فَقرُنا لم يكن انسانياً ، ولم يكن جميلاً ، باي حال من الاحوال . كان فقراً متراميَ الاطراف ، محشواً بالفقر ، من كل حدبٍ وصوب . كان عنواناً وشاهداً ، على محطاتٍ من العمر مؤلمة . فقرٌ تشمُّ فيه عِطرَ الماضي ، وطقوسه التي قاسمتنا ، الكثير من صبرنا الجميل . لِنُبحرَ فيه بسلام ، ولِنعبُره ببراعة واقتدار . التفكير فيه وفي تبعاته ، كان مطوَّلا . وكان أحد أهم واجباتِنا اليومية الاساسية .
فقر كانت فيه قُرانا بلا بلدياتٍ او امانة كبرى او صغرى ، لتحظى بشئ من الصرف الصحي ، اوالعبّارات او الجسور . ومع هذا ، كانت قُرانا آنذاك ، انظفُ من كثير من مُدن هالايام . ولم ينجح مطرٌ، مهما طالَ واستطال ، كنّا نُسمّيه كَبْ مِن الرَّبْ ، من قطع طُرقاتنا او تعطيل حركتنا . بل انعم الله علينا ، بمنظومات جمعية شمولية ، ثَريَّةٍ بقيمِ تضامُنٍ وتكافلٍ وتعاضد ، وعادات نظافه ذاتيه وعامة .
آنذاك ، كانت افراُننا طوابين ، من كل السعات والاحجام ، غير مُجبرين باسم حرص بيئوي مُفْتْعَل ، على تركيب شفاطات دخان لها ، وقودها كان رَوْثَ دوابنا ، ونفايات بيوتنا ، مع قلة تلك النفايات ومحدوديتها .
وسياراتنا كانت حمير من كل الموديلات والالوان والاحجام . كنا نركبها بدون احزمة امان ، ولا اكياس هواء واقيه . وناقلاتنا جمال وبعران صبوره .
ومياهنا تُرْسِلُها اسقف بيوتنا النظيفه ، وساحات البيادر المٌصانة سلفاً ، الى آبار للجمع ، حفرها الاباء في كل مكان ، آبارٌ خاصةٌ وعامة ، يستسقي منها كل من يريد . كانت سِقايَةٌ يشترك بها كل خلق الله .
حَلالُ آبائنا لم يكن يحتمل التبذير مع قلته ، لذا كان فِطامُنا مبكرا . نتحلى على صحن هيطَلِيّة او بحتة ، او شقفة هريسة او نمورة ، او حبة زُنْكُل ( زلابيه او عوامه ) ، او لقمة اكسيبه او حبة راحه او حلاوه ، او حبة ملبس حامظ حُلو . وتَروي عطشنا من حين لاخر ،او في مناسبة سعيدة ما ، كُباية خرّوبٍ او عرق سوس ، وفي احسن الاحوال زجاجة كازوز او عَسيس اوإصبع أسكيمو او كاسة برّاد ليمون يسمونه سلاش هالايام .
درسنا على طبلية خشب او على حجر، وسراجٍ وفتيله ،او ضو نمره 4 ، وقزازة ياسين ، او شمعدان ، وفي احسن الاحوال على لوكس ابو شُنبَر .
والاهم ، اننا بلا حِمية خاصة ، او ربط مِعَدْ او شفط دهون ، لم نكن سمناء او بدناء . بل كنا كالرماح بفضل الحركة الدؤوبة ، واللعب المتواصل خارج البيت ، حركات ابتدعتها خيالاتنا ، وحاجاتنا المبهمة الى الرشاقه . فلم يكن لدينا بلاي ستيشن، ولا العاب فيديو، ولا الف قناة تلفزيون . ولم نكن نمتلك اجهزة فيديو، او موسيقى هواتف خليويه ، او حواسيب او غرف دردشه عبر الانترنت . كانت امهاتنا وعماتنا وخالتنا وجداتنا ، هن حكواتي ليالينا الجميله المقمره .
كان البرد كاشفا لفقرنا . نرقص من لسعاته . نحتال عليه ، بجزمات من باتا ومن عصفوركو ،و بالبخنق وملابس البكج ( الباله ) ، وبتداول الملابس المستعمله اخا عن اخ ، واختا عن اخت ، وولد عن والد ، وبنتا عن ام . وبمواقد من طين ابيض كنا نسميه الحِوَّر ، وقودها دُقٌّ من جفت الزيتون المحروق في الافران ، او من حطب نجمعه سلفا في الصيف وفي الخريف ، ويُرَصُّ فوق مداخل البيوت . كان حطبنا اغصانا مكسورة من شجر في حواكيرنا . سجادُنا حصيرٌ خشن ، وفراشنا قليلٌ غير وثير ، لم تكن مخداتنا ولُحُفُنا من اسفنج او بولسترين او ريش نعام ، بل من قش المساند او الجواعد او صوف الغنم المُنَجَّدِ سنويا . لا تزال خياشيمنا وجلودنا ، تختزن عَبَقَ ذاك الفراش الوثير آنذاك . اظن ان بعضنا لم يَفِق حتى الان من ذاك العَبَق .
كان فقر اكثرنا كفصيلة الدم . يسري في الشرايين ، وفي الاورده المُرهَقَة منه . موجع كان ، ولكنه مُحَفِّزٌ كان ايضا . لم نكن نَدَعُ ذاك الفقر يفرح بمعانداته لنا . كنا كلما إشتقنا لاحلامنا ، لا نبحث عنها في طيات او دقات الفقر ذاك . ما بين مَقْتِنا له واشواقنا لشئ من احلامنا نطل عليها ، قاتَلْنا بضراوة مع اهلنا لتغييره ، او على الاقل استيعاب شئ من مساراته ، واحتواء شئ من تبعاته .
نجح بعضنا في ذلك ، بعد ان اضطر مبكرا احد افراد العائلة ، للسفرالى واحدة من دول البترول واماراته ، ليعمل هناك . وتحقق الكثير من التغيير لبعضنا ، بعد بركة التخرج من ثانويته . حينها صعد البعض منا بامتياز الى شئ من احلامه ، على اشلاء فقر يتهاوى لا على اشلاء احد منا .
اجملُ ما في ذاك الفقر ، ان كان حقا فيه شئ من الجمال ، انه قد حررنا من عاهات اجتماعية كثيرة ، لعل ابرزها كان ، انه ابعد عنا اصدقاء المصلحة . كنا في هم الفقر شبه سواء . جمعتنا شجرته بساقها وبجذورها . وفوق الجذور تنوعت الاغصان وتفرعت في كل اتجاه .
كلما ساء مزاج ذاك الفقر ، كانت والحمد لله ، احلامنا كالاصدقاء الخلص ، اول الحاضرين مبتسمة متفائله ، تمسك بايدينا في مسيرة الافق الممتد . .........؟
فقر كانت فيه قُرانا بلا بلدياتٍ او امانة كبرى او صغرى ، لتحظى بشئ من الصرف الصحي ، اوالعبّارات او الجسور . ومع هذا ، كانت قُرانا آنذاك ، انظفُ من كثير من مُدن هالايام . ولم ينجح مطرٌ، مهما طالَ واستطال ، كنّا نُسمّيه كَبْ مِن الرَّبْ ، من قطع طُرقاتنا او تعطيل حركتنا . بل انعم الله علينا ، بمنظومات جمعية شمولية ، ثَريَّةٍ بقيمِ تضامُنٍ وتكافلٍ وتعاضد ، وعادات نظافه ذاتيه وعامة .
آنذاك ، كانت افراُننا طوابين ، من كل السعات والاحجام ، غير مُجبرين باسم حرص بيئوي مُفْتْعَل ، على تركيب شفاطات دخان لها ، وقودها كان رَوْثَ دوابنا ، ونفايات بيوتنا ، مع قلة تلك النفايات ومحدوديتها .
وسياراتنا كانت حمير من كل الموديلات والالوان والاحجام . كنا نركبها بدون احزمة امان ، ولا اكياس هواء واقيه . وناقلاتنا جمال وبعران صبوره .
ومياهنا تُرْسِلُها اسقف بيوتنا النظيفه ، وساحات البيادر المٌصانة سلفاً ، الى آبار للجمع ، حفرها الاباء في كل مكان ، آبارٌ خاصةٌ وعامة ، يستسقي منها كل من يريد . كانت سِقايَةٌ يشترك بها كل خلق الله .
حَلالُ آبائنا لم يكن يحتمل التبذير مع قلته ، لذا كان فِطامُنا مبكرا . نتحلى على صحن هيطَلِيّة او بحتة ، او شقفة هريسة او نمورة ، او حبة زُنْكُل ( زلابيه او عوامه ) ، او لقمة اكسيبه او حبة راحه او حلاوه ، او حبة ملبس حامظ حُلو . وتَروي عطشنا من حين لاخر ،او في مناسبة سعيدة ما ، كُباية خرّوبٍ او عرق سوس ، وفي احسن الاحوال زجاجة كازوز او عَسيس اوإصبع أسكيمو او كاسة برّاد ليمون يسمونه سلاش هالايام .
درسنا على طبلية خشب او على حجر، وسراجٍ وفتيله ،او ضو نمره 4 ، وقزازة ياسين ، او شمعدان ، وفي احسن الاحوال على لوكس ابو شُنبَر .
والاهم ، اننا بلا حِمية خاصة ، او ربط مِعَدْ او شفط دهون ، لم نكن سمناء او بدناء . بل كنا كالرماح بفضل الحركة الدؤوبة ، واللعب المتواصل خارج البيت ، حركات ابتدعتها خيالاتنا ، وحاجاتنا المبهمة الى الرشاقه . فلم يكن لدينا بلاي ستيشن، ولا العاب فيديو، ولا الف قناة تلفزيون . ولم نكن نمتلك اجهزة فيديو، او موسيقى هواتف خليويه ، او حواسيب او غرف دردشه عبر الانترنت . كانت امهاتنا وعماتنا وخالتنا وجداتنا ، هن حكواتي ليالينا الجميله المقمره .
كان البرد كاشفا لفقرنا . نرقص من لسعاته . نحتال عليه ، بجزمات من باتا ومن عصفوركو ،و بالبخنق وملابس البكج ( الباله ) ، وبتداول الملابس المستعمله اخا عن اخ ، واختا عن اخت ، وولد عن والد ، وبنتا عن ام . وبمواقد من طين ابيض كنا نسميه الحِوَّر ، وقودها دُقٌّ من جفت الزيتون المحروق في الافران ، او من حطب نجمعه سلفا في الصيف وفي الخريف ، ويُرَصُّ فوق مداخل البيوت . كان حطبنا اغصانا مكسورة من شجر في حواكيرنا . سجادُنا حصيرٌ خشن ، وفراشنا قليلٌ غير وثير ، لم تكن مخداتنا ولُحُفُنا من اسفنج او بولسترين او ريش نعام ، بل من قش المساند او الجواعد او صوف الغنم المُنَجَّدِ سنويا . لا تزال خياشيمنا وجلودنا ، تختزن عَبَقَ ذاك الفراش الوثير آنذاك . اظن ان بعضنا لم يَفِق حتى الان من ذاك العَبَق .
كان فقر اكثرنا كفصيلة الدم . يسري في الشرايين ، وفي الاورده المُرهَقَة منه . موجع كان ، ولكنه مُحَفِّزٌ كان ايضا . لم نكن نَدَعُ ذاك الفقر يفرح بمعانداته لنا . كنا كلما إشتقنا لاحلامنا ، لا نبحث عنها في طيات او دقات الفقر ذاك . ما بين مَقْتِنا له واشواقنا لشئ من احلامنا نطل عليها ، قاتَلْنا بضراوة مع اهلنا لتغييره ، او على الاقل استيعاب شئ من مساراته ، واحتواء شئ من تبعاته .
نجح بعضنا في ذلك ، بعد ان اضطر مبكرا احد افراد العائلة ، للسفرالى واحدة من دول البترول واماراته ، ليعمل هناك . وتحقق الكثير من التغيير لبعضنا ، بعد بركة التخرج من ثانويته . حينها صعد البعض منا بامتياز الى شئ من احلامه ، على اشلاء فقر يتهاوى لا على اشلاء احد منا .
اجملُ ما في ذاك الفقر ، ان كان حقا فيه شئ من الجمال ، انه قد حررنا من عاهات اجتماعية كثيرة ، لعل ابرزها كان ، انه ابعد عنا اصدقاء المصلحة . كنا في هم الفقر شبه سواء . جمعتنا شجرته بساقها وبجذورها . وفوق الجذور تنوعت الاغصان وتفرعت في كل اتجاه .
كلما ساء مزاج ذاك الفقر ، كانت والحمد لله ، احلامنا كالاصدقاء الخلص ، اول الحاضرين مبتسمة متفائله ، تمسك بايدينا في مسيرة الافق الممتد . .........؟