عيد الام عيد الألم والأمل
جورجينا بهنام
كثيرون لم يسمعوا بـ (آن ميري جارفيس) ولا بـابنتها (آنا) بالتأكيد، وأنا منهم، ولم تكن (آن ميري) نفسها تعلم حين توفيت في العام1905، أنها ستكون عبر جهد ابنتها ملهمة لواحد من أكثر الأيام وتكريما وتقديرا بين أيام السنة بأجمعها ألا وهو عيد الأم، لكني حين بدأت ابحث في أصل الاحتفال ومن الذي دعا إلى تكريم (ست الحبايب) وتخصيص يوم للاحتفاء بها وتكريمها، وإن كانت السنة بكامل أيامها ليست كافية لتفيها حقها وما تستحقه من الشكران والعرفان، تعرفت الى آنا التي، لفرط حبها لوالدتها، اقترحت عام 1907 تخصيص يوم رسمي لإكرام جميع الأمهات وبدأت حملة واسعة لتأكيده كعيد وطني، ولم تمض عدة سنين حتى كانت مدن كثيرة في الولايات المتحدة الامريكية تحتفل بعيد الام، حتى تكلل هذا الجهد بالنجاح عندما أعلن الرئيس الأمريكي ودرو ولسن عام 1914 وبقرار من مجلس النواب الامريكي الأحد الثاني من شهر أيار عيدا للأم.
لكن هذا اليوم ليس موحدا لجميع دول العالم، فبعض الدول الاوربية تحتفي بالمناسبة في الأحد الأول من أيار وأخرى في فبراير وهكذا تختلف الأيام باختلاف الدول. لكن أفضل تلك الاختيارات على الإطلاق هو اليوم المختار في منطقة الشرق الأوسط، فعندما دعا الصحفي مصطفى أمين لتخصيص يوم للاحتفال بعيد الام عام 1956، تم بعد حين إقراره رسميا واختير يوم الـ 21 من آذار ميقاتا له فجاء عيد ألام مرتبطا بأول أيام الربيع واحتفالات نوروز عيد الحرية والانعتاق من الظلم، والام ربيع الحياة الدائم وعنوان العطاء والدفء، ومدرسة الاحرار الاولى ومنبت كل برعم أصيل. لكن هذه المناسبة الجميلة تعرضت عبر عقود متوالية لكثير من الهجمات التي حاولت أن تفرغها من مضمونها وتسخف فكرتها الجميلة، ففي عام 1965 غيرت مصر اسم العيد إلى عيد الأسرة بعد أن زُج بصاحب الفكرة والمبشر بها في أحد المعتقلات وخشيت الحكومة أن يكون عيد الام السنوي مناسبة لاستذكاره، لكن التسمية سرعان ما عادت الى أصلها بعد احتجاجات نسوية واسعة.
وفي عصور تالية عندما طفت على السطح افكار أصولية مبالغة في التشدد تدين الاحتفال بأي أعياد خارج النطاق الديني، طال الشرر أعياد الميلاد و عيد الحب ورأس السنة ومعهم عيد الام الذي يراه كثير من المتزمتين بدعة ومعلوم أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، حتى ذهب بعض المشايخ إلى نسبه إلى الجاهلية الحديثة ومن ذلك فتوى الدكتور محمد عبدالله الخضيرى الذي رأى في معرض اجابته عن حكم إهداء الأم «فيما يسمى بعيد الأم» حسب موقع صيد الفوائد، أن «عيد الأم هو من أعياد الجاهلية الحديثة التى لا يجوز بحال أن يشارك فيها المسلمون، وعلى هذا لا يجوز تقديم الهدايا للأم بهذه المناسبة»، لكن المؤكد أن الرسول الكريم أكرم الامهات حين جعل الجنة تحت أقدامهن، و الإسلام خير من كرم المرأة و الأم بصفة عامة فأمر ببرها و الإحسان إليها بل فضلها على الأب بدرجات، عندما أجاب الرسول أحد الصحابة عن أحق الناس بصحبته: (قال: أمك ، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك).
أما الشيخ محمد صالح العثيمين فيقول في ذلك: «لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد، كإظهار الفرح والسرور، وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك، والأم أحق من أن يحتفى بها يوماً واحداً في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها، وأن يعتنوا بها، وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله في كل زمان ومكان». وهذا ما يتفق عليه الجميع إذ لا يختلف اثنان أن تكريم الأم وبرها واجب طوال حياة الانسان، كل ساعة ودقيقة وثانية، و ليس مقتصرا على يوم العيد، فمن غير المعقول أن تكرم الام بالزهور والهدايا وتغمر بالمحبة الكلمات الطيبة يوما واحدا وتعاني العقوق والهجر والنكران بقية أيام السنة.
بيد أن هجمة أشد وأشرس تلك التي يتعرض لها العيد وصاحبته عبر الحروب الطاحنة والصراعات الدامية التي غدت في أيامنا هذه خبزا يوميا لكثير من الشعوب سيما في منطقة الشرق الأوسط التي غدت ساحة معارك كبرى لصراعات شتى لاتبقي ولا تذر،
ولكل ضحية تسقط وشهيد يروي ارض وطنه بدمائه الزكية ومن فقد حياته بسبب الثورات ونسائم الربيع العربي العاتية، وحتى للارهابي الذي سولت له نفسه أن يحول جسده المكون في احشاء أم حنون الى قنبلة يقتل بها أكبر عدد من الابرياء، ولكل القتلة سواء الذين يصدرون الاوامر أم الذين ينفذون، كلهم لهم امهات يبكينهم وينحن على فلذات أكبادهن المسحوقين تحت رحى الحرب ظلاما ومظلومين.
كل المظلومات و الخائفات على مستقبل أولادهن والمشردات في أرض الله الواسعة واللاجئات والمعنفات والمبيعات في سوق المتعة بأبخس الاسعار ظنن أخيرا أن منظمة نسائية عالمية ضد العنصرية على أساس الجنس ذاع صيتها في العالم تدعى (فيمن) ستدافع عن حقوقهن وتعيد المسلوب منها بل وتطالب بالمزيد، لكن كثيرات فوجئن بالاسلوب الرخيص بل المبتذل الذي لا يتماشى مع طبيعة السيدة الام المعطاءة مربية الاجيال، والذي تنتهجه عضوات هذه المنظمة المعروفات بـ(عاريات الصدور)، وهن يتخذن من أجسادهن العارية وسيلة احتجاج مقززة ومنفرة ابتدعها شخص مهووس بالجميلات يدعى (فيكتور سفياتسكي) مؤسس المنظمة وعقلها المدبر الذي أظهر مؤخرا الفيلم التسجيلي «أوكرانيا ليست بيت دعارة»، أنه لا يؤمن أبداً بمسألة تمكين المرأة في المجتمع بل يتخذ منها ستارا للتعرف على الفتيات الجميلات واستغلالهن، وكان يختار النساء الأكثر جمالاً ويشركهن في الحركة، ويدفعهن للتهجم على العديد من الشخصيات العامة في العال مثل الرئيس الروسي بوتين والمستشارة الالمانية ميركل، حتى اقدمت مؤخرا بعض العربيات والايرانيات على حذو حذوهن.
لكن الهجمة الاكبر التي يمكن أن يواجهها العيد وصاحبته، ربما تتمثل في حالة الانهيار الاخلاقي التي تجتاح العالم، وتدهور قيم العائلة التي تربت عليها أجيال اذ غدت اليوم من وجهة نظر بعض المحدثين ليست اكثر من قيد على الحرية الشخصية وإرثا تاريخيا من ماض لم يعد مرغوبا فيه، فعندما تفقد العائلة مكانتها في المجتمع ويصير الزواج المثلي قانونيا وتصبح جريمة الاغتصاب واحدة من أكثر الجرائم انتشارا على مستوى العالم فضلا عن ارتفاع مستوى الاعتداء الجسدي على المرأة الى الحد الذي يجعل وكالة الاتحاد الاوروبي للحقوق الاساسية تنظر الى وضع النساء العام في اوربا نظرة المستاء حسب نتائج الدراسات التي أعدتها، فما بالك بأحوالهن في بقية دول العالم، فهل من طعم للعيد؟ رغم كل هذه التحديات تبقى الام الضمانة الأهم والسد المنيع لئلا تنهار القيم النبيلة وتفقد معها العائلة مكانتها واحترامها، ويبقى عيد الام عيدا للألم والأمل.
جورجينا بهنام
كثيرون لم يسمعوا بـ (آن ميري جارفيس) ولا بـابنتها (آنا) بالتأكيد، وأنا منهم، ولم تكن (آن ميري) نفسها تعلم حين توفيت في العام1905، أنها ستكون عبر جهد ابنتها ملهمة لواحد من أكثر الأيام وتكريما وتقديرا بين أيام السنة بأجمعها ألا وهو عيد الأم، لكني حين بدأت ابحث في أصل الاحتفال ومن الذي دعا إلى تكريم (ست الحبايب) وتخصيص يوم للاحتفاء بها وتكريمها، وإن كانت السنة بكامل أيامها ليست كافية لتفيها حقها وما تستحقه من الشكران والعرفان، تعرفت الى آنا التي، لفرط حبها لوالدتها، اقترحت عام 1907 تخصيص يوم رسمي لإكرام جميع الأمهات وبدأت حملة واسعة لتأكيده كعيد وطني، ولم تمض عدة سنين حتى كانت مدن كثيرة في الولايات المتحدة الامريكية تحتفل بعيد الام، حتى تكلل هذا الجهد بالنجاح عندما أعلن الرئيس الأمريكي ودرو ولسن عام 1914 وبقرار من مجلس النواب الامريكي الأحد الثاني من شهر أيار عيدا للأم.
لكن هذا اليوم ليس موحدا لجميع دول العالم، فبعض الدول الاوربية تحتفي بالمناسبة في الأحد الأول من أيار وأخرى في فبراير وهكذا تختلف الأيام باختلاف الدول. لكن أفضل تلك الاختيارات على الإطلاق هو اليوم المختار في منطقة الشرق الأوسط، فعندما دعا الصحفي مصطفى أمين لتخصيص يوم للاحتفال بعيد الام عام 1956، تم بعد حين إقراره رسميا واختير يوم الـ 21 من آذار ميقاتا له فجاء عيد ألام مرتبطا بأول أيام الربيع واحتفالات نوروز عيد الحرية والانعتاق من الظلم، والام ربيع الحياة الدائم وعنوان العطاء والدفء، ومدرسة الاحرار الاولى ومنبت كل برعم أصيل. لكن هذه المناسبة الجميلة تعرضت عبر عقود متوالية لكثير من الهجمات التي حاولت أن تفرغها من مضمونها وتسخف فكرتها الجميلة، ففي عام 1965 غيرت مصر اسم العيد إلى عيد الأسرة بعد أن زُج بصاحب الفكرة والمبشر بها في أحد المعتقلات وخشيت الحكومة أن يكون عيد الام السنوي مناسبة لاستذكاره، لكن التسمية سرعان ما عادت الى أصلها بعد احتجاجات نسوية واسعة.
وفي عصور تالية عندما طفت على السطح افكار أصولية مبالغة في التشدد تدين الاحتفال بأي أعياد خارج النطاق الديني، طال الشرر أعياد الميلاد و عيد الحب ورأس السنة ومعهم عيد الام الذي يراه كثير من المتزمتين بدعة ومعلوم أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، حتى ذهب بعض المشايخ إلى نسبه إلى الجاهلية الحديثة ومن ذلك فتوى الدكتور محمد عبدالله الخضيرى الذي رأى في معرض اجابته عن حكم إهداء الأم «فيما يسمى بعيد الأم» حسب موقع صيد الفوائد، أن «عيد الأم هو من أعياد الجاهلية الحديثة التى لا يجوز بحال أن يشارك فيها المسلمون، وعلى هذا لا يجوز تقديم الهدايا للأم بهذه المناسبة»، لكن المؤكد أن الرسول الكريم أكرم الامهات حين جعل الجنة تحت أقدامهن، و الإسلام خير من كرم المرأة و الأم بصفة عامة فأمر ببرها و الإحسان إليها بل فضلها على الأب بدرجات، عندما أجاب الرسول أحد الصحابة عن أحق الناس بصحبته: (قال: أمك ، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك).
أما الشيخ محمد صالح العثيمين فيقول في ذلك: «لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد، كإظهار الفرح والسرور، وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك، والأم أحق من أن يحتفى بها يوماً واحداً في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها، وأن يعتنوا بها، وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله في كل زمان ومكان». وهذا ما يتفق عليه الجميع إذ لا يختلف اثنان أن تكريم الأم وبرها واجب طوال حياة الانسان، كل ساعة ودقيقة وثانية، و ليس مقتصرا على يوم العيد، فمن غير المعقول أن تكرم الام بالزهور والهدايا وتغمر بالمحبة الكلمات الطيبة يوما واحدا وتعاني العقوق والهجر والنكران بقية أيام السنة.
بيد أن هجمة أشد وأشرس تلك التي يتعرض لها العيد وصاحبته عبر الحروب الطاحنة والصراعات الدامية التي غدت في أيامنا هذه خبزا يوميا لكثير من الشعوب سيما في منطقة الشرق الأوسط التي غدت ساحة معارك كبرى لصراعات شتى لاتبقي ولا تذر،
ولكل ضحية تسقط وشهيد يروي ارض وطنه بدمائه الزكية ومن فقد حياته بسبب الثورات ونسائم الربيع العربي العاتية، وحتى للارهابي الذي سولت له نفسه أن يحول جسده المكون في احشاء أم حنون الى قنبلة يقتل بها أكبر عدد من الابرياء، ولكل القتلة سواء الذين يصدرون الاوامر أم الذين ينفذون، كلهم لهم امهات يبكينهم وينحن على فلذات أكبادهن المسحوقين تحت رحى الحرب ظلاما ومظلومين.
كل المظلومات و الخائفات على مستقبل أولادهن والمشردات في أرض الله الواسعة واللاجئات والمعنفات والمبيعات في سوق المتعة بأبخس الاسعار ظنن أخيرا أن منظمة نسائية عالمية ضد العنصرية على أساس الجنس ذاع صيتها في العالم تدعى (فيمن) ستدافع عن حقوقهن وتعيد المسلوب منها بل وتطالب بالمزيد، لكن كثيرات فوجئن بالاسلوب الرخيص بل المبتذل الذي لا يتماشى مع طبيعة السيدة الام المعطاءة مربية الاجيال، والذي تنتهجه عضوات هذه المنظمة المعروفات بـ(عاريات الصدور)، وهن يتخذن من أجسادهن العارية وسيلة احتجاج مقززة ومنفرة ابتدعها شخص مهووس بالجميلات يدعى (فيكتور سفياتسكي) مؤسس المنظمة وعقلها المدبر الذي أظهر مؤخرا الفيلم التسجيلي «أوكرانيا ليست بيت دعارة»، أنه لا يؤمن أبداً بمسألة تمكين المرأة في المجتمع بل يتخذ منها ستارا للتعرف على الفتيات الجميلات واستغلالهن، وكان يختار النساء الأكثر جمالاً ويشركهن في الحركة، ويدفعهن للتهجم على العديد من الشخصيات العامة في العال مثل الرئيس الروسي بوتين والمستشارة الالمانية ميركل، حتى اقدمت مؤخرا بعض العربيات والايرانيات على حذو حذوهن.
لكن الهجمة الاكبر التي يمكن أن يواجهها العيد وصاحبته، ربما تتمثل في حالة الانهيار الاخلاقي التي تجتاح العالم، وتدهور قيم العائلة التي تربت عليها أجيال اذ غدت اليوم من وجهة نظر بعض المحدثين ليست اكثر من قيد على الحرية الشخصية وإرثا تاريخيا من ماض لم يعد مرغوبا فيه، فعندما تفقد العائلة مكانتها في المجتمع ويصير الزواج المثلي قانونيا وتصبح جريمة الاغتصاب واحدة من أكثر الجرائم انتشارا على مستوى العالم فضلا عن ارتفاع مستوى الاعتداء الجسدي على المرأة الى الحد الذي يجعل وكالة الاتحاد الاوروبي للحقوق الاساسية تنظر الى وضع النساء العام في اوربا نظرة المستاء حسب نتائج الدراسات التي أعدتها، فما بالك بأحوالهن في بقية دول العالم، فهل من طعم للعيد؟ رغم كل هذه التحديات تبقى الام الضمانة الأهم والسد المنيع لئلا تنهار القيم النبيلة وتفقد معها العائلة مكانتها واحترامها، ويبقى عيد الام عيدا للألم والأمل.