صباح الخير في الليل
المواقف الطريفة أو الغريبة التي تقابلنا ليس لها زمان أو مكان محدد و ليس هناك احد منا لم تصادفه بعض من تلك المواقف الطريفة المحزن منها و السار و سأروي لكم موقفا طريفا و حقيقيا صادفته قبل عدة سنوات...
في الحي الذي أقطنه كنت أصادف بشكل يومي تقريبا رجلا في الخمسينيات من عمره تبدو على ملامحه الكثير من القوة و البأس و عندما تلتقي عيناي بعيناه مصادفة أحييه بتحية الصباح: صباح الخير
فيجيبني و بلا تردد:الله يسعد مساك...مساء الخير .
و إذا تصادف و قابلته في المساء عند عودتي من العمل أحييه أيضا بمساء الخير
و يجيبني أيضا و بلا تردد : الله يسعد صباحك....صباح الخير .
لا أخفي عن القارئ أنني كنت أشعر بالغرابة و الاستغراب و الدهشة من أجوبته الفورية و الغريبة ففي الصباح يحييني بمساء الخير و في المساء يحييني بصباح الخير و كانت قسوة ملامحه تمنعني من سؤاله عن ردوده الغريبة و مع مرور الأيام تشكلت عندي قناعة أن هذا الرجل من البسطاء جدا و من الممكن أنه يعاني من بعض الاضطرابات النفسية و بناء على تلك الصورة التي تشكلت عندي كنت أحاول تجنبه بقدر المستطاع ليس تكبرا أو تيها لا سمح الله و لكنه حزنا عليه و على سنوات عمره الضائعة نتيجة اضطرابه النفسي رغم أنه موفور الصحة و شديد البأس كما ينبئ مظهره الخارجي.
و في إحدى الصباحات لمحته واقفا ينظر إلي و تعلو وجهه ابتسامة خجولة فحاولت تجنبه كالمعتاد لكنه تقدم نحوي بثبات و حياني بمساء الخير
و قبل أن أجيبه أردف قائلا : أتظنني مجنونا؟؟؟
تلعثم الرد في حلقي و قلت: أعوذ بالله..
ابتسم بمودة و حب و قال: ليس هناك من داع للخجل فالجميع يعتقد ما تعتقده و معك و معهم حق فكيف أحيّي في الصباح بمساء الخير و في المساء بصباح الخير
فتلعثمت مجددا و قلت:هذا شأنك.
تجاهل ردي شبه الجاف و قال:تبدو إنسانا طيبا لهذا سأشرح لك السبب و أبوح لك بسري...
تظاهرت بعدم الاهتمام رافعا حاجباي و إن كان داخلي يكاد ينفجر شوقا إلى معرفة السبب,و بابتسامة تجمع كل ما في هذا العالم من طيبة قال : يا أستاذ أنا أعمل عتالا (حمالا) و على باب الله إن رزقني الله برزقه أكلت في هذا اليوم أنا و زوجتي و أولادي الأربعة و إن جافاني الرزق فلا حول و لا قوة إلا بالله فقد أنام و عائلتي ببطون خاوية.
أحسست عندها بتعاطف شديد نحوه و مددت يدي إلى جيبي محاولا إخراج بعض النقود فوضع يده الغليظة فوق يدي و ابتسم قائلا:أنا لست متسولا يا أستاذ و الحمد لله على كل شيء.
ابتسمت خجلا و قلت:لم اقصد الإهانة بل المساعدة.
هز رأسه موافقا و أردف:المهم يا أستاذ عندما يرزقني الله برزقه أعود إلى المنزل حاملا الطعام و الحلوى لأولادي و أرى الابتسامة تعلو وجه زوجتي الصابرة مصحوبة بقولها:الله يعطيك العافية...
و يقفز الأولاد حولي فرحين بما جلبته من طعام و حلوى عندها تشرق الشمس عندي و يبدأ صباحي...
و هربا من دموع قفزت من عيناي قبلته في رأسه و قلت : اعذرني يا صديقي و أردفت ضاحكا : رغم أننا في أول ساعات الصباح سأقول لك مساء الخير يا صديقي.
سليمان عباسي _كاتب فلسطيني
المواقف الطريفة أو الغريبة التي تقابلنا ليس لها زمان أو مكان محدد و ليس هناك احد منا لم تصادفه بعض من تلك المواقف الطريفة المحزن منها و السار و سأروي لكم موقفا طريفا و حقيقيا صادفته قبل عدة سنوات...
في الحي الذي أقطنه كنت أصادف بشكل يومي تقريبا رجلا في الخمسينيات من عمره تبدو على ملامحه الكثير من القوة و البأس و عندما تلتقي عيناي بعيناه مصادفة أحييه بتحية الصباح: صباح الخير
فيجيبني و بلا تردد:الله يسعد مساك...مساء الخير .
و إذا تصادف و قابلته في المساء عند عودتي من العمل أحييه أيضا بمساء الخير
و يجيبني أيضا و بلا تردد : الله يسعد صباحك....صباح الخير .
لا أخفي عن القارئ أنني كنت أشعر بالغرابة و الاستغراب و الدهشة من أجوبته الفورية و الغريبة ففي الصباح يحييني بمساء الخير و في المساء يحييني بصباح الخير و كانت قسوة ملامحه تمنعني من سؤاله عن ردوده الغريبة و مع مرور الأيام تشكلت عندي قناعة أن هذا الرجل من البسطاء جدا و من الممكن أنه يعاني من بعض الاضطرابات النفسية و بناء على تلك الصورة التي تشكلت عندي كنت أحاول تجنبه بقدر المستطاع ليس تكبرا أو تيها لا سمح الله و لكنه حزنا عليه و على سنوات عمره الضائعة نتيجة اضطرابه النفسي رغم أنه موفور الصحة و شديد البأس كما ينبئ مظهره الخارجي.
و في إحدى الصباحات لمحته واقفا ينظر إلي و تعلو وجهه ابتسامة خجولة فحاولت تجنبه كالمعتاد لكنه تقدم نحوي بثبات و حياني بمساء الخير
و قبل أن أجيبه أردف قائلا : أتظنني مجنونا؟؟؟
تلعثم الرد في حلقي و قلت: أعوذ بالله..
ابتسم بمودة و حب و قال: ليس هناك من داع للخجل فالجميع يعتقد ما تعتقده و معك و معهم حق فكيف أحيّي في الصباح بمساء الخير و في المساء بصباح الخير
فتلعثمت مجددا و قلت:هذا شأنك.
تجاهل ردي شبه الجاف و قال:تبدو إنسانا طيبا لهذا سأشرح لك السبب و أبوح لك بسري...
تظاهرت بعدم الاهتمام رافعا حاجباي و إن كان داخلي يكاد ينفجر شوقا إلى معرفة السبب,و بابتسامة تجمع كل ما في هذا العالم من طيبة قال : يا أستاذ أنا أعمل عتالا (حمالا) و على باب الله إن رزقني الله برزقه أكلت في هذا اليوم أنا و زوجتي و أولادي الأربعة و إن جافاني الرزق فلا حول و لا قوة إلا بالله فقد أنام و عائلتي ببطون خاوية.
أحسست عندها بتعاطف شديد نحوه و مددت يدي إلى جيبي محاولا إخراج بعض النقود فوضع يده الغليظة فوق يدي و ابتسم قائلا:أنا لست متسولا يا أستاذ و الحمد لله على كل شيء.
ابتسمت خجلا و قلت:لم اقصد الإهانة بل المساعدة.
هز رأسه موافقا و أردف:المهم يا أستاذ عندما يرزقني الله برزقه أعود إلى المنزل حاملا الطعام و الحلوى لأولادي و أرى الابتسامة تعلو وجه زوجتي الصابرة مصحوبة بقولها:الله يعطيك العافية...
و يقفز الأولاد حولي فرحين بما جلبته من طعام و حلوى عندها تشرق الشمس عندي و يبدأ صباحي...
و هربا من دموع قفزت من عيناي قبلته في رأسه و قلت : اعذرني يا صديقي و أردفت ضاحكا : رغم أننا في أول ساعات الصباح سأقول لك مساء الخير يا صديقي.
سليمان عباسي _كاتب فلسطيني