قراءة أدبية لكتاب الأديب جمعة السمّان " أغرب زواج " ، بقلم ،،انتصار عطية،،
همذاني عصر الواحد و العشرين ، أكادُ أرى في هذا الكتاب مقاماتٍ عصرية بنكهة أسلوبية مستجدة قليلاً تناسب الواقع المعاش .
بين أيدينا كتابٌ تعليميٌ يعالج قضايا اجتماعية و حياتية باتت مستشرية في عصر التطور و التكنولوجيا ، و كيف أثرت تلك على حياة الكثيرين لصبغهم بلونٍ عصري قاتمٍ و قاتلٍ للواقع، نقد لاذع لقضايا حياتية نحتاجه بكلِّ تفاصيله ، كما نلمس في هذه النصوص نقداً لعدة نماذجَ بشريةٍ ، ابتداءً من المسؤولية العليا إلى أدنى فرد في مجتمعاتنا العربية عامة و الفلسطينية خاصة و ذلك بطريقة قصصية جادة لا تشبه مقامات الهمذاني في هذا المنظور ، فقد بثها الهمذاني بطريقة الفكاهة و السخرية و اعتمد على السجع كلونٍ بديعيٍّ أساسي في مقاماته حيث كان لها راوٍ و بطلٍ واحد في معظمها ، أما مقامات السمان فقد عالجت بطريقة تعليمية تراجيدية ،و السجع فيها نزر يسير لا يكاد يبين براوٍ واحد مع تعدد دور البطولة ، لكن الهدف مشترك و الغرض مقصود و ملموس .
فالخوف من المجهول بعد النكبة و النزوح و تحول الحال من الجاه و السلطان إلى حياة الخيم و الشتات ليقطع على نفسه عهداً ذلك العريس أن لا يورث أبناءه هماً أصابه و لا قدراً باغته على حين غرة ، فيعزف عن الإنجاب و أطفال تملأ المكان بعبق البراءة و الجمال ليقوده ذلك العهد و الخوف من حنثه إلى جثة هامدة ممددة لا تجد ولداً يبكيها أو يواريها التراب إلا تلك الثمرة التي أينعت بحضن طليقته من زوج آخر، فالرضا بالقدر خيره و شره لا بدّ منه فالحياة تسير و أعمارنا تفنى ، إذن لنحياها بحلوها و مرها إيماناً وليس جحوداً و قطع الأمل فكان هذا سراب الأمل .
أما " صنارة صيد " فقد ركزت على تلك الأمور الخرافية المستشرية بشكل كبير في عصرنا و خرافات الدجالين و المشعوذين لتجعل من ذاك الإنسان هواجس تباغته و نوم يؤرقه ، وكأنّ الحياة حجابٌ و شعوذة ذلك الدجال لتغدو الحياة سوداء قاتمة خيمت ظلاماً دامساً على ذلك القلب الضعيف لتخلو من الرحمة قاتلاً تلك البومة و صغارها دون تردد لتصطاده صنارة القدر و يقبع داخل خيمة في فناء بيتٍ مهدوم .
ما أحلى الرجوع إلى فتنة العصر ، و الجلوس على مائدة عائلية خالية و مشاعر هاوية ، فقد فقدت الحياة العائلية مع ذاك الغازي و تلك الشاشة التي تأخذنا إلى عوالم تبهرنا و تشدو ألحاناً ليست من تقاليدنا ، ليقبع الزوج داخل حاسوبه لا يبرحه و شهوة مجالسته وكأنه حسناء ، أما تلك الزوجة فقد أبهرتها الثقافة الغازية و التقاليد العارمة بل قل العارية عن الأخلاق ، مسلسلها التركي و ذاك الهندي و مهند الذي فتن الصبايا الحسون جعلها تعيش في عوالم من وهم و قلوب مصطنعة وكأنّ الحياة باتت بالغزل و المكياج و موضة العصر الفتّان ، متناسية طفلها هي ، وهو غاب عن ذهنه أنه أب و مسؤول ، لتموت الحياة العائلية التي يرنو لها كلّ اثنان .
العلاقات خارج إطار الزواج الشرعي هي مجرد فتنة ومتعة ما تلبث أن تزول ، هذا ما اعتقده الشاب الذي فتنته تلك الفتاة ، ولا سيما أنه قد سمح لنفسه بعلاقة محرمة تنتهي برحم أثقله جنين ، و عقدُ زواجٍ ليس له دليل شريف ، فهذا هو الزواج و غرابته ، إن عرف الأب الهمام ، لكن تراه ماذا سيحدث لتلك الصبية التي سلمت عرضها و شرفها لقمة رخيصة و طعام قبيح ، أَ تتخلص من هذا العار برميه في قمامة المدينة ، أو على درجات أحد المساجد ، هنا أين الرقابة الأبوية لتلك الفتاة و ذلك الشاب ؟!!
" هدية زواج " ، هنا يلقي الضوء على علاقات زوجية شرعية و لكنها مفسّخة لا ترابط فيها ، كمهة لا بهارات و ألوان تزينها ، فالغزل للمرأة و الكلام الجميل من الزوج مثل البهارات للطعام لا يستقيمُ مذاقه إلا بها ، و لا تحلو الحياة دون مداعبة الأنثى بأجمل العبارات و إلا ستغدو الحياة مريرة و الانفصال محتوم .
" أسطورة " ، أكادُ أجزمُ بروعة هذا النص ، ففيه يعالج الكاتب قضية فشت و انتشرت بين البشر ، خداع زخارف الحياة و بهارجها الزائلة و الانبهار بدنيا باطلة ، وعيون لامعة ، يبيع البلد و الأهل و الولد من أجل حفنة جمال ليست بباقية مهما غرتك محاسنها " زوان بلدك و لا قمح الغريب " .
" أصدقاء الليل " رسم القاص صورة فنية واقعية تمور بالحركة و الحياة المرعبة المخيفة في ظل أعقاب حرب أهلية ، و كيف يودي ذاك النزاع و الشقاق بحياة الأهل و الخلان ، و وينبت على القبور ميراث إنسان حقود يلعب بالدم و يقتل و يستبيح ما يريد من أجل مطمع لابدّ حتماً زواله .
ردُّ الجميل بالإهانة و التحقير و الطرد اللئيم عالجه نص " أنتِ لست أمي " ليبين لنا القاص حقيقة كونية ألا و هي : " الأم هي التي تربي لا التي تلد " .
كما عالج الكاتبُ هجرة الشباب الفلسطيني من أجل لقمة العيش و أملٍ بحياة أفضل لأصحاب الكفاءات حيث تحتضنهم تلك البلاد ، العمل أفضل و الراتب مغرٍ ، لتبتلعهم بلاد الغربة وتحتل مساحة كبيرة من عقولهم ، تنسيهم أمهاتهم و من ضحوْا من أجلهم ، وهذا سببه عدم احتضان الدولة لتلك العقول و توفير فرص عمل لهم تغنيهم عن هجرة بلادهم .
من خلال أقصوصة " كسب معركة وخسر زوجة " نقد نموذجٍ حياتي مهم ، و مرة أخرى شهوة المرأة للاهتمام و الدلال التي تغيب عن بال الرجل الزوج وكيف يمكن للعمل و حياة الجندية و غيرها من الأعمال التي تصبغ الرجل بقسوة التعامل و خشونة الحياة التأثيرَ في العلاقات الزوجية لينقلب البيت الدافي إلى معسكر حربي تهرب منه الزوجة .
نجح القاص ببراعة بالتأثير في قارئه عندما أغرقت عيونه العبرات من خلال " دمعة ندم " هذا النص الذي يحمل بؤس و قساوة الحياة ، حيث تسللت تلك الدمعة من مكمنها لتسيل برفق على تلك السيدة المحتاجة التي أوعزتها الحياة ، إلى السؤال و طلب المعونة لذاك الزوج المريض و الأطفال الجياع فذل الحياة وعدم اهتمام الجهات المعنية في الدولة و المجتمع لتلك الفئة المحتاجة من الناس ، فهناك من يكرمها و يحتسبه عند الله ، ومنهم من يزجرها و يهينها بحجة الكذب و النصب و الاحتيال .
إذن هنا عالج الكاتب قضيتين مهمتين :
* إهمال الدولة و الجهات المختصة لتلك الفئة .
*يجب عدم إصدار الأحكام على الناس جزافا دون تثبت من الحقيقة .
" أصبح الفقر حلما" ركز الكاتب على قضية مهمة جدا و هي الرضا بالحال و القناعة ، حيث أشار إلى حالين متناقضين بين حياة الرفاهية و العز و بين حياة البؤس و الفقر و الشقاء ، فلا غني سعيد برفاهيته و لا فقير قناعته بفقره سرمدية ، فهو يريد أن يعلمنا ، أن الرضا بالحال و القناعة بما هو متاح هي أجمل حياة .
المجتمع العربي مجتمع ذكوري بالفطرة و المرأة مكبوتة لا يحق لها حتى الجدال ، هذا ما أراد أن يوصله لنا القاص من خلال نص " متى ينفجر البركان " . كما بين أن الإصرار و الإرادة تعمل المستحيل ، هذه المرأة المضطهدة عند زوجها ، المغلوبة على أمرها ، تمردت على ذكورية والدها لتصرخ بأعلى صوتها : لا أريد حياة العبودية و الذل و الإهانة بل أريد الحياة بكرامة . المرأة قديسة الحياة ، إن أرادت فعلت و إن تمردت قتلت ، و إن طلبت نجاحا وصلت ....
أذهلتني حكمة السمان في أقصوصة " عتاب " و اللغة الحوارية التي أجراها على لسان العجوز الصياد و البحر ، فقد اختتم بحكمة لعلنا نتعظ و نوعظ بها ، لا تنكر الجميل فالزمن يمر و يرخي جدائله العليلة على أجسادنا فترهقها ...
أراد السمان أن يعلمنا درسا في غاية الدهشة من خلال قصة الأمير عاصي الذي ترعرع بين الذئاب و شراستها و غدرها ، و بين الأمير رشاد حيث شبّ في دهاليز دهاء الثعالب و حكمتها ، ألا و هو :
( لا تعبث بأنياب الذئاب و مخالبها فمهما حاولت قصها و تهذيبها لن تأمن غدرها ستنمو و تنهش لحمك ذات يوم ، من و لد وفي فيه لقمة غدر لا تتأمل منه إخلاصا و لا وفاء ) .
جمعة السمان ، أتقن رسم صورته الفنية التي رأيت فيها روحي في نصه " غفت عيون القمر " حيث يقول : صفحة 72 ..فهنا نرى نورا و شقاء ، عتمة وظلاماً ، وغياب القمر يذهب براءة الطفولة و يقتل الأمان ..ذاك القمر البعيد بعلوه و شموخه تنتظره عيون طفلة لا تريد أن تغفو قبل قدومه وهذه هي الحياة ننتظر و ننتظر النور لحياتنا و لكن ليس من طبع الليالي الأمان .
وهكذا يسهب قاصنا بمعالجة الكثير من قضايا المجتمع التي باتت تؤرق أمنه و تزعزع طمأنينته و سكينته من قضايا الرزق و الحاجة و العدو العائلي الفيسبوكي و العلاقات المشبوهة خلف تلك الشاشات ...
منهياً نصوصه بتمجيد غزة ، و أهلها و أطفالها ، هي شامخة عزيزة لا تذلها الخطوب ، صامدة و بركان ثائر و رجالها صناديد و طفلها رعديد .
أبدع الكاتب في وصف و علاج كل حالة بحنكة و إيجاز ، لكنه كان الأحرى به و الأولى عدم ضم الجزء الأخير من الكتاب إلى هذه المقامات ، فالموضوع مختلف و الأسلوب لا يشبهها و الهدف لا صلة بينه و بين الأجزاء الأخرى ، كما تخلل الكتاب بعض الأخطاء الإملائية و خاصة الخلط بين همزة القطع و الوصل و كان الأجدر تجنبها .
السمات الفنية لأسلوب الكاتب :_
* أسلوب قصصي له راوٍ واحد و البطولة متنوعة .
* الهدف و الغرض تعليمي و إلقاء الضوء على بعض الآفات المنتشرة في العصر الحالي و قد نجح في ذلك .
*اللغة سلسة سليمة ليست معقدة مفهومة تخللها بعض الألفاظ الجزلة لكن السياق وضحها .
* اللغة الحوارية أتقنها ببراعة ، فاستخدم نوعي الحوار ديالوج خارجي و مانالوج داخلي .
* الصور الفنية كانت غاية في الجمال ومعظمها حيوية تعبر عن مدلولها .
* استخدم بعض المحسنات البديعية و قليل من السجع .
* عناصره القصصية مستوفاة ، أجاد القاص توظيف كلّ منها بمكانه .
24/3/2015 ميلادي
،،انتصار عطية،،
همذاني عصر الواحد و العشرين ، أكادُ أرى في هذا الكتاب مقاماتٍ عصرية بنكهة أسلوبية مستجدة قليلاً تناسب الواقع المعاش .
بين أيدينا كتابٌ تعليميٌ يعالج قضايا اجتماعية و حياتية باتت مستشرية في عصر التطور و التكنولوجيا ، و كيف أثرت تلك على حياة الكثيرين لصبغهم بلونٍ عصري قاتمٍ و قاتلٍ للواقع، نقد لاذع لقضايا حياتية نحتاجه بكلِّ تفاصيله ، كما نلمس في هذه النصوص نقداً لعدة نماذجَ بشريةٍ ، ابتداءً من المسؤولية العليا إلى أدنى فرد في مجتمعاتنا العربية عامة و الفلسطينية خاصة و ذلك بطريقة قصصية جادة لا تشبه مقامات الهمذاني في هذا المنظور ، فقد بثها الهمذاني بطريقة الفكاهة و السخرية و اعتمد على السجع كلونٍ بديعيٍّ أساسي في مقاماته حيث كان لها راوٍ و بطلٍ واحد في معظمها ، أما مقامات السمان فقد عالجت بطريقة تعليمية تراجيدية ،و السجع فيها نزر يسير لا يكاد يبين براوٍ واحد مع تعدد دور البطولة ، لكن الهدف مشترك و الغرض مقصود و ملموس .
فالخوف من المجهول بعد النكبة و النزوح و تحول الحال من الجاه و السلطان إلى حياة الخيم و الشتات ليقطع على نفسه عهداً ذلك العريس أن لا يورث أبناءه هماً أصابه و لا قدراً باغته على حين غرة ، فيعزف عن الإنجاب و أطفال تملأ المكان بعبق البراءة و الجمال ليقوده ذلك العهد و الخوف من حنثه إلى جثة هامدة ممددة لا تجد ولداً يبكيها أو يواريها التراب إلا تلك الثمرة التي أينعت بحضن طليقته من زوج آخر، فالرضا بالقدر خيره و شره لا بدّ منه فالحياة تسير و أعمارنا تفنى ، إذن لنحياها بحلوها و مرها إيماناً وليس جحوداً و قطع الأمل فكان هذا سراب الأمل .
أما " صنارة صيد " فقد ركزت على تلك الأمور الخرافية المستشرية بشكل كبير في عصرنا و خرافات الدجالين و المشعوذين لتجعل من ذاك الإنسان هواجس تباغته و نوم يؤرقه ، وكأنّ الحياة حجابٌ و شعوذة ذلك الدجال لتغدو الحياة سوداء قاتمة خيمت ظلاماً دامساً على ذلك القلب الضعيف لتخلو من الرحمة قاتلاً تلك البومة و صغارها دون تردد لتصطاده صنارة القدر و يقبع داخل خيمة في فناء بيتٍ مهدوم .
ما أحلى الرجوع إلى فتنة العصر ، و الجلوس على مائدة عائلية خالية و مشاعر هاوية ، فقد فقدت الحياة العائلية مع ذاك الغازي و تلك الشاشة التي تأخذنا إلى عوالم تبهرنا و تشدو ألحاناً ليست من تقاليدنا ، ليقبع الزوج داخل حاسوبه لا يبرحه و شهوة مجالسته وكأنه حسناء ، أما تلك الزوجة فقد أبهرتها الثقافة الغازية و التقاليد العارمة بل قل العارية عن الأخلاق ، مسلسلها التركي و ذاك الهندي و مهند الذي فتن الصبايا الحسون جعلها تعيش في عوالم من وهم و قلوب مصطنعة وكأنّ الحياة باتت بالغزل و المكياج و موضة العصر الفتّان ، متناسية طفلها هي ، وهو غاب عن ذهنه أنه أب و مسؤول ، لتموت الحياة العائلية التي يرنو لها كلّ اثنان .
العلاقات خارج إطار الزواج الشرعي هي مجرد فتنة ومتعة ما تلبث أن تزول ، هذا ما اعتقده الشاب الذي فتنته تلك الفتاة ، ولا سيما أنه قد سمح لنفسه بعلاقة محرمة تنتهي برحم أثقله جنين ، و عقدُ زواجٍ ليس له دليل شريف ، فهذا هو الزواج و غرابته ، إن عرف الأب الهمام ، لكن تراه ماذا سيحدث لتلك الصبية التي سلمت عرضها و شرفها لقمة رخيصة و طعام قبيح ، أَ تتخلص من هذا العار برميه في قمامة المدينة ، أو على درجات أحد المساجد ، هنا أين الرقابة الأبوية لتلك الفتاة و ذلك الشاب ؟!!
" هدية زواج " ، هنا يلقي الضوء على علاقات زوجية شرعية و لكنها مفسّخة لا ترابط فيها ، كمهة لا بهارات و ألوان تزينها ، فالغزل للمرأة و الكلام الجميل من الزوج مثل البهارات للطعام لا يستقيمُ مذاقه إلا بها ، و لا تحلو الحياة دون مداعبة الأنثى بأجمل العبارات و إلا ستغدو الحياة مريرة و الانفصال محتوم .
" أسطورة " ، أكادُ أجزمُ بروعة هذا النص ، ففيه يعالج الكاتب قضية فشت و انتشرت بين البشر ، خداع زخارف الحياة و بهارجها الزائلة و الانبهار بدنيا باطلة ، وعيون لامعة ، يبيع البلد و الأهل و الولد من أجل حفنة جمال ليست بباقية مهما غرتك محاسنها " زوان بلدك و لا قمح الغريب " .
" أصدقاء الليل " رسم القاص صورة فنية واقعية تمور بالحركة و الحياة المرعبة المخيفة في ظل أعقاب حرب أهلية ، و كيف يودي ذاك النزاع و الشقاق بحياة الأهل و الخلان ، و وينبت على القبور ميراث إنسان حقود يلعب بالدم و يقتل و يستبيح ما يريد من أجل مطمع لابدّ حتماً زواله .
ردُّ الجميل بالإهانة و التحقير و الطرد اللئيم عالجه نص " أنتِ لست أمي " ليبين لنا القاص حقيقة كونية ألا و هي : " الأم هي التي تربي لا التي تلد " .
كما عالج الكاتبُ هجرة الشباب الفلسطيني من أجل لقمة العيش و أملٍ بحياة أفضل لأصحاب الكفاءات حيث تحتضنهم تلك البلاد ، العمل أفضل و الراتب مغرٍ ، لتبتلعهم بلاد الغربة وتحتل مساحة كبيرة من عقولهم ، تنسيهم أمهاتهم و من ضحوْا من أجلهم ، وهذا سببه عدم احتضان الدولة لتلك العقول و توفير فرص عمل لهم تغنيهم عن هجرة بلادهم .
من خلال أقصوصة " كسب معركة وخسر زوجة " نقد نموذجٍ حياتي مهم ، و مرة أخرى شهوة المرأة للاهتمام و الدلال التي تغيب عن بال الرجل الزوج وكيف يمكن للعمل و حياة الجندية و غيرها من الأعمال التي تصبغ الرجل بقسوة التعامل و خشونة الحياة التأثيرَ في العلاقات الزوجية لينقلب البيت الدافي إلى معسكر حربي تهرب منه الزوجة .
نجح القاص ببراعة بالتأثير في قارئه عندما أغرقت عيونه العبرات من خلال " دمعة ندم " هذا النص الذي يحمل بؤس و قساوة الحياة ، حيث تسللت تلك الدمعة من مكمنها لتسيل برفق على تلك السيدة المحتاجة التي أوعزتها الحياة ، إلى السؤال و طلب المعونة لذاك الزوج المريض و الأطفال الجياع فذل الحياة وعدم اهتمام الجهات المعنية في الدولة و المجتمع لتلك الفئة المحتاجة من الناس ، فهناك من يكرمها و يحتسبه عند الله ، ومنهم من يزجرها و يهينها بحجة الكذب و النصب و الاحتيال .
إذن هنا عالج الكاتب قضيتين مهمتين :
* إهمال الدولة و الجهات المختصة لتلك الفئة .
*يجب عدم إصدار الأحكام على الناس جزافا دون تثبت من الحقيقة .
" أصبح الفقر حلما" ركز الكاتب على قضية مهمة جدا و هي الرضا بالحال و القناعة ، حيث أشار إلى حالين متناقضين بين حياة الرفاهية و العز و بين حياة البؤس و الفقر و الشقاء ، فلا غني سعيد برفاهيته و لا فقير قناعته بفقره سرمدية ، فهو يريد أن يعلمنا ، أن الرضا بالحال و القناعة بما هو متاح هي أجمل حياة .
المجتمع العربي مجتمع ذكوري بالفطرة و المرأة مكبوتة لا يحق لها حتى الجدال ، هذا ما أراد أن يوصله لنا القاص من خلال نص " متى ينفجر البركان " . كما بين أن الإصرار و الإرادة تعمل المستحيل ، هذه المرأة المضطهدة عند زوجها ، المغلوبة على أمرها ، تمردت على ذكورية والدها لتصرخ بأعلى صوتها : لا أريد حياة العبودية و الذل و الإهانة بل أريد الحياة بكرامة . المرأة قديسة الحياة ، إن أرادت فعلت و إن تمردت قتلت ، و إن طلبت نجاحا وصلت ....
أذهلتني حكمة السمان في أقصوصة " عتاب " و اللغة الحوارية التي أجراها على لسان العجوز الصياد و البحر ، فقد اختتم بحكمة لعلنا نتعظ و نوعظ بها ، لا تنكر الجميل فالزمن يمر و يرخي جدائله العليلة على أجسادنا فترهقها ...
أراد السمان أن يعلمنا درسا في غاية الدهشة من خلال قصة الأمير عاصي الذي ترعرع بين الذئاب و شراستها و غدرها ، و بين الأمير رشاد حيث شبّ في دهاليز دهاء الثعالب و حكمتها ، ألا و هو :
( لا تعبث بأنياب الذئاب و مخالبها فمهما حاولت قصها و تهذيبها لن تأمن غدرها ستنمو و تنهش لحمك ذات يوم ، من و لد وفي فيه لقمة غدر لا تتأمل منه إخلاصا و لا وفاء ) .
جمعة السمان ، أتقن رسم صورته الفنية التي رأيت فيها روحي في نصه " غفت عيون القمر " حيث يقول : صفحة 72 ..فهنا نرى نورا و شقاء ، عتمة وظلاماً ، وغياب القمر يذهب براءة الطفولة و يقتل الأمان ..ذاك القمر البعيد بعلوه و شموخه تنتظره عيون طفلة لا تريد أن تغفو قبل قدومه وهذه هي الحياة ننتظر و ننتظر النور لحياتنا و لكن ليس من طبع الليالي الأمان .
وهكذا يسهب قاصنا بمعالجة الكثير من قضايا المجتمع التي باتت تؤرق أمنه و تزعزع طمأنينته و سكينته من قضايا الرزق و الحاجة و العدو العائلي الفيسبوكي و العلاقات المشبوهة خلف تلك الشاشات ...
منهياً نصوصه بتمجيد غزة ، و أهلها و أطفالها ، هي شامخة عزيزة لا تذلها الخطوب ، صامدة و بركان ثائر و رجالها صناديد و طفلها رعديد .
أبدع الكاتب في وصف و علاج كل حالة بحنكة و إيجاز ، لكنه كان الأحرى به و الأولى عدم ضم الجزء الأخير من الكتاب إلى هذه المقامات ، فالموضوع مختلف و الأسلوب لا يشبهها و الهدف لا صلة بينه و بين الأجزاء الأخرى ، كما تخلل الكتاب بعض الأخطاء الإملائية و خاصة الخلط بين همزة القطع و الوصل و كان الأجدر تجنبها .
السمات الفنية لأسلوب الكاتب :_
* أسلوب قصصي له راوٍ واحد و البطولة متنوعة .
* الهدف و الغرض تعليمي و إلقاء الضوء على بعض الآفات المنتشرة في العصر الحالي و قد نجح في ذلك .
*اللغة سلسة سليمة ليست معقدة مفهومة تخللها بعض الألفاظ الجزلة لكن السياق وضحها .
* اللغة الحوارية أتقنها ببراعة ، فاستخدم نوعي الحوار ديالوج خارجي و مانالوج داخلي .
* الصور الفنية كانت غاية في الجمال ومعظمها حيوية تعبر عن مدلولها .
* استخدم بعض المحسنات البديعية و قليل من السجع .
* عناصره القصصية مستوفاة ، أجاد القاص توظيف كلّ منها بمكانه .
24/3/2015 ميلادي
،،انتصار عطية،،