وقفة مع مذكرات المناضل مـحمد مشاطي أحد مفجري ثورة التحرير الجزائرية(1954-1962م)
بقلم:محمد سيف الإسلام بـوفـلاقـة
-جامعة عنابة-
صاحب هذا الكتاب هو المناضل الكبير محمد مشاطي عضو مجموعة(22)التاريخية،ويعد من الرعيل الأول للحركة الوطنية،كان مناضلاً بارزاً في المنظمة الخاصة،ومن بين أوائل مسؤولي فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا.
تعتبر الشهادة التي يقدمها من خلال هذا الكتاب الموسوم ب«مسار مناضل»،والذي تولت ترجمته إلى اللغة العربية الأستاذة زينب قبي،شهادة قيمة ونادرة،ومساهمة ثمينة كونها صادرة عن واحد ممن صنعوا الحدث التاريخي العظيم وفجروا الثورة التحريرية المباركة، يستعيد من خلاله المناضل الكبير،والمجاهد الفذ محمد مشاطي مسيرته النضالية.
يحتوي الكتاب على مقدمة كتبها دحو جربال وثمانية أقسام رئيسة كل قسم منه يرصد محطة من محطات حياة المناضل محمد مشاطي الثرية والمتنوعة،ونجد في الأخير خلاصة،وكلمة الختام،ومقالات الكفاح التي هي في الأصل مساهمات المناضل محمد مشاطي في وسائل الإعلام بخصوص المسائل الكبرى والنقاشات الوطنية،وملحق يضم مجموعة من المراسلات،وقد توزع الكتاب على200 صفحة.
وصف دحو جربال هذا الكتاب في تقديمه له بقوله«بهذا الكتاب تكون بين أيدينا إحدى الشهادات النادرة لعضو لما تعودنا على تسميته(لجنةال22)،والتي ستُسمى ابتداءً من الآن(لجنةال21).فعلاً،قليلون هم الأحياء من هذه المجموعة الشهيرة الذين اجتمعوا في بيت متواضع هادئ في حي لارودوت(المرادية)صائفة1954،والذين اتخذوا قراراً أصبح فيما بعد حدثاً تاريخياً حقيقياً.هناك حوارات أعطاها بعض منهم أونصوصاً صدرت في وسائل الإعلام أو كتباً تم تحرير أغلبها من طرف أصحاب أقلام كرماء.ولكننا هنا أمام إنتاج لعمل طويل تم برفقة مؤرخين من جيل الاستقلال.إننا نجد في هذا السرد ما ينقص المذكرات المحررة بسرعة قصد الاستجابة إلى إحياء مناسبة ما ولسبب ظرفي.
وبتتبعنا لمسار الشاهد منذ طفولته الأولى نجد أنفسنا منغمسين في الوسط القسنطيني الذي احتضنه وزوده بمعارفه الأولى،التي ستسمح له بالنجاة أمام الكم الهائل من المحن.نكتشف ثراء المجتمع بحرفييه الصغار وزواياه،وكذلك التباين المادي الذي نجده بين العائلات الصغيرة والكبيرة.نطلع أيضاً على الروابط التي تجمع أو تفرق مجموعات الانتماء سواء كانت في العرق أو الدين أو الجيرة.نشاهد بروز وجوه مؤثرة لم يسجل(التاريخ)أسماءها دائماً.نفهم أكثر الحيز الذي أخذته بعض الشخصيات في الحياة السياسية أو الدينية في المدينة القسنطينية.ولأول مرة نطلع على الطرق والوسائل التي استعملها المناصرون الأوائل للاستقلال لفتح مجال ملائم كانت تتحكم فيه دون مشاركة الوجوه الكبيرة للاندماج والإصلاح الديني»(ص:9).
ورأى دحو جربال أن كتاب محمد مشاطي هو من الأهمية بمكان ليس من باب سرد الحكايات بل من الجانب التاريخي الحقيقي،فالقارئ يتابع مع محمد مشاطي مسار شاب متمرن بالمدرسة التطبيقية« للصيدلة بقسنطينة الذي جند في صفوف الجيش الفرنسي وشارك في الحملات الكبرى للجبهة الجنوبية والذي فجأة يجد نفسه في8 ماي1945مواجهاً الواقع الدامي للنظام الاستعماري.عندها تحول كل شيء،والتقى العسكري المسرح أولئك الذين سيقودونه ويرافقونه في طريق التحرر.كم من أسماء مشهورة وكم من مناضل مجهول،وهم يخاطرون بحياتهم،أسسوا تنظيم حزب الشعب الجزائري ونشروه في أبعد نقاط البلاد.وياله من عمل جبار ذلك الذي يقوم به المناضل السري الذي تم دمجه في المنظمة الخاصة ليذهب إلى لقاء الثوار الحقيقيين،والذي راح مثلهم من قرية إلى قرية ومن دوار إلى دوار،ينسج الخيوط على مدى السنين لما سيصبح فيما بعد جبهة التحرير الوطني/جيش التحرير الوطني في نوفمبر1954.
لكن،وإضافة إلى كثير من الشهادات الأخرى يتحدث محمد مشاطي عن(لجنةال21)وعن سوء التفاهم والخلافات وحتى الصراعات التي كان يحملها الحدث.يمكن أن نلومه لنقده المبالغ فيه والشخصاني في بعض الأحيان لسلطوية بعض القادة الكارزماتيين،ولكنه من الأهمية الكبرى أن نسمع ذلك بصوت أحد من كان من أقرب رفاقهم.ونفهم هكذا ظروف ما سماه بعضهم(تهرّب مجموعة قسنطينة)في نوفمبر1954.وهناك أيضاً أحداث هامة نجدها في أجزاء هذا الكتاب والمخصصة لإرساء فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا والتي كان محمد مشاطي أحد مسؤوليها الأوائل.
ويستمر مسار المناضل في زنازين السجون الفرنسية الكبرى قبل أن يعانق الحرية أخيراً رفقة إخوانه.
ولكن الجزء الأخير من هذا المسار كان أكثر فوضوية،بل حتى دراماتيكياً،وهو يلخص لوحده ما عرفه المئات بل حتى الآلاف من المكافحين في الأيام الأولى للاستقلال.إنه نص لا يمكن أن نعتبره بالمفهوم الدقيق كوثيقة تاريخية ولكنه دون شك سيساهم في كتابة تاريخ ما زال غير معروف،تاريخ من لا صوت لهم»(ص:10).
في القسم الأول المعنون ب: «طفولة فقيرة» عرَّف المؤلف بأسرته،ومحطاته الأولى فأسرته يعود أصلها إلى بني مشاط(دوار مشاط)ببلدية الميلية بالشمال القسنطيني بين الميلية والقل،وقد ولد المؤلف في 4 مارس1921 وترعرع في بيت عربي بالحي القديم سيدي بوعنابة بقسنطينة حيث كان البؤس طاغياً على معيشة أسرتهم،وقد بين المؤلف العلاقات التي تربط الأسرة مع بعضها البعض،وبمحيطها،كما استحضر العادات والتقاليد التي كانت سائدة في المدينة في تلك الفترة،وتطرق كذلك إلى دخوله زاوية سيدي عبد المؤمن في سن الخامسة،وبداية تعليمه القرآني في زاوية سيدي عبد المؤمن،وعن تحوله من التعليم العربي في الزوايا العربية إلى التعليم الفرنسي في المدرسة الفرنسية يقول المؤلف«لم تسمح لي الظروف بمواصلة تعلم اللغة العربية في المدرسة.والدي الذي مازلت أذكر وجهه المبتهج يوم ختاني غيبه السل في1929.وبادر عمي عبد الرحمن في السنة الموالية ورغم تحفظات الشيخ بتسجيلي بمدرسة آراغو،المدرسة الفرنسية للأهالي.كنت في التاسعة من العمر وقد تجاوزت سنة الالتحاق المفترضة مما أدى إلى طردي بعد أربع سنوات دون أن أتقدم إلى الشهادة الابتدائية.
في1935تمكن عمي من تسجيلي في مدرسة جول فيري في فرع تعلم المهن الذي كان يديره السيد بول ايستولج؛كان من فرنسيي فرنسا،وأيضاً مسؤولاً عن الحزب الشيوعي الجزائري بمحافظة قسنطينة،كان رجلاً استثنائياً بحق،يحب الجزائر والجزائريين بصدق.أذكر أنه دخل يوماً إلى القسم حاملاً كتاباً عن إسبانيا المسلمة،وهو يرينا صوراً لروائع الفن والهندسة قال لنا(انظروا جيداً يا أطفال،أجدادكم هم الذين أنجزوا كل هذا).تأثرنا حينها كثيراً وشعرنا بفخر كبير.دامت تربصات التكوين التي يضاف إليها دروس مسائية بالمدرسة التطبيقية للصناعة ثلاث سنوات.في النهار كنا نتعلم صناعة القدور وطرق النحاس ونقشه رفقة المعلم الطيب زولي من سعيدة والذي كان بيداغوجياً جيداً ولطيفاً جداً مع تلاميذه،وفي المساء نتعلم مع معلم فرنسي الضبط الميكانيكي والرسم الصناعي.للأسف وجدت نفسي مع نهاية فترة التمرين بطالاً،وكان ذلك نصيبنا كشباب من الأهالي»(ص:18).
وتطرق المؤلف في هذا القسم إلى حياته بعد وفاة عمه سنة:1935م حينما وجد نفسه دون دعم،ولكسب قوته عمل بائعاً للجرائد في الطرقات،وحمالاً للقفف،كما عمل نادلاً في مقهى وهذا ما كان يضمن له الأكل والمبيت.
وفي الجزء الثاني من هذا القسم توقف المؤلف مع الأحداث الهامة التي وقعت ما بين سنة:1921 م حتى سنة:1938م،ولعل أبرز ما تحدث عنه باستفاضة في هذا الجزء حديثه عن تلك الأحداث الدامية التي وقعت بين المسلمين واليهود،والتي شهدها المؤلف وعاشها في صيف سنة:1934م.
في القسم الثاني الموسوم«حلقة اللواء السابع للمشاة الجزائريين»تحدث محمد مشاطي عن تجنيده في اللواء السابع للمشاة الجزائريين ومشاركته في الحرب العالمية الثانية،حيث توجه إلى تونس إلى قصر الحلوف بالقرب من الحدود الليبية لمواجهة الجيش الإيطالي،ويشير إلى أنه لم تحصل اشتباكات واقتصر العمل على حفر الخنادق في حرارة الصحراء الملتهبة،وفي سنة: 1942م حينما تم الإنزال الأمريكي في منطقة وهران أمر اللواء الذي يعمل به بالتوجه إلى عين آرنات بعد المكوث لسنتين بسطيف،وبعد ذلك تم توجيه اللواء مرة أخرى إلى تونس لمواجهة قوات الجنرال الألماني الشهير رومل،وقد تم الاكتفاء بالمساعدة،ويذكر المؤلف أنه بعد التموقع في المنطقة الوهرانية تم النزول بمدينة نابولي الإيطالية،ويشير المؤلف إلى أن الهجوم على مونتي كاسينو التي كانت تتمتع بسمعة المناعة قد أعطى لديمونزافار تسمية(الجزار)بسبب الهجومات الجنونية التي فرضت على اللواء الذي كان يعمل به،ويصف المؤلف الأحداث التي وقعت في تلك المرحلة بقوله«كانت الخسائر كبيرة جداً،وكانت البطولة والشجاعة في أندر صورها.أرسلت فرق أخرى للمساعدة خاصة لواء طابور المغاربة(من بينهم أحمد بن بلة)الذين مُنحوا لسبب لا أعرفه حق الغنيمة.عدة أيام من القتال وأطنان من القنابل التي تم إطلاقها على الدير في القمة ومحاصرة الجبل من طرف القوات الأمريكية والإنجليزية والفرنسية كانت ضرورية للتمكن منه.وهو نصر سمح بعد ذلك بالتقدم السريع نحو روما وتحريرها وكذا سيان بتوسكانيا نحو جويلية 1944م»(ص:29).
ويختتم محمد مشاطي هذا القسم بالإشارة إلى المجازر التي وقعت في حق الشعب الجزائري بعد نهاية الحرب العالمية الثانية،حيث يقول إنه استقبل أخبار الجرائم التي وقعت في حق شعبه بفزع كبير ففي نفس الوقت الذي كان فيه العالم أجمع يحتفل بنهاية الحرب بسعادة من يتذوق طعم الحرية والاستقلال،كان الشعب الجزائري يتعرض لأبشع قمع يصف محمد مشاطي تلك الأحداث الدموية بقوله: «كان الشعب الجزائري تحت الوصاية الاستعمارية- نستحضر مقولة الجنرال ديغول(وعلى الخصوص،يجب ألا تفلت الجزائر من بين أصابعنا)وكان يتعرض لأبشع قمع.وأطلقت يد العسكر الفرنسيين والميليشيات المدنية المسلحة من كبار المعمرين:مجازر،تعذيب،اعتقالات على المستوى الوطني،أفران حرق جثث لمحو آثار الجرائم-45 ألف قتيل وأكثر من 100ألف معتقل في كل البلاد حسب التقديرات خلال الأيام والأسابيع التي تلت عاشت قالمة،سطيف،خراطة وعموشة الجحيم.كانت النتيجة بالنسبة لي فورية:رميت إلى الجحيم بوعود ترقيتي إلى رتبة الضابط التي كنت أنتظر وكذلك التهديدات.سبع سنوات من الخدمة في الجيش الفرنسي كانت قد انتهت نهائياً،وطلبت تحريري على الفور.كنت في الرابعة والعشرين.حياة جديدة تبدأ لكن هذه المرة بطاقة موجهة كلها لضرورة مساعدة شعبي للتحرر»(ص:31).
وأما في القسم الثالث الذي يحمل عنوان«النضال في حزب الشعب الجزائري» يتحدث محمد مشاطي في البدء عن بدايات نضاله في حزب الشعب وعن أوائل المهمات التي قام بها من بينها وضع المناشير في مدينة تبسة،إضافة إلى مهمات أخرى قام بها في مدينة عنابة،وبسكرة،وسكيكدة حيث كان يلتقي بكبار المناضلين أمثال:الشهيد ديدوش مراد،وصالح لعوج،وعمار كلالة وغيرهم.
كما تعرض بالشرح لمرحلة نضجه السياسي،والتحاقه بالمنظمة الخاصة التي كان على رأسها محمد بلوزداد،وعين حسين آيت أحمد نائباً له،حيث التحق بها مع نهاية سنة:1947م،ويذكر أن المجاهد محمد بوضياف الذي كان مناضلاً من المسيلة كان هو المسؤول على المنظمة الخاصة بمنطقة قسنطينة،وقد كانت تجتمع قيادة الأركان في بيت منعزل بالقرب من منعرجات وادي الرمال حيث كانت تقطن هناك عائلات تقرب من عبد السلام لحباشي وحداد لحمادة،وقد كان فريقه يتكون من العربي بن مهيدي وديدوش مراد وغراس عبد الرحمن وشرقي إبراهيم وكان بوضياف يشرف على عملهم،وكان يأتي مُقنعاً للقيام بالمراقبة.
يحمل القسم الرابع من الكتاب عنوان«قائد منطقة للمنظمة الخاصة» وفيه عرض مسيرته بصفته قائداً لمنطقة للمنظمة الخاصة وفيه تحدث عن التحول والانتقال من قسنطينة إلى الجزائر بعد أن طلبت منه سلطة الحزب ذلك لحاجيات التنظيم،وفور وصوله إلى العاصمة وفق الموعد المحدد التقى بثلاثة أشخاص هم :محمد بوضياف والعربي بن مهيدي وديدوش مراد،وبعد ذلك التقى بمحمد بوضياف الذي أخبره باختياره قائداً للمنظمة الخاصة للجهة العاصمية،وذكر له بأنه سيكون مسؤولاً عن بئر خادم،وبودواو(لالما)،بال فونتين،مينرفيل باليسترو،المدية،البرواقية،قصر البخاري والشلالة.
وقد كان يلتقي به كل شهر ليُقدم له عرضاً عن مهمته وعن الأوضاع،ولكي يتسلم تعليمات جديدة.وبعد المطاردات الكثيرة التي تعرض لها بالجزائر من قبل الشرطة الاستعمارية،ومع تواصل القمع الشديد ضد المنظمة الخاصة فقد قرر الحزب حل المنظمة في فبراير1951(أو على الأقل تجميدها إلى غاية أوقات ملائمة كما يذكر المؤلف)،كما تقرر تعيينه في المنطقة الوهرانية لدعم الحركة السياسية داخل حركة انتصار الحريات الديمقراطية.
وقد عمل في هذه المرحلة في عدة مدن فعين في البدء بدائرة معسكر،وعمل بسعيدة،والبيض،ومشرية وعين الصفراء،وبني ونيف،وبشار والقنادسة.
وانتهى محمد مشاطي في هذا الفصل إلى الإشارة إلى أن نهاية نشاطاته في هذه المنطقة كانت في شهر ديسمبر1953م وذلك لأسباب صحية،حيث كان منهكاً،وكانت آثار مرض الصدر تفرض عليه التفرغ للعلاج،وتم استخلافه ببشير شيحاني.
في القسم الخامس المعنون«اختلافات في الرؤى وخلافات بخصوص انطلاق الكفاح المسلح»تطرق المؤلف إلى التوترات التي عرفتها سنة:1953م داخل حزب الشعب الجزائري/حركة انتصار الحريات الديمقراطية،وتوقف مع الخلافات التي نشبت بين مصالي الحاج وأعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي،وذكر أنه كان يؤيد اللجنة المركزية،وأشار إلى أن الجميع كان مصمماً على الكفاح ولذلك فقد كان تشكيل اللجنة الثورية للوحدة والعمل هو الطريق الجديد نحو الفعل والتطبيق،وتحدث عن اجتماع الجزائر الذي وقع في نهاية جوان1954م حيث استدعي لحضور ذلك الاجتماع التاريخي،وبخصوص عدد المشاركين كم كان عددهم أصلا؟21 أو22؟ يقول المؤلف«حضرنا معظمنا في سرية، وهو ما يعني أن هناك الكثير من الحواجز بيننا.استعمال أسماء مستعارة وبالطبع عدم وجود أوراق أو مذكرات مكتوبة.
والذاكرة كما يقال انتقائية ومحوَّرة،وإن كنا نقبل بالتقريبي أم لا،لم أقم باستنتاجات سوى بناءً على ما عشته في تلك المرحلة والتي تم إحياؤها عبر كتابات وقراءات في السنوات الأولى للاستقلال.
وفعلاً،ظهر سنة1968 الجزء الأول من كتاب كبير يعيد تشكيل سبع سنوات من حرب الجزائر،كتبه صحفي ومراسل حرب هو إيف كوريير مشيراً إلى اجتماع سنة:1954. وضع هذا الكتاب لأول مرة القائمة الاسمية للمشاركين،فوجد اثنين وعشرين ومن بينهم الحاج بن علة(الرئيس الثاني لأول مجلس وطني سنة:1962م)الذي لم يشارك وقالها بدون تردد. ها نحن إذاً في1968 مع اجتماع ل22 شخصاً حسب كوريير،ثم أخذ قائمته هذه حرفياً،مع نفس التاريخ الدقيق(25 جويلية؟)،بعد مرور أكثر من سنتين أي في سنة: 1970،من طرف محمد البجاوي في أول الكتب التي ألفها كاتب وناشط جزائري في الثورة،ويحمل عنوان(حقائق حول الثورة الجزائرية).وابتداءً من سنوات السبعينيات دخل في التاريخ والتعبير تسمية(أعضاء مجموعة22)،بهذه القائمة لاثنين وعشرين شخصاً ناقص منها واحد أعلن أنه لم يكن حاضراً ،وهكذا صار بالنسبة لي،وبكل نية حسنة ومنطق(21 المدعوون 22 خطأ)» (ص:67-68).
في القسم السادس الذي جاء تحت عنوان«فيدرالية جبهة التحرير في فرنسا»يبين المؤلف مساره النضالي في فيدرالية فرنسا، حيث تحدث في البدء عن إقامته بليون بسبب ظروفه الصحية، وتطرق إلى مسؤولياته بفدرالية جبهة التحرير بفرنسا حينما كُلف بالمنطقة الشرقية،ونشاطاته في تلك الفترة بباريس.
من خلال القسم السابع الذي يحمل عنوان«سنوات السجن»تحدث محمد مشاطي عن اعتقاله حينما كان يأتي إلى باريس لأخذ الكتابات والمناشير والجرائد وتوزيعها في كل منطقة الشرق التي كان يُشرف عليها لما يقارب السنة حيث ترصدتهم الشرطة واعتقل مع صديقه شبلي ووجهت له تهمة المساس بأمن الدولة،واعتبر منشطاً لتنظيم ذي طابع تخريبي،وتم اقتياده إلى سجن لا صانتي معزولاً في قسم المحكوم عليهم بالإعدام،وقد كان من أوائل المعتقلين من جبهة التحرير الوطني،وبعد دخوله في إضراب عن الطعام حصل على نظام السجناء السياسيين وروى المؤلف يومياته بالسجن حيث كان في قسم السياسيين رفقة مجموعة مشكلة من دوم،وبن سالم،وغراس،وقد كان يزروهم بعض المحامين المتعاطفين مع جبهة التحرير الوطني،وكانوا يزودونهم بالمعلومات.
ـــــــــــــــــــــــــــ
العنوان:
الأستاذ/محمد سيف الإسلام بوفـلاقـة
ص ب:76 A ( وادي القبة) -عنابة – الجزائر
الناسوخ (الفاكس) : 35 15 54 38 (213)00
البريد الإلكتروني : [email protected]
بقلم:محمد سيف الإسلام بـوفـلاقـة
-جامعة عنابة-
صاحب هذا الكتاب هو المناضل الكبير محمد مشاطي عضو مجموعة(22)التاريخية،ويعد من الرعيل الأول للحركة الوطنية،كان مناضلاً بارزاً في المنظمة الخاصة،ومن بين أوائل مسؤولي فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا.
تعتبر الشهادة التي يقدمها من خلال هذا الكتاب الموسوم ب«مسار مناضل»،والذي تولت ترجمته إلى اللغة العربية الأستاذة زينب قبي،شهادة قيمة ونادرة،ومساهمة ثمينة كونها صادرة عن واحد ممن صنعوا الحدث التاريخي العظيم وفجروا الثورة التحريرية المباركة، يستعيد من خلاله المناضل الكبير،والمجاهد الفذ محمد مشاطي مسيرته النضالية.
يحتوي الكتاب على مقدمة كتبها دحو جربال وثمانية أقسام رئيسة كل قسم منه يرصد محطة من محطات حياة المناضل محمد مشاطي الثرية والمتنوعة،ونجد في الأخير خلاصة،وكلمة الختام،ومقالات الكفاح التي هي في الأصل مساهمات المناضل محمد مشاطي في وسائل الإعلام بخصوص المسائل الكبرى والنقاشات الوطنية،وملحق يضم مجموعة من المراسلات،وقد توزع الكتاب على200 صفحة.
وصف دحو جربال هذا الكتاب في تقديمه له بقوله«بهذا الكتاب تكون بين أيدينا إحدى الشهادات النادرة لعضو لما تعودنا على تسميته(لجنةال22)،والتي ستُسمى ابتداءً من الآن(لجنةال21).فعلاً،قليلون هم الأحياء من هذه المجموعة الشهيرة الذين اجتمعوا في بيت متواضع هادئ في حي لارودوت(المرادية)صائفة1954،والذين اتخذوا قراراً أصبح فيما بعد حدثاً تاريخياً حقيقياً.هناك حوارات أعطاها بعض منهم أونصوصاً صدرت في وسائل الإعلام أو كتباً تم تحرير أغلبها من طرف أصحاب أقلام كرماء.ولكننا هنا أمام إنتاج لعمل طويل تم برفقة مؤرخين من جيل الاستقلال.إننا نجد في هذا السرد ما ينقص المذكرات المحررة بسرعة قصد الاستجابة إلى إحياء مناسبة ما ولسبب ظرفي.
وبتتبعنا لمسار الشاهد منذ طفولته الأولى نجد أنفسنا منغمسين في الوسط القسنطيني الذي احتضنه وزوده بمعارفه الأولى،التي ستسمح له بالنجاة أمام الكم الهائل من المحن.نكتشف ثراء المجتمع بحرفييه الصغار وزواياه،وكذلك التباين المادي الذي نجده بين العائلات الصغيرة والكبيرة.نطلع أيضاً على الروابط التي تجمع أو تفرق مجموعات الانتماء سواء كانت في العرق أو الدين أو الجيرة.نشاهد بروز وجوه مؤثرة لم يسجل(التاريخ)أسماءها دائماً.نفهم أكثر الحيز الذي أخذته بعض الشخصيات في الحياة السياسية أو الدينية في المدينة القسنطينية.ولأول مرة نطلع على الطرق والوسائل التي استعملها المناصرون الأوائل للاستقلال لفتح مجال ملائم كانت تتحكم فيه دون مشاركة الوجوه الكبيرة للاندماج والإصلاح الديني»(ص:9).
ورأى دحو جربال أن كتاب محمد مشاطي هو من الأهمية بمكان ليس من باب سرد الحكايات بل من الجانب التاريخي الحقيقي،فالقارئ يتابع مع محمد مشاطي مسار شاب متمرن بالمدرسة التطبيقية« للصيدلة بقسنطينة الذي جند في صفوف الجيش الفرنسي وشارك في الحملات الكبرى للجبهة الجنوبية والذي فجأة يجد نفسه في8 ماي1945مواجهاً الواقع الدامي للنظام الاستعماري.عندها تحول كل شيء،والتقى العسكري المسرح أولئك الذين سيقودونه ويرافقونه في طريق التحرر.كم من أسماء مشهورة وكم من مناضل مجهول،وهم يخاطرون بحياتهم،أسسوا تنظيم حزب الشعب الجزائري ونشروه في أبعد نقاط البلاد.وياله من عمل جبار ذلك الذي يقوم به المناضل السري الذي تم دمجه في المنظمة الخاصة ليذهب إلى لقاء الثوار الحقيقيين،والذي راح مثلهم من قرية إلى قرية ومن دوار إلى دوار،ينسج الخيوط على مدى السنين لما سيصبح فيما بعد جبهة التحرير الوطني/جيش التحرير الوطني في نوفمبر1954.
لكن،وإضافة إلى كثير من الشهادات الأخرى يتحدث محمد مشاطي عن(لجنةال21)وعن سوء التفاهم والخلافات وحتى الصراعات التي كان يحملها الحدث.يمكن أن نلومه لنقده المبالغ فيه والشخصاني في بعض الأحيان لسلطوية بعض القادة الكارزماتيين،ولكنه من الأهمية الكبرى أن نسمع ذلك بصوت أحد من كان من أقرب رفاقهم.ونفهم هكذا ظروف ما سماه بعضهم(تهرّب مجموعة قسنطينة)في نوفمبر1954.وهناك أيضاً أحداث هامة نجدها في أجزاء هذا الكتاب والمخصصة لإرساء فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا والتي كان محمد مشاطي أحد مسؤوليها الأوائل.
ويستمر مسار المناضل في زنازين السجون الفرنسية الكبرى قبل أن يعانق الحرية أخيراً رفقة إخوانه.
ولكن الجزء الأخير من هذا المسار كان أكثر فوضوية،بل حتى دراماتيكياً،وهو يلخص لوحده ما عرفه المئات بل حتى الآلاف من المكافحين في الأيام الأولى للاستقلال.إنه نص لا يمكن أن نعتبره بالمفهوم الدقيق كوثيقة تاريخية ولكنه دون شك سيساهم في كتابة تاريخ ما زال غير معروف،تاريخ من لا صوت لهم»(ص:10).
في القسم الأول المعنون ب: «طفولة فقيرة» عرَّف المؤلف بأسرته،ومحطاته الأولى فأسرته يعود أصلها إلى بني مشاط(دوار مشاط)ببلدية الميلية بالشمال القسنطيني بين الميلية والقل،وقد ولد المؤلف في 4 مارس1921 وترعرع في بيت عربي بالحي القديم سيدي بوعنابة بقسنطينة حيث كان البؤس طاغياً على معيشة أسرتهم،وقد بين المؤلف العلاقات التي تربط الأسرة مع بعضها البعض،وبمحيطها،كما استحضر العادات والتقاليد التي كانت سائدة في المدينة في تلك الفترة،وتطرق كذلك إلى دخوله زاوية سيدي عبد المؤمن في سن الخامسة،وبداية تعليمه القرآني في زاوية سيدي عبد المؤمن،وعن تحوله من التعليم العربي في الزوايا العربية إلى التعليم الفرنسي في المدرسة الفرنسية يقول المؤلف«لم تسمح لي الظروف بمواصلة تعلم اللغة العربية في المدرسة.والدي الذي مازلت أذكر وجهه المبتهج يوم ختاني غيبه السل في1929.وبادر عمي عبد الرحمن في السنة الموالية ورغم تحفظات الشيخ بتسجيلي بمدرسة آراغو،المدرسة الفرنسية للأهالي.كنت في التاسعة من العمر وقد تجاوزت سنة الالتحاق المفترضة مما أدى إلى طردي بعد أربع سنوات دون أن أتقدم إلى الشهادة الابتدائية.
في1935تمكن عمي من تسجيلي في مدرسة جول فيري في فرع تعلم المهن الذي كان يديره السيد بول ايستولج؛كان من فرنسيي فرنسا،وأيضاً مسؤولاً عن الحزب الشيوعي الجزائري بمحافظة قسنطينة،كان رجلاً استثنائياً بحق،يحب الجزائر والجزائريين بصدق.أذكر أنه دخل يوماً إلى القسم حاملاً كتاباً عن إسبانيا المسلمة،وهو يرينا صوراً لروائع الفن والهندسة قال لنا(انظروا جيداً يا أطفال،أجدادكم هم الذين أنجزوا كل هذا).تأثرنا حينها كثيراً وشعرنا بفخر كبير.دامت تربصات التكوين التي يضاف إليها دروس مسائية بالمدرسة التطبيقية للصناعة ثلاث سنوات.في النهار كنا نتعلم صناعة القدور وطرق النحاس ونقشه رفقة المعلم الطيب زولي من سعيدة والذي كان بيداغوجياً جيداً ولطيفاً جداً مع تلاميذه،وفي المساء نتعلم مع معلم فرنسي الضبط الميكانيكي والرسم الصناعي.للأسف وجدت نفسي مع نهاية فترة التمرين بطالاً،وكان ذلك نصيبنا كشباب من الأهالي»(ص:18).
وتطرق المؤلف في هذا القسم إلى حياته بعد وفاة عمه سنة:1935م حينما وجد نفسه دون دعم،ولكسب قوته عمل بائعاً للجرائد في الطرقات،وحمالاً للقفف،كما عمل نادلاً في مقهى وهذا ما كان يضمن له الأكل والمبيت.
وفي الجزء الثاني من هذا القسم توقف المؤلف مع الأحداث الهامة التي وقعت ما بين سنة:1921 م حتى سنة:1938م،ولعل أبرز ما تحدث عنه باستفاضة في هذا الجزء حديثه عن تلك الأحداث الدامية التي وقعت بين المسلمين واليهود،والتي شهدها المؤلف وعاشها في صيف سنة:1934م.
في القسم الثاني الموسوم«حلقة اللواء السابع للمشاة الجزائريين»تحدث محمد مشاطي عن تجنيده في اللواء السابع للمشاة الجزائريين ومشاركته في الحرب العالمية الثانية،حيث توجه إلى تونس إلى قصر الحلوف بالقرب من الحدود الليبية لمواجهة الجيش الإيطالي،ويشير إلى أنه لم تحصل اشتباكات واقتصر العمل على حفر الخنادق في حرارة الصحراء الملتهبة،وفي سنة: 1942م حينما تم الإنزال الأمريكي في منطقة وهران أمر اللواء الذي يعمل به بالتوجه إلى عين آرنات بعد المكوث لسنتين بسطيف،وبعد ذلك تم توجيه اللواء مرة أخرى إلى تونس لمواجهة قوات الجنرال الألماني الشهير رومل،وقد تم الاكتفاء بالمساعدة،ويذكر المؤلف أنه بعد التموقع في المنطقة الوهرانية تم النزول بمدينة نابولي الإيطالية،ويشير المؤلف إلى أن الهجوم على مونتي كاسينو التي كانت تتمتع بسمعة المناعة قد أعطى لديمونزافار تسمية(الجزار)بسبب الهجومات الجنونية التي فرضت على اللواء الذي كان يعمل به،ويصف المؤلف الأحداث التي وقعت في تلك المرحلة بقوله«كانت الخسائر كبيرة جداً،وكانت البطولة والشجاعة في أندر صورها.أرسلت فرق أخرى للمساعدة خاصة لواء طابور المغاربة(من بينهم أحمد بن بلة)الذين مُنحوا لسبب لا أعرفه حق الغنيمة.عدة أيام من القتال وأطنان من القنابل التي تم إطلاقها على الدير في القمة ومحاصرة الجبل من طرف القوات الأمريكية والإنجليزية والفرنسية كانت ضرورية للتمكن منه.وهو نصر سمح بعد ذلك بالتقدم السريع نحو روما وتحريرها وكذا سيان بتوسكانيا نحو جويلية 1944م»(ص:29).
ويختتم محمد مشاطي هذا القسم بالإشارة إلى المجازر التي وقعت في حق الشعب الجزائري بعد نهاية الحرب العالمية الثانية،حيث يقول إنه استقبل أخبار الجرائم التي وقعت في حق شعبه بفزع كبير ففي نفس الوقت الذي كان فيه العالم أجمع يحتفل بنهاية الحرب بسعادة من يتذوق طعم الحرية والاستقلال،كان الشعب الجزائري يتعرض لأبشع قمع يصف محمد مشاطي تلك الأحداث الدموية بقوله: «كان الشعب الجزائري تحت الوصاية الاستعمارية- نستحضر مقولة الجنرال ديغول(وعلى الخصوص،يجب ألا تفلت الجزائر من بين أصابعنا)وكان يتعرض لأبشع قمع.وأطلقت يد العسكر الفرنسيين والميليشيات المدنية المسلحة من كبار المعمرين:مجازر،تعذيب،اعتقالات على المستوى الوطني،أفران حرق جثث لمحو آثار الجرائم-45 ألف قتيل وأكثر من 100ألف معتقل في كل البلاد حسب التقديرات خلال الأيام والأسابيع التي تلت عاشت قالمة،سطيف،خراطة وعموشة الجحيم.كانت النتيجة بالنسبة لي فورية:رميت إلى الجحيم بوعود ترقيتي إلى رتبة الضابط التي كنت أنتظر وكذلك التهديدات.سبع سنوات من الخدمة في الجيش الفرنسي كانت قد انتهت نهائياً،وطلبت تحريري على الفور.كنت في الرابعة والعشرين.حياة جديدة تبدأ لكن هذه المرة بطاقة موجهة كلها لضرورة مساعدة شعبي للتحرر»(ص:31).
وأما في القسم الثالث الذي يحمل عنوان«النضال في حزب الشعب الجزائري» يتحدث محمد مشاطي في البدء عن بدايات نضاله في حزب الشعب وعن أوائل المهمات التي قام بها من بينها وضع المناشير في مدينة تبسة،إضافة إلى مهمات أخرى قام بها في مدينة عنابة،وبسكرة،وسكيكدة حيث كان يلتقي بكبار المناضلين أمثال:الشهيد ديدوش مراد،وصالح لعوج،وعمار كلالة وغيرهم.
كما تعرض بالشرح لمرحلة نضجه السياسي،والتحاقه بالمنظمة الخاصة التي كان على رأسها محمد بلوزداد،وعين حسين آيت أحمد نائباً له،حيث التحق بها مع نهاية سنة:1947م،ويذكر أن المجاهد محمد بوضياف الذي كان مناضلاً من المسيلة كان هو المسؤول على المنظمة الخاصة بمنطقة قسنطينة،وقد كانت تجتمع قيادة الأركان في بيت منعزل بالقرب من منعرجات وادي الرمال حيث كانت تقطن هناك عائلات تقرب من عبد السلام لحباشي وحداد لحمادة،وقد كان فريقه يتكون من العربي بن مهيدي وديدوش مراد وغراس عبد الرحمن وشرقي إبراهيم وكان بوضياف يشرف على عملهم،وكان يأتي مُقنعاً للقيام بالمراقبة.
يحمل القسم الرابع من الكتاب عنوان«قائد منطقة للمنظمة الخاصة» وفيه عرض مسيرته بصفته قائداً لمنطقة للمنظمة الخاصة وفيه تحدث عن التحول والانتقال من قسنطينة إلى الجزائر بعد أن طلبت منه سلطة الحزب ذلك لحاجيات التنظيم،وفور وصوله إلى العاصمة وفق الموعد المحدد التقى بثلاثة أشخاص هم :محمد بوضياف والعربي بن مهيدي وديدوش مراد،وبعد ذلك التقى بمحمد بوضياف الذي أخبره باختياره قائداً للمنظمة الخاصة للجهة العاصمية،وذكر له بأنه سيكون مسؤولاً عن بئر خادم،وبودواو(لالما)،بال فونتين،مينرفيل باليسترو،المدية،البرواقية،قصر البخاري والشلالة.
وقد كان يلتقي به كل شهر ليُقدم له عرضاً عن مهمته وعن الأوضاع،ولكي يتسلم تعليمات جديدة.وبعد المطاردات الكثيرة التي تعرض لها بالجزائر من قبل الشرطة الاستعمارية،ومع تواصل القمع الشديد ضد المنظمة الخاصة فقد قرر الحزب حل المنظمة في فبراير1951(أو على الأقل تجميدها إلى غاية أوقات ملائمة كما يذكر المؤلف)،كما تقرر تعيينه في المنطقة الوهرانية لدعم الحركة السياسية داخل حركة انتصار الحريات الديمقراطية.
وقد عمل في هذه المرحلة في عدة مدن فعين في البدء بدائرة معسكر،وعمل بسعيدة،والبيض،ومشرية وعين الصفراء،وبني ونيف،وبشار والقنادسة.
وانتهى محمد مشاطي في هذا الفصل إلى الإشارة إلى أن نهاية نشاطاته في هذه المنطقة كانت في شهر ديسمبر1953م وذلك لأسباب صحية،حيث كان منهكاً،وكانت آثار مرض الصدر تفرض عليه التفرغ للعلاج،وتم استخلافه ببشير شيحاني.
في القسم الخامس المعنون«اختلافات في الرؤى وخلافات بخصوص انطلاق الكفاح المسلح»تطرق المؤلف إلى التوترات التي عرفتها سنة:1953م داخل حزب الشعب الجزائري/حركة انتصار الحريات الديمقراطية،وتوقف مع الخلافات التي نشبت بين مصالي الحاج وأعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي،وذكر أنه كان يؤيد اللجنة المركزية،وأشار إلى أن الجميع كان مصمماً على الكفاح ولذلك فقد كان تشكيل اللجنة الثورية للوحدة والعمل هو الطريق الجديد نحو الفعل والتطبيق،وتحدث عن اجتماع الجزائر الذي وقع في نهاية جوان1954م حيث استدعي لحضور ذلك الاجتماع التاريخي،وبخصوص عدد المشاركين كم كان عددهم أصلا؟21 أو22؟ يقول المؤلف«حضرنا معظمنا في سرية، وهو ما يعني أن هناك الكثير من الحواجز بيننا.استعمال أسماء مستعارة وبالطبع عدم وجود أوراق أو مذكرات مكتوبة.
والذاكرة كما يقال انتقائية ومحوَّرة،وإن كنا نقبل بالتقريبي أم لا،لم أقم باستنتاجات سوى بناءً على ما عشته في تلك المرحلة والتي تم إحياؤها عبر كتابات وقراءات في السنوات الأولى للاستقلال.
وفعلاً،ظهر سنة1968 الجزء الأول من كتاب كبير يعيد تشكيل سبع سنوات من حرب الجزائر،كتبه صحفي ومراسل حرب هو إيف كوريير مشيراً إلى اجتماع سنة:1954. وضع هذا الكتاب لأول مرة القائمة الاسمية للمشاركين،فوجد اثنين وعشرين ومن بينهم الحاج بن علة(الرئيس الثاني لأول مجلس وطني سنة:1962م)الذي لم يشارك وقالها بدون تردد. ها نحن إذاً في1968 مع اجتماع ل22 شخصاً حسب كوريير،ثم أخذ قائمته هذه حرفياً،مع نفس التاريخ الدقيق(25 جويلية؟)،بعد مرور أكثر من سنتين أي في سنة: 1970،من طرف محمد البجاوي في أول الكتب التي ألفها كاتب وناشط جزائري في الثورة،ويحمل عنوان(حقائق حول الثورة الجزائرية).وابتداءً من سنوات السبعينيات دخل في التاريخ والتعبير تسمية(أعضاء مجموعة22)،بهذه القائمة لاثنين وعشرين شخصاً ناقص منها واحد أعلن أنه لم يكن حاضراً ،وهكذا صار بالنسبة لي،وبكل نية حسنة ومنطق(21 المدعوون 22 خطأ)» (ص:67-68).
في القسم السادس الذي جاء تحت عنوان«فيدرالية جبهة التحرير في فرنسا»يبين المؤلف مساره النضالي في فيدرالية فرنسا، حيث تحدث في البدء عن إقامته بليون بسبب ظروفه الصحية، وتطرق إلى مسؤولياته بفدرالية جبهة التحرير بفرنسا حينما كُلف بالمنطقة الشرقية،ونشاطاته في تلك الفترة بباريس.
من خلال القسم السابع الذي يحمل عنوان«سنوات السجن»تحدث محمد مشاطي عن اعتقاله حينما كان يأتي إلى باريس لأخذ الكتابات والمناشير والجرائد وتوزيعها في كل منطقة الشرق التي كان يُشرف عليها لما يقارب السنة حيث ترصدتهم الشرطة واعتقل مع صديقه شبلي ووجهت له تهمة المساس بأمن الدولة،واعتبر منشطاً لتنظيم ذي طابع تخريبي،وتم اقتياده إلى سجن لا صانتي معزولاً في قسم المحكوم عليهم بالإعدام،وقد كان من أوائل المعتقلين من جبهة التحرير الوطني،وبعد دخوله في إضراب عن الطعام حصل على نظام السجناء السياسيين وروى المؤلف يومياته بالسجن حيث كان في قسم السياسيين رفقة مجموعة مشكلة من دوم،وبن سالم،وغراس،وقد كان يزروهم بعض المحامين المتعاطفين مع جبهة التحرير الوطني،وكانوا يزودونهم بالمعلومات.
ـــــــــــــــــــــــــــ
العنوان:
الأستاذ/محمد سيف الإسلام بوفـلاقـة
ص ب:76 A ( وادي القبة) -عنابة – الجزائر
الناسوخ (الفاكس) : 35 15 54 38 (213)00
البريد الإلكتروني : [email protected]