الأخبار
جيش الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ أُطلق من اليمنأول اتصال هاتفي بين بوتين وماكرون منذ ثلاث سنواتبالأسماء.. الاحتلال يفرج عن 14 أسيرًا من قطاع غزةتوجيه تهم القتل والشروع به لـ 25 متهماً في قضية الكحول بالأردنالسعودية تسجل أعلى درجة حرارة في العالم خلال الـ24 ساعة الماضيةمصر: أمطار غزيرة تفاجئ القاهرة والجيزة رغم ارتفاع درجات الحرارةمسؤولون إسرائيليون: تقدم في محادثات صفقة المحتجزين.. والفجوات لا تزال قائمة(كان): قطر تسلّم إسرائيل مقترحًا جديدًا لوقف لإطلاق النار في غزةترامب: سأكون حازمًا مع نتنياهو بشأن إنهاء حرب غزة وأتوقع هدنة خلال أسبوعوزير الخارجية المصري: خلافات تعرقل الهدنة في غزة والفرصة لا تزال قائمة للتوصل لاتفاقجامعة النجاح الوطنية: الجامعة الفلسطينية الوحيدة في تصنيف U.S. News لأفضل الجامعات العالمية 2025/2026الأردن: كارثية الوضع في غزة تستدعي تحركاً دولياً فورياً لفرض إدخال المساعدات(فاو): 4.6% فقط من أراضي قطاع غزة صالحة للزراعةالوزير برهم: امتحانات الثانوية العامة ستُعقد في غزة رغم كل التحدياتوزيرا خارجية مصر وقطر يبحثان جهود وقف إطلاق النار في غزة
2025/7/1
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

نوافذ على بعض ما مضى من العمر – غطرسة الفقر بقلم:د سمير ايوب

تاريخ النشر : 2014-06-12
فَقرُنا لم يكن انسانياً ، ولم يكن جميلاً ، باي حال من الاحوال . كان فقراً متراميَ الاطراف ، محشواً بالفقر ، من كل حدبٍ وصوب . كان عنواناً وشاهداً ، على محطاتٍ من العمر مؤلمة . فقرٌ تشمُّ فيه عِطرَ الماضي ، وطقوسه التي قاسمتنا ، الكثير من صبرنا الجميل . لِنُبحرَ فيه بسلام ، ولِنعبُره ببراعة واقتدار . التفكير فيه وفي تبعاته ، كان مطوَّلا . وكان أحد أهم واجباتِنا اليومية الاساسية .
فقر كانت فيه قُرانا بلا بلدياتٍ او امانة كبرى او صغرى ، لتحظى بشئ من الصرف الصحي ، اوالعبّارات او الجسور . ومع هذا ، كانت قُرانا آنذاك ، انظفُ من كثير من مُدن هالايام . ولم ينجح مطرٌ، مهما طالَ واستطال ، كنّا نُسمّيه كَبْ مِن الرَّبْ ، من قطع طُرقاتنا او تعطيل حركتنا . بل انعم الله علينا ، بمنظومات جمعية شمولية ، ثَريَّةٍ بقيمِ تضامُنٍ وتكافلٍ وتعاضد ، وعادات نظافه ذاتيه وعامة .
آنذاك ، كانت افراُننا طوابين ، من كل السعات والاحجام ، غير مُجبرين باسم حرص بيئوي مُفْتْعَل ، على تركيب شفاطات دخان لها ، وقودها كان رَوْثَ دوابنا ، ونفايات بيوتنا ، مع قلة تلك النفايات ومحدوديتها .
وسياراتنا كانت حمير من كل الموديلات والالوان والاحجام . كنا نركبها بدون احزمة امان ، ولا اكياس هواء واقيه . وناقلاتنا جمال وبعران صبوره .
ومياهنا تُرْسِلُها اسقف بيوتنا النظيفه ، وساحات البيادر المٌصانة سلفاً ، الى آبار للجمع ، حفرها الاباء في كل مكان ، آبارٌ خاصةٌ وعامة ، يستسقي منها كل من يريد . كانت سِقايَةٌ يشترك بها كل خلق الله .
حَلالُ آبائنا لم يكن يحتمل التبذير مع قلته ، لذا كان فِطامُنا مبكرا . نتحلى على صحن هيطَلِيّة او بحتة ، او شقفة هريسة او نمورة ، او حبة زُنْكُل ( زلابيه او عوامه ) ، او لقمة اكسيبه او حبة راحه او حلاوه ، او حبة ملبس حامظ حُلو . وتَروي عطشنا من حين لاخر ،او في مناسبة سعيدة ما ، كُباية خرّوبٍ او عرق سوس ، وفي احسن الاحوال زجاجة كازوز او عَسيس اوإصبع أسكيمو او كاسة برّاد ليمون يسمونه سلاش هالايام .
درسنا على طبلية خشب او على حجر، وسراجٍ وفتيله ،او ضو نمره 4 ، وقزازة ياسين ، او شمعدان ، وفي احسن الاحوال على لوكس ابو شُنبَر .
والاهم ، اننا بلا حِمية خاصة ، او ربط مِعَدْ او شفط دهون ، لم نكن سمناء او بدناء . بل كنا كالرماح بفضل الحركة الدؤوبة ، واللعب المتواصل خارج البيت ، حركات ابتدعتها خيالاتنا ، وحاجاتنا المبهمة الى الرشاقه . فلم يكن لدينا بلاي ستيشن، ولا العاب فيديو، ولا الف قناة تلفزيون . ولم نكن نمتلك اجهزة فيديو، او موسيقى هواتف خليويه ، او حواسيب او غرف دردشه عبر الانترنت . كانت امهاتنا وعماتنا وخالتنا وجداتنا ، هن حكواتي ليالينا الجميله المقمره .
كان البرد كاشفا لفقرنا . نرقص من لسعاته . نحتال عليه ، بجزمات من باتا ومن عصفوركو ،و بالبخنق وملابس البكج ( الباله ) ، وبتداول الملابس المستعمله اخا عن اخ ، واختا عن اخت ، وولد عن والد ، وبنتا عن ام . وبمواقد من طين ابيض كنا نسميه الحِوَّر ، وقودها دُقٌّ من جفت الزيتون المحروق في الافران ، او من حطب نجمعه سلفا في الصيف وفي الخريف ، ويُرَصُّ فوق مداخل البيوت . كان حطبنا اغصانا مكسورة من شجر في حواكيرنا . سجادُنا حصيرٌ خشن ، وفراشنا قليلٌ غير وثير ، لم تكن مخداتنا ولُحُفُنا من اسفنج او بولسترين او ريش نعام ، بل من قش المساند او الجواعد او صوف الغنم المُنَجَّدِ سنويا . لا تزال خياشيمنا وجلودنا ، تختزن عَبَقَ ذاك الفراش الوثير آنذاك . اظن ان بعضنا لم يَفِق حتى الان من ذاك العَبَق .
كان فقر اكثرنا كفصيلة الدم . يسري في الشرايين ، وفي الاورده المُرهَقَة منه . موجع كان ، ولكنه مُحَفِّزٌ كان ايضا . لم نكن نَدَعُ ذاك الفقر يفرح بمعانداته لنا . كنا كلما إشتقنا لاحلامنا ، لا نبحث عنها في طيات او دقات الفقر ذاك . ما بين مَقْتِنا له واشواقنا لشئ من احلامنا نطل عليها ، قاتَلْنا بضراوة مع اهلنا لتغييره ، او على الاقل استيعاب شئ من مساراته ، واحتواء شئ من تبعاته .
نجح بعضنا في ذلك ، بعد ان اضطر مبكرا احد افراد العائلة ، للسفرالى واحدة من دول البترول واماراته ، ليعمل هناك . وتحقق الكثير من التغيير لبعضنا ، بعد بركة التخرج من ثانويته . حينها صعد البعض منا بامتياز الى شئ من احلامه ، على اشلاء فقر يتهاوى لا على اشلاء احد منا .
اجملُ ما في ذاك الفقر ، ان كان حقا فيه شئ من الجمال ، انه قد حررنا من عاهات اجتماعية كثيرة ، لعل ابرزها كان ، انه ابعد عنا اصدقاء المصلحة . كنا في هم الفقر شبه سواء . جمعتنا شجرته بساقها وبجذورها . وفوق الجذور تنوعت الاغصان وتفرعت في كل اتجاه .
كلما ساء مزاج ذاك الفقر ، كانت والحمد لله ، احلامنا كالاصدقاء الخلص ، اول الحاضرين مبتسمة متفائله ، تمسك بايدينا في مسيرة الافق الممتد . .........؟
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف