
من زاوية أخرى - بقلم : عصام أبو فرحة .
بمحاولةٍ لكسر ملل الانتظار , وتناسي آلام أضراسي , خرجت إلى شرفة عيادة طبيب الأسنان , وقفت هناك عازماً أن أشغل نفسي بأول شيءٍ يعيق مسار بصري , وقبل أن يمتد البصر بعيداً وجدت ما يشغلني , كان يقابلني تماماً , يطل من تلك النافذة بوجهه المستدير الجميل , يبدو أنه كان يقف فوق سريره ليصل إلى علوٍ يمكنه من رؤية حديقة صغيرة فصلت بين البنايتين , يتنقل بنظره بين الحديقة وشرفتنا وكيسٍ مزركش الألوان يحمله بيده الصغيرة , يحوي – حسب توقعاتي – حباتٍ من البندق .
انتظرت قليلاً ريثما جاء دور شرفتي لتكون محط أنظار ذلك الطفل الوسيم , فقابلت نظراته البريئة العفوية بنظرات تحاكيها , وأرفقتها بابتسامة وبعض حركات أثارت انتباهه , وجعلته يتخلى عن النظرات الأخرى صوب الحديقة وكيس البندق , أخرجت له لساني فارتسمت على وجهه ابتسامة رائعة , وصار يقلد حركاتي حتى انسجمت وإياه بالحركات والضحكات .
كانت المسافة الفاصلة بيننا تزيد عن عشرة أمتار , رغم ذلك حين أشرت له أن يطعمني من كيسه لم يتردد , فتناول حبة بندق ومد يده من خلال نافذته , وأشار لي أن أمد يدي , فلربما خيلت له مداركه أن المدى طوع يديه , وأن هذا العالم صغيرٌ صغير , لدرجة أن يده تستطيع الوصول إلى كل ما يبتغيه , أو أنه مد يده معتمداً علَيّ , ظناً منه أن الكبار أسياد الحياة , لا يعجزهم أي أمر .
في تلك الأثناء وفي غمرة تفكيري بما يدور في عقل هذا الصغير , فوجئتُ بملامح وجهه التي تبدلت إلى عبوسٍ وصل حد البكاء , أشاح ببصره بعيداً عني واتجه به صوب أرض الحديقة باحثاً متفحصاً , فأدركت من خلال نظراته وحركاته أن حبة البندق سقطت من يده .
حاولت أن أخفف عنه بحركاتٍ كالتي بدأت بها , لكنه لم يكن يراني , حاولت إعادة جذب انتباهه بصوت صفيرٍ أخرجته من فمي , لكن دون جدوى , فلقد استحوذت تلك الحبة على اهتمامه وحواسه .
مضى بعض الوقت ولم يزل المشهد على حاله , أنظر نحوه محاولاً جذبه , بينما يركز بصره في أرض الحديقة حيث سقطت حبة البندق , وحين رأيت الابتسامة تعود إلى وجهه , وتباشير السعادة تسكن ملامحه من جديد , نظرت إلى حيث ينظر , فإذا بعصفورٍ جميل الشكل ينقر حبة البندق ويأكل منها بتلذذٍ واضح .
اقتربتُ من حافة الشرفة وصرت أتنقل ببصري بين العصفور والطفل , انتهى العصفور من التهام حبة البندق , فما كان من الطفل إلا أن تناول حبة أخرى وألقاها بسعادة غامرة , استقبلها العصفور بشغف , وما لبث أن حط إلى جانبه عصفور آخر راح يزاحمه طعامه , اتسعت ابتسامة الطفل وتناول حبة أخرى وألقاها , حينها ركزت بصري مع الطفل وملامح سعادته , ودون أن يلتفت صوبي تناول أخرى وألقاها , ثم أخرى , ثم أخرى , إلى أن فرغ الكيس تماماً , نظرت حينها إلى أرض الحديقة فوجدت الكثير من العصافير تشترك في نقر حبات البندق المتناثرة .
من تلك البناية التي تواجدت فيها , كنت أرقب ذلك المشهد , مشهد عصافيرٍ تأكل حبات بندق , حيث فَتُرَ انجذابي حين استقر المشهد على هذا النحو دون أي جديد , وسرعان ما عاد تفكيري ينصب في ألم ضرسي , ودوري الذي انتظره , فوجدت نفسي غير مكترثٍ بتلك العصافير , فما كان مقصدي إلا تمرير وقت الانتظار , لكني آثرت أن أبقى في الشرفة إلى حين سماع من يناديني .
من البناية المقابلة كان الطفل يرقبُ العصافير التي تجمعت على طعامه , تغمره السعادة والنشوة , يبتسم فَرِحاً بنقاءٍ وعفوية وطيبة , وبين البنايتين يتنقل غرابٌ أسود الجناحين أشعث الرأس , يرقب المشهد من زاويا أخرى , تبتعدُ كثيراً عن زاوية طيبة الطفل وعفويته , لكنها قد تقترب من زاوية عدم اكتراثي .
بمحاولةٍ لكسر ملل الانتظار , وتناسي آلام أضراسي , خرجت إلى شرفة عيادة طبيب الأسنان , وقفت هناك عازماً أن أشغل نفسي بأول شيءٍ يعيق مسار بصري , وقبل أن يمتد البصر بعيداً وجدت ما يشغلني , كان يقابلني تماماً , يطل من تلك النافذة بوجهه المستدير الجميل , يبدو أنه كان يقف فوق سريره ليصل إلى علوٍ يمكنه من رؤية حديقة صغيرة فصلت بين البنايتين , يتنقل بنظره بين الحديقة وشرفتنا وكيسٍ مزركش الألوان يحمله بيده الصغيرة , يحوي – حسب توقعاتي – حباتٍ من البندق .
انتظرت قليلاً ريثما جاء دور شرفتي لتكون محط أنظار ذلك الطفل الوسيم , فقابلت نظراته البريئة العفوية بنظرات تحاكيها , وأرفقتها بابتسامة وبعض حركات أثارت انتباهه , وجعلته يتخلى عن النظرات الأخرى صوب الحديقة وكيس البندق , أخرجت له لساني فارتسمت على وجهه ابتسامة رائعة , وصار يقلد حركاتي حتى انسجمت وإياه بالحركات والضحكات .
كانت المسافة الفاصلة بيننا تزيد عن عشرة أمتار , رغم ذلك حين أشرت له أن يطعمني من كيسه لم يتردد , فتناول حبة بندق ومد يده من خلال نافذته , وأشار لي أن أمد يدي , فلربما خيلت له مداركه أن المدى طوع يديه , وأن هذا العالم صغيرٌ صغير , لدرجة أن يده تستطيع الوصول إلى كل ما يبتغيه , أو أنه مد يده معتمداً علَيّ , ظناً منه أن الكبار أسياد الحياة , لا يعجزهم أي أمر .
في تلك الأثناء وفي غمرة تفكيري بما يدور في عقل هذا الصغير , فوجئتُ بملامح وجهه التي تبدلت إلى عبوسٍ وصل حد البكاء , أشاح ببصره بعيداً عني واتجه به صوب أرض الحديقة باحثاً متفحصاً , فأدركت من خلال نظراته وحركاته أن حبة البندق سقطت من يده .
حاولت أن أخفف عنه بحركاتٍ كالتي بدأت بها , لكنه لم يكن يراني , حاولت إعادة جذب انتباهه بصوت صفيرٍ أخرجته من فمي , لكن دون جدوى , فلقد استحوذت تلك الحبة على اهتمامه وحواسه .
مضى بعض الوقت ولم يزل المشهد على حاله , أنظر نحوه محاولاً جذبه , بينما يركز بصره في أرض الحديقة حيث سقطت حبة البندق , وحين رأيت الابتسامة تعود إلى وجهه , وتباشير السعادة تسكن ملامحه من جديد , نظرت إلى حيث ينظر , فإذا بعصفورٍ جميل الشكل ينقر حبة البندق ويأكل منها بتلذذٍ واضح .
اقتربتُ من حافة الشرفة وصرت أتنقل ببصري بين العصفور والطفل , انتهى العصفور من التهام حبة البندق , فما كان من الطفل إلا أن تناول حبة أخرى وألقاها بسعادة غامرة , استقبلها العصفور بشغف , وما لبث أن حط إلى جانبه عصفور آخر راح يزاحمه طعامه , اتسعت ابتسامة الطفل وتناول حبة أخرى وألقاها , حينها ركزت بصري مع الطفل وملامح سعادته , ودون أن يلتفت صوبي تناول أخرى وألقاها , ثم أخرى , ثم أخرى , إلى أن فرغ الكيس تماماً , نظرت حينها إلى أرض الحديقة فوجدت الكثير من العصافير تشترك في نقر حبات البندق المتناثرة .
من تلك البناية التي تواجدت فيها , كنت أرقب ذلك المشهد , مشهد عصافيرٍ تأكل حبات بندق , حيث فَتُرَ انجذابي حين استقر المشهد على هذا النحو دون أي جديد , وسرعان ما عاد تفكيري ينصب في ألم ضرسي , ودوري الذي انتظره , فوجدت نفسي غير مكترثٍ بتلك العصافير , فما كان مقصدي إلا تمرير وقت الانتظار , لكني آثرت أن أبقى في الشرفة إلى حين سماع من يناديني .
من البناية المقابلة كان الطفل يرقبُ العصافير التي تجمعت على طعامه , تغمره السعادة والنشوة , يبتسم فَرِحاً بنقاءٍ وعفوية وطيبة , وبين البنايتين يتنقل غرابٌ أسود الجناحين أشعث الرأس , يرقب المشهد من زاويا أخرى , تبتعدُ كثيراً عن زاوية طيبة الطفل وعفويته , لكنها قد تقترب من زاوية عدم اكتراثي .