الشيخ عبد الكريم محمد مطيع الحمداوي
تفسير سورة المائدة: تمهيد- إكمال الدين وتمام النعمة
تختلف درجات الاستجابة لدعوات الرسل عليهم السلام سرعة وبطءا، ورخاوة وصلابة، وإقبالا وإعراضا، وتدرجا نحو السمو وتدحرجا للحضيض، عبر تلاحق الأجيال وتتابع الرسالات، من نوح وقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين سنة أعقبها الطوفان، إلى إبراهيم وقد كان أمة وحده يذرع فضاء الأرض وحيدا مستضعفا يكاد الطير يتخطفه، إلى موسى وقد اشترط عليه أتباعه أن يروا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون:﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ البقرة 55، ثم سألوه ﴿مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا﴾البقرة 60، إلى عيسى وقد قال له صحابته وحواريوه:﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ المائدة 112 فلما نهاهم بقوله:﴿اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ المائدة 112 ما كان لهم من جواب إلا أن :﴿قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ المائدة 113، أما صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جيل النبوة الخاتمة فما كان لهم مِنْ هَمٍّ إلا أن يستمعوا ما أنزل عليهم من ذكر من ربهم، ولم يَدُرْ بخَلَدهم أن يشترطوا على نبيهم أو ربهم، بل كان منتهى فرحهم أن تُسقى أرواحهم بما يُنزَّل عليهم من القرآن فيزدادوا إيمانا مع إيمانهم وخشوعا مع خشوعهم وتَغْشى قلوبَهم السكينةُ ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾الأنفال2. وما كان لهم من سؤال لربهم إذ سمعوا منادي الإيمان إلا أن قالوا: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ البقرة285، وقالوا:﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾.. كانوا يفرحون بالتكاليف أمرا ونهيا وبلاء كما يفرحون بالبشرى لطفا ورحمة، كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء) ، أما رسولهم صلى الله عليه وسلم فما كان أشد فرحه إلا بآية توبة ولطف بأمته، أو بشرى تمكين للدين، قال ابن عباس:" نزلت: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ الفرقان 70، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح فرحا قط أشد فرحا منه بها وبـ ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ الفتح1/3". .....
تفسير سورة المائدة: تمهيد- إكمال الدين وتمام النعمة
تختلف درجات الاستجابة لدعوات الرسل عليهم السلام سرعة وبطءا، ورخاوة وصلابة، وإقبالا وإعراضا، وتدرجا نحو السمو وتدحرجا للحضيض، عبر تلاحق الأجيال وتتابع الرسالات، من نوح وقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين سنة أعقبها الطوفان، إلى إبراهيم وقد كان أمة وحده يذرع فضاء الأرض وحيدا مستضعفا يكاد الطير يتخطفه، إلى موسى وقد اشترط عليه أتباعه أن يروا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون:﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ البقرة 55، ثم سألوه ﴿مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا﴾البقرة 60، إلى عيسى وقد قال له صحابته وحواريوه:﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ المائدة 112 فلما نهاهم بقوله:﴿اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ المائدة 112 ما كان لهم من جواب إلا أن :﴿قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ المائدة 113، أما صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جيل النبوة الخاتمة فما كان لهم مِنْ هَمٍّ إلا أن يستمعوا ما أنزل عليهم من ذكر من ربهم، ولم يَدُرْ بخَلَدهم أن يشترطوا على نبيهم أو ربهم، بل كان منتهى فرحهم أن تُسقى أرواحهم بما يُنزَّل عليهم من القرآن فيزدادوا إيمانا مع إيمانهم وخشوعا مع خشوعهم وتَغْشى قلوبَهم السكينةُ ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾الأنفال2. وما كان لهم من سؤال لربهم إذ سمعوا منادي الإيمان إلا أن قالوا: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ البقرة285، وقالوا:﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾.. كانوا يفرحون بالتكاليف أمرا ونهيا وبلاء كما يفرحون بالبشرى لطفا ورحمة، كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء) ، أما رسولهم صلى الله عليه وسلم فما كان أشد فرحه إلا بآية توبة ولطف بأمته، أو بشرى تمكين للدين، قال ابن عباس:" نزلت: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ الفرقان 70، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح فرحا قط أشد فرحا منه بها وبـ ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ الفتح1/3". .....