الأخبار
"التربية" توضح طبيعة أسئلة امتحان الثانوية العامة لطلبة غزةسلطة النقد تصدر تعليمات للمصارف برفع نسبة الإيداعات الإلكترونية لمحطات الوقود إلى 50%يوم دامٍ في غزة: أكثر من 100 شهيد وعشرات الجرحى والمفقودينإعلام إسرائيلي: نتنياهو يبحث "صيغاً مخففة" لإنهاء الحرب على غزةجيش الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ أُطلق من اليمنأول اتصال هاتفي بين بوتين وماكرون منذ ثلاث سنواتبالأسماء.. الاحتلال يفرج عن 14 أسيرًا من قطاع غزةتوجيه تهم القتل والشروع به لـ 25 متهماً في قضية الكحول بالأردنالسعودية تسجل أعلى درجة حرارة في العالم خلال الـ24 ساعة الماضيةمصر: أمطار غزيرة تفاجئ القاهرة والجيزة رغم ارتفاع درجات الحرارةمسؤولون إسرائيليون: تقدم في محادثات صفقة المحتجزين.. والفجوات لا تزال قائمة(كان): قطر تسلّم إسرائيل مقترحًا جديدًا لوقف لإطلاق النار في غزةترامب: سأكون حازمًا مع نتنياهو بشأن إنهاء حرب غزة وأتوقع هدنة خلال أسبوعوزير الخارجية المصري: خلافات تعرقل الهدنة في غزة والفرصة لا تزال قائمة للتوصل لاتفاقجامعة النجاح الوطنية: الجامعة الفلسطينية الوحيدة في تصنيف U.S. News لأفضل الجامعات العالمية 2025/2026
2025/7/2
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة في ديوان بساتين الجراح للشاعر الدكتور عدي شتات بقلم : سفانة بنت ابن الشاطئ

تاريخ النشر : 2014-06-23
قراءة في ديوان بساتين الجراح للشاعر الدكتور عدي شتات بقلم : سفانة بنت ابن الشاطئ
صدر مؤخرا عن دار "ميم" الجزائرية: ديوان بساتين الجراح للشاعر العربي د.عدي شتات
بعد انتظار دام أكثر من أربع سنوات, صدر عن دار ميم بالجزائر ديوان: "بساتين الجراح" للشاعر العربي "عدي شتات" بدعم من وزارة الثقافة الجزائرية.
يقع الديوان في 130 صفحة من القطع المتوسط, وضم بين ضفتيه 27 قصيدة تنوعت مواضيعها بين العام والخاص, وبين العامودي والتفعيلي. بدأ الديوان بمدخل يقول فيه الشاعر:

اقتباس
متى يا درة الدنيا يبوس العيد لي خدا
ويغمرني ببهجته, ويسقي خافقي شهدا
ويصدق جسر عودتنا, فأسقي القدس والمهدا

من خلال هذا التساؤل المشروع لكل عاشق لوطن يسكنه و لا يسكنه .. نلج اذن إلى ديوان الشاعر, حالة من الطواف نعيشها مع قلمه السامق بين جراحه و جراح الأمة العربية وأفراحها, ليبقى الجرح المركزي محور الديوان, فـ"بساتين الجراح" ما هي إلا فلسطين التي لم تجد ما تقاوم به عدوها إلا لحم أبنائها وبناتها؛ لكنها شامخة كشموخ جبالها ، تقاوم حالة المد والجزر كبحرها ، وتصد طعنات أعدائها بصدر حنون لكن ضلوعه صلدة كسهولها الممتدة المثمرة و زيتونها الصامد و حنّونها المقاوم ، فيقول :

اقتباس
لحمهم أغلى سلاحْ بعدما عزّ السلاح
حاصرتهم أمة غنوا لها في كل ساحْ
جُرِّدوا من كل حلم باس أنفاس البطاح
رغم غدر المعتدين استوطنوا جفن الكفاحْ

إلى أن يقول:

اقتباس :
هبَّ ريح المسك لكن يا فلسطين السماح
زكم النفط أنوفا وعلا صوت النباح
فكلي لحم الغيارى واشربي دمَّ الملاح
واكبسي بالملح جرحا يا بساتين الجراحْ

ونحو فلسطين تتواصل الرحلة بخطى ثابتة و قلب مؤمن بوعد الله ، فـ"هي المنى", وهي "حلا" وهي "عريس القدس" الذي أهريق دمه الطاهر لينتصب جسر العودة, ويشتد عوده, فيحمل العائدين إلى فردوس الأرض محملين برسائل الشوق.. رسائل الأمل.. رسائل النصر الآتية لتمحو "رسالة فدائي فلسطيني إلى حيفا", هذه الرسالة العابقة بالألم والحزن والمضمخة بمرارة الغدر, فتشرئب النخوة ، تشتاق إلى عروق العرب. فـ "بيني وبينك" حبل لن ينقطع, سيشد أوتار النهار, ليشرق صبح فلسطين والأمة, ويبعث من رماد التيه "طائر الفينيق" فيقول :

اقتباس :
هو طائر الفينيق يقتحم الخطوب ولا يبالي
وعلى جناحيه بلاد الشام أشواق النزال
فهنا الدم المحروق يجري في شرايين الدوالي
أرض النبوة والهدى هيهات ترضخ لاحتلال
فعلى مدى التاريخ شام العز عنوان النضال
أبناؤها حضنوا السيوف وشوقهم (تحت الظلال)
أزلية هذي الربوع فكيف تؤمن بالزوال؟!
أزليّة.. وعلى صباها ترتوي مقل الفِعالِ

خريطة الجراح ممتدة على طول الأمة وعرضها مخضبة بالوجع, ألوانها تدرجت بين الأحمر و الأسود و الأبيض و الأخضر .. من فلسطين, إلى جزائر النصر والشهداء, حين يستمد القلم إلهامه, و يشحذ همته بحروف تفتك بوحش الغربة ، لــ يخفق "الأخضر الريان" شامخا, معانقا عنان السماء ، فتتراقص الكلمات على أنغام قلب عشق الأرض التي احتضنت هذا الحلم ، و حاولت بلسمة هذه الجراح فنجده يقول :

اقتباس :
علم الجزائر أخضر ريان بدم الشهادة دائما يزدان
قلبي يسبح إن سمعت نشيدها ويفور دمعي إن سنت ألوان
ريان أخضر كم نمت أغصانه وكم ازدهت في مقلتيه جنان

ولا يغادر الشاعر جزائره الساكنة في أعماقه, دون أن يعرِّج على ربة السحر الحلال, تلك الحسناء الغافية على أضلاع المتوسط / المتوسدة للمجد.. جيجل هذه الأسطورة التي تأبى أن تفارق وجدان الشاعر، صاحبة التراب الأغلى لأنه احتضن آماله و رفاة والده الشاعر العربي الكبير ابن الشاطئ :

اقتباس :
أوَ تذكرين حبيبتي يوم افترقنا من عقودْ
يوم افترقنا يا حبيبة قلتِ لي: لا لن تعودْ
فعيونها الزرقاء أقوى منك من كل الوعود
وشفاهها كرز الحياة وفي ضفائرها الخلودْ
لا.. لن تعود فحضنها سجن وشاطئها قيودْ
ستتوه في جنباتها بين المحاجر والخدودْ
هي ربَّة السحر الحلال وربَّة المجد التليدْ
هي "جيجلي" خمر تعتّق في شرايين الوجودْ

وبين الأخضر الريان والسحر الحلال, محطة حمراء, ومشهد عائد إلينا من العشرية السوداء التي عصفت بالجزائر أواخر القرن الماضي, فـ "نفسي نفسي" محاكاة لواقع دموي عاشه الشاعر, وعاشه الإنسان الجزائري طيلة سنوات الإرهاب الأعمى ، و مواجهة مع الذات من خلال رؤى واقعية انعكست في الديوان الى معان و صور رائعة و معبرة ، ممهورة بصدق ساحر ، يظهر هذا العشق الموشح بخوف كبير على الجزائر الحبيبة ، و رغم مرور الوقت إلا أن من يقرأ هذه الكلمات لابد وأن يعود لمعايشة هذه الاحداث لبراعة الشاعر في التصوير و نقل الصورة لنا :

اقتباس :
ليل.. وجنون.. وعرقْ
وبنادق خصّبها الحقد الأعمى..
وحُرقْ
وفحيح الريح يطاردني..
وأرقْ
ليل مشرعة عيناه على الأسرار..
يجرّدني من فرط هدوئي..
ويثير الرّعب..
يبعثر ما جمعت شفتاي من الذِّكْر..
وأدعية المضطر مِزَقْ
فأناسل فيض غرائزه
أصرخ في ظلمات الرجفة:
نفسي.. نفسي..!

وعلى شرفات القالة الحسناء, حيث تشرئب "أم الأمنيات" يقف الشاعر ليننشد "نشيد تحيا الجزائر", ويكشف عن هويته الرياضية بعدما كشف عن هويته الفكرية والسياسية, وهذا إن دل على شيء إنما يدل على تفاعل جميل مع المحيط بكل تناقضاته ، بالفرح و الحزن ، لعله يرسم أحلامه يوما على كتف الزمن ليحمل له الأمل على طبق من ذهب فلنسمع ماذا يقول :

اقتباس :
وعدونا بالبشائرْ بانتصارات الجزائرْ
رفعوا في كل أرض علم المليون ثائر
سلبوا بالفن لبا شغلوا كل البصائر
حلّق "الخضر" بعيدا في الحنايا والسرائرْ

من بوابة المنتخب الجزائري لكرة القدم, يخرج الشاعر بتوؤدة و فرح ، ليهيم بين المدائن والدول, فيحط رحاله في مشرق حمل لسنين أحبته فأنجب البعد والفراق لسنوات طوال ، لذا كان نبض قلبه أسرع و تدفق حروفه مبلل بفيض من العبرات ، لــ ينبض الحب تارة و يميس الشوق تارة أخرى , فــ تتألق الأحاسيس, ويتألق قلمه متحررا من المحبرة ليوشم اللاذقية بــ "شامة حسن" على خدها المدثر بحبه, ويرسل شاعرنا الدكتور عدي شتات قبلة حانية لأمه البعيدة / القريبة وهي تصارع المرض, والشوق الجارف لأبنائها المتفرقين في كل مكان فيقول :

اقتباس :
إلى وجه أمي..
وآهاتها
إلى كوخ حب
يقاوم جرحا
تفتّح من شبق السرطانْ
إلى لاذقية حبي خواطر عطر
ونهر افتتانْ
إلى صدر أمي
إلى الأقحوانْ
تؤوب الرسائل
والروح فيها بقايا تصاعد مثل الدخانْ
على قامة الحزن.. والإحتقانْ
لشامة حسن على الخد ماست
إلى لاذقية عشقي سلام
سلام يهدهد نبع المنى..
والحنانْ

وعلى رقعة المستقبل ينقش الشاعر سؤاله البليغ "وكيف أكون؟", فيستعرض حال الأمة و ما آلت إليه , ويعرِّج على حال الشعر والشعراء في زمننا هذا, مجيبا صديقه الشاعر السوري يونس يوسف محمود الذي أجلسه على عرش الشعر بعد المتنبي, في زجلية أهداها له, حيث يقول :

اقتباس :
أ في الزمن اللقيط يطب شعر وهل للشعر راع أو نقابه؟
لهز الخصر والأرداف تهوي جموع الهاربين من الكآبهْ
وفي حضن البغايا قد تآخَوا وما عادت تفرقهم جنابهْ
فكيف أكون للفصحى أميرا وقد ركبت نواصيها ذبابه؟

و يبقى أن نقول أن ضفتي الكتاب لم تحتضن هذه الحروف لولا هذه اللؤلؤة التي ببريقها الأخاذ سحرت عيون الغلاف فالتقى جسدا الضفتين في لحظة شجن ثم وقفا دقيقة صمت على روح والده, شاعر العروبة, الشاعر الكبير إسماعيل ابراهيم شتات ( ابن الشاطئ ) ـ رحمه الله ـ نعم شاعر العروبة بامتياز فقد احتار قراؤه و متابعيه و عشاقه أن يجزموا أفلسطيني هو أم جزائري أم سوري أم عراقي... أم ....... ، و من على جسر ذكرى الوالد رحمه الله يقف وقفة المهزوم حين يعترف بضعفه أمام شوقه الجارف له رغم عمق إيمانه بمشيئة الله , معتذرا له مطأطئا قلبه و قلمه. يقول :

اقتباس
"أبتاه مزّقني الحنين" :
ماذا سأكتب يا حبيب ومن ترى=سيفيك حقك يا ضمير (حراءِ)؟
لو حلّقت كل الحروف إلى العلا لا لن تعانق مفرق الجوزاء
فالشعر سيق إلى باك معطّرا باللوز والكبريت والشهداء
هل تزدهي الفصحى ويضحك ثغرها إلا لوجه أسمر وضّاء.
فعلى شفاهك صبحها.. ومساؤها في جذرك الأموي نبع ضياء
لحروف إبن الشاطئ انتسبت.. ومن أحداقه تنداح في استعلاء
أنا ما رثيتُ.. ولستُ أجرؤ مطلقا أطلق فمي يا سيد الشعراء!

و أخيرا لابد أن ننوه إلى أن إهداء الديوان أفرد للأديب الصحافي الأستاذ الطاهر يحياوي, رئيس رابطة إبداع الثقافية سابقا, ومدير دار الأوطان للنشر والتوزيع, وكان ملفتا أيضا إهداء قصيدة "بيني وبينك" للفنانة التشكيلية الجزائرية السيدة "شفيقة بن دالي", وقصيدة "عريس القدس" لروح الشهيد الفلسطيني "فايز حسن جعرور", وقصيدة "أم الأمنيات" للشاعر الجزائري الكبير "سليمان جوّادي", وقصيدة "وكيف أكون" للشاعر العربي السوري "يونس محمود يونس", ليكون الختام قصيدة "أبتاه مزقني الحنين" المرفوعة لروح الشاعر العربي الكبير ابن الشاطئ ـ والد الشاعر وأستاذه ـ

ديوان "بساتين الجراح" للشاعر العربي د. عدي شتات, رحلة شوق وألم وأمل أيضا, ولا أبالغ إن قلت أنه من أجود ما قرأت على الإطلاق, فالتنوع الذي في الديوان يبهر المتلقي, ويتنقل به بين أدواح الشعر والفن بسلاسة عز نظيرها. فيشدّنا بكل هدوء إلى تقليب صفحات الديوان مع رغبة جامحة للتعرف أكثر على الشاعر من خلال قلمه الباذخ ..
فهنيئا لمكتبتنا العربية هذا المولود الرائع و لدار ميم للنشر اختيارها الراقي.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف