
إلى كل المزاودين .. فتح أكبر منكم جميعاً
بقلم : د . سمير محمود قديح
باحث في الشئون الأمنية والإستراتيجية
أنا قد كسرت القيد قيد مذلتي *** وسحقت جلادي وصانع نكبتي
ونسفت سجني وانطلقت عواصفا *** لهبا يدمدم تحت راية ثورتي
أنا ابن فتح ما هتفت لغيرها *** ولجيشها الجبار صانع ثورتي
كثرت الاشاعات مؤخرا ، والتي يروجها اصحاب النفوس المريضة ، وعلى رأسهم الطابور الخامس ، عن انهيار حركة فتح ، والخلافات المستمرة داخل التنظيم ، وراهن الشامتون في الحركة انها لن تطول ، وستتلاشى يوما بعد يوم الى ان تنتهي وانها ضعيفة في قطاع غزة الخ ... من اشاعات تروجها الابواق الناعقة . ومن هنا فانني اطمئن الجميع وعلى راسهم المزاودين ، واصحاب النفوس المريضة ، واقول لهم ، ان المارد الفتحاوي العملاق ، لايمكن ان ينهار وعليكم ان تعلموا ان حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح " هي اول من بادرت لإطلاق الرصاصة الأولى في الثورة عام 1965 ، وهي التي حققت النصر في ظلمة المحيط العربي بعد نكسة حزيران عبر النصر في معركة الكرامة عام 1968. وهي التي أطلقت الانتفاضة عام 1987، والحالية عام 2000 ، هذه الانتفاضة المباركة التي أطلقتها فتح دون سواها ولحقها الآخرون جميعا إثر الصمود والشموخ للإرادة الفتحاوية وللرئيس عرفات في كامب ديفيد والذي رفض التنازل والاستسلام والحلول الهزيلة، فكانت بمبادراتها العسكرية والسياسة تصنع الحدث وتترك للآخرين التعليق، وتسبق ثم تسحب الآخرين وراءها.
إن فتح تنظيم التجدد عبر الدماء حيث يرث الشهداء عرش البطولة من سابقيهم ، ويتركون الدنيا لزملاء لهم يرفعون مشاعل الحرية والمقاومة مناضلين ومطاردين وأسرى. وفتح التجدد تخوض هذه الأيام حوارا صاخبا علنيا في رغبة للتجدد والتغيير لأنها حركة الرفض للقوالب الجامدة، وحركة الرفض لعقلية التحجر وحركة الرفض للأساطير والاسقاطات الفكرية وحركة الرفض للجمود لأنها حركة الاحترام للعقل والتطور والتجدد في ميراث طويل منهله الحضارة العربية الإسلامية ومنبعه الشعب وحقائقه ما سطرته سواعد أبناء الفتح.
فتح طريق الفقراء، وفتح طريق العظماء، فتح طريق التجدد لأنها لا تخاف النقد بل تسعى إليه، ولا تخشى المخالفين لأنها واحة الحرية، وفتح النقد والنقد الذاتي الذي يصل الى حد الصخب أحيانا تتقدم بثقة وتتحرك بقوة لأنها تصنع الغد من إهاب الحاضر وثرات الأمة. إن الابداع في فتح قدرة على رسم الاحتياجات المطلوبة للقضية الوطنية ولمصلحة الجماهير . إن الطلاب في حركة فتح والشبية والمرأة مركز الثقل في صنع المستقبل وفي الإبداع الذي تحض عليه الحركة وترعاه . لا يستطيع إلا أعمى أن ينكر ما لحركة فتح من فضل في الساحة الفلسطينية بل وفي المحيط العربي من تكريس للديمقراطية سواء داخل التنظيم أو خارجه ورغم ما شاب من آلياتها الديمقراطية من ثغرات في التطبيق إلا أن حركة فتح تعتبر مصنع الرجال وحركة الدمقرطة للأطر والمجتمع ، تلك التي احترمت التعددية بل ورعتها ولم تسمح بسيف الجلاد أن يطال أصحاب الرأي الآخر حتى بين المتناحرين من أصحاب التنظيم الواحد ممن هم خارج فتح.
فتح حامية المشروع الوطني وحامية التعددية احتضنت الأفكار والتنظيمات ورسمت لها مجال حركة لجميع الفصائل فعدلت من أشكال الاحتجاج السلبي لهذه التنظيمات الى الانخراط في النضال الايجابي والمقاومة للمحتل، فحققت (الوحدة الوطنية) ولم تأخذ بتجارب الحزب الواحد حتى في وقت القدرة على تحقيق ذلك بل رعت الآخر وسهلت له سبل التعبير الحر والانطلاق ليساهم في بناء الوطن، ما عاب الكثيرون فتح على ذلك وما نعتبره نحن نقطة قوة لا ضعف، لأن صاحب الفكر المتوثب لا يخشى الفكر الآخر بل يستمتع برؤيته يزهر، فحقي أن أفكر وأدافع عنك حتى لو عارضتني
لقد استطاعت حركة فتح أن تغير مفهوم الصراع للقضية الفلسطينية من قضية شعب من المحرومين الذين يحتاجون للإغاثة الى قضية شعب مناضل طرق أسماع العالم ، بعد أن دوت رصاصات الفتح في العام 1965 وبعد انبثاق الكرامة عام 1968 وبعد أن أذن القائد العام ياسر عرفات في الامم المتحدة عام 1974 حاملا غصن الزيتون بيد وبندقية الثائر بيد. كما استطاعت نقل مفهوم الصراع من صراع لا جئين يحتاجون للإغاثة الى ثورة . ولقد كان لفتح الاثر الاكبر في تفجير الصراع ، في الوقت الذي صم العالم أذنيه عن الاستماع للهيب الثورة فجرت الفتح إرادة الثورة فصنعت (عاصفة) وانتفاضة تلو الأخرى، وشمرت السواعد لبناء المشروع الوطني عبر السلطة الوطنية والمجلس التشريعي.
ان فتح هي التي اخترعت الوطنية في محيط ذي لجج من القومية الطاغية والأممية الاشتراكية أو الإسلامية فصارعت في بحر التنظيمات لتخرج القضية من لعنة الشعارات الى نعمة الفعل الميداني عبر الالتقاء على أرض المعركة والاشتباك السياسي في نطاق الوطنية المغلفة بالأفق القومي، والحضاري الإسلامي، والامتداد العالمي ، ففتح اخترعت الكيانية فانتشلت اللاجئين من بؤس الحال و حطت بهم الرحال على مركب الكيانية والشخصية الفلسطينية التي حاول العدو والصديق محوها فكانت دارنا منظمة التحرير الفلسطينية ثم عبر عتبة السلطة وصولا للوطن ، كما ان الاستقلالية كانت براءة الاختراع الرئيسة لحركة فتح فرفضت الاتجاه شرقا أو غربا ورفضت التبعية لأي حزب سياسي عربي أو نظام عربي ، فرسمت شخصية فلسطينية مستقلة خياراتها نابعة من حاجة جماهيرها ومن أهدافها الوطنية ومن احتياجات جماهيرها في إطار عدم إغفال العمق العربي الذي يمثل قطار التحرير
لقد نجحت فتح نجاحا باهرا وكبيرا بعد إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية كحزب حاكم في بناء المؤسسات نواة الدولة الفلسطينية المستقلة ، ورغم ما رافق هذه التجربة من بعض السلبيات في الأداء في بعض المؤسسات إلا أننا نستطيع القول الآن وبكل موضوعية أن فتح نجحت بجدارة كحزب حاكم ، وهذا التقييم نتفق فيه مع الغالبية من أبناء شعبنا الآن.لقد نجحت فتح بان تتوحد مع الشارع الفلسطيني في تحريم إراقة الدم الفلسطيني ،
والنقطة الثانية التي تسجل لفتح في مرحلة ما بعد إقامة السلطة الوطنية وحتى إجراء الانتخابات التشريعية السابقة ، أن فتح الحزب الحاكم استطاعت التوفيق بين المهام النضالية في تحرير الأرض والإنسان وبين صيغة والية التعامل مع المجتمع الدولي وإسرائيل ، فوقعت اتفاقيات وقاتلت من اجل تحرير الأرض المحتلة حتى سقط الرئيس الراحل أبو عمار شهيدا ، فأعطى دليلا قاطعا لا يقبل الجدل على أن فتح لم تفرط يوما بالثوابت الوطنية ، وان توقيع الاتفاقيات لا يعني التنازل عن الثوابت ، وان التنسيق مع الجانب الإسرائيلي لتيسير الأمور الحياتية لشعبنا لا يعني التنازل أبداً ، وان الثوابت الوطنية خط احمر.
لقد أبدعت فتح كحزب حاكم في تحديد ضوابط علاقتها مع المجتمع الدولي وإسرائيل وحشدت تأييد العالم حتى وصلنا لمرحلة لم تحصل في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، باتت تشكو إسرائيل من انحياز أمريكي للفلسطينيين ، حيث قدمت إسرائيل الاحتجاج تلوى الاحتجاج في عهد نيتنياهو " سابقا " ضد السفارة الأمريكية في تل أبيب واتهمتها بالانحياز لموقف السلطة الفلسطينية ، بل تجاوزت ذلك واتهمت الرئيس كلينتون بالانحياز لموقف السلطة الفلسطينية، لدرجة أن مشادة كلامية وقعت بين نيتنياهو وكلينتون في واشنطن أو خلال زيارة كلينتون لإسرائيل والمنطقة، والتي توجها الرئيس الأمريكي بزيارة تاريخية إلى غزة ستبقى شاهدا على إنجازات فتح كحزب حاكم. هذا المثال يعطي الدليل على أن فتح كحزب حاكم نجحت ببراعة يسجلها التاريخ في جذب الموقف الأمريكي إلى حد ما لصالح القضية الفلسطينية حتى وان رأى بعض المشككين أن الموقف الأمريكي لم يتغير قيد أُنملة ، وان الانحياز الأمريكي لإسرائيل مطلق لا يمكن زحزحته ، نقول أن فتح كحزب حاكم استطاعت زحزحة الموقف الأمريكي ، وتعاملت مع الانحياز الأمريكي بحكمة لإدراكها حجم نفوذ اللوبي الصهيوني في أمريكا وتأثيره على صناعة القرار فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط . وهذا يعطي دليل على أن فتح كحزب حاكم قادرة على أن تكسب تأييد العالم خطوة ً خطوة لصالح القضية الفلسطينية والقضايا العربية .
والنقطة الثالثة التي تُسجل لفتح كحزب حاكم أنها أثبتت إنها التنظيم الفلسطيني الأكبر والوحيد الأكثر انفتاحاً على كافة فئات الشعب واتجاهاته السياسية ، بل أن فتح استطاعت أن تربي أبنائها وتعلمهم ثقافة الانفتاح ونبذ التعصب الحزبي ، فكانت مؤسسات السلطة المدنية والعسكرية تجسد وحدة وطنية راسخة ، فلم تكن المناصب والتعيينات حكراً على أبناء فتح ، فكانت لأبناء فتح وللتنظيمات وللمواطن الفلسطيني اللا منتمي لأي تنظيم .
والنقطة الرابعة أن فتح كحزب حاكم بقيادة الرئيس أبو مازن قررت إجراء الانتخابات التشريعية رغم المخاوف والمحاذير من احتمال عدم فوز فتح ، إلا أن القيادة الفلسطينية الفتحاوية رفضت تعطيل الحياة الديمقراطية خوفاً من عدم فوزها وأجريت انتخابات تشريعية فلسطينية شهدها العالم كله بنزاهتها ، وشهد العالم كله أيضا كيف احترمت فتح نتائج الانتخابات وكرست مبدأ التداول السلمي للسلطة ، والتداول السلمي للسلطة المقصود به تداول بين حزب أو فصيل إلى أخر ، من حزب حاكم إلى حزب جديد يحكم.
وفي الشأن الفتحاوي الداخلي نلاحظ أن فتح على مستوى القيادة العليا واللجنة المركزية لفتح والمجلس الثوري والقاعدة الفتحاوية في أرقى حالات تمسكها وانضباطها الآن ، يوجد حولها التفاف جماهيري غير مسبوق ، فقد اثبت الرئيس القائد أبو مازن انه خير من يقود فتح إلى بر الأمان بحكمته وحنكته السياسية وصدقه مع الذات والآخرين ، لقد تحمل الرئيس القائد أبو مازن أوجاع كثيرة بعد هزيمة فتح في الانتخابات التشريعية ، ولكنه علم الفتحاويين درساً ، أن فتح تنهض بالعمل الدءوب وبخدمة الجماهير وليس بالغوغاء ، وان خدمة الجماهير ومراعاة ظروفهم وتحسس مشاكلهم هو الطريق الوحيد للوصول إلى عقل ووجدان الجماهير وتحقيق الالتفاف الجماهيري الذي نراه الآن منقطع النظير حول فتح وقيادتها . والرئيس القائد أبو مازن كما كان الشهيد القائد أبو عمار لم يخلط يوما بين مسئولياته كقائد أعلى لفتح وبين مسئولياته كرئيس لكل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج بكل فئاته واتجاهاته السياسية . ومن هنا تمتع أبو مازن باحترام كبير على مستوى فتح وعلى مستوى كل أبناء شعبنا في الداخل والخارج وفصائله وأحزابه واتجاهاته السياسية المختلفة فكان محل إجماع فلسطيني نختلف عنده ولا نختلف عليه .
والحق يقال إن فتح خرجت من عنق الزجاجة وبدأت تتعافي بعمل دءوب عكف عليه ثلة من قيادات فتح بتوجيهات الرئيس القائد أبو مازن بمزيج رائع بين القيادات التاريخية في اللجنة المركزية لحركة فتح والقيادات الشابة في المجلس الثوري .
وما أردنا قوله أن فتح نهضت من كبوتها بإصلاحاتها الداخلية وبمعالجة أخطاء سابقة ، حيث كانت ضحية لعملية تشويه إعلامي مبرمج من قبل البعض بالتقليل من دورها التاريخي ، بل أحيانا القفز عنها ، وكأن عجلة التاريخ بدأت اليوم للحركة الوطنية الفلسطينية ، وربما يذكر البعض أن فتح ومن أهم حسناتها وبعد انطلاقتها كرمت وأرخت لرموز الحركة الوطنية الفلسطينية منذ مطلع القرن واعترفت بمكارم المجاهدين الفلسطينيين بكل الثورات التي عاشها شعبنا منذ مطلع القرن الماضي ، ولم تكن فتح قفزة في الهواء ، فكانت كوكبة كبيرة من أبناء شهداء الثورات الفلسطينية الذين التحقوا بحركة فتح . ولم يكن هذا التواصل مع ابناء الشهداء القادة للحركة الوطنية الفلسطينية لو أن فتح قفزت عن تاريخنا النضالي والوطني ولكنها كانت مكملة ، والآن يستمر التواصل بين الأجيال بدون عوائق .
ومن هنا نذكر بمقولة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عندما استقبل قيادة فتح في القاهرة بأن هذه الثورة وجدت لتبقى ، وأكد الرئيس الراحل أبو عمار على مقولة الزعيم جمال عبد الناصر بقوله دائما وجدت هذه الثورة لتبقى وتستمر ، ونقول نحن في فتح لم تكن حدثا عابرا في تاريخ شعبنا ، بل هي
جزء لا يتجزأ من الحركة الوطنية الفلسطينية منذ مطلع القرن الماضي وحتى الآن وقادة شعبنا من نصر إلى نصر .
بقلم : د . سمير محمود قديح
باحث في الشئون الأمنية والإستراتيجية
أنا قد كسرت القيد قيد مذلتي *** وسحقت جلادي وصانع نكبتي
ونسفت سجني وانطلقت عواصفا *** لهبا يدمدم تحت راية ثورتي
أنا ابن فتح ما هتفت لغيرها *** ولجيشها الجبار صانع ثورتي
كثرت الاشاعات مؤخرا ، والتي يروجها اصحاب النفوس المريضة ، وعلى رأسهم الطابور الخامس ، عن انهيار حركة فتح ، والخلافات المستمرة داخل التنظيم ، وراهن الشامتون في الحركة انها لن تطول ، وستتلاشى يوما بعد يوم الى ان تنتهي وانها ضعيفة في قطاع غزة الخ ... من اشاعات تروجها الابواق الناعقة . ومن هنا فانني اطمئن الجميع وعلى راسهم المزاودين ، واصحاب النفوس المريضة ، واقول لهم ، ان المارد الفتحاوي العملاق ، لايمكن ان ينهار وعليكم ان تعلموا ان حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح " هي اول من بادرت لإطلاق الرصاصة الأولى في الثورة عام 1965 ، وهي التي حققت النصر في ظلمة المحيط العربي بعد نكسة حزيران عبر النصر في معركة الكرامة عام 1968. وهي التي أطلقت الانتفاضة عام 1987، والحالية عام 2000 ، هذه الانتفاضة المباركة التي أطلقتها فتح دون سواها ولحقها الآخرون جميعا إثر الصمود والشموخ للإرادة الفتحاوية وللرئيس عرفات في كامب ديفيد والذي رفض التنازل والاستسلام والحلول الهزيلة، فكانت بمبادراتها العسكرية والسياسة تصنع الحدث وتترك للآخرين التعليق، وتسبق ثم تسحب الآخرين وراءها.
إن فتح تنظيم التجدد عبر الدماء حيث يرث الشهداء عرش البطولة من سابقيهم ، ويتركون الدنيا لزملاء لهم يرفعون مشاعل الحرية والمقاومة مناضلين ومطاردين وأسرى. وفتح التجدد تخوض هذه الأيام حوارا صاخبا علنيا في رغبة للتجدد والتغيير لأنها حركة الرفض للقوالب الجامدة، وحركة الرفض لعقلية التحجر وحركة الرفض للأساطير والاسقاطات الفكرية وحركة الرفض للجمود لأنها حركة الاحترام للعقل والتطور والتجدد في ميراث طويل منهله الحضارة العربية الإسلامية ومنبعه الشعب وحقائقه ما سطرته سواعد أبناء الفتح.
فتح طريق الفقراء، وفتح طريق العظماء، فتح طريق التجدد لأنها لا تخاف النقد بل تسعى إليه، ولا تخشى المخالفين لأنها واحة الحرية، وفتح النقد والنقد الذاتي الذي يصل الى حد الصخب أحيانا تتقدم بثقة وتتحرك بقوة لأنها تصنع الغد من إهاب الحاضر وثرات الأمة. إن الابداع في فتح قدرة على رسم الاحتياجات المطلوبة للقضية الوطنية ولمصلحة الجماهير . إن الطلاب في حركة فتح والشبية والمرأة مركز الثقل في صنع المستقبل وفي الإبداع الذي تحض عليه الحركة وترعاه . لا يستطيع إلا أعمى أن ينكر ما لحركة فتح من فضل في الساحة الفلسطينية بل وفي المحيط العربي من تكريس للديمقراطية سواء داخل التنظيم أو خارجه ورغم ما شاب من آلياتها الديمقراطية من ثغرات في التطبيق إلا أن حركة فتح تعتبر مصنع الرجال وحركة الدمقرطة للأطر والمجتمع ، تلك التي احترمت التعددية بل ورعتها ولم تسمح بسيف الجلاد أن يطال أصحاب الرأي الآخر حتى بين المتناحرين من أصحاب التنظيم الواحد ممن هم خارج فتح.
فتح حامية المشروع الوطني وحامية التعددية احتضنت الأفكار والتنظيمات ورسمت لها مجال حركة لجميع الفصائل فعدلت من أشكال الاحتجاج السلبي لهذه التنظيمات الى الانخراط في النضال الايجابي والمقاومة للمحتل، فحققت (الوحدة الوطنية) ولم تأخذ بتجارب الحزب الواحد حتى في وقت القدرة على تحقيق ذلك بل رعت الآخر وسهلت له سبل التعبير الحر والانطلاق ليساهم في بناء الوطن، ما عاب الكثيرون فتح على ذلك وما نعتبره نحن نقطة قوة لا ضعف، لأن صاحب الفكر المتوثب لا يخشى الفكر الآخر بل يستمتع برؤيته يزهر، فحقي أن أفكر وأدافع عنك حتى لو عارضتني
لقد استطاعت حركة فتح أن تغير مفهوم الصراع للقضية الفلسطينية من قضية شعب من المحرومين الذين يحتاجون للإغاثة الى قضية شعب مناضل طرق أسماع العالم ، بعد أن دوت رصاصات الفتح في العام 1965 وبعد انبثاق الكرامة عام 1968 وبعد أن أذن القائد العام ياسر عرفات في الامم المتحدة عام 1974 حاملا غصن الزيتون بيد وبندقية الثائر بيد. كما استطاعت نقل مفهوم الصراع من صراع لا جئين يحتاجون للإغاثة الى ثورة . ولقد كان لفتح الاثر الاكبر في تفجير الصراع ، في الوقت الذي صم العالم أذنيه عن الاستماع للهيب الثورة فجرت الفتح إرادة الثورة فصنعت (عاصفة) وانتفاضة تلو الأخرى، وشمرت السواعد لبناء المشروع الوطني عبر السلطة الوطنية والمجلس التشريعي.
ان فتح هي التي اخترعت الوطنية في محيط ذي لجج من القومية الطاغية والأممية الاشتراكية أو الإسلامية فصارعت في بحر التنظيمات لتخرج القضية من لعنة الشعارات الى نعمة الفعل الميداني عبر الالتقاء على أرض المعركة والاشتباك السياسي في نطاق الوطنية المغلفة بالأفق القومي، والحضاري الإسلامي، والامتداد العالمي ، ففتح اخترعت الكيانية فانتشلت اللاجئين من بؤس الحال و حطت بهم الرحال على مركب الكيانية والشخصية الفلسطينية التي حاول العدو والصديق محوها فكانت دارنا منظمة التحرير الفلسطينية ثم عبر عتبة السلطة وصولا للوطن ، كما ان الاستقلالية كانت براءة الاختراع الرئيسة لحركة فتح فرفضت الاتجاه شرقا أو غربا ورفضت التبعية لأي حزب سياسي عربي أو نظام عربي ، فرسمت شخصية فلسطينية مستقلة خياراتها نابعة من حاجة جماهيرها ومن أهدافها الوطنية ومن احتياجات جماهيرها في إطار عدم إغفال العمق العربي الذي يمثل قطار التحرير
لقد نجحت فتح نجاحا باهرا وكبيرا بعد إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية كحزب حاكم في بناء المؤسسات نواة الدولة الفلسطينية المستقلة ، ورغم ما رافق هذه التجربة من بعض السلبيات في الأداء في بعض المؤسسات إلا أننا نستطيع القول الآن وبكل موضوعية أن فتح نجحت بجدارة كحزب حاكم ، وهذا التقييم نتفق فيه مع الغالبية من أبناء شعبنا الآن.لقد نجحت فتح بان تتوحد مع الشارع الفلسطيني في تحريم إراقة الدم الفلسطيني ،
والنقطة الثانية التي تسجل لفتح في مرحلة ما بعد إقامة السلطة الوطنية وحتى إجراء الانتخابات التشريعية السابقة ، أن فتح الحزب الحاكم استطاعت التوفيق بين المهام النضالية في تحرير الأرض والإنسان وبين صيغة والية التعامل مع المجتمع الدولي وإسرائيل ، فوقعت اتفاقيات وقاتلت من اجل تحرير الأرض المحتلة حتى سقط الرئيس الراحل أبو عمار شهيدا ، فأعطى دليلا قاطعا لا يقبل الجدل على أن فتح لم تفرط يوما بالثوابت الوطنية ، وان توقيع الاتفاقيات لا يعني التنازل عن الثوابت ، وان التنسيق مع الجانب الإسرائيلي لتيسير الأمور الحياتية لشعبنا لا يعني التنازل أبداً ، وان الثوابت الوطنية خط احمر.
لقد أبدعت فتح كحزب حاكم في تحديد ضوابط علاقتها مع المجتمع الدولي وإسرائيل وحشدت تأييد العالم حتى وصلنا لمرحلة لم تحصل في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، باتت تشكو إسرائيل من انحياز أمريكي للفلسطينيين ، حيث قدمت إسرائيل الاحتجاج تلوى الاحتجاج في عهد نيتنياهو " سابقا " ضد السفارة الأمريكية في تل أبيب واتهمتها بالانحياز لموقف السلطة الفلسطينية ، بل تجاوزت ذلك واتهمت الرئيس كلينتون بالانحياز لموقف السلطة الفلسطينية، لدرجة أن مشادة كلامية وقعت بين نيتنياهو وكلينتون في واشنطن أو خلال زيارة كلينتون لإسرائيل والمنطقة، والتي توجها الرئيس الأمريكي بزيارة تاريخية إلى غزة ستبقى شاهدا على إنجازات فتح كحزب حاكم. هذا المثال يعطي الدليل على أن فتح كحزب حاكم نجحت ببراعة يسجلها التاريخ في جذب الموقف الأمريكي إلى حد ما لصالح القضية الفلسطينية حتى وان رأى بعض المشككين أن الموقف الأمريكي لم يتغير قيد أُنملة ، وان الانحياز الأمريكي لإسرائيل مطلق لا يمكن زحزحته ، نقول أن فتح كحزب حاكم استطاعت زحزحة الموقف الأمريكي ، وتعاملت مع الانحياز الأمريكي بحكمة لإدراكها حجم نفوذ اللوبي الصهيوني في أمريكا وتأثيره على صناعة القرار فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط . وهذا يعطي دليل على أن فتح كحزب حاكم قادرة على أن تكسب تأييد العالم خطوة ً خطوة لصالح القضية الفلسطينية والقضايا العربية .
والنقطة الثالثة التي تُسجل لفتح كحزب حاكم أنها أثبتت إنها التنظيم الفلسطيني الأكبر والوحيد الأكثر انفتاحاً على كافة فئات الشعب واتجاهاته السياسية ، بل أن فتح استطاعت أن تربي أبنائها وتعلمهم ثقافة الانفتاح ونبذ التعصب الحزبي ، فكانت مؤسسات السلطة المدنية والعسكرية تجسد وحدة وطنية راسخة ، فلم تكن المناصب والتعيينات حكراً على أبناء فتح ، فكانت لأبناء فتح وللتنظيمات وللمواطن الفلسطيني اللا منتمي لأي تنظيم .
والنقطة الرابعة أن فتح كحزب حاكم بقيادة الرئيس أبو مازن قررت إجراء الانتخابات التشريعية رغم المخاوف والمحاذير من احتمال عدم فوز فتح ، إلا أن القيادة الفلسطينية الفتحاوية رفضت تعطيل الحياة الديمقراطية خوفاً من عدم فوزها وأجريت انتخابات تشريعية فلسطينية شهدها العالم كله بنزاهتها ، وشهد العالم كله أيضا كيف احترمت فتح نتائج الانتخابات وكرست مبدأ التداول السلمي للسلطة ، والتداول السلمي للسلطة المقصود به تداول بين حزب أو فصيل إلى أخر ، من حزب حاكم إلى حزب جديد يحكم.
وفي الشأن الفتحاوي الداخلي نلاحظ أن فتح على مستوى القيادة العليا واللجنة المركزية لفتح والمجلس الثوري والقاعدة الفتحاوية في أرقى حالات تمسكها وانضباطها الآن ، يوجد حولها التفاف جماهيري غير مسبوق ، فقد اثبت الرئيس القائد أبو مازن انه خير من يقود فتح إلى بر الأمان بحكمته وحنكته السياسية وصدقه مع الذات والآخرين ، لقد تحمل الرئيس القائد أبو مازن أوجاع كثيرة بعد هزيمة فتح في الانتخابات التشريعية ، ولكنه علم الفتحاويين درساً ، أن فتح تنهض بالعمل الدءوب وبخدمة الجماهير وليس بالغوغاء ، وان خدمة الجماهير ومراعاة ظروفهم وتحسس مشاكلهم هو الطريق الوحيد للوصول إلى عقل ووجدان الجماهير وتحقيق الالتفاف الجماهيري الذي نراه الآن منقطع النظير حول فتح وقيادتها . والرئيس القائد أبو مازن كما كان الشهيد القائد أبو عمار لم يخلط يوما بين مسئولياته كقائد أعلى لفتح وبين مسئولياته كرئيس لكل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج بكل فئاته واتجاهاته السياسية . ومن هنا تمتع أبو مازن باحترام كبير على مستوى فتح وعلى مستوى كل أبناء شعبنا في الداخل والخارج وفصائله وأحزابه واتجاهاته السياسية المختلفة فكان محل إجماع فلسطيني نختلف عنده ولا نختلف عليه .
والحق يقال إن فتح خرجت من عنق الزجاجة وبدأت تتعافي بعمل دءوب عكف عليه ثلة من قيادات فتح بتوجيهات الرئيس القائد أبو مازن بمزيج رائع بين القيادات التاريخية في اللجنة المركزية لحركة فتح والقيادات الشابة في المجلس الثوري .
وما أردنا قوله أن فتح نهضت من كبوتها بإصلاحاتها الداخلية وبمعالجة أخطاء سابقة ، حيث كانت ضحية لعملية تشويه إعلامي مبرمج من قبل البعض بالتقليل من دورها التاريخي ، بل أحيانا القفز عنها ، وكأن عجلة التاريخ بدأت اليوم للحركة الوطنية الفلسطينية ، وربما يذكر البعض أن فتح ومن أهم حسناتها وبعد انطلاقتها كرمت وأرخت لرموز الحركة الوطنية الفلسطينية منذ مطلع القرن واعترفت بمكارم المجاهدين الفلسطينيين بكل الثورات التي عاشها شعبنا منذ مطلع القرن الماضي ، ولم تكن فتح قفزة في الهواء ، فكانت كوكبة كبيرة من أبناء شهداء الثورات الفلسطينية الذين التحقوا بحركة فتح . ولم يكن هذا التواصل مع ابناء الشهداء القادة للحركة الوطنية الفلسطينية لو أن فتح قفزت عن تاريخنا النضالي والوطني ولكنها كانت مكملة ، والآن يستمر التواصل بين الأجيال بدون عوائق .
ومن هنا نذكر بمقولة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عندما استقبل قيادة فتح في القاهرة بأن هذه الثورة وجدت لتبقى ، وأكد الرئيس الراحل أبو عمار على مقولة الزعيم جمال عبد الناصر بقوله دائما وجدت هذه الثورة لتبقى وتستمر ، ونقول نحن في فتح لم تكن حدثا عابرا في تاريخ شعبنا ، بل هي
جزء لا يتجزأ من الحركة الوطنية الفلسطينية منذ مطلع القرن الماضي وحتى الآن وقادة شعبنا من نصر إلى نصر .