الأخبار
وفد حماس يغادر القاهرة للعودة برد مكتوب على المقترح الجديد لوقف إطلاق الناربلينكن: أمام حماس مقترح سخي جداً وآمل أن تتخذ القرار الصحيح سريعاًتضامناً مع فلسطين.. احتجاجات الجامعات الأميركية تتسع وسط مخاوف إلغاء مراسم التخرجتل أبيب تستعد لإصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين كبارإعلام إسرائيلي: 30 جندياً في الاحتياط يرفضون الاستعداد لاجتياح رفحقناة كان: القيادة الإسرائيلية منقسمة بشأن مستقبل الحرب في غزةارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيا
2024/4/30
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

" في ظلال المشكينو" أحمد خلف بقلم:رائد الحواري

تاريخ النشر : 2014-04-24
" في ظلال المشكينو" أحمد خلف بقلم:رائد الحواري
"في ظلال المشكينو" أحمد خلف
المجموعة القصصية صادرة عن دار أزمنة، عمان، عام 1997، مكونة من ست قصص، القصة الأولى تقع بين الرمزية والواقعية، والتي تحمل اسم "المشكينو" والبقية تتجه إلى التراث الديني والتاريخ، مستخدمة الرمز كأسلوب للابتعاد عن المباشرة الصريحة والمكشوفة، مما أعطا القصص بعدا إنسانيا يتجاوز حالة العراق والعراقي، وهذا الأمر يحسب للكاتب، الذي أستطاع التحرر من الأنا التي تعاني وتتألم مما حصل للوطن من ذل وتدمير وتشريد أهله.
سنحاول إضاءة بعض الجوانب الفنية والفكرية في هذه المجموعة، ولكي نتعرف على طبيعة اللغة التي يستخدمها الكاتب عندما تكون حالة الاحتقان وفقدان الأمل هي السائدة عند العراقي، يقول الكاتب في مقدمة مجموعته ـ منوها ـ عن اسم "المشكينو" "ورد في بعض الأدبيات السومرية، أن المشكينو هم طبقة المعوزين والمسحوقين من الناس، أي المطرودين من الفردوس إلى الجحيم" ص9، من خلال هذه الفاتحة نستطيع أن نأخذ صورة عن طبيعة المجموعة القصصية، فهي تتناول في الأساس المواطن العراقي العادي، الذي خرج من فردوس العراق، إلى جحيم التشرد والاغتراب، إن كان هذا التشرد داخل أو خارج العراق، فهو يبقى ابتعاد إجباري عن المكان الذي تكيف فيه ومعه الإنسان، من هنا الموضوع في الأساس إنساني قبل أن يكون جغرافيا.
القصة الأولى هي قصة "المشكينو" التي تتناول عودة احد مواطني البلدة، فيجد هناك حالة غير سوية، إن كانت من خلال المشاهد التي يمر بها "عبد الله" فلا يجد في بلدته "المشكينو" سوى شيخ عجوز اسمه "حمزة الغريب" وامرأة تحضر لهما الطعام لكنها، لكنها تمثل الرعب والموت الذي ينتظر كل قادم إلى المدينة. القصة يروي أحداثها العائد "عبد الله" والمقيم الشيخ "حمزة الغريب"، وهذا الاسم "عبد الله" أطلقة "الشيخ حمزة الغريب" على الشخصية الرئيسة في القصة، كدلالة رمزية على شمولية الاسم لأي عراقي عانى من حالة التشرد والموت، الراوي "عبد الله" قد ترك مدن خراب دمرت وهجر أهلها أو قتلوا فيقول "هذا يوم آخر من أيام الفراق والهجران، اخترت فيه العودة إلى بلدتي المشكينو، .. عهد تركت فيه مدنا تجثو باكية أمام زوبعتها، لينطوي شجر البيوت منحنيا على حافات الحيطان، ...كل شيء تبدل بالسرعة المباغتة، هواء لاهب وقصب ناشف وعيون تحدق في الفراغ، أجساد غضة تيبست ورؤوس ثابتة لا تدري إلى أي الجهات تستدير، كأن الطير حط عليها منذ زمن سحيق، لفة غبار العالم الفاني، زمن ادم ونوح وثمود، يا أيها الواحد الأحد... ما انتهت خطبة السحر والشعوذة ولصوص آخر الليل في مداهمات السرية، أعني الخناجر الفضية والصدئة، سكاكين المطابخ ومعاول الهدم؟ .. إذا تستفيق اليوم جرذان المشافي والصراصير ودود الأرض والكلاب السائبة وشهود الزور" ص11 بهذه المشاهد يفتح "أحمد خلف" قصته، الخراب القادم بسرعة والكامل والشامل، حتى الطبيعة ـ الهواء ـ تعمل ضد الناس، الناس كالحجارة لا حياة فيهم، هول الجحيم جعلها منذهلة لا تقدر على اتخاذ أي رد فعل، الحيوانات والقوارض والحشرات وأسوء الناس ينتشرون ويهيمنون، ليس هناك مجال للتلاقي أو لوجود حد ادني من الانسجام مع هكذا أوضاع، كل شيء يعمل ضد الطبيعة الإنسانية.
ويضيف قائلا: "رأيتهم يدفنون موتاهم في العراء الشاسع المترامي، مخذولين، .. كانوا صامتين مقطبي الوجوه ثقيلة نظراتهم على الروح والجسد، إذن هذه مدينة التماثيل النحاسية" " ص12، من خلال هذا الوصف لا مجال لوجد حياة في مثل هكذا مكان، كل ما فيه يتناقض مع الطبيعة والإنسانية، صور الموت تسود بطريقة بشعة.
حالة من الاستسلام لهذا الوضع ستكون طبيعية، حيث لا مجال للتغير أو التكيف معه، "جئنا إليها، وها هي المشكينو تغص بصمتها ووجلها وتغرق بتعاستها ومحنتها فقد نهشتها كلاب الصيد الضارية ودمرتها الأيدي الغريبة" ص13، رغم رمزية الوصف إلا انه يشير إلى ما حدث ويحدث في العراق، فكل ما يوصف يشير إلى مسألة واحدة الخراب والتشرد والقتل، لا يوجد بصيص من الأمل، كل شيء دامس، المكان، الناس، الحيوانات.
هذا الوصف كان لعبد الله، أما "حمزة الغريب" فيقول "كانت الدروب ، تغص بالمارة من الناس كذلك الأسواق، كل شيء هنا كأنه يتبدل نحو الأحسن، لكنها الحرب جاءت وتغير كل شيء. الطعام والشراب والملابس كانت كلها متوفرة حتى السلام، لكنها الحرب جاءت لتنهي كل شيء يا بني... ها هي المشكينو تنام وتسبقها فئران الليل إلى الغرف والحجرات فئران الصحراء ألا تعرفها ألا تعرفها؟ أسنانها تقرض الحديد الصلب" ص14، هناك تماثل بين وصف عبد الله ووصف الشيخ، كلاهما أعطنا صور بائسة قاتمة، المكان يستباح من الحيوانات والقوارض.
ما يلفت النظر هو اتفاق "احمد خلف" مع العديد من الكتاب عندما يصفون حالة غير طبيعية أو غير سوية فيذكرون الحيوانات والحشرات، وكأنها رديف للخراب، فمثل هذه الكائنات تدب في المجموعة القصصية كما يدب الخراب في أحداثها، الحيوانات والحشرات والقوارض والقتل والتشرد والخراب، تذكر في كافة القصص، وهنا نستدل على حالة الاحتقان التي يمر لها الكاتب، فبعد أن وضح لنا الشيخ "حمزة الغريب" ما كانت علية الأحوال قبل الحرب، والحياة التي كانت تملئ المكان والحيوية والتي يتحرك بها الناس، نستدل على الهوة السحيقة التي أحدثتها الحرب ومن قام بها.
فكل ما يشاهد من خراب موتى وجرذان وكلاب ولصوص ناتج عن الحرب والحرب فقط.
القصة الثانية "بئر الآبار" تتحدث عن أيضا عن الجدب والقحط الذي يمر على الأرض، بحيث لا مكان للماء رغم حفر عدد كبير من الآبار وأحداث خنادق بينها، من هنا تنتشر القوارض والحيوانات في هذه المناطق الجدباء، وأيضا والطيور الجارحة، كصورة تعمق الجرح الذي يصيب الحياة، "في البدء ركضت كلاب الصيد مذعورة مما شاهدت وخلفها عم الذعر الخيول والدواب الأليفة وحيوانات نصف متوحشة وأخرى سابقت الطيور الجارحة ولاذت مئات الفئران بل الآلاف منها متآخية مع قطط الموت في قفة واحدة" ص19 و20، إذن لا مجال للحياة في هكذا مكان، الجفاف والقحط، الحيوانات والقوارض تملئ المكان وتسود فيه.
القصة الثالثة "إخوة يوسف" والرابعة "أولاد غرباء" تستخدم التراث الديني لقصة يوسف لكن بطريقة تغريبية، بمعنى لم يكن اتفاق بين القصتين حول كبر أو صغير يوسف بالنسبة لإخوته، كما أن العدو في قصة "أحمد خلف" هو البدوي، ويتفق يوسف وأخوته على مواجهة هذا العدو ومن ثم الهرب منه، واللوذ منه في عدة أماكن، كما نجد بان يوسف هو الكبير ومن يقود الإخوة في هذه الأحداث، وهذا الأمر كان يمثل رمزية العراق الكبير الذي واجه الهجمة البدوية المتمثل في دول الخليج والتي تحالفت مع الغرب الامبريالي.
لقد استخدم الكاتب الإشارات الرمزية ليعطي الحدث القصصي بعدا جماليا، وأيضا ليعطي الفكرة التي يريدها عمق أكثر، من هنا ربط بين فقدان أحد الإخوة أثناء هروبهم من الخطر القادم وفقدان الماء معا، فكان فقدان الماء يساوي فقدان الأخ، وهذا الربط يعد شكلا أدبيا مميزا.
كما نجد صورة الهجرة والتشرد التي يمر بها يوسف وإخوته كما هو حال العراقي بعد الاحتلال، ".. رحلوا ونحن لا نعرف لا أين مضوا، لكننا ما عدنا نراهم أو نسمع أخبارهم" ص30. يستخدم الكاتب بعضا من الاقتباسات من سورة يوسف حيث يردنا نقارن ما حدث ليوسف مع أحداث قصته المغربة، وكأنه يدعونا إلى التوقف عن قصته والتفكير بما آلت اله الأمور بالنسبة للعراق وللعراقي، "أنا أخوك فلا تبتئس" ص31 "أيها العزيز مسنا الضر" ص32 "يوسف اعرض عن هذا ص34" "وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف" ص36 "يا أسفي على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم" ص41، إذا هذا التضمين للنص القصصي بالآيات القرآنية يعد تجميلا أدبيا، ويعطي مدلولا للأحداث التي مرة بها يوسف، أيضا في هذه القصة يستخدم الكاتب الحيوانات كرمز للخراب والموت الذي ينتشر.
قصة "كابوس عصري" من عنوانها تعطينا فكرتها التي تتحدث عن عملية الاعتقال والعنف والبطش الذي يتعرض له المعتقل وما يعاني أهله من هموم وضغوطات، يستخدم الكاتب آيات قرآنية جاءت على لسان الجلاد، كتأكيد على الربط بين الجلاد والفكر الديني الذي يستخدمه كوسيلة يحاول من خلالها إقناع نفسه بأنه على صواب، وأيضا تجريد الضحية من الإيمان، مما يعني (حل سفك دمها)، ونعتقد بان هذه الأمر يعد من الأهم المسائل الفنية التي استطاع "احمد حرب" أن يقدمها من خلال الربط بين الفكر الديني والجلاد الذي لا يحرم، لأنه يحكم بأمر الله، "لا حول ولا قوة إلا بالله" يا بني إلا تعلم أن حياتك أمانة بين يديك وهبها الرب الخلاق العزيز الحكيم الجبار، لك وجعلك مسؤولا عنها، يا بني لعلنا ننال الجنة ونفوز بلقاء الحبيب هناك، يا بني قل ما عندك ولا تخشى في الحق لومة لائم، اعني اعترف بما تحمله سريرتك ويطويه قلبك ولا تبطن الشر والضغينة لمولانا الباشا" ص61، ذروة الإبداع تكمن في هذه الفقرة، استخدم الفكر الديني من قبل الجلاد بهذه الطريقة الناعمة والبريئة، والتي تجعل الحديد يذوب وينصهر، وكأنه يتكلم بموعظة دينية، من هنا بعد هذا الكلام سيبرر له ـ من نفسه، أو من الآخر المستمع ـ إي فعل يقوم به اتجاه هذا (الكافر الخائن) الضحية، وهنا أعطانا الكاتب صورة واقعية عما يحدث في العراق ولكن بطريقة رمزية.
القصة السادسة "لعبة شطرنج" تتحدث عن رهان بين الباشا واحمد أفندي على لعبة شطرنج، يمنح الباشا "احمد أفندي" كل ما يتمناه إذا فاز في اللعبة، وفي أثناء اللعب وعندما كان احمد يحقق الانتصارات على جنود الباشا كان يتعرض للتهديد بالموت إذا فاز، وتأخذ اللعبة المد والجزر بين الباشا واحمد إلى أن يفوز احمد في النهاية، فيأخذه الباشا مع حاشيته إلى القصر وهنا يمر على الترف الذي يعيشه الباشا وحاشيته إلى أن يدخلوا مسبح في إحدى غرف القصر وهناك يتم إغراق احمد. بهذه الرمزية يقول لنا "احمد خلف" بان اللعب مع الكبار ستكون نتيجته الموت، وهذا الأمر لا ينطبق على العراق وحسب بل أيضا على من تحالف مع الغرب ضد العراق، فالباشا لا يرضى أن يتفوق عليه احد أو أن يخرج عن أمره احد.
رائد الحواري
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف