من التاريخ الوطني : النادي الأهلي المصري في فلسطين
بقلم د. أسامة جمعة الأشقر
كانت الحركة الصهيونية تقوى ، والهجرات اليهودية تزداد والمقاومة الفلسطينية تتصاعد ، كانت قصتنا في عام 1943م وكان الانتداب البريطاني على فلسطين ، والحكم ذاته على مصر من خلال الملك فاروق واجهة الاحتلال المصرية ...
بدأت القصة بطلب من عدة شخصيات فلسطينية كالحاج أمين الحسيني ورئيس بلدية غزة من فؤاد سراج الدين رئيس نادي الأهلي المصري ووزير الداخلية آنذاك أن يقوم النادي الأهلي بجولة كروية لدعم القضية الفلسطينية ...
وافق سراج الدين لكن ثلاث جهات رفضت : الإدارة البريطانية في فلسطين ومصر ، والملك فاروق ، ورئيس نادي الزمالك آنذاك حيدر باشا الذي كان رئيساً لاتحاد الكرة المصرية ، وكان رفض الانجليز والملك مفهوماً فهما وجهان لعملة واحدة سياسياً ، وأما رئيس نادي الزمالك الذي كان معروفا آنذاك باسم النادي المختلط - ثم نادي فاروق حتى استقر على اسم الزمالك بعد ثورة يونيو – فقد كانت دوافعه سياسية للتقرب من الملك والإنجليز ، ودوافع الغيرة من النادي الأهلي التي وجهت له الدعوة دونه .
كانت شخصية فؤاد سراج الدين القوية وتاريخ عائلته تفرضان عليه الالتزام بإجابة الدعوة ، ولم يكترث بتهديدات وزير الحربية بمنع سفر الفريق ، وسانده في ذلك كابتن الأهلي الشهير وكابتن منتخب مصر آنذاك " مختار التتش " الذي أصر على السفر حتى لو تم إيقاف الفريق " حَنسافر يا باشا " ، فقامت الحكومة المصرية بحجز جوازات الفريق لئلا يسافر سرّاً .
تحايل فؤاد سراج الدين على الأمر بأن استخرج لهم جوازات جديدة عن طريق وزارة التأمينات الاجتماعية التي كانت مسؤولة عن السفر آنذاك بمساعدة النحاس باشا فوافق على سفرهم بدون موافقة اتحاد الكرة تحت اسم جمعية شبابية وهمية " شباب القاهرة " ، وعلى نفقة سراج الدين الشخصية ، وسط تهديدات قوية من سراج الدين بمنافسة حيدر باشا على رئاسة اتحاد الكرة .
بالفعل خرج النادي الأهلي إلى فلسطين بالقطار من مدينة بور فؤاد متجهاً إلى العريش ثم رفح وغزة ، ثم وصلتهم دعوات جديدة فدخلوا حيفا ويافا ونابلس والقدس ، ولعبوا خمس مباريات بدلا من اثنتين ، وأمضوا في فلسطين 23 يوماً ، واعتبر النادي الأهلي لعبه مع الفرق الفلسطينية بمثابة مخيم تأهيل للمباراة النهائية على كأس مصر التي ستقام بعد شهر من بداية رحلتهم مع النادي المختلط " الزمالك " .
أثار النادي الأهلي حماسة الفلسطينيين ولاسيما بعد الاستقبال الرسمي الذي حظوا به من مفتي القدس الشيخ أمين الحسيني ، واعتبر الفلسطينيون هذه الزيارة من قبيل النصرة ، ولم يتردد لاعبوا الفريق في إظهار تأييدهم للمقاومة الفلسطينية في كل مباراة ، حتى رفعتهم الناس على الأكتاف .
استشاط البريطانيون غضباً فطلبوا من الملك فاروق اتخاذ ما يلزم للرد على هذه المواقف الجريئة ، وغضب حيد باشا أيضاً بعد توبيخات الملك العنيفة ، فأصدر حيدر باشا قراره بتجميد نشاط النادي ، وإيقاف جميع اللاعبين المشاركين في زيارة فلسطين ومنعهم من اللعب ، وتأجيل المباراة النهائية إلى أجل غير مسمى .
واستمر مدة العقوبة نحو عشرة أشهر ، وخرجت تظاهرات مؤيدي النادي عدة مرات كان أكبرها بعد حفلة لأم كلثوم في مقر النادي هتفت ضد الملك والاحتلال الانجليزي ، وبدأت المصادمات العنيفة بين مؤيدي النادي والشرطة المصرية ، مما استدعى تدخل رئاسة الوزراء لفك الحظر عن النادي ، وهو ما رفضه حيدر باشا رئيس اتحاد الكرة ولكنه تراجع خطوة باشتراط اعتذار كابتن النادي عن مخالفته .
لم ير " التتش " وفريقه أنهم ارتكبوا ما يوجب الاعتذار فكتب لحيدر باشا رسالته الشهير " إذا كان العمل الوطني يتطلب اعتذاراً فلا يشرّفني اللعب في اتحادٍ أنت رئيسه " وخرجت تظاهرة ضخمة إلى قصر عابدين في وسط القاهرة تهتف ضد الملك والانجليز مما أخاف الملك فأمر بفك الحظر فوراً عن النادي .
لم يبتلع حيدر باشا غضبه فقرر إقامة مباراة فريقه المؤجلة على نهائيات كأس مصر بعد أسبوع من فك الحظر ، بينما لم يكن نجوم فريق الأهلي يستطيعون اللعب بسبب منعهم من اللعب ولو للتدريب مما جعل الأهلي يشارك بفريق الشباب والناشئين ، فخسر الأهلي بصفر لستة أهداف أحرزها " النادي المختلط " وبحضور الملك فاروق شخصياً " الذي بدا سعيداً بهزيمة الأهلي .
هناك كانت الصدمة الأخرى حين رفض لاعبوا فريق" النادي المختلط " أن يحتفلوا بالفوز ، فصفقوا للنادي الأهلي بحرارة ومعهم جماهير الفريقين الكبيرين .
بقلم د. أسامة جمعة الأشقر
كانت الحركة الصهيونية تقوى ، والهجرات اليهودية تزداد والمقاومة الفلسطينية تتصاعد ، كانت قصتنا في عام 1943م وكان الانتداب البريطاني على فلسطين ، والحكم ذاته على مصر من خلال الملك فاروق واجهة الاحتلال المصرية ...
بدأت القصة بطلب من عدة شخصيات فلسطينية كالحاج أمين الحسيني ورئيس بلدية غزة من فؤاد سراج الدين رئيس نادي الأهلي المصري ووزير الداخلية آنذاك أن يقوم النادي الأهلي بجولة كروية لدعم القضية الفلسطينية ...
وافق سراج الدين لكن ثلاث جهات رفضت : الإدارة البريطانية في فلسطين ومصر ، والملك فاروق ، ورئيس نادي الزمالك آنذاك حيدر باشا الذي كان رئيساً لاتحاد الكرة المصرية ، وكان رفض الانجليز والملك مفهوماً فهما وجهان لعملة واحدة سياسياً ، وأما رئيس نادي الزمالك الذي كان معروفا آنذاك باسم النادي المختلط - ثم نادي فاروق حتى استقر على اسم الزمالك بعد ثورة يونيو – فقد كانت دوافعه سياسية للتقرب من الملك والإنجليز ، ودوافع الغيرة من النادي الأهلي التي وجهت له الدعوة دونه .
كانت شخصية فؤاد سراج الدين القوية وتاريخ عائلته تفرضان عليه الالتزام بإجابة الدعوة ، ولم يكترث بتهديدات وزير الحربية بمنع سفر الفريق ، وسانده في ذلك كابتن الأهلي الشهير وكابتن منتخب مصر آنذاك " مختار التتش " الذي أصر على السفر حتى لو تم إيقاف الفريق " حَنسافر يا باشا " ، فقامت الحكومة المصرية بحجز جوازات الفريق لئلا يسافر سرّاً .
تحايل فؤاد سراج الدين على الأمر بأن استخرج لهم جوازات جديدة عن طريق وزارة التأمينات الاجتماعية التي كانت مسؤولة عن السفر آنذاك بمساعدة النحاس باشا فوافق على سفرهم بدون موافقة اتحاد الكرة تحت اسم جمعية شبابية وهمية " شباب القاهرة " ، وعلى نفقة سراج الدين الشخصية ، وسط تهديدات قوية من سراج الدين بمنافسة حيدر باشا على رئاسة اتحاد الكرة .
بالفعل خرج النادي الأهلي إلى فلسطين بالقطار من مدينة بور فؤاد متجهاً إلى العريش ثم رفح وغزة ، ثم وصلتهم دعوات جديدة فدخلوا حيفا ويافا ونابلس والقدس ، ولعبوا خمس مباريات بدلا من اثنتين ، وأمضوا في فلسطين 23 يوماً ، واعتبر النادي الأهلي لعبه مع الفرق الفلسطينية بمثابة مخيم تأهيل للمباراة النهائية على كأس مصر التي ستقام بعد شهر من بداية رحلتهم مع النادي المختلط " الزمالك " .
أثار النادي الأهلي حماسة الفلسطينيين ولاسيما بعد الاستقبال الرسمي الذي حظوا به من مفتي القدس الشيخ أمين الحسيني ، واعتبر الفلسطينيون هذه الزيارة من قبيل النصرة ، ولم يتردد لاعبوا الفريق في إظهار تأييدهم للمقاومة الفلسطينية في كل مباراة ، حتى رفعتهم الناس على الأكتاف .
استشاط البريطانيون غضباً فطلبوا من الملك فاروق اتخاذ ما يلزم للرد على هذه المواقف الجريئة ، وغضب حيد باشا أيضاً بعد توبيخات الملك العنيفة ، فأصدر حيدر باشا قراره بتجميد نشاط النادي ، وإيقاف جميع اللاعبين المشاركين في زيارة فلسطين ومنعهم من اللعب ، وتأجيل المباراة النهائية إلى أجل غير مسمى .
واستمر مدة العقوبة نحو عشرة أشهر ، وخرجت تظاهرات مؤيدي النادي عدة مرات كان أكبرها بعد حفلة لأم كلثوم في مقر النادي هتفت ضد الملك والاحتلال الانجليزي ، وبدأت المصادمات العنيفة بين مؤيدي النادي والشرطة المصرية ، مما استدعى تدخل رئاسة الوزراء لفك الحظر عن النادي ، وهو ما رفضه حيدر باشا رئيس اتحاد الكرة ولكنه تراجع خطوة باشتراط اعتذار كابتن النادي عن مخالفته .
لم ير " التتش " وفريقه أنهم ارتكبوا ما يوجب الاعتذار فكتب لحيدر باشا رسالته الشهير " إذا كان العمل الوطني يتطلب اعتذاراً فلا يشرّفني اللعب في اتحادٍ أنت رئيسه " وخرجت تظاهرة ضخمة إلى قصر عابدين في وسط القاهرة تهتف ضد الملك والانجليز مما أخاف الملك فأمر بفك الحظر فوراً عن النادي .
لم يبتلع حيدر باشا غضبه فقرر إقامة مباراة فريقه المؤجلة على نهائيات كأس مصر بعد أسبوع من فك الحظر ، بينما لم يكن نجوم فريق الأهلي يستطيعون اللعب بسبب منعهم من اللعب ولو للتدريب مما جعل الأهلي يشارك بفريق الشباب والناشئين ، فخسر الأهلي بصفر لستة أهداف أحرزها " النادي المختلط " وبحضور الملك فاروق شخصياً " الذي بدا سعيداً بهزيمة الأهلي .
هناك كانت الصدمة الأخرى حين رفض لاعبوا فريق" النادي المختلط " أن يحتفلوا بالفوز ، فصفقوا للنادي الأهلي بحرارة ومعهم جماهير الفريقين الكبيرين .