الأخبار
وفد حماس يغادر القاهرة للعودة برد مكتوب على المقترح الجديد لوقف إطلاق الناربلينكن: أمام حماس مقترح سخي جداً وآمل أن تتخذ القرار الصحيح سريعاًتضامناً مع فلسطين.. احتجاجات الجامعات الأميركية تتسع وسط مخاوف إلغاء مراسم التخرجتل أبيب تستعد لإصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين كبارإعلام إسرائيلي: 30 جندياً في الاحتياط يرفضون الاستعداد لاجتياح رفحقناة كان: القيادة الإسرائيلية منقسمة بشأن مستقبل الحرب في غزةارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيا
2024/4/30
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة في نص (الحقيقة) للأستاذ عثمان عمر الشال بقلم السيد عبد العليم

تاريخ النشر : 2015-03-28
قراءة في نص (الحقيقة) للأستاذ عثمان عمر الشال  بقلم السيد عبد العليم
بقلم السيد عبد العليم*

قراءة في نص (الحقيقة) للأستاذ عثمان عمر الشال

النص

-----

الحقيقة

... لاتجهد نفسك , فالصبح قد تنفس , والعصافير زقزقت في أوكارها ، والشمس أوشكت على البزوغ ؛ فلم تذرف الدمع؟ , تبسم أو يكاد , ويديه تكفكف محاجر العيون , ترقب تاريخ اليوم من فوق ورقة {نتيجةالحائط} المعلقة على صدر جدار {المندرة} .. قرأ .. اليوم الذكرى الرابعة لمقتل ابنه الوحيد في مطاردة أمنية .. شد من الهواء البارد نفساً عميقاً ؛ مرره ببطء على الشعب الهوائية بفراغ صدره الضيق .. استوى في جلسته .. تلاوم مع زوجه .. علا صوتهما .. حاولت تهدئته .. لم تفتر ثورته .. تركت له المكان ، صعدت إلى طيورها فوق السطح تطعمهم .. اصطدمت قدمها بجرة ثاوية بجوار {الطوف} الطينى الفاصل بينها وبين جيرانها منذ أمد .. سمعتها تصدر صوت خشخشة .. فتشتها .. صرخت .. صعد الزوج ينجدها ، وجد بين يديها {طربة حشيش , ومسدس ميرى عيار تسعة ملي} , تأكد أنه المذنب .

القراءة

------

نبدأ بالعنوان الحقيقة، ما الحقيقة؟ دافع للمعرفة وحافز باقتدار يلقيه الكاتب بين أيدينا كأنه يجبرنا على القراءة ببراعة استهلاله..

البداية.. حوار داخلي (منولوج).. شخص يخاطب نفسه، يهدهدها يصبرها، يطيب خاطرها، يجبر كسرها؛ يمنيها باستقبال صباح جديد.. إنه يوم آخر على كل حال.. مشهد مرسوم ببراعة تصوير على شريط - الفن السابع - فيه من الحركة "الصبح تنفس" والصوت "العصافير زقزقت" والأضواء وظلالها الحقيقية والنفسية "الشمس أوشكت على البزوغ" وكأنه يلقي عامدا للقارئ بمفتاح الحقيقة التي ستنجلي مرتبطة بشروق شمس صباحه هذا.

يحيد الكاتب فجأة عن الحوار، موظفا (الالتفات) وما يثيره من تشويق للقارئ وإعمال لذهنه وحواسه، ليستخدم السرد فجأة متدخلا بلسان الراوي : "تبسم أو يكاد ويديه تكفكف محاجر العيون".. نحن إذًا إزاء شخص يعاني، منقادين بشوق لاستجلاء مكنون معاناته.

"ترقب تاريخ اليوم من فوق نتيجة ورقة الحائط، اليوم الذكرى الرابعة لمقتل ابنه الوحيد" هذه المأساة التي تنكشف أمامنا هنا تعيدنا لبداية النص وملاحظة ( النقاط ... ) الدالة على أمر ما يطول شرحه.. هنا نلمس ما لاقاه هذا الرجل طوال أربع سنوات..

ثم هانحن ننتقل على إثر جمل فعلية قصيرة نعايشه يومياته: حيث " صدره الضيق" "تلاوم مع زوجته" "علا صوتهما" "حاولت تهدئته" "لم تفتر ثورته" "تركت له المكان".. ذاك نمط حياته الحالية مع شريكته.. أضحى الأمر روتينا معتادا، إيقاع حياتهما يمضي على وتيرة مشابهة مُذْ فقدا وحيدهما.. لكن؛

اليوم شيء آخر.. "صعدت إلى طيورها فوق السطح تطعمهم" وبهذا الصعود تتضح الحقيقة الغائبة بـ(صرخة)، وكأن ظهور الحقيقة مرتبط بالصعود لأعلى -لا أعرف إن كان الأمر مقصودا- يصعد على إثرها لنجدتها، هذه الصرخة هي لحظة التنوير.. وللحظة التنوير هذه حكاية أخرى في نص الأستاذ عثمان.

هي تلك اللحظة التي تبنى عليها وبها ولأجلها الروايات الطويلة في محاولة لإيصال القارئ لتذوق متعة الوصول إليها، لحظة فارقة تحمل القارئ من ظلمات الغموض والتشويق لبراح استجلاء الحقيقة المدهشة.. هذه اللحظة - وإن قست - تظل أخف وطأة من سهد ليالي انتظار مجيئها.. لحظة تظهر جنبات الحقيقة الغائبة جلية واضحة وإن كانت صادمة فمهما آلمتنا الحقيقة يبقى غموضها وخفاؤها أشد ألما.. وبرغم معرفة الحقيقة الغائبة هنا في نص أستاذنا وكونها لن تنهي وجعهما إلا أنها أطفأت نيران هذا الأب المستعرة في صدره من سنين ولكن بمزيد من (البنزين) بعدما: "تأكد أنه المذنب"..

إذا كنا نقول دائما إن النص ابن بيئته وإن التحليق للعالمية يتم غالبا بالإغراق في المحلية واستخدام أجنحتها لهذا التحليق فهذا النص نموذج صريح واضح على ذلك لما فيه مفردات البيئة المصرية وقد أحسن حين وظّف { } كعلامة ترقيم لها : {نتيجة الحائط} أي التقويم، {المندرة} أي الاستقبال الديوانية المجلس غرفة الخطار أو الضيوف، {الطوف} أظنها أقراص الطين أو الروث في الريف تجفف كحمية للتنور، {طربة حشيش , ومسدس ميرى عيار تسعة ملي}.

كل ذلك في قرية بالريف أو الجنوب - الصعيد - (مكان) صباح جديد يهل، يتسلل يرش الندى يوزعه على الأرجاء (زمان) .. تسري نسائمه تختلط برودتها مع حر نار صدر مكلوم تخفف شيئا من حمل ثقيل يجثم عليه يخنقه .. وأي حمل " ثأر" ولمن ؟ لوحيده! بتلك الأنفاس ومعها يتعايش (لا يعيش) بطلنا وزوجته (شخصيات) يصلنا بجملتين إحساسها.

هو الثأر إذًا، وما يخلفه من صراع نفسي اجتماعي إنساني متداخل.. وأي ثأر ذاك المحرق؟ وعند مَنْ حقه؟ وممن سيثأر ليشفى؟ من الدولة؟ - مطاردة أمنية - إننا أمام شخصية مركبة المعاناة، والعقدة مستمرة مستدامة مرسومة ببراعة أشركنا الكاتب معاناته اليومية من خلال - النتيجة على الحائط -

لا يخفى على أحد أن الشخص الموكل إليه أخذ الثأر (حالة) تستحق الدراسة المتأنية من المتخصصين؛ للضعف الذي ألم به بسقوطه في دوامة معاناة من ناحيتين في ظني: فقد الحبيب وما يخلف من ألم الفراق – بالقتل – والثانية تلك النار التي تأكله كل حين وجسمه حطبها.. كما أن الشخص المطارد للأخذ بالثأر منه (حالة أخرى) تستحق الإشفاق لما يعيشه من هاجس خوف يومي يطارده في نومه قبل صحوه وتلفته كل لحظة حول نفسه فزعا - يحسب كل صيحة عليه - وكما يعد الأول الأيام عدا ومَنْ خلفه من بشر ينتظرون شفاء الصدور.. يعد الثاني أيامه بل ساعاته ويرضى بان مر يومه مجرد انه مر ولا زال يحيى..

مأساة إنسانية حقيقة تستوجب التعامل مع شخوصها بحذر وتعاطف فجميع أطرافها بحاجة - رغم كمّ الحقد - ليدٍّ تهدهد ونفوس تطبطب و كبار يداوون ما استطاعوا، تحتاج لحلول مجتمعية ولا أظنها ستختفي -تلك الطاهرة- بسهولة من عصب حياة البشر منذ طوعت له نفسه - الجريمة الأولى للقتل على هذه الأرض -

النص صيغ ببراعة فتسلسل الأحداث مبدوء أصلا (بالذروة) وسياق النص جزء منها، أي أن الصراع موجود أصلا يحياه الشخصيتان ويفتك بيوميات مشحونة لزوجين يجتران ذكرى الألم.. يسلمنا المشهد بسلاسة (للحل)، حل العقدة التي طالت لسنوات.. والحل قريب بداخل الدار المشتعلة حقدا.. في موضع تطؤه يوميا قدما الأم وفيه إطفاء لنارها ولا تعلم!

وددت لو انتهى النص "تأكد جرم ابنه" بدلا من "تأكد أنه المذنب" ؛ أمنًا للبس.. قد يوحي الضمير بأنه يعود على أقرب مذكور (الأب).

بقيت كلمة.. نص باذخ لقامة وقيمة كبيرة يدعو للتأمل والوقوف على عتبات حروفه تحية للأستاذ عثمان عمر الشال.

*كاتب وناقد من مصر
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف