ألعراق و لأسباب عديدة لا يمكن أن يعيش آمناً مسالماً, لأنه لا يضمّ شعباً موحداً و لا يمتلك إقتصاداً حقيقيّاً مُنتجاً .. و لأنّ ألاقتصاد يُؤثّر بعمقٍ في مسار السياسة .. لذلك أيضاً لا يُمكن له إنْ لم تُحْدثُ فيه ثورةٌ فكريّةٌ و ثقافيّةٌ أنْ يمتلك سياسةً مُستقلة و وضع مستقر يتسيّد فيه الشعب على نفسه عن طريق النائب العام للأمام الحجة(ع)!
و هكذا في الجانب العسكري و العلمي و آلتربوي و الأجتماعي و آلأمني و التي جميعها ترتبط بآلمحور ألولائي كأصل معتمد في قيادة النظام و آلأدارة و آلبرامج ألأستراتيجية و تعين الحقوق لتحكيم آلأمن و الرفاهية و بآلتالي تعميم العدالة الأجتماعية!
كيفَ و مَنْ حوّل إقتصاد آلعراق إلى إقتصادٍ ماليٍّ إمتصاصي؟
بحلول نهاية آلحرب العالمية الثانية كان المطبخ آلامريكي قد فرغ من إتمام خططه للمنطقة آلكبرى (ألكَراند إيريه) آلتي رُسم لها أنْ تقودَ آلعالمَ إلى الاقتصاد العالمي ألمُعَولَم, فقد أوجدت تلك آلخطط؛ ألمؤسسات آلدولية آلسياسية كـ (آلأمم آلمتحدة) و آلمالية كـ (صندوق آلنقد الدولي) و (ألبنك آلدولي), و آلعسكرية كـ (حلف آلناتو) و آلأعلامية كـ (سي إن إن) و الـ (بي بي سي) لقيادة إمبراطورية أميركية تحلّ محلّ الامبراطورية البريطانية آلعجوزة, و تضمنت الخطط أن تمارس هذه آلامبراطورية ألنفوذ آلامريكي الامبريالي من خلال أنظمة دفاعية و إبداعية خلاقة و غير منظورة ظلّت تخضع للتعديلات و الاضافات و التغييرات و آلاساليب الادارية الجديدة, وهكذا فأن الهدف آلاستراتيجي لخلق إقتصاد عالمي برعاية رأسمالية أمريكية لم يشهد تغييراُ على الاطلاق!
و بعد أن إنتصرت آلسياسة الغربيّة بقيادة الولايات آلمتحدة في الغرب, كانت كلٍّ من أوربا؛ أليابان, و أجزاء كثيرة من آلعالم تئن مضرّجة بدمائها من وطأة الحرب و الدمار الشديد؛ حيث بدأتْ أمريكا تعدّ الخطط الستراتيجية البعيدة المدى لفرض نظام عالميّ جديد!
أما آلاتحاد السوفياتي فهي الأخرى تعرضت للدمار و الابادة في بناها آلتحتية, و كانت أمريكا آلوحيدة في موقف يسمح لها بفرض ألنظام آلجديد آلذي إرتأته لفترة ما بعد آلحرب آلعالمية الثانية، و لو على الاقل بقدر ما يعني هذا الأمر حلفاؤها من جهة، و المنطقة آلكبرى (ألكَراند إيريه) أي الخليج و الشرق الأوسط من جهة أخرى!
فأذا كان صحيحاً أن سحب القروض آلأمريكية المقدمة إلى ألمانيا عام 1928م تسبب في تباطؤ و تراجع إقتصادي .. كان واحداً من الأسباب آلتي أدّت إلى ظهور هتلر؛ و كذلك إذا كانت الصراعات الداخلية في صفوف الرأسماليين قد جرّت الأقتصادات آلعالمية إلى نفق الركود و الكساد، فأنّ الولايات المتحدة قد صمّمت أنْ تُحول دون تكرار مثل هذه آلأحداث و أن تتولّى بنفسها قيادة نظام رأسمالي عالمي, عبر تسويق الديمقراطية الغربية كغطاء لتأمين منافع المنظمة الأقتصادية العالمية!
كما أنّ قارة أوربيّة مُوحّدة سيُسهّل على الولايات آلمتحدة إدارة الرأسمالية العالمية حيث أن ذلك يبقيها تدور في فلك آلولايات المتحدة و تضطلع بالدور الذي تعهد به إليها آلولايات آلمتحدة على نحو مُحدّد, ومنذ ذلك آلحين بدأت أمريكا تقدّم جرعات الحياة إلى اوربا و دول آسيا لأنتشالها من وحل آلمأساة التي حلّت بها، فقد وافق الكونغرس عام 1948م على (خطة مارشال) لأعادة الأنتعاش إلى القارة الأوربية, و تمّتْ المُوافقة على حقيبة مساعدات, و تدعو خطة مارشال إلى إلغاء سريع للقيود و آلقوانين آلتي تعيق النمو آلاقتصادي، و لم تمضي سوى ثلاثة أو أربعة عقود حتى توحّدت أوربا عندما وحّدتْ سياستها و البرامج آلاقتصادية و المالية بتوحيد عُملتها و ستراتيجيتها آلعسكرية من خلال الأتفاقيات و الأحلاف و القواعد آلعسكرية، بالتوافق مع سياسة الأرادة الامريكية.
بعد أنْ تمّ إعادة إعمار أوربا بسبب آلمساعدة آلأمريكية آلتي بلغت 71 مليار دولار وضعت قيد التخصيص و ترتّبت الأوضاع في أكثر المواقع التي كانت تُعَدّ قلقة بالنسبة لأمريكا كروسيا آلتي قطعت أمريكا عنها عمليات التمويل التأجيري بعد فترة قصيرة، حيث عدّ آلخبراء ذلك بمثابة رسالة تحذير، بانّ نظاماً لفترة ما بعد آلحرب آلعالمية الثانية يجري تجديده وتحديده وضخ دماء جديدة داخله, و آلولايات المتحدة هي وحدها القادرة التي تُقدّم جرعات الحياة هذه، وبعدها باتتْ عمليّة إعمار أوربا أولوية أمريكية، وكانت لخطة مارشارل آلدور آلكبير عندما ألغت بسرعة ألقيود و القوانين آلتي تعيق النمو آلاقتصادي، بالضبط كما تحاول الأن بعض آلاصوات في أمريكا و الحكومة العراقية برفع آلبند آلسابع من قرارات الأمم المتحدة، و إلغاء القوانين التي تُعيق النمو آلاقتصادي و تسهيل مُشاركات آلشركات آلعالمية بالعمل في آلعراق دون قيد أو شرط.
لكن آلمُشكلة آلكبيرة آلتي نُعاني منها و بالعكس من أوربا تماماً هي عدم وجود برنامج عمل و نهج واضح و أيادي أمينة و مخلصة لتمريرها على الأقل على أمل تجاوز آلمحن العديدة التي خلفتها الحروب و السياسات الظالمة السابقة بحقّ العراق و العراقيين، و هذا يعود إلى آلطبيعة الديمغرافية و السايكلوجية و التأريخية للعراقيين و إلى طبيعة التعاون و آلتعامل من قبل آلغرب مع الأحداث خصوصاً مع هاجس آلثورة الاسلامية في إيران و المنظقة و آلتي أصبحت المعادلة آلأصعب أمام مصالح أمريكا و حكومات آلغرب التابعة لها, يضاف لكل ذلك التدخل العربي الاقليمي في شؤون العراق الداخية بدعم الأرهاب و محاولات تقسيم العراق و تقطيعه كي تسهل السيطرة عليه.
أن حالة العراق اليوم تشبه إلى حدٍ كبيرٍ - بغض آلنظر عن بعض الخصوصيات - حالة أوربا و اليابان و روسيا بعد الحرب العالمية الثانية مع فارق أساسي هو أن آلعراق يحوي حركة أسلامية أصيلة مع مرجعية دينية لم تتقدّم بعد إلى ساحة الصراع بشكل جديّ لتغيير الوضع و نظام الحكم و كما حدث في إيران. . و أنما تُحاول الجماعات الأسلامية .. ألتأسيس لعمل أساسي و بناء الثلة الواعية آلتي سوف تلتزم سياسة آلنفس الطويل لتتساقط بشكل طبيعي جميع القوى التي تقدّمت للسلطة بإستثناء المُخلصين منهم بعد آلأطاحة بالنظام آلعراقي البائد حيث جرّبت معظم القوى السياسية حظها في آلحكم و السياسة، وهذا الأمر تنبّه لهُ و أشار إليهِ مبكراً و بوضوح مرجع السياسة الامريكية الكبير هنري كيسنجر حين أبدى تخوفهُ آلوحيد أمام بُوش الإبن من تلك الحالة عندما كان يريد أن يحصل على الاذن آلنهائي قبل دخول قوات الحلفاء للعراق بليلة واحدة، أي في آلسابع من نيسان عام 2003م، بجانب نمو القوة الإسلامية في ايران كقوة عظمى ثانية - بعد تفكك روسيا، و بعد إنتصارها في الحرب المفروضة عام 1988م رغم تكالب معظم آلدّول العربية و الاستكبارية ألتي كانت تعتقد جازماً بسقوط الثورة و تبديل نظام ولاية الفقيه بنظام علماني ديمقراطي على الطريقة الأمريكية، ثم أنتصارها – أي إيران - في برنامج الملف النووي قبل أيام مضت في آلاجتماع الاخير لهيئة الامم آلمتحدة والذي عدّه آلخبراء آلحدث الأكبر في تأريخ المنطقة بل آلعالم بعد حدوث الثورة الأسلامية عام 1979م, و ما زالت المفاوضات جارية مع الدول الخمسة +1 في فينّا و التي عاكستها الحكومة الأسرائيلة بشدّة.
بعد عام 2003م إنقلبت آلاوضاع و تغير النظام العراقي آلذي عدّ أسوء نظام في آلعراق و ربما في تاريخ البشرية على آلاطلاق - واجه العراقيون في خضم أوضاع جديدة و قلقة صفحة الأرهاب بأبشع صورها و بمرآى و مسمع و إدارة أمريكا آلتي حكمت و تواجدت على الارض كونها هي المسؤولة عن آلاوضاع القائم!
فقد تمّ آلاعداد و التنسيق لصفحة آلارهاب قبل دخول قوات الحلفاء بعشر سنين و بعلم أمريكا، و قد أشار طارق عزيز في مقابلة مع "لاري كنك" في شبكة (سي إن إن) العالمية بتأريخ 27 حزيران عام 1996م بقوله : (إننا قد أعددنا كافة المقدمات و آلمستلزمات الضرورية لمواجهة الوضع آلمرتقب في حال دخول آلقوات آلاجنبية إلى العراق, بدءاً بالقوات العسكرية و آلمفخخات و الأحزمة الناسفة و آلانتحاريين و أساليب أخرى سنعلن عنها في وقتها و سوف ندمر كل شئ)!
و هذا الإعتراف آلصريح و آلشفاف لطارق عزيز بالمناسبة أمام الملأ يكفي لإدانتة و البعثيين في مجمل العمليات و آلتخريب و آلفساد آلذي حصل و يحصل في العراق بعد عام 2003م بالتنسيق مع المرتزقة الدواعش آلوهابيين و إلى يومنا هذا!
لذلك كان آلارهاب هي آلصفحة القاسية آلمؤلمة لكنها بنظري ليست آلأسوء آلتي نخرت ما تبقى في العراق و أهل العراق عندما إستشهد و تعوق بسببها آلملايين من العراقيين آلابرياء و تهدمت البنى التحتية، و يا ليت آلبعث الهجين و حتى السياسيين من بعدهم قد إستخدموا تلك آلأموال و الأسلحة و الأحزمة الناسفة و غيرها من الأمكانات ضد قوات الإحتلال الأجنبية بل كان بإمكانهم تحرير فلسطين و تخليص العالم منهم؟
حيث دلّتْ أدق آلإحصائيات و الوقائع بأنّ نسبة آلشهداء العراقيين هو ألف مواطن مقابل أمريكي واحد، و هكذا ختم هذا الحزب الأرهابي آخر أنفاسه في صفحة آلتأريخ آلاسود للعراق، و من الغرابة أن يمُدّ آلبعض من الذين يدّعون السياسة في آلحكومة و البرلمان أيديهم إلى البعثين الذين أنفسهم ودّعوا ساحة العراق بجرائمهم آلارهابيّة بلا عودة!
تلك هي فصول قصة شعب حزين مغلوب فقد الولاية بعد ما سكتَ و مراجعه على آلظلم و ربما تعاون مع الظالمين في ظروف قاهرة و إستبدلوا قوانين الأسلام بقوانين الجاهلية العشائرية ليذوق ألواناُ و أشكالاً من آلجوع و المرض و الموت و التهجير و الذل و الأرهاب.
لكن ذلك آلارهاب آلذي سيزول - عاجلاً أو آجلاً رغم كل آثاره و قسوته - لم يكن و كما أشرنا آلأسوء في وضع و تأريخ العراق آلحديث و مستقبله كما تصوّر آلكثيرون!؟
فهناك ما هو ألأسوء ألذي سيأتي قريباً, بعد حصول العراق على قرض مقداره 1,8 مليار دولار من صندوق النقد الدّولي بتأريخ 29/9/2009م لمساعدته على الخروج من الانكماش آلإقتصادي بسبب آلعجز آلكبير في آلموازنة، و المقدر بحوالي 19 مليار دولار هذا آلعام، فدخول آلعراق تحت طائلة الديون قصة لها بداية و آثار سيئة و عميقة و ليست لها نهاية، لأنه قد يستمر بالبقاء إقتصاداً مالياً أمتصاصياً إلى سنين و سنين لها تبعات سيئة أقلها هو سرقة جيوب الأجيال العراقية التي لم تلد بعد, و الغريب أن وزير المالية العراقي وقتها إعتبر ذلك نصراً و خروجاً من الأزمة الأقتصادية بسبب جهله و قلة علمه و فساد عقيدته.
فقد نقل موقع "داو جونز" الاقتصادي عن مستشار البنك المركزي (مظهر قاسم) قوله, على هامش اجتماع بين العراق وصندوق النقد الدولي عُقد في العاصمة الأردنية عمّان: [ إجتماع لتوقيع القرض، الغرض من المال هو دعم السيولة و تحسين النمو في الاقتصاد العراقي].
قد يبدوا الموضوع غريباً لدى آلكثيرين بل و حتى لدى أصحاب الرأي و آلاختصاص لعدم معرفتهم بحقيقة هذا الصندوق و قوانينه و تعامله و أرباحه و أسباب تأسيسه عام 1944م، وهي نفس سنة تأسيس هيئة الأمم آلمتحدة، و بآلتالي كيفية إنقضاضه على مقدرات الدّول خصوصاً آلآسيوية!
لذا سنحاول بيان تلك آلحقائق آلخطيرة التي تبدو أنها خافية تماماً على جميع أعضاء "حكومتنا آلوطنية" إبتداءاً برئيس الجمهورية و حتى آخر موظف في وزارة المالية و الإقتصاد ؟
لالقاء الضوء على هذه المحنة آلجديدة آلخطيرة في أبعادها و آثارها بإعتبارها آلأسوء من الأرهاب الداعشي الجاري؛ لا بد لنا من عرض دقيق لسياسة هذا الصندوق و كيفية آلاطاحة بالمضاربين في الأسواق المالية العالمية، لتوليد " آلاحداث الصحيّة النافعة " من وراء تلك الأزمات آلتي تساعد على تهدئة و كبح جماح آلاسواق حتى يظلّ التضحم قيد السيطرة في آلدول الغربية و خصوصاً في الولايات آلمتحدة الامريكية.
ألمعادلة الخطيرة:
أموال عالمية مضاربة + مموّلون ذوو دمٍ بارد = كوارث إنسانيّة عالميّة
لتوضيح المعادلة أعلاه، و آلتي ستنطبق علينا مستقبلاً حسب توقعاتنا، أو بالأحرى بدأت تنطبق علينا بالفعل؛ لا بد لنا من دراسةِ حالاتٍ واقعية كنماذج تُبينّ كيفية تبديل إقتصاديات دُول آلعالم آلمالي إلى إقتصاديّات أمتصاصيّة كالدّول آلاسيوية و دول أمريكا آلجنوبية كالمكسيك و آلبرازيل و غيرها لتكون مُؤشرات على ذلك, لقد حقّقت آلولايات المتحدة بوسائل الأموال المضاربة ما عجزت عن تحقيقه بإستعمال آلوسائل آلدبلوماسية أو القوة العسكرية.
يوعز آلاقتصاديون العالميون بأن آلأسباب الرئيسية للأزمات التي ابتليت بها آلاسواق الآسيوية ما كان ناجماً عن الاقراض غير آلمتعقل لهذه آلدول والذي قدّمته المؤسسات آلمالية آلمستحدثة حيث إكتسبت قدرة جديدة على خلق العرض آلنقدي آلوفير مما يستدعي معه خلق طلب مقابل على هذه الأموال، و لما كانت هذه آلشركات على يقين بأنّ أموالها ستعود إليها، سواءاً أ كانت تلك آلقروض منتجة أم لم تكن .. عن طريق صندوق آلنقد الدّولي و آلنفوذ آلامريكي عند آللزوم، فأنها لم تتّخذ جانب آلتعقل و لم تحاول أن تكون حصيفةً في إقراضها، إذ أن لدى صندوق النقد الدولي و المؤسسات الأخرى و النفوذ آلامريكي آلطاغي من الضخامة و القدرة ما يكفي لضمان إستعاذة هذه الأموال المقرضة, إنها مثل عملية "المرابين" في المافيا، حيث يتمّ وضع آلطُعم لعملائهم لإغرائهم بالإقتراض من أموال آلمافيا آلقذرة، و عندما يحين موعد آلسداد، فأن المحصلين من ذوي آلعضلات من رجال المافيا قادرون على ضمان جمع الدّيون مع فوائدها .
في كلّ مرّة يتكون لدى النظام المالي آلعالمي فائض ضخم مفاجئ من السيولة النقدية، تتكرر آلدّورة ذاتها. ففي غضون آلعقود الثلاثة المنصرمة حدثت دورتان مماثلتان، كانت آلاولى عشية آلهزة النفطية و ما نتج عنها من آلبترودولارات آلفائضة, و قد أستخدم آلغرب أسلوباً ذكياً في أستعادتها، كلّ قارة حسب آجوائها و معادلاتها آلجيوسياسية و الأمنية و العسكرية و الاقتصادية و طبيعة آلانظمة الحاكمة فيها، خصوصاً في آسيا آلتي تزامت مع تلك الهزة هزّة الثورة الإسلامية في منطقة آلخليج آلتي تضم أكثر من 82% من مخزون النفط العالمي، حيث إختلقت حروب الخليج آلمدمرة بقيادة أغبى و أظلم و أتعس عميل في التأريخ هو صدام حسين، ألذي أوصل المنطقة إلى أدنى معدلٍ و أضعف نقطة في آلمنحنى الاقتصادي و السياسي و العسكري و الأمني لتصبح منابع النفط لقمةً سائغة لكلّ من هبّ و دبّ .
أما آلدّورة الثانية فقد جاءت في أعقاب آلعرض النقدي آلجديد خلال آلتسعينات، و هذه آلمرة أكلت الطعم و وقعت في آلمصيدة آلدول آلاسيوية حيث أستدرجت لِتستدين من العرض آلنقدي آلجديد, وكانت وظيفة إجماع واشنطن مع المؤسسات المالية والنفوذ آلامريكي في كلتا آلحالتين ؛ آلعمل على ضمان أن يسترد الممّولون آلعالميون أموالهم بصرف آلنظر عن آلنتائج المدمرة على السيادة آلوطنية وآلظلم الاجتماعي آلذي سيتحمله ويرزح تحت نيره جمهور الفقراء والمستضعفين وآلذي لا شأن له، لا من قريب ولا من بعيد بتلك آلاتفاقيات، بسبب آلدّكتاتوريات آلغبيّة الحاكمة، حيث تشيير الأحصائيات بوجود مليار أنسان يعيشون تحت خط الفقر في العالم نتيجة تلك السياسات . إن هذا آلعدد آلمخيف لا علم لهم أساساً حتى بالعرض آلنقدي أو آلطلب عليه، ألذي لم يَجْنِ في المقام الاول أيّة منافع من لعبة آلاموال هذه . أمّا آللاّعبون فهم آلاعضاء آلمحليون من طبقة الواحد بالمائة(1) في تلك الدّول بالتواطؤ مع آلممّولين الدّوليين، وكلا آلطرفين سيخرج رابحاً، أما آلفقر والبؤس والتقشف، فأنها ستكون من نصيب عامة الشعب (99%) الذين عادة ما يُقدَّمون كقرابين على مذبح آلألعاب آلمالية السياسية آلعالمية هذه.
إن تلك آلاموال آلعالمية آلتي جناها صندوق النقد آلدّولي أدّت لئن تؤسس بها و بمساعدة مراكز القرار في واشنطن و نيويورك؛ بورصة نيويورك بعد أن جُهّزت بأحسن التقنيات وعمليات كيب كانفيرال آلقاعدة التي تطلق منها وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) ألصواريخ و أقمارها آلأصطناعية إلى الفضاء الخارجي، منها لعمليات وول ستريت و تعني لهم ما تعنية آللغة اليونانية بالنسبة للصينيين, فقد بدأت سلالة جديدة من المحترفين بالقدوم إلى (وول ستريت) خلال عقد آلتسعينات لأجل مزاوجة آلعلم و التكنولوجيا مع لعبة المال، كروبرت ميرتون و مايرون سكولز الحائزان على جائزة نوبل واللّذان أشتركا مع فيشر بلاك في إختراع طريقة آلسعر الأمثل واضعين بذلك الدّعامات آلاساسية لهذا العالم المالي الجديد . وقد طوّر هؤلاء نظام مراجحة جديد ومتطور وُصِف بأنّهُ محُايد تجاه السوق ؛ أي إنّه يحُقق آلفائدة ويكسب عندما تكون الأسعار متجهةً نحو آلأرتفاع، أو بالعكس يحُقّق الأرباح أيضاً عندما تتّجه الأسعار نحو الأنخفاض، وعلى أثر ذلك تشكل صندوقاً آخر سموّهُ بـ (إدارة رؤوس آلأموال طويلة الأجل) عام 1994م برئاسة جون ميري ويدز، وبحلول عام 1997م ضاعفت صندوق النقد آلدولي رأس مالها ثلاث مرات . من آلوسائل الأعلامية والنفسية آلمستخدمة، أن آلأعلام يحاول بطرقٍ ذكيّة أعتبار قروض صندوق النقد الدّولي ذريعةً للانقاذ وإجراءاً ضرورياً للحيلولة دون مزيد ٍ من آلتدهور آلمالي على الصعيد العالمي، وبذلك إدّعى القائمين على آلصندوق بأنّ عقودها بلغت أكثر من تريليون ونصف دولار .
إن جميع الوسائل المستخدمة تقوم على المضاربة والتلاعب وتقع خارج دائرة الإقتصاد الحقيقيي والمنتج . وعلى النقيض فأن هذه الوسائل جزءٌ من إقتصاد طفيلي وتساعد على إمتصاص ثروات الآخرين ونهب إقتصادهم . إن هؤلاء المضاربين مجرمين، لأن آلممُولين الدّوليين يقومون بخلق دورات وأزمات ُتمكنهم في ما بعد أن يجنوا منافعها لمصلحتهم . ويوجدون فقاعات إقتصادية كبرى ُيمكنهم أن " يفجروها" لمصلحتهم ساعة آلصفر، ولعل آلملف النووي الأيراني يُعتبر أكبر مصداقٍ على ذلك, حيث ناوروا على آلايرانيين و لا يزال ما يقرب من خمسة عشر سنة في محاولةٍ لأختراق صف الثورة الاسلامية و إجهاضها ثم إستعمارها كبقية دول العالم!
أن المصائب و الرزايا آلإجتماعية آلتي تمنى بها المجتمعات البشرية و التي تنتج عن ممارساتهم لا تقضّ مضاجعهم و لا تجد صدىً في نفوسهم و عقولهم و ضمائرهم، فهم مُنهمكون دائماً بجمع الأموال، و يصفون الحكومات آلتي قد تقف بوجههم بأنهّا حُكومات تعويقية تضع العراقيل و العوائق في وجه التجارة الحرة .
إن عالم التمويل آلذي لا تحدّه حدوداً أنسانية عادلة ولا قوانين منصفة هو عالم مرعب يبزّ فيه النفوذ المطلق للمُتداولين ومدراء الصناديق - نفوذ وصلاحيات آلبنوك المركزية والسياسيين ... وفيما يضغط آلمتداولون على أزرار حواسيبهم آلضخمة ويدمجون آلفيزياء بالرياضيات والمال بالتكنولوجيا لخلق وسائل وآليات بالغة التعقيد .. فأن الأسواق المالية ستنقلب أكثر كفاية و مخاطرة على نحو بالغ القسوة والضراوة لم تشهده من قبل . أن التقلبات المالية ستصبح حقيقة هذه الحياة .. بَيْدَ أنّ تكلفة الوقوف في وجه قوة طاغية مُستكبرة تُقدّر أمكانياتها مجتمعةً بتريليونات الدّولارات تصبح أمراً عسير الإحتمال.
إنّ رفض ممارسة اللعبة و التجاوب مع المتداولين قد يخضع دولةٍ مّا أو إقتصادٍ ما إلى أسعار فائدة باهضة آلتكلفة، أو إيقاف إستثمارات في الأسهم في عمليات الخصخصة المطلوبة لتدعيم الأنتاجية و خلق فرص عمل جديدة ... لقد أوجد هؤلاء الممُولون آلعالميون نظاماً مالياً عالمياً هُم فيه الكاسبون وحدهم على سبيل الحصر، و كلّ ما عداهم مُدان و ملعون إذا فازوا، و مُدان ملعون إذا لم يفوزوا!
من المؤسف جداً و لغباء السياسيين و حبهم للسلطة و البقاء على حساب حقوق الفقراء لم تكتفي الحكومة العراقية بتوقيع قروض مالية من قبل رئيس الحكومة, بل إن كل وزير و مسؤول و حتى المحافظين في المحافظات العراقية بدؤوا يسرعون لعقد القروض المليارية مع صندوق النقد الدولي و حتى مع الدول العملاقة كآليابان و ألمانيا, حيث تم توقيع إتفاقيات عديدة مؤخراً بين وزير النقل الذي كان قد إستقرض سابقاً كما أشرنا المليارات أيضا؛ مع شركة طيران (بوينك) لشراء طائرات نقل بأربعة مليارات دولار, و كذلك وزيرة الصحة, التي عقدت إتفاقيات لشراء بعض الأجهزة و المعدات قرضاً مع فوائد كبيرة ستثقل كاهل الأجيال المسكينة التي لم تلد بعد لرفاه المسؤوليين الظالمين الذين لا يفقهون شيئاً مما يجري في العالم!
أن آلتعاون والتنسيق آلذي حصل بين آلممولين و طبقة آلتكنوقراط(ألليبراليين) آلناشئة حديثاً، شكّلت و أسست علاقة متينة أصبحت بمقتضاها آلقررات و المسائل المهمة على الصعدين السياسي و المالي تُتّخذ وراء الكواليس في معزل عن مناقشة الجمهور و آلناخبين و حتى الحكومة المركزية, و قد حلّت التكنوقراطية - ألفنية، محل الدّيمقراطية مع إشكالياتها الكثيرة التي لسنا بصددها الآن، وهذه بدورها تحولت إلى عملية ميكانيكية حيث بات بالأمكان، من خلال سلطة الأعلام، وآلمال وآلتسويق، أن يُباع على الجمهور ألمنتجات التي تُصنّعَها فئةُ الواحد بالمائة و يمكن تغليف هذه المنتجات بطريقة مهنية عالية آلجودة و آلهيئة، و من آلامثلة القريبة آلناصعة على ذلك قانون السكائر في يونيو - حزيران 1998م و الحرب آلخاطفة التي شنّتها ضدّه الشركات؛ شركات التبغ، والتي تمكّنت آلاخيرة نتيجة لها - من تغليف مصالحها كما لو كانت مسألة حكومية تتعلق بأستيفاء آلضرائب و إنفاقها و ليست مسألة صحة عامة تتعلق بعموم الناس و البشرية جمعاء.
أن مجلس آلاحتياطي آلفيدرالي آلذي لم يكن لها أية قوة شرعية خارج آلولايات آلمتحدة آلامريكية يبلغ الآن من آلقوة حدّاً يجعل قراراتهُ ذات أثرٍ فوري عظيم على إقتصاديات آلدّول الأخرى في العالم, فلو قرّر آلمجلس - أن يرفع مُعدلات آلفائدة آلحالية للسيطرة على النمو آلأقتصادي آلأمريكي فأن ذلك سيطيح بالين الياباني ويُسبب آلتخفيض على عُملات الدّول الاسيوية، ويُعمّق الكساد والركود في روسيا ومعظم دول آسيا وحتى معظم دول أمريكا آلجنوبية والعكس صحيح . بل بات هذا آلمجلس يمُلي آلسياسة آلنقدية آلعالمية . وبطبيعة الأمر فهو ُيمليها أولاً وأخيراً لصالح الاقتصاد الأمريكي . مما يُؤثّر مُباشرة على وسائل آلعيش والرفاه للدول الأخرى، ومن ذلك أسعار الأسهم وتقويم العملات وبصورة عملية أوجُهُ ومناحي آلاقتصاد كافة في آلدّول الأخرى . آلتي يجري إخضاعها لقراراتٍ يتمّ إتخاذها خارج حُدودها، وليست مسؤولة تجاهها بأي شكلٍ من الأشكال . وبالتالي يُعتبر تدخلاً سافراً في شؤون آلدّول الأخرى .، إن هذا النظام آلعالمي تتأسّس بشكل لا يخدم سوى أقتصاد آلطرف الأمريكي آلذي يمتلك كل عناصر القوة وآلمال والتكنولوجيا والعملاء وآلاعلام، لتمنى معظم إقتصادات دول آلعالم الأخرى بالدّورات التي كان يُفترض أن يقع ضحيتها آلاقتصاد آلامريكي آلمحلي . وهذا على الأقل ُيمثّل أحد ألأسباب آلتي تُعزى إليها مواطن القوة في آلأقتصاد آلجديد للولايات المتحدة .
أما تجربة المكسيك آلتي وضعت كما يقول المثل السياسي (جميع عنبها في سلّة الأمريكان) فإنها مأساة كبيرة, لهذا قال آلرئيس المكسيكي بورفيريو ديز " مسكينة هي المكسيك ... لبعدها عن آلله ... وقربها من الولايات المتحدة " فهي تجربة واضحة ومحزنة أيضاً بسبب ما خلفته سياسة حكومتها آلتي لم تعتني بتطلعات الأمة وإرادتها، بل خضعت للسياسة آلتي فرضها صندوق النقد الدّولي والولايات المتحدة وأسوء من ذلك، وبالاضافة إليه ؛ فأن تلك الشروط أجبرت المكسيك على المرور بركود إقتصادي قاس بالإضافة إلى ما لزم من التخفيض في الواردات . رغم أن آلمكسيك قد أممّت شركات النفط الأمريكية عام 1939م، و أصبحت شركة النفط المكسيكية "بيمكس" ألمالكة والقائمة على إدارة صناعة آلنفط والغاز منذ ذلك الحين، وبالمقابل فقد فرضت حقيبة الانقاذ آلتي أدرجت تفاصيلها آلولايات المتحدة وصندوق آلنقد الدولي عام 1995م شروطاً تلتزم آلمكسيك بموجبه وذلك برهن كافة ألايرادات النفطية وإيداعها كضمان لدى بنك آلاحتياط آلفيدرالي في نيويورك . ورفض مسؤولوا وزارة الخزانة آلامريكية كفاية توقيع وزير آلمالية آلمكسيكي عل صك الرهن، فطلبوا توقيع شركة بيمكس أيضاً، وأضطرت آلمكسيك ببيع مرافق القطاع العام آلمكسيكي كمجمعات صناعة البتروكيمياويات والغاز وغيرها . كلّ ذلك كان ثمار هجرة آلأموال آلعالمية بسبب آلمضاربة، لأنّ مُعدّلات آلفائدة في آلولايات المتحدة متدنيّة وفي المكسيك مُرتفعة، فقد كان في ذلك فرصة ذهبية لمدراء صناديق الأموال الأمريكيين للقيام بأعمال آلمراجحة حيث يقترضون الأموال في الولايات المتحدة ويستثمرونها في المكسيك ليملئُوا جيوبهم بهوامش آلربح الكبيرة. وهكذا إقتحم آلأمريكيون سوق المال المكسيكي بالضربة القاضية . وكانت الطامة الكبرى يوم جاءت التقديرات أن الحاجة ماسة لمبلغ 50 مليار دولار تقريباً لوقف الهبوط المريع للبيزو - ألعملة المكسيكية ! لتدخل آلمكسيك بسبب ذلك القرض مرحلة آلخضوع آلتام و الفناء الاقتصادي .
لقد جرى نفس الشئ في العراق إبان الحكم البعثي الجاهلي حيث فُرِض على آلحكومة العراقية البائدة إيداع رصيد مبيعات آلنفط آلعراقي من آلدُولار أيضاً في بنوك أمريكية في نيويورك لتمويل مشتريات العراق من الغذاء والدّواء تحت شروط قاسية لا تعرف الرّحمة إلى قلوب واضعيها سبيلاً . وقد كان العراق من أوائل الدّول آلتي أممّت شركات آلنفط آلغربية في الشرق الاوسط أيضاً، لكن إعتماد العراق على واردات النفط فقط في إقتصادها جعله غير قادرٍ على مُواجهة آلحصار آلذي دمّرَ آلإنسان آلعراقي وجميع البنى التحتية فيه و في فترة قصيرة جداً!
لقد كان آلأقتصاد العراقي كما هو حال الأقتصاد المكسيكي إقتصاد ماليّ أمتصاصي وغير مُنتج، لذلك لم يحدث أيّ نموٍ إقتصادي فيه لأسباب عديدة يأتي في مُقدمتها آلأعتماد آلكامل على النفط أساساً حيث كان يمثل و لا يزال بحدود 98% من وارداته . إلى جانب آِلسياسات الأدارية والفنية الخاطئة في هيكلية الحكومة عبر آلنهج آلقومي آلبعثي أو النهج الديمقراطي الحالي ألذي بذر بسببه أموالاً طائلة كهبات وعطيات لحكومات ظالمة لم تقف و لم تقدم للشعب العراق شيئاً لا في الرخاء ولا في السلم، وكذلك أستخدام جميع الفائض آلنقدي في شراء الأسلحة آلتقليدية ليتم حرقها في حروب خاسرة معلومة النتائج.
إن مُداولات صندوق آلنقد الدولي لم تقتصر على الدّول التي أشرنا لها فقط، بل هناك وقائع أخرى قاسية شبيهة بما ذكرنا عندما شجّعوا عمليات الإقتراض غير آلمدروس في آسيا، حيث كان بأمكان أيّة دولةٍ أو بنكٍ أو شركةٍ أن تحصل على القروض مقابل فارق طفيف زيادة عمّا تدفعه حكومة الولايات المتحدة, وتمّ التخلي عن إختبار آلجدارة آلائتمانيّة وملاءة آلعُملاء آلذّين تُقدّم لهم القروض, فقد تدخلت هذه آلمرة بجعل آلمستثمرين الأجانب ألقيام بتسوية ما حلّ من إضطراب وفوضى من خلال إعادة هيكلية آلبنوك والشركات بالشكل الذي يتلائم مع مصالحهم وهكذا أصبح آلمستثمرون العالميّون الذين لعبوا دوراً رئيسياً في خلق الازمات هُم المسؤولونَ في إيجاد الحلول لها!
و آلأوضح من كل ما ذكرنا من آلامثلة ؛ أنّ سوهارتو قد إستلم مقاليد السلطة في بلاده في آلستينات بمساعدة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (السي آي أي) من خلال أنقلاب مسلح خلفت ضحايا تتراوح بين 500000 - 1000000مواطن أندونيسي إتهم بعضهم بالشيوعية و بمؤيدي آلرئيس المخلوع أحمد سوكارنو آلذي آثَرَ الأبتعاد عن كلا طرفي الحرب الباردة , حيث كان يعتقد أن النمط آلغربي للديمقراطية أدنى درجة من آلدّيمقراطية الموجهة آلتي يُؤمن بها على أساس آلثقافة القومية والوطنية، وبعد أن تربّع سُوهارتو على قمّة السُلطة في بلاده لأكثر من ثلاثينَ عاماً إستقبل وفداً أمريكاً رفيع المستوى يترأسهم وزير الدفاع كوهين ؛ أبلغوه أن إستقرار أندونيسيا كان أمراً حيوياً بالنسبة للأمن آلقومي للولايات المتحدة، وأن كلينتون قد إتصل به ليبلغه ؛ " إن هذا الإستقرار مرهون بإنصياع سُوهارتو إلى الوصفة بالغة القسوة آلتي قدّمها صندوق آلنقد آلدّولي، وإعتبارها من المسلمات كما لو كانت مُرسلة من السماء (2)".
في نهاية هذا آلبحث آلمختصر يبدوا أن هذه آلعولمة غير آلمسؤولة كانت سبباً في إختيار عنوان "العولمة المسؤولة " كعنوان لمنتدى دافوس في سويسرا عام 1999م فالإندماجات الأخيرة بين آلشركات خلال آلسنوات الاخيرة و آلاثار العالمية لأحداث آلثورة الإسلامية في إيران و ما رافقتها من آلصحوة الاسلامية آلتي رافقتها صحوة أذهلت الشرق و الغرب و كذلك أحداث روسيا والبرازيل وحقيقة أنعدام أهمية آلحدود حسب النظرة الغربية بين آلدول كلّها إشارات بأنّ حقيقة العولمة تخطّت كونها عملية مراحل بعيدة المدى إذ أصبحت حالة واقعة حسب تصريح "كلوب شواب" مؤسس منتدى دافوس، حيث يقول : [أمّا لماذا العولمةالمسؤولة ؟ ففي عالم تلاشت فيه حدود آلدّول، أصبحَ لزاماً إيجاد حُدودٍ عالمية بديلة تتمثل في أيجاد آلآليات التنظيمية، والقانونية والاجرائية لتلافي آلآثار آلخبيثة لثورة آلعولمة ] .
إن مركز إقتصاد آلعولمة آليوروأمريكي آلأطلسي من دول آلعالم آلأخرى يأخذ آلعرق وآلنفط وآلخبراء وساعات العمل والمعادن، ويبادلهم إياها بأرقام وأوهام في دفاتر بنوكه أو ذاكرات كامبيوتراته، فيتمّ تبادل المحسوس والحقائق بالأرقام والأوهام، وكم هي سهلةٌ تبديد آلأوهام وتغيير آلأرقام كما بيّنته الأيام .
و هكذا في الجانب العسكري و العلمي و آلتربوي و الأجتماعي و آلأمني و التي جميعها ترتبط بآلمحور ألولائي كأصل معتمد في قيادة النظام و آلأدارة و آلبرامج ألأستراتيجية و تعين الحقوق لتحكيم آلأمن و الرفاهية و بآلتالي تعميم العدالة الأجتماعية!
كيفَ و مَنْ حوّل إقتصاد آلعراق إلى إقتصادٍ ماليٍّ إمتصاصي؟
بحلول نهاية آلحرب العالمية الثانية كان المطبخ آلامريكي قد فرغ من إتمام خططه للمنطقة آلكبرى (ألكَراند إيريه) آلتي رُسم لها أنْ تقودَ آلعالمَ إلى الاقتصاد العالمي ألمُعَولَم, فقد أوجدت تلك آلخطط؛ ألمؤسسات آلدولية آلسياسية كـ (آلأمم آلمتحدة) و آلمالية كـ (صندوق آلنقد الدولي) و (ألبنك آلدولي), و آلعسكرية كـ (حلف آلناتو) و آلأعلامية كـ (سي إن إن) و الـ (بي بي سي) لقيادة إمبراطورية أميركية تحلّ محلّ الامبراطورية البريطانية آلعجوزة, و تضمنت الخطط أن تمارس هذه آلامبراطورية ألنفوذ آلامريكي الامبريالي من خلال أنظمة دفاعية و إبداعية خلاقة و غير منظورة ظلّت تخضع للتعديلات و الاضافات و التغييرات و آلاساليب الادارية الجديدة, وهكذا فأن الهدف آلاستراتيجي لخلق إقتصاد عالمي برعاية رأسمالية أمريكية لم يشهد تغييراُ على الاطلاق!
و بعد أن إنتصرت آلسياسة الغربيّة بقيادة الولايات آلمتحدة في الغرب, كانت كلٍّ من أوربا؛ أليابان, و أجزاء كثيرة من آلعالم تئن مضرّجة بدمائها من وطأة الحرب و الدمار الشديد؛ حيث بدأتْ أمريكا تعدّ الخطط الستراتيجية البعيدة المدى لفرض نظام عالميّ جديد!
أما آلاتحاد السوفياتي فهي الأخرى تعرضت للدمار و الابادة في بناها آلتحتية, و كانت أمريكا آلوحيدة في موقف يسمح لها بفرض ألنظام آلجديد آلذي إرتأته لفترة ما بعد آلحرب آلعالمية الثانية، و لو على الاقل بقدر ما يعني هذا الأمر حلفاؤها من جهة، و المنطقة آلكبرى (ألكَراند إيريه) أي الخليج و الشرق الأوسط من جهة أخرى!
فأذا كان صحيحاً أن سحب القروض آلأمريكية المقدمة إلى ألمانيا عام 1928م تسبب في تباطؤ و تراجع إقتصادي .. كان واحداً من الأسباب آلتي أدّت إلى ظهور هتلر؛ و كذلك إذا كانت الصراعات الداخلية في صفوف الرأسماليين قد جرّت الأقتصادات آلعالمية إلى نفق الركود و الكساد، فأنّ الولايات المتحدة قد صمّمت أنْ تُحول دون تكرار مثل هذه آلأحداث و أن تتولّى بنفسها قيادة نظام رأسمالي عالمي, عبر تسويق الديمقراطية الغربية كغطاء لتأمين منافع المنظمة الأقتصادية العالمية!
كما أنّ قارة أوربيّة مُوحّدة سيُسهّل على الولايات آلمتحدة إدارة الرأسمالية العالمية حيث أن ذلك يبقيها تدور في فلك آلولايات المتحدة و تضطلع بالدور الذي تعهد به إليها آلولايات آلمتحدة على نحو مُحدّد, ومنذ ذلك آلحين بدأت أمريكا تقدّم جرعات الحياة إلى اوربا و دول آسيا لأنتشالها من وحل آلمأساة التي حلّت بها، فقد وافق الكونغرس عام 1948م على (خطة مارشال) لأعادة الأنتعاش إلى القارة الأوربية, و تمّتْ المُوافقة على حقيبة مساعدات, و تدعو خطة مارشال إلى إلغاء سريع للقيود و آلقوانين آلتي تعيق النمو آلاقتصادي، و لم تمضي سوى ثلاثة أو أربعة عقود حتى توحّدت أوربا عندما وحّدتْ سياستها و البرامج آلاقتصادية و المالية بتوحيد عُملتها و ستراتيجيتها آلعسكرية من خلال الأتفاقيات و الأحلاف و القواعد آلعسكرية، بالتوافق مع سياسة الأرادة الامريكية.
بعد أنْ تمّ إعادة إعمار أوربا بسبب آلمساعدة آلأمريكية آلتي بلغت 71 مليار دولار وضعت قيد التخصيص و ترتّبت الأوضاع في أكثر المواقع التي كانت تُعَدّ قلقة بالنسبة لأمريكا كروسيا آلتي قطعت أمريكا عنها عمليات التمويل التأجيري بعد فترة قصيرة، حيث عدّ آلخبراء ذلك بمثابة رسالة تحذير، بانّ نظاماً لفترة ما بعد آلحرب آلعالمية الثانية يجري تجديده وتحديده وضخ دماء جديدة داخله, و آلولايات المتحدة هي وحدها القادرة التي تُقدّم جرعات الحياة هذه، وبعدها باتتْ عمليّة إعمار أوربا أولوية أمريكية، وكانت لخطة مارشارل آلدور آلكبير عندما ألغت بسرعة ألقيود و القوانين آلتي تعيق النمو آلاقتصادي، بالضبط كما تحاول الأن بعض آلاصوات في أمريكا و الحكومة العراقية برفع آلبند آلسابع من قرارات الأمم المتحدة، و إلغاء القوانين التي تُعيق النمو آلاقتصادي و تسهيل مُشاركات آلشركات آلعالمية بالعمل في آلعراق دون قيد أو شرط.
لكن آلمُشكلة آلكبيرة آلتي نُعاني منها و بالعكس من أوربا تماماً هي عدم وجود برنامج عمل و نهج واضح و أيادي أمينة و مخلصة لتمريرها على الأقل على أمل تجاوز آلمحن العديدة التي خلفتها الحروب و السياسات الظالمة السابقة بحقّ العراق و العراقيين، و هذا يعود إلى آلطبيعة الديمغرافية و السايكلوجية و التأريخية للعراقيين و إلى طبيعة التعاون و آلتعامل من قبل آلغرب مع الأحداث خصوصاً مع هاجس آلثورة الاسلامية في إيران و المنظقة و آلتي أصبحت المعادلة آلأصعب أمام مصالح أمريكا و حكومات آلغرب التابعة لها, يضاف لكل ذلك التدخل العربي الاقليمي في شؤون العراق الداخية بدعم الأرهاب و محاولات تقسيم العراق و تقطيعه كي تسهل السيطرة عليه.
أن حالة العراق اليوم تشبه إلى حدٍ كبيرٍ - بغض آلنظر عن بعض الخصوصيات - حالة أوربا و اليابان و روسيا بعد الحرب العالمية الثانية مع فارق أساسي هو أن آلعراق يحوي حركة أسلامية أصيلة مع مرجعية دينية لم تتقدّم بعد إلى ساحة الصراع بشكل جديّ لتغيير الوضع و نظام الحكم و كما حدث في إيران. . و أنما تُحاول الجماعات الأسلامية .. ألتأسيس لعمل أساسي و بناء الثلة الواعية آلتي سوف تلتزم سياسة آلنفس الطويل لتتساقط بشكل طبيعي جميع القوى التي تقدّمت للسلطة بإستثناء المُخلصين منهم بعد آلأطاحة بالنظام آلعراقي البائد حيث جرّبت معظم القوى السياسية حظها في آلحكم و السياسة، وهذا الأمر تنبّه لهُ و أشار إليهِ مبكراً و بوضوح مرجع السياسة الامريكية الكبير هنري كيسنجر حين أبدى تخوفهُ آلوحيد أمام بُوش الإبن من تلك الحالة عندما كان يريد أن يحصل على الاذن آلنهائي قبل دخول قوات الحلفاء للعراق بليلة واحدة، أي في آلسابع من نيسان عام 2003م، بجانب نمو القوة الإسلامية في ايران كقوة عظمى ثانية - بعد تفكك روسيا، و بعد إنتصارها في الحرب المفروضة عام 1988م رغم تكالب معظم آلدّول العربية و الاستكبارية ألتي كانت تعتقد جازماً بسقوط الثورة و تبديل نظام ولاية الفقيه بنظام علماني ديمقراطي على الطريقة الأمريكية، ثم أنتصارها – أي إيران - في برنامج الملف النووي قبل أيام مضت في آلاجتماع الاخير لهيئة الامم آلمتحدة والذي عدّه آلخبراء آلحدث الأكبر في تأريخ المنطقة بل آلعالم بعد حدوث الثورة الأسلامية عام 1979م, و ما زالت المفاوضات جارية مع الدول الخمسة +1 في فينّا و التي عاكستها الحكومة الأسرائيلة بشدّة.
بعد عام 2003م إنقلبت آلاوضاع و تغير النظام العراقي آلذي عدّ أسوء نظام في آلعراق و ربما في تاريخ البشرية على آلاطلاق - واجه العراقيون في خضم أوضاع جديدة و قلقة صفحة الأرهاب بأبشع صورها و بمرآى و مسمع و إدارة أمريكا آلتي حكمت و تواجدت على الارض كونها هي المسؤولة عن آلاوضاع القائم!
فقد تمّ آلاعداد و التنسيق لصفحة آلارهاب قبل دخول قوات الحلفاء بعشر سنين و بعلم أمريكا، و قد أشار طارق عزيز في مقابلة مع "لاري كنك" في شبكة (سي إن إن) العالمية بتأريخ 27 حزيران عام 1996م بقوله : (إننا قد أعددنا كافة المقدمات و آلمستلزمات الضرورية لمواجهة الوضع آلمرتقب في حال دخول آلقوات آلاجنبية إلى العراق, بدءاً بالقوات العسكرية و آلمفخخات و الأحزمة الناسفة و آلانتحاريين و أساليب أخرى سنعلن عنها في وقتها و سوف ندمر كل شئ)!
و هذا الإعتراف آلصريح و آلشفاف لطارق عزيز بالمناسبة أمام الملأ يكفي لإدانتة و البعثيين في مجمل العمليات و آلتخريب و آلفساد آلذي حصل و يحصل في العراق بعد عام 2003م بالتنسيق مع المرتزقة الدواعش آلوهابيين و إلى يومنا هذا!
لذلك كان آلارهاب هي آلصفحة القاسية آلمؤلمة لكنها بنظري ليست آلأسوء آلتي نخرت ما تبقى في العراق و أهل العراق عندما إستشهد و تعوق بسببها آلملايين من العراقيين آلابرياء و تهدمت البنى التحتية، و يا ليت آلبعث الهجين و حتى السياسيين من بعدهم قد إستخدموا تلك آلأموال و الأسلحة و الأحزمة الناسفة و غيرها من الأمكانات ضد قوات الإحتلال الأجنبية بل كان بإمكانهم تحرير فلسطين و تخليص العالم منهم؟
حيث دلّتْ أدق آلإحصائيات و الوقائع بأنّ نسبة آلشهداء العراقيين هو ألف مواطن مقابل أمريكي واحد، و هكذا ختم هذا الحزب الأرهابي آخر أنفاسه في صفحة آلتأريخ آلاسود للعراق، و من الغرابة أن يمُدّ آلبعض من الذين يدّعون السياسة في آلحكومة و البرلمان أيديهم إلى البعثين الذين أنفسهم ودّعوا ساحة العراق بجرائمهم آلارهابيّة بلا عودة!
تلك هي فصول قصة شعب حزين مغلوب فقد الولاية بعد ما سكتَ و مراجعه على آلظلم و ربما تعاون مع الظالمين في ظروف قاهرة و إستبدلوا قوانين الأسلام بقوانين الجاهلية العشائرية ليذوق ألواناُ و أشكالاً من آلجوع و المرض و الموت و التهجير و الذل و الأرهاب.
لكن ذلك آلارهاب آلذي سيزول - عاجلاً أو آجلاً رغم كل آثاره و قسوته - لم يكن و كما أشرنا آلأسوء في وضع و تأريخ العراق آلحديث و مستقبله كما تصوّر آلكثيرون!؟
فهناك ما هو ألأسوء ألذي سيأتي قريباً, بعد حصول العراق على قرض مقداره 1,8 مليار دولار من صندوق النقد الدّولي بتأريخ 29/9/2009م لمساعدته على الخروج من الانكماش آلإقتصادي بسبب آلعجز آلكبير في آلموازنة، و المقدر بحوالي 19 مليار دولار هذا آلعام، فدخول آلعراق تحت طائلة الديون قصة لها بداية و آثار سيئة و عميقة و ليست لها نهاية، لأنه قد يستمر بالبقاء إقتصاداً مالياً أمتصاصياً إلى سنين و سنين لها تبعات سيئة أقلها هو سرقة جيوب الأجيال العراقية التي لم تلد بعد, و الغريب أن وزير المالية العراقي وقتها إعتبر ذلك نصراً و خروجاً من الأزمة الأقتصادية بسبب جهله و قلة علمه و فساد عقيدته.
فقد نقل موقع "داو جونز" الاقتصادي عن مستشار البنك المركزي (مظهر قاسم) قوله, على هامش اجتماع بين العراق وصندوق النقد الدولي عُقد في العاصمة الأردنية عمّان: [ إجتماع لتوقيع القرض، الغرض من المال هو دعم السيولة و تحسين النمو في الاقتصاد العراقي].
قد يبدوا الموضوع غريباً لدى آلكثيرين بل و حتى لدى أصحاب الرأي و آلاختصاص لعدم معرفتهم بحقيقة هذا الصندوق و قوانينه و تعامله و أرباحه و أسباب تأسيسه عام 1944م، وهي نفس سنة تأسيس هيئة الأمم آلمتحدة، و بآلتالي كيفية إنقضاضه على مقدرات الدّول خصوصاً آلآسيوية!
لذا سنحاول بيان تلك آلحقائق آلخطيرة التي تبدو أنها خافية تماماً على جميع أعضاء "حكومتنا آلوطنية" إبتداءاً برئيس الجمهورية و حتى آخر موظف في وزارة المالية و الإقتصاد ؟
لالقاء الضوء على هذه المحنة آلجديدة آلخطيرة في أبعادها و آثارها بإعتبارها آلأسوء من الأرهاب الداعشي الجاري؛ لا بد لنا من عرض دقيق لسياسة هذا الصندوق و كيفية آلاطاحة بالمضاربين في الأسواق المالية العالمية، لتوليد " آلاحداث الصحيّة النافعة " من وراء تلك الأزمات آلتي تساعد على تهدئة و كبح جماح آلاسواق حتى يظلّ التضحم قيد السيطرة في آلدول الغربية و خصوصاً في الولايات آلمتحدة الامريكية.
ألمعادلة الخطيرة:
أموال عالمية مضاربة + مموّلون ذوو دمٍ بارد = كوارث إنسانيّة عالميّة
لتوضيح المعادلة أعلاه، و آلتي ستنطبق علينا مستقبلاً حسب توقعاتنا، أو بالأحرى بدأت تنطبق علينا بالفعل؛ لا بد لنا من دراسةِ حالاتٍ واقعية كنماذج تُبينّ كيفية تبديل إقتصاديات دُول آلعالم آلمالي إلى إقتصاديّات أمتصاصيّة كالدّول آلاسيوية و دول أمريكا آلجنوبية كالمكسيك و آلبرازيل و غيرها لتكون مُؤشرات على ذلك, لقد حقّقت آلولايات المتحدة بوسائل الأموال المضاربة ما عجزت عن تحقيقه بإستعمال آلوسائل آلدبلوماسية أو القوة العسكرية.
يوعز آلاقتصاديون العالميون بأن آلأسباب الرئيسية للأزمات التي ابتليت بها آلاسواق الآسيوية ما كان ناجماً عن الاقراض غير آلمتعقل لهذه آلدول والذي قدّمته المؤسسات آلمالية آلمستحدثة حيث إكتسبت قدرة جديدة على خلق العرض آلنقدي آلوفير مما يستدعي معه خلق طلب مقابل على هذه الأموال، و لما كانت هذه آلشركات على يقين بأنّ أموالها ستعود إليها، سواءاً أ كانت تلك آلقروض منتجة أم لم تكن .. عن طريق صندوق آلنقد الدّولي و آلنفوذ آلامريكي عند آللزوم، فأنها لم تتّخذ جانب آلتعقل و لم تحاول أن تكون حصيفةً في إقراضها، إذ أن لدى صندوق النقد الدولي و المؤسسات الأخرى و النفوذ آلامريكي آلطاغي من الضخامة و القدرة ما يكفي لضمان إستعاذة هذه الأموال المقرضة, إنها مثل عملية "المرابين" في المافيا، حيث يتمّ وضع آلطُعم لعملائهم لإغرائهم بالإقتراض من أموال آلمافيا آلقذرة، و عندما يحين موعد آلسداد، فأن المحصلين من ذوي آلعضلات من رجال المافيا قادرون على ضمان جمع الدّيون مع فوائدها .
في كلّ مرّة يتكون لدى النظام المالي آلعالمي فائض ضخم مفاجئ من السيولة النقدية، تتكرر آلدّورة ذاتها. ففي غضون آلعقود الثلاثة المنصرمة حدثت دورتان مماثلتان، كانت آلاولى عشية آلهزة النفطية و ما نتج عنها من آلبترودولارات آلفائضة, و قد أستخدم آلغرب أسلوباً ذكياً في أستعادتها، كلّ قارة حسب آجوائها و معادلاتها آلجيوسياسية و الأمنية و العسكرية و الاقتصادية و طبيعة آلانظمة الحاكمة فيها، خصوصاً في آسيا آلتي تزامت مع تلك الهزة هزّة الثورة الإسلامية في منطقة آلخليج آلتي تضم أكثر من 82% من مخزون النفط العالمي، حيث إختلقت حروب الخليج آلمدمرة بقيادة أغبى و أظلم و أتعس عميل في التأريخ هو صدام حسين، ألذي أوصل المنطقة إلى أدنى معدلٍ و أضعف نقطة في آلمنحنى الاقتصادي و السياسي و العسكري و الأمني لتصبح منابع النفط لقمةً سائغة لكلّ من هبّ و دبّ .
أما آلدّورة الثانية فقد جاءت في أعقاب آلعرض النقدي آلجديد خلال آلتسعينات، و هذه آلمرة أكلت الطعم و وقعت في آلمصيدة آلدول آلاسيوية حيث أستدرجت لِتستدين من العرض آلنقدي آلجديد, وكانت وظيفة إجماع واشنطن مع المؤسسات المالية والنفوذ آلامريكي في كلتا آلحالتين ؛ آلعمل على ضمان أن يسترد الممّولون آلعالميون أموالهم بصرف آلنظر عن آلنتائج المدمرة على السيادة آلوطنية وآلظلم الاجتماعي آلذي سيتحمله ويرزح تحت نيره جمهور الفقراء والمستضعفين وآلذي لا شأن له، لا من قريب ولا من بعيد بتلك آلاتفاقيات، بسبب آلدّكتاتوريات آلغبيّة الحاكمة، حيث تشيير الأحصائيات بوجود مليار أنسان يعيشون تحت خط الفقر في العالم نتيجة تلك السياسات . إن هذا آلعدد آلمخيف لا علم لهم أساساً حتى بالعرض آلنقدي أو آلطلب عليه، ألذي لم يَجْنِ في المقام الاول أيّة منافع من لعبة آلاموال هذه . أمّا آللاّعبون فهم آلاعضاء آلمحليون من طبقة الواحد بالمائة(1) في تلك الدّول بالتواطؤ مع آلممّولين الدّوليين، وكلا آلطرفين سيخرج رابحاً، أما آلفقر والبؤس والتقشف، فأنها ستكون من نصيب عامة الشعب (99%) الذين عادة ما يُقدَّمون كقرابين على مذبح آلألعاب آلمالية السياسية آلعالمية هذه.
إن تلك آلاموال آلعالمية آلتي جناها صندوق النقد آلدّولي أدّت لئن تؤسس بها و بمساعدة مراكز القرار في واشنطن و نيويورك؛ بورصة نيويورك بعد أن جُهّزت بأحسن التقنيات وعمليات كيب كانفيرال آلقاعدة التي تطلق منها وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) ألصواريخ و أقمارها آلأصطناعية إلى الفضاء الخارجي، منها لعمليات وول ستريت و تعني لهم ما تعنية آللغة اليونانية بالنسبة للصينيين, فقد بدأت سلالة جديدة من المحترفين بالقدوم إلى (وول ستريت) خلال عقد آلتسعينات لأجل مزاوجة آلعلم و التكنولوجيا مع لعبة المال، كروبرت ميرتون و مايرون سكولز الحائزان على جائزة نوبل واللّذان أشتركا مع فيشر بلاك في إختراع طريقة آلسعر الأمثل واضعين بذلك الدّعامات آلاساسية لهذا العالم المالي الجديد . وقد طوّر هؤلاء نظام مراجحة جديد ومتطور وُصِف بأنّهُ محُايد تجاه السوق ؛ أي إنّه يحُقق آلفائدة ويكسب عندما تكون الأسعار متجهةً نحو آلأرتفاع، أو بالعكس يحُقّق الأرباح أيضاً عندما تتّجه الأسعار نحو الأنخفاض، وعلى أثر ذلك تشكل صندوقاً آخر سموّهُ بـ (إدارة رؤوس آلأموال طويلة الأجل) عام 1994م برئاسة جون ميري ويدز، وبحلول عام 1997م ضاعفت صندوق النقد آلدولي رأس مالها ثلاث مرات . من آلوسائل الأعلامية والنفسية آلمستخدمة، أن آلأعلام يحاول بطرقٍ ذكيّة أعتبار قروض صندوق النقد الدّولي ذريعةً للانقاذ وإجراءاً ضرورياً للحيلولة دون مزيد ٍ من آلتدهور آلمالي على الصعيد العالمي، وبذلك إدّعى القائمين على آلصندوق بأنّ عقودها بلغت أكثر من تريليون ونصف دولار .
إن جميع الوسائل المستخدمة تقوم على المضاربة والتلاعب وتقع خارج دائرة الإقتصاد الحقيقيي والمنتج . وعلى النقيض فأن هذه الوسائل جزءٌ من إقتصاد طفيلي وتساعد على إمتصاص ثروات الآخرين ونهب إقتصادهم . إن هؤلاء المضاربين مجرمين، لأن آلممُولين الدّوليين يقومون بخلق دورات وأزمات ُتمكنهم في ما بعد أن يجنوا منافعها لمصلحتهم . ويوجدون فقاعات إقتصادية كبرى ُيمكنهم أن " يفجروها" لمصلحتهم ساعة آلصفر، ولعل آلملف النووي الأيراني يُعتبر أكبر مصداقٍ على ذلك, حيث ناوروا على آلايرانيين و لا يزال ما يقرب من خمسة عشر سنة في محاولةٍ لأختراق صف الثورة الاسلامية و إجهاضها ثم إستعمارها كبقية دول العالم!
أن المصائب و الرزايا آلإجتماعية آلتي تمنى بها المجتمعات البشرية و التي تنتج عن ممارساتهم لا تقضّ مضاجعهم و لا تجد صدىً في نفوسهم و عقولهم و ضمائرهم، فهم مُنهمكون دائماً بجمع الأموال، و يصفون الحكومات آلتي قد تقف بوجههم بأنهّا حُكومات تعويقية تضع العراقيل و العوائق في وجه التجارة الحرة .
إن عالم التمويل آلذي لا تحدّه حدوداً أنسانية عادلة ولا قوانين منصفة هو عالم مرعب يبزّ فيه النفوذ المطلق للمُتداولين ومدراء الصناديق - نفوذ وصلاحيات آلبنوك المركزية والسياسيين ... وفيما يضغط آلمتداولون على أزرار حواسيبهم آلضخمة ويدمجون آلفيزياء بالرياضيات والمال بالتكنولوجيا لخلق وسائل وآليات بالغة التعقيد .. فأن الأسواق المالية ستنقلب أكثر كفاية و مخاطرة على نحو بالغ القسوة والضراوة لم تشهده من قبل . أن التقلبات المالية ستصبح حقيقة هذه الحياة .. بَيْدَ أنّ تكلفة الوقوف في وجه قوة طاغية مُستكبرة تُقدّر أمكانياتها مجتمعةً بتريليونات الدّولارات تصبح أمراً عسير الإحتمال.
إنّ رفض ممارسة اللعبة و التجاوب مع المتداولين قد يخضع دولةٍ مّا أو إقتصادٍ ما إلى أسعار فائدة باهضة آلتكلفة، أو إيقاف إستثمارات في الأسهم في عمليات الخصخصة المطلوبة لتدعيم الأنتاجية و خلق فرص عمل جديدة ... لقد أوجد هؤلاء الممُولون آلعالميون نظاماً مالياً عالمياً هُم فيه الكاسبون وحدهم على سبيل الحصر، و كلّ ما عداهم مُدان و ملعون إذا فازوا، و مُدان ملعون إذا لم يفوزوا!
من المؤسف جداً و لغباء السياسيين و حبهم للسلطة و البقاء على حساب حقوق الفقراء لم تكتفي الحكومة العراقية بتوقيع قروض مالية من قبل رئيس الحكومة, بل إن كل وزير و مسؤول و حتى المحافظين في المحافظات العراقية بدؤوا يسرعون لعقد القروض المليارية مع صندوق النقد الدولي و حتى مع الدول العملاقة كآليابان و ألمانيا, حيث تم توقيع إتفاقيات عديدة مؤخراً بين وزير النقل الذي كان قد إستقرض سابقاً كما أشرنا المليارات أيضا؛ مع شركة طيران (بوينك) لشراء طائرات نقل بأربعة مليارات دولار, و كذلك وزيرة الصحة, التي عقدت إتفاقيات لشراء بعض الأجهزة و المعدات قرضاً مع فوائد كبيرة ستثقل كاهل الأجيال المسكينة التي لم تلد بعد لرفاه المسؤوليين الظالمين الذين لا يفقهون شيئاً مما يجري في العالم!
أن آلتعاون والتنسيق آلذي حصل بين آلممولين و طبقة آلتكنوقراط(ألليبراليين) آلناشئة حديثاً، شكّلت و أسست علاقة متينة أصبحت بمقتضاها آلقررات و المسائل المهمة على الصعدين السياسي و المالي تُتّخذ وراء الكواليس في معزل عن مناقشة الجمهور و آلناخبين و حتى الحكومة المركزية, و قد حلّت التكنوقراطية - ألفنية، محل الدّيمقراطية مع إشكالياتها الكثيرة التي لسنا بصددها الآن، وهذه بدورها تحولت إلى عملية ميكانيكية حيث بات بالأمكان، من خلال سلطة الأعلام، وآلمال وآلتسويق، أن يُباع على الجمهور ألمنتجات التي تُصنّعَها فئةُ الواحد بالمائة و يمكن تغليف هذه المنتجات بطريقة مهنية عالية آلجودة و آلهيئة، و من آلامثلة القريبة آلناصعة على ذلك قانون السكائر في يونيو - حزيران 1998م و الحرب آلخاطفة التي شنّتها ضدّه الشركات؛ شركات التبغ، والتي تمكّنت آلاخيرة نتيجة لها - من تغليف مصالحها كما لو كانت مسألة حكومية تتعلق بأستيفاء آلضرائب و إنفاقها و ليست مسألة صحة عامة تتعلق بعموم الناس و البشرية جمعاء.
أن مجلس آلاحتياطي آلفيدرالي آلذي لم يكن لها أية قوة شرعية خارج آلولايات آلمتحدة آلامريكية يبلغ الآن من آلقوة حدّاً يجعل قراراتهُ ذات أثرٍ فوري عظيم على إقتصاديات آلدّول الأخرى في العالم, فلو قرّر آلمجلس - أن يرفع مُعدلات آلفائدة آلحالية للسيطرة على النمو آلأقتصادي آلأمريكي فأن ذلك سيطيح بالين الياباني ويُسبب آلتخفيض على عُملات الدّول الاسيوية، ويُعمّق الكساد والركود في روسيا ومعظم دول آسيا وحتى معظم دول أمريكا آلجنوبية والعكس صحيح . بل بات هذا آلمجلس يمُلي آلسياسة آلنقدية آلعالمية . وبطبيعة الأمر فهو ُيمليها أولاً وأخيراً لصالح الاقتصاد الأمريكي . مما يُؤثّر مُباشرة على وسائل آلعيش والرفاه للدول الأخرى، ومن ذلك أسعار الأسهم وتقويم العملات وبصورة عملية أوجُهُ ومناحي آلاقتصاد كافة في آلدّول الأخرى . آلتي يجري إخضاعها لقراراتٍ يتمّ إتخاذها خارج حُدودها، وليست مسؤولة تجاهها بأي شكلٍ من الأشكال . وبالتالي يُعتبر تدخلاً سافراً في شؤون آلدّول الأخرى .، إن هذا النظام آلعالمي تتأسّس بشكل لا يخدم سوى أقتصاد آلطرف الأمريكي آلذي يمتلك كل عناصر القوة وآلمال والتكنولوجيا والعملاء وآلاعلام، لتمنى معظم إقتصادات دول آلعالم الأخرى بالدّورات التي كان يُفترض أن يقع ضحيتها آلاقتصاد آلامريكي آلمحلي . وهذا على الأقل ُيمثّل أحد ألأسباب آلتي تُعزى إليها مواطن القوة في آلأقتصاد آلجديد للولايات المتحدة .
أما تجربة المكسيك آلتي وضعت كما يقول المثل السياسي (جميع عنبها في سلّة الأمريكان) فإنها مأساة كبيرة, لهذا قال آلرئيس المكسيكي بورفيريو ديز " مسكينة هي المكسيك ... لبعدها عن آلله ... وقربها من الولايات المتحدة " فهي تجربة واضحة ومحزنة أيضاً بسبب ما خلفته سياسة حكومتها آلتي لم تعتني بتطلعات الأمة وإرادتها، بل خضعت للسياسة آلتي فرضها صندوق النقد الدّولي والولايات المتحدة وأسوء من ذلك، وبالاضافة إليه ؛ فأن تلك الشروط أجبرت المكسيك على المرور بركود إقتصادي قاس بالإضافة إلى ما لزم من التخفيض في الواردات . رغم أن آلمكسيك قد أممّت شركات النفط الأمريكية عام 1939م، و أصبحت شركة النفط المكسيكية "بيمكس" ألمالكة والقائمة على إدارة صناعة آلنفط والغاز منذ ذلك الحين، وبالمقابل فقد فرضت حقيبة الانقاذ آلتي أدرجت تفاصيلها آلولايات المتحدة وصندوق آلنقد الدولي عام 1995م شروطاً تلتزم آلمكسيك بموجبه وذلك برهن كافة ألايرادات النفطية وإيداعها كضمان لدى بنك آلاحتياط آلفيدرالي في نيويورك . ورفض مسؤولوا وزارة الخزانة آلامريكية كفاية توقيع وزير آلمالية آلمكسيكي عل صك الرهن، فطلبوا توقيع شركة بيمكس أيضاً، وأضطرت آلمكسيك ببيع مرافق القطاع العام آلمكسيكي كمجمعات صناعة البتروكيمياويات والغاز وغيرها . كلّ ذلك كان ثمار هجرة آلأموال آلعالمية بسبب آلمضاربة، لأنّ مُعدّلات آلفائدة في آلولايات المتحدة متدنيّة وفي المكسيك مُرتفعة، فقد كان في ذلك فرصة ذهبية لمدراء صناديق الأموال الأمريكيين للقيام بأعمال آلمراجحة حيث يقترضون الأموال في الولايات المتحدة ويستثمرونها في المكسيك ليملئُوا جيوبهم بهوامش آلربح الكبيرة. وهكذا إقتحم آلأمريكيون سوق المال المكسيكي بالضربة القاضية . وكانت الطامة الكبرى يوم جاءت التقديرات أن الحاجة ماسة لمبلغ 50 مليار دولار تقريباً لوقف الهبوط المريع للبيزو - ألعملة المكسيكية ! لتدخل آلمكسيك بسبب ذلك القرض مرحلة آلخضوع آلتام و الفناء الاقتصادي .
لقد جرى نفس الشئ في العراق إبان الحكم البعثي الجاهلي حيث فُرِض على آلحكومة العراقية البائدة إيداع رصيد مبيعات آلنفط آلعراقي من آلدُولار أيضاً في بنوك أمريكية في نيويورك لتمويل مشتريات العراق من الغذاء والدّواء تحت شروط قاسية لا تعرف الرّحمة إلى قلوب واضعيها سبيلاً . وقد كان العراق من أوائل الدّول آلتي أممّت شركات آلنفط آلغربية في الشرق الاوسط أيضاً، لكن إعتماد العراق على واردات النفط فقط في إقتصادها جعله غير قادرٍ على مُواجهة آلحصار آلذي دمّرَ آلإنسان آلعراقي وجميع البنى التحتية فيه و في فترة قصيرة جداً!
لقد كان آلأقتصاد العراقي كما هو حال الأقتصاد المكسيكي إقتصاد ماليّ أمتصاصي وغير مُنتج، لذلك لم يحدث أيّ نموٍ إقتصادي فيه لأسباب عديدة يأتي في مُقدمتها آلأعتماد آلكامل على النفط أساساً حيث كان يمثل و لا يزال بحدود 98% من وارداته . إلى جانب آِلسياسات الأدارية والفنية الخاطئة في هيكلية الحكومة عبر آلنهج آلقومي آلبعثي أو النهج الديمقراطي الحالي ألذي بذر بسببه أموالاً طائلة كهبات وعطيات لحكومات ظالمة لم تقف و لم تقدم للشعب العراق شيئاً لا في الرخاء ولا في السلم، وكذلك أستخدام جميع الفائض آلنقدي في شراء الأسلحة آلتقليدية ليتم حرقها في حروب خاسرة معلومة النتائج.
إن مُداولات صندوق آلنقد الدولي لم تقتصر على الدّول التي أشرنا لها فقط، بل هناك وقائع أخرى قاسية شبيهة بما ذكرنا عندما شجّعوا عمليات الإقتراض غير آلمدروس في آسيا، حيث كان بأمكان أيّة دولةٍ أو بنكٍ أو شركةٍ أن تحصل على القروض مقابل فارق طفيف زيادة عمّا تدفعه حكومة الولايات المتحدة, وتمّ التخلي عن إختبار آلجدارة آلائتمانيّة وملاءة آلعُملاء آلذّين تُقدّم لهم القروض, فقد تدخلت هذه آلمرة بجعل آلمستثمرين الأجانب ألقيام بتسوية ما حلّ من إضطراب وفوضى من خلال إعادة هيكلية آلبنوك والشركات بالشكل الذي يتلائم مع مصالحهم وهكذا أصبح آلمستثمرون العالميّون الذين لعبوا دوراً رئيسياً في خلق الازمات هُم المسؤولونَ في إيجاد الحلول لها!
و آلأوضح من كل ما ذكرنا من آلامثلة ؛ أنّ سوهارتو قد إستلم مقاليد السلطة في بلاده في آلستينات بمساعدة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (السي آي أي) من خلال أنقلاب مسلح خلفت ضحايا تتراوح بين 500000 - 1000000مواطن أندونيسي إتهم بعضهم بالشيوعية و بمؤيدي آلرئيس المخلوع أحمد سوكارنو آلذي آثَرَ الأبتعاد عن كلا طرفي الحرب الباردة , حيث كان يعتقد أن النمط آلغربي للديمقراطية أدنى درجة من آلدّيمقراطية الموجهة آلتي يُؤمن بها على أساس آلثقافة القومية والوطنية، وبعد أن تربّع سُوهارتو على قمّة السُلطة في بلاده لأكثر من ثلاثينَ عاماً إستقبل وفداً أمريكاً رفيع المستوى يترأسهم وزير الدفاع كوهين ؛ أبلغوه أن إستقرار أندونيسيا كان أمراً حيوياً بالنسبة للأمن آلقومي للولايات المتحدة، وأن كلينتون قد إتصل به ليبلغه ؛ " إن هذا الإستقرار مرهون بإنصياع سُوهارتو إلى الوصفة بالغة القسوة آلتي قدّمها صندوق آلنقد آلدّولي، وإعتبارها من المسلمات كما لو كانت مُرسلة من السماء (2)".
في نهاية هذا آلبحث آلمختصر يبدوا أن هذه آلعولمة غير آلمسؤولة كانت سبباً في إختيار عنوان "العولمة المسؤولة " كعنوان لمنتدى دافوس في سويسرا عام 1999م فالإندماجات الأخيرة بين آلشركات خلال آلسنوات الاخيرة و آلاثار العالمية لأحداث آلثورة الإسلامية في إيران و ما رافقتها من آلصحوة الاسلامية آلتي رافقتها صحوة أذهلت الشرق و الغرب و كذلك أحداث روسيا والبرازيل وحقيقة أنعدام أهمية آلحدود حسب النظرة الغربية بين آلدول كلّها إشارات بأنّ حقيقة العولمة تخطّت كونها عملية مراحل بعيدة المدى إذ أصبحت حالة واقعة حسب تصريح "كلوب شواب" مؤسس منتدى دافوس، حيث يقول : [أمّا لماذا العولمةالمسؤولة ؟ ففي عالم تلاشت فيه حدود آلدّول، أصبحَ لزاماً إيجاد حُدودٍ عالمية بديلة تتمثل في أيجاد آلآليات التنظيمية، والقانونية والاجرائية لتلافي آلآثار آلخبيثة لثورة آلعولمة ] .
إن مركز إقتصاد آلعولمة آليوروأمريكي آلأطلسي من دول آلعالم آلأخرى يأخذ آلعرق وآلنفط وآلخبراء وساعات العمل والمعادن، ويبادلهم إياها بأرقام وأوهام في دفاتر بنوكه أو ذاكرات كامبيوتراته، فيتمّ تبادل المحسوس والحقائق بالأرقام والأوهام، وكم هي سهلةٌ تبديد آلأوهام وتغيير آلأرقام كما بيّنته الأيام .