الأخبار
وفد حماس يغادر القاهرة للعودة برد مكتوب على المقترح الجديد لوقف إطلاق الناربلينكن: أمام حماس مقترح سخي جداً وآمل أن تتخذ القرار الصحيح سريعاًتضامناً مع فلسطين.. احتجاجات الجامعات الأميركية تتسع وسط مخاوف إلغاء مراسم التخرجتل أبيب تستعد لإصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين كبارإعلام إسرائيلي: 30 جندياً في الاحتياط يرفضون الاستعداد لاجتياح رفحقناة كان: القيادة الإسرائيلية منقسمة بشأن مستقبل الحرب في غزةارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيا
2024/4/30
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الفلاح في مجموعة "ذكر ما جرى" جمال الافغاني بقلم:رائد الحواري

تاريخ النشر : 2015-05-25
الفلاح في مجموعة "ذكر ما جرى" جمال الافغاني بقلم:رائد الحواري
"ذكر ما جرى"
جمال الغيطاني
في هذه المجموعة يستخدم الكاتب تضخيم الأحداث بحيث تبدو أكبر من المنطلق العقلي، فيحدثنا في قصة "ما جرى في لأرض الوادي" عن بيع ارض النيل بالتدريج، بحيث لا يعود هناك إي مكان للمصريين في بلدهم أرض النيل، فكانت كلما اتسعت المساحة التي يسيطر عليها الغرباء كلما زادت معانات المصريين، فالكاتب أراد من هذا الربط بين فقدان الأرض ومعاناة المصريين أن يؤكد على أهمية التوحد والترابط بين الإنسان والأرض، فهما بمثابة الجسم الحي، جسد مادي/ ارض وروح، فلا معنى لهذا الجسد بدون الروح ولا معنى للأرض بدون الإنسان.
يصف لنا الكاتب أحوال الناس أثناء بيع الأرض للغرباء بهذا الشكل، "أرغم الآلاف على ترك بيوتهم، استبقى الفتيات الجميلات للخدمة في الموتيلات والشاليهات، أرغم الأهالي على حفر قبور أجدادهم وحمل عظام موتاهم، ردم قنوات الري، الترع الرئيسية، الجسور الخشبية، نسف ساعات العصاري، اجتث ظلال أشجار التوت والجميز، احرق حديد السواقي، أباد أبراج الحمام" ص12، بهذا الشكل يتم قتل الحياة على ارض مصر، فكل مظاهر الحياة يتم تدميرها، إنهائها بشكل تمام، وكأن هناك زلزال مدمر قد مر عليها.
ويصف لنا أحاول السكان بعد بيع الأرض للغرباء بهذا الشكل، "...وضاق بالمحبين من أهل الوادي، وعزت العواطف جدا، وطوردت الأشواق، وحرم على الشاب أن يمسك بيد فتاته" ص13، من خلال هذا الطرح يقول الكاتب لا معنى للإنسان بدون الأرض ولا معنى للأرض بدون الإنسان، فكلاهما يكمل وجود الآخر، وهما معا يعطيان مدلولا ومعنى للحياة.
وبعد الإنهاء من الاستيلاء على الأرض ينتقل الغرباء لشراء النهر العظيم، "... من حقه مصادرة ومنع المراكب الشراعية والقوارب التي تسبح فوقه ومنع السكان الأصليين من الصيد، والنزهة،... أعلن المثمن أن كل حجر مقام فوق النهر يتبع المالك الجديد" ص18، وهنا لا يعود هناك مكان لسكان الوادي على الأرض، فالأرض لم تعد لهم، وعليهم البحث عن مخرج يخرجهم من هذا المأزق الذي وقعوا فيه.
الكاتب يبقي للمتلقي بقعة ضوء ستقلب المعادلة رأسا على عقب، وهذه البقعة تتمثل بفدان واحد يملكه أحد الفلاحين الفقراء الذي رفض بيع أرضه، وهنا يستخدم الكاتب مرة أخرى أسلوب التضخيم لكي يكون هناك توازن وانسجام بين الأحدث الأول، بيع الوادي، والحدث الثاني الفلاح المصري، فيصفه لنا بهذا الشكل الخارق للطبيعة البشرية، "... يزعمون انه تخطى المائة وخمسين عاما، لا يزال شعره اسود وقامته منتصبة وأسنانه لم تتساقط بعد، يعمل يوميا، يبذر الحب، يسوي الأرض، يقلع الحشائش الضارة، قالوا أن الشيب لم يدركه لأنه لا يعبس قط ولا يحمل هما، لا زال قادر على الإنجاب، إذا أحتضن جذع النخلة يمكنه اقتلاعه، ... أنه قادر على إخصاب فتاة في الرابعة عشر وامرأة في آخر العمر" ص32 بهذه القدرات الخارقة يزرع الفلاح الأمل لدى المصريين، وكأنه يرد بقدراته الخارقة وفوق الطبيعية على الغرباء.
لم يقتصر الأمر على الفلاح المصري الخارق في عملية التغير الإيجابي، بل كانت الطبيعة أيضا متضامنة معه، "إذا اهتز الشجر لا يصدر وشوشة أو حفيفا إنما يسمع دعاء "حمى الله ارض مصر" وإذا هبت العاصفة من الجبال تتحول عن طريقها فوق الفدان، وتصفوا من ذرات الرمال، وفي وهج الشمس يجيء غمام فوق الفدان اليتم الباقي" ص33، وهنا يكون هذا الفدان القبلة التي ستعيد الأحوال إلى ما كانت عليه، فرغم عدم وضوح/ إكتمال النهاية، إلا أن الكاتب وضع لنا بداية التحول الايجابي في مصر من خلال توجه المصريين نحو الفدان.
قصة "الترام" يتحدث الكاتب عن هذه الوسيلة الحضارية والعصرية التي أسهمت في تسهيل تنقل المواطن ، تدور أحداث القصة عن محاولة إلغاء الترام من الشوارع لكن نجد هناك معارضة شديدة عند المصريين تأخذ عدة أشكال، "وتقدم احد المشتغلين بالسياسية للحصول على ترخيص بإصدار صحيفة أسمها "الترام،... وقامت بعض المصانع بصك ميداليات صغيرة تعلق إلى الصدر،... أن كثير من الآباء أنجبوا مواليد في الفترة الأخيرة، أطلقوا على أبنائهم أسم واحد ترام" ص46و47، شكلا جديد لتضخيم الاحتجاج وإعطاءه صورة تثير في المتلقي وتعطيه الحافز على اتخاذ خطوة فعلية بالاتجاه الصحيح، وعدم البقاء في حالة السكون أو الترقب فقط.
في قصة "الفندق" يعري الكاتب فكرة الخصخصة التي اتبعتها مصر بعد ما سمية بعصر (الانفتاح) وكيف أن التعاطي مع الشركات الغربية يلغي السيادة الوطنية ويمس مصالح المواطن العادي، وأيضا يخلق علاقات غريبة وغير منسجمة مع المجتمع، القصة تتحدث عن فندق "التي تي" الذي يبدأ تشيده فيشكل ظاهرة فريدة ويعتبر نقلة نوعيا في نمط البناء المصري.
نجد طريقة الإعلان عنه قد تجاوزت العرف المتبع في الصحف، "إذ أن شركة التي تي نشرت إعلانا ضخما في جميع الجرائد الصادرة استغرق كافة صفحاتها، وتلك سابقة إعلانية لم تحدث، اضطرت الأهرام إلى إصدار ملحق من صفحتين تضمن أخبار الدولة والعالم، ... أصبحت أللافتة من العلامات الأرضية المميزة للقاهرة،... كما حرص الطيارون على التنبيه إليها في الميكروفون الداخلي: "يمكنكم أن تروا إلى اليمين فندق التي تي" ص52، فهذا الاستحواذ على الاعلام ومن ثم على عقول الناس كان يعني بداية تتشكل إمبراطورية فوق الأرض المصرية، فهي عمليا أخذت شيئا من مكانة الدولة، وأيضا سلبت المواطن أشياء عديدة، وخذ يجاري آخر صيحات عصر الانفتاح، "اشتهرت العائلات التي تزوج أبناءها في التي تي،... من شروطنا أن يتم الزواج في التي تي.. ويمكن لأفراد هذه العائلات السفر بنصف القيمة على طائرات التي تي، أو على خطوط التي تي الملاحية، كما يسمح لهم بارتداء الإشارة البرتقالية وتلك تسهل تعارف الرواد في جميع أنحاء العالم،... ويترقب أولياء الأمور بلهفة اليوم الذي يسمح فيه للتي تي بافتتاح فروع لمدرسة الابتدائي والثانوية، كما تكون جمهور خاص بالعروض المسرحية" ص54و55، بهذا الشكل يتم اقتحام المجتمع المصري، فهو أصبح أسيرا لمجاراة الموضة، موضة التي تي، فهذا الفندق لم يعد فندق وحسب، بل إمبراطورية اقتصادية اجتماعية، اقتحمت المجتمع وفرضت علاقات جديدة عليه، بحيث تكون طبقة أسيره لهذه الإمبراطورية، وتنفذ وتتبع لرغباتها، حيث عنها تعتقد بتميزها ورفعتها عن بقية المواطنين.
في الأحداث الكبيرة والعظيمة يستنجد الكاتب في مجموعته "ذكر ما جرى" بالفلاح المصري، فكما عمل في قصة عنوان المجموعة، يستحضر الكاتب شخصية احد الفلاحين الفقراء المصريين الذين مازالوا يتمسكون بالقديم، ولم يواكبوا العصر وصرخات الحداثة، "إذ عثر في شارع ضيق جانبي هادئ قريب من التي تي، على جثة فتى يرتدي جلبابا من الدامور، نحيل الرقبة، بارز عظام الوجنتين، والضلوع ، يبدوا انه قادم من إحدى قرى الصيعد الأعلى، وجد في جواره منديل به رغيف ذرة وجبنا قديما" ص59، بهذا المشهد المأساوي يسمعنا الكاتب صرخة الفلاح المصري المحتج على هذا التغير غير المنسجم أو المتفق مع طبيعة المصريين، فلا الكاتب ولا الطبقة التي يستعين بها ـ الفلاحين ـ تقبل بما يجري من أحداث تغرب المجتمع والأمة.
اعتقد بان هذا الحضور المدوي للفلاح المصري، يعد دعوة صريحة من الكاتب إلى التمسك بهذا العنصر الوطني، الذي دائما ينقذ الوطن من الكوارث والقرارات القاتلة التي تتخذها الحكومة أو الدولة.
في قصة "الزهور تتفتح" يتناول الحديث على الصين بعد رحيل ماو تيسنج وكيف تعامل الصينيون مع هذا الوضع، فنجد الحكومة قد بدأت في التنصل ونقد المرحلة التي مرت بها الصين أثناء حكم ماو، حتى أن القصائد كان يحذف منها أو يتم تغير بعض الأبيات فيها لتناسب العقلية الجديدة في الحكم، "قال رئيس التحرير أن المبالغة عن الحزن تعطل الشعب عن أداء أعماله، لهذا يتمنى لو خفف الشاعر قليلا من حدة حزنه المشروع في القصيدة" ص61، بهذا الشكل تعامل الحكومة الصينية مع باني ومؤسس الصين الحديثة.
الكاتب مرة أخرى، وحتى عندما يتحدث عن الصين، يستخدم الفلاح كبارقة أمل، كمخلص من الحالة غير المقبولة التي يمر بها الشعب، وهنا كان الشعب الصيني وليس المصري ومع هذا كان الخلاص يأتي من الفلاح أيضا، "أبدى باردا رغبة في غسل وجهه، دعاه العجوز إلى الداخل، ... حانت منه التفاتة إلى حجرة داخلية، إن ثمة ضوءا ينبعث من شمعة غليظة يلمس صورة متوسطة لمياو، إحدى الصور الملتقطة في الأربعينيات أو الثلاثينيات، يبدو مبتسما، مرتديا خوذة قتال، عيناه متطلعتان إلى بعيد، وكأنهما تراقبان من زمن آت..." ص68، بهذه الرمزية ينهي الكاتب القصة، وهو أرد المتلقي أن يفكر ويتمعن بما تقوم به الحكومة والجهات المتنفذة في الصين، وبين واقع الفلاح البسيط، الذي وجد في ماو مخلص ومحقق الامال وباني الصين الحديثة.
كما قلنا هناك علاقة مشاعر الحب والاحترام يكنها الكاتب للفلاحين تحديدا، فقد جعلهم وسيلة الخلاص، الأمل، العنصر الفاعل والمؤثر في مجرى الأحداث، وهذا يؤكد قناعة الكاتب بدورهم وأهميتهم في تغير المجتمع ورفعة شأنه.
بقية القصص "في الخط، الثلاثون ..من فبراير، كريستال، الغرق في البر" قدم فيها الكاتب رؤيته عن واقع مصر المشوه، ففي قصة "كريستال" يطرح اهتمام الناس بهذا النوع من الزجاج، مهملين القضايا الأساسية في الحياة، وفي قصة "الغرق في البر" يستخدم الفانتازيا كما هو الحال في قصة العنوان والفندق، على العموم نحن أمام مجموعة مميزة، تطرح قضايا مهمة وأساسية في المجتمع المصري، وتعطي ميزة وأهمية استثنائية للفلاح.
المجموعة من منشورات دار المسيرة، بيروت، لبنان، طبعة أولى عام 1980.
رائد الحواري
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف