الأخبار
وفد حماس يغادر القاهرة للعودة برد مكتوب على المقترح الجديد لوقف إطلاق الناربلينكن: أمام حماس مقترح سخي جداً وآمل أن تتخذ القرار الصحيح سريعاًتضامناً مع فلسطين.. احتجاجات الجامعات الأميركية تتسع وسط مخاوف إلغاء مراسم التخرجتل أبيب تستعد لإصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين كبارإعلام إسرائيلي: 30 جندياً في الاحتياط يرفضون الاستعداد لاجتياح رفحقناة كان: القيادة الإسرائيلية منقسمة بشأن مستقبل الحرب في غزةارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيا
2024/4/30
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

البنات وكتابة الجسد بقلم: السيد الهبيان

تاريخ النشر : 2015-03-06
البنات وكتابة الجسد
السيد الهبيان
عندما شرعت المرأة فى مشاركة الرجل فى مجال الكتابة اإبداعية..بدأت على استحياء وهى تعلن عن نفسها ككاتبة..ثم أرادت بعد ذلك أن تثبت قدرتها على مضارعة الرجل فيما كان يبدو وقفا عليه.. دون أن تتعرض لما يخص جسدها..باعتباره من خصوصياتها التى لايجب أن تكشف عنها ..أو تعرضه لعيون تهوى تعريته.. لكنها مالبثت أن تخلت عن حذرها ..واستباحته لنفسها.. على أساس أنها الأقدر من الرجل على التعبير عن ذاتها واحاسيسها.
وقد اتسم ذلك الفعل من المرأة فى حينه ..وسعدت هى بصفة التحرر التى لازمته ..فتخلصت من حالات الخجل التى تمنعها عن الكشف عن داخلها..وقدمت دونما استحياء ما كان يجب أنة تنأى عنه.. متذرعة بحقها فى حرية التعبير مثل الرجل..لتضفى على تجربتها الإبداعية صدقها..ووجدت فى ذلك الخلاص من قيد المحظورات التى كانت مفروضة عليها سلفا.. ونتج عن ذلك أن تطاولت أسماء الكاتبات ممن انهجن هذا النهج.. بعد أن استحالة صفة التحرر إلى معبر سهل..اجتازته الكثيرات بقصد لفت الانتباه إليهن.. وكأن فى اختيارهن للنهج الشكلى للسابقات لهن ..مايكفى لجذب الأضواء إليهن.. وكسب المساعدات التى تقدم لهن فى مجالات النشر..مايزيد من حدة التنافس بينهن.. فبدون وكأنهن فى سباق يسعين للفوزفيه.
وتشجيعا لتلك الظاهرة قدمت مجلة "إبداع"المصرية عددا خاص لمجموعة من الكاتبات المصريات ..قدمت من خلاله لكل منهن قصة قصيرة تحت مسمى "البنات يكتبن باجسادهن"..وتناول ذلك السيد رئيس تحرير المجلة فى الافتتاحية التى كتبها تحت عنوان"الجسد يكتب نفسه"..ذكر فيها أن الكتابة فعل من أفعال التحرر ..يتضاعف بالنسبة للمرأة ..لكونها "طقس تتحرر به من قيودها الداخلية والخارجية ..المرئية واللامرئية".. وأن الثقافة فى العصور الماضية ..قامت على القهر والتمييز..وأنكرت على المرأة قدرتها على التعقل والإبداع..باعتبارها فى نظرها جسد فقط..من الممكن أن يكون مادة لأى شكل من أشكال الفن.. لكن من المحظور أن يصبح الجسد كلاما أو كتابة.. وفى الآداب الرفيعة الكثير مما يحتقر الجسد.. وغير مسموح للجسد فى العمل الأدبى ..أن يتحدث عن نفسه كمبدأ أخلاقى بالنسبة للمرأة..لأنها إذا كتبت جسدها ..كتبت نفسها..ولا يتاح ذلك إلا للموهبة المبدعة ..التى عندما تكتب..تسقط من خيالها وذاكرتها ..كل ميراثها العبودى..وكأن جسدها ذاته هو الذى يفكر ويكتب نفسه .. أما المرأة التى تقلد كتابة الرجال.. فإنها تهدر موهبتها..وتشهد ضد جسدها ونفسها.. وقد استبعد مثيلاتها من هذا العدد ..الذى خصصه للبنات اللاتى يكتبن بأجسادهن.
وتناول الأستاذ/"حسن طلب" فى تقديمه لقصص البنات ..أن القصد المقصود "هو الجسد الذى يؤسس لعلاقة معرفية جديدة بالكون والأشياء والذات .. واستشهد على ذلك بقصص بعض الكتابات ..وما بدا فيها من رؤيتهن للجسد.. وذكر أن التجربة الوجودية تكمن وراء النصوص الجريئة ..لمن ينتمين إلى ثقافة تنظر إلى جسد المرأة على أنه خطيئتها الكبرى...لاتتبرأ منها إلا بقمع جسدها..أو التمرد على هذه الثقافة ..وهو مافعلته أغلب الكاتبات من خلال نصوص ليست على مستوى واحد من النضج فى الرؤية والصياغة الفنية ..تم تقديمها وفقا للترتيب الأبجدى ..رغم مافيه من ظلم للكاتبات الناضجات.
ووفق السابق يتأكد تحديد المسار للقصص المنشورة وكاتباتها..اللاتى تحدين القوانين وحطمن الأغلال ..وحررن أجسادهن من القهر الوحشى ..فاستطعن تقديمها وفق رؤية بعيدة عن الرغبة..وتؤسس لعلاقة معرفية جديدة..وهو مايجب أن يوضع فى الحسبان ..حتى يمكن تجنب الوقوع فى شرك العنوان ..الذى بدا على غلاف المجلة ..وبالتالى يتعين تناولها من خلال ذلك المنظور ..للوقوف على مدى تحققه كفعل فى القصص التى كتبتها البنات..وتضمنها العدد..وهن:
"آمال عويضة".."آمال كمال".."أمينة زيدان".."رانية خلاف".."سحر الموجى".. "سناء محمد فرج".."سها النقاش".."عزة انور"..عفاف السيد".. "منار فتح الباب".."منال محمد السيد".."ميرال الطحاوى".."مى التلمسانى".. "نجلاء علام".." "نورا أمين"."
كل منهن كما يبدو انتقت أفضل قصة من قصصها القصيرة.. وشاركت بها فى هذا الجمع من قصص البنات ..آملة أن تحقق تميزا عن غيرها من الكاتبات من خلال الشكل أوالمضمون..أو كليهما معا..والذى يبديه هذ1 العرض لقصص هذا العدد.
جسد حمار.."تمرد فعصى فمات"..تسبب فى إصابة مرور مدينة القاهرة ..بجلطة.. شملت شوارعها..ابتداء من شارع فيصلا بالجيزة.. حيث سقط الحمار الصغبر .,.إلى نفق العروبة..مرورا بميادين الجيزة والتحرير ..وشوارع العتبة وعابدين والعباسية وروكسى.. كما توقفت بسببه الأوتوبيسات النهرية عن العمل.. ونتج عن ذلك سوء الأحوال الجوية ..فتم إغلاق ممرات ميناء القاهرة الجوى..وهرع سكان حديقة الحيوانات إلى مخابئهم.. وتأفف سكان الأبراج المطلة على النيل..ونمت لافتات الشجب والإدانة..وتقافز شباب الجماعات الإسلامية..والأحزاب ..يلقون بأوراق بيضاء على الجالسين داخل السيارات..وسكتت التليفونات ..وتوقفت الكهرباء.. وأصبح النيل المورد الوحيد للمياه.. لكنه توقف عن الجريان أعواما كاملة حدادا على الحمار..وتوقف كل شىء"حتى القلوب عن ضخ الدماء".. وبقى الوضع كذلك لقرون طويلة ..إلى أن هجمت عاصفة جائعة..أكلت الميادين ..والأبراج السكنية..والناس.. عدا فتاة تزوجت من فتاها..وأنجبا أطفالا.. أتى منهم علما آثار..وجيولوجيا.. بعد ملايين الأعوام ..للبحث عن حفريات الحمار.. الذى جلب اللعنة على المدينة ..التى كانت تستمد بهجتها من "ثرثرة سكانها المتبلدين.. وتحيا على زفير أنوفهم الفاسد".
ذلك ماعرضت له "آمال عويضه" فى قصتها "هواء فاسد ولعنة تقتفى الأثر".. من خلال بطلتها التى تابعت كل ذلك من نافذة أوتوبيس..حاربت من أجل الحصول على كرسى فيه ..وهى تعانى من عرق يوليو اللزج ..الذى كانت تمسح قطراته من تحت الحجاب.. وشاهدت سعادة الأطفال البلهاء..ومرحهم دون مبرر.. وعائلة بأكملها ..بدا الضيق على الأب..بينما البنات يتضاحكن مع أمهن.. وغافلتهن الصغيرة ..وغمزت بعينها لطالب ..ثم نزلت واستلمت منه شيئا.. فابتسمت لجرأتها..ورومانسية الفتى.
أما "سناء فرج" ..فقد انطلقت نظرات بطلة قصتها "اللهب المتصاعد" من النافذة ..لتصف ماحدث بالمدينة بفعل الحرب.. فى لحظة اختلطت فيها أصوات صفارات الإنذار فوق أجراس الكنيسة.. ومآذن المساجد..وصياح الديوك..ودوى المدافع..وصرخات طفلة على مائدة الختان..وعروس انفضت بكارتها ..ووليد جرى بثدى أمه التى أصبحت مشيمة فى منور بيت قديم.. واستمرت تقاوم لهب النار من الصعود إليها..وبحثت عن مكان آمن ..تختبىء فيه..بعد أن دفعت عنها الخزف ..والاستسلام والنور.. ونزعت عنها ردائها الذى احترق ..ومضت من خلال اللاوعى..وأطياف الرؤى.. تعود إلى بدايتها.. فدفعت كباس الموقد حتى لايغيب صوته عنها..وابدت للعالم ماحل بالمدينة ..ثم تراءت لها الروح التى انفصلت عن الجسد ..تتخطى الموانع إلى أن تعود إليه.."تتلمسه وتجذب يديه فوق المدفع وتجرى".
ومن خلال اللاوعى لامرأة قدمتها"آمال كمال" فى قصتها "مسافة بين الأبيض والأزرق"..تبدو وهى تسترجع لحظة ميلادها ..وفترة شبابها.. وما واجهته فى حياتها ..وعندما تهيأت ليوم الحساب ..تركها الجميع ..ووجدت نفسها وحيدة.. تحمل لوحها الأسود ..لكنها منت نفسها بلقاء الأحباب..وحاولت التغلب على الموت فى خيالها..لتعود إلى بيتها..وتعيش فيه بدايتها من جديد.
ومن خلال اللاوعى ايضا ..قدمت"عفاف السيد" بطلة قصتها "دوائر مفرغة".. وهى على سلم المعراج صاعدة بروحها إلى السماء..ووجدت نفسها مذعورة ..عبر سماوات موغلة فى العذاب..جزاء كذبها المستمر على أمها.. وممارستها له وهى على مشارف السماء الأولى.. ويتماثل لها أستاذها الذى يضربها ..و"تعيش محصورة بين ادعاءات عشقه".. وحبيبها الذى ينشر قصائده فى روحها.. ولم يف بوعده لها وهو يزيح بكارتهخا..ويستبيح جسدها..وقد سحق روحها متعمدا ..وأرغمها على الانزواء..وخلال رحلة معراجها ..تحكى عن بطولات زائفة..ودمها الذى سال فى حصة الأحياء..وترى أن النساء لن يحضن..ولن يكذبن ..وهن معلقات ..وتدرك أنها لن تمر بالسماء الأولى ..التى تعرج فيها النساء..ويكشفن النهود ويصرخن ..بينما الرجال الكاذبين ..يتطئون على الأرائك وحدهم..وهى محصورة بين سماءين بلا مبرر..تبكى فى حضن حبيبها ..وتنثنى تحت الدرج تخبىء أوردتها عن الأستاذ..وتقرأ قصار السور ..وتغمض عينيها قبلها وتكذب..لكنها انزوى بين القصائد ..وتمدد حبيبها بين الحور..ولم يتلق جسدها المنهوب.. فتداعت بأثر رجعى ..وجف دمها على حواف السماوات .. وانغلقت صمامات قلبها.. وتشظى روحها بين الحنين والفقد ..فلا يكتب حبيبها القصائد..ولا يستطيع أن يلملم جسدها الذى تناثر بين الأموات.
وامرأة فى لحظة احتضار..قدمتها " أمينة زيدان" فى قصتها "ولد وبنت".. ترى فى حلمها جفاف النهر..والمراكب الصغيرة مصفدة بالعجز.. وسط فراغات تملأها الطحالب..وكتل الصدأ.. ولا يهتم الإبن والإبنة بما تقوله ..ويظنان أنها تعيش هلاوس موت.. وترغب فى خراب العالم قبل رحيلها..فغامت رغبتها فى نظرة أخيرة ..عبر النافذة ..وماتت صامتة.. وتعيش الفتاة بعدها وهى تمارس الغواية مع فتاها..وتشارك صديقتها تعاطى المخدرات..وشرب الخمر.. وتفعل مع فتاها كل شىء ..دون أن تفقد عذريتها.. وفى لحظات إفاقتها ..تبكى قسوة أبيها المسافر..الذى كان يبث الخوف فى نفوس الجميع ..و "يقول أنه يخاف الله".. وتمضى فى عبثها مع فتاها ..وهى تنتظر عودة الأب الذى فاته دفن الأم.
وقدمت "مى التلمسانى" فى قصتها "لعبة الموت" أربعة رجال يمارسون لعبة الموت..مع صديق بطلة القصة.. ويتماثل لها ما يعانيه من خلال ما يحدث لها .. وانتظاره نهاية تلك اللعبة ..وتحثه على أن يظل يتذكر أنه مازال حيا.. وتتمنى ان يكون مثل"لاكى لوك" أحد ابطال القصص المصورة..التى قرأتها وهى فى الثانية عشر من عمرها..فلا يستسلم لفتيان الكايبوى..ويقهرهم ..فلا يجرؤ أحد منهم على إيذائه..أو الاقتراب من فتاته أثناء سفره.. ولا يدفع حساب الفندق..وتؤكد أنها مازالت تتذكر هذه القصص.. كما تذكر ليلة حب عاشتها منذ مايقرب من عام.. وترى أنها تستطيع صنع ليلة مثلها..وتنتظر حلما آخر..وتنجب بنت أيضا وكيف تسميها.. وتتهيأ لذلك ..وخلال لحظات اللقاء بزوجها..يتماثل لها صديقها وهو يتهاوى.. ويحل به الموت.. فيبدو الانتظار لاطائل منه.
ست قصص بدا فيها الموت كفعل أساس.. وإن اختلفت صوره فى كل منها.. فالمؤكد أن كل كاتبة من الكاتبات الست..اختارته كهاجس حتى تبنى عليه مضمون قصتها.. لكن الشكل الذى بدا من خلاله ..حاد عنه كخصوصية رئيسية.وبإضافات نالت من النص..وبددت مساره.. فبدا بتفريعات متعددة أضعفته.
قد تكون "آمال عويضه" حاولت استخدام ماعرضت له فى قصتها "هواء فاسد ولعنة تقتفى الأثر".. بإسقاط رمزى على الفساد الذى استشرى بصورة لاتجعل الخلاص منه أملا قريبا..وهذا مجرد افتراض..لكنها تمادت فى اسنرسالها دونما رابط يمكن اعتماده كأساس.. جمع بين الحدث ..وهو سقوط الحمار وتعرضه للضرب والإيذاء حتى الموت..وبين البنت الصغيرة التى تزوجت من فتاها وأنجبا من سيبحثون عن حفرياته.
وقد تكون "أمينه زيدان"قد اعتمدت على موت الأم فى قصتها"ولد وبنت".. والإيحاء بقتامة المستقبل فى غياب الراعى المسئول..كما بدا فى نهاية القصة.. لكن بدا الحذر تمسك به كل من الفتى والفتاة ..مؤديا لمنحى آخر غير المقصود فى القصة.
وموت البطل فى قصة "لعبة الموت" بفعل الغلبة ..كما عرضت له "مى التلمسانى".. ربما تكون اعتمدت عليه كإسقاط للقهر.. لكنها أبدت ممارسة الجنس ..تماثل ماحدث لصديقتها.. ربما يتلاحظ أنها اغتصبت فى المرة الأولى..رغم أنها لم تحدد ذلك.. لكن الحال لم يتغير وهى مع زوجها.
أما بالنسبة لما قدمته "آمال كمال" فى قصتها" مسافة بين الأبيض والأزرق"..و"سناء محمد فرج" فى قصتها"اللهب المتصاعد"..و"عفاف السيد" فى قصتها "دوائر مفرغة".. فقد اعتمدن فى قصصهعن على اللآوعى..الذى عاشته بطلاتهن فى لحظات الاحتضار..ومن خلال ذلك الللاوعى ..تركن الحرية لأنفسهن فى ذكر ما يعن لهن..إلا لأن روح المقاومة ..والتأكيد على الاستمرار فيها..بدا كإيجابيةفى قصة"اللهب المتصاعد"..ومن الممكن أن يستقيم ذلك نتيجة لما ىحدث بالمدينة..من خراب بفعل الحرب التى وحدت بين الجميع.. وتقل عنها فى الدرجة إيجابية بطلة قصة " مسافة بين الأبيض والأزرق"..والتى تماثل لها ماكان سيكون فى انتظارها كما تركته دون تغيير.. وكأن الزمن قد تجمد عند اللحظة التى انفصلت فيها عن الواقع.. لكن أيا كان الأمر .. فيستحيل أن يستقيم الإسقاط الرمزى المبنى على بعد استخلص من حدث يماثله.. مالم يتواءم النص مع ماكان فى الواقع..وبدا ثمة وضوح فى الرؤية التى بنى على أساسها المضمون.
قد يتحقق ذلك إلى حد ما فى قصة "نجلاء علام" "الجياد "..التى كم يبدولم تهتم بوحدة المسار فى النص ..فجاء مضمون قصتها متأرجحا ..بين التركيز على الإحساس بالقهر كواقع معاش.. وبين الهزيمة كنتيجة حتمية للاندفاع دون النظر لواقع الخطر الذى لانجاة منه.
فقد رصدت كل ما أبدته فى النص ..من خلال الحصان بشكل متواز من خلال ثلاثية قصتها "حصان الطين..سباق..صهيل".. لكنها وازنت بين الحصان اللعبة الحلاوة..وبين الرجال الذين يعملون وهم يضعون العصابة على عيونهم.. فبدو مثل "جياد من الطين..تسير منهكة..وقد تلت رؤسها ..وغامت عيونها".. ثم انتقلت بنصها إلى رصد السباق ..والقدرة على التحكم فى القيادة..وانتهت إلى مرجعية تاريخية ..بدا من خلالها انفصال الحصان عن العربة ..ومحاولة مداراة هزيمته.. ومن ثم بدا السقوط الذى اعتمدت عليه فى الأساس .. وكما حددت فى البداية ..فاقدة للدلالة التى رمزت إليها.. بسبب عدم الالتزام بوحدة المسار فى النص السردى.
وقد تماثلها فى ذلك قصة "عزه أنور" "بيت العائلة" ..والتى قدمتها بشكل مباشر فيه الوضوح.. فالبطلة تعود إلى البيت القديم..وتحكى عن من يعيشون فيه.. العم الذى عاد من الحرب بإعاقة ..جعلته يعيش قعيد كرسيه ..يتأمل الحال الذى انتهى إليه.. والعمة التى شغلت سنين عمرها بماكينة الخياطة..والكلب عنتر الذى ينبح حال الخطر..والأم التى لم تنس طرد الجد للأب.. والمريض الذى يعيش بالمصحة..دون أن يفقد ابتسامته.. ووسط كل ذلك يبدو حلم البطلة بصراخ صفارة القطار ..الواقف فى فناء المحطة..وينطلق من بقعة ضوء..وسقوطها من البرج العالى..وجرجرة العيال لها عارية نحو الخرابة.. وتهاويها داخل عربة كجوال قديم..ولون أخضر..وبقرة معصوبة..وانطلاق عصفور..وحبها للمدينة الساحلية ..وأمواج البحر التى تحطم كل الحواجز..والساحل البادى من بعيد..وهى" نقطة صغيرة تتأرجح بين السماء والأرض".
ووسط حالة من حلم اليقظة..قدمت "رانية خلاف" بطلة قصتها" ثنائية".. إنها تبدو فى حركة دائبة وهى تحادث الرجل الذى لاتعرف أين هو.. ومتى سيجىء إذا كان سيأتى.. وذلك من خلال وصف مفصل لجسده وفق ما يتماثل لها.. ووفق ماتريد أن تفعله معه..لكنها اعتمدت فى نصها على استعارات لجمل تتفق وسياق المضمون الذى عرضت له.
كما خرجت بطلة قصة"بجعة الحلم تسعى إلى رجلها ..دون أن تتذكر أين ستجده..لقد قدمتها "سحر الموجى" من خلال حلم يقظة يجمعها به..رغم أنها تعتمد على عقلها فى توجيه دفة الأحداث..وهندسة مسارات العاطفة..ولاتجد بينها وبين امرأة عادية أية اختلا فات فى الملامح الغير جذابة..ولم تكن محط أنظار الرجال..بسبب طولها الشديد ..وقامتها الرياضية..التى تقارب هاماتهم..مما جعلها تكره جسدها ..والكعوب العالية.. لكن من أجله اهتمت بأن تذهب إليه مرتدية أحسن ثيابها.
وفى قصة "منار فتح الباب" "ثقوب الحرف".. تبدو البطلة أيضا وقد خرجت تبحث عن الرجل الذى عرفته..وافتقدته بعد مطاردة له..من قبل أصحاب اللحى السود.. ورغم أنها تعلم باغتياله ..إلا أنها تعيش هاجس العثور عليه.
وفى قصة "منال السيد" "مخاصمات" تتحرر بطلتها من قيود كانت مفروضة عليها..بحكم تواجد الرجل الذى كان يمنعها من ذلك .. ولم تقصر فى وصف فرحتها بذلك التحرر الذى بدا كواقع محتمل الحدوث..بعد أن تحدد موعد السفر وزمن الرحيل.زلكنها فى غمرة اهتمامها بالتركيز على الفكرة غاب عنها تحديد ذلك الرجل وصلته بالبطلة ومن ثم جاء التحرر المفاجىء بلا مقدمات.
وفدمت "نورا أمين" قصتها"دراما" عرضت من خلالها للعبة الرجل والمرأة.. فالبطلة تلاقت مع البطل الذى تماثل لها أنه يهواها كما تهواه.. ولأنها تعرف قواعد اللعبة فقد وصفت تطوراتها بالنسبة لها وله ..مثلما تتوقع حدوثها ..اللقاء ..التعارف..والحديث عن الحياة ..والرغبات الأكثر جنونا..لإعطاء الانطباع بكونها عذراء فاضلة.. وإذا ما بدا السام منهما..واستعصت عليها الرغبة ..كان الحديث عن الصداقة والتجربة ثم التضوج..ثم معاودة الكرة من جديد لإتقان اللعبة أكثر.. والتلاعب بالأجساد والرغبات..وبعد ذلك فتح الصدور للانكسار اليومى..والإحساس بالشيخوخة فى مقتبل العمر.. وقضاء الأمسيات فى التطاول على الدولة والنظام ..والأجيال االسابقة.. ومجارات صرخات العصر وتقليدها .. وتستمر اللعبة حتى تستنفد الأعمار ..وتحكى مغامرات الصبا والشباب على مقاعد الشيخوخة.. وتستخدم النبرات الحكيمة فى ختام اللعبة ..ومن ثم تريده ألا يقلق ..فستصبح هى وهو من الأبناء البارين جدا لهذا العصر.
وثمة لعبة أخرى بطلتها قصة "ميرال الطحاوى".."تعالى نلعب" وصديقتها..ابتداء من مشاركتها اللعب بالألعاب الصغيرة..وحتى لعبة الكبار.. إلى أن فرق بينهما الموت..ولم تعد تمثل لها سوى ذكريات لسنوات مرت من عمرها.
ومن خلال ثلاث قصص قصيرة جدا.. قدمت "سها النقاش" الأم فى صورة مختلفة..ففى الأولى المسافرة التى ترسل الهدايا لتعوضها عن غيابها عنها ..وفى الثانية الأرملة التى تزوجت ..وتترك للجد رعاية أولادها.. وفى الثالثة مممثلة المسرح التى تعود كل ليلة من عملها وهما نائمين ..وقد تمثل هذه القصص فى مجموعها قصة واحدة عمادها الأم وابنها وابنتها ..فى فترات من حياتهم..بدا فيها الأب بلا وجود.. وغيابه كواقع فعلى منته.
مابدا من الإشارات السابقة للقصص.. يشير إلى كون العنوان الذى تم التأكيد عليه من قبل المجلة ..لا يمكن بحال أن يتفق مع ما جاء بها.. لأنها فى مجملها لاتخرج عن محاولات قصصية ..بدا التنافس فيها على استظهار إمكانية الكتابة بجمل استعراضية..لاتضيف إلى النص مايميزه عن مايماثله.. من تلك النصوص التى تعرض لمواقف من الحياةة..وإن كان ثمة منحى لبيان وجود إيقاطات ببعضها.. فليس معنى ذلك تحميلها أكثر مما تحتمل..وإنما مجرد الإشارة إلى مايمكن افتراضه فيها..لو كان ذلك هو ما قصدته كاتباتها فعلا.. لأن الكتابة الرمزية ليست بمثل تلك السهولة التى ظننها.. فالمعادل الرمزى ليس بهذه الهشاشة..والاستسهال فى استخدامه..وإذا كان المعيار الفنى للعمل الإبداعى العادى يستلزم البناء الجيد..والمسار المنسق.. فإنه بالنسبة للأعمال الغير عادية يكون الاهتمام به أكبر.. ولا يكون ذلك بالطبع من خلال مواقف عينية.. وتقريرية تضعف من النص..وهو ماتلاحظ فى كثير من القصص.
"هواء القاهرة فاسد يجعلنى ببساطة قابلة للاشتعال".. "هواء القاهرة فاسد يدفعنا إلى الاشتعال".. "هواء القاهرة فاسد يدفعهم إلى الاشتعال".. "القاهرة تشتعل".. عناوين مقاطع قصة " هواء فاسد ولعنة تقتفى الأثر"..والتى لم تكتف فيها "آمال عويضه"بالتكرار الذى لم يضف شيئا إلى نصها..وإنما زادت على ذلك بتصدير القصة بقول "هاملت" الذى جعلت من قصته ما يماثل قصة الحمار.. والتى جعلت السيارات فيها باركة فى الميادين.
و"غدا سيسافر" التى ترددت فى قصة "مخاصمات"..كتأكيد من "منال محمد السيد " على السفر المحتمل.
و"صباح النسمات الندية ..صباح إشراقات الذهب على الوجه الناعس الغارق فى خدر النوم ودفء اللذة..صباح تتاليات اليأس على البشرة الداكنة",..بعد كل ذلك تؤكد" سحر الموجى" فى قصتها" بجعة الحلم".. أنه " كان صباحا عاديا مألوفا ..ولم يكن ككل الصباحات الأخرى"..فأوجدت التناقض الذى لايحتاج إلى توضيح فيما سطرته.
و"من رحم فاضل على غير العادة لامرأة تدعى الفضيلة أحيانا.. والنبوة أكثر الأحيان تحملنى (هى) كرها..ويتميز (هو )غيظا بوجودى بينهما.. أطلقت صرختى بعيدا".. هكذا بدت بداية قصة" مسافة بين الأبيض والأزرق".. كما كتبتها آمال كمال".. لتصف بها لحظة الميلاذ.
كما تلاحظ أيضا استخدام الجمل التى تفقد دلالتها داخل النص.. مثلما فعلت" رانيه خلاف" قى قصتها "ثنائية".. ومنها "ارتطام اللسان بسقف الحجرة اللزج ويعود يهبط على الأرض متخذا شكلا كقطعة من اللحم ترتجف بشدة".. هل تتسمع أذنك لكل هذه الأحذية"..ومثل تلك الجمل وإن كانت قد بدت فيما مضى فى بداية الستينات بقصد اللامعقول..وخاصة فى قصص الكاتب السكندرى"محمد حافظ رجب" لكن قصص اللامعقول كان لجملتها معنى ودلالة واضحة لايخطئها الفهم..وتحمل صياغة جديدة للعمل الإبداعى..تهدف إلى خلق فعل المشاركة بين المبدع والقارىء.. وكانت بعيدة كل البعد عن أن تكون مجرد كلمات متراصة ..يتجمع منه جملا لا معنى لها.. لأن كتابة العمل الإبداعى لاتتم أساسا من خلال هاجس الرغبة فى الكتابة ..لمجرد الكتابة فقط.. والبحث عن مكان وسط الصورة من أجل التواجد وتحقيق الرغبة فى الظهور..وفى سبيل ذلك من الممكن تطويع أى فعل يحقق الغرض المنشود ..لأن الكتابة الإبداعية ..هى فعل خلق بالدرجة الأولى ..يحقق التفاعل مع الوجدان ..والإحساس بما يثيره النص المكتوب.. والذى يتحدد مساره منذ البداية.. بتحديد الحدث ..والزمن المحكوم بما تفرضه عليه القصة القصيرة وفقا لأبجديتها.. أما أن يبدأ النص وفق مسار معين..ثم ينمو ويتوالد ..ويتفرع.. فمآله السقوط فى الشتات.. وهو ما ينسحب على بعض القصص التى تضمنها العدد..بشكل يلمسه القارىء بسهولة.. بالرغم من الاعتماد فى الأساس على مخزون الذاكرة.. أو التخيل.. أو اللاوعى.. لأن الوقائع والأزمنة ..يحكمها التحدجيد الغير قابل للتمدد.. .
لقد كان الزمن المحدد وفقا لما تفرضه القصة القصيرة.. طوع "آمال عويضه"..لكنها تخطته بانسياقها وراء الآتى..الذى أرادت أن تبدو تنبؤها به.. ونفس الشىء بالنسبة لكل من "مى التلمسانى"و"ميرال الطحاوى"..و"نجلاء عللام".. لكنهن لم يلتزمن به.. و"أمينه زيدان"جمعت فى قصتها بين زمانين بينهما فاصل ظاهر ..تحدد الأول بلحظة احتضار الأم.. والثانى بفترة انسياق الفتاة وراء صديقتها واللقاء بفتاها.. و"آمال كمال"..و"سناء محمد فرج"..و"عفاف السيد"..اعتمدن على اللاوعى ..واتخذن من التخيل مناخا متعدد الدرجات..فانسقن وراء الاستسهال فى ذاكرة الواقع ..والخلط بينها ..بينما "رانيه خلاف" و"سحر الموجى" و"سها النقاش" فى قصصها الثلاث..و"عزه أحمد أنور" ..و"منار فتح الباب" ..و"منال محمد السيد"..و"نورا أمين".. التزمن بالزمن المقنن للقصة القصيرة ..ولم يخرجن عنه رغم ما قد يبدو من تخطى للحظة الأساس..
إن الصوت الواحد هو مايجمع بين كل القصص.. تحدد فى الراوية ..وفى ضميرى المتكلم والمخاطب..بينما تعدد الهاجس الذى بدا فيها ..وجمع بين هاجس الموت وتحديه..وهاجس الرجل والحرمان.. والتحرر..والقهر.. والذكريات.. ويأتى هاجس الجسد فى آخر القائمة.. مما يجعل من الشعار الذى قدمت به القصص ..لايتواءم مع مضامينها.. إذلاتكفى الإشارارات العابرة إليه لتصنيف النصوص تحت مسماه.. حتى تلك الإشارات التى بدت من خلال رؤية بيولوجية لاتشكل رؤية عامة تجمع بينها.. بما يجعل ماجاء بالافتتاحية والتقديم لايتفق مع مضامين النصوص ..لأن الجسد هو الجسد.. خاصثة وقد تحدد فى القصص بجسد المرأة.. وليس كما ذكمر من إمكانية كتابته بشكل مغاير ..مثلما حاولت أن تؤكده "عفاف السيد"..بقولها:" نحن نرسى من تلك النصوص مفهوما للجسد بمعناه الأشمل..وهو كل ماتحقق وكفى.. وهذا واضح فى معظم نصوص الملف ..حيث نحاول القول بأن الجسد ..ليس ذلك الكيان الثقيل.. مهبط الخطايا..ومستودع الشرور..وأن الجسد صعود وارتقاء بالمدارت"..الأخبار 31 يوليو 1996.
لكن من الممكن أن يقال أن تلك النصوص ..تشير إلى أن ثمة كاتبات حاولن تخطى الأصر التقليدية .. وتقديم شهادات عن تجارب مختلفة فى الحياة.. من خلال مواقف عينية.. وفى غمرة ذلك تناسين إيقاع النص وإبداء الشكل والمضمون من خلال وحدة متماسكة ..وإذا كان ثمة تحد بينهن ..فيكون تحدى نص يؤكد إمكانية فعل الخلق الإبداعى..وليس اختلاق جمل تفقد انسيابية التناغم بينها ..وتشتت دلالة المضمون.
ولا شك أن الجمع بين هذا العدد من الكاتبات ..من الأشياء التى تحسب للمجلة وسياستها التحريرية باعتبار أنها تفسح المدى لتناولات معينة ..وتهتم بتقديمها.
*************
السيد الهبيان
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف