يستدفئ مِنْ رائحةِ امرأةٍ علقتْ بمعطفِها
عطا الله شاهين
ذات مساءٍ قارص وجدَ نفسه يخطو تَحْتَ المطرِ في شارعٍ بلا أرصفة .. كان يسير ويرتعش من شدة البرد وينتعل حذاءً تالفا ويتجه صوب منزله المتصدع منذ زمن.. يذكر أنه كان يحملُ شمسيةً أهدته إياها صديقته الأجنبية التي أتت للتتضامن ذات خريف لكن هذه الشمسية تكسّرت الآن من رياحٍ مجنونة ولم تعدْ تقيه من رشقات المطر فتخلّص منها ورماها في الحاوية المليئة بالنفايات التي على ما يبدو بأن عمال النظافة لم يفرغوها .. كان يخطو والبرْدُ يلفحُ سحنته وملابسه تبللت تماما مِنْ زخات المطر.. كان لحظتها يفكّر في أطفاله فهُم الآن بالتأكيد تحت المطرِ ينتظرونه فسقف بيته تتسرب منه المياه ولعلهم يسبحون في برك المياه التي تغمر منزله ككل عام كان يسرع في خطواته لأنه يريد أن ينقذهم وهو لا يجدُ أية مركبة لتقله.. يبدو أن السائقين يستدفئون في بيوتهم .. وبعد لحظات من سيره المجنون شاهدَ على الجهة المقابلة امرأة تخطو بخطواتٍ بطيئة وترتدي معطفاً ثقيلا وفاخراً ، لكنّه مُبلّل فسرقَ نظرات عدة صوب المعطف وكان يشعر بدفء غير عادي يأتي منه وهو يمرُّ بمحاذاتها واقتربتْ منه لتسأله أين أقرب موقف للحافلات مع أن الحافلات انتهى عملها فالسّاعة الآن متأخرة والسائقين في أحضان زوجاتهم ، فأشار لها إلى أين تتجه وتركها ووصلَ أخيرا إلى أطفاله الذين كانوا يمرحون في مياه باردة وكأنهم لا يحسّوا في البرد القارص .. كان يحاولُ جاهدا مساعدتهم في تصريفِ المياه من المنزل المتصدّع.. بعد حين تمرّ عنهم تلك المرأة بمعطفها الثّقيل تنظرُ نحوهم وتشفقُ عليهم ، وتعطيهم المعطف وتذهب في طريقها فيبدو أنها مجنونة هكذا غرّدوا أطفاله .. يسأله طفله الصغير لماذا هي أعطتنا معطفها ؟ يتصعبُ الوالد المتجمّد من البرد في الإجابةِ على سؤاله يقولُ له هي أحسّت بأنه ثقلَ من المطر ولذلك تخلصت منه.. يمسكُ المعطفَ في غرفةٍ مجاورة ويشمّه كأنه امرأة ويحسُّ بدفء يأتي منه لربما لأنَ أنفاسها الدافئة بقيتْ عالقة فيه .. يتلصّص عليه طفله الصغير والمدلل من ثقب الباب المخلّع وبعد حين يدخل ويقترب من أبيه ويسأله لماذا تحضنُ المعطفَ يا أبي؟ فيردُّ عليه في هذا المعطف يا ولدي رائحة دفء لا تشبه أي دفء .. فيخرجُ الطفل مبتسما وكأنه فهم بأن الرّغبة المختبئة اجتاحت أبيه المتجمّد ولم يعدْ باستطاعته أن يكبحها.. فالرّجل قبل لحظات اطمئنّ عل أطفاله وأمّن لهم مكانا لمْ تصلَ المياه له ودفّأهم ببطانيات وولج لغرفةٍ باردة وضمّ المعطف وبدأ يهذي ما أجمل الدّفء العالق في هذا المعطف من أنفاس امرأة مجنونة ما زالت تبحث تحت المطرِ عن مركبة لتقلها إلى وجهتها مع أنها باستطاعتها أن تبيتَ هنا لا لشيء فقط لكي أتدفّأ من أنفاسها ..
عطا الله شاهين
ذات مساءٍ قارص وجدَ نفسه يخطو تَحْتَ المطرِ في شارعٍ بلا أرصفة .. كان يسير ويرتعش من شدة البرد وينتعل حذاءً تالفا ويتجه صوب منزله المتصدع منذ زمن.. يذكر أنه كان يحملُ شمسيةً أهدته إياها صديقته الأجنبية التي أتت للتتضامن ذات خريف لكن هذه الشمسية تكسّرت الآن من رياحٍ مجنونة ولم تعدْ تقيه من رشقات المطر فتخلّص منها ورماها في الحاوية المليئة بالنفايات التي على ما يبدو بأن عمال النظافة لم يفرغوها .. كان يخطو والبرْدُ يلفحُ سحنته وملابسه تبللت تماما مِنْ زخات المطر.. كان لحظتها يفكّر في أطفاله فهُم الآن بالتأكيد تحت المطرِ ينتظرونه فسقف بيته تتسرب منه المياه ولعلهم يسبحون في برك المياه التي تغمر منزله ككل عام كان يسرع في خطواته لأنه يريد أن ينقذهم وهو لا يجدُ أية مركبة لتقله.. يبدو أن السائقين يستدفئون في بيوتهم .. وبعد لحظات من سيره المجنون شاهدَ على الجهة المقابلة امرأة تخطو بخطواتٍ بطيئة وترتدي معطفاً ثقيلا وفاخراً ، لكنّه مُبلّل فسرقَ نظرات عدة صوب المعطف وكان يشعر بدفء غير عادي يأتي منه وهو يمرُّ بمحاذاتها واقتربتْ منه لتسأله أين أقرب موقف للحافلات مع أن الحافلات انتهى عملها فالسّاعة الآن متأخرة والسائقين في أحضان زوجاتهم ، فأشار لها إلى أين تتجه وتركها ووصلَ أخيرا إلى أطفاله الذين كانوا يمرحون في مياه باردة وكأنهم لا يحسّوا في البرد القارص .. كان يحاولُ جاهدا مساعدتهم في تصريفِ المياه من المنزل المتصدّع.. بعد حين تمرّ عنهم تلك المرأة بمعطفها الثّقيل تنظرُ نحوهم وتشفقُ عليهم ، وتعطيهم المعطف وتذهب في طريقها فيبدو أنها مجنونة هكذا غرّدوا أطفاله .. يسأله طفله الصغير لماذا هي أعطتنا معطفها ؟ يتصعبُ الوالد المتجمّد من البرد في الإجابةِ على سؤاله يقولُ له هي أحسّت بأنه ثقلَ من المطر ولذلك تخلصت منه.. يمسكُ المعطفَ في غرفةٍ مجاورة ويشمّه كأنه امرأة ويحسُّ بدفء يأتي منه لربما لأنَ أنفاسها الدافئة بقيتْ عالقة فيه .. يتلصّص عليه طفله الصغير والمدلل من ثقب الباب المخلّع وبعد حين يدخل ويقترب من أبيه ويسأله لماذا تحضنُ المعطفَ يا أبي؟ فيردُّ عليه في هذا المعطف يا ولدي رائحة دفء لا تشبه أي دفء .. فيخرجُ الطفل مبتسما وكأنه فهم بأن الرّغبة المختبئة اجتاحت أبيه المتجمّد ولم يعدْ باستطاعته أن يكبحها.. فالرّجل قبل لحظات اطمئنّ عل أطفاله وأمّن لهم مكانا لمْ تصلَ المياه له ودفّأهم ببطانيات وولج لغرفةٍ باردة وضمّ المعطف وبدأ يهذي ما أجمل الدّفء العالق في هذا المعطف من أنفاس امرأة مجنونة ما زالت تبحث تحت المطرِ عن مركبة لتقلها إلى وجهتها مع أنها باستطاعتها أن تبيتَ هنا لا لشيء فقط لكي أتدفّأ من أنفاسها ..