الأخبار
بعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكريا بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيينمسؤولون أميركيون:إسرائيل لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح..وحماس ستظلّ قوة بغزة بعد الحربنتنياهو: سنزيد الضغط العسكري والسياسي على حماس خلال الأيام المقبلة
2024/4/23
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

صالون نون الأدبي يناقش موضوع " النكبة وأثرها في الرواية الفلسطينية " "نماذج من قطاع غزة "

تاريخ النشر : 2014-06-16
صالون نون الأدبي يناقش موضوع " النكبة وأثرها في الرواية الفلسطينية " "نماذج من قطاع غزة "

عند الخامسة من بعد عصر يوم الأحد الموافق 15 يونيو 2014م اجتمعت ثُلة من الأدباء والمثقفين في دوحة الأدب الجلسة النصف شهرية لصالون نون الأدبي
افتتحت الأستاذة فتحية صرصور الجلسة مرحبة بالضيوف فقالت:
الحضور الكريم ... أهلا بكم في لقاءنا الأول من العام الثالث عشر من عمر الصالون *** دمتم ودامت الثقافة عنواننا
ثم قالت: يشكل توثيق التاريخ الفلسطيني، بتراثه وكل مفرداته أمانة في أعناقنا جميعا، لابد من حمله مع الأجيال
والتاريخ لا يقتصر على السرد التاريخي، بل للتوثيق صوره المختلفة، وقد يكون الشعر والأدب هما الصورة الأقرب لفهم هذا التاريخ، وأرسخ في ذاكرة الأجيال القادمة، لما لهذه الأجناس الأدبية من انسيابية تجعل المتلقي منجذبا لمتابعة قراءتها، وعدم نسيانها
الرواية واحدة من هذه الصور، من خلالها وثق العديد من الكتاب لبلاد سُلبت، واصفين جمالها وكثير خيراتها، ثم الحديث عن شعوب هُجرّت، مع عرض لطرق وأساليب المعاناة التي حملها هذا الشعب خلال رحلة الإبعاد القسري
الكاتب محمد نصار تتبع هذه الروايات وكتب دراسته عنها
نستمع وإياكم لهذه الدراسة التي يلقي من خلالها الضوء على خمس روايات تناولت أحداث النكبة
لنرى، هل كانت معبرة عن واقع؟ أم أنها لم تلامس إلا السطح
مَنْ مِنْ الروائيين كان الأكثر دقة في وصفه لنكبة وطن، ومعاناة شعب.
بدأ الكاتب محمد نصار بتقديم الشكر لصالون نون، والتهاني بالعيد الثالث عشر له، مع أنيات بدوام العطاء لمائة عام أخرى
ثم قال: هذا البحث مقدم لجامعة القدس المفتوحة فرع شمال غزة، ثم عرض ورقته فقال:
- مدخل تاريخي:
شكلت نكبة عام ثمانية وأربعين انعطافة حادة في تاريخ الشعب الفلسطيني، انعكست ظلالها المأساوية على شتى مناحي الحياة فيه وأفرزت تبعات ما زلنا نعاني من آثارها حتى يومنا هذا.
ولما كان الأدب ركنا أساسيا من ثقافة أي أمة وشاهدا أمينا على ما يعتريها من متغيرات، جاء الأدب الفلسطيني مواكبا لهذا الحدث الجلل ومتفاعلا معه على نحو كبير، لكنه في الجانب الروائي منه كان وما زال دون الحد المطلوب، وذلك بالرغم من صدور عدد لا بأس به من الأعمال الروائية التي تعرضت لهذا الحدث في السنوات القليلة الماضية.
ربما كان واحدا من الأسباب التي أدت إلى هذا القصور، أن الرواية في حينه كانت لونا أدبيا جديدا على الساحة الفلسطينية، مثلها في ذلك مثل الساحات العربية، التي لم تكن لها أية محاولات في هذا الجانب، إلا مع مطلع القرن التاسع عشر.
فالرواية الحديثة كما هو معروف للجميع، تعد لونا أدبيا غربيا بامتياز، بدأت ملامحه الأولى في التشكل عندهم منذ القرن الخامس عشر، ثم مرت بالعديد من المراحل والمحطات إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن، في حين أن العرب قد عرفوها بهذا البناء الحديث بعد ازدهار الترجمات لديهم وتأثر عدد من أبنائهم بهذا الفن الجديد، فكانت المحاولة الروائية الأولى بإجماع معظم النقاد هي رواية " زينب " للكاتب المصري محمد حسين هيكل 94، أما في فلسطين فقد جاءت المحاولات الأولى في ذات الوقت تقريبا أو بعده بقليل، فكانت أولى البشائر مع رواية " الوريث " لخليل بيدس " التي صدرت 920م، ثم نشر مجموعة قصصية بعنوان " آفاق الفكر " في القاهرة عام 924 م، ومن بعدها بسنوات قليلة صدرت رواية جمال الحسيني " على سكة الحجاز" 932 م، ثم رواية إسحاق موسى الحسيني " مذكرات دجاجة " عام 943 م والتي قدم لها د. طه حسين بشكل جميل ومبشر، ومن ثم جاءت محاولات جبرا إبراهيم جبرا في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي،عبر مجموعة من القصص القصيرة، لتحل بعدها بسنوات قليلة نكبة ثمانية وأربعين والمشروع الروائي الفلسطيني ما زال في بداية رحلته، الأمر الذي أحدث هزة قوية للأسس الأولى في المشروع وشتت خطاه بتشتت رواده في المنافي، هذا بالإضافة إلى أن من بقي منهم داخل الوطن أسرته الصدمة حينا من الدهر قبل أن يستفيق من هولها والتعاطي مع تداعياتها، خصوصا أن الكتابة الروائية تحتاج إلى فترة نضج واختمار قبل الشروع فيها.
في مطلع الخمسينات بدأت ملامح التشكل من جديد، عبر مجموعة من الأعمال الروائية، التي كان أبرزها " صراخ في ليل طويل " لجبرا إبراهيم جبرا عام 955 م، ثم جاء غسان كنفاني بأول محاولاته القصصية " القميص المسروق"،التي نشرها في الكويت أواسط الخمسينات ونال عليها الجائزة الأولى في مسابقة قصصية، أتبعها بعد ذلك بمجموعته القصصية " موت سرير رقم 2 " التي صدرت في بيروت عام 96 م ومن ثم تابع مشواره الأدبي، عبر مجموعة من الأعمال، التي كان أشهرها روايته " رجال في الشمس" والتي صدرت في بيروت عام 963، حتى نالته يد الغدر الصهيوني في بيروت عام 972 م،
في ذات الفترة تقريبا، ظهرت أديبة مبدعة، تعتبر رائدة في القصة القصيرة الفلسطينية،هي الراحلة سميرة عزام، التي أصدرت مجموعة من الأعمال، كان منها " أشياء صغيرة " عام1954 م عن دار العلم بيروت و" الظل الكبير" دار الشرق الكبير بيروت عام 956 م وفصل من رواية " سيناء بلا حدود " عام1964 م وعدد من الأعمال الأخرى .
ثم جاء إميل حبيبي كصوت أدبي مميز، عبر عن ذاته في أولى أعماله الروائية " سداسية الأيام الستة "، التي صدرت في العام1968 م، تلتها مجموعة من الأعمال التي كان أشهرها وأكثرها تألقا روايته الشهيرة " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل " عام1974 م.
تتالت بعد ذلك المحاولات الجادة وظهرت معها أسماء جديدة، مثل رشاد أبو شاور، يحيي يخلف، سحر خليفة التي أصدرت أكثر من عشر روايات أشهرها " الصبار" 1976م، والتي ترجمت إلى العديد من اللغات الأجنبية.
في هذه الإطلالة السريعة على المشهد الروائي الفلسطيني، منذ نشأته وحتى بداية السبعينات، نجد أن ما زرعه الرواد الأوائل، قد أزهرت ثماره وأينعت بعد حين، وذلك بالرغم من ضراوة الواقع وقسوته، حتى بعد نكسة عام 67 م وتشت العديد من كتاب الرواية في المنافي العربية والأجنبية، ظل المشهد الروائي راسخا، بل صدر أسماء جديدة مثل أحمد عمر شاهين، غريب عسقلاني، محمد أيوب،عبد الله تايه، عمر حمش، محمد نصار، علي عودة، خضر محجز، زيد ابو العلا في روايته " الخروج من وادي السلامة" وغيرهم من الأسماء التي مازالت تبدع حتى يومنا هذا، إضافة إلى الكاتب محمد جاد الحق، الذي أصدر رواية يتيمة بعنوان "متى يعود" في 965 1م يتحدث فيها عن هجرة أهل يافا القسرية عام ثمانية وأربعين..

من خلال هذا العرض المقتضب للبدايات الأولى في المشروع الروائي الفلسطيني، نجد أن حلقات الصراع المتتالية لم تنل من مسيرته، صحيح أنها لم تتح له فرصة التقاط الأنفاس والتطور على النحو الطبيعي، إلا أن إرادة المبدع الفلسطيني وإيمانه المطلق بثوابته وعدالة رسالته، جعلت منه قوة قادرة على الصمود في وجه العاصفة والنهوض في كل مرة كما العنقاء من قلب الرماد ولعل هذا الواقع المتشح بصنوف العذاب والمرارة، انعكس بشكل جلي في حينه، على تعاطي الرواية الفلسطينية مع أحداث النكبة وتداعياتها، حيث كان وقعها المهول مزلزلا إلى أبعد الحدود، ناهيك عما تلاها من جولات،خلفت الكثير من المرارة والصدمة، كالعدوان الثلاثي عام 56 م ونكسة عام 67 م، الأمر الذي وضع المبدع الفلسطيني " الروائي تحديدا " في حالة من الذهول والحيرة، فما عاد يدري عن أي الأشياء يكتب أولا وبأيها يبدأ؟.
غير أن هذه الحالة لم تنل من المشهد ككل وخرجت بعض الأسماء معبرة عن هذا الواقع الكارثي الجديد، أمثال جبرا وغسان وسميرة عزام وغيرهم من الأسماء التي أشرنا إليها آنفا، صحيح أنها قدمت أعمالا لم ترق إلى الحد المأمول أمام هذا الحدث الجلل، لكنها مهدت الطريق أمام أجيال أخرى لتعطي المزيد في هذا الباب.
2- لماذا قطاع غزة ؟.
لأن قطاع غزة البالغ تعداد سكانه قرابة المليوني نسمة، يعتبر أكبر مخيمات اللجوء في العالم، حيث يشكل عدد اللاجئين فيه ما يزيد 60% تقريبا، جلهم من الفلسطينيين الذين أجبروا على الرحيل عن ديارهم في جنوب فلسطين ووسطها، إثر نكبة عام 48 ولأن معظم كتاب الرواية الفلسطينية الذين أشرنا إليهم قبل قليل هم من أبناء القطاع، بل إن بعضهم عاش تجربة الرحيل طفلا، مثل أحمد عمر شاهين الذي رحل عن يافا في الثامنة من عمره ومحمد جاد الحق الذي هُجر عن يافا في سن مماثلة وغريب عسقلاني الذي هُجر عن المجدل رضيعا، إضافة إلى أن الذاكرة الجمعية مازالت حية عند الآباء والأجداد وحافلة بالعديد من القصص والوقائع، التي لم تمحوها السنون والنوائب، ضف على ذلك أن معظم ما نشر من أعمال روائية في العقدين الأخيرين حول النكبة أو بعض جوانبها، كانت من غزة وسنعرض لها الآن بتفصيل أوسع .
3- أحمد عمر شاهين:
جاءت رواياته في مجملها معبرة عن وقائع النكبة وتداعياتها على الكل الفلسطيني، ففي روايته " ونزل القرية غريب" نجده يستعيد ذكريات الطفولة المسفوعة بوهج النار والبارود الذي ألهب ليل يافا وسعره لحظة الخروج، فيقول " رصاص ونار وجثث،جثث رجال ونساء، تاه نسبه بين الجميع وكل واحد بعد ذلك أخذ يدعي الوصاية عليه، لكني لن أنسى، أذكر صوت الرصاص والانفجار، أذكر شكل أبي وأمي، لكني لم أتكلم وقتها،كنت صغيرا وكنت مريضا مذهولا حائرا فيما حدث، لكني لم انس نفسي، صحيح أنني سافرت وتهت بين بلاد الله وتعبت ورأيت مدنا وقرى كثيرة، إلا أن اسم قريتي ظل معلقا في ذهني بحروف من نار".
أما في روايته " بيت للرجم بيت للصلاة"، فيصف لنا كيف كان الخروج جحيما مرعبا، لدرجة أنه تسلل أثناء انشغال ذويه بوضع أشياءهم داخل العربة، التي ستقلهم وعاد لجلب بعض أشياءه من المنزل وحين رجع لم يجد أثرا لهم، فعاد إلى المنزل ومكث بداخله، إلى أن جاءته المربية التي كانت تخدم عندهم، فلم تجد سواه داخل المنزل، مما جعلها تبقى إلى جواره، حتى طرق بابهم طارق، فيقول: " فوجئنا ذات يوم بمن يحاول فتح الباب علينا، جرت أم عبدو " المربية " لفتح الباب وشهقت: عائلة يهودية ومعها مندوب دائرة الاستيعاب والهجرة.، ثم يستطرد السارد قائلا: " ضاعت الشقة وضاع البيت وكأني هاجرت تماما، كأن أبي كان يشتري الأرض ويبني البيت لكي تأتي أسرة يهودية من آخر الدنيا وتستولي عليه".
في روايته " ونزل القرية غريب " يعطينا وصفا لبعض جرائم اليهود ما قبل النكبة: " يذكر يوسف نسف بيت الحاج إسماعيل، دخلوه من البيارة الخلفية، عرفوا كل ركن في الفيلا الكبيرة، تجمع الثوار ليلتها أمام البيت الكبير ليمنعوا اليهود من التسلل ودخول الحي عن طريقه، رحل الأطفال والنساء ليلتها وحين عادوا رأوا البيت كومة من الأنقاض.
أما في رواية " زمن اللعنة "، فنري وجها آخر من تلك الجرائم، حين يصور خسة اليهود وغدرهم، من خلال عرضه لصورة بائع النمورة الذي كان يقف أمام أحد المقاهي في سوق الخضار، فجاءه أحد المجرمين اليهود مبديا رغبته في شراء بعضها وحين كان له ذلك، طلب من البائع أن يبقي لديه سلته لحين عودته وما هي سوى لحظات حتى انفجرت السلة وحولت البائع والجالسين على المقهى ومن تواجد في المكان إلى أشلاء متطايرة, أما في روايته "المندل"، فيرسم لنا جانبا أخر من حال الناس أثناء الخروج وبعده فيقول: " فالحاج خرج بعائلته من بلدته في شمال فلسطين، لاجئا، مفلسا، باحثا عن الأمن، خرج وقد أثخنته الجراح، فقد والده شهيدا في انفجار قنبلة في مقهى كان يجلس فيه وأخاه مقتولا في انفجار قطار كان يستقله وأختين ذهبتا ضحيتي نسف بيت لهم يقع في ضاحية المدينة، ثم يصف الحال بعد اللجوء، فيقول: " تكوم مع عائلته في أحد المخيمات يلعق جراحه والدهشة عالقة بوجهه نتيجة للأحداث التي بدت له غير مفهومة آنذاك، ينظر إلى العالم حوله، يتأثر به ولا يستطيع أن يؤثر فيه، عاش سنوات قبل أن يفيق من الصدمة وقلبه وعلقه معلقان بحلم العودة".
في مجمل أعماله الأخرى نرى ذات الحضور للنكبة وتداعياتها، ففي روايته " وإن طال السفر" نجده يتحدث عن بداية حرب 956 م رابطا إياها بأجواء ما بعد النكبة فيقول: " بعد هذا النزوح الكبير تنتشر الخيام فوق رمال خانيونس وغيرها من مناطق قطاع غزة ويستمر هذا الوضع حتى عام 952 حيث قامت وكالة الغوث ببناء مساكن طينية متلاصقة للاجئين وسلمت كل أسرة غرفة واحدة من دون فناء".
4- غريب عسقلاني:
يعد واحدا من أبرز كتاب الرواية المقيمين في غزة، هاجر إليها من مدينة المجدل وهو طفل لم يبلغ عامه الأول ونشأ وترعرع في أكنافها، أصدر نحو من عشر روايات وأربع مجموعات قصصية، جاءت في مجملها مواكبة للحالة الفلسطينية في أبعادها المختلفة، إلا أن أكثر أعماله الروائية تماسا مع النكبة، هما روايتا " جفاف الحلق " و " أولاد مزيونة "، ففي الأولى يعرض لنا قصة الرحيل القسري عن المجدل، متكئا على روايات الأم والأب والجدة، فيقول:" وعيت على الدنيا وأنا أعاني من جفاف في الحلق ومرارة في اللسان...... وقبل أن أرتوي من حليب أمي، هاجروا بي وفقدوا مع ما فقدوا شهادة ميلادي.، فهو يرسم لنا في بداية العمل صورة حية عن لحظة الخروج المريرة، التي ضيع فيها الأهل شهادة ميلاد ابنهم كما ضيع غيرهم أبناءهم، ثم يستدعي في ثنايا العمل قصة المجدل ما قبل الرحيل مرتكزا في ذلك على رواية الأهل، مبينا في صورة بانورامية جوانب من تلك الحياة الوادعة الجميلة زمن ما قبل النكبة، خصوصا في تعرضه لمهنة النسيج، التي تعد واحدة من أهم المهن فيها وأكثرها ألفة لما لها من خصوصية في جمع الأسرة ولم شملها، إضافة لما لهذه المهنة من فضل في إفراز لون فلكلوري على مستوى الأمثال والأغاني والأهازيج، جميعها تقوم على استعذاب العمل والصبر عليه والفرحة بالإنتاج، حيث يرسم لنا صورة، تبرز هذا التوائم بين أفراد الأسرة خلال سير العمل ومعرفة كل فرد فيهم بالدور الملقى عليه: " في غياب أبي تؤول قيادة الدار إلى جدي ويداوم خالي في الدكان، وجدي الغاطس في جورة النول يسلم المقاليد إلى جدتي فاطمة، يرجع خالي من السوق، يتفقد القاعة ويعاين مطاوي الأنوال، يقدر ما عليها من قماش، يطمئن على سير العمل من جدي، فتكون الدار الفوقا قد هدأت والبوابير اشتعلت لتجهيز العشاء وحمام الصغار.. زوجة خالي تدعك قدمي زوجها بالماء الساخن والملح، ثم تصب على يديه ماء الوضوء".، ولكون هذه المهنة كانت تشكل الدخل الاقتصادي الأهم لأهل المجدل، أصبحت عامل جذب من مدن أخرى في زمن الانتداب البريطاني، الأمر الذي خلق ثلاث شرائح اجتماعية في حينها: هي النساجون والفلاحون والوافدون، عاشت في توائم ووفاق إلى أن حلت النكبة.
في حديثه عن النكبة وفق ما عايشها الأهل وروها على مسامعه يقول:" أتحول عن رواية جدتي إلى رواية أمي، التي فطمتني بعد أن هجر الحليب صدرها خلال مشوار المطاردة من الجدل إلى غزة على ظهر الحمارة القبرصية العالية الثكلى ( بعد أن هج جحشها الأبيض ويمم صوب البحر )، تؤكد أمي أن الحمارة صامت وظلت تبكي طوال الرحلة وتعتقد أمي أن حليبها شرد من صدرها مع آخر قطرة ماء تزودت بها من جابية مقام الشيخ " نور الظلام "، ثم يأخذنا في رحلة الآلام إلى اللحظة التي حطت بهم الخطى في غزة ومرارة الواقع الجديد: " تقول أمي أنها فطمتني بعد أن عافت معدتي حليب وكالة الغوث المجفف المنزوع الخير والمتاح الوحيد في تلك الأيام المنزوعة البركة والرحمة، فتشكلت رفيعا مثل مصران الجائع، أدور حول أبي الذي اعتصم بحرفته الأولى ونصب نوله ووصل الليل بالنهار مدفونا خلف خيوط السداة تساعده أمي خلف دولابها."
وهنا يبرز أيضا، ما لمهنة النسيج التي خبر فنونها أهل المجدل، من فضل في ستر الكثير من العائلات في تلك الظروف الصعبة " لم يمض وقت طويل حتى استعاد أبي لياقته وحيوية جيوبه، فتجاوز وقته وجمع قروشه على قروش خالي وجدي لأمي وأصبح صاحب أنوال ودكان، يعمل عنده العديد من أبناء المجدل".
كما نراه يعرض داخل العمل، جوانبا من تداعيات النكبة على حياة الناس في المخيم وهذا الخليط العجيب الذي جمعهم في صعيد واحد وذلك من خلال حديثه عن البدايات الأولى لنشأة مدارس الوكالة في القطاع: " الفترة المسائية، فصلنا جرن كبيرة، زرعت أوتادها في ساحة المدرسة وعرفنا من الأساتذة أن عددنا فاض عن سعة المدرسة، فأضافت وكالة الغوث فصلا مؤقتا بعد أن تبرع المعلمون بإضافة جدول دروسنا على جداولهم وفي الحارة توزعنا إلى فريقين، صباحي يضم أولاد المواطنين يتبعون التعليم الحكومي وفريق مسائي يضمنا نحن أولاد اللاجئين في رعاية وكالة الغوث".، ثم يعرض لجانب آخر من جوانب الحياة البائسة التي تربت فيها أجيال من المهجرين على عتبات مراكز التغذية التي أنشأت في حينه: " سلاحنا الأهم البطاقات الزرقاء، نلوح بها لأولاد المواطنين في طريقنا إلى مراكز التغذية الإضافية، نزدرد الوجبة الساخنة على عجل ونخرج إلى الطرقات بقرون الموز أو حبات التفاح والبرتقال ونصاب بخيبة أمل كبيرة إذا كانت التحلية مهلبية أو أرزا بالحليب، إذ من المفروض أن نلتهمها داخل المركز في أطباق صغيرة من التوتيا ولا نجد ما نتباهى به أمام الأطفال المتجمهرين عند بوابة المركز" .
وفي مشهد يرسم مدى فداحة الحال في حينه يقول: " كان مسعود الخروبي الغزي في الحارة واليافوي في المركز والمدرسة، يلف قطعة اللحم خاصته في ورقة يحضرها سلفا ويدسها في شنطته ليقتسمها في البيت مع أخيه الصغير وفي يوم قدموا لنا وجبة خضار بدون لحم، فاصطحبني معه إلى البيت شاهدا، حتى لا يتهموه بأنه استأثر باللحم دون أخيه"، ثم يعرض بعد ذلك لما ترتب على هذه الواقعة من تقديم شكوى لدى مدير الوكالة أسفرت عن طرد مسؤول المركز بتهمة سرقة اللحم وملاحقة المدير لمن تسببوا في قطع رزقه عند أهل العرف والعادة وتوسطهم الذي نجح في لم الأمر وإعادته إلى مكان عمله من جديد".
الرواية تتناول الكثير من المشاهد التي تصور الحياة في تلك الفترة وتعرض لها بشكل فيه الكثير من الدقة والتفصيل، كمشهد استلام المؤن وترقب قدومه لما فيه من خير كثير ومشاهد السهرات المسائية حول المجامر وسماع قصص الآباء عن المجدل وأوليائها الصالحين .. عن مزاراتها وأضرحتها .. عن الأفراح والليالي الملاح.. عن شيخ رابض عند البحر .. يرصد أمواج عسقلان، يتفقد تلاميذه ومريديه.. عن الجيش الذي انسحب قبل أن تبدأ المعركة بوعد أن العودة قريبة .. عن فدائيين تسللوا إلى المجدل وجلهم لم يعودا..عن أشياء كثيرة جعلت منها بالفعل رواية النكبة.
في روايته أولاد مزيونة يقدم لنا التغريبة الفلسطينية من نهايات الحكم التركي وحتى عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، حيث تمثل مزيونة المعادل الموضوعي لفلسطين بما تشتمل عليه سيرتها من تعدد الحالات والمقامات والتغيرات، التي تعكس أطراف المعاناة ومسيرتها " مزيونة في الاسم و في الكسم مزيونة، تبارك الله "، حيث تمثل العاشقة التي تقع في هوى مطلق اللويح الدبيك المحب للحياة والذي يقضي في الكوليرا تاركا لها طفلة وطفلا، تتنكر لها العائلة باعتبارها الغريبة الخارجة عن عصبة العائلة فتلوذ بأحد المخاتير في شمال فلسطين وتطلب إجارته، حيث تعيش في كنفه خادمة للبيت مع ابنتها زانة وابنها حسين، فيقع في هواها الراعي سلمان الذي يتخذ من حسن ولدا له، يعلمه فنون الرعي والصيد وتتبع الأثر ثم المشاركة غير المباشرة مع الثوار " قيل أن حسن صار يقضي ليال طويلة في صحبة رجال المغارة، يخرج معهم ويتدرب على سلاحهم ويستمع لقائدهم خضر أبو العلا بشغف "، كذلك كان الأمر مع زانة التي باتت صبية، فيبحث العم عن أبناء أخيه، ويعيدهم إلى المجدل، أما مزيونة فترفض ذلك، لأنها عرضت نفسها زوجة ثانية على ذلك الرجل لكنه لم يقبل تحسبا من ظلم زوجته لها، فتتزوج من الراعي وتهاجر معه إلى لبنان بعد النكبة، لتنجب منه طفلها العابد، فيلتحق زوجها مع الثوار ويقضي في إحدى المعارك، لتبقى على طفليها وتحي من أجلهما، تقف حياتها عند حدود النكبة ولا تغادرها وحين يسألها حفيدها عن سر رفضها أخذ أي صورة لها بعد النكبة تقول: " حتى أظل صبية لا تشيخ، الذي يعرف الحياة يا ولدي لا يشيخ ".، ثم يعود بنا السارد إلى الحفيد " محمد العابد" الذي عاد إلى غزة ويلمز من طرف خفي على تبدل الأحوال بعدة العودة: " محمد العابد في أرض الوطن، بزة مكوية وذقن حليقة... حتى قائدك صديق أبيك تغير في الوطن، لم يعد فدائي القواعد في العرقوب، غيرته البزة والنجوم والسيارات ".، هذا المشهد يستدعي معه ذكرى استشهاد والده في واحد من المعارك التي خاضها في لبنان: " وارتسم أمامك يوم عودة جثمان أبيك من العرقوب وخروج المخيم خلفه، يومها ألقى رفيقه الشهير بالضبع كلمة التأبين التي وضح فيها للناس كيف استشهد العابد الصالح وهو يغطي انسحاب أفراد مجموعته حتى آخر رصاصة في جعبته "، وكذلك ذكرى أخته التي قتلت في مذابح صبرا .
عاد مع القوات إلى غزة، يبحث فيها عن عائلة العسقلاني، بينما تعود زانة ابنة مزيونة، لتتزوج من الشيخ طه الحالم الفنان المنجد، الذي صار فيما بعد شيخ المنجدين في غزة، بينما يظل سعي محمد العابد في البحث عن عائلته إلى أن تناله رصاصة طائشة زمن الاقتتال الداخلي الذي وقع.
في هذه الرواية يرسم لنا غريب عسقلاني، لوحة تبرز زمن ما قبل الاحتلال البريطاني لفلسطين مرورا بالانتداب، ثم النكبة وتداعياتها وما تبعها من نكسات وهجرات، جاءت ارتدادا للنكبة الأولى، تتجاور فيها حكايا العشق بين ثنائيات من نسل مزيونة في الشتات والوطن، تقوم على الانتماء إلى العائلة – الوطن، مفعمة بألوان من التقاليد والأعراف والقوانين والخرافات والأغاني والأهازيج وتواصل الثورة ما بين السهل والجبل .. الشمال والجنوب ومشاركة الفئات المهمشة فيها، إذ نجد أن سلمان الراعي في شفا عمرو يعود مع العابد، ليصاهر خضر الزعيم الذي يدرك أن مرحلة ما بعد النكبة غيرت النسيج الاجتماعي والقيمي الفلسطيني في واقع طارئ، له تقاليده وأعرافه وثوابته وتشير الرواية، دون إغراق في التفاصيل والحكايا الجانبية، إلى الحالة الفلسطينية من وعد بلفور مرورا بثورة 36 ثم الهجرة والعدوان الثلاثي، ثم انبثاق الثورة من بيروت وخروجها إلى تونس ثم العودة إلى الوطن.

5- محمد نصار:
في مجمل أعمال نصار الروائية كان الهم الفلسطيني حاضرا، حاله في ذلك حال معظم الأدباء الفلسطينيين إن لم يكن كلهم، إذ انعكست تداعيات الواقع الفلسطيني بكل وضوح في أعماله المختلفة، وحظيت نكبة 48 وما تبعها من ارتدادات حيزا كبيرا من أعماله الروائية، نلمس ذلك بوضوح في ثلاثيته الروائية "صفحات من سيرة المبروكة "، فالمبروكة هي فلسطين التي باركها الرب من فوق سبع سموات، وصفحات سيرتها الممتدة على ثلاث أجزاء روائية هي: " صفحات من سيرة المبروكة، سوق الدير، ليل المخيم "، تظهر للقارئ بشكل واضح وجلي صورة بنورامية للحياة الفلسطينية منذ نهاية الحكم التركي وحتى عام سبعة وستين، يتنقل خلالها القارئ على محطات مختلفة من تلك السيرة التي تبدأ في جزئها الأول بالحياة داخل القرية الفلسطينية، بكل ما في القرية من عبق وتاريخ، عادات وتقاليد، أعراف وإرث يمتد إلى مئات السنين، ففي الجزء الأول من المبروكة يأخذنا الكاتب إلى أصل الحكاية التي يرويها على لسان جده: " فلا زلت أرى ذلك في وميض عينيه .. في خلجات وجهه.. في نبرة صوته المتهدج وهو يستذكر بعضا من ماض تناثر بين ثنايا السنين العابرة "، ثم يمر بنا راسما جوانب الحياة البسيطة الوادعة قبل الانتداب، رغم ما فيها من فقر وشح " كنت أرعى الغنم وقتها، لم يكن لنا من شيء سوى ذلك، نصحو مع خيوط الفجر الأولى وأحيانا كثيرة قبلها، يلازمني صوت أبي متقاطعا مع صوت المؤذن: يا حليمة نبهي الولد .. الشمس بتقلي البيض .، والشمس تطل على استحياء من خلف التلال الربضة شرق البلدة، ترسل خيوطها الذهبية فتكسو الأجساء الذابلة دفئا سلبه الفقر وأبقى لنا خرقا بالكاد تكسو عوراتنا، تسابقنا الأغنام إلى الربوع المفروشة بالكلأ المندى بالطل، تتقافز ..تتناطح معلنة عن فحولة مبكرة ونحن نتابع المشهد من تحت سدرة هي الوحيدة في المكان". ثم يمضي بنا الكاتب عبر صفحات سيرته إلى بساطة الناس في التعاطي مع الحياة في القرية، حتي في معتقداتهم من خلال شخص المبروك والدراويش الذين مثلوا لهم حالة خارقة يستعان بها في غالب الأحيان، نرى ذلك في تعامل المبروك مع الأفعى التي كمنت في حطب الفرن، فحرمت النساء من الاقتراب منه: " جاء المبروك .. حذر الصبية الذين تحلقوا حوله من الاقتراب منها، أو قذفها بالطوب الذي تسلحوا به، ظل يسوسها بتجل غريب وهو يردد قائلا: سيري يا مبروكة، مشيرا بيده ناحية صريف الصبر المقابل والأفعى تزحف ببطء ودلال دون أن يرهبها شيء"، ثم يرسم لنا صورة أخرى عن التداوي في حينه، حيث يصور لنا وصفة المبروك الغريبة في علاجه لدغة الأفعى التي تعرضت لقدم أبي حسين:" بعد أن بصق الدم الذي مصه من قدم أبي ولفها بخرقة، صاح في أمي كما لو كانت ملك يمينه: زغلول .، فردت مندهشة: أيش !، زغلول.، كرر الاسم بحدة وامتعاض.، ناولته فرخا وبحركة سريعة نزع رأسه عن جسده، ثم شقه نصفين ووضعه فوق الجرح، ثم لفه بخرقة أخرى، يتكرر الأمر لثلاث أيام ويبرأ بعدها الجرح".
يمر بنا الكاتب على محطات كثيرة، منها ظلم الوالي المعين على القرية وطريقة تصدي الناس له حتى غاب عنها ولم يعد، ثم دخول الأنجليز، هذا الطارئ الجديد وكيف أن الناس لم يلمسوا تغيرا يذكر في بداية الأمر، لكن بعضهم رأى فيه باب فرج فتح عليهم، خصوصا مع فتح أبواب عمل كثيرة داخل تجمعاتهم التي كانت تعرف " بالكمب " وكيف بدأت رغادة العيش تبدو واضحة في أفراحهم وليال سمرهم " أصبح القمر بدرا، فأضفى على الكون نورا أزال عتمته وحجب عن ليله وحشته، انطلق السامر، فامتشقت أم العريس سيفا مرصعا يقال أنه لأحد أجدادها الذين حاربوا مع صلاح الدين، كانت في العقد الرابع من عمرها، فارعة الطول، ناصعة البياض، يزنرها حزام ذهبي أضفى على ثوبها المطرز بريقا خاصا وألقت على شعرها الفاحم منديلا موشحا بخيوط الذهب، فعجز عن إخفاء خصلاته المنسقة على نحو ملفت، التهبت الساحة لمرآها وعلا الغبار من الأقدام المتراقصة بالشمالي حينا وبالدلعونة حينا آخر والمرأة تتمايل على إيقاعها ملوحة بالسيف تارة وموهمة بالإغارة تارة أخرى".
تمضي الرواية بإيقاع يشد القارئ إلى تفاصيل تجعله يعيشها بكل جوارحه وكأنما عادت به السنون مئة عام على الوراء، إلى أن تأتي اللحظة التي تبدأ فيها فيها أطماع اليهود في الظهور عيانا، فتبدأ القرية مرحلة أخرى ميزتها التصدي لتلك الأطماع ومن يقف خلفها من قوى على رأسها الإنجليز، لينتهي الفصل الأول بمقتل الشيخ إبراهيم أثناء تصديه مع جموع من القرية لإحدى قوافل الإنجليز، المتجهة لإسناد مستوطنات جنوب غزة, أما في روايته " سوق الدير "، فيأخذنا إلى مدينة يافا ما قبل النكبة " بداية الثلاثينات " ويضعنا في صورة حية مع تفاصيل الحياة في حينه: " كان السوق عامرا بالنعم من كل صنف " سوق الدير" .. بالضجيج .. بالحياة، بضائع مكدسة أمام المحال، بعضها أعرفه وبعضها أجهله، روائح تفوح من كل جانب، شوارع وأزقة تضج بالحياة والنشوة .. بصوت الباعة الممزوج بعبق الأمكنة الضاربة في عمق التاريخ ".، ثم يمضي بنا إلى البدايات الأولى للعمل الفدائي التي سبقت ثورة عام 36 والأحداث التي واكبتها " حين حطت بنا الحافلة في موقف باصات بامية القريب من سوق الدير، كانت الأمور على غير عادتها، السوق شبه خالية من المارة والباعة، رجال شرطة من عرب وانجليز ينتشرون بكثافة لم نشهدها من قبل ولما سأل ابي السائق الذي أقلنا من المكان قال: أصل اليهود مش فاكين عنا .. كل يوم طالعين بقصة جديدة .. هالمرة صار حائط البراق ملك أبوهم.. لاحقينا حتى في ديننا والانجليز الملاعين سايقين معهم، امبارح صار الدم للركب، في القدس عشرين شهيد وفي يافا عشرة وفي حيفا ما بعرف خمسة ولا سبعة. "، ثم رد الفعل المقاوم على هذه الأعمال " ذات ليلة باغتني صوت الرصاص المنبعث من مكان قريب، كان قويا غزيرا على نحو أعاد لي ذكرى الليلة الأخيرة في المبروكة، حاولت أن أنادي على سالم، لكن خوفي من وجود إحد ما بقربنا، جعلني أتسحب بصمت وحذر نحو البيت القديم، فوجدته يجوب الغرفة بقلق وتوتر وحين رآني أقبل نحوي مستفسرا: عساك بخير ؟.،مش عارف أنام .. حاسس كأن الضرب علينا."
في رحلة السرد التي يعرضها الكاتب، متنقلا خلالها ما بين يافا والمبروكة، لا يغفل جوانب الحياة الأخرى في المدينة، التي كانت تعتبر في حينه قلب فلسطين السياسي وعصبها الاقتصادي، فبنفس الدرجة التي يتحدث فيها عن جوانب العنف والإرهاب والبطش التي كان يمارسها اليهود وبدعم وغطاء من الإنجليز ضد الفلسطينين، يعرض لنا صورا أخرى من جوانب الحياة المشرقة فيها، كالحديث عن دور السنما والمقاهي واستضافة الفنانين العرب على مسارحها، مثل المطرب محمد عبد الوهاب وفرقة على الكسار المسرحية وأم كلثوم، كما يبين لنا في نفس الوقت الحراك السياسي الفاعل فيها، موثقا بالأسماء والتواريخ " في أثناء المسيرة وصل إلى مسامعنا صوت رصاص آت من قلب المدينة، ثم انتشر بين الجموع خبر تصدي الإنجليز للمظاهرة التي انطلقت من مسجد يافا الكبير، البعض تحدث عن إصابة الشيخ موسى كاظم الحسيني والبعض جزم بأنه قتل ".
تمضي بنا الرواية عبر دروبها في محطات كثير، مبرزة الكثير من جوانب الحياة في تلك المرحلة الممتدة ما بين عامي " 27- 47 " مستعرضة جوانب الحياة فيها بحلوها ومرها، إلى أن تشرف على المرحلة التي تبدأ فيها مدولات مجلس الأمن حول إصدار قرار التقسيم: " علي الطلاق راديك هذا إنجليزي بحت، عمره ما جاب خبر يسر القلب.، قالها صهري معقبا على المداولات التي يجريها مجلس الأمن، لإصدار قرار التقسيم، فتضامن معه جمع من الحاضرين وانسحبوا من المكان، حتى أن أبي زفر بحرقة وقال: ربنا ما يخليني أشوف هذاك اليوم .
في الجزء الثالث من السيرة " ليل المخيم " يطالعنا السارد بموت الأب وكأن دعوته تلك قد أجيبت،إذ تأتي وفاته قبل يوم من صدور القرار،فيرسم لنا تلك اللحظات الصعبة، التي يستهل بها الرواية، منذ لحظة الوفاة إلى اللحظة التي يصل بها النعش إلى المسجد، بما في ذلك لحظة إقبال شيخ على النعش قبل أن يهموا بالصلاة على الميت، حيث انحى عليه .. قبل الكفن وقال من بين دموعه: " منيح اللي ربنا أخذك قبل ما تضيع بلادنا"، وكأنه أراد أن يوصل لنا رسالة مفادها أن قادم الأيام لا يبشر بخير، ثم يمضي بنا مستعرضا مرحلة ما بعد القرار وبدأ الإنجليز بتفكيك معسكراتهم " جاء عمي ذات يوم ليعود ابنته،فحدث بقرب رحيل الإنجليز عنا، بدا الأمر في أوله مزحة، لكنه أقسم بجديته، فأكده صرف العاملين في الكنب، حتى أن بعضهم جلب الكثير من الأشياء التي استغنى عنها الإنجليز".، ثم ينقلنا إلى هجوم الناس المتشفي على تلك المعسكرات " أقبل الناس على المكان بحرد شديد وكأنهم يثأرون منه، أو يقتصون لجرح دفين، لم يرهبهم الرصاص ولم يثنهم عن اجتثاث كل ما له علاقة بالمكان" .، ثم يمضي بنا إلى لحظة الخروج التي جاءت تحت دوي القصف وحمم الدمار" مشيت خطوات قليلة فدوى انفجار أطاحنا أرضا، صرخ البعض من حولي، تداخلت أصواتهم .. امتزجت ولفنا الدخان.. غشانا كعتمة ليل، ثم وقفنا نتحسس أجسادنا وتابعنا دون أن نلتفت ". وفي مشهد آخر يرسم لنا من خلاله رحلة الموت والآلام التي صادفتهم في الطريق " عند أول الكثبان التي تفصلنا عن جباليا، باغتنا عدو لم يكن في الحسبان، طائرة تحلق على ارتفاع منخفض، ثم تلقي حممها، تشتت الناس ..تبعثروا وعلا الصراخ مرة أخرى، أعادة الكرة ثانية، فدب الهلع والموت من جديد".
بعد ذلك يأخذنا إلى قلب المعاناة، تلك المتمثلة بالبحث عن مأوى يلجأون إليه " اقترحت أمي أن نعرج على وحد من أصدقاء أبي، لكن حرجي من كثرة عددنا دفعني لرفض الفكرة والمضي في أثر الناس نحو الأحراش القريبة، أخذنا جانبا منعزلا تحت شجرة جميز كبيرة.. لملمنا بعض الأغصان اليابسة وجعلنا منها سياجا يفصلنا عن الناس" .
تتابع الصور بأشكال مختلفة مجسدة ألوان المعاناة بأوجهها المتعددة، سواء داخل الأعشاش التي قامت على الكثبان المحاذية لجباليا أو في طريق العودة إلى المدن والقرى التي تركها أهلها آملين في جلب ما تركوا خلفهم من أشياء وقد ظنوا حينها أن الأمر لن يطول " بدنا ننزل عالبلد الليلة ونجيب اللي نقدر عليه.، قال عمي موجها الحديث إلي.، تروحوا ع الموت برجليكم !.، ردت أمي بفزع .، ما حد بيموت ناقص عمر.. الناس وصلت المجدل ورجعت.، رد معقبا.".
ثم تمضي بنا الرواية إلى بدايات تشكل المخيم " كلها يومين ونرجع ع بيوتنا.، قالت أمي مستبعدة فكرة البقاء في المكان.، فطالت بنا الأيام وأصبحت أسابيع تمضي، دون أن يظهر بصيص أمل بل زاد إحساسنا بخيبة الأمل حين توقفت شاحنات بطلاء أزرق وراحت تفرغ حمولتها من الخيام والمواد التموينية " .
ثم ينقلنا عبر محطات الزمن، مبرزا تبدل الحال الذي طرأ على الناس فغير من سلوكهم ونظم حياتهم الاجتماعية، بدأ من تحول الخيام على بيوت صغيرة متلاصقة وليس انتهاء بمركز التموين والتغذية ونشأة المدارس " تناهى على سمعنا عزم وكالة الغوث بناء بيوت مكان الخيام المقامة وما كان همسا يجري تداوله بين الناس، أصبح حقيقة مع حضور البنائين ومواد البناء، فنبتت البيوت كالعشب الذي يلي المطر، صغيرة متلاصقة رغم الفسح التي بينها وسميناها شوارعا."
وفي صورة تبرز بعضا من جوانب المعاناة، يرسم لنا الكاتب مشهد جلب المياه " النسوان اليوم بهدلن بعض على المية ولولا ستر ربنا لراح فيها رجال .، وفي مشهد استلام المؤن يقول:" اصطفوا في اليوم المحدد طوابير طويلة أمام مجمع التموين رجالا ونساء .. شيوخا وعجزة، انتظموا في بادئ الأمر، لكن الأمور انقلبت مع أول صرة تم استلامها، ماجت الصفوف ..تداخلت ودب العراك."
وفي مشهد مراكز التغذية " الطعمة " نرى المشهد التالي " عاد أبناؤنا من المدارس كل يحمل كتابه في يمينه وفي اليوم التالي اصطفت الطوابير الصغيرة أمام مراكز التغذية، تزحف بروية نحو الروائح المنبعثة من خلف الجدران."
في ظل هذا الواقع المرير، لم يغفل الكاتب جوانب النضال، التي كانت تزخر بها الصدور وتترجم واقعا حملته نفوس لم تقبل بهكذا واقع، فيأخذنا في ثنايا العمل مع مجموعات مصطفى حافظ، التي قادت المقاومة في تلك المرحلة، فيرسم لنا صورة إحدى العلميات التي خرج بها ابن عمه بعد انضمامه لتلك المجموعات " راح يسرد الحكاية على مسامعنا من لحظة الخروج من المخيم إلى اللحظة التي دخلوا بها البساتين المحاذية للمبروكة من الجهة الشرقية وانزوائهم بداخلها حتى حلول الظلام: كمنا في بيارتكم لحين ما سمعنا تسابيح الفجر.، ثم غاصت ملامحه في تفاصيل الحكاية وهو يروي لحظات من الخوف والترقب، خوف من يهود أمامهم وحذر من دوليين خلفهم، ثم رصاص باغتهم كسيل هادر، فلم ينجو أحد سواه .، ثم يمضي في تصوير مشهد الثلجة التي باغتت الناس في مطلع الخمسينات وإغارات اليهود على مواقع الجيش المصري، خصوصا موقع المحطة، ثم العدوان الثلاثي عام 56 وما رافقه من مجازر، كان أبشعها تلك التي حدثت في خانيونس وصعود نجم عبد الناصر بعد الانسحاب إلى أن يصل بنا مرحلة الستينات وبدأ تشكل منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة أحمد الشقيري، بكل ما حملت من آمال التحرر والعودة، ليقف بعدها الكاتب منهيا العمل عند نكسة عام سبعة وستين وبدأ أعمال المقاومة.

بعد أن أنهى الكاتب عرض دراسته قالت الأستاذة فتحية: كما بدأت حديثي عن الأمانة التي نحملها في أعناقنا لننقل حكايتنا للأجيال القادمة، أقول: علينا ألا نستهين بأي معلومة، وأي حكاية سمعناها من آبائنا وأجدادنا، وأضافت: في كتابي الأحدث (كتاب حياتي) وثقت من نهاية ثلاثينيات القرن الماضي منذ تزوج والداي، وسجلت واقعة لمحاولة قنص والدتي برصاص الدمدم عندما كانت تنشر غسيلها على سطح المنزل، وكان ذلك في العام 1945م
كما تحدثت عن دعوة الجيش الأردني للسكان بأن يخلو منازلهم كي يتمكنوا من القضاء على الصهاينة، فاتجهت عائلة الأب وعائلة الأم لشرق وغرب نهر الأردن، فيما اختارا التوجه مع أولادهما لمصر علهم يقضون أسبوعا مريحا فيها
وبينما كانوا يستعدون لاعتلاء الباخرة المتجهة لمصر وقع من باخرة أخرى صندوقا ادعى البريطانيون أن به مواد تموينية لدعم اللاجئين، فيما اتضح أنه محملا بالسلاح لدعم الصهاينة
وتحدثت عن معاناتهم في القنطرة والحجر الصحي، هذه الأحداث رغم بساطتها إلا أن وراءها مأساة عميقة وتاريخ صبغ بالمآسي والظلم العالمي للفلسطينيين

كانت المداخلة الأولى للصحفي أبو نادر الترك الذي ذكر الشهداء وأكد على ضرورة افتتاح جميع الجلسات بقراءة الفاتحة على أرواحهم
ثم قال: حتى الآن لم يُكتب التاريخ الشفوي رغم وجود المراكز الثقافية والجامعات، إن تعليق كل شيء على الدعم وتوفر المال غير مقبول
وعن إتحاد الكتاب قال: أثمن دور الاتحاد ومعاناته، لكن أؤكد على ضرورة تبني الكتاب ومشاريع الروايات، وحبذا لو ترجمت للغات عالمية، وهنا أضع المسئولية على السفراء التجار،
واختتم بتساؤل: أين الغيورين؟ أين من يتحدثون عن الوطنية، إن نكبتنا التي كانت في العام 1948م تتجدد مع هذه النماذج

الأديب عبد الرحمن شحادة بدأ مداخلته بتقديم الشكر لصالون نون الأدبي هذه النافذة الفاعلة في المشهد الثقافي، ثم شكر الكاتب على ما قدمه في ورقته، ثم قال: من خلال قراءتي لكتابات الأدباء في غزة وجدت إبداعا حقيقيا، لكن ما لفت نظري هو غيابا مطلقا لدور المرأة الفلسطينية، رغم أن للمرأة دور فاعل، وتغييبها هو تغييب للحقيقة، لقد كان مختار قرية بيت دراس من أوائل من دعا لتحرير المرأة وهناك نساء استشهدن في بيت دراس منهن شقيقة الدكتور حسين أبو شنب
واختتم شحادة بتوصية: لابد من التماسك بين الكتاب أنفسهم والثورة على من يعيق إبداعاتهم

السيدة المختارة أم محمد عبد المنعم قالت: بداية أشكر جماعة صالون نون الأدبي، وأشكر الحضور، ثم الشكر موصول للكاتب نصار
ثم قالت: موضوع النكبة ليس جديدا علينا، فمنذ شهر والفعاليات تجوب الوطن إحياء لهذه الذكرى، لابد من دحض مقولة الكبار يموتون والصغار ينسون، لابد من بقاء هذا الموضوع في تجدد مستمر، لأن اغتصاب الأراضي دون وجه حق أمر غير مقبول، لذا أتمنى من الكتاب الاهتمام بهذا الموضوع، فهناك مواقف وأحداث لم يُكشف عنها بعد، ولم نصل لمن يحملها، لابد من معرفتها وتوثيقها.

الأستاذ عوض قنديل قال: أبدأ حديثي من الكاتب نفسه، فالحالة الاقتصادية تحول دون استثمار الكاتب لإبداعاته، والتاريخ الشفوي بحاجة لأموال، لقد جهزنا لفعالية تراثية بمناسبة النكبة، ولأننا لا نمتلك المال لدفع أجرة القاعة في مركز رشاد الشوا، سعينا لأخذ مكانا مفتوحا كالجندي المجهول، وتقدمنا بطلب للداخلية فرفضت، في الوقت الذي شاهدنا في المكان ذاته احتفالا لتخريج أطفال من روضة معينة
بإمكاننا فعل الكثير، لكن المسئولين يقمعوننا ويعيقون عملنا، حتى إتحاد الكتاب هو أشبه ببيت عزاء لا حياة فيه ولا نشاط.

الأستاذ رزق المزعنن قال في مداخلته: لقد اطلعت على البحث قبل أن ينشره الكاتب، ولن أتحدث عنه
لكن أقول: لدينا كاتب من غزة هو الأستاذ رامز فاخرة مدير التربية والتعليم، كان كاتبا وشاعرا، له رواية بعنوان (على الدرب) كانت مقررة علينا في مرحلة الدراسة الإعدادي، هذه الرواية شكلت وعينا، فهي تتحدث عن معركة سلمة قرب يافا، وتحدث عن الحرب وصور النزوح من يافا عبر البحر
أضاف المزعنن: الرواية هي العقل الجمعي للعرب، وبدأت تأخذ مكانة الشعر الذي كان ديوان العرب
وعن الرواية النكبة قال: لم تصل رواية النكبة للعالمية، اللبناني إلياس خوري كتب عن النكبة، وغسان كنفاني كتب، لكن بعد 66 عاما مرت على النكبة، وقد تخمرت لدينا، فإنها لم تصل للعالمية.

الأديب غريب عسقلاني قال: أولا: أود الدخول في ملاحظة جوهرية هي: إن أحد مظاهر الاعتزاز بغزة هو وجود هذه التجمعات الثقافية، وهذه المؤسسات، ونأتي لا لنحتفي ببعضنا البعض، إنما لنتزود بوجبة من المعرفة، إذا المعرفة هي العنوان
علينا ألا نتحدث عن كل شيء ونتشعب للتاريخ الشفوي والمذكرات والتاريخ والسياسة، وموقع الأدب العربي من الآداب العربية، وكأن الأمر انفتح على الغارب
أتمنى علينا جميعا أن نخلع في اللقاءات القادمة معطف الفردي، ونرتدي معطف الجمعي المتخصص
ثانيا: حتى لا نجلد أنفسنا ونقول إن الرواية الفلسطينية لم تؤثر عالميا، وهنا نسأل متى أصبحت الرواية العربية في عمومها للعالمية كي تنافس الروايات العالمية، الرواية تناضل لتصل للعالمية
نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل يعتبر من أقل الكتاب تسويقا في العالم، وأدونيس لم يجد من يترجم له
ولمّا كنّا نحن المأزومين، فإننا نناضل بأزمتنا على كل الأصعدة، لا يجب أن ندخل كل الثقوب لنحيط بالنكبة، سيأتي يوما ونزيل الصدأ
لكن علينا أن نسأل: هل قدمنا نموذجا إسلاميا لنجذب العالم، لقد كتب سلمان رشدي آيات شيطانية فأساء للدين
وعن المؤسسة الفلسطينية قال: المؤسسة لم تلتقط أنفاسها منذ وجدت، لدينا بيت مادي وبيت معنوي يرجع لمنظمة التحرير، ونحن بحاجة لكليهما
وأخيرا أقول: بالعودة للرواية الفلسطينية فهي بالقياس بالمنجز الروائي العربي، وبالقياس لتشظي الفلسطينيين في كل بقاع الأرض نقول: إن الرواية الفلسطينية بخير قياسا للشعوب العربية الأخرى، فما طرح منها في الخمسين سنة الماضية هو أضعاف أضعاف ما نُشر في السودان والجزائر وغيرها

الدكتور سويلم العبسي قال: سأطرح وجهة نظر لكنها نابعة من تجربة، فشعبنا والشعوب العربية عموما أصبحت شعوبا مشاهدة، وليست شعوبا قارئة
أستغرب لمن يقول لا يوجد رواية فلسطينية تتحدث عن النكبة، فلدينا روايات وحكايات عن النكبة، لكن مشكلتنا تكمن في أننا لا نشتغل على هذه القضية وكأنها تُحارب، حتى في السينما فــ(التغريبة الفلسطينية) والتي صفقنا لها، كانت تسيء لنا إذ صورت الفلسطيني بأنه انتهازي يسعى للفتيات البرجوازيات ليحقق وضعا ماديا مريحا
وعن تجربته قال العبسي: كتب محمد نصار (ومازالت تبتسم) توفر لنا الممول لكننا لم نحصل على موافقة من وزارة الإعلام، فخاف الممول على أمواله واستردها
كذلك جهزنا عملا آخر باسم (سيف شمشون) وعدتنا المنظمة بدعمه، ولم تنفذ وعدها
إتحاد الكتاب هو اتحاد رائد ورائع، ورغم إمكانياته الضعيفة فهو رائع وصامد.
اختتم العبسي مداخلته بكلمات مغناة تناسب الموقف:
يا قلب تنص الناس، والناس ما ينعوك والعقل محتار
بأفراحهم منسي، وبأحزانهم يطعموك الصبر مرار

الدكتورة مي نايف رحبت بالضيوف وشكرت الكاتب ثم قالت: نحن لا نقصد أن الرواية الفلسطينية لم تصل للعالمية، بل الحكاية نفسها لم تُصدّق، لقد صدّقوا الحكاية اليهودية، ولم يُصدقوا حكايتنا، لابد أن يسأل الكاتب نفسه: لمن يكتب، هل يكتب لقارئ محلي، أم لقارئ عالمي، فلو قرر أن يكتب للقارئ الغربي سيستطيع أن يطور الفكرة بشكل مقنع لآخرين
لي صديقة في رام الله تجمع الرواية الشفوية من النساء خاصة دون الرجال، فرواية المرأة الفلسطينية تختلف عمّا يقوله الرجال، فالمرأة تتكلم عن أشياء لا يتكلم عنها الرجل، كما أن المرأة تميل لذكر التفاصيل، على العكس من الرجل.
في حرب العام 2008/ 2009م قام مركز شئون المرأة بتدريب للصحفيات على إجراء قصة إخبارية، كانت الصحفيات تسمع الحكاية من الكبار وتصوغها بأسلوبها، ثم قاموا بتوثيق هذه الحكايات في كتاب بنحو ثلاثمائة صفحة، وكانت قصص مختلفة وتوثق للمرحلة.

الأستاذ رزق البياري قال: سأتكلم في نقطة لها علاقة بعنوان الندوة، فأسأل إلى أي مدى استطاعت الرواية أن تُجسد للنكبة، شكرا للكاتب على توثيقه ودراسته لهذه النماذج التي وثقت للرواية من خلال إبداعات الكاتب.
لا شك أن الكتاب أبدعوا، ومن يتتبع الرواية الفلسطينية نجد هذا العنوان لحدّ ما، لقد وفق الكاتب في ذلك قياسا بالرواية العربية، لكن قد تكون هذه مفاتيح للدخول لدهاليز ما كُتب في هذا العنوان.
وعن دور المؤسسة قال البياري: الرواية الفلسطينية لم تستطع أن تواجه الرواية الصهيونية.
الكاتب عندنا يمتلك فنيات العمل الروائي، لكنه لم ينجح في تصدير روايته للآخر، لذا لابد أن نُحدث اختراقا فعليا

بعد هذه المداخلات أجمل الكاتب محمد نصار ردوده في:
أعتقد أن الإشكالية تكمن في العقل السياسي العربي بالدرجة الأولى، فطالما أن هناك قناعة بأن الثقافة نجفة، من الكماليات، سيكون النتاج مدمر، فيوم كانت الثقافة في عقل الحاكم العربي توزن بالذهب، حكمنا العالم
وقال: كيف سيقرؤك العالم وأنت لا تخدم المثقف
لقد قلت في نتائج دراستي إن الرواية لم توافي الحدث، والسبب ليس من الكاتب، لكنها فيمن هم بعد المبدع، فاليهود يدعمون كُتابهم
وقال ردا على: أن الكاتب عندما يكتب ينظر لشيء ما؟
أقول لابد أن ينظر لإنسانيته أولا، عندما كتبت روايتي وفي أحد المشاهد قلت إن الأسير بكى.
انتقدوني، إذ كيف أجعل الأسير يبكي؟
قلت الأسير أولا وأخيرا إنسان، لديه مشاعر وأحاسيس
أخيرا أقول: قد يكون من كتابنا من وصل للعالمية، إلا أننا لم نصل لما وصل له الآخر.

اختتمت الأستاذة فتحية اللقاء، مقدمة الشكر للكاتب والحضور جميعا، ثم قالت:
نغيب عنكم خلال شهر رمضان، لكننا نبقى على وعد للعمل والالتقاء بكم وقد عدنا بصالوننا في حلة جديدة
كل عام وأنتم جميعا بخير، اللهم بلغنا رمضان وتقبل اللهم منّا ومنكم الطاعة وحسن العبادة.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف