُ سلفاً وبشكلٍ مسبقْ , إمَّا حسب سقفٍ معينٍ ومُتفقٍ عليه من الأهداف ، أو يُتفق على فترة زمنية يحدِّدها الفريقان وذلك حسب المزاجِ العامْ وظروفِ الطقْس الجويَّة (صيف ، شتاء ، جو بارد أمْ حار ، أمْ ماطرْ٠٠٠ إلخ) ، ومع ذلك فقد كان وقتُ اللعبةِ غير ثابتٍ إطلاقاُ , فقد تستمرُّ اللعبةُ-الماتشْ خمس دقائق فقط ، نتيجةَ خلاف دبَّ حولَ هدفٍ أو مخالفَةٍ أو نتيجةَ إنسحابِ صاحب ''الطابة''/الكرة أو أحياناً نتيجة تمزيقِها[ وكثيرا ما كان يحصل ذلك] أو مُصادَرتها من قِبَلِ أحدِ الجيران الغاضبينَ من الضَجَّة والغبارِ الذي يثيره اللاعبون من أرضيَّة الملعب الترابيَّة !٠٠٠٠وربما تطولُ اللعبةُ كثيراً ،( ساعتين أو أكثر) نظراً لأنَّ النتيجة لم تعجب أحد الفريقيْن أو حتَّى الفريقيْن كليهِما، فتمدَّدُ اللعبةُ مراراً وتكراراً وإلى مالا نهاية٠٠٠ وبخاصة إذا كان الطقس مناسباً!٠٠٠
كان للماتشِ حكامٌ لا يفقهونَ ولا يجيدونَ لعبة الفطبول أصلاً، وبالطبع كانوا يجهلونَ قوانينَ اللعبة (وهي ،على كلِّ حال، كانت تتغيَّر من فترةٍ إلى أُخرى- وبإتفاق الفريقين- كيْ تلائِمَ مصلحتَهما) وأحياناً كان الحُكَّامُ ينسون أدوارهم فينخرطونَ في اللعبة إمَّاً حماسَةً أو لنصرَةِ أصدقائِهم من الفريقين، فكان هذا يسبِّبُ هرجَاً ومرجَاً في الملعب!٠٠٠
ولا ننسى أيضاً دورَ الجمهور الحاضِرِ والمشجِّعْ /والذي كان على الأغلب أقلُّ بكثير من عدد اللاعبين/ فقد كان هذا الجمهور ينزلُ الى الملعب ويبلي بلاءً حسناً!٠٠
وتعدُّ المخالفاتُ وضرباتُ الجزاء من أكثرِ الأمورِ إثارةً للجدل في ماتشاتنا ، فلم يكن اللاعبونَ ولا الحكَّامُ يميِّزون بين الآوت[خروج الكرة من الملعب] وبين الكورنر[الزاوية] وكذلك بين لمسة اليد أو لمسةَ الجَسَدْ ، رغم أنَّ الأيدي كانت تستخدمُ بكثرةٍ وبشكلٍ شائعٍ أيضاً كَرِجلٍ ثالثة!٠٠ أمَّا التسلُّل فقد كانَ مسموحاً به على نطاق واسع ، وكانت هذه إحدى عجائب كرة القدم اليرموكيَّة!٠٠ وكم كان الخلاف يحتدِمُ وبشدَّة عند ضربات الجزاء فالمسافة بين مكان ركلة الجزاء وبين المرمى كانت تصغرُ أوتكبرُ حسبَ ذمَّة الحَكَم وطريقة تحكّمه بفشخَاته(الفتحة بين قدميه) التي كانت مقياساً للمسافة بين اللاعبِ والمرمى أو بينَ حدود المرمى ، التي كانت تتغيير بإستمرارْ٠٠٠أمَّا أطرفُ الأشياء ، فكانَ تحديدُ مدى إرتفاعِ الكرة المقذوفة لكي يُقرَّرُ بأنَّ هذه الكرة : هلْ كانت فوق سقفِ المرمى [الغير موجود أصلاً]، أو أنَّها قد مرَّت من تحتهِ؟!٠٠وبالتالي تُحسب كهدفٍ وإستقرَّتْ في شِباكِ المرمى ، التي كنَّا نتوهَّمُ وجودَها وتخيِّلها ، وكان الحَكَمُ يمتلك فراسةً عجيبة فيحدِّدُ بالضَّبطِ زاويةَ الرَّكلة وموطِئ القدم و بالتالي مَسارَ الكرة!٠٠
وبعد التشاور مع مساعدِيهِ/إنْ وُجِدوا/ و التفاهم مع قادَةَ وزعماء الفريقين يصلُ إلى القرار الصحيحْ (لم يكن يُعترف بكابتن الفريق وأهميَّته، وكان أعضاء الفريق الواحد يتبادلون دور قيادة الماتش بإستمرار وذلك حسب نتيجة الماتش والمزاج أيضاً)٠٠٠
وكثيراُ ماكان ذلك الخلاف بين الفريقين يؤدي إلى الحَجْرِ على الطابة ومصادرتها أو حتَّى تمزيقها أحياناً ،ثم يتندَّم الجميعُ على ذلك ،حيث أنَّهم بذلك الفعلِ ، يحرمون أنفسهم من اللعب لأسابيعَ عديدة إلى حين تأمين طابة جديدة٠٠٠ وفي غالبِ الأحيان كانت تُحتسبُ ضربات جزاء أو أنَّها تعادُ إلى أنْ يصل الفريقانِ إلى نتيحة تُرضيهما فتنتهي المباراةُ والكلُّ عنها راضون ; حكَّاماً ، لاعبين وأنصار وتعمُّ الفرحة الحارَةَ كلَّها وخصوصاً الأهلُ والجيران ،حيثُ أنهم نتيجة إنتهاء اللعبة، ينالونَ قسطاً من الراحة من الضَّجة والفوْضى والصُّراخ ، الذي لم يكنْ لِيهدأَ طيلةَ المباراة ، التي كانت تستغرق في كثيرٍ من الأحايين ساعاتٍ طوال وليس مثل ألعاب الأولمبياد التي بالكاد تستمر ساعةً ونِصفْ إلى ساعتيْنِ على أكثر تقدير!؟٠٠٠
لقد كانت اللياقة الرياضية لأولاد المخيَّم فوقَ كلِّ حدودِّ التصوُّرْ!٠٠ وهذا هو السببُ في طول اللعبة!٠٠
سقى الله على أيام زمان٠
د٠ محمد طرزان العيق
صوفيا 17.06.2014
******************************
''فطبول المخيَّم''
إين المونديالْ من كرة القدم في مخيَّم اليرموك؟!٠٠أدعو وبتواضعٍ جَمْ منظمةَ ''الفيفا'' أنْ تستخلصَ الدروسَ والعِبَر من المدرسة اليرموكيَّة وتدرِّسْ كتابَنا المشهور ، الذي يُعدُّ من أكبر المراجِع في كرة القدم ألا وهو ''الأصول في لعب الفطبول''!٠٠
مقدِّمة لابُدَّ منها :٠٠٠
''أودُّ بادئَ ذي بدءْ أن أنوِّه إلى أنَّ هذا الموضوع قد كتبْتُه منذُ حوالي العام وذلك في سلسلة '' إشتقتُ إليكَ يا مخيَّم'' والتي أشاركَكم فيها ذِكريَاتي عن مخيَّم اليرموك الذبيح ، لكنِّي لم أنشرهُ نتيجةَ تتالي الأحداث والتي للأسف لا نهايةَ لها/على الأقلِّ/ إلى الآن٠
واليوم ، في الوقت الذي ينشغلُ العالمُ كلَّه بمباريات كرة القدم في بلادِ السَّامبا وإنسجاماً مع هذه الحالةِ الكرويَّة من ناحية، وتعميماً للفائدة والخبرة من ناحية ثانية ، فأنَّي أقومُ بنشر هذه الأسرارْ حول ''الطَّابَة'' المخيَّمجيَّة، لعلَّ منظمة ''الفيفا'' تستفيد من مهاراتِ وقوانين كرة القدم اليرموكيَّة وأَجْرِيَ على الله!٠٠٠
ولا أظُنُّ أنِّي أُفشي سِرَّا إذا قلتُ بأنَّ : ''مارادونا'' ، ''ميسا'' ، ''بلاتيني'' ، ''الأخضر بَلُّومٍي'' ،''رابح ماجر''، ''رولاندو'' ، '' زيدان'' ،'' زيكو''، و ''سقرط'' ومن قبلِهمْ ''بيليه'' واللاعب ''ياشين'' وغيرهم الكثير الكثير قد نَهَلوا - وبلا فَخرٍ- من مدرسة اليرموك الكرويَّة٠٠٠٠
كنَّا فيما مضى من سالِفِ الأيَّام نلعبُ في حاراتِنا في مخيَّم اليرموك بما يشبهُ كرة القدم''الطابِة'' !٠٠٠ فلقد كنَّا نلعبُ ''الفطبول'' بِـ كرةٍ لم يسلَمْ جزءٌ منها مِنْ ترقيعْ، وكان عادةً لصاحبِها الأفضليةُ في اللعب ، بلْ كانَ أحياناً يفرضُ شروطَه علينا ، فالكرَة كُرتُه وبالتالي كانَ يتحكَّم بها وبنا٠٠٠كانت كلُّ مباراة [أو ''مَاتشْ'' ] تبدأ أولاً بتحديد قوانين اللعبة والإتفاق عليها!٠٠ فَلكلِّ ''ماتشٍ'' قوانينَهُ الخاصَّة٠وبالطبع ليس لها أي علاقة بقوانين لعبة كرة القدم المتعارف عليها٠٠٠٠إنها قوانين اللاعبين من لاجئي مخيَّم اليرموك!٠٠
أمَّا عنْ عدد اللاعبين فحدِّثْ عنهُ بلا حرجْ ، وكان يحدِّده عادةً عددُ الحاضرينَ الراغبينَ في اللعبة وكان يتراوح ما بين 10 إلى 20 و حتَّى 30 لاعباً أو أكثر, في المبارة الواحدة, وليسَ لهذا العددِ سقفٌ محدَّدْ ، ولقد كان العدَدُ يتغيِّرٍ / زيادةً أو نقصاناً/ أثناء اللعبة الواحدة وبإستمرار ، فقد تبدأ المباراة بأربعين لاعباً وتنتهي بوجود عشرة فقط وذلك حسب المزاج والنتيجة!٠٠٠وكثيراً ما ينسحبُ البعضُ لقضاءِ الحاجةِ مثلاً، أو نتيجة تعبٍ أو حتى نتيجةَ خناقةٍ (بين اللعيبة في الفريق الواحد أوبين لاعبي الفريقين ، وما أكثرها!!) أو لأنَّ والدةَ أحدنا-على سبيل المثال- , فجأةً , نادتْ إبنَها كي يذهبَ إلى الدُّكان /مثلاً /أو , بكلِّ بساطة, كي يتناول طعامَ الغداء أو العشاء٠٠٠ وقد يعودُ اللاعبُ بعد هذا ، أو قد لا يعود لمتابعة اللعبة-الماتشْ ، ويرجعُ ذلكَ من ناحيةٍ إلى مزاجِه ، أو يرجعُ إلى نتيجة الماتش ، من ناحيةٍ أُخرى! ، فإذا كانت لصالح فريقهِ /وخصوصاً إذا كان الفارق في النتيجةِ كبيراً/ فلا يجدُ نفسَهُ ملزماً بالعوْدة ، وذلك على عكس الحالة فيما إذا كان فريقُه مهزوماً فإنَّه يوهِمُ عائلتهُ بأنَّه قدْ شبعَ فيحمدُ الله ،على عجَلٍ، ويعودُ مسرِعاً لمؤازرة فريقه!٠٠
وقد يزيد العددُ أيضاً حين يحضرُ أحدٌ/ ولا يهمُّ في أيِّ وقتٍ أو في أيِّ مرحلة من اللعبة/فيبدي رغبته باللعبْ ولا يمكنُ رفضَ طلبه ، خصوصاً إذا كان من أصحاب العضلاتِ المفتولة أو مِن أصحاب الأسبَاقيات(أي أنَّه من الأشقياء ،أصحاب المشاكِلْ) ، حيث كان، في ذاك الزمان، يسودُ مبدأٌ لا نحيدُ عنهُ [ و ربَّما مازال سائداً إلى يومنا هذا ] ، وهو مبدأ( يَا لَعِّيبْ يَا خَرِّيبْ) وخلاصة هذا المبدأ الخطير هو: ''أنّهُ إمَّا تتركوني ألعبُ معكم أو أنِّي سأخرِّبُ لعبكم'' ، فكان يقال له ; حسناً إختر الفريقَ والمركزَ الذي تريدُه٠٠٠٠
ومن المفارقات الطريفة في لعبة ''فطبول المخيَّم'' وحتَّى أنَّه يعتبرُ من الأمور العاديَّة هو: أن تتغيَّر مواقعُ اللَّعيبة سواء في داخل الفريقِ الواحدْ أو حتَّى بين الفريقين الخصمين!٠٠٠ فَمَنْ كانَ مثلاً حارس مرمى في الفريق الأوَّل قد يصبحُ , وبقدرةِ قادرْ , قلبَ الهجومِ في الفريق الثاني[الخصم] وبالعكس أيضاً يمكن لِـ لاعب خطِّ الدفاع من الفريق الثاني أنْ يتحَوَّلَ إلى لاعب الهجوم الأيمن, مثلاُ, في الفريق الأوَّل!٠٠٠٠ وهكذا فقد تمرِّرُ الكرةَ إلى زميلِك لكي يسدِّدَ في مرمى الخصم ، فتكتشف-بعد فوات الأوان -أنَّه كان قد أصبح في الفريق الخصم!!! , وبالتالي تساهم / دون أن تدري /في إدخال الكرة في مرماك!٠٠٠
و قد يستمرُّ تبادل المواقع في الفريقين إلى أنْ ينقلب الفريق كلَّه- دون أنْ يدري- إلى موقع الخصم بل أحياناً يكتشفون أنَّه لا يوجد فريقٌ آخر (أي يصبح الجميع ، كم يقالُ في خندَقٍ واحدْ) فيختلطُ الحابلُ بالنابل ويسودُ الملعبَ فوضى عارمة٠٠٠لذا كان لزاماً علينا أنْ نعرِّفَ عن هويتِنا طوالَ وقت اللعبة ،حتى لا يحدثُ ما لا يُحمَدُ عقباه!٠٠٠
وكانت هذه التحوُّلات تحدثُ أثناء المباراة لأسبابٍ عديدة مثل خناقةٍ أو خصامٍ بين لاعبي الفريق الواحد أو حسبَ نتيجةِ ومحصِّلة الماتش فيتخلَّى ، عندها ،اللاعبُ عن فريقِهِ الخاسرْ وينتقل إلى الفريق المُنتَصرْ ولا تكادُ تخلو مباراةٌ من عمليات ''رشوة'' أو ''تهديد'' أو حتَّى ''إبتزاز'' فتتغيَّر مواقع اللعيِّبة وفقاً لذلك إلى هذا الفريق أو ذاك !٠٠٠
وبالمناسبة فلا يعدُّ شرطاً بل وليس ضروريَّاً أن يكون عدد اللاعبينَ في الفريقين متساوياً!، وإنما يحدِّدُ ذلك أعمارُ ومهارةُ اللاعبين فمثلاً يمكن أن يلعبَ مراهقٌ في السادسة عشر من عمره في الفريقِ الأوَّل مقابل ثلاثة أطفالٍ صغار في الفريق الثاني أو مثلاً ، فإن لاعباً يعتبرُ نفسهُ محترفاً(وهذا بالطبع أمرٌ نسبيٌّ) فيسمح عندها لَـ لاعبيْنِ إثنيْنِ/ يعتبرُهما دونَهُ في المستوى/ لأن يلعبا ضِدِّه في الفريق الخصم! ٠٠٠(روح رياضيِّة مخيَّمجِيَّة)٠
وكقاعدة عامَّة فإنَّ مَنْ لا يجيدُ اللعبَ أوكانَ ضعيفُ البنية كانَ يُختارُ عادةً لأن يكون حارسَ مرمى!٠٠كانَ حرَّاسُ المرمى يملُّونَ من اللَّعب وأحياناً، كُنَّا نرى حارسِيَّ مرمى الفريقيْنِ يُثرثرانِ مَعاً على أحد جانبَيِّ الملعب أو حتَّى خارجه ، لكنَّه وإنصافاً للحقيقة فقدْ كانا يتابعانِ ، مِن موّقعِهِما هذا، أحداثَ وتطوراتَ اللعبةِ ويتدخَّلانِ عند الضرورة (ما شاءَ الله عليهِما)!٠٠٠ والأطرَفُ من كلِّ ذلك أنَّهُ قد ينبِّه أحدُهُما الآخرَ إذا إقتربَ اللاعبون من أحدِ المَرْمَيِّين ،ثمَّ يعودانِ لإستكمالِ حديثهما!٠٠٠ وكثيراً ما كانت حدودُ المرمى ( والتي تحدِّدها المسافةُ ما بين حجرين كبيرين نسبياَ )، تصغرُ أو تكبرُ طيلةَ وقتِ اللعبة!٠٠ فالحارسُ كانَ ,عادة , يتسلَّى بالعبثِ بهذين الحَجريْن(حدود المرمى/''الغول'') وكثيراً ما كان المَرمَى يصغرُ وينكمش مع إقترابِ لاعبي الفريقِ الخَصمُ والكُرَةِ المُنْهَكَة منه ، ثمَّ يعودُ فيتمدَّدُ بعد زوالِ الخطرْ!٠٠٠٠
ولقد كان وقتُ اللعبة يتحدَّدُ سلفاً وبشكلٍ مسبقْ , إمَّا حسب سقفٍ معينٍ ومُتفقٍ عليه من الأهداف ، أو يُتفق على فترة زمنية يحدِّدها الفريقان وذلك حسب المزاجِ العامْ وظروفِ الطقْس الجويَّة (صيف ، شتاء ، جو بارد أمْ حار ، أمْ ماطرْ٠٠٠ إلخ) ، ومع ذلك فقد كان وقتُ اللعبةِ غير ثابتٍ إطلاقاُ , فقد تستمرُّ اللعبةُ-الماتشْ خمس دقائق فقط ، نتيجةَ خلاف دبَّ حولَ هدفٍ أو مخالفَةٍ أو نتيجةَ إنسحابِ صاحب ''الطابة''/الكرة أو أحياناً نتيجة تمزيقِها[ وكثيرا ما كان يحصل ذلك] أو مُصادَرتها من قِبَلِ أحدِ الجيران الغاضبينَ من الضَجَّة والغبارِ الذي يثيره اللاعبون من أرضيَّة الملعب الترابيَّة !٠٠٠٠وربما تطولُ اللعبةُ كثيراً ،( ساعتين أو أكثر) نظراً لأنَّ النتيجة لم تعجب أحد الفريقيْن أو حتَّى الفريقيْن كليهِما، فتمدَّدُ اللعبةُ مراراً وتكراراً وإلى مالا نهاية٠٠٠ وبخاصة إذا كان الطقس مناسباً!٠٠٠
كان للماتشِ حكامٌ لا يفقهونَ ولا يجيدونَ لعبة الفطبول أصلاً، وبالطبع كانوا يجهلونَ قوانينَ اللعبة (وهي ،على كلِّ حال، كانت تتغيَّر من فترةٍ إلى أُخرى- وبإتفاق الفريقين- كيْ تلائِمَ مصلحتَهما) وأحياناً كان الحُكَّامُ ينسون أدوارهم فينخرطونَ في اللعبة إمَّاً حماسَةً أو لنصرَةِ أصدقائِهم من الفريقين، فكان هذا يسبِّبُ هرجَاً ومرجَاً في الملعب!٠٠٠
ولا ننسى أيضاً دورَ الجمهور الحاضِرِ والمشجِّعْ /والذي كان على الأغلب أقلُّ بكثير من عدد اللاعبين/ فقد كان هذا الجمهور ينزلُ الى الملعب ويبلي بلاءً حسناً!٠٠
وتعدُّ المخالفاتُ وضرباتُ الجزاء من أكثرِ الأمورِ إثارةً للجدل في ماتشاتنا ، فلم يكن اللاعبونَ ولا الحكَّامُ يميِّزون بين الآوت[خروج الكرة من الملعب] وبين الكورنر[الزاوية] وكذلك بين لمسة اليد أو لمسةَ الجَسَدْ ، رغم أنَّ الأيدي كانت تستخدمُ بكثرةٍ وبشكلٍ شائعٍ أيضاً كَرِجلٍ ثالثة!٠٠ أمَّا التسلُّل فقد كانَ مسموحاً به على نطاق واسع ، وكانت هذه إحدى عجائب كرة القدم اليرموكيَّة!٠٠ وكم كان الخلاف يحتدِمُ وبشدَّة عند ضربات الجزاء فالمسافة بين مكان ركلة الجزاء وبين المرمى كانت تصغرُ أوتكبرُ حسبَ ذمَّة الحَكَم وطريقة تحكّمه بفشخَاته(الفتحة بين قدميه) التي كانت مقياساً للمسافة بين اللاعبِ والمرمى أو بينَ حدود المرمى ، التي كانت تتغيير بإستمرارْ٠٠٠أمَّا أطرفُ الأشياء ، فكانَ تحديدُ مدى إرتفاعِ الكرة المقذوفة لكي يُقرَّرُ بأنَّ هذه الكرة : هلْ كانت فوق سقفِ المرمى [الغير موجود أصلاً]، أو أنَّها قد مرَّت من تحتهِ؟!٠٠وبالتالي تُحسب كهدفٍ وإستقرَّتْ في شِباكِ المرمى ، التي كنَّا نتوهَّمُ وجودَها وتخيِّلها ، وكان الحَكَمُ يمتلك فراسةً عجيبة فيحدِّدُ بالضَّبطِ زاويةَ الرَّكلة وموطِئ القدم و بالتالي مَسارَ الكرة!٠٠
وبعد التشاور مع مساعدِيهِ/إنْ وُجِدوا/ و التفاهم مع قادَةَ وزعماء الفريقين يصلُ إلى القرار الصحيحْ (لم يكن يُعترف بكابتن الفريق وأهميَّته، وكان أعضاء الفريق الواحد يتبادلون دور قيادة الماتش بإستمرار وذلك حسب نتيجة الماتش والمزاج أيضاً)٠٠٠
وكثيراُ ماكان ذلك الخلاف بين الفريقين يؤدي إلى الحَجْرِ على الطابة ومصادرتها أو حتَّى تمزيقها أحياناً ،ثم يتندَّم الجميعُ على ذلك ،حيث أنَّهم بذلك الفعلِ ، يحرمون أنفسهم من اللعب لأسابيعَ عديدة إلى حين تأمين طابة جديدة٠٠٠ وفي غالبِ الأحيان كانت تُحتسبُ ضربات جزاء أو أنَّها تعادُ إلى أنْ يصل الفريقانِ إلى نتيحة تُرضيهما فتنتهي المباراةُ والكلُّ عنها راضون ; حكَّاماً ، لاعبين وأنصار وتعمُّ الفرحة الحارَةَ كلَّها وخصوصاً الأهلُ والجيران ،حيثُ أنهم نتيجة إنتهاء اللعبة، ينالونَ قسطاً من الراحة من الضَّجة والفوْضى والصُّراخ ، الذي لم يكنْ لِيهدأَ طيلةَ المباراة ، التي كانت تستغرق في كثيرٍ من الأحايين ساعاتٍ طوال وليس مثل ألعاب الأولمبياد التي بالكاد تستمر ساعةً ونِصفْ إلى ساعتيْنِ على أكثر تقدير!؟٠٠٠
لقد كانت اللياقة الرياضية لأولاد المخيَّم فوقَ كلِّ حدودِّ التصوُّرْ!٠٠ وهذا هو السببُ في طول اللعبة!٠٠
سقى الله على أيام زمان٠
د٠ محمد طرزان العيق
صوفيا 17.06.2014