الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تاريخ الأدب والنقد والحكمة العربية والإسلامية المعاصرة بقلم:حسين علي الهنداوي

تاريخ النشر : 2014-01-07
تاريخ الأدب والنقد والحكمة العربية والإسلامية المعاصرة بقلم:حسين علي الهنداوي
تاريخ الأدب والنقد والحكمة
العربية والإسلامية المعاصرة

المجلد الحادي عشر


حسين علي الهنداوي


يرصد ريع هذه الموسوعة لجمعية البر والخدمات الاجتماعية بدرعا

الموسوعة مسجلة في
مكتبة الأسد الوطنية // دمشق
في مكتبة الفهد الوطنية //الرياض
في مكتبة الإسكندرية // مصر العربية





حسين علي الهنداوي (صاحب الموسوعة)


ـ أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
نشر في العديد من الصحف العربية
- مدرس في جامعة دمشق ـ كلية التربية - فرع درعا
- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
- حائز على إجازة في اللغة العربية
ـ حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسي قسم اللغة العربية في مدينة درعا
- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
- عضو اتحاد الصحفيين العرب
- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
- عضو تجمع القصة السورية
- عضو النادي الأدبي بتبوك
الصحف الورقية التي نشر فيها أعماله :
1- الكويت ( الرأي العام – الهدف – الوطن )
2- الإمارات العربية ( الخليج )
3- السعودية ( الرياض – المدينة – البلاد – عكاظ )
4- سوريا ( تشرين – الثورة – البعث – الأسبوع الأدبي )
المجلات الورقية التي نشر فيها أعماله :
1- مجلة المنتدى الإماراتية
2- مجلة الفيصــل السعودية
3- المجلة العربية السعودية
4- مجلة المنهـــل السعودية
5- مجلة الفرسان السعودية
6- مجلة أفنــــان السعودية
7- مجلة الســــفير المصريــــة
8- مجلة إلى الأمام الفلسطينية

مؤلفاته :
أ‌- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح ايلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط

ب‌- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4ـ أسلمة الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات بالإشراك / جمع و تبويب
5 _ هل أنجز الله وعده ؟
الصحف الالكترونية التي نشر بها :
1ـ قناديل الفكر والأدب
2ـ أنهار الأدب
3ـ شروق
4ـ دنبا الوطن
5ـ ملتقى الواحة الثقافي
6ـ تجمع القصة السورية
7ـ روض القصيد
8ـ منابع الدهشة
9ـ أقلام
10ـ نور الأدب





بسم الله الرحمن الرحيم



تاريخ الأدب والنقد والحكمة العربية والإسلامية المعاصرة



بسم الله الرحمن الرحيم
المجلد الحادي عشر
الأدب في العهد المعاصر 1970 – 2015 م
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعي ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين . . . وبعد :
لم يأت العقد السابع من القرن الماضي 1970 إلا وجميع البلدان العربية قد نالت استقلالها صوريا وبقيت من حيث السياسة والاقتصاد تابعة لأحد المعسكرين الشرقي أو الغربي , بصورة أو بأخرى تترسم طريقا شائكا ً للحفاظ على السلطة لصالح الحاكم سواء أكان ملكا ً أو رئيسا ً أو أميرا ً , ووقعت الحكومات الوطنية في أتون مشاكل متعددة على المستوى الداخلي أو العربي أو الإقليمي أو الدولي فعلى المستوى الداخلي لم تستطع الحكومات الوطنية تلبية حاجات مواطنيها في إقامة حياة حرة كريمة لهم ومنتهم بالكثير من الشعارات الوطنية ( سياسيا ً – حزبيا ً – معاشيا ً – اقتصاديا ) ولم يحقق لهم منها إلا ما يتعلق بالشكل دون المضمون وأخذت تزج بهم في السجون تحت مسمى مقاومة الوطن وعرقلة مسيرته التقدمية إضافة إلى تعرض الكثير منهم للنفي أو الموت أو التعذيب وعلى المستوى العربي ازداد البعد بين شعوب الدول العربية بفعل حدود ( سايكس بيكو ) التي اصطنعها الاستعمار وما تقوم به هذه الحكومات الوطنية حتى وصلت القطيعة بين بعض الدول العربية تزيد على خمسين عاما ً حيث منع سكان بلد من دخول البلد المجاور مطلقا ً ولو كانت بين الشعبين أواصر نسب وقرابة , ولم يتحقق شعار الثورة العربية الكبرى 1916م الذي من اجله قام العرب بثورتهم ضد العثمانيين وعلى المستوى الإقليمي فقد انعكست العلاقات السيئة على الدول العربية مع الدول المجاورة كالحبشة وتركيا وإيران وتشاد ونيجيريا وغيرها وحددت المصلحة طبيعة العلاقة بين الدول العربية والدول المجاورة , وسر طنت إسرائيل المنطقة العربية وأخذت تثير المشاكل مع الدول العربية من جهة ومع الفلسطينيين من جهة أخرى إضافة إلى ما كانت تبثه من فتن بين دول العرب من جهة وبين دول الغرب من جهة وبين دول الجوار من جهة أخرى وقامت حرب تشرين بين سورية ومصر من جهة وإسرائيل من جهة أخرى , ثم قامت الثورة الإيرانية عام 1980 والحرب الأهلية اللبنانية قبل ذلك بعامين واجتاحت إسرائيل لبنان , وقامت بتخريبها , ثم قامت حرب الخليج الأولى والثانية وما جرته على العرب من ويلات وخسائر من خلال احتلال العراق للكويت ودخول دول تحالف بزعامة الامبريالية الأمريكية المستعمرة للعراق وازدياد التبعية العربية للمشرق والمغرب واستنزاف المال العربي من خلال اختلاس البترول العربي وازدادت الهجمات الإسرائيلية على غزة التي شكلت جبهة مقاومة إسلامية استطاعت أن تقف سدا منيعا ً في وجه الغطرسة الإسرائيلية وكانت مصر والأردن قد عقدت معاهدات سلام مع العدو الصهيوني بشروط مذعنة وبقيت سوريا ولبنان جبهة مقاومة حاولت إسرائيل في تموز 2006 أن تجتاح جنوب لبنان من جديد ولكنها فشلت وتكبدت خسائر متعددة وفشلت كل المخططات الاستعمارية في زعزعة موقف سورية من القضية الفلسطينية .
وعلى المستوى الدولي فقد عقدت البلاد العربية كل على حدة علاقات تجارية واقتصادية وثقافية وعسكرية مع مختلف العالم تحكم هذه العلاقات مصالح مشتركة ودخلت معظم الدول العربية الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية العالمية .
وعايش الأدباء مرحلة ساخنة زاخرة بالأحداث الداخلية والخارجية والدولية وأخذت حركات الأدب تدافع قضايا الجماهير والناس والعامة وبدا أدبهم يدافع عن ذوبان هذه الدول تحت وطأة الاستعمار الاقتصادي والفكري والسياسي وعلى رأس القضايا الأدبية التي عالجها أدباؤنا العرب قضية الثورة على المضمون والشكل القديم الذي أصبح من وجهة نظر بعض الأدباء حجر العثرة في وجه تطور الأدب وخاصة ( الشعر ) هذا الفن المدلل وإن كان بعض الأدباء الشعراء ( كتاب القصة ) قد أصبحوا مأجورين لجهات غير معلومة من اجل حرف مسيرة الأدب باتجاه الفوضى والانزلاق في وديان الضياع تحت مظلة المستعمر الفكرية التي تحاول محاربة اللغة العربية هذا الرابط الديني القومي الذي يجمع العرب تحت راية واحدة وما ذلك إلا ضمن سياق محاربة القرآن الكريم والدعوة الإسلامية التي لو قيض لها أن تقوم من خال العرب لغيرت وجه العالم ولقد اختلطت الشعارات الصادقة بالشعارات المزيفة في مسيرة الأدب تحت مسميات متعددة ( الحداثة – الحداثوية – التجديد – التغيير الخ . ) مع عدم شكنا في ضرورة مواكبة أدبنا معطيات التطور والتقدم دون الإخلال بأصالة الأدب العربي وظهرت في هذه الفترات الأخيرة فنون جديدة كالحوار والسيناريو والقصة القصيرة جدا ً والنص الأدبي الذي لا يتقيد بشعر أو نثر أو مسرح أو قصة بل يأخذ من كل فن تقنياته الفاعلة وساعد على انتشار الأدب سهولة نشره وعلى صفحات الشبكة العنكبوتية ( النت ) وأن كان الكثير من المتلقين للأدب قد عزفوا عن قراءته لتراجع دور الشاعر على الشاشات الصغيرة والكبيرة دون أن يقرا كنص في كتاب وقد ساعد على عدم اخذ الأدب مكانته المرموقة في نفوس الناس في العهد المعاصر اختلاط الأدب بالسياسة ومحاولة الأديب اللعب على الحبلين حبل الشعب وحبل الحاكم ضانا انه يستطيع أن يوفق بين موفق الحاكم والشعب وناسيا ً انه لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار , وانه ما جعل الله لرجل قلبين في جوفه وانه مهما حاول الأديب أن يوفق بين ظلم الحكام وتطلعات الشعوب فانه للن يتمكن من ذلك وأن مهمة الأديب أن يكون ليس فقط بلبلا ً مغردا ً على شجرة وإنما يعرض مشاكل الحياة وأن يقترح الحلول المناسبة لها وأن يشارك في بناء الحياة ويسهم في إبراز مواطن القبيح والجمال فيها وأن يقترح ما يزيد في جماليتها






الباب الأول
الحياة العامة في العهد المعاصر







الباب الأول

الفصل الأول
الحياة السياسية


سادسا ً : العدوان الثلاثي على مصر – تشرين الأول عام 1956 :
قامت كل من انكلترا وفرنسا وإسرائيل بعدوان ثلاثي على مصر عام 1956 م , ومن أسباب ذلك مواقف مصر الوطنية والقومية المعادية لإسرائيل والدول الاستعمارية , وكذلك تأميم مصر قناة السويس . وقد حصلت معارك ضارية بين المصريين والغزاة أبدى من خلالها أبناء مصر العربية وجيشها الباسل بطولة وشجاعة فائقة , وتمكنوا من صد الغزاة وإلحاق خسائر فادحة بهم . وقد فشل العدوان الثلاثي ولم يحقق الأهداف المرجوة منه .
سابعا ً : تطور مصر بعد العدوان الثلاثي :
شهدت مصر بعد انتهاء العدوان الثلاثي عدة أحداث هامة من بينها :
1- قيام الوحدة بين مصر وسورية عام 1958 م .
2- مقاومة العدوان الإسرائيلي الذي حصل بتاريخ 5 حزيران عام 1967 م .
3- وفاة الرئيس جمال عبد الناصر بتاريخ 28 أيلول عام 1970 م.
4- مشاركة مصر مع سورية في حرب تشرين التحريرية عام 1973 م .
5- استلام الحكم من قبل أنور السادات الذي وقع صلحا ً منفردا ً مع العدو الصهيوني عام 1979 م . وتم اغتياله عام 1981 م , وخلفه في حكم مصر الرئيس حسني مبارك .

تطور سوريا منذ الاستقلال حتى الوقت الحاضر
أولا ً : المشكلات التي واجهت سورية بعد الاستقلال :
اضطرت سورية قبل أن تتمكن من تنظيم إدارتها وتنمية مواردها أن تخوض حرب فلسطين عام 1948 وقد تمكن الجيش السوري على الرغم من حداثة عهده من إحراز عدة انتصارات هامة , ولكن سير الأحداث أسفر عن قيام الكيان الصهيوني فكان ذلك الحادث صدمة هزت الأمة العربية كلها .
وقد تعرضت سورية أيضا في تلك الفترة لضغوط استعمارية عديدة كان الهدف منها ربطها بمشاريع استعمارية مناهضة لرغبات العرب وأمانيهم في الوحدة والتحرر ومثال ذلك مشروع الهلال الخصيب ومشروع سورية الكبرى وكذلك حلف بغداد وغير ذلك من المشاريع التي تخدم مصالح أعداء الأمة العربية وتحاول إعادة سيطرتهم على المنطقة .
استطاعت سورية بفضل وعي شعبها إحباط هذه المشاريع الاستعمارية , وكان ذلك دفاعا ً عن مصالح سورية وتعبيرا ً عن التزامها بقضايا الأمة العربية وتطلعاتها نحو الوحدة والتحرر , ومن خلال ذلك برز دور سورية الرائد في قيادة النضال الوطني والقومي ضد أعداء الأمة .
ثانيا ً : الانقلابات العسكرية :
حصلت في سورية بعد الاستقلال عدة انقلابات عسكرية من أسبابها :
1- خيبة أمل الوطنيين في سورية بسبب نتائج حرب فلسطين عام 1948 م وقيام الكيان الصهيوني
2- الضغوط الاستعمارية على سورية لتوقيع اتفاقية مد خطوط شركة التابلاين البترولية الأمريكية وقبول مشروع الهلال الخصيب وحلف بغداد الاستعماري .
هذه الأسباب وغيرها فتحت باب الانقلابات في سوريا عام 1949 م وكان أولها انقلاب حسني الزعيم , وتلاه انقلاب سامي الحناوي ثم انقلاب أديب الشيشكلي الذي أصبح رئيسا ً للجمهورية .
ثالثا ً : عودة الحياة الديمقراطية :
أجبر الجيش السوري أديب الشيشكلي على التنازل عن الحكم ومغادرة البلاد في شهر شباط عام 1954 م وأعيد هاشم الاتاسي إلى رئاسة الجمهورية وتألفت حكومة انتقالية أشرفت على الانتخابات التي تمكنت فيها الأحزاب التقدمية وفي مقدمتها حزب البعث العربي الاشتراكي من زيادة عدد نوابها وفرض شعاراتها , مثل معاداة النظام الإقطاعي والمطالبة بتحسين أوضاع العمال والفلاحين ومنحهم حقوقهم , وكذلك رفض الأحلاف الاستعمارية والتأكيد على الحقوق العربية في فلسطين وفي سائر الأجزاء المحتلة والمغتصبة من الوطن العربي ونتيجة للانتخابات التي حصلت في سورية عادت الحياة الديمقراطية إلى البلاد وتشكلت حكومة تجمع وطني .
رابعا ً استشهاد العقيد عدنان المالكي عام 1955 م :
قام عملاء الاستعمار باغتيال العقيد عدنان المالكي للأسباب التالية :
تأييده القضايا الوطنية والقومية .
دوره البارز بخصوص الاتفاق الذي تم عقده بين مصر وسورية بخصوص القيادة المشتركة عام 1955 م.
مساهمته في أبعاد سوريا نهائيا ً عن حلف بغداد .
كسر احتكار السلاح من المعسكر الغربي وشرائه من المعسكر الاشتراكي .
خامسا ً قيام الجمهورية العربية المتحدة عام 1958 م :
بتاريخ 22 شباط عام 1958 م حصل حادث هام في تاريخ سورية والأمة العربية وهو أول قيام وحدة في العصر الحديث بين قطرين عربيين وهما مصر وسوريا وتعد هذه الوحدة تجسيدا ً لآمال العرب في الوحدة والتحرر وهي تمثل الشعار الأول من شعارات حزب البعث العري الاشتراكي ( وحدة حرية اشتراكية ) ولذلك فقد كان للرجال الوطنيين دورهم البارز في قيام هذه الوحدة وينسجم ذلك مع المبادئ العربية الأصيلة التي آمنوا بها واسعوا لتحقيقها وتحويلها إلى واقع ملموس .
ومن العوامل التي ساعدت على قيام الوحدة :
1- اتفاق مواقف مصر وسورية من المؤامرات الاستعمارية والأحلاف العسكرية التي تهدف إلى إبعادهما عن خطهما التقدمي .
2- اتفاق الخط التقدمي في مصر مع الخط التقدمي الذي تدعمه القوى التقدمية والوطنية في سورية
3- الرغبة المشتركة في تحقيق الأهداف القومية العربية ودعم الحقوق العربية كل هذا أدى إلى اللقاء بين القطرين العربيين فاقترح قادة سورية الوحدة مع مصر وجرى استفتاء شعبي أيد الوحدة ووافق عليها الشعبان بموجبه بحماس مقطع النظير , وتم إعلان الوحدة بين سورية ومصر بتاريخ 22 شباط 1958 م تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة . وانتخب الرئيس جمال عبد الناصر رئيسا ً لها بعد أن تنازل رئيس الجمهورية السورية شكري القوتلي عن منصبه طواعية وبإرادته .
سادسا ً : الآثار السياسية لقيام الجمهورية العربية المتحدة :
1- قيام ثورة 14 تموز في العراق وانسحاب العراق من حلف بغداد وحل الاتحاد الهاشمي .
2- قيام الثورة في لبنان ضد الحكومة اللبنانية بسبب قبولها المشاريع الاستعمارية .
3- مساعدة الجمهورية العربية المتحدة لحركات التحرر في الوطن العربي مثل الجزائر وكذلك الحرص على استعادة الحقوق العربية في فلسطين .
4- مساندة قضايا التحرر العالمية .
5- القيام بإصلاحات كثيرة وهامة على الصعيد الداخلي . مما له علاقة بالتأميم والإصلاح الزراعي ومشاريع الري وما إلى ذلك .
سابعا ً : نكسة الانفصال 28 أيلول عام 1961 :
أدت الإصلاحات التي قامت بها حكومة الجمهورية العربية المتحدة مثل التأميم والإصلاح الزراعي إلى نقمة المتضررين , فاستغلوا بعض الانحرافات في الحكم في سورية ودفعوا أنصارهم في الجيش للتحرك ضد الوحدة فحصلت نكسة الانفصال في 28 أيلول 1961 م.
وقد حاولت حكومة الانفصال التراجع عن الخطوات التقدمية التي حصلت في عهد الجمهورية العربية المتحدة فعدلت قانون الإصلاح الزراعي .
وعاد الصراع من جديد بين الطبقات الحاكمة والقوى الوطنية والتقدمية كل ذلك دفع الجيش العربي السوري إلى القيام بثورة الثامن من آذار عام 1963 م . بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي.
ثامنا ً : تطور سوريا السياسي بعد قيام ثورة الثامن من آذار عام 1963 م:
أعادت ثورة الثامن من آذار إلى سورية وجهها العربي الأصيل, وقد وقفت بحزم ضد الاستعمار ومشاريعه وتقاربت مع مصر .
خاف الاستعمار على مصالحه في المنطقة فدفع حليفته إسرائيل إلى القيام بعدوان على مصر وسورية والأردن بتاريخ 5 حزيران 1967 م وكان نتائج ذلك احتلال إسرائيل لمنطقة الجولان السورية .
كانت هزيمة حزيران صدمة هزت الشعور العربي ودفعته إلى العمل لتخلص من أثارها وأدى ذلك في سورية إلى قيام الحركة التصحيحية بقيادة القائد الخالد حافظ الأسد بتاريخ 16 تشرين الثاني عام 1970 م .
والتي كان أهم إنجازاتها حرب تشرين التحريرية , وإقامة الجبهة الوطنية التقدمية .
أهم منجزات ثورة الثامن من آذار عام 1963 م :
بعد قيام ثورة الثامن من آذار عام 1963 م بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي كان على الحزب القيام بمهام كبيرة وتحقيق انجازات كثيرة ومن أهم المنجزات التي تم تحقيقها :
تنظيم الجماهير في منظمات شعبية منها الاتحاد العام للعمال والاتحاد العام للفلاحين والاتحاد العام النسائي والاتحاد الوطني لطلبة سورية .
تحقيق التعاون مع القوى العربية التقدمية .
العمل على تحقيق صيغ وحدوية مع الدول العربية الشقيقة .
القيام بإصلاحات اقتصادية .
أهم منجزات الحركة التصحيحية عام 1970 م :
من أهم المنجزات التي حصلت في سورية منذ قيام الحركة التصحيحية بقيادة القائد الخالد حافظ الأسد عام 1970 م .
الاهتمام بالتعليم وافتتاح جامعات جديدة وانتشار المدارس في جميع المدن والقرى السورية .
الاهتمام بالصحة وافتتاح عدد كبير من المشافي .
الاهتمام بالزراعة وتحسين أوضاع المزارعين .
إعطاء أهمية كبيرة للصناعة وتحسين أوضاع العمال .
الاهتمام بالتحديث والتطوير في سائر المجالات .
تاسعا ً : حرب تشرين التحريرية 6 تشرين الأول عام 1973 م :
حصلت هذه الحرب بالاتفاق بين قادة مصر وسورية وقد تولى قيادتها في سورية القائد الخالد حافظ الأسد الذي كان رمزا ً للبطولة والفداء .
ومن أسباب هذه الحرب :
أطماع إسرائيل التوسعية في الأراضي العربية.
عدم رضوخ إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة الداعية للانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967 .
استعادة العرب للأراضي التي احتلتها إسرائيل .
بدأت الحرب بتفوق كاسح للعرب على الجبهتين السورية والمصرية وبدا النصر وشيكا ً ولقيت الحرب تأييدا ً ودعما ً كبيرا ً من الأشقاء العرب وأرسلت عدد من الدول العربية بعض قواتها إلى سورية لدعم الموقف العربي ولكن توقف الحرب المفاجئ على الجبهة المصرية ومؤازرة الدول الاستعمارية لإسرائيل كل ذلك أدى إلى قبول العرب لقرار مجلس الأمن الذي يدعو إلى وقف القتال
وتعد حرب تشرين التحريرية من المفاخر الوطنية والقومية لسوريا وللأمة العربية المجيدة .
تطور دولة لبنان حتى الوقت الحاضر
كان لبنان خلال الحكم العثماني لبلاد العربية يشكل جزءا ً أساسيا ً من بلاد الشام مثله في ذلك مثل فلسطين والأردن , ولكن يد الغدر الاستعمارية التي امتدت إلى بلاد الشام من خلال اتفاقية سايكس بيكو ومؤتمر سان ريمو فصلت لبنان عن الأردن وفلسطين وسورية ووضعتهما تحت الانتداب الانكليزي , كما فصلت لبنان عن سورية ووضعته تحت الانتداب الفرنسي , وكان ذلك نكسة كبيرة لآمال الوطنيين العرب وأمانيهم في الوحدة والتحرر .
ثالثا ً لبنان بعد الاستقلال :
أكد المجلس النيابي على عروبة لبنان واستعداده للتعاون والتضامن مع الأقطار العربية , كما تم توقيع ميثاق وطني يعالج علاقة لبنان بالوطن العربي , ويتناول موضوع التوفيق بين الطوائف المختلفة .
ولكن الاستقرار في لبنان لم يستمر فترة طويلة , لأن الظروف الدولية والمحلية كان لها أثرها في قيام حربين أهليتين كادتا توديان لبنان لولا تدخل سورية ووقوفها إلى جانب لبنان بالنسبة للحرب الأهلية الثانية .
رابعا ً الحرب الأهلية الأولى عام 1958 م :
وتعود أسبابها البعيدة إلى :
قيام الوحدة بين سورية ومصر عام 1958 م , وخوف الاستعمار من انتقال الافكار الوحدوية إلى لبنان .
تأييد الحكومة اللبنانية في تلك الفترة لحلف بغداد , وقبولها مشروع ايزنهاور الاستعماري .
أما السبب القريب للحرب :
فهو مقتل احد الصحفيين المعارضين للحكم واسمه ( نسيب المتني ) واتهام الحكومة بقتله .
وقد بدأ الصدام بين المعارضة ورجال الأمن في مدينة طرابلس ثم امتد إلى مناطق أخرى , وطالبت المعارضة باستقالة رئيس الجمهورية ( كميل شمعون ) وحل مجلس النواب , ودعت إلى إضراب شامل . خافت الولايات المتحدة بعد هذه الأحداث من نمو المد الثوري العري فأسرعت بإنزال قواتها في لبنان بقصد حماية مصالحها وعملائها .
احتجت الدول العربية وكثير من دول العالم على هذا التدخل , فاضطرت الولايات المتحدة إلى الانسحاب من لبنان واتفقت الفئات المتصارعة على حل خلافاتها داخليا ً إلا أن الوضع ما لبث أن تأزم من جديد مما أدى إلى قيام حرب أهلية جديدة .
خامسا ً: الحرب الأهلية الثانية عام 1975 :
تعود أسباب هذه الحرب إلى :
التدخل الاستعماري في لبنان وإثارة النعرات الطائفية تحقيقا ً للمصالح الاستعمارية في المنطقة .
سوء الوضع الاقتصادي والاجتماعي وإهمال الحكومة لبعض مناطق لبنان .
تحويل أنظار العرب عن مشكلاتهم مع إسرائيل وإشغال سوريا بمشاكل لبنان .
محاولة القوى الانعزالية تصفية الوجود الفلسطيني في لبنان .
أحداث الحرب :
بدأت الحرب بمجازر دامية قام بها الانعزاليون الذين اشتبكوا مع القوى الوطنية , ووصلت إلى درجة خطيرة دفعت سورية إلى التدخل في لبنان لإيقافها , وقد أقرت الجامعة العربية إنشاء قوات ردع في لبنان عمادها الجيش السوري , وتكون مهمتها منع القتال بين اللبنانيين وإعادة السلام إلى ربوعهم وقد نجحت سوريا في هذه المهمة وهدأت الأوضاع في لبنان ثم قامت ((إسرائيل )) بعدوانها على لبنان .
سادسا ً : الغزو الصهيوني للبنان 4 حزيران 1982 م :
ادعت إسرائيل عند غزوها لبنان في حزيران 1982 م أنها تحارب في لبنان من اجل ضمان أمن وسلامة مستوطناتها في منطقة الجليل الأعلى وقد تمكنت من الوصول إلى مدينة بيروت , فوقعت الحكومة اللبنانية اتفاق 17 أيار عام 1983 م .
جوبه الغزو الإسرائيلي بمقاومة عنيفة من قبل الشعب اللبناني والمنظمات الفلسطينية والجيش السوري المتواجد في لبنان , واستطاعت القوى الوطنية بدعم من سورية إجبار الحكومة اللبنانية على إلغاء اتفاق 17 أيار , واضطرت ( إسرائيل ) إلى الانسحاب من لبنان بعد أن ارتكبت مجازر رهيبة ضد الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا .
عقدت الدول العربية اجتماعا ً في مدينة الطائف لمعالجة الأزمة اللبنانية واتفقت من خلاله على حلها وفق خطة عمل منظمة سمي ( اتفاق الطائف ) الذي تضمن بقاء وحدات من الجيش العربي السوري في لبنان من أجل ضمان الأمن والاستقرار في ربوعه , ونتيجة لذلك انتهت الحرب الأهلية وعاد السلام إلى لبنان وانتهت أعمال العنف , وكان لسورية وللجيش العربي السوري الدور الكبير في إنهاء الحرب الأهلية في لبنان .
انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان :
تولى رئاسة الجمهورية في لبنان عدة رؤساء من بينهم الرئيس السابق الياس الهراوي , وآخرهم الرئيس أميل لحود الذي اضطرت (( إسرائيل )) في عهده إلى الانسحاب من جنوب لبنان , بسبب المقاومة الوطنية الرائعة التي حصلت ضد إسرائيل , وبسبب الدعم الكبير الذي قدمته سورية للمقاومة الوطنية وبذلك أعادت السيادة الوطنية اللبنانية إلى المناطق المحتلة .
تميزت الفترة الأخيرة من تاريخ لبنان بوجود علاقات وثيقة بين سورية ولبنان , وحاليا ً يتم التنسيق بينهما بالنسبة للقضايا المختلفة التي تهم الجانبين .
سابعا ً : المقاومة الفلسطينية :
نظرا ً لسياسة الكيان الصهيوني الغاشمة ضد العرب , أيقن الشباب الفلسطينيون أن الكفاح بأشكاله المختلفة هو السبيل الوحيد لاستعادة حقوقهم ومن اجل ذلك تشكلت عدة منظمات فلسطينية بدأت تناضل من اجل استعادة العرب حقوقهم في فلسطين .
وفي عام 1987 م تفجرت الانتفاضة الفلسطينية الأولى ( انتفاضة الحجارة ) .
وفي أيلول عام 2000 م تفجرت الانتفاضة الفلسطينية الثانية ( انتفاضة الأقصى ) بسبب زيارة شارون للمسجد الأقصى في القدس .
وفي نيسان عام 2002 م قام جيش العدو الصهيوني باجتياح المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية , وارتكب الكثير من المجازر وأعمال العنف والبطش فيها .
من أقوال السيد الرئيس بشار الأسد .
إن ما نعيشه اليوم من حالة نهوض قومي في الشارع العربي هو نتيجة لعوامل مختلفة وعلى رأس هذه العوامل الانتفاضة الفلسطينية .
ومن واجبنا أن نحافظ على بريقها لكي لا تصبح يوما ً عاديا ً لا يؤثر فينا , وعلينا دعم هذه الانتفاضة بالوسائل والطرق الممكنة .
من كلمة السيد الرئيس بشار الأسد في مؤتمر القمة العربية / عمان 2001 .
ثالثا ً : ثورة 14 تموز عام 1958 م في العراق :
لقد حدثت في العراق بتاريخ 14 تموز عام 1958 م ثورة وطنية قومية تحررية معادية للاستعمار والصهيونية , كان قائدها عبد السلام عارف بالمشاركة مع عبد الكريم قاسم ونفذها جيش العراق .
أسباب الثورة :
النقمة على موالاة الحكم في العراق لبريطانيا .
مشاركة العراق في حلف بغداد .
السماح للطائرات البريطانية بالتزود بالوقود من العراق أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 م .
فساد الحكم وسوء الأحوال في العراق .
أهم أعمال الثورة :
إلغاء النظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري .
انسحاب العراق من حلف بغداد والاتحاد الهاشمي .
اعتراف الثورة بالجمهورية العربية المتحدة .
معاداة الاستعمار والصهيونية .
سميت العراق بعد الثورة بالجمهورية العراقية .
رابعا ً : ثورة 1963 في العراق :
حصل خلاف شديد بين قائدي ثورة 14 تموز وهما العقيد عبد السلام عارف والعقيد عبد الكريم قاسم , وكانت النتيجة انفراد عبد الكريم قاسم بالحكم وإتباعه سياسة استبدادية ومعاداته لأنظمة الحكم العربية التحررية , ومن اجل ذلك تجمعت القوى الوطنية والتحررية بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي وقامت بثورة 8 شباط عام 1963 م , وأسقطت حكم عبد الكريم قاسم , وأعادت للعراق وجهه العربي الأصيل .
خامسا ً : حركة 1968 م في العراق :
بعد ذلك حصلت تطورا ت كثيرة في العراق كانت نتيجتها قيام حركة تموز عام 1968 م وتولى رئاسة الدولة احمد حسن بكر , ثم خلفه في الحكم نائبه صدام حسين عام 1979 م .
وفي عهد صدام حسين حصلت الحرب العراقية الإيرانية , وتلاها احتلال العراق الكويت عام 1990 م ثم انسحابه منها .
وفي عام 1936 م تألفت في عدن ( جبهة تحرير الجنوب العربي الوطنية ) وبدأت الثورة ضد الانكليز . وبعد ذلك تقرر عرض القضية على هيئة الأمم المتحدة التي أصدرت عام 1965 م قراراً يقضي بإنهاء الاستعمار البريطاني في الجنوب اليمني المحتل ونتيجة للمقاومة الشديدة التي أبداها السكان اضطرت انكلترا إلى التفاوض مع الثوار ثم الانسحاب وإعلان تأسيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية عام 1967 م , وأصبح قحطان الشعبي أول رئيس لهذه الجمهورية .
توحيد اليمن :
توالى على حكم اليمن الجنوبي عدة رؤساء وحصل تغيير في الاتجاهات السياسية , ثم تم إعلان الوحدة بين شطري اليمن الجنوبي والشمالي بتاريخ 22 أيار عام 1990 م , وقد حصلت بعد ذلك محاولة لإعادة فصل اليمن الجنوبي ولكنها فشلت واستمرت اليمن موحدة برئاسة الرئيس علي عبد الله صالح .
سابعا ً : الثورة الجزائرية الكبرى تشرين الأول عام 1954 م :
من أهم أسباب هذه الثورة :
1- عودة فرنسا إلى أساليب العنف والقتل ضد المواطنين الجزائريين .
2- اعتبار فرنسا الجزائر جزءا ً من فرنسا .
3- محاربة اللغة العربية والدين الإسلامي .
4- مصادرة الأراضي الخصبة وتوزيعها على المستوطنين الفرنسيين
5- السيطرة على اقتصاد الجزائر واحتكار مواردها .
6- تأثر الجزائر بثورات التحرر العربية والعالمية .
أحداث الثورة :
1- بدأت الثورة بتاريخ 1 تشرين الأول عام 1945 م بهجمات على المراكز الفرنسية , تمكن من خلالها جبهة التحرير الجزائرية من إلحاق خسائر فادحة بالفرنسيين .
2- وفي عام 1956 تم تشكيل المجلس الوطني لقيادة الثورة الذي بدأ أعماله بإنشاء جيش نظامي سمي جيش التحرير الجزائري .
موقف فرنسا من الثورة الجزائرية :
استخدمت فرنسا جميع أساليب العنف والبطش والقتل ضد السكان الجزائريين العزل من السلاح وارتكبت مجازر جماعية في كثير من المناطق . كما أنها قامت بخطف القادة الجزائريين المتوجهين على متن طائرة مغربية إلى تونس ومن بينهم احمد بن بللا .
بعد ذلك اشتد القتال وقدم الجزائريون كثيرا ً من التضحيات من اجل الدفاع عن وطنهم وعروبتهم وتشكلت في القاهرة عام 1958 م حكومة جزائرية مؤقتة .
موقف العرب من الثورة الجزائرية :
1- قدم العرب كثيرا ً من الأسلحة والمعونات للثورة الجزائرية , وبخاصة دولتا مصر وسورية . وتبنت جامعة الدول العربية القضية الجزائرية ودافعت عنها .
2- وعندما استلم الجنرال ديغول رئاسة الجمهورية الفرنسية عام 1958 م وضع خطة لقمع الثورة الجزائرية ولكنه فشل في ذلك , واضطر للدخول في المفاوضات مع قادة الثورة الجزائرية .
ثامنا ً : اتفاقية ايفيان آذار عام 1962 م :
بدأت المفاوضات بين الوفدين الفرنسيون الجزائري , وكانت نتيجتها اتفاقية ايفيان في سويسرا في شهر آذار عام 1962 م ومن أهم بنود هذه المعاهدة :
1- اعتراف فرنسا بوحدة الأراضي الجزائرية .
2- إجراء انتخابات عامة لتقرير مصير الجزائر .
3- حل مشكلة المستوطنين الفرنسيين في الجزائر عن طريق السماح لهم باختيار الجنسية الفرنسية أو الجزائرية .
4- جلاء القوات الفرنسية عن الجزائر .
وانطلاقا ً من هذه الاتفاقية حصلت الجزائر على استقلالها التام عن فرنسا عام 1962 م وسميت الجمهورية الديمقراطية الشعبية وكان ذلك نصرا ً عظيما ً للأمة العربية وللدول العربية التي وقفت إلى جانب الجزائر ولا سيما مصر وسورية .
وقد أطلق على الجزائر بسبب تضحياتها العظيمة اسم ( بلد المليون شهيد ) .
وبعد الاستقلال تولى رئاسة الجمهورية احد قادة الثورة الجزائرية وهو احمد بن بللا ثم تلاه الرئيس هواري بو مدين .
وبعد وفاته استلم الحكم عدد من الرؤساء آخرهم عبد العزيز بوتفليقة .

أسباب الثورة في تونس عام 1954 م :
1- رغبة السكان بالحصول على حريتهم واستقلالهم .
2- قيام ثورة 23 تموز في مصر ودعمها لحركات التحرر العربية .
3- اندلاع حرب التحرير ضد فرنسا في الهند الصينية .
4- قيام الثورة الجزائرية الكبرى .
سابعا ً : استقلال تونس عام 1956 وإعلان النظام الجمهوري عام 1957 م :
1- عندما اشتدت المقاومة في تونس وازدادت الثورة اشتعالا ً في كل مكان اضطرت فرنسا إلى الاعتراف باستقلال تونس , حيث تم إجراء مفاوضات بين الجانبين عام 1956 م , انتهت بإعلان استقلال تونس مع بقاء حامية فرنسية في ميناء بنزرت التونسي .
2- بعد ذلك تم إعلان النظام الجمهوري في تونس , وانتخب الشعب الحبيب بورقيبة رئيسا ً لتونس عام 1957 م , وسميت الجمهورية التونسية ثم انضمت تونس إلى جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة .
ثامنا ً : تطور تونس بعد الاستقلال :
1- قصفت فرنسا قرية ساقية سيدي يوسف التونسية بالطائرات بحجة تأييد تونس للثورة الجزائرية فاحتجت تونس وتأزم الوضع بينهما مما أدى إلى مهاجمة التونسيون لقاعدة بنزرت واضطرت فرنسا إلى الانسحاب من القاعدة عام 1963 م .
2- بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل أصبحت تونس مقرا ً للجامعة العربية , واستمر ذلك حتى عام 1991 . حيث أعيد مقر الجامعة العربية إلى مدينة القاهرة .
3- وفي عام 1987 م قرر البرلمان التونسي إعفاء الرئيس الحبيب بورقيبة من منصبه لأسباب صحية , وتم انتخاب زين العابدين بن علي رئيسا ً للجمهورية التونسية .
سابعا ً : استقلال المغرب آذار عام 1956 م :
1- تأسس في المغرب أثناء الحرب العالمية الثانية حزب الاستقلال الذي قدم عدة مطالب من أهمها إلغاء الحماية الفرنسية عن المغرب , والعمل على وحدة المغرب العربي , وتوثيق الروابط مع الأقطار العربية المستقلة .
أيد السلطان محمد بن يوسف هذه المطالب فأوعزت فرنسا إلى بعض عملائها بالتمرد عليه ثم طلبت منه التنازل عن العرش ونفته إلى جزيرة مدغشقر وعينت بدلا ً منه سلطانا ً جديدا ً اسمه محمد بن عرفة ليكون بديلا ً له , إلا أن الشعب رفض قبول السلطان الجديد وناضل من اجل إعادة السلطان محمد بن يوسف إلى عرشه .
2- قامت بالمغرب ثورة مسلحة نسقت عملياتها العسكرية مع الثورة الجزائرية , مما اجبر فرنسا على إعادة محمد بن يوسف ( الذي لقب بمحمد الخامس ) إلى عرشه والتفاوض معه حول الاستقلال .
اعترفت فرنسا باستقلال المغرب عام 1956 م وانسحبت اسبانيا من معظم منطقة الريف واتحدت أجزاء المغرب في دولة واحدة وانضمت بعد ذلك إلى هيئة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية
وفي عام 1961 توفي الملك محمد الخامس وتولى الحكم ابنه الحسن الثاني الذي ساهم في حرب تشرين التحريرية , وبعد وفاته استلم الحكم ابنه محمد السادس .
ثامنا ً : الصحراء الغربية :
تقع الصحراء الغربية غربي صحراء المغرب العربي الكبير وهي تتألف من الساقية الحمراء ووادي الذهب .
كانت هذه الصحراء تابعة لاسبانيا , وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية طالب سكانها بخروج الاسبان من بلادهم ونتج عن ذلك رفع القضية إلى هيئة الأمم المتحدة التي قررت إجراء استفتاء لسكان الصحراء يمنحهم حق تقرير المصير ووافقت اسبانيا على الانسحاب منها .
خامسا ً : ثورة أيلول عام 1969 م:
في الأول من أيلول عام 1969 قام الجيش بقيادة العقيد معمر القذافي بثورة أطاحت بالنظام الملكي وأعلنت النظام الجمهوري وسميت الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى ومن أهم أعمال هذه الثورة :
1- تصفية القواعد الأجنبية الموجودة في ليبيا .
2- تأميم شركات البترول .
3- إنجاز مشروع النهر العظيم الذي نقل المياه الجوفية من الصحراء إلى المناطق الساحلية .
تطور موريتانيا
الأدب العربي بعد الحرب العالمية الثانية
من عام 1946 م - 2015 م
الشعر الجديد ( الحر )
بعد حركات الشعر المختلفة التي رأينا شعرائنا يسيرون في نظمها وفق مأثورات الشعر القديم – في غالب الأحيان – من حيث العروض والموسيقا شهد القرن العشرون شعرا ً ذا لون موسيقي جديد , أطلق عليه اسم الشعر الجديد أو الحديث المعاصر أو الحر , وكل هذه التسميات تطلق على مسمى واحد هو الشعر الذي يعتمد الشاعر فيه على ( التفعيلة ) – لا البيت ذي التفعيلات المتعددة – أساسا ً للنظم ويختلف فيه عدد من التفعيلات من بيت إلى بيت . مع العلم أن كل سطر في هذا الشعر الجديد هو بيت سواء أكان فيه تفعيلة واحدة أم عدة تفعيلات , يوزعها الشاعر حسبما تقتضيه ذبذبات شعوره , ودفقات عاطفته كما يقولون .
ومن هنا نرى أن الشعر الجديد لم يعد فيه الوزن والقافية على النحو القديم بل طرأ عليهما تغير كبير , فلم يعد الوزن مرتبطا ً بتفعيلات متساوية العدد في شطرين كما لم يعد الشاعر ملتزما ً فهي بقافية واحدة ولا روي واحد يتكرر أو تنوع حسب نظام ثابت محدد . ولنضرب مثالا ً عليه مقطعا ً من قصيدة الشاعر العراقية ( نازك الملائكة ) عنوانها ( إلى العالم الجديد ) تقول فيه معبرة عن نفسها البائسة المتشائمة :
يا عام لا تقرب مساكننا فنحن هنا طيوف
من عالم الأشباح ينكرنا البشر
ويغرمنا الليل والماضي ويجهلنا القدر
ونعيش أشباحا ً تطوف
نحن الذين نسير لا ذكرى لنا
لا حلم لا أشواق تشرق مني
آفاق أعيننا رماد
فذا قطعنا هذه الأبيات وجدنا أنها منظومة على تفعيلة واحدة هي ( متفاعلن ) التي يبنى عليها الشعر ( الكامل ) المؤلف كما نعلم من ست تفعيلات , ثلاث في كل شطر . أما هنا ففي كل من الأسطر الثلاثة الأولى أربع تفعيلات . وفي السطر الرابع تفعيلتان, وفي كل من الخامس والسادس ثلاث تفعيلات وفي السابع تفعيلان .
وسنعرض لأوزان هذا الشعر بشيء من التفصيل فيما بعد ولكن يجب قبل هذا أن نتعرف على أصوله وبداياته فمتى بدأ ينظمه ؟ ومن هم رواده ؟
تاريخه وبداياته : اختلف الدارسون والنقاد في تحديد بواكير هذا الشعر , فذهب بعضهم بعيدا ً حين ارجع أصوله إلى الموشحات الأندلسية , وزعم فريق آخر – ولا سيما الذين مارسوا نظمه – أن أولياته نظمت في أوائل العقد الرابع من هذا القرن . وتوسط فريق ثالث بين هذين فارجع بداياته إلى أواخر الحرب العالمية الأولى . فأي هؤلاء الفرقاء كان الاصوب ؟
أما الفريق الأول الذي زعم أن الموشحات أصل الشعر الحر فيرى أن الموشحات التي لا تسير على أوزان العرب المعروفة قد حطمت البحور العروضية , وكثرت أوزانها . واعتمدت على التفعيلات الملائمة للألحان لان الموشحات إنما نظمت أصلا ً للغناء – ومما لا ريب فيه أن هذا النوع من الموشحات فاق – من حيث العدد – النوع الآخر الذي نظم على أوزان الشعر العربي , وقد تنوعت أشكاله وأوزانه حتى قال عنه ( ابن خلدون ) في مقدمتهم وهو محق في قوله – انه (( الكثير )) الجم والعدد الذي لا ينحصر والشارد الذي لا ينضبط . وكنت أردت أن أقيم له عروضا ً يكون دفترا ً لحسابها , وميزانا لأوتادها وأسبابها فعز ذلك وأعوز لخروجها عن الحصر وانفلاتها من الكف ومالها من عروض إلا التلحين .
ولنضرب مثالا ً للدلالة على شرود الموشحات وعدم انضباطها موشح – أبي بكر – محمد بن عبد الملك – بن زهر الأندلسي – الذي يتذكر فيه أياما قضاها على الشاطئ الخليج في أحضان الطبيعة :
هل تستعاد أيامنا بالخليج وليالينا
أو يستفاد من النسيم الأريج مسك دارينا
أو هل يكاد حسن المكان البهيج أن يحيينا
روض أظله دوح عليه أنيق مورق الأفنان
والماء يجري وعائم وغريق من جنى الريحان
من هذا المثال وغيره يتضح لنا أن الموشحات ليست كالشعر الجديد وان كانت تشبهه في أنها شعر حر من حيث تنويع العروض , واستحداث إيقاعات تناسب أنغام الغناء , ولكن بينهما فرقا ً واضحا ً ولو كان ضئيلا ً .
وأما الفرق الثاني الذي يرجع بدايات الشعر الجديد إلى أواخر العقد الرابع من هذا القرن فتتقدمه ( نازك الملائكة ) زاعمة أن أول قصيدة نظمت فيه هي قصيدتها ( الكوليرا ) التي نظمتها – على وجه التحديد – يوم 27 / 10 1947 م وأرسلتها إلى مجلة ( العروبة ) في بيروت في عددها الصادر أول كانون عام 1947 م وقالت نازك في كتابها ( قضايا الشعر المعاصر ) الذي صدر عام 1962 م – " وكنت قد كتبت تلك القصيدة أصور بها مشاعري نحو مصر الشقيقة خلال وباء الكوليرا الذي داهمها موقد حاولت فيه التعبير عن وقع أرجل الخيل التي تجر عربات الموتى من ضحايا الوباء في ريف مصر وقد ساقتني ضرورة التعبير إلى اكتشاف الشعر الحر "
فنازك إذا ً تزعم أنها سباقة إلى اكتشاف الشعر الحر والى النظم به , وتلفت النظر إلى أن قصيدتها ( الكوليرا ) مبنية على وزن البحر المتدارك ( الخبب ) ومنها هذا المقطع :
طلع الفجر
أصغ إلى وقطع خطا الماشين
في صمت الفجر أصغ انظر ركب الباكين
عشرة أموات عشرونا ً
لا تحص , أصغ للباكينا
اسمع صوت الطفل المسكين
موتى موتى , ضاع العدد
موتى موتى , لم يبق غد
في كل مكان جسد يندبه محزون
لا لحظة إخلاد لا صمت
هذا ما فعلت كف الموت
الموت الموت الموت
تشكو البشرية تشكو ما يرتكب الموت
وتقول نازك بعد هذه القصيدة , انه صدر في النصف الثاني من كانون الأول عام 1947 م ديوان
( أزهار ذابلة ) لبدر شاكر السياب وفيه قصيدة حرة الوزن من بحر الرمل , عنوانها ( كل كان حبا ً ) فهي إذا ً تسود أن تنسب لنفسها السبق في ميدان هذا الشعر , ثم يأتي بعدها السياب – الشاعر العراقي أيضا – ومن بعده شعراء الأقطار العربية الأخرى .
ونتسائل هنا هل يمكن أن يولد هذا الشعر مرة واحدة – كما زعمت نازك ؟ وهل صحيح أن ضرورة التعبير ساقتها إلى اكتشافه فكانت هي السباقة إلى نظمه ؟ أليس هناك شعرا ء آخرون قبلها نظموا على هذا النسق ؟ هذا ما سيتضح لنا بعد قليل .
أما الفريق الثالث فيرجع بواكير الشعر الحر – كما ذكرنا إلى أواخر الحرب العالمية الأولى والى شعراء المهجر الشمالي – على وجه التحديد – وقد ذكرنا في كلامنا على الرابطة القلمية أن شعراءها تفننوا في استخدام الأوزان الخليلية وتنسيقها – وتعبير قافيتها ورويها بين مقطع وآخر كما قلنا إن نعيمة كان أكثرهم تفننا ً في هذه الناحية , ففي أواخر الحرب العالمية الأولى كان ( نعيمة ) جنديا ً أميركيا ً في فرنسا عام 1917 – بعد أن حصل على الجنسية الأمريكية – وسمع انباء الحرب وما جرته على سورية ولبنان ( بلاد الشام ) من موت بعض السكان وجوع بعضهم الأخر , فراح يوازن بينهم وبين الغربيين الذين عادوا بعد الحرب إلى أوطانهم ليحرثوا أرضهم ويزرعوها ويبنوا دورهم ليسكنوها , فنظم قصيدته الإنسانية ( أخي ) التي نوهنا بها من قبل , فكيف بناها من حيث العروض والموسيقى ؟ لنعد إلى مقطع منها يقول فيه :
أخي من نحن ؟ لا وطن ولا أهل ولا جار
إذا نمنا إذا قمنا ردانا الخزي والعار
لقد خمت بنا الدنيا كما خمت بموتاها
فهات الرفش واتبعني لنحفر خندقا ً آخر
نواري فيه موتانا
فإذا قطعنا هذه الأبيات وجدناها مؤلفة من تفعيلات على النحو التالي :
مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن
مفاعلتن مفاعلتن
فالقصيدة إذا من مجزء ( الوافر ولكنه رتبها في مقاطع بكل مقطع يتألف من أربعة أبيات ووضع آخر المقطع تفعيلتين , والمهم كذلك انه لم يلتزم بروي واحد , لا في القصيدة ولا في كل مقطع من مقاطعها وترى مثل هذا التعبير عند شاعر مهجري آخر هو (نسيب عريضة ) الذي نوهنا بتنويعه كذلك في الموسيقا والوزن والقافية , فنظم عام 1918 م قصيدته ( أنا في الحضيض ) ليعبر عن قلقه وغربته فتلاعب بوزنها وترتيب تفعيلاتها كما يلي :
أنا في الحضيض وانأ مريض
أفلا يد تمتد نحوي بالدوا
وتبث في جسمي ملامسها القوى
وتقلني من هوتي نحو الذرى
فأسير مستندا ً إليها في الورى
دربي بعيد وانأ وحيد
أفلا رفيق أو دليل في الطريق
أفلا سلاح أو دعاء من صديق
وارحمتاه لمن يسير بلا وطاب
بين القفار وقد تعلل بالسراب
فها هنا كذلك لو قطعنا قسما ً منها لوجدنا تفعيلاته مرتبة على النحو التالي :
متفاعلان
متفاعلان
متفاعلن – متفاعلن – متفاعلن
متفاعلن – متفاعلن – متفاعلن
متفاعلن – متفاعلن – متفاعلن
فالقصيدة من مجزء الكامل ولكنه رتب تفعيلاتها بشكل مخالف الأصل هذا البحر , فضلا ً عن تغيير الروي كذلك في كل مقطع من مقاطعها .
ولو عدنا إلى دواوين بعض الشعراء الآخرين , لوجدنا قصائد عديدة نظمت على هذا النحو من التلاعب بالأوزان والتفعيلات كما في شعر ( يوسف البعيني ) من المهجر الجنوبي و ( الشابي وأبي شادي وناجي ) من جمعية ابولو . وهذه القصائد كلها – وإن لم تكن من حيث توزيع نغماتها , والتلاعب في تفعيلاتها ورويها متطابقة كل التطابق مع الشعر الجديد , لكن بينهما فارقا ً ضئيلا ً في توزيع عدد التفعيلات على اسطر متوالية مع العلم أننا لوعدنا إلى بعض قصائد هذا الشعر الحر وحاولنا جمع تفعيلاتها المشتتة في اسطر , لأضحت قصيدة مشابهة للشعر المهجري الذي ذكرنا , أو مطابقة له . وربما كان العكس صحيحا ً أي لو حاولنا توزيع قصيدة من قصائد الشعر المهجري حسب طريقة الشعر الحر لأضحى مطابقا ً له .
ولعل هذا ما جعل بعض الدارسين يعتقدون – حسبما تراءى لهم – أن قصيدة ( النهاية ) لنسيب عريضة التي سبقت الإشارة إليها , هي من الشعر الحر الجديد , وهي التي نظمها عام 1917 وقد التهبت روحه , وتفجرت غضبا ً وحزنا ً على ما جرى إبان الحرب العالمية الأولى في ساحتي بيروت ودمشق , حين شنق الأحرار الشهداء فضلا ً عن الحرب الطاحنة التي كدست الموتى من الجوع , وقد انشدها في حفلة أقيمت بنيويورك لإغاثة المنكوبين , ولا باس أن نورد بعضا ً منها , لنجري عليه التجربة التي ذكرنا ولنر النتيجة . يقول عريضة :
هتك عرض
نهب ارض
شنق البعض
لم تحرك غضبه
فلماذا نذرف الدمع جزافا
ليس تحيا الحطبة
لا وربي
ما لشعب
دون قلب غير موت من هبة
فدعوا التاريخ يطوي سفر الضعف
ويصفي كتبه
فهذه القصيدة تبدو – في صورتها للوهلة الأولى من الشعر الحر وتفعيلاتها في كل ستة اسطر ( تؤلف مقطعا منها )موزعة كما يلي :
فاعلاتن
فاعلاتن
فاعلاتن
فاعلتن فعلن
فاعلاتن فاعلاتن فعلاتن
فاعلاتن فعلن
فها هنا جاء توزيع التفعيلات بحيث تكون واحدة تارة وتفعيلتين تارة , وثلاثا ً مرة أخرى وهذا ما قد يوحي – من حيث الشكل – أنها من الشعر الجديد , لكن لو أعدنا ترتيب كلماتها في الكتابة لأصبحت كما يلي :
هتك عرض نهب ارض شنق البعض لم تحرك غضبه
فلماذا نذرف الدمع جزافا ليس تحيا الحطبة
لا وربي ما لشعب دون قلب غير موت من هبة
فدعوا التاريخ يطوي سفر الضعف ويصفي كتبه
وهنا يتضح لنا من بحر الرمل مع تغيير جزئي واستخدام الترصيع .
ولنحاول أن نجري التجربة الثانية المعكوسة , فنأخذ قصيدة من الشعر الحر , ولنعد ترتيب اسطرها لنرى ماذا يحدث , ولتكن القصيدة قصيدة نازك نفسها التي ذكرناها في أول الكلام على الشعر الحر :
يا عام لا تقرب مساكننا فنحن هنا طيوف
من عالم الأشباح ينكرنا البشر
ويغرمنا الليل والماضي ويجهلنا القدر
ونعيش أشباحا ً تطوف
نحن الذين نسير لا ذكرى لنا
لا حلم لا أشواق تشرق مني
آفاق أعيننا رماد
تلك البحيرات الرواكد في الوجوه الصامتة
ولنا الجبال الساكتة
لا نبض فيها إلا اتقاد
نحن العراة من الشعور ذوو الشفاه الباهتة
الهاربون إلى العدم
فلو جزأنا هذا القسم من القصيدة , وفرزنا الأسطر المتساوية الطول من حيث التفعيلات , لوجدناها مؤلفة من ثلاثة مقاطع , الأول من مجزؤه الكامل وهو :
يا عام لا تقرب مساكننا فنحن هنا طيوف
ويفر منا الليل والماضي ويجهلنا القدر
تلك البحيرات الرواكد في الوجوه الصامتة
نحن العراة من الشعور ذوو الشفاه الباهتة
متفاعلن - متفاعلن متفاعلن – متفاعلن
والمقطوعة الثانية من الكامل أيضا ولكنه مشطور وهو :
من عالم الأشباح ينكرنا البشر
نحن الذين نسير لا ذكرى لنا
لا حلم لا أشواق تشرق لا مني
الهاربون من الزمان إلى العدم
متفاعلن – متفاعلن – متفاعلن
أما المقطوعة الثالثة فهي ذات وزن قصير , مؤلف من تفعيلتين فقط هما ( متفاعلن متفاعلن ) مع بعض التغيير في الأخيرة أحيانا ً وهي :
ونعيش أشباحا ً تطوف
آفاق أعيننا رماد
ولنا الجبال الساكتة
لا نبض فيها إلا اتقاد
متفاعلن – متفاعلان
ومن هنا نستدرج أن هذه القصيدة وغيرها كثير مما يشبهها , ولم تخرج على التفعيلات العروضية الخليلية , وإنما اختلف أسلوب ترتيبها , فأصبح الشاعر فيه يملك حرية التعبير , دون التقيد بمقياس محدد مفروض عليه وبذلك استطاع أن يطيل العبارة أو يقصرها حسبما تمليه عليه المعاني .
ويمكن – مما سبق – أن نصل إلى أن قول ( نازك الملائكة ) إن أولى باكورة الشعر الحر هي قصيدتها ( الكوليرا ) محض ادعاء حسبما تبين لنا من أمثلة الشعر المهجري , لان طبيعة أي تطور , تأبى الطفرة , بل تقتضي السير بخطوات هادئة متتابعة , وإلا فلن يكون تطورا ً واعيا ً متزنا ً إذا انبثق مرة واحدة .
يبقى علينا – في هذه الناحية التأريخية – أن نعرف هل هذا الشعر وجد – في الأصل – نتيجة لتأثر الشعراء العرب بالشعر الغربي ؟ وبعبارة أخرى , هل هو أجنبي المصدر ؟ أم انه عربي أصيل ؟
أعربي هو أم أجنبي ؟ : حين بدأ الشعر الجديد ينتشر في الأقطار العربية لاقى قبولا ً واستحسانا ً من بعض النقاد فناصروه لاعتقادهم انه يعبر عن مشاعر المرحلة التي انبثق فيها , كما لاقى هجوما ً عنيفا ً من الآخرين – وجلهم من المحافظين – لأنهم رأوا في طريقة نظمه ولغته ما يخالف طرائق القدماء ولغتهم . ولكن كلا الفريقين اجمع على انه أجنبي المصدر , إذ نجم عن تأثر الشعراء بالغربيين في طريقة متابعة قصائدهم , فنازك تعترف في مقدمة ديوانها ( شظايا ورماد ) أن أسلوبها الطريف في قصيدتها ( الجرح الغاضب ) مقتبس مباشرة عن الشاعر الأمريكي ( إدغار ألن بو ) في قصيدته ( البديعة ) . وبدر شاكر السياب يصرح بقوله " إن الشعراء الغربيين الذين تأثرت بهم في بداية الأمر شيلي وكيتي ثم إليوت ثم ايدث سيتويل هما الغالبان . وحين استعرض هذا التاريخ الطويل من إنتاجي الشعري – لا سيما في مرحلته الأخيرة – أجد اثر هذين الشاعرين واضحا ً , فالطريقة التي اكتب فيها قصائدي الآن هي مزيج من طريقة أبي تمام وطريقة ايدت ستويل : إدخال عنصر الثقافة , والاستعانة بالأساطير والتاريخ والتضمين , في كتابة شعره .
ويقول في موضع آخر . انه لاحظ الشعر الانجليزي فوجد أن الضربة تقابل التفعيلة والسطر أو البيت عندهم يختلف عدد تفاعيله فجرب ذلك , واستعمل الأبحر ذات التفعيلات الكاملة على أن يختلف عدد التفعيلات من بيت إلى آخر . "
ويربط بعض الباحثين بين طريقة النظم الجديدة وبين " التجارب المعنوية التي يعاينها ابن هذا الجيل , فالقلق الذي من مصادره عدم الاستقرار والخيبة , وحقارة الإنسان حيال جبروت الطبيعة , وطغيان المادة وحس الاغتراب , القلق هذا يعصف بالأوروبي ويهزه عنيفا ً في جذور كيانه "
ويشير د محمد النويهي في كتابه قضية الشعر الجديد , إلى المدارس الأجنبية التي تأثر بها شعراؤنا وأولها مدرسة ( ازرابوند ) في نيويورك , ومدرسة ( توماس ستيرن اليوت ) في لندن ومدرسة ( جاك بريفير وسان جون بارس ) في باريس ويمكننا أن نلخص معالم التجديد عند هذه المدارس فيما يلي :
تقييم مدرسة بوند في نيويورك :
1- على التعبير عن شعور مواطنيه بمشاكل العصر وأحداثه وأزماته ومن ورائها مشكلات الإنسانية جمعاء .
2- يرى بوند أن هذه المشكلات الحديثة , تتطلب أطرا ً جديدة من الأوزان , لان الأطر القديمة لم تعد ملائمة للاوضاع الراهنة .
مدرسة ( ت . س . اليوت ) تأثرت بالمدرسة السابقة لكن اليوت ذهب ابعد من بوند فيما نظم من قصائده مثل ( الأرض الخراب ) و ( الرجال الجوف ) و ( أربعاء الرماد ) وغيرها وأحس اليوت بان القافية عقبة تحول دون الانطلاق في التفكير فحاول تخطيها , ورأى انه ليس من الضروري أن تأتي في نهاية البيت بل يمكن أن تأتي في داخله , فتوفر للقصيدة إيقاعا ً داخليا ً .
أما مدرستا ( برفير وباريس ) في باريس فقد اتفقتا أيضا مع المدرستين السابقتين على ضرورة معالجة المشاكل الإنسانية مع الاعتماد على الديباجة الصافية الهازجة , والسعي إلى وحدة القطعة الشعرية لا إلى وحدة البيت .
ويمكننا القول بعد هذا . أن هذا التغيير الذي طرأ على الشعر العربي الجديد يرجع في أساسه إلى هذه المصادر الأجنبية التي اعترف أكثر شعرائنا بتأثرهم بها , وإن ظلت أوزانه عربية أصيلة من حيث الاعتماد على التفعيلات العروضية المعروفة . ولكنها اختلفت عنها – كما رأينا – من حيث اعتمادها على وحدة التفعيلة والحرية في عددها وترتيبها في السطر الواحد , حتى اشتط بعضهم في ذلك فأضحت الأوزان فوضى لا ضابط لها ونوعا من العبث حوله كثير من إخلاء على الشعر , حتى أضحى ما يكتبه بعضهم ضربا ً من الكلمات الموصوفة الجوفاء , أو الهذيان الذي لا طائل تحته .
ظواهر وقضايا في الشعر الجديد : مما لا ريب فيه أن الشعر الجديد اقتضى من الشعراء استعمال لغة جديدة , وتراكيب ومصطلحات جديدة , ما داموا قد تأثروا بالشعر الغربي كما رأينا في اعتراف كل من ( نازك الملائكة وبدر شاكر السياب ) ويلاحظ في هذا الشعر بعض الظواهر التي لم تكن موجودة في الشعر العربي كظاهرة تكرار بعض الكلمات أو العبارات , واستخدام بعض الرموز والاستفادة من الأساطير , والاستعانة بالتاريخ وذكر بعض أعلامه واستعمال بعض الكلمات الأجنبية والعامية لكن الظاهرة الكبرى التي بلغت النظر فيه هي اتشاح هذا الشعر بالغموض والإبهام . وسنحاول الإلمام ببعض هذه الظواهر . أولا ً الغموض والإبهام : لا نريد أن ندخل هنا في تفاصيل عروض لها بعض الباحثين , حين فوقوا بين الغموض والإبهام . لكننا نشير إلى أن أنصار هذا الشعر . وأصحاب التجارب فيه يعترفون بهذه الظاهرة , فكيف يمكن أن نتذوق قصيدة ما إذا غمض علينا معناها أو بعض جوانبها ؟ ولو كان هذا الغموض راجعا ً إلى لفظه لغوية ما كما هي الحال في العشر العربي القديم , لهان الأمر ولكن الغموض يتأتى غالبا – من استخدام اللفظ رمزا ً لفكرة معينة , لا رمزا ً يشف عما وراءه بل رمزا ً يتحول إلى لغز مبهم في كثير من الأحيان وتتحول القصيدة كلها – بعد هذا – إلى تعابير وألفاظ جوفاء لا معنى لها ولنضرب مثالا على ذلك قول محمد عمران :
دخت دخلت كهنوت الماء
أشرعيهما
الليل أمحى
النهار مات
الشمس ماتت القمر
دخلت في مدار برتقالة زرقاء
في تفاحة
رجعت بذرة أولى
اعتنقت رحم التراب
لا اسم لي
أنا بوابة الأسماء .
فما معنى هذا الكلام ؟ وما المقصود – خاصة – بقوله ( دخلت في مدار برتقالة زرقاء ) ؟ إن بعض المدافعين عن مثل هذا الغموض يعد هذه التعابير من قبيل الإيحاء غير المباشر , كما يعدها آخرون من شطحات (( اللا وعي ) فكيف يمكن أن يتقبلها العقل الواعي , بل كيف يتقبلها الذوق الفني ؟
وقد يمعن بعض الشعراء في هذا الغموض , حين ينتقلون شعرهم بعض الرموز الثقافية والتاريخية والأسطورية , فتغدوا القصيدة عند ذلك أفكارا ً مهوشة مشوشة ولا رابط بينهما ولا منطلق كقول ( فايز خضور ) : شطحنا , لجأنا إلى واحة العقل أودى بنا
الكشف عدنا لبحر التوحد , شبنا وذبنا
رجعنا إلى معبد بوذا
قرأنا الأناجيل حتى مزامير داوود حتى
نشيد الإنشاد لم ننس , شهنامة في الزمان
رأينا رعايا يهوذا
فهل يريد الشاعر هنا أن يعرض علينا ثقافته وسعة اطلاعه على ما أثقل به هذا المقطع من رموز تاريخية وأدبية ؟
ويدافع أنصار الشعر الجديد عن ظاهرة الغموض هذه فيقول د . عز الدين إسماعيل إن الشعر لا يستخدم اللفظ المعتاد بدلالته المحدودة التي نتعلمها ... وهو كذلك لا يستخدم اللفظ بدلالته التي نقصدها حين نستخدمه في حياتنا اليومية , ثم انه كذلك لا يفسر لنا الأشياء تفسيرا ًمنطقيا ً يقبله العقل , ومن ثم أننا نصف الشاعر بأنه غامض والحقيقة أننا لا نحكم عليه بهذا الحكم إلا لأننا منطقيون ولأننا اعتدنا أن نتعامل باللغة في وضوح . أما الشاعر فيدرك الأشياء إدراكا ً ابعد مما نصنع , وهو لذلك لا يجد في لغتنا الناجزة من الألفاظ وصور التعبير , ما يشرح به هذا الإدراك في دقة وإتقان , ومن هنا يذهب إلى الاختراع , اختراع الألفاظ واختراع صور التعبير . فإذا للكلمات من حيث دلالتها – أبعاد جديدة وإذا الصور رموز اخترعها الخيال لأفكار ومدركات .
ونحن متفقون مع هذا النصير للشعر الحر , في أن الشعر لا يستخدم الألفاظ بدلالاته المحدودة المستعملة في حياتنا اليومية , لان لغة الشعر ومعانيه أسمى من المعاني والدلالات اليومية المعتادة , وصحيح كذلك لا نتفق مع هذا الناقد الباحث في أن الشاعر يلجأ إلى اختراع ألفاظ , ليعبر بها عن ادراكاته في دقة وإتقان بل انه ربما يخترع صور التعبير وطرائقه , لان الألفاظ قد تخترع في اللغات الناشئة غير الأصلية المحدودة الألفاظ والمشتقات لا كما هي الحال في لغتنا العربية . ولنفرض أن الشاعر أحب أن يجعل ألفاظ اللغة رموزا ً لأفكار ومدركات حتى تكون لها أبعاد جديدة فهل يكتب الشاعر لنفسه أم لقرائه ؟ أليس الجدير به أن إذا أن يجعل عباراته وصوره مفهومة واضحة ما دامت اللغة أداة توصيل من الشاعر إلى المتلقي شعره ؟
ومن جهة ثانية أليست وظيفة الشعر نقل عدوى المشاعر والأفكار ؟ فكيف تتحقق هذه الوظيفة إذا كانت الأفكار والعبارات غامضة غير مفهومة ؟ إن ألفاظ اللغة يمكن تجديدها , وإضفاء الحداثة عليها بجدة تراكيبها وطرافة أسلوب التعبير بها , لا باختراع لغة جديدة , ومصطلحات غريبة عنها
ثانيا ً : التاريخ والأسطورة والرمز : يزعم أصحاب الشعر الجديد أنهم يستهدفون في شعرهم تجسيد الوجود حيا نابضا ً وإذا فلم تعد اللغة عندهم وسيلة لترجمة المشاعر والأفكار وحسب بل لا بد من اتحادها مع الوجود والتجربة المعاناة , ولما كانت اللغة المباشرة غير قادرة في رأيهم – على التعبير المركز المصفى فقد أكثروا من استخدام التاريخ والأساطير والرموز , أدوات للتعبير . حتى حلت هذه الأدوات محل قوالب التعبير القديمة التي عابوها وثاروا عليها , زاعمين أنها لكثرة استعمالها – أضحت بالية مستهلكة .
والأساطير والرموز إنما تستمد من التاريخ واللغة وهي اصطلاحات تشير إلى مضامين معينة , ولكنها ترتبط في الشعر بالتجربة الشعورية التي يعاينها الشاعر , فتمنح الأشياء مغزى خاصا ً . وقد استخدم ناظمو الشعر الحر رموزا ً تاريخية وأسطورية مثل ( السندبابد – يهوذا – عشتروت –شهريار – أيوب – سقراط – أبي ذر- اوديب – أبي الهول -) وغيرها . فالسندباد مثلا ً كما نعرفه في الحكايات الشعبية من التراث العربي – تاجر سواح , بحري مغامر , يطوف البلدان بحثا ً عن الطرائف ويتعرض لمواقف محرجة مثيرة , لا يخرج منها إلا بعد معاناة شديدة . وأما يهوذا فاحد تلاميذ المسيح الاثني عشر باع معلمه بثلاثين من الفضة , فصار اسمه عنوان للخيانة , وأما عشتروت فهي معبودة الفينيقيين ربة الحب والخصب والحرب الخ .... وأما باقي الشخصيات فلكل واحدة تجربتها الخاصة سواء أكانت واقعية أم ممكنة الوقوع . ويرمز بها إلى معنى خاص محدد .
ولبدر شاكر السياب قصيدة بعنوان ( السندباد ) يصف فيها بغداد في عهود الظلام , حين سيطرت عليها فئة طاغية , تقمع كل من يخالفها في الرأي وتعلقه على أعواد المشانق , يقول في مقطع منها موحيا ً بهذه المعاني :
أهذه مدينتي خناجر التتر
تغمد فوق بابها وتلهث الغلاة
حول دروبها ولا يزورها القمر
أهذه مدينتي أهذه الحفر
وهذه العظام
يطل من بيوتها الظلام
وتضيع الدماء بالقتام
أهذه مدينتي جريحة القباب
فما يهوذا احمر الثياب
يسلط الكلاب
على مهود إخوتي الصغار والبيوت
تأكل من لحومهم وفي القرى تموت
عشتار عطشى ليس في جبينها زهر
وفي يديها سلة ثمارها حجر
ترجم كل زوجة به وللنخيل
في شطها عويل
ففي هذه القصيدة ألفاظ وتعابير موحية مثل ( الطلول ) التي توحي بالخراب و ( تلهث الغلاة ) توحي بالفقر الشديد , و ( ولا يزورها القمر ) توحي بالظلام المخيم على المدينة , ومثلها ( يطل من بيوتها الظلام ) وتوحي بحال اهلها الذين يعيشون في خوف ورهبة .
وما دمنا بصدد الرموز فها هنا رموز ثلاثة هي ( التتر – يهوذا – عشتار ) فالأول معروف في تاريخنا العربي يوم دخل هؤلاء بغداد وعاثوا فيها فسادا ً . والثاني ( يهوذا ) رمز الخيانة والثالث ( عشتار ) رمز الحب والخصب ) لكنها عطشى وقد خلا جبينها من الزهر .
وتحولت ثمار سلتها إلى ( أحجار ) , ويتوج هذه الرموز كلها عنوان القصيدة ( السندباد ) الذي عاد إلى مدينته من إحدى رحلاته فلم يعرفها لان وجهها القاتم المظلم قد بدل معالمها فراح يعرب عن دهشته بالاستفهام الذي تكرر ( أهذه مدينتي ) وقد وفق الشاعر في استخدام هذه الرموز جميعها لان كلا ً منها يشف عما وراءه , ولم يتحول إلى لغز غامض .
أما الشعراء الآخرون فليسوا على هذه الدرجة من التوفيق , لا بل إن بعضهم قد اخفق في استخدام الرموز , إذ لم يحسن إيرادها في موضعها المناسب , وبعضهم كدسها في مقطوعة واحدة , فلم يعد لها في نفس القارئ مجال حيوي لتمثلها وتذوق ما وراء مما يفترض أن تشف عنه , من ذلك ما فعله ( محمد عمران ) في ( الدخول الثاني ) من ( الدخول في شعب بوان ) إذ يقول
أفلاطون ينبت في حذائه محارب
سقراط رأس فوق هامة جندب
قارون شحاذ
وهابيل قتيل
ووجه يوسف احدب
هيلين عذراء
وهارون يصلي نصف عام ثم يغزو
نصفه الثاني
مسيح في يهوذا
كيمياء تبدل الأشياء .
فها هنا حشد محمد عمران رموزا ً كثيرة , عرضها في أسماء إغريقية وتاريخية وغير عربية , ورصها وراء بعضها فافقدها إيحاءاتها وفوت على القارئ فرصة تمثلها في إطارها الرمزي الصحيح , فضلا ً عن الغموض الواضح في العبارات كلها والاضطراب في تفصيلاتها .
ولم يقتصر بعض الشعراء المعاصرين على استخدام الرموز المرتبطة بالأساطير القديمة بل وتجاوزوا ذلك إلى إيجاد رموز جديدة ربطوها بشخصيات واقعية , ولكنها أضحت أسطورية بعد اتخاذها , رمزا ً من ذلك شخصية ( جميلة بوحيرد ) التي لم تعد تلك المناضلة الجزائرية الوطنية بل أضحت شخصية أسطورية على يد الشعراء , فاتخذوا منها رمزا ً للنضال في سبيل التحرر وتمثلت لنا على هذه الصورة في كثير من القصائد . ومثلها كلمة ( الناي ) الذي رمز به الشعراء إلى المشاعر الحزينة بسبب ما توحي به أنغامه من حزن .
ثالثا ً : تكرار الألفاظ : يلاحظ في الشعر الحديث ظاهرة تكرار الألفاظ أو العبارات وقد رأينا هذا في قصيدة نازك ( الكوليرا ) إذ كررت فيها كلمة ( الموت ) ثلاث مرات , وفي سطرين متتاليين , ويزعم أصحاب الشعر الحر أنهم يلجئون إلى ذلك ليعبروا عن نوازع الحزن أو اليأس أو السخط أو السأم أو غير ذلك من الأحاسيس أو المشاعر ولا يجدون وسيلة لتثبيت الفكرة في نفس القارئ , سوى تكرار الكلمة أو الجملة , ليسبروا عن تلك النوازع , فصلاح عبد الصبور مثلا ً يتحدث في قصيدته ( نكروما ) مصورا ً مأساة إفريقيا في فترة ما فيقول :
كلماني أشواق سجين عاش وثأر سجين مات
كلماتي في أجساد ضحايا مصلوبين على الطرقات
كلماتي أحشاء حبلى تتلوى تحت الطعنات
كلماتي أصوات حياة لا تعرف موت الكلمات
فها هنا كرر ( كلماتي ) في أول بيت ليثبت ما بعدها من معان في نفوس السامعين , وكأنه يتخيل انه يخاطبهم وجها لوجه .
وفي قصيدته الأخرى ( الظل والصليب ) يتحدث عن ( الشام ) من رتابة الحياة وسخفها وخوائها , فكأنه هنا يجري الوجوديين في هذا الموضوع إذ يقول :
أنا رجعت من بحار الفكر دون فكر
قابلني الفكر ولكني رجعت دون فكر
أنا رجعت من بحار الموت دون موت
حين أتاني الموت لم يجد لدي ما يميته وعدت دون موت
أنا الذي أحيا بلا أبعاد
أنا الذي أحيا بلا آماد
أنا الذي أحيا بلا أمجاد
أنا الذي أحيا بلا ظل بلا صليب .
ولا ريب أن الشاعر هنا يود أن يثبت الفكرة في نفوسنا , فكرة السأم واليأس , وتفضيل الموت على الحياة , وكأنه تحيل نفسه أما جمهور من الناس فراح يكرر العبارة بشكل متتابع كما يفعل الخطباء .
وقد يمعن بعض الشعراء في التكرار حتى تغدو قصيدته خطابا ً مسئما ً وتكرارا ً مملا ً مثال ذلك ما قاله ( سميح القاسم ) :
وانأ القتيل على الرصيف
وانأ الأشداء الوقوف
وانأ الأشداء الوقوف
وانأ ا لبيوت ... البرتقال
أنا العذاب
أنا الصمود
أنا المئات
أنا الألوف
والشعر كما نعلم , يمتاز عن الخطبة والقصة والرواية وغيرها , بالإيجاز والتكثيف , كما تكثف روائح الأزهار العديدة في زجاجة . عطر صغيرة , وعندئذ تكون العبارة أكثر إيحاء وتأثيرا ً وأقوى في نقل عدوى المشاعر والأحاسيس , وقد لاحظنا في المثالين السابقين أن الكلام قد انبسط وطال حتى أضحت العبارات مسطحة ممططة , فأضاعت على القارئ لذة الإيحاء والتأثير .
فضلا ً عن هذا كله نلاحظ في الشعر الحر بعض الكلمات الأجنبية أحيانا . والعامية أحيانا أخرى , كما نجد بعض العبارات النثرية الخالية من الوزن . الخارجة على نظام التفعيلة الذي أشار أنصار الشعر الحر إليه , وأضحى من السهل على أي إنسان أن يكتب كلاما ً منثورا ً يسجع بعض عباراته ويرتبها بشكل يوحي انه شعر ويكتب غلاف ما ويطبعه كلمة ( شعر ) حتى يوهم بعض القراء بشاعريته , وهكذا غدت أمور الشعر فوضى لا ضابط لها ولا قوالب أو قواعد يمكن حصرها بحال من الأحوال , وهذا يشبه ما حصل في الموشحات الأندلسية الشاردة التي اقل عنها ابن خلدون انه ما استطاع ضبطها لانفلاتها من الكف , وان حاولت ( نازك الملائكة ) أن تحدد اوزان الشعر الحر واعارضيه في كتابها ( قضايا الشعر المعاصر ) لكنها لم تفلح لأنها كما أشار بعض الدارسين قد وضعت قواعد هذا الشعر كما تصورته ونظمته وأخرجت منه ما لا يخضع لمقاييسها , لا كما فعل الخليل بن احمد حين اكتشف علم العروض , إذ نظر فيما وجد عند العرب من شعره فاستقراه , ثم وضع له أوزانه في البحور المعروفة . والملاحظ أخيرا ً أن الذين تجربتهم في الشعر الحر هم – في الغالب –الذين عرفوا الأوزان الخليلية , وتمرسوا بها , ونجحوا في نظم قصائدهم عليها , فبدت خطواتهم في التجديد , والاتجاه إلى الشعر الحر ثابتة متزنة أمثال : ( بدر شاكر السياب , ونازك الملائكة , ونزار قباني , وفدوى طوقان ) وغيرهم .
ومع هذا مله , فمن الإنصاف أن نذكر أن الشعر الحر قد لاءم فن القصة بما فيه من حرية في توزيع التفعيلة ومرونة الوزن , لهذا سنرى أن القصة الشعرية التي نظمت بطريقة الشعر الجديد , كانت أنجع من تلك التي نظمت بالشعر الموزون المقفى . وسنوضح هذا بعد قليل عند الكلام على القصة الشعرية .
ونود قبل أن نعرض للفروق التي يمكن الإشارة إليها بين هذا الشعر والشعر العربي القديم – أن نلمح إلى ما أطلق عليه اسم ( الشعر المنثور ) وهو الشعر الذي لا وزن له ولا قافية , فكثيرا ً ما نقرأ في الصحف والمجلات والدواوين المنشورة كلاما ً نثريا ً , ولكنه يوضع تحت عنوان ( شعر ) من ذلك مثلا ً ما جاء في ديوان ( البير اديب ) المسمى ( لمن ؟ ) ومنه ( حياة ) إذ يقول :
أموت صامتا ً
كما عشت صامتا ً
غريبا ً عن الناس
غريبا ً عن أهلي
غريبا ً عن نفسي
كلمتي
احتضرت في حلقي معي
بعد أن عاشت
في فؤادي معي
أموت وأنسا
لم استطع
أن ألهب بها شفتي
فهذا كلام نثري عادي لا يغرنا بتقطيعه ولا يوهمنا برصفه في اسطر توحي انه شعر . إذ لا وزن فيه ولا قافية ولا روح الشعر أو رائحته وهو – بالطبع – غير النثري الفني الشرقي الذي نقرؤه في كتب الرافعي , مثل : ( السحاب الأحمر وأوراق الورد ) وفي بعض كتب جبران مثل ( رمل وزبد) وفيما كتبه ( أمين الريحاني ) وخاصة في كتابه ( هتاف الأودية ) الذي جمعه أخوه ألبرت مما كان مثبوتا في تضاعيف ( الريحانيات ) .
ومنه قطعة بعنوان ( دجلة ) يقول فيها :
أصافحه والقلب في يدي
أحييه والروح على لساني
أقف أمامه فتنكشف أمامي أعاجيب الزمان
له كلمة تخيف , وكلمة تثير , وكلمة تحيي وتميت
وهو يسير في سبيله هادئا ً مطمئنا ً
يحمل الخير من الشمال إلى الجنوب
من إقليم إلى إقليم يجيء بفيضه
يتحول غربا وشرقا ً لتعم بركاته البلاد
تقول له الجبال : اقرأ السهول أمامنا
ويقول هو للسهول : اقرئي سلامي قحطان ومضر
وتمتاز هذه القطعة – كما نرى – بالعبارات الشاعرية والخيال التصويري الجميل ولكنها على كل حال ليست شعرا ً .
الفروق بين شعرنا القديم والجديد : بعد استعراضنا لهذه الحركة الأخيرة في شعرنا , يمكننا أن نقول : أن هذه الحركة التجديدة , كانت نتيجة احتكاكنا بالتيارات الأدبية والفنية الغربية . عن طريق الاطلاع المباشر عليها . أو عن طريق النقل والتعريب وتفاعل بعض شعرائنا بها ثم نسجوا على غرارها , فاعتمدوا على التفعيلة وتصرفوا بها تصرفا ً حاولوا أن يجعلوا منسجما ً مع الشكل والمضمون , فما الفروق إذا بين هذا الشعر القديم والجديد .؟
1- الشعر القديم يقيم على نظام ثابت ملتزم في الوزن والقافية بينما الشعر الجديد عبث بصورة هذا النظام , ووقع في الفوضى , إذ لم يعد للبيت الشعري المعروف وجود . صحيح أن التفعيلة هي اساس النظام في الشعر الجديد ولكنها لا تسير – من حيث العدد – في السطر الواحد على نظام معين.
2- الشعر القديم تتنوع بحوره فبعضها ذو تفعيلات منوعة أو ما يسمى بالبحور الممزوجة مثل : فعولن مفاعيلن أو مستفعلن فاعلن أو مفاعلتن مفاعلتن فعولن أو ( فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن ) وبعضها الآخر ذو تفعيلات متساوية – أو ما يسمى بالبحور الصافية – أما الشعر الجديد فالتفعيلة الواحدة المكررة , هي الغالبة عليه , عدا بعض التجارب القليلة التي أدخلت على القصيدة تفعيلة أخرى كما أشارت نازك الملائكة .
3- كان عدد الأوزان العروضية القديمة بأبحرها الكاملة والمجزئة والمشطورة , وما يشتق عنها من أشكال أخرى يقارب الثمانين وزنا , بينما أشكال الشعر الجديد ( تفعيلاته )لا تتجاوز السبعة إذ لا تخرج عن استعمال ( فعولن – متفاعلن – مستفعلن –فاعلن – فعلن – مفاعيلن – فعلاتن ) .
4- أما من حيث القافية فقد كان الشعر القديم ذا قافية واحدة وروي واحد من أول القصيدة إلى آخرها أما الشعر الجديد فانه وان لم يلغ القافية ولا الروي لكنه لم يلتزمهما وإنما يضعهما – كما يزعم أصحابه – حينما يحس الشاعر بالحاجة إلى وضعهما في اسطر عديدة , تخلصا من رتابة الالتزام المطلق .

5- من حيث المضمون تبدو على الشعر الجديد في الغالب ظاهرة الغموض والإبهام وكثرة الاعتماد على التاريخ والأساطير والرموز , كما رأينا فيما مر معنا من أمثلة , في حين أن الشعر القديم أوضح في معانيه , اللهم إلا بعض المعاني التي تنشأ أحيانا ً عن الألفاظ الحوشية الغريبة , أو عن التعقيد في التراكيب .
ويتبع ما سبق أن الشعر الجديد يقصد – كما يزعمون – الإيحاء بالمعنى أكثر من إيضاحها والإفصاح عنها , أما الشعر القديم فهو وإن كان يقصد كذلك إلى الإيحاء , لكن معانيه أوضح وأبين .
6- توسع الشعر الجديد بمعنى الوجدان فلم يعد ذلك الوجدان الضيق المحدود الذي يقتصر فيه الشاعر على تصوير وجدانه الذاتي المنعزل عن وجدان الآخرين . بل أضحى الشاعر يعبر عن تجارب وطنه وأمته والإنسانية جمعاء .
القصة في الشعر الحديث : مما يلفت نظر الباحث وهو يطالع الشعر العربي الحديث ظاهرة تسترعي الانتباه , هي عناية كثير من الشعراء بالحوار , أو الصورة القصصية , أو القصة الكاملة وتعد هذه الظاهرة تجديدا ً في الشعر . إذ لم تكن قديما على هذه الشاكلة من الكثرة , ولا من الفن كما سنرى , لذلك ناسب أن ندرسها بشيء من التفصيل .
من قديم الزمان والناس مولعون بالقصص يتحلقون في سهراتهم وأوقات فراغهم وأسمارهم حول القصاص يحكي لهم حكايات عنترة وعبلة والزير سالم وأبي زيد الهلالي وألف ليلة وليلة وغيرها من القصص التي كانت وما زالت تشدهم وتستحوذ على مشاعرهم .
ومنذ عهد بعيد نسمع الشعراء الجاهليين , والصعاليك منهم خاصة يحكون لنا عن أحوالهم ومغامراتهم يسردونها سردا ً إخباريا ً متتابعا ً وكان منها الواقعي ومنها الخيالي كأخبار الجن والغيلان .
وفي العصرين الإسلامي والأموي تطالعنا قصة الخطيئة الفريدة التي تصور كرم الضيافة العربية . وأولها :
وطاوي ثلاث عاصب البطن مرمل ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما ً وهنالك أقصوصة حوارية لجميل بثينة ومثلها الكثير مما في شعر عمر بن أبي ربيعة . المملوء بمثل ( قال – قلت – قالت ) .
فإذا انتقلنا إلى العصر العباسي وجدنا في شعر ( أبي نواس ) حكايات كثيرة تدور حول مجالس لهوه ومجونه وغالبا ً ما تكون قصصيا ً يعتمده على الحوار . ولكن ل ( ابن الهبارية ) كتاب بعنوان ( الصادح والباغم ) نظمه في أراجيز على أسلوب ( كليلة ودمنة ) فجاء ثلاثة أبواب هي ( باب الناسك وباب البيان ومفاخرة الحيوان وباب الأدب ) وكل باب منها يتضمن قصصا ً متعددة , متصلا ً بعضها ببعض , ممهدا ً آخرها لتاليها عن طريق حكمة أو سؤال يطلب فيه سرد القصة التالية . لكن هذا الكتاب ادخل في باب الشعر التعليمي , كما هي الحال في نظمه لكتاب ( كليلة ودمنة ) أيضا ً .
والملاحظ أن هذا الشعر القديم في جملته , كان صورا ً قصصيا ً ينقصها الكثير من عناصر القص بالمعنى الفني الصحيح , كما يفتقد فيها البناء ورسم الشخصيات والعاطفة والخيال التي لا بد منها في القصة .
أما في العصر الحديث , فقد كثرت القصص الشعرية وتنوعت فكان منها التاريخية والأسطورية والرمزية والوعظية التعليمية , والعاطفية الوحدانية والاجتماعية الواقعية والوطنية والقومية , وكان منها الأقاصيص أو القصص القصيرة كما أن منها المطولة .
ومما لا ريب فيه أن القصة – من حيث النوع الأدبي – تمت إلى الشعر بصلة وثيقة , فهي كالشعر يتوصل إلى التعبير عن أهدافها بالخلق والإيحاء والتأثير ثم أن لقوة الإيحاء الأثر المباشر الأول في كل القصة . تماما ً كما هي الحال في الشعر . ثم هي كالشعر في حاجة كل منهما إلى الخيال الخصب . هذا بالإضافة إلى أن بينهما تشابها ً في " تتبع جزئيات التجزئة الشعورية , وتصوير الانفعالات والخواطر المصاحبة لها خطوة بخطوة . ليشارك الآخرون صاحبها انفعالاته , وجوه الشعوري العام " فكيف لو جمع هذان الفنان معا ً ؟
وإذا كانت القصة تصور الحياة نفسها في جميع دقائقها ولحظاتها فان القصة الشعرية تجمع بين هاتين الصورتين وتجعلنا نحيا التجربة النفسية الواحدة في نطاق أوسع . وافق أرحب , فهل وفق شعراء العصر الحديث في نظم قصصهم واستطاعوا أن يثبتوا أن الشعر قالب ملائم للفن القصصي ؟ هذا ما سنكشف عنه في آخر هذا البحث .
يلاحظ الباحث أن الدواوين التي طبعت أوائل هذا العصر ,خصص بعض أبوابها للمنظومات القصصية مثل ديوان كل من ( خليل مطران وشوقي وادوار مرقص ) , وقد عالجوا الصورة القصصية والأقصوصة والقصة , ونظم بعضهم قصصا ً مطولة كانت تقارب الرواية في روحها العامة لا في دقائقها وتفاصيلها . وسنجتزئ بعض أنواع القصص الشعرية .
القصة التاريخية : ليس بين موضوعات القصة الشعرية المعاصرة موضوع نال اهتمام الشعراء بقدر التاريخ الذي وجدوا فيه مادة غزيرة بالاستيحاء فاستقوا كثيرا من الأحداث الهامة وأحيوها , وضمنوا قسما ً منها تأريخ ما أهمله التاريخ , كما ابرزوا في الجانب الخلقي , فعرضوا مآثر الغرب ومناقبهم , والجانب البطولي منهم فنسجوا حول بعض الشخصيات البارزة قصصا ً شعرية ناجحة .
ولو اجلنا الطرف في هذا القسم لرأيناه متنوع المصادر فمنه ما اخذ من قصص القرآن ومنه ما استقيت موضوعاته من تاريخنا الأدبي أو من تاريخنا القومي واختلفت أهداف هذه القصص فبعضها كان يستهدف مجرد تصوير الحادثة لطرافتها وبعضها الآخر كان يصور مأثرة من المآثر . أو جانبا ً مظلما ً يمثل نقيصة من النقائص قصد العبرة والموعظة .
ولن نستطيع الإحاطة بها كلها في هذا البحث الموجز . لذلك سنكتفي ببعض الأمثلة ولعل الشاعر المصري ( خالد الجرنوسي ) كان أكثر الشعراء اهتماما ً بالتاريخ عدا انه يكاد يكون الشاعر الوحيد الذي وقف على الشعرية ديوانا ً كاملا ً هو ( اليواقيت ) الذي نال عليه جائزة ( المجمع اللغوي ) في القاهرة . ومن قصصه التي استقاها من القران قصة النمرود مع النبي إبراهيم حين حطم الأصنام . وأراد النمرود وأصحابه أن يلقوا به في النار ومنها ( ملك وغانية وهدهد ) وتدور حول قصة النبي سليمان وبلقيس ومأساة قارون وتحكي قصة قارون وكنوزه وتجبره , ثم ما حل به إذا خسفت به وبداره الأرض .
وكان التاريخ القديم والحديث وتاريخ الأدب العربي منبعا ً ثرأ استقى الشعراء منه كثيرا ً من الحوادث , وكان بعضهم يشير إلى ملخص الحادثة قبل عرضها شعرا ً , كما كانوا يتقيدون بواقع أحداث القصة إلا في بعض الأحوال النادرة , إذ نلمح الخيال الذي يلعب بدوره في موضوعها وترتيب أحداثها , وتصوير شخصياتها .
ولعبد الرحمن شكري قصة تشف عما كان عليه العرب من تقدير للمروءة والوفا فهذا هو ( النعمان ) يموت نديماه فيحزن عليهما , ويجعل يوم موتهمها يوم نحس , يخرج فيه كل سنة إلى البادية , فيمسك باول رجل يصادفه ويذبحه على قبرهما فداء لهما . وحدث ذات يوم أن امسك بشاعر ليذبحه فاستأذنه هذا بوداع أهله فطلب النعمان منه أن يحضر أحدا ً يكفله , فجاء بشيخ تعهد أن يحل محله أن لم يعد , ثم حان موعد مجيء الشاعر , إلا انه تأخر , فأتى بالشيخ بدلا ً منه وكاد النعمان أن يقتله فإذا فارس يعود متلهفا ً يسال عن الضامن وإذا هو الشاعر يعتذر عن تأخيره بسبب سيل اعترض سبيله , وعندئذ يهتز النعمان لموقف الشاعر وبره بوعده فيقول ( شكري ) عنه :
فقال له النعمان لا تخشى بأسنا
فان تامين ابيض الود صادق
وما كانت ادري أن في الناس من له
على نفسه منها رقيب بعينه
ووالله ما ادري أواف بعهده
أحق بإجلال الفتى أم ضمنينه
وهكذا كشف لنا عبد الرحمن شكري النقاب عن سبب صفح النعمان عن هذين الرجلين تقديرا ً للإخلاص والوفاء ثم اصطفاهما نديمين له . واقلع منذئذ عن يوم بؤسه هذا حتى مماته .
ويستفيد احمد عبد المعطي حجازي من تاريخ مصر القريب فيتحدث عن قصة ( مذبحة القلعة ) وسنفردها بالتحليل لأنها تختلف عن غيرها في أنها من الشعر الجديد الذي يقول الداعون إليه والمدافعون عنه أن له أثرا كبيرا ً في اغناء تراثنا الشعري وخاصة في الميدانين العظيمين اللذين لا يزال شعرنا قديمه وحديثه مقصرا ً فيهما أفدح تقصير , ميدان الشعر القصصي , وميدان الشعر الدرامي . إذ الشكل التقليدي للقصيدة يعجز عجزا ً تاما ً عن النهوض بهذين الفنين .
يبدأ الشاعر حجازي قصته هذه بوصف موجز لبيئة الأحداث وجوها العام على النحو التالي :
الدجى يحضن أسوار المدينة
وسحابات رزينة
خرقتها مئذنة
ورياح واهنة
ورذاذ وبقايا من شتاء
ثم يتبدد الصمت على وقع حوافر في جبل المقطم , ويبدو في الظلام فارس يتقدم , كما يبدو في القلعة حارس متجهم , ثم تتابع الأحداث فنسمع صيحة من داخل البرج ويستدير باب القلعة , فيحدث صوتا ً شديدا ً ويغيب الفارس في أحضانها ثم يصعد إلى الباشا يحمل له النبأ التالي ( المماليك جميعا ً في المدينة ) ثم ينتقل بنا الشاعر نقلة جديدة إلى جو جديد , يصوره بكلمات المقطع الأول نفسه , ثم إذا نحن في حواري المدينة نسمع المنادي ينادي ( يا أهل المدينة سوف يمضي جيش طوسن وابن البنا الكبير باكرا ً إلى الحجاز لقتال الكافرين الخارجين عن ولاء أمير المؤمنين , حامي الآستانة وسيمضي الناس إلى القلعة في ركب كبير بين الأفراح والزينات , والمماليك واعيان المدينة لوداع الجيش قبل السفر ) وهنا يطل من احد البيوت شيخ يتمتم ( ما لنا نحن وطوسن يا حمار ) ؟ ويغلق الباب وراءه في حقد ثم يضمحل الصوت والصدى , ويعود الصمت يلف الحوار , حيث الرسوم الفاطمية والشركسية والدمن المنتشرة هنا وهناك والعفن الذي يفوح منها والبيوت المملوءة بالجياع ... ونمضي من جديد إلى مكان آخر , إلى دروب الأزبكية حيث نسمع كذلك صوت الرياح الواهنة التي تهوي على مياه البركة الخضراء , حيث يبدو لنا قصر مملوك جميل روع الإفرنج حينما أتوا بخيولهم لتبول في صحن الأزهر , انه ( أمين بك ) ذلك الفارس الشهم الذي جمع جنود المدينة حوله ودعاهم لغسل العار بدمائهم . ويا الله ما كان أروع أصوات الجموع عندما سارت إليه تقول له : نعم يا أمين بك أنت منا فقد تربيت بيننا , حتى بائع الثياب القديمة استجاب لدعوته وقال : هيا بنا . وهنا نمضي إلى مكان جديد فالدجى ما زال يغشى المدينة , ونباح يسمع من بعيد ثم يختفي الصياح فيموج السوق بالذكر الحكيم , ويرى السقاء يحمل مبخرة يطوف ببيت قديم ينادي ( يا كريم ) وفي مقابل ذلك كله نسمع ضحكات ناعمة لجوار تحلم بالحرير والعطور كما نسمع أصوات الصخب والضجيج , ومن ورائها نلمح الحزن العميق , وفجأة يلعلع صوت بوق , فإذا عسكر الباشا يقطع الطريق ويثير الغبار يتقدمهم فارس يركب بغلة تتهادى في وقار , قاصدين القلعة للاحتفال . أما المماليك فكانوا فوق خيولهم العربية . بثيابهم الموصلية , ذات الفراء السيبيرية , ورنت إليهم العيون وقالت : ( آه يا عيني لقد أضحوا يتامى مثلنا ) ويتهادى الركب إلى القلعة , فسمع صوت بوق ثم دار بابها في صوت شديد , ومضى المماليك يغذون السير بين الأسوار والبرج والتفوا حولهم مرتابين , فإذا الباب يرتد وراءهم ويغلق , وإذ صوت من خلف الباب يقول : ( أطلقوا ) انه صوت قائد الارناؤوط . وأطلق الرصاص فنزل عليهم كخيوط المطر وتسمع أصوات من هنا وهناك تقول : آه يا نذل لقد خنتنا ) وهكذا يهوي المماليك كالحصيد . أما أمين بك فقد كان إلى جانب السور وسيفه في يمناه ولكن ماذا يفيد السيف آنذاك ؟ ومضى يعود بحصانه ثم علا سور القلعة ونظر إلى المسافة التي تفصله عن الأرض , وهمس في إذن حصانه بحنان ( هيا طر بي ) وإذا الفارس عقاب يطير في الجو ويقفز عن حصانه حينما يقارب الأرض بينما يسقط الحصان أشلاء مبعثرة على التلال .
وينظر الناس حولهم , وتتردد على شفاههم العبارة التالية : ( لقد نجا أمين بك ) ثم يمضون كمن يعود من مقبرة بينما يمتد السكون ويلف الكون من جديد .
على هذا النحو صور ( حجازي ) مذبحة القلعة المشهورة فتمثلت لنا من خلالها المعاني الإنسانية العميقة , واللحظات النفسية الرقيقة وقد بدأت القصة – كما رأينا في تلخيصها برسم جوها العام الذي يمهد للأحداث فالأمر المبيت خطير , انه خدعة دبرت في الظلام لقتل المماليك الذين أوهموا بأنهم سيشهدون احتفالا ً كبيرا ً , ويلي هذا تمهيد آخر يركز حول الشخصية الأولى في هذه القصة يرسم فيه الشاعر لمحات في بطولات المملوك الشارد , ثم يبدأ من الحدث بتصوير جميل للمكان : الظلام المسيطر على المدينة , النباح من بعيد , الصباح والشمس الخ ...وهكذا يبدو لنا الجو كله مشعرا ً بالسكون الذي نذر بالعاصفة ويقطع الطريق لماذا ؟ هذا ما يوضحه الشاعر بعد قليل حين أطلق الرصاص على المماليك , وأبيدوا ’, ويكاد ينتهي الحدث لولا حدث آخر يبرز من خلال الأزمة , فأمين بك كان بجانب السور يشهد قصة الغدر , ثم تدور في رأسه فكرة ما يلبث أن ينفذها وعند ذلك يتجلى الموقف تماما ً وتنحسر الأزمة مع نهاية القصيدة إذ يقول :
قد نجا منهم أمين بك يا رجال
قالها والناس على ظهر التلال
ومضوا كالدافنين
ثم يمتد السكون
وحصان يهبط القلعة وحده
مطرقا ً يمضغ في صمت حزين
ويكشف تحليل القصة عن مدى التوفيق الذي حالف الشاعر في نظمها من حيث التصوير والحبكة , ومن حيث إبراز الحدث وتدرجه في النمو والتكامل حتى يصل إلى ذروته ثم ينحدر إلى النهاية .
وليس في هذه القصة حدث واحد لا يخدم الموقف الأصلي , حتى الصور التي وشى بها قصته كانت روافد للهدف , ساعدته في تحليل المواقف ودعم سياق الأحداث وتسييرها ونموها تدريجيا ً حتى نخلص من القصة وقد اكتظت مخيلتنا بفيض عارم منها مثال ذلك قوله نداء المنادي مخبرا ً أن جيش طوسن سيمضي للقتال :
ويمد العين شيخ خارج من باب دار
متوار ويتمتم :
في جهنم
مالنا نحن وطوسن يا حمار
وبهذه الكلمات العفوية تأتي الصورة حية ناطقة تنم عن الحقد , والشعور بالسخط على هؤلاء الحكام , لتعبر عن الهواة التي تفصل بينهم وبين الشعب في قوله ( مالنا نحن وطوسن يا حمار ) .
ومنها الصورة التي ينقلها من داخل القلعة حينما بلغ الحدث ذروته فأطلق الرصاص واختلطت بأصوات البشر والخيل فأضحى المكان كله مزيجا ً من الحركة الصاخبة :
وجنود الارناؤوط
من قريب وبعيد
من على من تحت أيدي اخطبوط
تطلق النار فكم فر حصان
ملقيا ً سيده فوق الدماء
فترش السقطة الجدران دم
وألم
لا يا نذل
ويهوي كالحجر
والخيول
همهمات وصهيل
ترفس الصخر فينطلق الشرر
والصخب
-أنت محصور فخذها
-لاتفكر في الهرب
-أنت ودعت الحياة
ثم يهون كسنبل
تحت منجل
إن هذه الصورة الدقيقة الزاخرة بالحركة , أضاءت كثيرا ً من جوانب القصة , وجعلتنا نعيش في أعماقها , وننفعل مع أحداثها في كل لحظة , وما ذلك إلا لان الشاعر استطاع أن يوزع أضواءه على الحركات التي تحتاج إلى التنوير .
والواقع انه قد اهتم بالتحليل النفسي أكثر من اهتمامه بالجانب السياسي للواقعة , ولكنا لا نحب أن نبالغ في التركيز على هذا الجانب فنقع في المغالاة التي وقع فيها ( رجاء النقاش ) حين حلل هذه القصيدة واوجد صلات وثيقة بينها وبين ( الحالة النفسية التي يعيشها الشاعر والرؤى التي تملأ دنياه ) إذ تصور جانبا ً تراجيديا ً لهؤلاء المماليك الذين كانوا متأهبين للفرح بالحياة , وبينما كانوا كذلك إذا الكارثة تقع و ( هكذا يقع الاعتراض على الرغبة في الحياة , على الرغبة في الفرح . وهذا ما يحدث لشاعرنا الإنسان كل يوم ,رغبة عارمة في الفرح , رغبة عارمة في الحياة , ولكن هذه الرغبة العارمة ما تكاد تولد حتى تعترضها العقبات تلو العقبات , ومن هنا ترتد هذه الرغبة النابعة من مكامن الفرح في الذات الإنسانية , لتصبح جزءا ً من أحزان تلك الذات وآلامها ) .
إن رجاء النقاش إذ يقول هذا يقع في مبالغة كبيرة , وافتعال واضح إذ يجعل هذا الجانب هو الخيط الذي امسك به الشاعر في ( مذبحة القلعة ) ونحن نلحظ سيطرة التحليل النفسي , والتصوير الموحي على أجزاء القصة , كما نلاحظ إجادة الشاعر في العرض , مما يدلنا على انفعاله بأحداثها , ذلك الانفعال الذي يوحي بوجود علاقة وثيقة بينها وبينه حتى هزته ودفعته إلى النظم .
وعلى الرغم من ذلك نقول : إن هذا ليس الخيط الوحيد الذي امسك به الشاعر , بل أن هناك خيوط كثيرة أخرى في هذه المأساة , لعلها ترجع إلى حس إنساني مرهف يتحلى به الشاعر , فيجعله ينفعل بالمآسي التي تنطوي على مطلق الظلم والغدر , كما يثور وينفعل بالمواقف التي تنم عن قلة اكتراث بالقيم الإنسانية العامة , واستخفاف بالمثل السامية خاصة . وتتضح هذه الحقيقة حينما نطالع قصته الأخرى العاطفية ( قصة الأميرة والفتى الذي يكلم المساء ) .
وهناك كثير من القصص الشعرية التاريخية الأخرى استقى الشعراء بعضها من تاريخ الأدب مثل ( الملك الضليل وعنيزة ) لشيلي الملاط , و ( إن من البيان لسحرا ً ) لخليل مطران , و ( عروة وعفراء ) . للأخطل الصغير و ( كأس ) لعمر أبي ريشة . كما عنوا بقصص الشخصيات البطولية مثل ( ملكة تدمر ) لشلبي الملاط زو ( طارق بن زياد ) لخالد الجرنوسي , و ( خالد ) لعمر أبي ريشة وغيرها . وجدير بالذكر أن معظم هذه القصص التاريخية بدا اهتمام الشعراء فيها بالحدث أكثر من اهتمامهم بعناصر القصة الأخرى . وكان نظمهم لها اقرب إلى السرد التقريري منه إلى الصياغة الفنية , عدا قصة ( مذبحة القلعة ) التي حظيت من الشاعر بنصيب فني كبير , وربما يعود هذا إلى اعتماده على شعر التفعيلة الذي استطاع أن يتحرك فيه بشكل أرحب وأكثر حرية .
القصص الوعظية التعليمية : أكثر القصص الوعظية التعليمية تجري على الحيوان ويرمز كل حيوان فيها إلى شخصية إنسانية يشف عنها بوضوح لذلك ناسب أن تأتي هذه بعد التاريخية لما بينهما من تشابه وهذه القصص اقرب إلى الحكايات التي تتخذ الطابع الخلقي والوعظي التعليمي . ويعني الرمز هنا المعنى اللغوي العام , لا الرمز في ( معناه أن يعرض الكاتب أو الشاعر شخصيات وحوادث على حين يريد شخصيات وحوادث أخرى عن طريق المقابلة والمناظرة , بحيث يتتبع المرء في قراءتها الشخصيات الظاهرة التي تشف عن شخصيات أخرى عميقة , تترامى خلف هذه الشخصيات الظاهرة ) وقد سبق أن اشرنا إلى ( ابن الهبارية ) الذي نظم كليلة ودمنة , وتمضي العصور فلا نكاد نلمح في إنتاجنا الشعري قصة واحدة على لسان الحيوان , حتى نصل إلى أواخر القرن التاسع عشر وعلى وجه التحديد إلى عام 1867 م حين اصدر الشاعر ( رزق الله حسون ) ديوانا سماه ( النفثات ) ضمنه حكايات خلقية على لسان كل من الإنسان والحيوان , وذكر في مقدمته انه نقلها إلى العربية من شاعر الصقالبة (كريلوف ) على طريقة ( بيدنا ) الهندي .
وفي أوائل القرن العشرين ( 1906) طلع علينا ( محمد عثمان جلال ) بديوان ( العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ ) وذكر في مقدمته انه أخذه من ( ايسوب ) اليوناني .
وفي ديوان الشوقيات – الجزء الرابع – قسم خاص بالحكايات على لسان الحيوان نظمها شوقي اثر اطلاعه على الأدب الفرنسي ولا سيما ( أمثال لافونين ) التي تأثر فيها بالحكيم الهندي ( بلباي ) أي ( بيديا ) الذي رويت حكايات ( كليلة ودمنة )على لسانه , كما تأثر بما كتبه ايسوب اليوناني من هنا نعرف أن كل من نظم حكايات على لسان الحيوان بدا متأثرا بالأصل الهندي أما مباشرة وأما عن طريق تأثره بمن اخذ عنه , ونرى أن الشعراء الثلاثة الذين نظموا هذه الحكايات الوعظية التعليمية في عصرنا الحاضر , جعلوا حوادثها تدور على لسان الإنسان تارة وعلى لسان الحيوان والإنسان تارة أخرى . وعلى لسان الحيوانات في أكثر الأحيان .
ونضرب مثالا على هذه الحكايات ( صاحب المال والنعال ) لمحمد عثمان جلال , وتروي هذه الحكاية أن احد الأغنياء كان جارا ً لنعال وكان الغني لا يذوق طعم النوم وهو عاكف على ماله يجمعه ويحسبه بينما بدا النعال قانعا ً ينام ملئ جفونه مستريح البال وجاء ذات يوم جاره الغني وسأله عن حاله , فحمد الله انه يملك قوت يومه , وانه كثيرا ً ما ينام بلا عشاء وربما اجتزأ بالخبز على الإفطار , ولكنه سعيد في حياته فرق الغني له , وأعطاه مئتي ريال ليسري بها عن نفسه فأخذها فرحا ً , وراح إلى داره نشوان فطار نومه وعدم راحته واخذ يتقلب في فراشه ثم قام عند الصباح : وحمل الكيس إلى صاحبه وجاءه في داره صاح به
وقال : خذ مالك واردد نومي فما غفلت ليلتي ويومي
وأنني رضيت بالقناعة أحسن من مال ومن بضاعة
وقد ذيلت الحكاية كما رأينا بالعبرة المقصودة , وهي ( أضرار المال ومتاعبه ) ونضرب مثالا ُ على قسم الحكايات التي تجري حوادثها بين الإنسان والحيوان , حكاية ( صل ونمام ) لرزق الله حسون ويستهدف من ورائها بيان أن النمام شر من الأفعوان وان جزاءه النار , فقد جاء إبليس يوم الجحيم صل ونمام واقتربا من الباب يريد كل منهما ان يسبق الآخر في الدخول وتشاجرا طويلا ً والعادة في الجحيم أن يكون الأكثر إضرارا ً وكيدا ً أعظم جاها ً وخطرا ً وهكذا طال الشجار بينهما وفغر كل منهما فاه نافثا ً سمه وفاز الصل وتقدم . وتأخر النمام وأحجم لكن إبليس قام معترضا ً في الباب مستنصرا ً للنمام , وقال للأفعوان : تأخر فان شرك يعرفه الناس جميعا ً , لكن هذا لا ينجو منه احد عند الوشاية , إذ لا تقف البحار ولا القلاع ولا الجبال دون نميمته , فهو أعظم شرا ً منك , فكم من جنودي ساروا في ركابه وقال الشاعر في النهاية :
منذ ذلك اليوم كما قد اشتهر أن كل نمام على بني البشر
مخصص له المقر في سقر
والملاحظ في هذه الحكاية أنها تجرد المعنى المقصود وتصوره في شخصين اثنين رمزا ُ للشر القاتل , وكلاهما أسوأ من الآخر وإذا كانت أحداهما إنسانية فان اقترانها بالأخرى المتمثلة في احد الحيوانات السامة , أضفى عليها طابعا ً رمزيا ً زادها إيضاحا ً وشفافية لذلك المعنى المقصود .
أما الحكايات التي كانت على لسان الحيوان فكثير منها أصبح عنوانه رمزا ً لمضمونه , كحكاية ( الغراب والثعلب ) التي أخذت أصلا ً عن أمثال الشاعر الفرنسي لافونتين والهدف منها بيان نتيجة الاغترار بالتملق والانخداع بالمدح الكاذب ومثلها ( النملة والصرصار ) التي هي رمز للجاد المجتهد والكسول الخامل وغيرهما الكثير مثبوت في الدواوين التي اشرنا إليها .
وفي حكايات شوقي أمثلة كثيرة على لسان الحيوان لعل أطرفها حكاية ( فأر الغيط وفأر البيت ) فقد كانت أم الفأر الأول علمته كيف يدخل وكيف يخرج وينتقل في الغيط , كما علمته النط على الخيوط وتحصيل القوت , بينما الثاني - فأر البيت - كان متكبرا ً يريد غزو البيوت ويطمع في التجول بين الرفوف ليحظى بالجبن والسمن والعسل وكانت أمه تحذره دائما ً وتخاف عليه فيضحك منها ثم يمضي ويأتي أمه كل أسبوع ومعه بعض المآكل ومضت عليه مدة وهو على هذه الحال ثم افتضح أمره وعاد مرة إلى أمه مضربا ً فسألته أين ترك ذيله , فأجابها لقد غاص في الشهد , وجاءها ثانية خجلا ً يداري عنها إحدى رجليه , فسألته عنها فقال :
رف لم أصبه عال صيرني أعرج في المعاني
وفي المرة الثالثة اخلف زيارته لامه فشغل قلبها عليه وسارت مسرعة إليه :
فصادفته في الطريق ملقى قد سحقت منه العظام سحقا ً
فناحت الأم وصاحت واها إن المعالي التي قتلت فتاها
وواضح أن شوقي في حكايته هذه – كما في حكاياته الأخرى – كان حريصا ً على أن يجمع المتعة الفنية إلى جانب الفكرة العامة التي يصورها من خلال التصوير شفافة وواضحة دونما حاجة إلى تدخل الشاعر لشرحها وإيضاحها أو ملئها بالمواعظ المباشرة .
ولابد من الإشارة هنا إلى أن هذا النوع من القصص الشعرية بأشكاله وشخصياته , كان الهدف منه – في الأغلب – اجتماعيا ً وان كان بعضها ذا مغزى سياسي أو أنساني وخاصة في حكايات شوقي .
ولا يفوتنا أن نذكر أن الشعراء قد حرصوا في هذه القصص على توفير التشابه بين الشخصيات الخيالية التي تستخدم رمزا ً , وبين الشخصيات الحقيقة التي تمثل المرموز إليهم بحيث تذكر صفات الأولى بالثانية , دون أن تطغى أحداهما على الأخرى .
ومن هنا نفضي إلى ملاحظة أخرى , وهي أن للخيال أثرا كبيرا ً في تشخيص الحيوانات أولا ً ثم في تسيير الحوادث ثانيا ُ وتحريك الأشخاص وإبراز طباعها عن طريق التصوير والتمثيل لكل من الرمز والمرموز إليه .
وفضلا ً عما تقدم نلاحظ أن معظم هذه الحكايات كان يعتمد على الحوار أكثر من اعتماده على العرض أو التعقيد أو الحل , وهو حوار سريع مركز .
القصص الاجتماعية : تستغرق القضايا الاجتماعية جزءا كبيرا من القصص الشعرية ويعد الاهتمام بها سمة واضحة من سمات عصرنا الحاضر وقد أبدى الشعراء اهتماما ً كبيرا ً بالعطف على البائسين وثاروا على الحضارة لأنها جرت معها كثيرا ً من الموبقات التي جرفت الشباب في تيارها , وأدت إلى عواقب وخيمة , ومآس أليمة كما ثاروا على الفروق الاجتماعية والتفاوت الطبقي مما أدى إلى الفقر والجهل وغيرهما من الأمراض الاجتماعية .
وقد صور الشعراء نماذج بشرية تمثل ألوان البؤس وما يتبعه من جوع ويتم وسرقة وإجرام , وطالبوا – تصريحا ً وتلميحا ً – بمعالجة هذه الأدوار عن طريق محاربة أسبابها وعلى رأسها الحاجة والبطالة , كما حاربوا الفساد الخلقي الذي جرته الحرب العالمية الأولى وما نجم عنها من أخلاق سيئة , ونددوا بكثير من المفاسد الاجتماعية كالغش والخداع والحسد والحقد والغدر والكيد والكبرياء والرياء , والرقص والتهتك , واهتموا بالمرأة خاصة وبقضايا الزواج عامة وشجبوا فيه إيثار الغنى على الصفات الخلقية في هذا الرباط المقدس , وكشفوا عن اثر البيئة الفاسدة في نشأة المرأة , وفي مقابل هذا دعوا المثل العليا التي يجب أن يرسي المجتمع قواعده عليها فمجدوا الفضائل السامية كالشرف والعفة والأمانة والوفاء , وأشادوا عموما بالخلق الكريم .
ومما يلفت النظر في ها المجال أن بعض الشعراء عرض لنا الأمراض الاجتماعية في صور قصصية متشابهة في مضمونها متقاربة في عنوانها يدور معظمها حول الفقر واليتم , فالرصافي يحكي عن اليتيم في العيد – أم اليتيم – الأرملة المرضعة – المطلقة – والزهاوي يقص علينا حكاية ( أرملة الجندي ) وغير ذلك مما هو ادخل في باب الصور القصصية الاجتماعية .
أما المجموعات الأخرى فقد نظمت في اطر فنية قصصية , حاول الشعراء فيها أن يميطوا اللثام عن العلل التي دفعت الشخصية إلى الانحراف وعن الدوافع الخفية التي أدت إلى ارتكاب بعض الجرائم والموبقات فجعلونا نتعاطف مثلا ً مع هؤلاء المنحرفين بدل أن ننحي باللائمة عليهم فالسرقة مثلا ً من الأمراض الاجتماعية المستقبحة , ومع هذا أن عرفنا أن الفقر أو الحاجة يكون الدافع لارتكابها في بعض الظروف والأحيان فقد نسوغ للسارق جرمه , وقد تتجاوز خطيئته , ونلقي اللوم على المجتمع الذي فقدت فيه العدالة ولم توفر فيه فرص العمل المتكافئة . وهذا ما فعله كثير من الشعراء الذين عالجوا هذا الموضوع , فهذا هو ( علي صدقي عبد القادر المحامي ) يرسم في قصيدته ( مجرم ولكن ) صورة متهم بسرقة القمح , يحكم عليه القاضي بالشنق . فيقف أثناء المحاكمة معارضا ً قرار الاتهام , ويدافع عن نفسه فيسكته القاضي ويطلب منه أن يجيب – سلبا ً أو إثباتا ً هل سرق القمح أم لا , فيجيب : نعم ولكنني ما كنت لأفعل لولا العطالة ولولا أسرتي التي مضى عليها أربع ليال جائعة , ولولا أطفالي الذين يتضورون جوعا ً ثم ينامون من التعب واليأس ولولا أبي المريض وزوجتي الصبور اللذان ينتظران عودتي مساء بالدواء وبرغيف الخبز وحزمة من الفجل , لكني كنت أعود خجلا ً خائبا ً خالي الوفاض بعد أن أكون قد أمضيت يومي في السوق بحثا ً عن عمل شريف دون جدوى , وهكذا انسللت إلى مخزن القمح حيث كدسه ذلك المحتكر الذي يجر المجاعة للبلاد كي يبيعه بثمن باهظ عند اشتداد الجوع , وقطعت النيابة كلام المتهم , وأطلقت الحكم عليه قائلة :
باسم الجماعة والنظام
فليلق هذا المجرم الوغد اللئيم
حكما ً شديدا ً قاسيا ً
ليكون عبرة غيره
لمن اعتبر
للاثمين من البشر
ثم يلمع صوت النيابة قائلا ً ( محكمة ) كي يردع المتهم ويجر إلى السجن مغول اليدين وتضيع من ورائه أسرة ويشرد أطفاله عبر الأزقة والدروب .
وهكذا يضاف إلى هذا المجرم كل يوم متهمون آخرون يموتون وهم أحياء .
وقد وفق الشاعر في اختيار عنوان القصة كما وفق في تصوير شخصياتها ورسم أحداثها والمواقف فيها بمنتهى الدقة , وقد ابتدأ من منتصفها , ليزيد تشويقنا إلى معرفة أول القصة وافتتحها قائلا ً :
الحارس المنفوخ يصرخ محكمة
في الحاضرين
ولصوته الخشن الأجش
يقف الجميع كما يشاء الحارس الاجف الغليظ
وتردد الجدران صرخة محكمة
والقاضي في هذه القصة يمثل إحدى شخصياتها الرئيسية , فكيف يرسم الشاعر صورته أمام الجماهير ؟ يقول :
بجبينه غاض ابتسام الياسمين
وغضون جبهته كوديان تخيف المتهم
ويفرك الورق الكثير
على عجل
ضمن الملف المرعب الخطر الكبير
ذاك الملف الأحمر اللون الممدد مثل صل
وينفذ الشاعر ببصيرته إلى ما تحتويه أوراق هذا الملف فيمتد خياله بعيدا ً ويتراءى له المتهم من خلال حبل المشنقة متدليا ً كما يتراءى له أن السين والجيم غمدتا على الورق ( فأسين ظلا ينبشان قبرا ً في مهمه ) وينتزع لنا كذلك صورة حية من هذه المحاكمة :
ويتمتم القاضي ينادي باسم متهم نحيل
يهتز كالعرجون في رأس النخيل
ويحملق الجمهور بالمقهور في القفص الجديد
وكأنه وحش الفلاة
ويقوم من اسماه متهما ً قرار الاتهام
متثاقلا ً بادي السقام
وبلا كلام
من بعد ركل الحارس القاسي الشرس
ويظل مرتعشا ً ذليلا ً
من خلف قضبان الحديد
تتلى عليه التهمة النكراء تهمة سارق
وتكاد القصيدة لا تخلو في أي موضع من التصوير حتى لنخالها كلها لوحة تصويرية قصصية .
وتبدو عناية الشاعر واضحة كذلك في إبراز الغرض الرئيسي والدفاع عنه على لسان المتهم نفسه وهو يقصد بيان سبب الإجرام , فلولا البطالة لما غدا هذا المجرم مجرما ً ولولا الفقر والحاجة والأسرة التي خلف أفرادها جياعا ً لما أقدم على السرقة وقد أحسن كذلك في ختامها إذ يقول متكئا ً على الهدف نفسه :
لا يوقف الطاحون سجن الأبرياء
ولا أنين للمريض
لم تثنه صرخات طفل جائع
سجنوا أباه
لم تثنه دمع الأمومة
ويظل طاحون الحياة بنا يدور
أبدا ً يدور ....
وقد بدت المواقف فيها معبرة عن الغرض اصدق تعبير , وتجلى هذا بوضوح في دفاع المتهم عن نفسه , فبدت شخصيته منطقية في تصرفاتها وأفعالها منسجمة مع الغاية منها , دون أن نحس في أي موقف نبوا ً أو افتعالا ً بل قامت به بمحض إرادتها , دون أن يضطر الشاعر إلى دفعها حتى تسير وفق هواه ولهذا اختفت شخصيته وراءها توجهها وتحركها من بعيد دون أن تطفو على السطح .
وهذا الشاعر كسابقه ( احمد عبد المعطي حجازي ) نظم قصته شعرا ً حديثا ً فبرهن على أن هذا الشعر قادر – إذا توفرت له البراعة الفنية – على التعبير في وحدة موضوعية متماسكة , تعبيرا ً قصصيا ً موفقا ً .
ومن موضوعات القصة الشعرية الاجتماعية ما استوحاه الشعراء في الحرب العالمية الأولى , والمجاعة التي حصلت أثناءها ولا سيما في بلاد الشام ومنها ( الريال المزيف ) لطانيوس عبده وبالمضمون والعنوان ذاتيهما – مع بعض التعبير – قصيدة لبشارة الخوري ( الأخطل الصغير ) وأخرى مشابهة أيضا بعنوان ( من ماسي الحرب ) ويشير الأخطل الصغير بعد العنوان إلى أنهما حادثتان وقعتا أثناء الحرب العالمية الأولى اثر المجاعة التي فتكت بنصف سكان لبنان . وتلخص القصتان بان فتاة حسناء اضطرها الجوع أثناء الحرب إلى الانحراف الخلقي والتردي في مهاوي الرذيلة , وذات مرة أعطاها فتى ريالا ً فلما ذهبت به إلى البقال لتشتري به طعاما ً لها ولطفلتها الصغيرة فوجئت وهي تدفع الثمن حين اخبرها البائع بان الريال مزيف واسترد منها ما اشترته من طعام .
ولسنا ندري أكان محض مصادفة اختيار عنوان واحد لهذه القصيدة ة التي سبقتها , أم أن الشاعر اللاحق تأثر بالسابق تأثرا ً جاوز الإطار العام إلى تفصيلات بعينها . كالجزء الخاص بالريال المزيف ورد الطباخ أو البقال له , لكن المدقق في القصيدتين يلاحظ أن قصيدة ( الأخطل الصغير ) أغزر معنى وامتن أسلوبا ً وسبكا ً من قصيدة طانيوس عبده وفيها تحليل عميق للصراع الذي قام في نفس تلك المرأة بين أن تضحي بشرفها أو تضحي بابنتها وحياتها , من ذلك قوله على لسانها :
يا رب قالت وهي جاثية له إن شئت حل من الحياة وثاقي
قد عشت عمري ما عرفت بريبة وعبدت بعدك عفتي وخلاقي
والآن والأيام ملأى بالأذى قد أصبحت وقرا ً على الأعناق
زوجي يحارب في التخوم وطفلتي فوق الفراش تزيد في إرهاقي
من أمها تبغى الغذاء لجيمها من أمها تبغي الدواء الواقي
وطرقت أبواب الكرام فأوصدوا أبوابهم فرجعت بالإخفاق .
وينتهي الصراع باختيارها التضحية الأولى إذ تقول عن ابنتها :
لا , لا تموت فإنها لبريئة حسناء ما شبت عن الأطواق
وعلى الرغم من أن القصيدة بدت اقرب إلى النظم , لكن الشاعر أحسن في رسم شخصية الفتى المعتدي تصيرا ً يستثير سخطنا واحتقارنا له كما يستدر شفقتنا وعطفنا على تلك المرأة الضحية .
ونود أن نشير إلى أن القصص الاجتماعية الأخرى وان الهدف منها الإصلاح الاجتماعي الموجه , لذلك غلب عليها الوعظ , فكان مما يؤخذ على الشعراء في مثل هذه القصص قطعهم الأحداث أحيانا لإقحام عظة أو دس نصيحة , وكثيرا ً ما كانوا يستطردون إلى المناجاة ( المونولوج الداخلي ) مما أساء إلى فن القصة أحيانا ً وأدى إلى تجزئته أوصالها , أو عرقلة حركتها واندفاعها نحو النهاية .
وفوق هذا كله يستشف من وراء القصص الاجتماعية نزعة إنسانية واضحة ولا سيما في ماسي الحرب والمجاعة .
القصص الوطنية : حظي هذا اللون من القصص بالدرجة الثالثة من اهتمام الشعراء سواء أكان هذا من حيث الكثرة والتنوع أم من حيث المضمون .
وقد واكبت هذه القصص الوعي الوطني والقومي , ورافقتهما في جميع مراحلهما فانعكست صورهما فيها , ولكنها كانت ضبابية وانية , تعتمد على التلميح حينا ً وقوية واضحة تتخذ طابع التصريح حينا ً آخر .
وقد أشار الشعراء بشجاعة المرأة وبطولتها في مواجهة الاستعمار وضربوا أمثلة من نساء الأمم الأخرى , كما صور بعضهم ظلم الطبقة الحاكمة , منددين باستبدادها , ودعوا إلى الثورة على المظالم والتحرر من الإقطاع والتحكم , كما ضمنت بعض القصص لقطات من المأساة الوطنية القومية لفلسطين .
فهذا هو حافظ إبراهيم يرسم لنا صورة قصصية عن ( غادة اليابان ) وهذا ( فؤاد الخطيب ) يعطينا صورة لعجوز يابانية متأثرا ً بحافظ في وزن القصيدة وقافيتها وبعض عباراتها وان اختلف مضمونها , شبه بهذا بعض قصص ( خليل مطران ) مثل فتاة الجبل الأسود , وغيرها , وهذه الصور القصصية تعكس لنا الوطنية تلميحا ً لا تصريحا ً وربما كان الضغط الاستعماري هو السبب في اللجوء إلى هذه الطريقة من التعبير , أما القصص التي يندد الشعراء فيها بظلم الحكام وغدرهم , فمنها ( الشاعر والأمة ) لإيليا أبو ماضي , و ( فنجان قهوة والعقاب ومقتل بزر جمهر ونيرون ) لخيل مطران وغيرها الكثير .
وهناك قصص تدور حول الاستعمار وتندر به وتحذر منه كقصة ( العذراء ) التي يحكي فيها خير الدين زركلي بأسلوب رمزي كيف تم احتلال الفرنسيين لسورية فأسرة ( العذراء ليى ) تتألف من أب عجوز وأخ شاب ( الهيثم ) وأخوات ثلاث صغيرات وكانت هذه الأسرة تقيم في كوخ على ساحل البحر , وفي ليلة من الليالي تسمع ليلى طرقا ً على الباب فتهب من نومها لترى من الطارق , فتعجب إذ ترى ضيفا ً في تلك الساعة المتأخرة من الليل ويصحو والدها ويسال الضيف عن حاجته فيتلعثم أول الأمر , ثم يحاول أن يتودد إلى الشيخ بعبارات تملق طويلة , فيسأم منه الأب ويلم في استفساره عن حقيقة حاجته , فإذا هو يطلب أن يقبله زائرا ً جار صباح ومساء – وحينما يعتذر الشيخ لضيفه يدعي هذا انه جاء ليقدم العون لتلك الأسرة فيرفض الأب وابنته معونته , وعندئذ يدرك الضيف أن حيلته لم تنطل عليهما , فيلجأ إلى اتهام ليلى بأنها أحبته , وان أباها يرتضيه صهرا ً له :
قال مهلا ً يا مهاة الحي أني بك أدرى
أنت قد أحببتني والأب راض بي صهرا ً
بهتت من قوله فأضربت يا للسماء
أي فاري فرية يلصقها بي بازائي .
ثم يفيق الهيثم على اثر الضوضاء ويرى أباه وأخته على تلك الحال من الغضب فيلتفت إلى الوافد الثقيل ويعنفه , وعند ذلك يضطر هذا إلى الكشف عن رغبته الحقيقية ويقول :
أنا لي أمنية ليس لكم منها مناص
لي عذراؤكم ما إن لها مني محاص
جرحتني بهواها والجراحات قصاص
بيننا السلم إذا شئت وإلا فالرصاص
فينفجر الفتى صارخا ً في وجهه , رافضا ً العار ثم تدور معركة صاخبة بينهم وبين الباغي الأثيم بمفاجأة حينما :
حسر العاني نقابا ً فإذا عبد تردى
برداء المجد ساء العبد للإشراف ندا
صرخت ليلى أخي هيثم زين النبلاء
اطعن العبد ورد الأرض منه بالدماء
لكن الهيثم ما يلب ثان يسقط صريعا ً فينحني الأب وابنته على الجريح الصريع , والدمع ينسكب من أعينهما , ويفتح القتيل جفنيه ويناجي أفراد الأسرة ملقيا ً وصيته قبل موته :
أبت لا تنسى واحم فتاة الطهر انتا
فإذا أدركك الموت كما مت عذرتا
كفكفي دمعك يا ليلاي كوني لي أختا ً
تاجها ً العفة لا ترضى بغير الطهر بتا
يا طفيلات أبي أصلحكن الله نبتا
كن عونا لأبيكن وخلين بكائي
وتناقلن حديثي انه رمز الإباء
ثم يلفظ أنفاسه الأخيرة فيدنوا القاتل من الأب والأخت مصرحا ً انه لن يغادر ذلك البيت بعد اليوم , وخير لهما أن يقبلا به ضيفا ً , ولكنهما يأبيان ويعربان عن استعدادهما للموت فيضحك القاتل من قولهما , ثم ينسل ليدعو عصابة كامنة تنهال على البيت وتأسر من فيه وتكم الأفواه وتوقر الأسماع , وتحار الألباب وتفقر الربوع ....
الرمز واضح في هذه القصة , فالعذراء ليلى هي سورية والفتى الهيثم هو الشهيد يوسف العظمة الذي استشهد في معركة ميسلون حين دخل الفرنسيون سورية والضيف الطارق الثقيل هو المستعمر الفرنسيين الدخيل . أما أحداث القصة فقد بدت منسجمة متماسكة مهد لها الزركلي بتصوير تلك الأسرة الراضية ثم بدأها بوفود ذلك الطارق ليلا ً وتتطور الأحداث فتفاجأ بتلك التهمة التي يلصقها الزائر بالعذراء وهنا يتأزم الموقف , وخاصة حين يفصح الدخيل عن رغبته في الحصول على العذراء بأي ثمن , يبلغ التأزم ذروته حين تشتد المعركة بينه وبين أفراد الأسرة , لكن العقدة تبدأ بالحل حين يصرع الهيثم , ويأتي أعوان الضيف ليحتلوا البيت , وبفضل هذه الأحداث المتطورة تجمعت خيوط القصة لتنتهي إلى مركز واحد ونقطة واحدة توضح من هو هذا الضيف , ومن هي هذه العذراء , ومن هو الهيثم الشهيد , ولماذا اختار الطارق الليل دون النهار إلى غير ذلك من خيوط القصة . وبفضل الرمز توفرت للقصة متانة النسج , وإحكام السبك , ومما ساعد الشاعر في هذا نظمه لها بقالب الموشح الذي مكنه من تغيير القافية وانتقاء كلمات أكثر تنويعا ً , وبالتالي بدت لغته أكثر مرونة واتساعا ً . فإذا رجعنا بذهننا إلى ما قلناه حين تحدثنا عن حياة هذا الشاعر وكيف حكم الفرنسيون عليه – غيابيا ً – بالإعدام مرتين , بسبب مواقفه الوطنية من الاستعمار , ثبت لنا أن هذه القصة نابعة من عاطفة صادقة ساعدت – بلا ريب – على نجاحها
ومن القصص الوطنية ( شنق زهران ) لصلاح عبد الصبور ) ونعود هنا مرة ثانية إلى الشعر الحر لنرى كيف نجح الشعراء في استخدامه للقصة , وتدور هذه المرة حول جانب من حادثة دنشواي المعروفة التي اشرنا إليها في شعر حافظ وشوقي , فقد كان من بين من شنق من أهل القرية رجل يدعى ( محمود درويش زهران ) الذي جعله عبد الصبور بطل قصته , وقد بدأها من تدلي رأس زهران على حبل المشنقة , ورسم لنا صورة عنه فقال :
كان زهران غلاما ً
أمه سمراء والأب مولد
وبعينيه وسامة
وعلى الصدغ حمامة
وعلى الزند أبو زيد سلامة
ممسكا ً سيفا ً وتحت الوشم نبش كالكتابة
اسم قرية
دنشواي
ثم شب زهران قويا ً ضحوكا ً ولوعا ً بالشعر والغناء ثم نمت في قلبه زهرة حب , أنها الفتاة ( جميلة ) التي زفت إليه فيما بعد :
كان يا ما كان أن زفت لزهران جميلة
كان يا ما كان أن أنجب زهران غلاما ً وغلاما
كان يا ما كان أن مرت لياليه الطويلة ونمت في قلب زهران شجيرة
ساقها سوداء من طين الحياة
فرعها احمر كالنار التي تحرق حقلا ً
عندما مر بظهر السوق يوما ً
ذات يوم
فماذا رأى وما هذه الشجيرة التي نمت في قلبه ؟ أنها شجيرة الحقد , ولم ؟
مر زهران بظهر السوق يوما ً
ورأى النار التي تحرق حقلا ً
ورأى النار التي تصرع طفلا ً
كان زهران صديقا ً للحياة
ورأى النيران تجتاح الحياة
مد زهران إلى الأنجم كفا ً
ودعا يسأل لطفا ً
ربما سورة حقد في الدماء
ربما استعدى على النار السماء
ثم وضع النطع , وتم الإعدام , وتدلى رأس زهران ...
من هنا نرى أن الشاعر لم يقص علينا مأساة دنشواي كما حدث , بل أوجزها وركز على جانب واحد منها , وبدأها من النهاية , ثم عاد إلى ( زهران ) إلى طفولته وشبابه , إلى خلقه وخلقه , إلى زواجه وإنجابه , حتى وصل بنا إلى دفاعه عن قريته وتدلي رأسه . فكانت نهاية حياته , وقد رسم الشاعر صورا ً كثيرة ألف منها اللوحة الكبيرة , فالحمامة وشم على صدغ زهران , وعلى زنده أبو زيد علامة لأهل القرية , ثم نمت زهيرة حب في قلبه , ولكنه لما رأى الحقول تأكلها النيران حلت محلها شجيرة الحقد التي وصفها بان ساقها ( سوداء من طين الحياة ) وفرعها ( احمر كالنار التي تحرق حقلا ً ) الخ ... وهذا كله أضفى على الصورة جوا ً خاصا ً , وافرغ عليها مشاعر أضاءت جوانب الحدث حين أطلق في نهايتها تلك العبارات الجميلة :
قريتي من يومها لم تاتدم إلا الدموع
قريتي من يومها تخشى الحياة
كان زهران صديقا ً للحياة
مات زهران وعيناه حياة
فلماذا قريتي تخشى الحياة ؟
وكلمة ( الحياة ) – كما هو واضح – كررها الشاعر في مواضع عديدة ليؤكد هذا المعنى الإنساني ( الحياة وحب الحياة وخشية الحياة ) ومما زاد في تأثير القصية هذه الموازنة بين أمس الفتى زهران المملوء بالحب والأمل وبين يومه الذي شنق فيه .
ولا يفوتنا أن نشير إلى لغة القصة السهلة المنسابة مع معانيها انسيابا ً طبيعيا ً , ولا سيما في أولها حين يقول : ( كان يا ما كان ...) ولكن لا يفوتنا كذلك أن نشير إلى انه ليس القالب الشعري هو الذي يطبع الشعر بطابع الإبداع أو التقليد وليس الشعر القديم أو الجديد هو الذي يتحكم في الجودة ولكنها الشاعرية الفذة والأصالة الفنية .
بعد هذا نلاحظ أن القصص الوطنية وغيرها مما يشابهها من القومية ليست من الكثرة والتنوع بحيث تؤلف اتجاها ً شعريا ً واضحا ً له خصائصه ومزاياه – على الرغم من اختلاف أساليبها ومضامينها – ولكن من الملاحظ أيضا ً أنها تطورت – كما يبدو من تاريخ نظمها – فكانت تعتمد على التلميع لا التصريح أولا وعلى ضرب الأمثلة الوطنية من الأم الأخرى , أو قد يلجأ الشاعر فيها إلى الرمز أحيانا – كما في قصة ( العذراء ) للزركلي وربما كان ذلك راجعا ً إلى الضغط العثماني والاستعماري في تلك الفترة , لكن القصة الشعرية الوطنية أضحت فيما بعد صريحة يعتمد فيها على التصريح الجريء المباشر .
وواضح أن القصص التي نظمت على طريق الشعر الجديد , بدت العناية فيها بالصور الموحية , واللمحات النفسية المركزة التي ترسم الموقف بدقائقه , كما تعني بتصوير التفاصيل والجزئيات , فتساعد على جلاء الحدث , وما إلى ذلك إلا لان طريقة النظم الحديثة تمد الشاعر بقدرة اكبر , ومرونة اكبر في التصرف بالكلمات والعبارات , فتسمح له بحرية التعبير على نطاق أوسع مما هو في الشعر الموزون المقفى ومع هذا يخيل إلينا أن الشعر القديم بدا في القصة أكثر تماسكا ً في عباراته وأسلوبه بينما شاب جمل الشعر الجديد بعض العبارات المفككة المتقطعة .
وفي هذا الركام من القصص الشعرية – على اختلاف أنواعها ومضامينها – لا نلمح من حيث البناء القصصي – أن وراءها خطة فنية إلا في القليل النادر , بل نلاحظ اتباع أكثر الشعراء لطريقة السرد لذلك بدا نسيج بعض القصص واهبا ً والبناء الفني ضعيفا ً , ومع ذلك لا نعدم وجود قصص فنية , بحس القارئ معها أن الكل خطوة فيها , تصميما ً معينا ً , وكان لموضوع القصة اثر في إجادة الأسلوب , فكان يسف ويضعف تارة ويسمو ويقوى تارة أخرى , تبعا ً لمدة انفعال الشاعر بالمضمون , وعمق تجربته وشعوره . ويبقى هنا تساؤل أخير : ترى إلى أي مدى استطاع السرد القصصي إذا أن يؤثر في الأسلوب الشعري وبطوعيته ليكون أكثر قدرة على القص والحكاية ؟ وهل تمكنت القصة الشعرية من أن تؤدي رسالتها الفنية المستهدفة على خير وجه .
إن كثيرا ً من الذين نظموا القصة الشعرية , وفي مقدمتهم ( خليل مطران ) نوه بأنه توخى من نظمها أن يبرهن للطاعنين على اللغة العربية , القائلين بجمود آدابها , على أن لغتنا كائن حي قابل للنمو والتطور , لكن العيب – في الحقيقة – يرجع إلى جمود القرائح وتطوحها في مجاهل القديم , فلغتنا العربية تتسع – كما يقول ادوارد مرقص – " لهذا النوع من الشعر القصي بما فيه من بلاغة تعبير ورشاقة سياق , وجمال ترتيب وتبويب , وروعة مباغتات ودقة وصف وتفصيل ... وهذه الخصائص لا يزال الكثيرون يزهمون جهلا ً منهم أو توهما ً أو نعتا ً أن بياننا العربي يعجز عنها وان طبيعة الشعراء لا تحتملها " وهذا – دون ريب – هدف قومي , ومطلب أدبي ولغوي في آن واحد إلى جانب الأهداف الأخرى التي توخاها الشعراء في كل قسم من أقسام القصص المختلفة . ولا أظنني بحاجة إلى القول : إن ظهور القصص الشعرية في أدبنا المعاصر على الصورة التي نوهنا من الكثرة والتنوع يعدد حدثا ً مهما ً في الدراسات الأدبية , إذ خطا الشعر العربي خطوات واسعة أكسبته مرونة في القص , وقدرة على السرد وزادته اتساعا ً وخصبا ً وإمتاعا ً .
وبعد فنستطيع أن نقرر في ختام هذا البحث , أن القصة الشعرية هي صنف القصة النثرية , كانتا كغصنين سمقا من منبت واحد , بل كزهرتين تفتحا في غصن واحد , وكان من الطبيعي أن تتالق القصة النثرية على النحو الذي نعرفه من الحيوية والنضارة , بينما حالت دون ازدهار القصة الشعرية ونموها عقبات جمة , وعوائق كثيرة من القيود التي تحتمها طبيعة الشعر , ومع ذلك فقد كانت كالنبتة التي تنبثق من التراب , متحدية الصخور والاوشاب , حتى إذا وجدت اليد الصناع , اهتزت وربت واتت أكلها , إذ امتزج فيها الشعر الذي هو فن العرب الأول والأصيل , بالقصة التي هي – بأسسها الفنية المعروفة – فن حديث , كما يمتزج العطر واللون في الأزهار والورود .

حالة الشعر في سوريا ولبنان المعاصر 1970 – 2015
كان لنكسة حزيران 1967وما تبعها من خسارة للأرض العربية اثر فعال على النفس العربية تبعها ظهور طبقة الفقراء وصغار الكسبة والعمال والفلاحين والموظفين في صراع مع الطبقة البرجوازية والرأسمالية التجارية وما تبعها من إصلاح زراعي وتأميم وتشريعات اشتراكية أسهمت في رأسمالية الدولة إضافة إلى الصراع الفكري بين الفكر الإسلامي والتوجه الماركسي من جهة والقومي من جهة والقومي من جهة ثانية البعثي – الناصري مع انفتاح على أوروبا الغربية والشرقية وظهور المذهب الماركي في الأدب والمذهب الوجودي وتوجه نحو الواقعية كل ذلك دفع الظاهرة الأدبية إلى التوجه إلى نظرية الأدب الواقعي ثم الواقعي الجديد الاشتراكي وظهور الأجناس الأدبية والتركيز على ظاهرة الأجيال وقد تأثر الشعر بذلك فاتجه نحو الواقع والمجتمع والالتزام وقد كانت حركة الشعر اللبنانية أكثر انفتاحا على الثقافة الغربية حيث تقدم اللبنانيون في التجديد والتأخير عند السوريين كما جعل الشعر يفيض في سوريا ويفيض في لبنان ثم أن حركة التجديد الشعري بدأت في لبنان ثم في سوريا وان كان شعراء العراق ومصر قد سبقا بذلك وبرزت في سوريا ولبنان تطورات وبرزت في سوريا ولبنان تطورات شعرية من أهمها
1- ظاهرة الجديد التي شغلت شعراء ونقاد عصر النهضة بدءا من الزر كلي إلى أبي ريشة من خلال هضم التراث ثم تجاوزه والتأثير بالثقافة الوافدة والاستجابة لحاجة الواقع
2- تغير النظرة للشعر وللشاعر حيث تعانق الشعر مع النثر وتغير وظيفة الشاعر من نديم إلى خطيب إلى صانع ماهر إلى صاحب حرفة إلى مثقف العصر ومفكره وناقده
3-تحول المفهومي النصي فقد يقرا الديوان الشعري الحديث على انه قصيدة واحدة حيث القصيدة مجموعة عناصر متعانقة متناغمة متضادة بتكامل بعضها مع الآخر وبرز صوت الأنا والذات والأخر واللهو والهي والنحن من اجل تقديم سيمفونية متعددة النغمات ضمن درامية تعتمد على التوتر والصراع والتأزم والقص والحوار حيث صار مفهوم القصيدة كوحدة عضوية تحمل مفهوم تلاحم الشكل والمضمون ثم وحدة النسخ حيث تحول الوزن والقافية إلى تنويع الموسيقا والقافية ثم ظهور مفهوم الإيقاع الداخلي والخارجي والانتقال من التعبير عن المعنى إلى الرؤية من خلال القصيدة أوبها واستخدام الرمز والأسطورة كنمطين من أنماط عدة مستمدة من علم النفس الفردي وعلم الحجاز والفلسفة والفنون بلغة تجعل النص شعريا بالمعنى الصحيح ومن أهم شعراء هذه الفترة نزار قباني – ادونيس خليل حاوي – يوسف الخال – علي الجنيدي – نذير العظمة – شوقي بغدادي – محمد عمران – فؤاد رفقه – فؤاد سليمان
وأصبح لنزار قباني وخليل حاوي وادونيس مدارس شعرية تخص كلا منهم تجعل مجموعة من الشعراء تدور في فلكهم فنزار قباني شاعر مجدد جعل قضيته الكبيرة المرأة ودعا لتحررها جسديا وليته دعا لتحررها قيما وثقافة وروحا وقد كانت لغته هي لغة الحديث اليومي السهل الممتنع تميزت مدرسته التجسيد والوضوح والإبلاغ وأناقة التعبير والاحتفاء بالتفاصيل وخليل حاوي الذي سعى للموت وطلبه عن طيب خاطر لمت أمته وسقوطها الحضاري مما دفعه للانتحار بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982وقد شكل شعره مدرسة تميزت برؤية فساد الزمان والمكان والعقل الإنساني فيها الذي قضى الحاوي حياته يبحث عنه فالمدينة عنده غابة وحوش ووكر تجار ومصيدة طواغيت ومرتع ثعالب تسرق الأموال من الفقراء والمرأة عنده شريرة آثمة وأفعى همها التخريب والنواح وإشاعة القمط مع موافقة بين الرؤية والتعبير والدلالة والدال حيث تحمل الشخصيات حتى الأساطير تحمل موقفه من الحياة (سدوم نهر الحياة )
عمق الحفرة يا حفار
عمقها لقاع القرار
لف جسمي لفه حنطه واطمره
بكلس مالح صخر من الكبريت
واد ونيس شاعر أشكالي يصفه البعض بالعبقري وأبعض الآخر بالسرقة والعمالة يغمز بالتراث الفكري والأدبي يعني بالحداثة المبرة عن جدل المتناقضات حيث لا تكون الولادة برأيه إلا بهدم القديم وهذا سلاح قاتل لأحد أعمدة الأمة والصيرورة من خلال السيرورة حاول تغير لغة الخطاب باستعمال الثنويات اللغوية بفتح قراءات متعددة نص ولكنه وهمية المرايا تصالح بين الظهيرة والليل خلف المرايا
جسد يفتح الطريق
لأقاليمه الجديدة
وقد كتب الشاعر القصيدة العمودية – والرومانسية وقصيدة الشعر الحر والقصيدة النثرية فنص الكتابة الأدبية ولقد طور شعراء هذه المرحلة الشعر فتحرر من كل ارتباط بالجذور الشعرية السابقة لهم وانتقلوا من الموضوع الشعري إلى الموقف الشعري ثم إلى المجال المحلي فالمجال الإنساني كذلك طوروا أوزان الشعر وقوافيه ثم تحرروا منها وثاروا على الصياغة وطرائق تشكيلها وبنيتها الفنية وطوروا أشكالا جديدة في التعبير القصيدة السردية – قصيدة المطولات والملاحم – قصيدة الحكاية القصيرة – القصيدة الحوارية – قصيدة الومضة والخطفة وشكل شعراء المنثور القصيدة النثرية ونصوص الكتابة الأدبية واستعاروا من الفنون الأخرى أدواتها لفك قصيدة الشعر الحر من إسارها وإذا كانت نكسة حزيران قد أذهلت العرب فقد تبعتها حرب تشرين التي أيقظت الضمير العربي وأنعشته ثم الحرب الأهلية في لبنان 1975 – إلى محادثات كامب ديفيد 1978 إلى حصار بيروت 1982 إلى حرب الخليج وسقوط بغداد فحرب تموز في لبنان حيث تعددت الأصوات الشعرية وتجاوز التجارب الشعرية بحيث تتعايشا الأشكال الشعرية حيث ينتسب كل منها إلى نمط من الرؤية ومن البنية ومحاولات التجريب وهذه سمة الشعر الحداثي حيث برزت تسميات متعددة الأشكال جديدة من النصوص ابتداء من قصيدة النثر فقصيدة الكتابة الأدبية فقصيدة الشعر المنثور فقد مثل قصيدة النثر انسي الحاج – محمد الماغوط – بول شاؤول – شوقي أبو شقرا – نزيه أبو عفش – رياض الصالح – ادونيس – يوسف الخال وكان قد مهد لقصيدة النثر جبران خليل جبران – ميسر – الناصر – والاسدي واحتضنها مجلة شعر وبقيت القصيدة تحاول رفض كل ما هو تقليدي حيث انطلقت القصيدة القصيرة المكثفة والطويلة ذات المعمار الدرامي المستند إلى ثنائيات متداخلة وقد طرحت نصوص الحداثة الشعرية قاضية لا حصر لها تشمل مناحي الحياة كلها رافق طرح هذه القضايا تساؤلات حول مفهوم الشعر وتطور هذا المفهوم من زمن إلى آخر ومفهوم الإيقاع حيث تطور من الوزن إلى إيقاع الصمت لان النص الشعري اخذ يشاهد ويرى ويتأمل يسجل الحالة ولا يعبر عنها من خلال إيقاع الصورة وتساؤلات أخرى حول لغة الشعر من لغة تعبير إلى لغة خلق وتشكيل جديد واعتبرت قصيدة الشعر الوريث الشرعي لأرث الشعر .
يقول الماغوط في نص الغرباء .
قيودنا مقسمة على الرابية
والليل يتساقط في الوادي
يسير بين الثلوج والخنادق
وأبي يعود قتيلا على جواده الذهبي
وإذا كانت منزله الشعر في تراجع أمام هيمنة الشاشات المرئية فان دعاءة النص التجريبي جعل الناس يعرضون عن الشعر وقد يهاجر الشعر باتجاه الرواية الشعرية أو الملحمة الحديثة أو أشكال جديدة تفرضها طبيعة العصر والثقافة والذوق والمزاج .
حالة الشعر في الجزيرة السعودية في العهد المعاصر 1970 – 2015
شهد الشعر السعودي مع كوكبة من الشعراء السعوديين من أمثال حسن عبد الله القرشي – محمد الفهد العيسى – منصور الحازمي – ناصر بو حميد – سعد البواردي – محمد العامر الرميح غازي القصيبي نقلة جديدة في دفع القصيدة السعودية نحو فضاءات واسعة لم توظف الشكل القديم وقد تميز القرشي بتجربة شعر التفعيلة ذات الوقع الخاص به كما واسهم محمد فهد العيسى في تخليص القصيدة السعودية من شعر المناسبات في قصيدة ليديا 1963 وان لم يتخلص من العمود الشعري وناصر سعد البواردي حركات التحرر وقضايا الحرية ثم جاء غازي العصيبي كأبرز شعراء مرحلة التحول مما يملكه من رؤية واعية للواقع العربي وما يكتنفه من هموم وآمال والتحام بين الذات والمجموع
أتيتك صحبتي الأوهام والأسقام
والآلام والخور
ورائي من سنين العمر ما شاء به العمر
قرون كل ثانية بها التاريخ يختصر
ثم ظهر كوكبة من الشعراء بعد السبعينيات شكل رؤية شعرية جديدة بفعل نكسة حزيران 1967 وأحداث أيلول الأسود 1970 وكامب ديفيد 1979 وغزو لبنان 1982 وبفعل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية وظهور مدارس أدبية جديدة السريالية – الوجودية .هذه الرؤية الشعرية الجديدة تمثلت في الشكل والمضمون والرؤيا والدلالة والأدوات الشعرية .أساطير – رموز محلية – موروث شعبي وقد كانت قصيدة النثر سابقة لقصيدة التغلبية في العودية كما ورد في كتاب وحي الصحراء 1937لحسين خزندار تحت مصطلح الشعر المنثور حيث كانت تجارب فوزية أبو خالد ومحمد عبيد الحربي ومحمد الدميني كأبرز التجارب لهذا الجنس الأدبي وكذلك تجارب احمد الملا ومنصور الجهني وهو شاعر اعرفه من خلال إقامتي في السعودية في مدينة تبوك كموظف بريد استمعت له طويلا لمدة ثلاث سنوات وعرفت مدى عمق موهبته الشعرية في سهرات شعرية في مجلة في بيته وكذلك هدى الدغفن وقد واجهت قصيدة النثر عدة تهم الغموض – الاغرات في الإبهام – غياب المضمون مع أن هذه القصيدة النثرية اعتمدت على غياب المضمون مع أن هذه القصيدة النثرية اعتمدت على الرمز – الإيحاء – الإيقاع الكيفي – الموسيقى المنشقة من اللغة – التكيف للفكرة وقد شهد الشعر السعودي اندفاعا نحو شعر الحداثة استجابة لتغيرات العصر فبرز شعراء من أمثال سعيد الحميدين – علي الدمني – محمد الثبيتي – احمد الصالح – محمد جبر الحزمي – عبد الله الصيخان –محمد العلي – عبد الله الزيد – حسن السبع –علي بافقيه – عبد الله الخشرمي – حزام العتيبي – عبد الكريم العودة – خديجة العمري – ثريا العريض محمد العسعوس – عبد المحسن سعد الهزامي – احمد كتوعة – علي العمري – احمد عائل فقيه وكان هناك في تبوك ممن عايشت معهم أماسي الشعر1996- 1999 ثلة من الشعراء على رأسهم نايف الجهيني وقد تحررت قصيدة التفعيلية من كل أساس التقليد حيث سايرت روح العصر وتنوع محتواها وحملت مضامين جديدة حيث اتخذ الخاص بالعام والذاتي بالجمعي في البحث عن الوطن الحلم وعبر الثبيتي عن الهم العربي والمأساة القومية كهاجس مستمر واهتم الصيخان وظن مفردات شعبية مهمشة ذات بعد دلالي جميل وهذا سعد الحميدين تكتب اللغة لكي يهزها من جذورها وهذا علي الدميني يؤسس الحميدين القصيدة المدورة ويتخذ من الغربة النفسية والاغتراب هاجسا يؤرقه من خلال الحنين للصحراء وقد تمتزج المرأة بالوطن عند محمد الحربي ويتألق الشاعر نايف الجهني في قصيدته وطني المزين بالوروق ليبرز كأعمق شاعر في شمال المملكة تبوك وقد ظهر أسماء نسائية مهمة خديجة العمري – وثريا العريض – ولطيفة قاري – أشجان هندي منتهى القرشي – فاطمة الجبيلي – فاطمة القرني وكنت خلال إقامتي في تبوك مدرسا للغة العربية قد كتبت بحثا عن فاطمة القربى والقي البحث في أمسية نقدية في نادي تبوك الأدبي وقد ظهر شعر الالتزام الديني من خلال الأدب الإسلامي من خلال التصور الإسلامي للكون والحياة ممثلا بالشاعر عبد الرحمن العشماوي وإبراهيم أبو عبادة وكنت قد كتبت دراسة نقدية عن العشماوي تمثلت في قصيدته سرايفو تناديكم وما يزال سيل الشاعر السعودي مستمرا وان كان يحتاج إلى دراسة أعمق.
حالة الشعر الإماراتي في العهد المعاصر 1970 – 2015
تتوالى الأحداث في الوطن العربي من هزيمة حزيران 1967 إلى حرب أيلول 1970 إلى حرب تشرين 1973 إلى الحرب الأهلية في لبنان إلى مجزرة صبرا وشاتيلا فالاجتياح الإسرائيلي للبنان إلى ثورة الحجارة فتفاعل الشعر الإماراتي معها وتبنى الشعراء الأسلوب الحداثي للشعر على يد حبيب الصايغ ثم جاء بعده عارف الخاجة ثم كريم معتوق وطيبة خميس واحمد راشد ثاني وميسون صقر الهاشمي وقد ركز هذا الجيل على القضايا المعاصرة للشعراء فاغرقوا في الرمز والغموض وتجاهلوا الوزن والقافية معبرين عن تشتت الأمة وضياعها وقد كتب شعراء الإمارات في هذا العصر عن حب المرأة عذريا كما وتحدث بعضهم عن مفاتنها جسديا كما في غزليات صقر الهاشمي ومانع سعيد العتيبة وخلفان بن مصبح يقول الشاعر خلفان بن مصبح متحدثا عن محبوبته .
أنت السعادة أن ربحتك وإلهنا وإذا خسرتك فالحياة خسار
ويعد الشاعر سلطان العويس أكثر الشعراء الإماراتيين تمثيلا للشعر الغربي .
فديتك من أنثى فديتك من هوى فديتك من تفاحة لم تقشر
أنا قبس يا ليلى أنا العود عازفا أنا القدر المكتوب باللوح فأمري
وقد كتب شعراء الإمارات في الأغراض التقليدية والساسة وبث الشكوى والحزن والألم ونقد العادات الاجتماعية وتحدثوا عن قضية المرأة من الشواعر مها خالد – صالحة غابش – كلثم بن عبد الله .
حالة الشعر في الكويت في العهد العاصر 1970- 2015
تفتحت النهضة الأدبية في الكويت بسبب الحريات التي عاشها الشعب في هذه الفترة وخاصة الصافة الأدبية ونشر كتب الثقافة والتراث وقد تسارعت الأحداث من حرب أيلول 1970 وحرب تشرين التحريرية ثم حروب أخرى على رأسها الحرب الإيرانية العراقية والغزو العراقي للكويت 2-8-1990 والذي كان له اشد الوقع على شعر الكويت وقد تحدث الشعر الكويتي عن القضايا القومية والأحداث السياسية في ليبيا والجزائر والغرب ومصر واليمن والعراق والبحرين وقضية فلسطين .
إلا جئوة من الرمضاء إلى الغار عار عليكم جميعا أيما عار
تركتموهم وقد غررتم بهم مشردين بلا مال ولا دار
وكذلك غنى شعراء الكويت انتصار تشرين ومؤازرة العراق في محنته مع إيران وقد اتسعت اللغة الشعرية بالوضوح والمباشرة والتقريرية والخطابية وقد تحول إلى نثرية تقترب من لغة الصحافة مع تنوع القافية ولقبت دعوة التجديد صدى في نفوس الكويتيين وتحدثوا عن مضامين تتوزع بين الهم الخاص والهم العام أو الدوافع الذاتية والاجتماعية والقومية والحرب الإيرانية العراقية والغز العراقي للكويت وبدت موضوعات الشعر تبحث عن الحب والنور والجمال والحرية وقد تعددت طرق التعبير عند الشعراء في هذه المرحلة حسب ثقافة الشاعر وشخصيته وبدت اللغة الشعرية سليمة مناسبة جيدة التشكيل .
حالة الشعر العماني في العهد المعاصر 1970- 2015
عاشت عمان مثل اخواتها الخليجيات أعمال سياسية بفعل حركات وطنية دفعت الأدب نحو التجديد وكانت مجلة كلمات البحرينية متنفس شعراء الحداثة العمانية حيث كانت منبرا لشعراء مثل سيف الحبي – زاهر الغافري – هلال العامري – سماء عيسى – محمد الحارثي – محمد اليحيائي وغيرهم ممن ينشرون في هذه المجلة أو في الصحف العربية الأخرى وقد نشر شعراء عمان الحداثيين معظم شعرهم على شكل كتب ودواوين في القاهرة ودمشق وبغداد وبيروت وقد جسد الشعراء العمانيون معالم الاغتراب والسفر في شعرهم ورسموا بالق معالم الطفولة والحنين متأثرين بالماغوط وادونيس وانسي الحاج وغيرهم من الشعراء العالميين رامبر – لوركا وقد تعايش مع التيار الحداثي تيار يزاوج بين الحداثة والتقليد هلال العامري الذي قامت تجربته على ملامح رومانسية تدخل عوالم- الوطن- التاريخ - الطبيعة - المرأة .
حالة الشعر في قطر في العهد المعاصر 1970- 2015
نال معظم الشباب في قطر في الوقت المعاصر قسطا وافر من التعليم واطلعوا على مختلف الثقافات العربية والأجنبية وشكل بعضهم نقلة جديدة في مسيرة الشعر الحديث من أمثال مبارك آل ثاني لامتياز بغزارة الإنتاج وتنوعه لأنه أصبح نقلة جديدة في الشعر القطري حيث يجمع بين الاتجاه المحافظ والتقليدي من خلال شعر أصيل من جهة وجديد من جهة ثانية ثم ظهر شعراء جدد من أمثال علي ميزار – محمد خليفة العطية – الدكتورة زكية مال الله – الدكتور محمد قطبه الذين اثروا الحركة الشعرية في قطر مستخدمين وحدة التفعيلية حينا والنثر حينا آخر وقد توزعت الموضوعات الوطنية والقومية والذاتية معظم شعرهم .فميرزا يجمع بين العمود وشعره التفعيله شعره وجداني يعبر عن معاناة يكثر من الشكوى والأنين من مجتمعه وقضايا أمته لأنه لم يستطيع مصالحة الواقع .
وتفجري يا نفس أن دفاتري ثكلت من الإحساس بالكلمات
والعطية شاعر عمودي تفعيلي يجمع بين ذاتية رومانسية حزينة ووجدان جماعي وشعور قومي يئس من صلاح أمته.
ضاقت بنا الأرض حتى مجنا الأفق فأرضنا اليتيمة والإذلال والقلق
تسيطر على روح الشكوى ونغمة الحزن يعالج مشاكل أمته العربية والإسلامية وزكية مال الله عبرت عن الصوت الإنساني النسائي أثرت الشعر القطري بعدة دواوين شعرية وجدانية وغنائية يتسم شعرها بالبساطة والسهولة في اللغة والقرب بالمعاني أكثره مقطوعات وجدانية تعبر عن عواطفها مباشرة بأسلوب موسيقي ناعم وسهل
يا الهي
كل ما بالروح أشواق وهل ترقى إليك
كل ما بالنفس أسرار
ولن تخفى عليك
لست معطاء ولكن
ابتغي الرحمة منك ولديك
وهي تسعى لتطوير أدواتها الشعرية الرمز الأساطير اللغة الشعرية
حالة الشعر البحريني في العهد العاصر 1970- 2015
بعد تردي الحياة العامة في البحرين في مرحلة السبعينيات من القرن العشرين وتطبيق قانون الطوارئ وتحطم الحركة الوطنية حدث شيء من المراجعة لحركة الشعر وتياراته حيث برز تيار الواقعية الجديدة الذي مثل خلاصة حية لمخزون التجربة الشعرية بعد اطلاع الصحافة ورفع قانون الطوارئ حيث انبرى شعراء الطبقة الوسطى للتعبير عن هموم الواقع المحلي من خلال رومانسية حزينة وتفاؤلية مفرطة وبدا الواقعيون يسقطون الرموز على قضايا الواقع قضية البحار الغواص وتحدث قاسم حداد عن الهم الواقعي برمز متسم بالشفافية والبساطة والتفاؤل وظهرت تجارب جديدة حمدة خميس علي الشرقاوي وتعلق الشعراء المجددون بتجربة ادونيس من خلال الحداثة الشعرية وقانون التداعي الصوري الحر الذي غيب مكونات الشعر الغنية مثل البناء – الوحدة – المضمون – الإيقاع – المعادل الموضوعي مما جعل تجارب شعراء من مثل فوزية السندي – احمد العجمي – فاطمة التيتوني في حالة من الغموض المبهم والمعضلات اللغوية والصور السريالية والتعابير الرمزية المتراصة .
حالة الشعر اليمني في العهد المعاصر 1970- 2015 م
اتسعت رقعة الكتابة الشعرية في اليمن بعد كل المتغيرات التي طرأت على البنية الثقافية والاجتماعية والسياسية اليمنية في الوقت المعاصر واخذ الشعراء يهجرون القصيدة التقليدية وينحون قصائدهم باتجاه الحداثة الشعرية ومثلما تحفل حياة اليمنيين بسحق الطغاة التي يمكن أن نقرا أثارها في عيون المظلومين نجد أيضا هناك بحثا عن سحق القصيدة الخليجية من خلال مغامرة شعرية على مستوى الإيقاع واللغة من خلال إدراك جوهر التحول في الأداء التعبيري للقصيدة العاصرة ومن شعراء اليمن الذين أسهموا في ذلك عبده عثمان محمد ومحمد انعم غالب وإبراهيم صادق وعلي عبد العزيز نصر واستوعبوا ظاهرة الدورة التصويرية في القصيدة العربية بتجاوز الشائع والمألوف وقد انطوى جميعا للعمل السياسي باستثناء عبده عثمان والذي كتب القصيدة التفصيلية وفي نصه فتاة صبر
لو أن عاصفا بساعة المطر
أو فارسا بموكب عبر
لما التوى في الدرب جيد شاعر
ولا تلفت الحجر
وقد شاع في فترة التجديد صوت أزيز الرصاص ضد المستبد الحاكم من جهة وضد المستعمر من جهة أخرى.
إلى السلاح إلى السلاح
دوى النفير
وانتشرت على جوانب الشمس الجراح
جنكيز خان والمغول قادمون
وتماشيت الأشكال الشعرية دون صراع وقطعت مسيرة الشعر شوطا واسعا في مضمار التحديث بالخروج على نماذج نظام الخليل والكتابة على النموذج الاورث وكان الشعراء من أجيال مختلفة يزاوجون بين القصيدة التفعيلة وقصيدة النص الجد بالإضافة إلى الخواطر النثرية وكتب الشاعر عبد الرحمن فخري القصيدة التجدد التي تتلبس الغموض والسرية وتفصل بين القصيدة وموضوعها في تحقيق توازن رائع بين تجريد الصورة وواقع الرؤيا
ابتل بالصمت والمطر الشخصي
ونزيف الظل
واخرج التصق بأعمدة الصمغ في الرخام وتتعمق تجربة الشاعر عبد الودود سيف لترسم أفقا أوسع برفع شان المخيلة وأصبحت مهمة الشاعر تتعدى تغيير وعي القارئ إلى تجديد وعيه ومعرفته باللغة والشعر في مواجهة تاريخية الشعر وتأتي تجربة الشاعر محمد حسين هيثم لتؤكد على أهمية القصيدة الحديثة . حضرموت سلة الهيــــــة
سلة ينقشها بحارة ذو ومباءات زرقاء
بحارة يردمون الليــــــــــــل
على نساء العواصــــــــــــم
حالة الشعر المصري في العهد المعاصر 1970- 2015 م
شكلت حرب حزيران نكسة كبيرة في نفوس العرب بشكل عام وفي نفوس المصريين من جهة ودفعتهم للتحول للحياة الجديدة وجاءت حرب 1973 التي استعادة بها الأمة العربية بعض كرامتها وتغيرت النظرة للنظام الاشتراكي ونظام الحزب الواحد واثر ذلك في تشكيل مضامين جديدة للشعر وتغير مواقف الشعراء تجاه الحياة وطر تغير على مستوى الشكل في الشعر من حيث التنويع والتكوين في عناصر الأداء وأشكاله وتعددت طرق بناء القصيدة تؤكد على وحدة القصيدة الطويلة ذات النفس الملحمي فكتب الشاعر كامل أمين ملحمة عين جالوت شعرا في 950 صفحة من القطع الكبير تتشكل من وحدات معنوية مستقلة تبدو متباعدة ولكنها مترابطة ومتشابكة تميزت بالدرامية ومثلها قصيدة صلاح عبد الصبور رحلة في الليل وقصيدة احمد عبد المعطي حجازي في قصيدته مذبحة القلعة وظهر في هذه المرحلة ما يسمى بالوحدة البنائية الجزئية للسطر الشعري المحدود وبحدود المعنى مقابل البيت الشعري الخليلي كوحدة مستقلة بحيث يطول السطر الشعري ويقصر وفقا للمعنى ضمن تفعيلات عروضية ذات نهاية صوتية ومعنوية مريحة للتوقف ثم حل محل السطر الشعري الجملة الشعرية لإتاحة المزيد من المرونة والانسيابية في أداء الشاعر ومن ذلك قول الشاعر فاروق شوشة
ها أنت معي تقعين على بركان الرعية
لا تخشين سوى أن ينكسر الحاجز تتهاوى الأسوار
تصيري امرأة مسعورة
وقد تطور ذلك إلى ما يسمى بالتدوير الذي هو اتساع في نطاق الوحدة البنائية للقصيدة بالانتقال من السطر الشعري إلى الجملة الشعرية إلى الفقرة الشعرية واستفاضت تقنية ظهور أكثر من صوت شعري في القصيدة وقدم الشاعر أمل ونقل القصيدة ذات المسارين المتوازنين المعبرين عن رؤية صوتين مختلفين يتجاوبان كما يتجاوب الصوت والصدى ويقولان شيئين مختلفين وابتكر الشاعر محمد عنيفي مطر ظاهرة التهميش على النص وتبعه الشاعر رفعت سلام في اشراقاته حيث جعل التعليق على الهامش الجانبي من الصفحة المجاورة للمتن حيث صارت القصيدة نصين احدهما مثنى والآخر تعليق كأنهما صوتان مختلفان مع أنهما نص واحد حيث يكدس الشاعر في عباراته الصور الغريبة المتاخلة التي لا تخضع في الظاهر لعلاقات منطقية بل تقوم على المجازات المركبة في حالات من التهديم الطليق من خلال النزعة السريالية وتفشت هذه النظرة للقصيدة حتى نهاية القرن بحيث لم نميز بين الإبداع الحقيقي والعشوائية في استخدام اللغة وهذا النوع من الشعر رفض الوزن والبيت والسطر والجملة الشعرية وأفرغت مفردات اللغة من دلالاتها المعروفة ورفضت بلاغة التعبير واشتقت مفردات جديدة على غير قياس على أن ذلك من الشعر المنثور .
حالة الشعر السوداني في العهد المعاصر 1970 – 2015
ظلت القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي عانى منها أبناء السودان مستمرة حتى بعد الاستقلال للسودان 1953 وخاصة الصراع العرقي الذي أجج أوراه الاستعمار من خلال فتيل الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب وكانت رحلة الشعر رحلة عصيبة وصعبة وشاقة وشائكة وشائقة وتعاقب على السودان ثلاث حكومات عسكرية صارت القصائد في ضلها رموزا ومعميات وهجر الشعراء الفصحى إلى العامية منتقدة رموز النظام ومحرضة على الثورة وبقيت رحلة الشعر الفصيح على ما هي عليه منذ الخمسينيات من القرن العشرين تواصل ما نادى به المجذوب ومحي الدين فارس وصلاح احمد إبراهيم مع نضج اكبر من خلال ثورة الاكتوبريين 1964 التي أسقطت الدكتاتورية العسكرية الأولى محمد المكي إبراهيم ومحمد عبد الحي وعلي عبد القيوم وطه الكدو وعبد الرحيم أبو ذكرى والنور عثمان أبكر وكمال الجز ولي ومبارك البشير الذين رفعوا شعار بعث التراث السوداني الإفريقي وتحمس طه الكد للجذور العربية ودارت معركة حامية بين الطرفين وقدم لنا الشاعر محمد المكي إبراهيم عصارة التمازج العرقي والثقافي بشعر جزل وسلسة في اللفظ والموسيقى وخفة في الإيقاع وعظمة في الصور والخيال
هذا مصير الشمس فوق جبهتي
هذا كساء أمتي
هذا أنا وقيل عامين كنته
وبعد ألف عام أكونه
لن تسلخوا كساء أمتي
هذا الكساء دفعتي
والحقيقة أن هناك مجموعة من الشعراء الشباب الذين درسوا في الاتحاد السوفيتي وقرؤوا الأدب الروسي وأنتجوا لنا شعرا جديدا من حيث الشكل والمضمون منهم عبد الرحيم أبو ذكرى الذي ترجم لما يكوفسكي وتشيكون وغيره ومن شعره .
شعر حبيبتي الضامك المستبشر الثرثار ابد
أحب أن اهرب منه
كيف وفيه أمسيات تحمل الرعود
للاماسي الرائــــــدة
ومنهم كمال الجز ولي الذي يقول
الذي يسال عني
والذي يخشى السؤال
والذي يطرق الباب خفية
يدس في يديك بعض المال
ومنهم عالم عباس الذي يقول
ازوم يا أزوم
يا شاطا رسى عليه زورق النجوم
يسح ماتسح من دموعه الثقال
على الحراز والخروب والسيال
ومنهم بشرى فاضل الشاعر والقاص الماهر والذي درس اللغة الروسية والأدب الروسي تدعني بأسلوبه ولغته اهتماما كبيرا ومن شعره
اشعر أنت أم جرس
وتأتيني كما الحرس
وتحرمني من اللقيا أو السقيا
يظل معاشي الفلس
وهناك شعراء آخرون حافظ خير 1968 والصادق الرضي 1970 ممن أسهم في نقل الشعر السوداني الحديث إلى مسارات جديدة ومن إشهار الأول
فوق وجهك ينحني غصن وتعبر طائره
يذهب الشعراء للمنفى
تستجم العائلات على مدى الظل المرير
يدخل الزعماء في أحزابهم
قلد البلاد ضفادعا
ويموت كتاب العرائض قرب مصلحة البريد ومن شعر الثاني
قالوا له كالثلج أنت
فقال إني ابيض
قالوا له كالليل أنت
فقال إني اسود فصرخت كن أنت الرماد
حالة الشعر المغاربي في الجزائر العهد المعاصر 1970- 2015 م
ألقت المحاولات الجديدة بظلالها على الشعر الجزائري في هذه الفترة كغيره من الشعر في الأقطار العربية الأخرى وخاصة تجربة الشعر الحر وإذا كانت تجربة الشعر الحر في العراق قد ظهرت قبل الخمسينيات من القرن العشرين فقد كانت محاولة أبي القاسم سعد الله الشاعر الجزائري المعروف قد بدأت منذ 1947 بحثا عن شكل جديد للشعر غير الشعر الخليلي وعند الشاعر رمضان حمود وشهدت الجزائر بعد الاستقلال في جامعاتها من تخرج في كل الاختصاصات وخاصة اللغة العربية وبرزت تجارب الكثير من الشبان في طفرة غريبة في النشر والإنتاج وتهاطل في المجموعات الشعرية التي أفلتت من السمات الموروثة وكان بعضها لا تستقيم له قواعد اللغة العربية والعبر السليم والحاسة الإيقاعية للتفعيلة كما كان هناك إفلاس تام عند بعض أصحاب هذه التجارب في الأدوات التعبيرية والملكة الإبداعية ونجد معظم هؤلاء الشبان الشاعرين قد وقفوا موقفا محاربا للقصيدة العمودية وناصبوها العداء كما حصل في محاربة ديوان الشاعر محمد الغماري ومن هنا كانت تجربة هؤلاء الشعراء في الثمانينات من القرن العشرين محبطة بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة ومع ذلك فهناك اضاءات مشرقة في هذه الفترة وان كانت تجربة الحر الجزائرية ما تزال وقد أقفرت الساحة الشعرية في تسعينات القرن العشرين من العطاء الشعري .
حالة الشعر المغاربي في تونس في العهد بعد 1970- 2015
يمكن لنا ونحن أمام سيل من العارف والعلوم والثقافات والتجارب الأدبية بعد 1970 أن تؤكد على أن حركات التجديد أو المسماة بذلك هي محاولات وتجارب في مجال الشعر تحاول أن تواكب بين متطلبات السوق الشعري وطموح الأدباء الشعراء وواقعية التطور فقد برزت ظاهرة جديدة في الشعر التونسي دعيت بالطليعة الأدبية بفعل عوامل عدة 1- تخرج أجيال من المثقفين من الجامعة التونسية تلقوا تعليما عصريا
2- انفتاح برامج العلم والمعارف على الساحة التونسية
3- تجديد مناهج الدراسة التونسية
4- اطلاع التوانسة على حركات التجديد في الأدب والفكر والصراعات المذهبية في فرنسا وقد كانت الطليعة الأدبية ثورة على الموروث وخروجا على الرسمي والمؤسس تتبنى قضايا المستضعفين والمستغلبين وتحولت طريقة التعبير ومستواها اللغوي مسألة نضالية ومسالة جمالية وقد أكدت هزيمة حزيران 1967 على هشاشة الخطاب القومي ونشأت فكرة التونسية بديلا ثقافيا ورؤية حضارية عن الأطروحات العربية وتراجع اليسار وانحسر الشعر الملتزم وانفتحت البلاد على خيارات لبرالية خيبت الآمال في العيش الكريم وأدت رأسمالية الدولة إلى مزيد من القهر والظلم عبر عنها الشاعر محمد الحبيب الزناد في شخصية أمي تراكي وشعر الطليعة هو
1- غير العمودي والحر
2- القصيدة المضادة
3- وإشعار بلا شعار
وقد كانت رؤية الطليعة الأدبية تتمثل بما يلي
1- استفادة طاقة الشعر العربي الموسيقية والتعبيرية
2- دعوة الشاعر إلى هجر عمود الشعر
3- خلق موسيقي شعرية جديدة غير الخليجية
4- تطوير الشعر ينبع من تطور موسيقاه وتطور الموسيقى الشعرية ينبع من روح القصيدة ونوع الإحساس
5- لكل شاعر موسيقاه ولكل نص جوه الإيقاعي الخاص به
6- مصادر الموسيقى الشعرية الطاقة الصوتية الكامنة في اللغة والطاقة الصوتية الذائعة في العصر وقد وجدنا في غير العمودي والحر والقصيدة الضادة وأشعار بلا شعار تجارب جديدة تحاول أن تصعد على أكتاف القديم فقط بمحاربته وأصحابها واهجرت قصائدهم نزوات خاصة مبهمة تحاول الصعود على أنقاض القديم أنهم مصابون بالصرع الشعري والسعار العاطفي يحاولون من باب خالف تعرف
حالة الشعر المغاربي المغرب المعاصر بعد 1970- 2015 م القصيدة العاصرة
بعد استقلال المغرب اتجه الشعراء المغاربة إلى القصيدة الحرة المشرقية وراودوها السياب – نازك الملائكة – ألبياتي – صلاح عبد الصبور لأسباب عدة منها
1- تواصل المغرب مع المشرق ثقافيا وأدبيا وفكريا
2- الأسلوب الجديد في التفكير والابتكار الذي فرضيه طبيعة المرحلة تاريخيا
3- انتشار الدواوين الشعرية والدراسات الأدبية التي اعتنت بتجربة القصيدة الحرة
4- مناصرة بعض المجلات للحركة الشعرية الجديدة
5- تلاحم الشعر العربي المغاربي المعاصر مع نظيره المشارقي وبحسب ما ميزت انقاد المغاربة في القصيدة الشعرية المعاصرة من مراحل ثلاث
1- مرحلة السقوط والانتظار في الستينات
2- مرحلة بنية الشهادة والاستشهاد في السبعينات
3- مرحلة التأسيس والمواجهة في الثمانيات
فان ذلك مرتبط بالقضايا السياسية والأدبية فالشاعر ملتزم بواقعيه التزاما صارخا من خلال وعيه لدوره في المجتمع وهو لا يقدم أفكارا وإنما يقدم شعرا من خلال رؤيا حتى لا يسمح بطيات ما هو سياسي على ما هو شعري وهذه الرؤيا تبدأ واقعية محسومة لان العالم الشعري يتشكا من أشياء واقعية وازدهرت القصيدة السياسية على حساب عناصر الفن ولقد برزت في هذا العصر شعراء أمثال احمد المجايطي – محمد الخمار – الكنوني – محمد السر غيني – محمد الميموني كذلك تميز الشعر المغاربي في المغرب بالتفاوت الكبير في استعمال اللغة من خلال مستويات مستوى ينقل الأفكار والمضامين ومستوى تلعب فيه الصورة الفنية التشبيه الاستعارة الكتابة .
الدور الأساسي ومستوى تقوم عناصره على لون من البناء الرمزي والأسطوري وعلى هذا المستوى الثالث تأسست القصيدة الحداثة المعاصرة ويمكن لنا أن نعتبر الشعر المغربي المعاصر تجربة لم تتم بعد فهي مازالت تبحث عن هويتها الحضارية في عالم الإبداع .
حالة الشعر الموريتاني في العهد المعاصر 1970- 2015
تفتحت الشخصية الموريتانية بعد الاستقلال على قضايا جديدة قضية فلسطين – الهم القومي – ما يتعرض له الوطن العربي من حوادث وخيبات أمل وارتكاس يقول الشاعر محمد ولد القاضي 1975- 1973
يا زفرة من عبير الجرح تضطرب ترفقي فضياء الصبح يقترب
كفى ضغوطا فلي من تحت أجنحتي فرن تفور سعيدا شمعها شهب
وقد أخذ الشعراء الموريتانيين يكتبون الشعر الحر أو ما يسمى بالشعر الاليوتي وانقسم الشعراء مابين طريقة قديمة وطريقة جديدة عبر الشعراء من خلالها عن مضامين معاصرة يقول الشاعر احمدوا ولد عبد القادر
قد قلت كل حقيقتي
لكنكم تتصامون عن الحقيقة
إني أناضل ضد من
يبني لامتنا الخراب
ويقول الشاعر ناجي محمد الأمام
ويحتلم النورس المر قسي
فيجلد خمسا على ظهره
ويجلد عشرا على القبل
وتقول الشاعرة (بانة بنت البرا )
وذبــــــــــح الذبيــــــــــــح
وكل يوم يصــــــــــــلب المسيح
فوق نخل الشام عند الصخرة المقدسة
نضمد القلب الجريــــــــــــــــــح
ارزأ وليمونا واماج الخليج .

-أدب الأرض المحتلة :
بقي على أرض فلسطين بعد عام 1948 قسم ليس بالكبير من سكانها العرب حاول في ظروف قاسية من الاحتلال والتعسف ان يواصل حياته وقد برز في غياهب ليل الاحتلال أدباء شبان جعلوا الأدب سلاحا في معركة الصمود والبقاء على الأرض : يعمق الوعي ويعزز حب الأرض ويبث الإيمان بقدرة الإنسان على الخلاص وجدوى كفاحه .
سمات أدب الأرض المحتلة وأبعاده :
كتب الشاعر محمود درويش في إحدى مقالاته يحدد الإطار العام لأدب الأرض المحتلة فقال : أن جوهر أدبنا الرفض والدينونة
تمثلت المقاومة في أدب الأرض المحتلة فكان أدبا كفاحيا يربط الكلمة بالممارسة النضالية اليومية لأساليب الاضطهاد وكانت رؤيته للحياة واقعية اشتراكية تدرك الحقيقة إدراكا موضوعيا فترى الظواهر الخاصة في ارتباطاتها العامة وتدرك صلة الاحتلال الصهيوني بالامبريالية العالمية ويمزج الأدب تصوير الواقع المأساوي بالتفاؤل الثوري الذي يعزز الثقة بحركة التاريخ وبالقدرة على النصر من خلال الصمود والنضال .
يقول محمود درويش :
يا دامي العينين والكفين أن الليل زائل
لا غرفة التوقيف باقية ولا زرد السلاسل
نيرون مات ولم تمت روما بعينيها تقاتل
وحبوب سنبلة تجف ستملأ الوادي سنابل
ومن الواضح أن نيرون هنا رمز الاحتلال والطغيان وروما رمز المقاومة .
وقد تميز هذا الأدب بعدة أبعاد تمثل مواقف الكفاح والمقاومة للهجمات الصهيونية الشرسة على عروبة الإنسان العربي الفلسطيني ووجوده وشخصيته الإنسانية .
ا- الدفاع عن الشخصية العربية التي هاجمها الاحتلال بالتمييز العنصري والاتهامات الباطلة بقصورها الحضاري فواجه الأدباء هذا الهجوم بالاعتداد بعروبتهم ودفع تهمة القصور والعجز يقول محمود درويش :
نعم عرب ولا تخجل
نعرف كيف نمسك قبضة المنجل
وكيف يقاوم الأعزل
ونعرف كيف نبني المصنع العصري والمنزل
ومن خلال هذا الشعور القومي بمضمونه الإنساني المتقدم تحسسوا لحركات التحرر في العالم بعامة وفي الوطن العربي بخاصة فأيدوا نضال الشعب الجزائري وكفاح الشعب المصري قال الشاعر توفيق زياد يشيد بصمود الشعب العربي في مصر في معركة بور سعيد :
يا بور سعيد وأنت رعب قاتل للزاردين القيد حول المعصم
يكفيني النكد العصي وغضبة إني بعيد عن حماك المظرم
ب- التنديد بجرائم الاحتلال وفضحها : لقد قام الوجود الصهيوني منذ البداية على الإرهاب والعدوان فارتكب مذابح بشعة لإبادة الإنسان العربي واجتثاث جذوره من الأرض العربية قال الشاعر سالم جبران يندد بمذبحة كفر قاسم :
الدم لم يجف والصرخة ما تزال
تمزق الضمير . . . والقبور
مفتوحة في فمها أكثر من سؤال
ولم يزل مدخل كفر قاسم
مروعا من هول تلك الليلة السوداء
اكره أن أجثو على القبور والجزار
يسحب حقل الأرض من تحتي ويعطي للرياح الدار
ج- التشبث بالأرض والتنديد بالنزوح والخروج من معركة البقاء لقد كان غرض كل تلك الجرائم والقهر والتمييز العنصري والاستيلاء التعسفي على الأرض . . هو دفع البقية الباقية إلى النزوح يقول توفيق زياد معبا وعي الإنسان الفلسطيني للبقاء والثبات على الأرض فاضحا أساليب الاحتلال الباغية في قهر الإرادة مؤكدا الصمود والمقاومة لها :
هنا على صدوركم باقون كالجدار
ننظف الصحون في الحانات
ونملا الكؤوس للسادات
حتى نسل لقمة الصغار
إذا عطشنا نعصر الصخرا
ونأكل التراب أن جعنا . . ولا نرحل
وبالدم الزكي لا نبخل , لا نبخل , لا نبخل
هنا لنا ماض . . وحاضر . . ومستقبل . .
د- الشوق إلى لقاء الأهل المشردين بنبرة كفاحية مؤثرة : لقد كان أدب الأرض المحتلة شعرا ونثرا يفيض بشوق حار إلى الأهل والأحبة الذين شردتهم النكبة وكان يمازح هذا الشوق تصميم على الصمود وتفاؤل باللقاء يقول محمود درويش :
أصوات أحبائي تشق الريح تقتحم الحصون
يا أمنا انتظري أمام الباب أنا عائدون
هذا زمان لا كما يتخيلون
بمشيئة الملاح تجري الريح والتيار يغلبه السفين
الفصل الخامس
الأدب بعد نكسة حزيران عام 1967
كانت نكسة حزيران زلزالا عنيفا هز الإنسان العربي ووضعه موضع الاتهام أمام نفسه وقد عكس الأدب هذه الأزمة القاتلة بأسلوبين متناقضين :
ا- أسلوب سلبي . . اتجه إلى سلبيات الواقع العربي وجسمها وحملها مسؤولية ما حدث وقد مثل الشاعر نزار قباني هذا الأسلوب في معظم القصائد التي كتبها بعد الخامس من حزيران .
وها هو ذا عبد الوهاب البياتي يلقي مسؤولية النكسة على الخلافات الصغيرة التي شغلتنا عن القضية الكبرى والاستعداد لها فيقول :
طحنتنا في مقاهي الشرق حرب الكلمات
والأكاذيب وفرسان الهواء
شغلتنا الترهات .
ب- أسلوب ايجابي . . اتجه إلى المقاومة الفلسطينية التي أخذت تثبت أقدامها على أرض الكفاح وتفرض نفسها وكان خير من صورها الشهيد غسان كنفاني في اغلب مجموعاته القصصية فقد رسم صورة ايجابية للإنسان العربي الفلسطيني الذي حطم كلمة لاجئ ليكون فدائيا مقاتلا يرفض الهزيمة وتوالت أناشيد شعراء المقاومة في داخل الأرض المحتلة وفي خارجها تتحدى القوة الغاشمة في وعي وإصرار ولا ترى في النكسة إلا غماما اسود لا يستطيع أن يحجب عن أعينها مستقبل هذه الأمة وقدرتها على تحرير الأرض والإنسان .
الفصل السادس
أدب حرب تشرين
وفي السادس من تشرين الأول عام 1973 اندفع المقاتل العربي يعبر قناة السويس ويرقى جبل الشيخ وربا الجولان ويسقط عنه كل الاتهامات الظالمة التي وصمه بها الأعداء ويبدد الشكوك التي أحدقت بقدرته وأصالة قيمه .
لقد اثبت الإنسان العربي أصالته القومية على كل صعيد وابرز قدرته الحضارية وتصميمه على النصر والتحرير مهما كان الثمن وقد تأكد ذلك في نهوض الوطن العربي من أقصى مغربه إلى مشرقه يشارك في هذه الحرب المجيدة وامتشق للمعركة كل الأسلحة العسكرية والسياسية والاقتصادية والفنية .
لقد دخل الأدب الحرب واستنفر جيش الأدب منذ الساعات الأولى للمعركة كتب نزار قباني دعوة عاجلة لاحتياطي الأدب فقال
إذا كانت الدول العربية قد استنفرت جيوشا ودعت احتياطييها خلال ثمان وأربعين ساعة فان على ضباط الأدب العربي واحتياطيه وقدماء محاربيه أن يتجمعوا هم أيضا خلال ثمان وأربعون ساعة ومعهم أوراقهم الثبوتية وأقلامهم ووطنيتهم أما مكان الاجتماع فيمكن أن يكون في أي مكان في الشوارع في الأزقة على أغصان الأشجار على أعمدة النور . . أيها الأدباء
كل القطر مسافرة إلى الجبهة . . كل القطر مسافرة إلى المجد . . فتجمعوا بسرعة لأنكم إذا لم تكتبوا اليوم فلن تكتبوا أبدا . . . ))
وكان الأدباء العرب على مستوى المسؤولية التاريخية لقد انفعلوا بعمق وعنف بمعارك التحرير وبطولاته وتجاوزوا عقدة الذنب التي شلت أقلامهم وسودت أدبهم باليأس والتشاؤم فمضوا يكتبون في مختلف الأشكال الأدبية التي تستوعب الانفعال المباشر ففاضت انهار الصحف بالقصائد والخواطر والمقالات ثم القصص القصيرة .
لقد عبر أدب تشرين وما تلاه عن المعاني الايجابية التي فجرتها حرب التحرير وتمثلت بالحماسة والتفاؤل والاعتزاز بالبطولات والانتصارات .
لكن شيح الماضي الأسود كان ثقيلا على أدبائنا فقد ظل يلقي ظلاله القاتمة على أدبهم فيتذكرون كابوس الخوف والأسى وهم يتطلعون بالعجاب والحماسة إلى ما يحققه المقاتلون في المعارك كتب الأديب علي كنعان في خاطرة صحفية يسجل فيها هذه المفارقة في الإحساس :
قبل هذه الحرب كانت لدينا مخاوفنا الصغيرة أو الكبيرة واليوم وبعد حوالي أسبوعين من القتال البطولي نشعر بأننا لم نخسر إلا تلك المخاوف وأننا ربحنا الكثير ربحنا الأمل بالحياة والثقة بالمستقبل وربحنا الإرادة الحرة في مواصلة القتال حتى النصر والتحرير . . . ))
ومن العراق ينهض الأديب علي الحلي في تشرين ليشيع أحزان الماضي الوجيع ويستقبل طلائع الفجر الجديد بحماسة وفرحة :
في السادس من تشرين العظيم تطايرت خيام الشجن وتمزقت غمامات الإحساس بالبؤس وتدفقت ينابيع الفرح الطفو لي الغامر ترش النسمات التي غضنها اعتصار الألم المرتشف ببشائر الفارس العربي القائد مع طلائع البعث والثورة .
فيا مرحبا بفرسان الزحف المقدس . . ومرحبا ببطولات تشرين وهنيئا للزنود السمر التي تشد أصابعها الفتية على السلاح والنار دحرا أكيد للتنين الهارب على رمال سيناء وتلال الجولان وسحقا أبديا لكل أعداء الشمس العربية . . . ))
وقد صور الأدب بطولات الشعب العربي جماهير ومقاتلين كل اخذ دوره في المعركة وكل شيء عبئ لها لقد كان الوطن كله ساحة قتال وكان للبطولة أكثر من وجه . . . كتب الأدبية غادة السمان تصور باعتزاز بطولة جماهير الشعب
دمشق هانوي العرب . . . صحيح أن عشرات البيوت تهدمت فوق رؤوس أصحابها والسيارات انفجرت بأهلها وأغصان الأشجار في الشوارع حملت ثمار الحرب البشرية الممزقة الدامية المعمدة بعرس الدم إلا أن الشمس عادت تشرق من جديد في عيون أهلها ففي كل شارع وكل زقاق وعلى سطوح المنازل وفي شقوق الأرض المحفورة بالقنابل وفي مسام التراب يفور المقاتلون الشبان : الرشاش في كتف وسل الأكل في الكتف الأخرى دمشق الحرائق تضيء منارة في ليل ذلنا الطويل . . . ))
ورسم الأدب صورة رائعة للمقاتل العربي أبرزته بطلا ايجابية واعيا يجسد آمال أمته في التحرير ويبذل اعز ما يملك الرجال من اجل هذا الهدف هذا سليمان العيسى يقرا في دفتر مقاتل عربي ويبرز هذه السمات :
أقاتل كي أرد إلى خدود رمالنا السمرة
مفاتيح البيوت . . وطا ل طال الشوق والهجرة
أرد لجبهة التاريخ كل تألق الغرة
أرد كرامة الإنسان معنى ارضي الحرة
لقد أعطى المقاتلون الشجعان الواقع العربي وجها جديدا يشرق بكبرياء العزة والكرامة ويمحوا أثار الهزيمة والمذلة .
تشرين مضى . . وروحه المجيدة باقية في المقاتلين في الجماهير حتى يتم التحرير وتستعاد الأرض السليبة قال سليمان العيسى يسجل إحساسه بهذه الروح ويؤكد أن المقاتلين الذين نفروا إلى أداء الواجب ما يزالون في الميدان :
تشرين لم ينته الشوط الذي بدأت خيولك البيض . . في الميدان من نفروا







الباب
الشعر :
-القصيدة هي تجربة كاتبها حين يعيد قراءتها
يقول الدكتور عز الدين إسماعيل في التفسير النفسي للأدب :(إننا في حدود الإطار الموسيقي للشعر قد نميل إلى القصيدة شكلها القديم عندما نكون مثاليين في نظرتنا الجمالية ، حسيين في تذوق الجمال ، وقد نميل إلى الشكل الجديد عندما نأخذ بفلسفة جمالية تؤمن بقيمة الواقع النفساني في الفن والحياة على السواء ).
إن الشعر باعتباره طريقة من طرائق التعبير النفسي عن التجارب الإنسانية بجميع أبعاده يُعد الأسلوب الأمثل لنقل أفكار المبدعين إلى أُناس آخرين في حركة مدارها الإنسان فالحديث عن الشعر هو الحديث عن الإنسان نفسهُ منذ أن علم الله آم أسماء المسميات إلى يومنا هذا.
واللغة هي الفن وهي جسر التواصل بين الشاعر والناس، وهي المحطة التي يستريح فيها الإنسان من هموم زمانهِ ليحمل من خلال هذه الاستراحة شحنة جديدة لمواصلة مسيرة الحياة .
ولقد حاول النقاد والشعراء منذ عصور سحيقة تحديد مفهوم الشعر وطبيعتهُ ودراسة التجارب الإنسانية لتحديد غايتهُ وأهدافهُ وتطوير أساليبهُ ومناحيهِ وتحسينها .
فها هو الناقد ستوفر يحدد لنا خصائص الشعر التي استطاعَ استنباطها من تجارب الشعراء قائلاً :" إن خصائص الشعر (اللغة) تلك الوسيلة التي يمتلكها الشاعر نفسهُ والتي يعبر بها عن تجاربه وهي التي تحدد قاموسهُ الشعري الخاص بهِ وتجعلهُ يمتاز عن غيرهِ من الشعراء حيث يستخدم الإيحاء والرمز والإسقاط التاريخي ويتقمص الأساطير القديمة ليصل إلى العمق فالقصيدة لا تكون عميقة إلا إذا سبرت أغوار النفس الإنسانية ).
إن الشعر الذي لا يملك قضية يدرسها ويوليها أهمية بالغة من حيث كونها ترتبط بقضايا مجموعة من الناس هو شعر لا يملك خصائص مميزة فالألفاظ القاموسية يستعملها جميع الناس ولكن الشاعر الحق هو الذي يصطفي ويختار وينتقي الألفاظ المحسوسة الشفّافة التي تمتلك القدرة على الحركة والحياة عند تعبيرها عن عواطف وأفكار وأحاسيس ومعاناة الشاعر نفسهُ ومن هُنا كان رأي الجاحظ الفذ في أن المعاني الشعرية ملقية على الطرقات يعرفها البدوي والحضري والشاعر والإنسان العادي وأن الأديب والشاعر الحق هو الذي ينقلها لنا بصور وتعابير وألفاظ مميزة تمتلك مشاعرنا وتأسر أنفسنا .
إن الشاعر هو الذي يستطيع من خلال قصائده أن يخلق نظاما صوتيا يخدم أغراض موضوعية الذي يريد أن ينقلهُ لنا هذا النظام الصوتي بأبعاده الشفافة وهو يختلف عن الوزن الشعري لأن الوزن الشعري قالب جاهز تدخل فيهِ الألفاظ طوعاً أو قصراً بينما الإيقاع الصوتي روح لا نلمسها بحواسنا بقدر ما هي تتحرك في مشاعرنا . والشاعر بعكس الناثر الذي يهتم بنقل المعنى لنا بالدرجة الأولى ضارباً عرض الحائط بالشكل المتمثل بالألفاظ والعبارات والتي ينقلها لنا الشاعر لا شعورياً باهتمام بالغ لا يقل عن اهتمامه بنقل المعنى والمضمون.
كل هذه الخصائص تجعل الشاعر يرسم لنا مشاعرهُ ( قصيدته) من خلال معالجة موضوعية معتمداً لغة ذات مستوى فني ليلمس قضية ذات أهمية كبيرة قاصداً العمق والإيجاز ومن خلال تعقيد لا شعوري .
وإن هذه الخصائص أيضاً تجعل الشاعر حينما يطرق موضوعاً (ما) إنساناً تنبئيا مستشرقاً ومشيراً إلى ما يمكن أن يقع في المستقبل ، فالشاعر يولّد لنا الأفكار الحرّة الحيّة النابضة بالحركة من خلال إيحاءات وإرشادات تحملنا على فهم قضايا العصر ومشكلاتهِ .
لقد حدد لنا الكاتب العربي (الأصمعي) من خلال كتابهِ (فحولة الشعراء) مواقف ثلاثة هامة من الشعر بعد أن ذكر شروط الشاعر الفحل عندهُ والمتمثلة (( بجاهلية هذا الشاعر وبمعارضته لغيره وبلغتهِ الصافية النقية وبكثرة قصائده الشعرية )).
يقول الأصمعي: (إنّ هناك فاصلاً بين الشعرِ والأخلاق وإن الشعر إن دخل في أبواب الخير لان وضعف .وإن الفحولة صفة عزيزة في الشعراء).بحيث لا يصنف الشاعر عندهُ في طبقة الفحول إلا إذا كانت صفة الشعر هي الغالبة عندهُ فالشاعر الذي يتصف بصفة أو صفات أخرى مع صنعتهِ الشعرية لا يصنف عندهُ في كتاب الفحولة مضافاً إلى ذلك اهتمام الشاعر بالتشبيه الذي يضفي على الشعر ثوباً من القدرة والصنعة.
إن الشعر قد تطور ونما وتأثر وأثر في غيرهِ واكتسب واكسب غيرهُ أشياء بحكم صلتهِ بالحياة والفنون الأخرى ، وقد حاول الشعراء منذ القديم رسم انفعالاتهم ومعاناتهم بأشكال فنية متباينة جاهدين من خلال ذلك إيصال تجاربهم بصورة مثلى تتناسب مع طبيعة العصر ومقتضيات الحياة وتفاعل مع الفنون وإن أقدم التجارب الشعرية العربية التي وصلتنا عن أسلافنا كانت تجارب امرئ القيس وعنترة والحارث بن حلزّة وزهير والنابغة وطفيل والمهلهل...
وإن هذه التجارب كتبت ضمن إيقاعات موسيقية حددها لنا الخليل بن أحمد الفراهيدي فيما بعد (ببحور الشعر) وهذه الإيقاعات الموسيقية برغم صدورها العفوي عن شعرائنا استطاعت أن تستوعب جميع تجارب الشعراء المتمثلة (بالمديح والهجاء والفخر والنسب والغزل والوصف).
ولما تطورت العقلية العربية بفضل تلاقحها مع الأفكار الفارسية والهندية والرومية واتسعت جوانب الحياة وتبدلت أشكالها في دمشق وبغداد وطليطلة وحلب وغرناطة والقاهرة أخذ الشعراء يفكرون بأشكال جديدة لرسم تجاربهم الشعرية بل ألحت عليهم ظروف الحياة ومعطيات العصر للتفكير بذلك.
فكان أبو العتاهية كما يقول أكبر من عروض الخليل في ابتكاره لأوزانها التي تربو على مائة وثمانين وزناً وكانت فنون القوما والمواليا...الخ...
وقد بقيت هذه الإيقاعات الموسيقية ورقة نقدية متداولة بين الشعراء يرسمون فيها معاناتهم ولكن بقوة أحياناً وبضعف أحياناً أخرى حتى أوائل العصر الحديث حيث تغيرت معظم المفاهيم والأفكار وتبدلت النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتباينت أشكال الحياة وازداد عمق الأنواع الأدبية ، وأصبح كما يقال من العسير جداً تفريغ شحنة عواطف وأفكار الشعراء ضمن تلك القوالب وعلى الطريقة الموروثة في تسلسل (نهج القصيدة العربية وعمودها الشعري ) كما حدده نقادنا القدامى كابن قتيبة والآمدي وقدامه بن جعفر والجرجاني وغيرهم مما دفع الشعراء أن يبحثوا عن طرق وأساليب جديدة متأثرين بما ورد إليهم من آداب الأمم الأخرى وخاصة الأدب الفرنسي والإنكليزي والروسي .
ولقد نشأ من خلال ما نشأ طريقة جديدة في التعبير الشعري عن مشاكل الحياة هي طريقة ( الشعر الحديث أو المرسل الحر) كما يسومنهُ وقد كانت بداية هذا اللون من الشعر عند العرب من خلال شعراء المهجر على يد أمين الريحاني الذي أخذهُ من (والت ويت مان) الأمريكي في ديوانهِ أوراق العشب الذي تحدث فيه عن معاناة الطبقات الدنيا في المجتمع الأمريكي .
وبذلك يكون الريحاني أسبق إلى هذا اللون من نازك الملائكة وبدر شاكر السياب .وقد سماه الريحاني بالشعر المطلق أو الحر أو الشعر الجديد، حيث أشار إلى أن هذا اللون من الشعر يخرج في شكله عن الأوزان الشعرية العربية القسريّة ويتخلص من القواعد السلفية الحرفية.
ومن الجدير بالإشارة أن الشاعر فريد وجدي ، وعلى أحمد باكثير ، وعبد الرحمن شكري كانوا أسبق من نازك الملائكة إلى هذا اللون ، وعلى أية حال نستطيع القول إن هذا اللون من الشعر لم يخرج عن الإيقاعات الموسيقية الخليلية من حيث اعتباره ( وحدة التفعيلية ) أصلاً في كتابته . بل ألغى عملية التناظر في عدد هذه التفعيلات في كل بيت من الشعر.
فالإيقاع التناظري الخليلي يجعل البيت الشعري مؤلفاً من وحدات موسيقية مقسمة على شطري هذا البيت بشكل متوازن معتمدا قافية القصيدة التي ترتكز على حرف يتكرر في نهاية كل بيت بعكس الشعر المرسل المعتمد على جمل موسيقية متباينة في كل سطر من الشعر ، فعدد التفعيلات يختلف في هذا الشعر من سطر إلى سطر بالإضافة إلى أن القافية لم تعد عنصراً هاماً في القصيدة .
وقد أسهب الشعراء في كتابة هذا النوع من الشعر بدراية وبغير دراية ضاربين عرض الحائط بالمورثات السفلية جملة وتفصيلاً . بل حاملين عليها ، ومعتبرين إياها حكاية أكل عليه الدهر وشرب ولم تعد هذه المورثات كما يزعمون تصلح لقضايا ومشاكل عصرنا الحاضر.
لم يحتفل شعراء عصرنا الحاضر بهذا اللون الجديد من الشعر كحل بديل عن المورثات السلفية الخليلية ، بل أصبح البعض منهم يميل إلى تجديد أسلوب التعبير والارتقاء بمستوى تجاربهم الشعرية من خلال نوع آخر أطلقوا عليه اسم (قصيدة النثر.أو النثيرة ). مغفلين الموسيقى الشعرية القائمة على {وحد التفعيلة} ومكتفين بالتزام قواعد النحو والإعراب مدّعين أن هذا النوع له جذوره في لغتنا من خلال (سجع الكهان الجاهلين) الذي يعتبرصورة فنية في صياغة المفردات وخاصة عند ((عزّى سلمه وسطيح الذئبي وابن مصعب الأنصاري)) وعند بعض مدّعي النبوة (كمسيلة الكذاب وسجاح) ومما روي من سجاح ( عزّى ):
(( والأرض والسماء.
والعقاب والصعقاء.
واقعة ببقعاء.
لقد نفر المجد ، بني الكشراء ))
وقد ظن البعض أن هذا النوع من الكتابة سهل القياد ، لا يعتمد تعقيدات السلف فأوغلوا في ولوجه زاعمين أن مستقبل الشعر سينتهي لا محال إلى هذا النوع من خلال تطور الأنواع الأدبية .
وهم بذلك يجمعون الحجج والبراهين لدعم هذا الرأي وتثبيتهُ . (فالقصيدة النثرية ) تعتمد عندهم على اختيار الصورة المميزة ، واصطفاء الألفاظ الحساسة المناسبة مبتعدين عن حشو الكلام رافضين الوزن الشعري باعتباره جزءاً ملحقاً لا عنصر أصلياً مفرغين تجاربهم بحساسية مرهفة وخيال متوقد لكي يسيطروا على انتباه وشعور المستمع والمتلقي لهذا الشعر ، إن الأدب بشكل عام والشعر بشكل خاص لا يمكن أن نعتبره إلا كياناً مستقلاً له حدوده وأبعاده وله كيفيته في الوجود
وإنهُ لو ألقينا سؤالاً عن ماهية الأدب (القصيدة الشعرية) وأين يمكن أن يوجد ؟ وما هو العمل الفني ذو الطبيعة الفنية ؟ لوجدنا أجوبة كثيرة قد تكون متوافقة وقد تكون متباينة وقد يناقض بعضها البعض وقد يكمل بعضها بعضاً .
ولقد سمعنا منذ القديم أن الشعر (صنعة وحذق) يستطيع من خلالها الشاعر صياغة الكلمات بحسب الموضوع الذي يريد لمسه وهو بذلك (صاحب مهنة) موادها الأولية الكلمات . وقد اتضحت هذه التجربة في أدبنا القديم عند شعراء الصنعة ، وأصحاب (الحوليات) الذي أطلق عليهم اسم (عبيد الشعر) (بشامة بن الغدير، أوس بن حجر ، زهير بن أبي سلمى ، كعب بن زهير ، الحطيئة ). وقد توج عملهم فيما بعد الشاعر أبو تمام . لقد تضاربت الآراء حول ماهية القصيدة . فمن قائل: إن القصيدة هي الأصوات التي ينشدها القارئ ، وإن هذا الانتشار هو الذي يحدد طبيعة القصيدة ومن قائل : إن القصيدة هي تجربة القارئ فهي ليست شيئاً خارجاً عن العمليات العقلية الجارية في ذهنه. ومن قائل : إن القصيدة هي تجربة كاتبها حين يعيد قراءتها ، وإنهُ من الحق أن الشعراء يتأثرون بالواقع النقدي المعايش لهم وبصيغة النقدية ولكن من الحق أيضاً أن نقول : إن الصيغ النقدية قد لا تكون دقيقة في تحديد صفات انجازهم الخلق الشعري الفعلي ، وإن هؤلاء الشعراء حين يكتبون لا يضعون نصب أعينهم المفاهيم النقدية ، بل يتأثرون بها شعورياً .
إن التجربة الشعرية لا تقاس بمقدرتها على تنظيم حوافزنا وأن الشعر الجيد لا يمكن أن نعرّفهُ ( بالرعشة) التي يثيرها فينا ، كما أن المأساة لا تقاس بكمية الدموع التي يسفكها المشاهدون عند رؤيتها ولا تقاس الملهاة بعدد ضحكات المشاهدين .
إن التجربة الشعرية هي الكائن الحي الذي بتمخضه الشاعر ويلده ولادة طبيعية لا قسرية يحمل في طياتهِ عوالم وأفكار وعواطف وأحاسيس تتوافق مع نظيراتها في نفوسنا إن هذه التجربة هي التجربة هي الحياة التي نعيشها ولا نستطيع التعبير عنها كما عبر عنها الشاعر نفسه فهي الكلمة الحية التي تخرج من القلب وتدخل في القلب لا تعتمد الزيف ولا الهراء ولا تلهث وراء سراب غير موجود إنها بتعبيرها عن الحقيقة داخل نفوسنا أو خارجها كالسمكة التي إن خرجت من الماء فقدت الحياة إنها النسمة الهادئة التي تحمل إلينا الطمأنينة والوداعة بالإضافة إلى ما تحملهُ من حاجة في نفوسنا إلى التفنن إنها ضوء القمر الساطع الوديع الجميل الذي نحتاجهُ ليضيء دروبنا المظلمة مع تلذذنا بمتعة النظر إليه إن الشعر ليس ضرباً من الكلام غايتهُ التسلية والدعابة ، وإذا كنا نعتبر أن المعايير السلفية للقصيدة الشعرية تقوم على وحدة الوزن والقافية من حيث الشكل وعلى إتباع نهج القصيدة وعمود الشعر من حيث المضمون ، فإننا نستطيع القول أن قصيدة التفعيلة لم تعد ترضى بهذه الأسس السلفية رغم أنه لا يمكننا وسم هذه الأساليب القديمة وإدانتها واعتبارها فجعة ذلك أنها استطاعت استيعاب تجارب ومشاكل ذلك العصر.
إن قصيدة التفعيلة أخذت تعتمد القيم الفنية التي أصبحت الحاجة ملحة إليها عندما تريد فهم أو تحليل أي عمل شعري . هذا العمل الذي لم يعد سلسلة من الأصوات ينبعث منها المعنى أو مجموعة من الرموز والإيحاءات والأساطير التي نجتثها من هنا وهناك.




الشعر موقف ورأي
1-موقف الشعر من الإنسان:
2-موقف الشعر من الحياة
3-موقف الشعر من الموت :
4-قراءات في الشعر العربي المعاصر
أ-شعراء 0000 لكن نجباء (سوريا)
تقويم أولي للحركة الشعرية في حوران بين عامي ( 1975 – 2000 )
إذا كانت منطقة حوران في امتدادها الجغرافي من جنوبي دمشق إلى تبوك الجزيرة ومن غرب العراق إلى تخوم المتوسط غرباً قد أنجبت العديد من الشــــــعراء الذين انبثقوا في سمائها نجوماً مضيئة و قناديل محبة و خير فإنها ما تزال إلى يومــنا هذا نبعاً ثراً يدفق بالماء الزلال يلون بماهيته الصافية سماء الشعر العربي وإذا كــان أبو تمام الأشهر اسماً و الأوفر حظاً في سماء الشعر المنسوب جغرافياً إلى حوران فإنه بقي الخريطة الإنسانية التي ازدحمت فيها إنسانية الشعر على مساحة واسعة في فترة كان للشعر فيها الريادة بين الفنون الأدبية 0
أبو تمام و الشعر العربي و آفاق إنســـــانية انســـــحبت إلى عصر تقوقع فيه الحرف و أصبح الشعر بضاعة مزجاة يزهد فيها المتلقي الكثير من الخيال الشـــــعري الذي زاحمته الصحــــون الفضائيـــــــة و تلك الثرثرات اللاأدبية التي لا يعبر عن بعدها الحقيقي إلا المثل الشـــعبي المؤطر ( بـ علاك فاضي ) حيث تحولت القيم الأدبية إلى ردود أفعال للحديث اليومي الذي لا يحمل من الشعر إلا بعض رسمه مع العلم أن هذا الزمان لم يبق فيه من الشعر إلا رسمه و لم يبق فيه من الشعراء إلا الأسـماء اللهم إلا من نسائم الصبا الشعري الذي يهب بن الفينة و الفينة 0
خمسة أسماء تركت في سماء الشعر في حوران بصمات تستحق الوقوف عندها لأنها تمثل هوية مستقلة لكل شاعر نعى الشعر منها اسماً غيبته أصابع الموت قبل عشرة أعوام وبقي أربعة تتقاذفهم أمواج الصمت صدى أصواتهم يتردد في وادي الزيدي السحيق القرار و انشطارات أبياتهم تتقاذفها الطيور المهاجرة و تعافها أشجار الزيتون التي التفت من حولها محاصرة إياها بفجائعية مرة كأنها صيحات قتيل في مغارة لا قرار لها 0
خمسة يمثل كل واحد منهم مدرسة شعرية بما تحمله هذه العبارة من أبعاد شــــعرية
المدرســـة السيابية و المدرسة المعرية و المدرســــة البحترية و المدرســة الأوسية و المدرسة الأخطلية ( الأخطل الصغير ) 0
أما المدرسة السيابية فقد بسط أجنحتها الخفاشية شــاعر تمثل صــــــورة ( اليوت ) و عبر من خلالها عن صورة ( الكترا) الشـــــــعر العربي الشاعر البكاء ( غازي إبراهيم الناصر ) و هو لا شك أنه أحد عمالقة الشعر العربي المعاصر الذي طواه الــــزمن بسبب ما تعرض له من أزمات نفسية نأت به عن المشاركة في الســــاحة الشعرية و إن كان قد ترك لنا مساحة شعرية بمســـــاحة صحراء الربع الخالي و لم يتسرب من شعره إلى أصابع المطابـــع إلا مجموعتان شـعريتان هما ( اللقاء الغريب – متاريس في السماء ) و لو تسنى لنا أن نقرأ مطولته التي تجاوزت الألف بيت من الشعر لوجدنا أن للعملقة طعم في الشعر ناهيك عن قصيدته التي عبرت عن مأساة الإنسان العربي الفلسطيني ( إذن كان رأسي الوليمة ) 0
و أما المدرسة المعرية فقد اختط أبعادها شــــــــاعر قذف به الزمــن في بئر عميــقة و ارتدى هو بنفسه درعاً ســــــابغة من الصمت كان يلعلع فيها صــــوته بين جدران الصمت امتصت أمعاؤه الشــــــعرية الثقافة العربية و الأعجمية بمختلف أبعادهــــا و انطلقت صيحــــاته تمثل الفكر في الشعر أصدق تمثيل مدرسة معرية لا من حيث التقليد و لكن من حيث الطــــــرح الفكري لمشــاكل الكون و الحياة و النفس و الذات و الآخر من خلال عربة شعرية تطير بجناحين من الخيـــال الـــــساحر المنطلق إلى آفاق ليـــــست بالقريبة و لكنها في عمق الذات الإنســـــــانية هذا الشاعر الذي تنسم أوكسجين الشعر في منطقة ( غباغب ) و كان أستاذاً لنفســـه و تلميذاً للثقافة الورقية
و سميراً لكثيرمن مفكري و أدباء عصره إنه ( محمد خير القاعد ) رســـــم لنا في أشعاره التي لم يتسن له أن يجمعها في كتاب البعد الدرامي للتناقض الإنســــاني في هذا الوجود الذي تحول فيه الإنســــــان إلى ثعلب ماكر يحمل بين أنيابه نهاية تعيسة للكون و لو قيض للرأي المنصف و للمكان الأدبيـــــــة أن تتخير أصحابها بشكل حر صادق لكان شاعرنا الذي عبرت فوقه عربات الزمن فكســـــــرت أضلاعه لكان هو الأول في سماء الشعر في حوران 0
أما المدرسة الأوسية التي لا تزال تنظر إلى الشــعر على أنه نسج يحتاج إلى صناعة عظيمة و التي ترى أن الشــــــــــــعراء إن لم يكونوا عبيداً لنصوصهم فلا يمكن لهذه النصوص أن ترتقي إلى الســــــــماء الشعرية السابعة حيث ســــــدرة الشعر الوارفة الأغصان و التي لا ترى الشعر سوى نسج لسجادة فارسية تتخايل ألوانها و تصطرع رسومها لتشكل لنا لوحة إنسانية و بســـاط ريح نطير به في آفاق الشــــــعر فالمفردة و العبارة و التركيب إن لم يكن يعتمد على أصالة عظيمة فإن البناء الشعري ســـيبقى مهلهل النسج ضعيف البناء رخو الحجارة و القصيدة لا تصمد إلا إذا كانت حجــارتها بازلتية كصخور حوران و هذه الشاعرية تترسم خطاها إلى يسار منطقة الخمّان التي ما زالت تنجب الشعراء من أيام الغساسنة و التي لم تخل ذاكرتها من عبور الشــعراء إلى جلق 000 تلك التي عايشت حســــان بن ثابت ( رضي الله تعالى عنه ) و عرفته زائراً للغساسنة و مقيماً عندهم في منطقة الخمّان و لا أظن الشاعر ( أحمد صــــيتان الشرع ) إلا أحد أثافي الشعر الأوسي الذي ما زال يؤكد على صناعة الشعر و قدرته على البناء السامق الخالد المؤطر للمشاعر الكونية و الإنسانية و مسقط رأسه(طفس )
غير عسيرة على الإنجاب فقد ولدت ما ولدت و تاريخا حافل بالأعلام 0
و أما المدرسة الأخطلية التي ترى أن الشـــــعر حمامة دمشــــــقية تطير بين الجدار و الجدار على حد قول الشـــاعر نزار قباني و أن المفردة الشـــــعرية بنفسجة ناعمة و لكنها تتحول إلى مقاتل شرس إذا ما تعرضت قيمها للاعتداء و أن الخيال الشعري هو طائر رخ ٍ يحمل بين عينيه صورة المقاومة إذا ما ســـــلبت ذرة من تراب الوطن
هذه المدرسة التي أطرت للبعد الجهادي في الشـــــــعر العربي بعد استلاب الصهاينة لقدسية فلسطين وليس غريبا على أمواج طبريا أن تنجب شعراء يحملون في ذاكرتهم صورة الوطن الأم فـ ( سمخ ) التي تعانق بنظراتهـــــا الجريحة جبال الجليل ما تزال ترسم على خريطة القدس جرح الألم الفلســطيني الذي يأبى إلا أن تتدفق الدماء مائرة فيه
لتعيد للقدس بريق أنوثتها الحق شاعر نال نصيباً وافراً من الشـــــهرة و الصيت كتب قصائده بدماء شهداء وطنه و بمرارة المشـــردين عن ذلك الوطن و بألم ذاته التي ما تنفك تمتزج مع دماء الشهداء لتتحول إلى قصيدة شــــــعرية مرسوم عليها خارطة فلسطين إنه الشاعر ( محمود حسين مفلح ) الذي ما تزال قصائده يتقاذفها المنشدون و ترسمها الدوريات الأدبية و الصحف اليومية على مســــــاحتها الواسعة إنه شاعر بمساحة الوطن الجريح 0
أما المدرسة البحترية فقد تأبطها خيراً شاعر مرت كوفيته من أمـــــام وادي الزيــدي تردد صدى ألحان اليرموك الخالدة التي أطرها لنا بقصائد شعرية وجدانية تحمل نغم الحياة و ألمها و تبتسر المسرة كتاباً مفتوحاً يرسم من خلال صفحاته الذات الحورانية ذات التراب الأحمر القاني و المــاء الزلال الذي تغب منه الروح العطــــــشى و ليس غريباً على وادي الزيدي أن ينجب فحولة شعرية عبرت أفق الحياة من خلال انطلاقة ذاتية لبست عباءة البحتري الضافية و مرت بها في سماء حوران ملوحة بقيم إنسـانية لا تبرح صورة القيم العربية التي مثلها الشـــــعراء الذين عبروا حوران في العصور الجاهلية و الإسلامية و الأموية و العباســــــــية و التي ما تزال تعبر هذه السماء إلى يومنا هذا إنه الشــــــاعر الشمليل الذي ما يزال يتقلد ســـيفه العربي مدافعاً عن تراب أرضه و عن نســــــمات هوائه العليل و الذي يرى أن العروبة قيمة خالدة لا يمكن أن تتجاوزهـــا قيم لا تنهض إلى مكانتهــــا و لا تسامق أبعادها إنه الشاعر ( عبد الكريم خلف الحمصي ) و حســـــــبك أن حصان الشــعر ما يزال لديه متحفزاً في كل لحظة لانطلاقة جديدة 0
هذا تقويم مبدئي لخارطة شعرية متسعة المساحة و أســـــــماء أصحاب هذه الخارطة يحتاج كل واحد منهم إلى قراءة متعمقــة تفتق ما تحمله طيات شـــــــاعريته من أبعاد إنسانية و فنية و هم قد اســــتطاعوا أن يقودوا حصان الشعر إلى الجهات التي يتوخى منها المتلقي شروق شــــــمس الشعر الخالدة و ربما تكون هناك إضاءات أخرى تفتح نوافذ جديدة على مدرسة كل شاعر لتبعث من جديد إكسير الشعر في نصوص هؤلاء الشعراء 0
2-الغنائية في مجموعة الشاعر حسين الهنداوي
(هنا كان صوتي وعيناك يلتقيان) (سوريا)
بقلم الشاعر.غازي الناصر
لعل المتأمل في قصائد هذه المجموعة الشعرية للأستاذ حسين علي الهنداوي سيلحظ دون ريب إن هذه القصائد سواء ما كتب منها على عمود الشعر أو تلك التي ارتأى الشاعر أن يصوغها على نمط قصيدة التفعيلة تنتمي إلى ما يمكن أن نسميه بالمدرسة الغنائية في الشعر العربي .فمن المعلوم أن السمه الغالبة على الشعر العربي قديمة وحديثه هي سمة الغنائية التي من أبرز خصائصها الوضوح في التركيب والخيال التصويري وتتجلى هذه الغنائية في أوضح صورها في واحده من أفضل قصائد هذه المجموعة ألا وهي (هنا كان صوتي وعيناك يلتقيان) فالقصيدة مزدحمة بالخيال الأصيل حتى لتكاد بعض مقاطعها تقترب من أسلوب الرمز الشفاف المكتنز بالإيحاءات الفسيحة وفي وسع القارئ أن يعثر دونما عناء من خلال تجواله في هذه القصائد على شذرات خلابة مما يوحي بأن الأستاذ الهنداوي يمتلك بحق شفافية شعرية أصيلة ولقد حاول الشاعر حتى في قصائده العمودية أن يرتقي بالخيال التصويري إلى أفق رفيع على الرغم
من محدودية القصيدة العمودية وافتقارها الواضح إلى الصورة الخلابة على وجه العموم .أما من حيث المضمون فيمكن القول بأن قصائد هذه المجموعة تخاطب فينا الهم المفعم بالأحاسيس الوجدانية الخالصة ولعل من يقرأ قصيدة (أحبك سوف أجيء) سيلحظ دون ريب قدراً كبيراً من المكابدة وتحسس مواطن الألم الوجداني .
وبعد فهذه قصائد حاولت أن تضيف شيئاً إلى مكتبتنا الأدبية وإن ترفدها بنتاج جديد
إنها باكورة جديدة لشاعر مازال يحث الخطا باتجاه الأصالة والتجديد .
غازي الناصر







3-عبق القرنفل وانبهارات الموت
قراءة في مجموعهالشاعر حاتم قاسم (فلسطين)
حين تسترق الكلمات أصابـع الصـمت و تغني البلابل على منارة النهار ، و حين تفتـح أبواب الأكواخ و تطل رائحة البارود تبدو الرؤية معتمة و يصبح الشـوق إلى اقتنـاص زهرة القرنفـل الطريق الوحيد إلى القدس 0
بين يافا و عكا ما زالت الشــمس تعانق وجه النهار و على تلال ( القديرية ) ينبثق صوت من أعماق بئر عميق يتحـول إلى زوبعـة تتعالـى لتعـانق الثريـا و كأنها تنشد مع ليل المشتاقين ينبوعاً لعشق التراب الأبدي 0
الوطن و التراب و الكينونة و الاغتراب مفردات رسـمت لنا أبعاد الشهادة لتبعث من جديد جيلاً جديداً يعيش حالة العودة و يصـر على الرجوع إلى أحضان الوطن الأم
أيتها الأزهار القرنفلية التي تتناثر على سـفوح تلال القديرية ما زال في ذاكرتـي شــوق إليك و لو أنني أمتلك كف الرياح لبعثت إليك برسـالة ترسـم ميلاد الفجر القادم 0000 هاأنا آتيك من جبل الجرمق صهيلاً يتدفق حنيناً و حباً و أعراساً و قبرات و بنفسجاً عابقاً بالحب السرمدي 000 لن أغنيك مواويــل عشـق فأنت تسـكنين في أعماق ذاكرتي و لكنني أتهـيأ لأصلي صــلاتي الناجزة عـلى حدود الوطن فقوافل الشهداء تعبر و تسـابق الشــمس و تنير درب الســائرين و تبحث عن اسـتجابة تتحول إلى زغردة العمر الشهي 0
مجموعة شعرية تحمل بين حناياها عبق القرنفل و تسـافر من حالة إلى أخرى بحثاً عن الوطـن المفقـود و عن الحـب المفـؤود إنها كلمـات تشخصت بلون الدم الفلسـطيني و تموســقت بصوت الرصاص الفلســطيني و تلبدت بقبعـة الهم الفلســـطيني و تفلســفت برؤية الحجر الفلسطيني 000 لا يمكن للزمن أن يتراجـع إلى الوراء و لا يمكن للحب أن يعود دون هوية كتبت حروفها بدماء الشهداء 000 ذلك أنه لا يكـون للحياة طعم إلا إذا كان للمـوت طعـم تقبل عليه النفوس 000
مجموعة شــــعرية تحمل بين دفتيها ( مهرة الشـمس و الغضب الساطع و قســمات الوطن و أغنيات الوطن و صــلاة على حـدود الوطن و أوراق الدحنون و زمجـرة الغضــب متلونة ببرقية من أطفال الحجارة الذين تجـاوزوا حدود
المـكان و الزمان و تحولوا إلى أســــطورة لا يســتطيع الممـثلون أن يتجاوزوها و كأنني بمفردات هذه المجموعة تنادي بأعلى صوتها :
( يا قبلة الزيزفون و الزعتر
أمواجك تحملني
فوق هامات النخيل
يا مقلاع الثورة و العشق
هذا نشيدي :
زمجرة غضب )
عفواً كأنني بالشــاعر يريد أن يقول إنها زهرة قرنفــل أقدمها لأطـفال حجارة فلسطين الذين عـبروا حدود الموت و تجـاوزوه ليرســموا
خريطـة جديدة للدم الفلســـطيني الجديد الذي
سـيعيد القدس و الذي لن يتنازل عن ذرة تراب من أرض فلسطين 0


الشاعر حسين الهنداوي

أدب وف

كر

4-الفجائعية المرة
قراءة في مجموعة الشاعر هاجم عيازرة (سوريا)
بين انطوائية الذات و تفلت الصمت تنبثق خلايا الحزن الإنساني لترسم مداراً جديداً في فلك فضاءات النفس التي ما فتئت أن تعيد و تكرر فجائعية الموت التي يكتوي بنارها الإنسان على مدار الساعة 0
مرثية ذات بعد مثيولوجي تعبر من خلال وجدان الشاعر عن العمق المتجذر في الحزن الصامت الذي يخلفه موت الأبناء و شاعرنا هاجم عيازرة ليس هو الأول الذي يرثي فلذة كبده فقد سبقه إلى ذلك شعراء ليسوا بالقلائل و لكنه الأول في تخصيص رثاء ولده بمجموعة شعرية مستقلة تتحدث من أخمص قدميها إلى مفرق رأسها عما تركه هذا الرحيل الذي اعتصر قلب الشاعر حزناً ما فتئ يرتسم على جبهته و بين تقاطع نظرات عيونه 0
إنك و أنت تتحدث إليه تقرأ ( القادم لن يأتي ) بين سطور كلماته و من خلال بحة صوته و كأنك تجد في كلماته المعاناة الإنسانية التي ارتسمت منذ الإنسان الأول إلى يومنا هذا 0
لن نتطرق إلى مرثية ابن الرومي لولده الأوسط ( واسطة العقد ) و لا إلى مرثية الشاعر نزار قباني لابنه توفيق فذاك موضوع مختلف و لكننا سنؤكد على الفجائعية القاتلة التي حولت الشاعر إلى مغرد حزين لا يرى في الحياة إلا بعداً فجائعياً 0 فالمرثي الذي رثاه شاعرنا العيازرة في ريعان الشباب و هو كبد الشاعر الذي ما فتئ يناغمه عله يستمر في تنسم الهواء و على حد قول الشاعر :
و إنما أولادنـــــا أكبـــــادنا تمشـــــي علـــى الأرض
لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني من الغمض

فكيف إذا افتقد الشاعر فلذة الكبد إنك تراه في ( أنثى عويله ) ينشج بكاءً مراً باحثاً عما فقده

دلني أين حط بك البين
يا حبق السفح
أين ترفرف
في أي منتجع تستحم
و في أي عش تساكن أنثاك
في زمن عاقر
غائم
لا يرى أنفه
من ضباب يلف المكان
و في زمن تركض الأرض فيه
بدون رداء
و دون حذاء
و ترفل مهزومة
لا ترى وجهها
بعد أن ساطك الداء مستئذباً
ينهش النبض فيك
و يختطف الحلم منك
و يرشف منك الدماء0

إذن شاعرنا ينزف مع نزيف الدم الذي يهراق من جراح ولده حزناً أخر لا حد له حتى و كأنك و أنت تقرأ في مرثيته هذه تتلمس حزن الخنساء و أسى القباني 0

تكاد الحروف تجن ُ
تجر أساها
و تنزف فوق السطور
و تمــــشي على ظلها
ثم تعبر جسر اشتياقي
لتسأل عنك
و عن ذكرياتك

و لا تكاد و أنت تقرأ بين سطور الشاعر إلا أن ترى شمعة الحزن و دمعة الأسى تتعانقان حروفاً ترسم مأساة إنسانية لا يمر عليها قارئ إلا و يكتوي بما تحمله من هموم 0

البعد الفني في قصيدة القادم لن يأتي :
تبوح الكلمات بصداها لتفجر مخزون الألم الذي تكدس في ذات الشاعر من خلال قصيدة واحدة في رثاء ولده حيث بنى الشاعر لمضمونه نصاً حديثاً فقد كتب شاعرنا أحزانه في نص تفعيلي اعتمد السطر الشعري و تفعيلة الرمل بحراً حيث الإيقاع الحزين الذي يغلف تفعيلة ( فعولن ) و التي تماوجت إيقاعاتها بين صفحة و أخرى فالقصيدة الديوان حملت في طياتها بعداً شعرياً صورياً تعانق فيه خيال الشاعر مع حزنه فبدت الصورة الشعرية عند شاعرنا صورة معتمة في دلالاتها مضيئة في تعبيراتها إضافة إلى أن الشاعر استطاع أن يجسد المجردات في صوره بحيث بدت كائنات حية تتحرك يميناً و يساراً ( أنثى العويل – سأرشق وجه الدفاتر – كأس الأسى – فأكمل مرثية لا تزال على ورق البيلسان ) و نحن نعرف جميعاً أن شعر التفعيلة يستطيع أن يحمل في طياته تماوجات الانفعالات الحزينة التي ترسم بظلالها حروف الشاعر المورقة بالحزن الأبوي 0
لقد صورت الخنساء نفسها بناقة فقدت ابنها فاحتالوا لها بـ ( بو ) تغير عليه و تدر بلبنها معتقدة أن هذا البو الصغير ما يزال على قيد الحياة أما شاعرنا العيازرة فقد كان يغير من خلال نصه بحزنه الصامت العميق على بوه المتوهم بحيث جعل حروفه و كأـنها بحيرات من الحزن يستحم فيها كلما خطر ذكر ولده في نفسه 0
نم على سعفة من نخيل الزمان الغضوب
فعيناك بين الرموش تزوغان
أو تلهوان بسقف يضيق
0000 فأدركت أن الصباح جريح
و أن البشاشة في شفتيه نزيف
و كل الفصول خريف
إلى أين ؟؟!!!
يا زهرة نبتت في الوجيف
فكيف سأنسى أدق التفاصيل
عن قادم لن يعود
إلى النور في رحلة
رافقتني كاسم يلازم معناه
أو هالة من وميض
يحيط ببدر يدور بأرجاء بيتي

هكذا حول الشاعر صوره و حروفه إلى مجسدات تنطق بحزنه و ترسم من انطبع في ذاكرته من ألم على فقدان ولده 0
ملحمة في شعر التفعيلة تحتاج إلى توقف آخر و في محطة أخرى لنكتشف من خلالها ما غاب في تلافيف لا شعور الشاعر من أسى رسم وجدانه جرحاً نازفاً على مر




5-قراءة سيكولوجية في بوح الهمسات النفسية
في نص / شرنقة مزقت رعشتي /
للشاعرة : سمر سليم الزريعي (فلسطين)
قصيدة النثر كما يسمونها أو كما تتراءى لنا نص لا تعتمد القافية و هي تحمل في نبضاتها ما يختلج في الوجدان لتنبض بتصوير رمزي و إيحائي يفرغه الشاعر على أرض الواقع من خلال مخزون ارثه الثقافي ، فالشكل الشعري الجديد يبدأ من الكلمة و مدلولاتها و إيقاعها ليأخذنا نسبح في عالم الصورة التعبيرية و الرمز و سائر ضروب الإيحاء اللفظي و مدلولاته الكامنة في مناخات اللغة و الموسيقا التي تلون النص بإيقاعها الدافئ تضفي عليه رونقاً جديداً و هذا ما يفتقده قالب الشعر النثري مع الاحتفاظ بسمته الأدبية 0
و النص الذي بين أيدينا بعنوان : / شرنقة مزقت رعشتي / للشاعرة سمر سليم الزريعي هو أحد نصوص النثر فالعنوان يرسم لوحة على جدار الذات ليسبر مغاورها و يتوجس أنفاسها الصاعدة التي تبوح برعشتها 000 لوحة ترتسم مع أمواج البحر لتتلاقى مع أصداء الذات عبر الأنفاس المتبرعمة في شطآن الوهم و الحقيقة 00 وهمٌ يركض حافياً يرتدي الخطوات لكنه يشرق من انفعالاتها حلمٌ طفولي فيه براءة القرنفل و نقاوة الياسمين بولادة جديدة و حلم جديد

(( أيها البحر الغريق
امض لليلي 000
لتعبر الأنفاس المتبرعمة
و سأرتديك لأمحو خطواتها مني
فأشرقت منك
طفلة تتشكل من جديد ))
حركة ديناميكية مستمرة تكسر أعتاب صمتها ببوح السكون لتقف عند حدود الذات ترسم حروفها المائية التي تحمل حيوية متدفقة من شعورها الصادق الباحث عن ظل
واعد في ليل الحياة المظلم 000 إنها انطلاقة جديدة ترسمها الشاعرة بحروفها الملتهبة 000 و همسة راعفة تزجيها إلى أسلاك القلب التائهة في مغاور النفس التي تبحث عن أنفاس جديدة ترتقي بحلمها من عتمة الليل و الوحدة إلى نافذة الهمسات التي تشرق منها بوحاً جديد 0

(( فكل الحروف مائية
حطت بخيلها في أضلعي
تحررني
لتجمع ماءك
من عتمتي 000
فيمضغني السواد بوحدتي
عند أبواب همساتك ))

لكن التدفق الحيوي في لغة الشاعرة لم يقرع باب اليأس بل فتح نافذة الأمل للربيع الذي يجدد الحياة بنسغ ٍ يخضوري يورق في كأس ورد الحبيب يعطر ليل الماضي :
(( استدعي الربيع الآن
ليلتهم فراشة حنطتها 000
بغرفتــي
في كأس ورك ))

و تبقى زفرات الصورة تنقلنا بألوان طيفها قوس قزح يقرأ فنجان قهوتها من رئة ممتلئة بحصى الأنفاس الهاربة من أطياف وحدتها إلى عالم واقعها تاركة أنفاسها المتعبة و صمت وحدتها و أحلامها الخرافية تنكسر على أمواج زرقة البحر لتنقلنا عبر جواز مرور إلى أفق ممتد ٍ في فضاءات رحبة تعلن ميلاد ساعة الصفر 00
الشاعرة باحت بصمتها و بلغتها الوجدانية أفاقاً تخترق حاجز الذات لتسبر معالمه و جعلت من لوحتها البحرية الغريقة في عالم الوجدان رموزاً تولد ُ في كائناتها لتغدو عنصراً فاعلاً في لوحتها 000
( فالبحر الغريق و الأنفاس المتبرعمة ) صور ٌ تتعدى سكون الحركات لتدخل أعماق الذات 0
صورتان متلازمتان ( غرق وولادة ) و لأن عجلة العمر الكوني لا ترجع إلى الوراء ندرك أن بعد الموت ولادة و حياة جديدة 0
فتمتشق من مفرداتها قاموساً ذاتياً يحتوي خصوصية تلقائية ترسم لوحتها في جسم القصيدة فتعابير مثل ( بجوفي – عتمتي – لملمني – برعدي – في رئتي – في يدي )
كائنات حسية ترسم لوحة الذات و تعبر عنها بل تغوص في أعماقها لتسبر بمفرداتها جمالية اللوحة 0 فالوهج و الإحساس الصادق لدى الشاعرة يسبر مغاور نفسها عبر انغماسه في الواقع الحياتي و هذا ما عبرت عنه جلياً في مفرداتها :

(( بنضج الليل عند اشتهائي
احتسي قراءتي لفنجاني ))

نبض صادق يتعالى في صراع مع حواس الجسد لينطلق في أفق الوعي اللامحدود
بخصوبته المترامية في الأفق الطلق يبحث عن معالم جديدة لحلم جديد 0
و من هنا يبدو لنا أن العزف على أوتار قصيدة النثر يحتاج إلى قوة تخزينية للصورة الشعرية بحيث تدهشك معالمها دهشة ً تنقلك دفعة واحدة إلى عالم آخر كما و تحتاج إلى لغة مختزلة ترتقي مفرداتها إلى قاموس ينقلك عبر أثير روح الكلمات ليرسم أبعاد الهدف الذي تتحدث عنه القصيدة 0
هدفان متكاملان و متسارعان في الوصول بالقارئ إلى اللحظة الشعرية الفطرية التي تبعث في النفس حقيقتها ( الصورة الشعرية – اللغة الشعرية ) و كم نتمنى من كتابنا المعاصرين الذين يمتطون صهوة هذا الجنس الأدبي أن يعوا أن حصان الشعر حصان مشاكس يحتاج إلى فارس ٍ ماهر يقوده من صحارى الكلمات إلى واحات الوجدان الشعري الخالص 0


6-نكسارات الأبعـاد النفـسية
تحت ستار العاطفة الحديدية
النص للشاعرةريـمأبو عـيد(مصر)
أضحكتني

أضحكتني
أظننت أنك عندما ودعتني ..
هزمتني ..
كسرتني ..
حطمتني ..
وهماً ظننت أيها المغرور ..
من أنت ..
كييقف الزمان عندك
و لا يدور؟
أظننت أني بعدك لن أعيش ..
أظننت أني بعدك لنأكون ..
أظننت أنك عندما ودعتني ..
أوجعتني؟؟
أبكيتني؟؟
وقتلتني؟؟
وهماً ظننت
فما أنا التي ستبكي
يوماً عليك
و أنا التي ..
كنت النجوم لناظريك
و أنا التي قلتَ في عينيها يوماً ..
أجمل مالديك
و قلت عنها أنها ..
أغلى مَن لديك
أضحكتني ..
حين ظننت ..
أني
سأبكي احتراقاً بين يديك ..
و أني سأسكب دمي ..
أنهاراً علىقدميك ..
حينما ودعتني
أضحكتني ..
و سيأتي يومٌ تعرف فيه أيها المغرور
كيف أنت خسرتني ..
في الحديث عن الأدب النسائي و في استبار أعماقالمرأة التي تتمثل بعواطفها و معطيات تدفق شرايين الدماء في قلبها ترتسم ذاكرةالأفعال الإنسانية الواعدة و التي تحمل إلينا روح الحيـاة بمعناها الحق و الصحيحفالإنسان منذ أن وجد على هذه الأرض و هو يبحث عن مرآة حقيقية صادقة ترتسم ذاته علىصفحاتها ارتساماً حقيقياً فإذا ما وجد أن المــرآة ترســم صـورة كاريكاتوريةللعواطف الكاذبة فإنه يتحول إلى وحي يبحث عن سخرية يصد بها أفعال الآخرين
خاصةعندما تكون هذه الأفعال تعبر شرايين الدم بجواز سفر مزور 0
لا أعتقد أن الشواعرالعرب نقصد الشاعرات العربيات قد ابتعدن في كتاباتهن عن العاطــفة فحيثما فتحت صفحةالأدب في ديوان الأدب النسائي تجد اســتيلاء العاطفة علــى مفردات النصوص الأدبية وتجارب ليلى الأخيلية و الخنساء وولادة بنت المستكفي و مي زيادة و فدوى طوقان وغيرهم تريك أبعاد المشاعر الإنسانية التي تحملها الكتابات النسائية 0
و شاعرتناريم أبو عيد في نصها ( أضحكتني ) هي أنموذج آخر في رسم العواطــف الذاتية التي ترتدبفعل ارتكاسات رجولية ترى في المرأة مخلوقاً ضعيفاً أو مستهاناً إذ أنها منذالبدايـة تشحن مفرداتها بسخرية لاذعة لتلك المواقف التي لا تعبر عن كيانها الحقيقيو نحن نعرف أن المرأة هي شجرة الحياة التي نستفيء تحت ظلالها و نقطف من ثمارهافلماذا نحـتطبها إذا ما رغبنا في إحباطها و لماذا نستدفئ بنارها و هي تحترق من أجلأن تذكي مشاعرنا إن المـرأة بصورتها الحقيقية غيمة تظل سماءنا فإذا ما أردنا أننخدش مشاعرها بحجارة صغيرة فذلك لن يضيرها 0 و على الرغم من ذلك فإن شاعرتنا فينصها هذا تبدو واثقة من نفسها في رصـد الأفعال الرجولية التي تحاول أن تقصيها عنواقعها الحقيقي 0
( أظننت أنك عندما ودعتني
هزمتني
كسرتني
حطمتني )
استفهام إنكاري يحمل في طياته أبعاد الشوق الإنساني إلى الثبات و البقاءتوّجــه استــفهام استنكاري آخر يستهجن فعل كل خلية من هذا المستهتر ( من أنت ؟؟؟؟؟ ) عبـارة تحـمل في طياتها مطرقة عنيفة تحطم الأفكار التي لا ترى في الآخرين إلا صدىلأشباح تمــشي على الأرض و هذا ما أكدته الشاعرة ريم أبو عيد في قولها :
( كييقف الزمان عندك و لا يدور ) و هي عبارة مشحونة بمعاني الإباء الأنثوي الذي نلمـسهعند المرأة الشرقية و التي لا تقبل أن تكون سلعة رخيصة تتقاذفها أيدي المستهترينمتوهـمين أنهم يستطيعون أن يتحكموا بمشاعر المرأة كما يشاؤون 000 و إن كانت القيمالتعبيرية في هذا السطر الشعري لم تصل إلى الطموح الذي تريده الشاعرة 0
إذا نحنأمام ثلاثة أفعال استنكارية تبحث عن أجوبة تبين ذلك الكبر الذي يعيــشه الآخـرونليؤكدوا ذواتهم المنتقصة إرتكاس لهشاشة في أعماق النفس و شاعرتنا قد أجادت في رسـمهذا الإرتكاس و تلك الهشاشة بشكل لا شعوري حين قالت :
( أظننت أني بعدك لن أعيش؟؟؟ !!!! )
( أظننت أني بعدك لن أكون ؟؟؟ !!!! )
( أظننت أنك عندما ودعتني
أوجعتني
أبكيتني
و قتلتني ؟؟ !!! )
حقيقة كما قالت الشاعرة : ما صنعهكان وهماً لأن الدنيا لا تقف عند المشاعر المزيفة فالأفعال الإنسانية تؤكد علىمعيارية الإخلاص ذلك الخلق النبيل الذي تحمله الفطرة الإنسانية إلينا 0
لقد كانتالشاعرة في نصها قناديلاً مضيئة و نجوماً مشعة أمام ظاهـرة الغـرور وما ذلك إلافطرة و سجية ً ترسلها رسالة إنسانية في آفاق الحياة 0
و إذا كان ما نراه في النصمن ( لقاء غريب ) لمحناه من إيحاء المفردات و الصيغ التعـبيرية و القيم الصوريةتلاه ( فراق غريب ) عبر عنه خط دفاع الاستفهام الإستكاري لعـدم وجـود التكافؤ بينمعياري الفطرة السليمة و النكوص الغروري من جهة و الإخلاص الساذج و الكبر المر تكسمن جهة أخرى فإن مرد ذلك لن يكون إلا قطيعة الخاسر فيها هو الغرور نفسه 0
( وسيأتي يوم تعرف فيه أيها المغرور
كيف أنت خسرتني )
عبارة على هشاشة صياغتهاتحمل جذوة عاطفية صادقة سيطرت على مشــاعر الـشاعرة و تحولت إلى حاجز حديدي أمامالتعبير البياني و التعبير الخيالي الذي افتقده النــص و الذي عوضته شحنة الاحساسالملتهب للمفردات الشعرية حين اشتـعلت بأنفاسـها روح الصــدق و الإخلاص و إن كانتهذه المفردات مفردات قاموسية في بعضها و متداولة في حركة الحياة اليومية أو أنها لمتشكل استجابات بلاغية مستقلة عن موروث الشعر ترتسم فيها صور بلاغية جديدة تصورالمغرور بأبعاد موشورية مختلفة عما رسمه ماضي الأدب 0
و إذا كان هناك من همسهنهمسها في أذن الشاعرة فهي أن كوكبها الـشعري لم يشكل مـداراً مستقل في مجرة الشعرالعربي و هي في هذا النص بالذات تدور في فـلك الـشعر الـنزاري محاولة الاسقلالبمسار جديد يرسم على صفحات الشعر العربي معطيات جديدة و آفاق جديدة و عواطف صادقةجديدة 0

خالد الخنين
المتصفح لديوان الشعر العربي المعاصر في المملكة العربية السعودية يدرك تمام الإدراك الهوة الواسعة بين ما قيل في مطلع القرن العشرين ونهايته بل يلمس طرق التفكير والتعبير وقد اختلفتا بحيث بدت صورة الشاعر مختلفة تماما من شاعر ( مداحه نواحه ) إلى شاعر يتحدث عن أدق التفصيلات والشاعر التي تعترضه إلى شاعر يتحدث عن أرضه ووطنه وعشقه وحبه واغترابه وغربته وكفاحه في سبيل تثبيت أقدامه على واقع مر علقمي يتجرع فيه الإنسان كؤوس الانفصام عن الواقع وبروز القصيدة ( الحلم )حلم الطفولة هربا من الواقع المردي وارتماء في أحضان الأمل حتى إنك ترى الشاعر السعودي المعاصر شاعرا مغتربا عن واقعه وإن كان منتميا إلى وطنه وأرضه معاندا أحيانا ومخذولا أحيانا أخرى ولكنه يبقى مصرا على تجاوز واقعه النفسي والاجتماعي خاصة وأن مشاكل الحياة الجديدة قد تناهبته واقتسمت همومه وحولته غيمة من الصمت تبحث عن واحة خضراء تستريح على ضفافها ولست أشك ولو للحظة واحدة أن الواقع المردي الذي ظهرت بصمات أصابعه على الكثير من قصائد الشعر قد رسم معالمه من خلال لوحتين مشرقتين :
الأولى تتمثل في صورة المرأة والثانية في صورة الحديث عن الذكريات التي يحملها الشاعر ويسفحها على راحة نصوصه الشعرية وشاعرنا خالد الحنين من خلال نصه ( الدم ) يتحدث عن نقطة الذكريات التي حملها معه من تلك البقعة إلى دمشق حين طار بجناحي الشعر حاملا هموم الغربة التي تبقى في أعين الشعراء كالتقلب على أحر من الجمر فبدت ( الدم ( حكاية تدور على شفاهه بصمت
ألقى على شفتيها بوحة ومضى
إلا حكاياه ترويها حكاياها
ورسم صورتها على مساحة روحه المصعوقة يفعل الحنين والحب الجذاب للقاتل وفي مقلة الحلم المفتون وعلى أعتاب الذكريات سفح الشاعر خالد بن محمد الحنين قصيدته أو مهد صباه ومرابع أحلامه ( الدم ) ورسم صورة لمسقط رأسه حيث الطفولة والحلم والأمل المتلألئ كحبات الجمان وفي أحياء العصور وفي شوارعها وبن أزقتها وخلف بيوتها حيث السكون السديمي تقافزت طفولة الشاعر وتراقصت آماله وانتصب حلمه كزوبعة بيضاء في وهج الصحراء القاحلة وبدت هيمنة المجد على عمق روحه ترسم آفاقها بحثا عن الحب والجمال والدماثة والمتنقل بين أمواج الصحراء النجدية وتتعاقل رمالها يدرك ما للارتباط بعمق الصحراء من أثر على النفس والروح ذلك بأن هذه الصحراء ليست إلا مجرا من الصمت الصاخب بالحزن والاقظ للأحلام والواعد بعطاء مكنون وشاعرنا خالد الحنين من خلال حدائه الصحراوي يبرز لنا ( كإنسان ) سمقته حرارة الصحراء في أتونها وعلمته الصبر والصمت والتشوق .
ولسانها بصدد وصف الشاعر بقدر ما نحن بصدد استبار عمق روحه وأثر الغربة في نفسه وما خلفته تلك الديار ( مرابع صباه في شخصيته التي تحولت إلى روح معمقة ومفعمة بالحزن والألم والبحث عن التغيير من خلال ما لقيه هذا الشاعر من قضايا وأحداث تركت بصماتها على روحه المصعوقة بفعل الحب والعطاء .
إذ أن الشاعر منذ مطلع نصه واستعماله كلمة ( هناك )
(( هناك في فلك ناء جناحها سمراء فوق غمام الصبح تلقاها ))
يشعرنا بأنه يحيا بعمق إحساسه وبكل جوارحه تلك الذكريات التي أضحت طائرا يرفرف بجوانحه فوق صبح غائم يتلقاك بالندى والمطر

وأنه مازال يرتبط بها ارتباطا وثيقا لا يمكن أن تفصل عراه مهما طال الفراق وبعدت المسافة ذلك أنه ومن خلال نصه يرسم بريشة الفنان المعجب يرسم صورة محبوبته أو قل صورة يلده ومسقط رأسه ويضفي عليها أسرار الجمال الإلهي الواعد فبدت امرأة جميلة ساحرة فاتنة تختال تيها وكبرا وسموا
(( ألقت إلى ملكوت الله حببتها والكبر عبر ذرا هذا المدى تاها
(( مهد الأحبة في أرجائها درجوا فكم سقتنا من الأحلام أنداها ))
إنها مدارج أحلام وموعد صبا وطفولة وندى وحب الشاعر حين يتحدث عن ذكرياته إنما يتحدث برومنسية العاشق ولغة المحب الوامق وبهمسة المتعلق بعشقه ووطنه
(( هذي هي الدلم الشماء أي صبا هذا وأي جمال في صباياها ))
(( حور عبرن وسرن في حمام قطا والرائحات نجوم في ثناياها ))
(( هذي المليحة ما سر الجمال بها وكيف يفتننا عشقيا محياها ))
ولو رحنا نستعرض في القصائد التي يتحدث فيها الشعراء عن مساقط رؤوسهم ومواطنهم ولادتهم للمسنا بحق أن شاعرنا خالد يخرج عن الإطار العام لتشبيه مواطن الرأس بمسوح الجمال وخاصة حين يصف هذا الشاعر سحر الجمال في صبايا بلدته
(( سبحان مبدعا حسنا وخالقها ألق بها الروح في لطف وسواها ))
(( مرت بنا في الحلم طائفها فما يقول وما ترويه عيناها ))
(( ما مر فارس عشق ها هنا أبدا إلا تمنى على الأيام لقياها ))
(( هي الملاحم والرايات خافقة وعند ذروتها تمدو سراياها ))
إنها صورة البلدة المتمثلة عند الشاعر بصورة امرأة وفارس عشق لتدل على تعلق الشاعر ببلده تعلقا شديدا إلى درجة العشق أو ملحمة العشق
ويبدو أن شاعرنا حين اختار موضوعه هذا ( التعلق بمسقط الرأس ) اختار له الشكل العمودي القائم على الشطرين وهو شكل يدل على المعمارى التي يختار فيها الشاعر أحجار بنائه من الألفاظ المنتقاة المصانة المنحوتة نحتا بارعا لأنها في مواقفها إنما تتمثل كل ما أورده الشاعر من معاني تمثل بلدته المحبوبة ( مقلة الحلم – فارس عشق – ظمأ مشتاق – ارتعشت ) كما وأنه حين بنى نصه كانت القوافي لديه كأحجار الزاوية عل حد حقول الناقد ( مارون عبود ) إذ أن قافية النص بدت من خلال استخدام الهاء المشبعة فتمتها ألفا ومد الصوت من خلالها يدل دلالة عميقة على انطلاق روح الشاعر في الفضاء بحثا عن حبه ( مسقط رأسه ) إنها الأنفاس التي تحل روح الشاعر ووجدانه كما وأن استخدام الشاعر للصور بمختلف أشكالها والتشبيه + المجاز + الاستعارة + الكناية يدل دلالة حقيقية على مدى عمق خياله في تصور شوقه وعشقه لبلده ( مقلة الحلم المفتون ) ( تربني شهدا خلاياها ) ( جن قلبي )
( العبق الخافي )( سقنا من الأحلام أنداها ) ( هذه هي الدلم الشماء أي صبا ) وهذا يعني أن شاعرنا من خلال نصه استطاع أن يرسم صورة معاناته بالشكل الموروث المتشوع لاستيعاب الذهنية الشعرية المعاصرة الحديثة بحذر وتأني وكأنني باشاعر برومانسيته إنما يئكد فطرة الإنسان تجاه مسق رأسه ومكتن ولادته

سوريا – درعا
4 / 1 / 2000 م








ناصر جبران






حين تصبح الأمة كومة من رماد ويتحول التاريخ الى عود مثقوب يذر رماد الأمة وحين تتحول العواصم البكر الى نساء تفقد بكارتها لأول طارق يصبح على عاتق الشعراء والأدباء و المخلصين والمدافعين عن هذه الأمة مسؤوليات جسام تتمثل في نشر الوعي وتأطيره وتجسبده ضمن قنوات صحيحة تسلكها عناصر الأمة من أجل الوصول إلى شاطئ الحب والخير والسلام.
وحين تتحول الجراح جراح الأمة إلى مستنقعات من البؤس و المرارة يلوكها الأبناء والأحفاد يتحول الفكر إلى دوامة تطيح بأبناء الأمة في بئر عميقة القرار .
والتاريخ العربي منذ فجره الأول لم تمر عليه مرحلة كما هي الآن خاصة وأن الإنسان تحول فيها إلى شبه زواحف لا تستطيع أن تواكب ركب الحضارة أو أن تمضي قدما نحو المستقبل الواعد
والشاعر / ناصر جبران / واحد من الذين تسلموا جراح الأمة وصافحوا ماضيها المشرق وبكوا على حاضرها الذي يبدو قصيدة تعزف على أوتار الحزن من خلال نصه /ماذا لو تركوا الخيل تمضي /.
والمتصفح لهذا النص يدرك منذ البداية أن استفهام الشاعر الذي جاء على شكل تمني وارتباطه بالماضي المشرق ليس إلا صيحة من عمق الوجدان العربي الحاضر الذي أصبح هذه الأيام في خبر كان أو المتعلق بالظرف الدولي الجديد الذي بسط أذرعه الأخطبوطية على هذه الروح العربية وجعلها تلفظ آخر أنفاسها بكاء على التشرذم والتشتت والتشظي الذي تحول إلى ألبوم صور يحتوي على أكثر من اثنتين وعشرين يبحث فيها الشاعر عن اسمه فلا يجده.
(( أدخل ذاكرتي
أبحث عن اسمي......عني
عني يبحث عني
ويطول الدرب
وتمضي راحلتي
تتعرج مثل وريد القلب ))
إنه يفتش عن انتمائه كما وريد الدماء يبحث عن القلب فأين هو القلب ؟ وأين نحن منها إن كل واحد منا يبدو كالمسلول الذي يقلب صفحات التاريخ وهو ضائع لا يدري أين هو وما عبارة الشاعر ( عن يبحث ) إلا تعبيرا عن هذا الضياع هذا التشرد وهذا النكوص القاتل
لقد قال الله تعالى في كتابه العزيز : (( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بين قلوبهم ))
ودلل لنا عل ان الطريقة التي بها استطعنا أن نملك الكون هي التي تستطيع أن يعيدنا إلى ما كنا عليه والبداوة الأولى التي ألمح إليها الشاعر في نصه هي النعت مع العقيدة فكونت تلك الأمة التي كتبت صفحات التاريخ بحبر من نور وإن كان البعض يسخر منها ( أقصد البداوة )
( قالوا عنا بدو
لا نحسن غير الطعن
وخيام نسكنها أشباح الصحراء
وقراصنة البحر )
ولكنم لم يدركوا أن نبي الفقراء كما قال الشاعر قد حول أرض الشام برمتها إلى واحة من نور وإن كان أبناء هذه الواحة مهدوري الدم من قبل أعدائهم
(( كأن نبي الفقراء
يذرع أرض الشام برمتها
مهدور دمه من قحطان إلى عدنان ))
إن صراع الحق و الباطل صراع الموت والحياة صراع الوجود و اللا وجود
لقد بكى العرب دموع راعفة على ضياع الأندلس وبكت جنوبهم أرقا على استلاب فلسطين ولنهم اليوم ستصعق أرواحهم بفتيل الموت إن لم يدركوا ما أعد لهم في هذه الألفية الثالثة
وما زرع في أرضهم من ألغام فكرية واقتصادية غايتها القضاء على آخر بدوي في أحضان الصحراء
(( ورحلت
أطوي مسافات البعد
أجز النفس للأعماق
أتحسس قاع الذات
أعيش الرهبة في البرهة
أستنطق أجوبة
أنهكتني هذا الميت....أضناني
وشعرت
دبيب الحمى تأكل أعضائي
فأنا منحور من وسطي))
حقا لقد أنهكنا هذا الميت الذي يدعونه جسد العروبة في زمن لم تعد تتجمع فيه إلا رايات الصعاليك البدو والمنسيين سهوا من قائمة زكاة الفطر
إننا أمام مواجهة عنيفة تحاول سبر أغوار المجهول كما يقول الشاعر أمام بحث مضني عن الذات العربية وكأننا في حمئة معركة طاحنة يحاول أعدائنا فيها أن يلغوا وجودنا وأن ينسفوه من جذوره وكأنني بالشاعر حين أدرك هذه الحقيقة إنما أغترفها من مشكاة النبوة مشكاة محمد حين قال (( ويل للعرب من شر قد اقترب )) وأنه قد شخص لنا العودة الأولى إلى الجذور إلى الماضي إلى // ماذا لو تركوا الخيل تمضي

//
((حسنا سأتمسك
مثل الطفل
أغسل درني من غير حياء
فالزخة فوق الزخة
تصيح مجرى
والمجرى فوق المجرى
يولد سيلا
والسيل فوق السيل
يصنع نهرا
والنهر يهيج
حين يسود الظلم ))
إنه الموت المحيي الذي يبعث في الأمة الروح من جديد ويجعلها تمضي إلى مستقبلها الواعد المشرق إنه ينتظر كل الإشراقات الطيبة التي توصله عبر بوصلة الحلم إلى نقطة الارتكاز الأولى حيث تعود راية الحق والمحبة والعدل
(( عيني تسبر أغوار المجهول
في رشرشة الضوء
كل الاشراقات الطيبة ))







الرؤية التنويرية في نص

( و إن زحفوا فللدنيا هدير )
للشاعر : محمود مفلح
بقلم: حسين علي الهنداوي

إذا كانت قدور الناس تصـــفو فــــإن قـــدورنا أبــــداً تفـــــــور
و إن كانت همومهـــم رمـــاداً فـــــإن همـوم أصـغرنا ســــــعير
نغني و النوافذ مشــــــرعات على دمنا و ترمقنــــــا القبـــــور
فلا الأبطال في بلدي صغــــــار و لا وجه الطفـــــولة مستديـــــر
لقد كبر الصغار على الأمــانـي و أنضج خبـــزهــم هــمّ كبيــــــر
جبال النار تعرفهم و ســــــفح به راحت دوائرهـــــــم تــــــدور
ومن قبل الصلاة لهم صـــــلاة ومن بعد الطهور لهم طــــهــــور
كأن الــــقدس ليــس لها رجال و شـــــعب القدس ليس له جذور
و لاكتبت ملاحمـــــــنا مواض و لا عشــــقت شــــــواهقنا نسور
و أعجب كيف بعض القوم يبغى عليه فــــلا يغــــــار و لا يغيـــــر
و تهتز البـــــلاد ومن عليهـــا و في الحانات تهتز الخصــــــــور
يتاجر من يتاجر في أســـــــانا و ينهــــش لحمــــــنا كلب عــقور
إلى أعنــــــاقــنا مدت نصـــال و أحقــــــر ما بها نصــــــــل أجير
و قبلنا الأكف لقــــاء ســـــــلم صغير ســــــاقه بطـــــل صغيــــــر
رجالاً أصــــــــبح الأبطال فينا و في قلب الصـــراع لهـــــم زئير
فلا تعجب و ليس لهم رصاص إذا وقعت على المـــــــوت الصدور
نعم ثاروا و عدتهم حجـــــار و نحن - القاعدين - متى نثــــور
دماؤهم على الساحات مسك و يمضـــي للعـــــبيـــر بك العبـــير
فنبت القدس ليس له نظيــــر و حاشـــى أن يــــكون له نظــــــير 0



إذا كانت مصطلحات النــــقد الثلاث ( الرؤيا و المنهج و المصطلح ) ما زالـــت على عتبات التجديف النقدي العربي فإن نصاً كنص الشـــــاعر محمود مفــلح المــــسمى
( و إن زحفوا فللدنيا هدير ) قد استطاع أن يشـــــــرع أجنحته باتجاه بوصلة الرؤيا العربية الإسلامية للجهاد العربي الفلسطيني الذي يمثل نقطة الانطلاق الأولى لنبذ كل معطيات الزحف الصهيوني الصليبي الذي يحاول أن يعيد الكرّة في ســـــيطرته على المشرق العربي و نحن نعرف أن فلسطين هي نقطة البدء و أن القدس هي محطة الاستراحة الأولى التي عوّل عليها أتباع الاستعمار و الذين جاءوا يحملون إلى الشــــرق عودة المسيح الدجال بصورته ( البوشية ) 0
إذن نحن أمام نص يرسم فيه شــــــاعرنا رؤية جديدة قديمة لمنطلقات الجهـــاد ضد المستعمر و يؤطر فيه لمعاني عروبية إسلامية تســــــتحث الخطا باتجاه العودة إلى تخليص القدس من قبضة مغتصبيها و الذين يحــــاولون في هذه المرة أن يهودوها ضمن أسطورة مملكة سليمان التي تمثل من وجهة نظر الآخر نقطة النهاية لتشــرد اليهود الذين اقتلعوا من الأرض العربية أصحابهـــــــا و أحلوا مكانها مجموعة من الشراذم تتسافد على عتبات المسجد الأقصى معلنة عصراً جديداً 0
نص و إن حمل بين جنبيه هموم الجهاد العربـــي الإسلامي الفلســـــطيني بشكل خاص إلا أنه عكس ذلك على عروبية هذا الجهــــــاد الذي مثله في هذا العـــصر الصعب و( الذي تخلت فيه الكثير من الزعامات العربية عن مهمة استرداد ما سلب من الأرض ) أطفال فلسطين و تلك معادلة صعبة حين يتخلى الرجال و تنبري ســــــواعد الأطفال لتعيد السليب من الأرض أو على الأقل لتثبت أقدام الأجيال القادمة على هذه الأرض لعل و لعسى أن ينطلق ( صلاح الدين آخر ) يعيد ما ســـــــلب من كرامة و أرض و عرض 0
صورة عرضها الشاعر من خلال الوهن الذي أصــــاب الأمة و أخص بالذكر أصاب رجالاتها فأصبحت الهموم رماداً لم يبق من جمره إلا سعير الطفل الفلسطيني الذي لا يتوانى أن يشتعل في كل لحظة نار على أعدائه و نوراً لأبناء جلدته
إذا كانت قدور الناس تصفو فإن قـــدورنا أبــــداً تفور
و إن كانت همومهـــم رماداً فإن هموم أصـغرنا سعير
نغني و النوافذ مشــــرعات على دمنا و ترمقنا القبور
هذه التفاؤلية التي تقفز من ذاكرة الشـــــاعر تؤكد أن بريق الأمل ما زالت أضواؤه تتلألأ في سماء القدس التي خصها الشـــــاعر بهذه القطعة من كبده على الرغم من الدماء التي ما زالت تثعب من الجرح الطفولي الفلســطيني الذي حول وجه الطفولة الفلسطينية إلى تجاعيد تخفي في أسرارها العزيمة و الإصرار على ســـــحق كل من يريد أن يجعل من القدس هيكلاً جديداً يغنّي أمامه نشيد الموت العربي 0
وقد أوحى لنا الشاعر بذلك حين أشار إلى أن وجه الطفولــــة الفلســــــطينية لم يعد مستديراً كالوجوه الأخرى بل و أضاف إلى هذا الوجه الهم الطفولي الذي توقد أتوناً مســـتعرة لتجعل الخبز الفلســـــطيني هو إزالة هذه الطغمة التي تسعى بشكل حثيث لتهويد القدس 0
لقد رســـــــم لنا الشاعر محمود مفلح كعادته صورة مسيرة الكفاح الفلسطيني الذي يبدو أنه يتعثر على أيدي البعض بحيث يرتضي هذا البعض بألقاب و نياشـــين يتزيى
بها على حساب الملاحم العربية التي تأبى إلا أن تعيد ما اســـــتلب من الحق العربي
و كأني به حين يقول :
كأن القدس ليس لها رجال و شعب القدس ليس له جذور
و لاكتبت ملاحمنا مواض و لا عشــــقت شواهقنا نسور
يريد أن يرسم صورة لهذا الوهن العربي الذي أطبق بفمه الفاغر على كل النـفـوس فحولها إلى ركام من الحجارة أو إلى رماد أســـــــود اللهم إلا أولئك الصـــبية الذين يسخرون من الذين يتاجرون في أسى الأم الفلســــطينية و بدماء الطفولة فيقفز إلى صورة أخرى تستلب عمق اللاشعور و تحمَّله البعد اللامنطقــــي الذي يرجح معادلة الحق و الباطل و يحملها باتجاه بوصلة الموت 0
و أعجب كيف بعض القوم يبغى عليه فلا يغـــــار ولا يغــــير
و تهـــــــتز الـــــبلاد ومن عليها و في الحانات تهتز الخصور
حقاً إن الخصور لتهتز في الحانات على جــسد القدس فكم من كلب عقور نهش هذا اللحم الفلسطيني و الأدهى و الأمر أن تهن عزيمة بعض الفلسطينيين لتقبيل الأكف مضيعة الأمانة وراضية بسلم متوهم ( صغير ساقه بطل صغير )

البعد الفني في النص :
إذا كان الجاحظ يؤكد في رؤيته النقدية على أن المعاني ملقاة في الطرقــــات يعرفها العربي و الأعجمي و البدوي والحضري و إنما المعول عليه في إلباس هذه المعاني ثياباً جديده تحمل في صورها البعد المشــــرق للجماليــة الفنية فإن النص الذي بين أيدينا : ( و إن زحفوا فللدنيا هدير ) و إن كان لا يخرج في إطاره العام عن عمـــود الشـــعر العربي المتمثل في وحدة البيت و القافية إلا أنه يحمل إلينا في جنباته بعداً دراميا يعتمد على المفارقات التي تبرز تناقض الضعف العربي و الهمجية الصهيونية
يتاجر من يتاجر في أســـــــانا و ينهــــش لحمنا كلب عقور
إلى أعنــــــاقــنا مدت نصـــال و أحقــــــر ما بها نصل أجير
رجالاً أصــــــــبح الأبطال فينا و في قلب الصـــراع لهم زئير
فلا تعجب و ليس لهم رصاص إذا وقعت على الموت الصدور

و كأنا بالشــــاعر يؤطر لملحمة ينتهي فيها صوت الباطل و تعلو رايات الحق حاملاً بين جنبات نصه مفردات ترسم بريشتها الألم الفلســطيني العروبي المغموس بدماء الأطفال و الذي يستمد زيته من جذور زيتون تلك الأرض 0
و إذا كان الشاعر لا يتمذهب بمذهب أدبي في نصه هذا إلا أنه غمس رشــــته الفنيه في تجارب شـــــــعراء عظام و أخرج لنا جعبة جديدة تميز بهـــا من خلال نصوصه المعهودة فقد كان بحترياً في سلاسته و تماميا في إيحائه ومتنبيا في بنائه الشعري الذي انطلق من مقولة الحطيئة
( الشعر صعب و طويل سلمه إذا ارتقى فيه لا يعلمه )
زلّت به إلى الحضيض قدمه
و هذه هي صورة الشاعر محمود مفلح في نصه تحمل إشراقات المستقبل مبشراً بغد جديد تخفق فيه رايات الفرح العربي على روابي القدس لأن نبت القــدس كما يقول ليس له نظير 0
نعم ثاروا و عدتهم حجـــــار و نحن - القاعدين - متى نثور
دماؤهم على الساحات مسك و يمضـــي للعبيـــر بك العبـــير
فنبت القدس ليس له نظيــــر و حاشـــى أن يكون له نظــــــير 0


حسين علي الهنداوي
جامعة دمشق كلية التربية




حاتم قاسم
يرتق غيابه على جسد الرمل ليلاً طويل
بقلم :حسين الهنداوي
و للقمح مني ومنك التحية

ويا رعشة الأقحوان الحزين
إليك و منك رحـيق الســنين
وفيك الهوى راح يمتدُ00 يمتدُ
خلف الصهيلْ
ليغسلَ وجهك حباً
وعطراً يغني
يردد
ها نحن في ضفة المستحيلْ
نموتُ00
0000 ونحيا
ونمضي إليك حيارى
وجيلاً يناديه رغم التناوح
00000000000000 جيلْ
أتيت إليك بعطر السنابل
بين الحقولْ
و في جعبتي الشوق
و الحبُّ00
و الصمتُ في سعفاتِ النخيلْ
لأغسل وجه اغترابي00
و أنشـلَّ لـون شــبابي00
و ارسم فوق جبين الغيابِ
حقائب جرح ٍ ندي ٍّ00
هنا عطــرته جـبال الجلـيـل ْ
و للقمح مني00
0000000 و منك التحية
لنزرع فيها بـذور النهــــار
و نقطف منها00
و من جعبة الغيم بعض انتظار
أُرتِّـق فيك غيابي00
و أحملُّ فيك اغترابي00
على جسد ِالرمل ِليلاً طويلْ
هنا بدأ الصمتُ أغنية من حديد
ليرضع مـنك ومـيضَّ الـبروق
و يفـتح في مـقـلتـيك الحـيارى
جراحـا ً تطول ُ 000 و أنت الدليلْ
سكبتُ على شفتيك الهوى00
و أعلنتُ رغم الديـــاجـي 00
و رغم المرائين00
أنك أنت جراحي 00
و أنت ارتيــاحـي00
على سعفات النخيلْ

في القراءة الأولى لنـص: ( و للقمح مني000 و منك التحية ) تبدو للوهلة الأولى أن الغيابات التي تختزنها ذاكرة المغتربين إقصاءً عن أوطانهم تحمل على جنباتها صفــة إنـســانية لكـل المغتصبين الذين يسرقـون الأرض و يلـقـون بـمن عـليها في غياهب الصحارى الحائرة 0
الوطن و السنابل و سعفات النخيل ووجــه الاغـتـراب و لون
الشباب و جبين الغياب مفردات انطبعت في ذاكرة الــشـاعــر
و تركته معنـَّى على طرقات الصمت يستجدي رائحة القمح و يـبـحث عـن عـطر جـبال الجليــل 0 تلك هي مأســاة الإنسان الفلسطيني الذي اقتلع من أرضــه و حمـل غـيابه عـلى كتفيه و لكنه ما زال جراحاً تطول والوطن لا يعدو أن يكون الدليل
لقد سكب الشاعر حاتم قاسم على شفاه الزمــن حكايــته الـتي تمثل الاغـتراب الـفـلـسطيني في دياجي المنافي و فـــي حقائب المرائـيـن حـيث تـبدو الجراح حمراء تتلون بدم الشهادة الذي رسمته رعشة الأقحوان على مـساحات الأرض الفلـسـطـيـنية
التي حملها المقعدون الذين صنعوا من رحيق السنابل قـمـحـا ً
جديدا ً يمكن له أن يكون مستقبلا ً زاهرا ً ، إن انبعاث الشوق
من لغة الشاعر ترسم على ضفة المستحيل حيــاة جـديـدة بعد
موت كاد أن يكون طويلا ً يجعل الــشاعر يغــسلُ وجه وطنــه
حبا ً و عطرا ً يغــني أغنـية الـعـودة و الرجـوع و هـــل هنـاك
أزكى من الدماء التي ســفكها صبية صغار واجهــوا الـمـوت
بنفوس ليست كالنفوس و بــأرواح ليست كالأرواح و لــســان
حالهم يقول كما يقول الشاعـر:
(( لأغسـل وجـه اغترابـي
و أنشـل لون شــبابـي
و ارسم فوق جبين الغياب
حقائب جرح ٍ ندي...0
هنا عطــرته جـبال الجلـيـلْ
إن فجائعيـة الدم الفلــسطيني الذي يمـتد عـلى مــساحـة الـكرة الأرضية والتي كانت تنظر إليه بعيون قزمة تجعل من القصائد
حبات سمسم لا تفي بغرض الرثــاء الفجائعي الحزين الـذي يرسم لوحة إنسانية لو قرأها غير الإنسان لأدرك أن الصمت هو الرد الوحيد أمام تلك الولولات 0 و إن الـنـص الـذي بين
أيدينا يمثل لونا ً مختــلفا ً من الرثـاء ، إنه رثـــــاء النـفـوس
البغيضة 000 رثاء الإنسانية التي أصبحت ترى بعيون غير
العيون الواعـدة و الشاعر يرسم لنا ذلك مــن خلال ما كتــبه على جسد الرمل وهو يحترق في أتون الصمت ينتظر أغنية
من حديد 0
((هنا بدأ الصمتُ أغنية من حديد
ليرضع مـنك ومـيضَّ الـبروق
و يفـتح في مـقـلتـيك الحـيارى
جراحـا ً تطول000
و أنــت الدلــيلْ000 ))
أيّ صـبـر هذا الذي يحمله المغترب في منفاه ينتظر الوعد و يـعرف أن الـتـراب الـذي ضـم أجـداده سـيضمه مـن جـديــد فالصهيل ما زال ينتظر الفارس و الغياب مازال يرتّقه وجه الاغتراب 0 إنها حكاية ٌ بدأت تكـتب بلغة أخــرى و تـقــرأ
بعيون ٍ أخـرى المساحة خضراء و المنتظـرون ســيقطفون
الثمار و ستعود الأجساد العربية والأراوح العربية إلى ذرات
التراب العربي و سيصبح الرثاء فرحا ً يغنيه الشاعـر :
((و للقمح مني00
0000000 و منك التحية
لنزرع فيها بـذور النهــــار
و نقطف منها00
و من جعبة الغيم 000
بعض انتــظـــار ))




قراءة في نص صهيل الجراح
للشاعر : حاتم قاسم



صهيل الجراح



هذي دماءُ الموتِ أم ...
وردٌ تفتحَ في الجفون
لن يرهبوا جذورنا
لن يعبروا أيامنا
و يسرقوا هواءنا
و الريح في أمواجنا
و النبضُ في بوح العيون
ارمي على النار الجراح
و أطفئي جمرَ الغزاة
علميهم :
أن لحني لن يموت
لونُ خدي زيزفون
هذا الصنوبرُ من دمي
و الموتُ ينهضُ جثتي
يصحو به الجنـــــون
يا غزتي المحاصرة
يا وردة في الخاصرة
لن تهزم الرياح
و الصبح ُفي عيوننا
و الدمُ في أوراقــــنا
لن تذبلَ الغصون
عصفورتي لا تحزني
طعمُ الثمار بروقنا
وجباهنا لونَ الشموس
فيها البراعمُ و الكفن
من كل جرح ٍينهضون
قولي لهم عصفورتي
ما فادكم حصارنا
ما فادكم تجويعنا
باقون في عيونكم
كجمرة ٍمن نار
إنا هنا باقــــون
هذا صهيلي فاسمعي
وجعاً تخطى المجزرة
كل النوافذ مغلقة ....
و بصمتهم يتدثرون
لا تعتبي عصفورتي
طعمُ الحدائق ِمن دمي
و الصمتُ يأكله السكون
لا لن يمرّوا في التراب
تحت َالعواصف ِجثتي
و بذورُ ناري زوبعة
غاصت عيونكِ في دمي
ها هم على بابِ العيون
يا غزتي المحاصرة
يا وردة في الخاصرة
إنا هنا باقون .. إنا هنا باقون


حينما تتحول غزة إلى عاصمة للقنابل و يصبح طعم الحدائق ممزوجاً بلون الدماء الفلسطينية و حينما تتخطى الأوجاع المجازر تصبح النوافذ كلها مغلقة 0
جرح يتطاول سامقاً إلى أعالي الكواكب حيث جباه الأطفال ناظرة إلى سدرة المنتهى و عصفورة صغيرة تنشد نشيدها الأبدي الخالد المتمثل بصهيل الجراح وهذه ليست هي المرة الأولى التي يتأبط فيها أطفال غزة صواريخ الموت اليهودية التي ما فتئت تحصد كل ما تحت العواصف و لكن الصمت الذي يتحول إلى جرح أكبر من دماء الأطفال سينبت وردة في الخاصرة هكذا رسمت لنا قصيدة صهيل الجراح عنوانين في لوحة واحدة
( يا غــزتي المحاصرة
يا وردة في الخاصرة )
إنها نسب الشاعر و بوحه في زمن تحولت فيه العروبة إلى فتات من ضعف دول تناثرت كحبات السمسم تنتظر من يأكلها حبة بعد حبة و ربما تؤكل دفعة واحدة و بذلك يبرر الشاعر لعصفورته هذا الحوار المتعب المكتنز بقوة الأطفال :

(لا تعتبي عصفورتي
طعم الحدائق من دمي )

إن فجائعية الموت التي يتلقاها أطفال غزة المحاصرون من قبل الأعراب قبل اليهود لترسم في ذاكرة الشاعر كما هي في ذاكرة كل مسلم شعاراً واحداً و إن طال الزمان عليه ( لا لن يمروا في التراب

تحت العواصف جثتي
و بذور ناري زوبعة
غاصت عيونك في دمي
ها هم على باب العيون

إن طعم الدم الفلسطيني الذي يمرره إخوة يوسف على شفاه أعتى ذئب على مساحة هذه الأرض يأبى إلا أن يورق للإنسانية زهراً نابضاً على مر العصور و هذه سمة هذه الأرض المقدسة التي باركها الله من سماءها السابعة ومن هنا كانت ومضات الشاعر تقطر دماً عفواً تنبض صهيلاً على رمال غزة 0
( هذي دماء الموت أم 00
وردٌ تفتح في الجفون ؟! )
حقاً إنها وردٌ جوري و دحنون أحمر ينزف من أجل بناء إنسانية جديدة و لا ضير فالدم الفلسطيني أحمر ٌ قان ٍ يغري بنبضاته الحمراء التي تشع إنسانية و تضحية فتحت جفن كل طفل فلسطيني أشعة حمراء ما زالت تقرع أبواب المسجد الأقصى و تنادي بأعلى صوتها ( هذا الصنوبر من دمي ) و كأن نداء نبوياً تنشده بنات الإنسانية إن للقدس موعداً و لكنه يحتاج إلى جولات و هذه هي الجولة الثانية التي تحملها غزة على كتفيها و هي تنشد :
( لن يرهبوا جذورنا
لن يعبروا أيامنا
لن يسرقوا هواءنا
فالريح في أمواجنا )

نص تغريك مفرداته المتوقدة بالعاطفة الصادقة لأن تقرأ بوح تلك الكلمات التي نتحها الشاعر من نسغ روحه المجدولة على صهوات الجراح 0
نص تنوعت موسيقاه و لكنها في النهاية شكلت جنازة من الفرح يزكوا أريجها في أنوف أطفال غزة ليبدأ معنى جديد يحمله صهيل الجراح التي لن تخمد جذوتها فقد بلغ السيل الزبى و تحولت السيوف إلى موعد مع فتح جديد 0



قراءة مونتاجية لنص انبثاقي في نص : جراحنا ميلاد قمر
للشاعر حاتم قاسم بقلم:حسين الهنداوي



جراحنا ميلاد قمر
هي الصباحات التي رسمتها رؤى
تشق يا حبيبتي 00
بكارة الظلام
كما البـــذور 00
في صحيفة العطاء تنبري
مواســـمــاً 000
قمحــــــاً 000
و مليون حجـــر
و العائدون من مواكب الفجر
إلـى مواســم العـطاء
يلونون الجرح ميلاد قمر


هنا السـيوف يا صديقتي 000
تصــاهل الـنهــار
تقتبس النور من جبينها الحكايا
ليكبر الغناء في الفضاء 00
هي النوارس الخضراء 00
يا صـديقـتي 00
تعانق الجـراح
هنا000 نعـيش
أو نموت 0000
جيلاً وراء جيل
ونــزرع الـورود
شــواهداً على القبور


إذا كانت نظرية الشعر الحر تقوم على رفض نظرة الاتباعيين للنص على أنه تصوير للخارج و رفض نظرة الرومانسيين للنص على أنه تعبير عن الداخل
و رفض كون الشعر وجداناً و تعبيراً عـن الشخصية و أن هذا الشعـر الذي
نطمح إليه هو خلق فريد مبتكر على غير مثـال من واقع خارجي أو داخلي
فإن النص الذي بين أيدينا (( جراحنا ميلاد قـمـر )) تنبـثق منـه رائحـة الثورة التي تختلج في روح الشاعر و هي ثورة لا تحمل السلاح فقط و إنما تعدُّ إعدادا جديداً لجيل ٍ جديد ينظرُّ إلى الحيـاة على أنها تستحـق أن تعاش
كما أن الموت يستحق أن يكون رمزاً لاستعادة كل ذرة من ذرات التراب التي سلبت قهراً و عنفاً و عنوة ً إذاً هو كما يقول الشاعر :
( كما البــذور في صحيفة العطاء تنبري
ســنـابـلاً
قـمـحــاً
و مليون حـجر )
و إذا كانت جنين أسطورة الصمود العقدي الذي تحمله جدران تلك المخيم فإن
الوردة التي زرعها هذا المخيم بصموده أمام أحذية الأعداء ما تزال شـواهداً
على قبور هذه الأمة التي ما فتـئت تبـكي عـلى ضياع الأندلس و استلاب فلسطين و سقوط بغداد و هل هذا المسـلسل إلا جـزء مـن حلقة كبيرة في فضـاءات الكـون الـذي أحس به الشـاعر بـل اخـترق وجـدانه ليكتب عـلى دفاتر الحياة :
( هنا نعيش000 أو نموت
جيلاً وراء جيل )
و على الرغم من النكبات و النكسات التي تركت أثارها واضحة في اللاشعور
لدى الشـاعر فإنه بقي يضع على عينيه نظارة الأمل فالـرؤى لديه ثشـق
بكارة الظلام و أنت ِ أيتها الحبيبة ( الوطـن ـ الأرض ) ترسمين الصباحات في كل يوم حتى كأن شروق الشـمس تـبزغ مـن ذرات تـراب ذلك المخيم الصامد : ( هـي الصباحـات التي رسمتها رؤى
تشـق يا حبيبـتي بكـارة الظــلام )
و إذا كنا لا نريد أن نـذهب بعـيداً و أن نبقى في تلافيف الوجع الفلسطيني الذي أصبح تيهاً جديداً في صحراء المعاصرة فإن تفاؤلية الشاعر ترتســم
في كل لحظـة من خلال رؤيته للنصــر قمـراً مضيئـاً في كل لحظــة
فالأطفـال ( أطفال الشاعـر ـ أطفال الحجــارة ) ما زالـوا ( يلونـون الجرح ميلاد قـمـر ) و الشاعر نفسـه ما زال متفائلاً : ( يقتبـس النور من جبين أطفاله ) و ما زال يؤمن أن السيوف وحدها و بالسيوف وحدهـا
تعود الأرض لأصحابها ( هنا السـيوف يا صـديقـتي
تـصـاهل النهـــار )
يقتبس النور من وجنتيها الحكايا
ليكبر الغناء في الفضـاء )
حقاً إن فضاءات الشاعر يكبر غنائها بعظمة أطفال الحجـارة الذين رسـموا على صفحات التاريخ العربي لوحة ًمشرقة ًحين غطت الأمة بغيبوبة عميقة0
و إذا كنا لا نريد أن نؤكد على الشكل الشعري معيار يحدد القيم الفنية لدى
الشاعر ذلك أن المضمون الأخاذ هو الذي يرسـم شكل مشـيته فإننا نؤكد
أن الصورة الشعرية التي حملتها فكـرة القصيدة رصدت عيناً خيالية تفتح لك الأفاق على مستقبل مشرق تتحول فيه الأرض إلى وطن حقيقي بعيدا عن أدناس أحذية المعتدين 0 فالصباحات ترسمها رؤى الحبيـبة الأرض
و هذه الحبيبة هي التي تشـق بكارة الظلام التي تنبثق سـنابلاً و قمحــاً
روته دماء أطفال الحجارة الذين تركوا الشاعر مع العائدين من مواكب الفجر إلى مواسم العطاء و هذه المفردة الشعرية التي يستعملها الشـاعـر تبعث الإشراق في النفس فمفردات من مثل ( الصباحـات ـ الرؤى ـ الـسنابل
مـواكب الفجـر ـ مواسـم العطاء ـ يقـتبس الـنور ـ يكبر الغـنـاء
النوارس الخضراء ) تحمل إلى المتلقي شحنات عاطفية إنسانية خياليـة و تفتح أمام هذا المتلقي أُفقـاً نيراً ليس بعده ظلام 0
كما و أن اللغة الشعرية التي استعملها الشــاعر ( لغـة مجـاز ) انطلقت
بنا إلى الأفاق نفسها بحيث رسمت على جيننا ابتسامة مشرقة لما رأته مـن
( سنابل القمـح ) التي لن تكون إلا بفعل ( تعانق الجراح )








ثالثة الأثافي و رؤيوية الشعر
في نص( لَيْسَ إِلاَّ … !) للشاعر د0 محمد مقدادي
الدارسان : حسين علي الهنداوي – حاتم قاسم

النص
=====
لَيْسَ إِلاَّ … !

يا صديقي … ،‏

ما الذي نرنو له غير الخواءْ ؟‏

هبط الليلُ ،‏

على أجفاننا ــ صبحاً ــ‏

وأعيانا الوباءْ‏

ليس إِلاَّ الريحُ‏

تلقينا كما تهوى …‏

ويهوى اللّقطاءْ .‏

كُلّهُمْ ، مرّوا على صحرائنا الخُنثى‏

وبالوا في الإِناءْ .‏

يا صديقي ،‏

كُنْ حزيناً ، مثلما أَنتَ ،‏

وقُلْ لي : أينَ نمضي ،‏

كي نُعيدَ البيتَ آلاءً ،‏

وحناَّءً ،‏

ونبني حجرةً أُخرى ،‏

لأحلامٍ ، قطعنا حبلَهَا السّرَّيَّ‏

منذ اللحظة الأولى ،‏

لحْملٍ كاذبٍ ،‏

ولأَشجارٍ ،‏

زرعناها وما فُزْنَا بظلًّ ،‏

حين عَزَّ الظَّلّ ،‏

وامتدَّ العراءْ .‏

يا صديقي … ،‏

رَحَلَ الصَّيفُ ،‏

وما حلَّ على الوادي شتاءْ .‏

ليس إلاَّ الإِبلُ ،‏

والطَّبلُ ،‏

وسيلُ الفقراءْ .‏

يا صديقي … ،‏

كُنْ حزيناً ،‏

مثلما أنتَ ،‏

فإنَّ الحزنَ ميراثُ الّنُبَّواتِ‏

ونحنُ الأَنبياءْ !!‏

* * * * *‏

يا صديقي ... ،‏

لم يَعُدْ ينبضُ إِلاَّ ،‏

سوطُ جلاَّدٍ ... ،‏

وموتٌ غامِضُ .‏

ليس إلاَّ بابنا المفتوحُ للدّنيا‏

وجرحٌ فائضُ .‏

وانكساراتٌ على شباكنا تنمو ،‏

وظلٌّ ... قائضُ .‏

ليس إلاَّ نخلنا العاري ،‏

وريحٌ ... ،‏

تحملُ اَلَموتى إلى أكفانهم‏

وخطىً تقتاتُ ظِلَّ العابرين .‏

يا صديقي‏

كلما امتدَّ إلى أَعناقنا سيفٌ ،‏

أَتينا طائعين .‏

إنَّها الحمىَّ التي تجتاحنا ،‏

حتى اليقين .‏

فاعطني من حزنكَ الورديَّ غُصناً‏

لِِتَرى كم يفرح النَّهرُ ،‏

إذا غنَّى له الوردُ الحزينْ‏

يا صديقي ... ،‏

ليس إلاَّ الحزنُ يُعْفينا ،‏

من الحزنِ‏

ويُبقينا كراماً ...‏

طيَّبينْ !!‏

* * * * *‏

يا صديقي ... ،‏

كُن حزيناً مثلما أنتَ ،‏

فإِناَّ ،‏



تَعِبَتْ أَحمالُنَا مناَّ‏

وَعَنَّا ،‏

رَحَلَ الرَّكْبُ ... ،‏

وموَّالٌ مُعَنًّى‏

يا صديقي .... ،‏

ليس إِلاَّ جوقةُ العشَّاقِ .‏

يأوونَ إِلى مقهىً قديمْ ‏

ليس إِلاَّ عطشُ الصَّحراءِ ،‏

والعشبُ الذي يذوي على أَجفاننا ،‏

والفراشاتُ المسجَّاةُ ،‏

على نافذةِ اللهِ ،‏

وأطفالٌ ،‏

يُسَاقونَ إِلى هذا الجحيمْ .‏

ليس إِلاَّ جرحُنَا المنسيّ في المنفى‏

وما كُناّ ذرفناهُ من الشَّعرِ ،‏

على الشَّعر الَّسقيمْ .‏

ليس إِلاَّ جمرةٌ تنهشُ ،‏

ما ظلَّ من الروحِ ... بوادٍ‏

غير ذي زرعٍ ،‏

وشيطانٌ رجيمْ .‏

ليس إِلاَّ ناقةٌ جرباءُ في الوادي‏

وكأسٌ .. مُتْعَبُ .‏

ليس إلاَّ مُقَلٌ ترنو إلى الأفقِ ،‏

وأفقٌ .... غائبُ .‏

ليس إلاَّ ما يوازي بين موتين ــ بصمتٍ ــ‏

وكلا الموتينِ ... ،‏

نابٌ ... ناشبُ .‏

ليس إلا رحلةٌ تهفوا إلى موجٍ خبرناهُ ،‏

وغيمٌ ... مجدبُ .‏

ليس إِلاَّ نجمةٌ ثكلى ... ،‏

وبرقٌ ... خُلَّبُ .‏

ليس إلا غارةٌ أُخرى ،‏

وأشلاءُ ،‏

وخبزٌ ... شاحبُ‏

آهْ !!‏

كيفَ مَرَّ العمرُ ــ يا صاحِ ــ‏

على عِلاَّتهِ ،‏

وانتبهنا ،‏

حين فَرَّ الوردُ من أكمامنا‏

نضبت خمرتنا ــ الآن ــ‏

وَعَزَّ ... المطلبُ .‏

يا صديقي .‏

كن حزيناً ،‏

فالمدى رحبٌ ،‏

وحزني أرحبُ !‏





الدراسة النقدية
==========
حينما تتوازى في ذات الشاعر انفلاشات الواقع المر و تشظي الموت و حينما تعم الحمى أرجاء الوطن العربي بكامله يتحول الشاعر إلى مزمار حزين يبث من عروقه نغمات الواقع المر وولولات الفقراء الذين يذهبون ضحية ذلك الواقع المر 0
زمن نعيشه يبدو كحصان مشاكس لا تستطيع أن تسرجه و أنت تعيش بين موتين بصمت موت يحمل إليك مرارة الموقف القابيلي الذي يقدح بشرره في ليل مظلم وموت مثيولوجي يتمثل أمام الذات في كل لحظة ليقطف من عناقيد الذات عنباً مراً 0 إنها ومضات السياسة التي حولت العالم بأسره إلى معركة بين خاسر و خاسر لا يستطيع أحد أن يقطف من ثمارها إلا حنظلية الواقع الإنساني 0
( ليس إلا 0000 ! ) نص للشاعر محمد المقدادي يتماهى مع واقع مر يعيشه إنساننا العربي على مساحة واسعة من الحزن تنبئك بما حصده هذا الإنسان منذ نصف قرن من وباء و صحراء خنثى و أحلام قطع حبلها السري و حمل كاذب لا يمكن له أن ينجب إلا وهما و تشرذماً 0 فالقافلة الإنسانية التي تسير في ركبها أمة افتقدت ميراث النبوات و عز الظل فيها و امتد العراء
يا صديقي ،‏

كُنْ حزيناً ، مثلما أَنتَ ،‏

وقُلْ لي : أينَ نمضي ،‏

كي نُعيدَ البيتَ آلاءً ،‏

وحناَّءً ،‏

ونبني حجرةً أُخرى ،‏

لأحلامٍ ، قطعنا حبلَهَا السّرَّيَّ‏

منذ اللحظة الأولى ،‏

لحْملٍ كاذبٍ ،‏

ولأَشجارٍ ،‏

زرعناها وما فُزْنَا بظلًّ ،‏

حين عَزَّ الظَّلّ ،‏

وامتدَّ العراءْ .‏

و ليس في هذه الصحراء القاحلة و المفازة الموجعة إلا الإبل و الطبل و سيل من الفقراء و الأميين يشكلون جوقة ناشزة في ذاكرة أمراء هذا الزمان فالانكسارات كما يراها الشاعر محمد مقدادي تنمو على شبابيك الواقع المر و على ظل قائض لا ترى فيه إلا النخل العاري و الخطى المتعبة التي تتبع ظل العابرين و هذا يعني في لغة الواقع المر أن الحمى التي تجتاح واقعنا ستنجب حزناً وردياً مراً و ذلك تحت وطأة السيوف الصارمة المسلطة على رقاب الفقراء البائسين

يا صديقي‏

كلما امتدَّ إلى أَعناقنا سيفٌ ،‏

أَتينا طائعين .‏

إنَّها الحمىَّ التي تجتاحنا ،‏

حتى اليقين .‏

فاعطني من حزنكَ الورديَّ غُصناً‏

لِِتَرى كم يفرح النَّهرُ ،‏

إذا غنَّى له الوردُ الحزينْ‏

يا صديقي ... ،‏

ليس إلاَّ الحزنُ يُعْفينا ،‏

من الحزنِ‏

ويُبقينا كراماً ...‏

طيَّبينْ !!‏
إذاُ نحن أمام نص يتقاطع بقوسه القزحي مع قوسين قزحيين من أقواس الشعر العربي الحديث و المعاصر و الذي يحمل في بذرته مفهوم الحداثة الشعرية بمفهومها الحقيقي القائم على اقتفاء الأصالة و تمثلها و الإنطلاق من خلالها إلى نص شعري يحمل في ذاته جدة بين قزحية الشاعر محمد مقدادي و قزحيتي أمل دنقل و بدر شاكر السياب تكمن خميرة الشعر الباحث عن رغيف ناضج دون أن يكون للترجمات الأجنبية أو للقصائد الأوربية أي تأثير مباشر عليه فأنت كقارئ و متلقي حين تقرأ نص ( ليس إلا 000 !! ) تكتشف ببصيرتك الشعرية أن هناك ( تجربة شعرية حديثة تستخدم القوانين الشعرية الحديثة دون أن تتخلى عن أصالتها و أن هناك - رؤيا – شاعرية لشاعر يفهم الواقع و يؤطر للمستقبل ) و كلا الشاعرين بدر شاكر السياب و أمل دنقل كانا من ذوي الرؤيا الواعدة التي تطمح بالشعر إلى أن يقدم الواقع على حقيقته و لكن بلغة الشاعر و نفسه و معاناته و تجربته و الرؤيا عند الشاعر محمد مقدادي تبدو ناضجة إلى حد كبير بحيث ترسم الواقع المر أشجاراً يابسة و حملاً كاذبا و سيل من الفقراء بعد أن فقد عامة الناس ميراث النبوات و الأنبياء ونحن مع الشاعر كنا ننتظر أن يكون هناك صحراء تثمر ثمراً ناضجاً كما هو الحال في الدفقة الأولى لمسيرة أصحاب الرسول و لكنها في واقعنا الحالي لا تثمر ألا جمرة تنهش ما ظل من الروح بواد غير ذي زرع و شيطان رجيم 000 إنها حمى قاتلة و أفق غائب و موتين كلاهما ناب ناشب ينتظر تمزيق خارطة الوطن العربي بمساحته الواسعة



يا صديقي .... ،‏

ليس إِلاَّ جوقةُ العشَّاقِ .‏

يأوونَ إِلى مقهىً قديمْ ‏

ليس إِلاَّ عطشُ الصَّحراءِ ،‏

والعشبُ الذي يذوي على أَجفاننا ،‏

وأطفالٌ ،‏

يُسَاقونَ إِلى هذا الجحيمْ .‏

ليس إِلاَّ جرحُنَا المنسيّ في المنفى‏

وما كُناّ ذرفناهُ من الشَّعرِ ،‏

على الشَّعر الَّسقيمْ .‏

ليس إِلاَّ جمرةٌ تنهشُ ،‏

ما ظلَّ من الروحِ ... بوادٍ‏

غير ذي زرعٍ ،‏

وشيطانٌ رجيمْ .‏

وما تماهي الشاعر محمد مقدادي مع الشاعرين أمل دنقل و بدر شاكر السياب إلا لأن كلا الشعراء الثلاثة قد رسموا رؤيا جديدة لواقع مر فالسياب في قصيدته أنشودة المطر توقع برؤياه أن يتحول العراق إلى جوع و غربان وموت و هاهو الواقع العراقي ينبئ أكثر مما سنتحدث

أكادُ أسمعُ العراقَ يذخرُ الرعود
و يخزنُ البروقَ في السهولِ و الجبال
حتى إذا ما فضّ عنها ختمَها الرجال
لم تترك الرياحُ من ثمود

في الوادِ من أثر
أكادُ أسمعُ النخيلَ يشربُ المطر
و أسمعُ القرى تئنّ ، و المهاجرين
يصارعون بالمجاذيفِ و بالقلوع
عواصفَ الخليجِ و الرعود ، منشدين
مطر .. مطر .. مطر
وفي العراقِ جوعٌ
وينثرُ الغلال فيه موسم الحصاد
لتشبعَ الغربانُ و الجراد
و تطحن الشوان و الحجر
رحىً تدورُ في الحقولِ … حولها بشر
مطر
مطر
مطر
وهذا ما قاله السياب قبل خمسين عاماً تقريباً وهو يناظر ما قاله أمل دنقل في نصه لا تصالح الذي أطر فيه لواقع مر سيمر بأجنحته المسمومة على الواقع العربي إنها رؤيا الشاعر الذي أصبح عرافاً لقومه يحمل لهم ما تراه زرقاء اليمامة في واقع مظلم يحتاج فيه المرء إلى الآف المصابيح ليضيء غرفة مظلمة
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
و يبقى أن نقول أن نص ( ليس إلا 00 !! ) لا يعد أن يكون مرثية لسيف ذي حدين حد يمثل ذات الشاعر و حد يتعدى إلى ذات الأمة لأن الشاعر بقي حتى النفس الأخير يتعربش شجرة الحزن العربي المستمرة البكاء و النحيب
كيفَ مَرَّ العمرُ ــ ياصاحِ ــ‏

على عِلاَّتهِ ،‏

وانتبهنا ،‏

حين فَرَّ الوردُ من أكمامنا‏

نضبت خمرتنا ــ الآن ــ‏

وَعَزَّ ... المطلبُ .‏

يا صديقي .‏

كن حزيناً ،‏

فالمدى رحبٌ ،‏

وحزني أرحبُ !‏




&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
قراءة نفسية لسانية في نص صلاة الماء الدارسان : حسين الهنداوي الأديبة /الشاعرة : سها جلال جودت
أرسم في دفتر ذاتي
فارساً يسبح على جسد الماء
يمتطي حروف الأبجدية
كغيمة حبلى
بالنشيد
والضياء
والحياة

أرسم في دفتر ذاتي
حلماً
كتاباً
حباً
ينقر على لدني
بحراك الأشياء

أرسم في دفتر ذاتي
أن شرنقة خرجت
كتبت على لوح القصيدة
لا تستبح حياء الماء
تحت كل سماء
حكاية
وللمواسم
هطول
وحصاد
وانتشاء

أرسم في دفتر ذاتي
أسئلتي
تموج الرئتين
في فضاء المدارات
وصدى الدهشة
ينقلني بين كروم العنب
صفصافة فضية
فالعشق جسد
والحياة جسد
والأرض جسد
والماء جسد

أرسم في دفتر ذاتي
أن الماء يصلي
حين يلتقي عاشقان
أرسم في دفتر ذاتي
أن الماء يهطل
يهطل
وتراتيل الهطول
تصلي كما صلاة الماء


في البحث عن الحياة و الجدة و في استبار مغاور النفس و تلافيف ما تحدثه الصدمات الإنسانية من ارتكاسات على صفحات الأفق الذاتي ينبعث منه صوت الإنسان الذي اخترق آفاق المجــهول على الرغم من كونه يعيش على كوكب أصبح بمتنـــاول الأيـــدي الصغيــرة و إن كانــت الذوات البشرية هي أكثر اتساعاً في الأفق من هذا الكوكب الترابي الذي ما إن نغادره حتى نجد أنفــسنا في أفقه 0
النص الذي بين أيدينا لا نستطيع أن نصنفه في نافذة الشعر الوزنـــي و إن كان البعض أصبـــح يروج لما يسمى بالنص المنثور و لا نريد أن نفتح صـــراعاً حول تناقــضيه كلمة نص شـــــعري و منثور في الوقت نفسه فالشعر على رأي أكثر الناقدين لا بد أن يحمل إيقاعاً خارجياً و داخلياً و قد أشار إلى ذلك ( ووردز وورث ) الشاعر و الناقد الانكليزي الذي ألمح بذكــاء إلى أن مســــألة ( التوقيع ) عند الإنسان هي جزء من كيانه الإنساني الفطري ذلك أن تكوين الإنســــان بحد ذاته رسم العيون و الآذان و الأيدي و حركة المشي و حتــى دقـــات القلـــب هي إيقاعــــات متــميزة و بصمات لكل فرد م الأفراد و نحن نؤكد أن القرآن الكريم قد أشار إلى ذلك حينما ألمح بقولــــه
( ألم نجعل له عينين و لسانا و شفتين ) و قولـــه: ( بلى قادرين على أن نسويَّ بنانه) إلا أن جمالية اللحظة الإيقاعية مرتبطة بجمالية الحس و العقل و هذا يعني أن الإيقاع جزء لا يتجـــزأ من الموسيقى الخارجية و الداخلية و نحن لن نتناول النص إلا بحدود الخاطرة الشعرية 0 إذ أن الكاتبة تلمح منذ البداية و في عنوان النص إلى إيقاعية نص الخاطرة من خلال قولها ( صــــلاة الماء ) و نحن نعرف أن الصلاة هي إيقاع في أحد جوانبها متناظر و لكنها عند شــــــاعرتنا مع الماء يبدو بأشكال يمكن أن تتصورها هطولاً أو سيلاناً أو رذاذاً يتعلق بأوراق الأزهار و الأشجار و الشاعرة إيقاعية أيضاً في تقطيع النص إلى ستة مقاطع كل مقطع يبدأ ( أرسم في دفتر ذاتي ) وهي تعكس رؤية من سبقها من الشعراء في جعل التكرار الإيقاعي في آخر كل مقطع و ليس في أوله و هذا يعني أنها تريد منذ البداية أن تؤكد على طفولة واعدة ترســم على هوامـــش الحــياة و في دفتر الذات ما يخطر في ذاتها و نحن نشدد على كلمة ذات لنؤكد على طفوليـــــة الشــــعـر و الرواية ، فالكاتبة تتمثل نمطي الكتابة الشعري و الروائي و كلا الفنين يعتمد علـــــى ( الحــلم و الطفولة ) و لو أنا أردنا أن نكتشف ما ترسمه هذه الكاتبة في دفتر الذات لما كان ذلك صــــعباً علينا فالدفتر يقرأه القاصي و الداني و ما يكتبه صاحبه على صفحاته يجسد كل ما مر بذاكـــــرة الحدث اليومي لكنه في لمقطع الأول يبدو أن طفل الشاعرة يرسم فارساً يسبح على جسد الماء و هذه نقلة في الخيال إلى عالم مصباح علاء الدين و كأن الشاعرة قد ارتوت من قصص ألف ليلى و ليلى من خيالها و طفلها في المقطع الثاني يرسم شرنقة تتحول إلى كلمات حريرية لكنها تبعث تحذيراً بلون أحمر من خلال ما تكتبه على لوح القصيد ( لا تستبح حياء الماء ) و هنـــــا تبـــدو الشاعرة تريد أن تصور لما الحيوية التي تتجدد في ذاتها كل يوم و التي تجــــاوز حدود الزمـــن المتعلق بعدد أيام عمرها و إن كانت تريد ن تلمح من طرف آخر إلى أن هذه الحيـــــاة ما تــــزال تعيشها على استحياء فهي لم تحقق ما تصبوا إليه أو ترغب به و هنا نعود إلى الطفـــل الحـــالم الذي يريد أن يحقق كل رغباته دون أن تقف الحدود في وجهه 0 نقطة نظام تلتقي مع طموحات الشاعر نزار قباني عندما كان يريد أن يكتشف كل الأشياء و أن يتحول طربوش والده بين يديـه إلى قصيدة دمشقية تقول ما لا يقوله الآخرون و هي المقطع الثالث أقصد طفلها يرسم أســـــئلة يضيق بها مجرى التنفس لأنها تريد أن تنطلق إلى فضاءات المدارات بعيداً عن الكون الأرضــي إلى المجرات حتى تلتقط صدى الدهشة و هذا يعني إن الشاعرة لم تحقق ما تصبوا إليه في رسم ذاتها على صفحات الأيام فهي تعتقد أنها لم تحدث دهشة حقيقية فقط هي صدى دهشة حالمة بين كروم العنب و حائرة في أن تكون صفصافة ليست خضراء و إنما فضية الكون و هذا يشير إلـــى النقاء النفسي الذي تمثله الفطرة الحقيقية للإنسان و هي في المقطع الخامس تؤكد على أنها لــم تلتقي بحلمها إذ أن كل أصحاب الأحلام قد حققوا ما يريدون و هي في المقطع السادس تؤكد فــي دفترها الذي تكتب به ( أن الماء يهطل ) عفواً ( أن الحياة تهطل ) أي الحياة تستمر في هطولهــا اليومي الذي لا نعرف متى يتوقف و لكننا حين نستبر أعماق النص نجد ثلاثيات ترسمهاالشاعرة على صفحات ذاتها و تريد إن تنقلها إلينا (( النشيد و الضياء و الحياة )) (( الحلــــم و الكتـــاب و الحب )) الهطول و الحصاد و الانتشاء )) و لنقرأ سوية ما بين سطور كلمات الشاعرة في هذه الثلاثيات نجد حياة جديدة نبحث عنها و لكنها لا تعثر عليهـــا فالنشـــيد يقابلــه الحلم و الهطـــول والضياء يقابله الكتاب و الحصـــاد و الحـــياة يقابلها الحـــب و الانــتشاء لكنها ترتــكـس حينــما نجد أن : العشق جســـد
الحياة جســـد
الأرض جسـد
الماء جســــد
هي أفعال تجعلنا نستقرأ أن الشاعرة ترى أن المبادلات الحياتية بين النـــاس لا تتعدى الظواهـــر المادية فالعشق و الحياة و الأرض و الماء هي جسد و الجسد مادة و ما تطمح إليه الطفولة التي ترسمها الشاعرة في دفتر ذاتها هي في المحصلة (( الحياة ــ الهطول ــ الانتشاء (( كتاب ترتسم عليه آفاق الحب و الحلم و النشيد 0
و لانعتقد أن الشاعرة قد أضاعت هويتها الحياتية و إن كانت تبحث عن حيـــاة جديــدة من خــلال
( الغيمة الحبلى بالنشيد و الضياء و الحياة و من خلال التراتيل التي تعني تكرار أفعال الشـــاعرة اليومية لتنتقل من جسدية الحياة ماديتها إلى روحانيتها و هنـــا نريـــد أن نؤكــد على أن فراغـــاً روحياً يرتسم في صفحات الذات و هي تحتاج أن تملأه و أنى لها ذلك 0
هذه بعض ارتكاسات التي يرسمها لنا النص نفسياً و يعبر عنها لسانياً بفعل ( ارســــم و تحت كل سماء و تموج الرئتان و هطول التراتيل ) 0 فالشاعرة تبحث عن فجر جديد ترتســــم فيه آفــــاق حياة من نوع آخر لا يمـكن أن تحقـقها خاصــة في هذا الزمــن الصعــب المشاكـس الباحــث عـن اللانتماء و هذا يعني أن الأسئلة ستبقى مشرعة في فضاءات المدارات 0
نحن أمام اختلاط ثقافات ذات أبعاد إنسانية أحياناً وواقعية أحياناً أخرى و لكنها تبحث عن حلـول لا واقعية للحياة و أنظروا معنا إلى صورة الفارس و هو يسبح على جسد الماء و إلى صـــــورة الصفصافة الفضية التي تنغرس بين كروم العنب و إلى تراتيل الهطول و هي تصلــي كما صــلاة الماء صور غامضة تتلاقى أحياناً و تتضاد أحياناً أخرى لتشـــكل كما قلنا حيــــاة جديــدة بأفعـال سريالية تعتمد كما يقول ( اندري بريتون ) على الحلم و الطفولة 0
و الشاعرة ترقى بمفردتها الحلمية إلى مستوى الشفافية و لكنها لا تستجــيب لمبادلات الصــــور البانية التي تعتمد على مناسبة المستعار للمستعار له أحياناً بحيث تبدو الصورة الشعرية و كأنها مسيج غير متجانس في وجه الشبه ، قراءة تحتاج إلى توقف و لكنها لا تقفل باب الرجوع إلــــى النص مرة أخرى


##################
الضياع المثيولوجي و انطواء الذات




قراءة قي قصيدة ( سكة سفر ) للشاعرة ريناد القحطاني
الدارسان : حسين الهنداوي - حاتم قاسم


حينما يختزن اللاشعور انطواءات العلاقات الاجتماعية و حينما تتحول الذات الفاعلة إلى صفحة منفعلة يرسم عليها الزمن حوادثه المتدفقة يقف العقل مشدوهاً أمام الضياع الإنساني الذي بدأه أدم عليه السلام حينما أنزله الله إلى الأرض و أحس بخطيئته إحساسا إنسانياً جعله يبكي ردحاً طويلاً من الزمن و يعيش حالة من الحزن و التفرد على سفره الممتد من السموات العلا إلى الأرض التي لن يستمر عليها إلا سنوات معدودة 0
السفر في ذاكرة الإنسان بشكل عام و في ذاكرة الشعراء بشكل خاص يلقي بظلال حزينة تجعل من الذات قربة ًً من الماء الساكن لا يمكن أن يتدفق إلا بحركة فاعلة 0
و شاعرتنا ريناد تبدأ سفرها الحزين المضني بعبارة صارخة تستنهض كل خزانات الحزن التي يختزنها الإنسان في أعماقه فهي تشتعل منذ مطلع القصيدة بنار حزينة و تلتهب روحها بانفعالات تستدعي الموت كي يحضر ليخلص الشاعرة من شلالات الحزن التي تصب في بحيرة ذاكرتها 0

(( ويل عيني للمسافر000 لا لقي له درب عاثر
هو يصيح بصوت عالي
أو يخليها خـــــــوافــــي
من يقول الموت واحــــد
ما صدق يمكن يكــابــــر
و كلمة ( ويل ) هذه التي تحضر في أي نص شعري تستدعي معها كل الآلام الإنسانية التي أصبحت على مر الأيام سجلاً تاريخياً يسم الإنسان بمرارة العيش و الحرمان و هي تلتقي في نهاية السطر الشعري الأول مع لوحة (( درب عاثر )) لتشكل لنا خطاً بيانياً يرسم واقع الإنسان و همومه على هذه الأرض و من هنا يبدو أن الإنسان الضعيف المختبئ داخل ذات الشاعرة يصرخ بصوت عال و كأنه يريد أن يقول للناس جميعاً : توقفوا عن الحزن و عن إهداء الحزن إلى الآخرين 0
إنها حقيقة المشاعر الإنسانية التي يطلقها الآخرون باتجاهنا بحيث تجعل المنايا و الحكايا و النوايا تشتكي من ظلم الإنسان الذي أصبح يغدر بكل شيء و هل الوقوف عند الحزن و الاكتواء بناره يجدي شيئاً في رأي الشاعرة 000 يمكن أن يكون عناء تستدعيه الذات لكي تعلل لذاتها هذا الحزن المستمر الذي يحط بجناحيه على ذاكرة الإنسان و الشاعرة في رسمها لظاهرة ملايين الناس الذين يعيشون تلك الحالة و الدلالة على ذلك قولها :

(( مو بس أنا 000 مثلي كذا000 مليووووووووون
واحد يشتكي
سكة سفــر
وهل ذلك بسب هذا السفر الذاتي مع الحزن يبقى أن نشير إلى أن الظاهرة النفسية التي تجعل الإنسان يستمرء حالة الحزن و يستجيب لها بشكل ألي توقعه أن حظه في الدنيا هو على هذه الصورة

(( حظي ( كذا )
رغم الريــــاح العاتـيـة
رغم الظروف الماشية
رغم الرمال الزاحفــــة
رغم الشعر و أهل الشعر إلا
( أنـــــا )
و نتوقف هنا لنخالف الشاعرة فيما ذهبت إليه في فهم فلسفة الانفعال الإنساني مع الواقع الحياتي ، فالمفهومات الاجتماعية تستدعي في ذاكرة الذين يعيشون حالة الحزن أن الأقدار هي التي خطت لهم الطريق الحزين و أنهم لا يستطيعون دفع الأقدار و بالتالي لا يستطيعون دفع الحزن و من هنا يكون الحظ ظلاً ملازماً للحزين مع أن الحقيقة القرآنية تشير إلى أن كل إنسان له حظه من السعادة و التعاسة و من الحزن ومن السرور و من الخير و من الشر 0 أما أن ينطوي الفرد تحت إسار الحزن و يبدأ العزف على هذا الوتر فهذا شأن إنساني خاص و ليس شأناً قدرياً فكل إنسان مسؤول عما يفعله أو يعيشه على هذه الأرض 0
و لنتوقف قليلاً عند عبارات أطلقتها الشاعرة لتؤكد لنا أن الحزن ظاهرة ( حظية)
لا يستطيع الإنسان الانفكاك منها 0

رغم الريــــاح العاتـيـة
رغم الظروف الماشية
رغم الرمال الزاحفــــة
رغم الشعر و أهل الشعر


لتؤكد على أن الرياح العاتية هي من صنع الشاعرة نفسها فالحياة فيها نسيم عليل و رياح عاتية و لتؤكد أن الظروف التي سمتها الشاعرة ماشية منها ما هي ظروف تبعث الأمل الإنساني الضاحك و منها ظروف تبعث الحزن الباكي لهذا الإنسان و حقيقة كما تقول الشاعرة أن الرمال زاحفة فهي تشكل كثبان في هذا الاتجاه و كثبان أخرى في اتجاه آخر و هذه سابقة نسجلها لهذه الشاعرة لأنها عبرت من خلال هذه الجملة المجازية أن ما يخلفه القدر على الإنسان يتحول من مكان إلى آخر ومن شخص إلى آخر و إن كانت الشاعرة أدخلت الشعر الذي يمثل العاطفة و الوجدان في معمعان صراع الإنسان مع الظروف الصعبة فالشعراء كما يقول الشاعر الإنكليزي ( شيلي ) : (( مشرعو العالم غير المعترف بهم )) و هذا يعني أن العاطفة زئبقية رجراجة لا تعطي حكماً واقعياً 0
بقي أن نقول أن زفرة الحزن التي أطلقتها الشاعرة ريناد القحطاني و التي اكتنزت بمرارة الواقع هي امتداد لزفرة الحزن عند شاعرة بكاءة كالخنساء أو كسعدى الشمردلية و إن كانت الأولى ( الشاعرة ريناد ) قد عبرت عن ذلك من خلال الشعر النبطي بينما عبرت الخنساء و سعدى الشمردلية عن ذلك بالشعر الفصيح 0

(( هذي عيوني زارقه000
هذي يديني طايحــه000
هذي عظامي باليــه000
و هكذا أعادت الشاعرة إلى دورة الحزن من جديد لتبدأ حركة ديناميكية جديدة في عالم الحزن 0


@@@@@@@@@@@@@@




تغريد التركي فضاء شعري انساني

الفهرست الإنساني في قاموس الشعر الشعبي

قراءة في نص ( الأمـــاكـــن ) للشاعرة تغريد التركي/ الكويت
الدارسان : حسين الهنداوي – حاتم قاســم

الأماكـــن
إنت كل المشاعر 0
ما تبي منك غير0000
وكل الأماكن فيك00
قلــــبي سكنهـــا
كأنك تشك
بقدرك العام
لا هنت شجنها
اسمع قصيدي
عل تفهم
لا شــنـــت
أبشر بقلب ٍ
ينتخي فيك
و لا شانت
طروق الغرام
و لحنها
لا صرت أنا الديوان
باسمك تعنونت
ما ألوم أنا الفهرس
لا ضاق منها
يصعب على الدارس الأدبي في زحمة النصوص الأدبية الفصيحة و الشعبية أن يميز بين ما هو إنساني و ما هو ذاتي خاصة إذا كانت المشاعر التي يعيشها منتــج النص
مسرودة من نسيج تشابكت أبعاده بين الذات و الآخر و الطبيعة 0
ونحن على مشارف نص شعبي خليجي و الشعر الخليجي كما نعرف معظمه يدور في فلك الشعر النبطي يحمل طابعاً خاصاً يميز الذاكرة الشعبية الشعـــــرية في الســاحـــة الخليجية هذه الذاكرة التي احتلت مساحة واسعة وفضاء كبيراً في قامــوس شـــواعر الخليج فمنك و إليك تبرز منعطفات النص الشــــعري الشـــعبي لتقودك بمصابيحهـــا المضيئة أحياناً و المعتمة أحياناً أخرى إلى صحراء قاحلة أحياناً أو إلى بيداء معشبة أحياناً أخرى و غالباً ما تكون بيــــداء النصوص الشــــعبية وهاجـة مشــــرقة ذلك أن ( التناص) الشعري أصبح ظاهرة مألوفة في مساحة شاشة الإنترنت فقد تجـــــــاوزت القصيدة الشعبية حدود المكان و الزمان الذي تنتــــج فيه و أصبــــحت تقرأ باســــتجاباتها العاطفيــــــة
و الشعورية في اللهجة التي يشاؤها القارئ على أية ساحة عربية غربـــــــاً و شرقاً شمالاً و جنوباً 0
و نحن في هذا النص نص ( الأماكـــن ) للشاعرة تغريد التركي نتــــساءل أيضـــاً عن
}الرموز التي تحملها أماكن الشاعرة {
هل هي في ساحات العقل ؟؟؟ !!!
هل هي في صحراء الواقع ؟؟؟ !!!
هل هي في أعماق الشاعرة ؟؟؟ !! أم أنها تلوح متعنونة في ( فهرست ) الديوان الإنساني الذي تخبئه الشاعرة في ذاكرتها 0 و نكاد نجزم أن هذه الرموز هي مفاتيح اللحظة الشعرية التي تدفقت من لاشعور الشــــــاعرة لتصبح كائناً حيــــاً على مساحة الشعور و هذا ما أشار إليه الشـــــــــاعر الإنكليزي ( ت 0 س 0 إليوت ) في نظرية المعادل الموضوعي 000 فكل الأماكن حقاً تضيق أمام الشاعرة إلا مكاناً واحدا إنه ( القلب ) هذا الذي يتحول إلى كون واسع تتحرك فيه عوالم كونــية كبـــيرة و هو على حد قول الشاعر العربي :
و تحسب أنك جرم صغير و فيك انطوى العالم الأكبر
بينما ينطوي فضاء الواقع أمام الشاعرة و يتحول إلى ( سم خياط ) يضيق و يضـــيق لأنه لا يستطيع أن يحقق للشاعرة ما تصبوا إليه أو كما يقول فرويد ) نافذة الإشــباع الغريزي ) الذي يصبح نصاً يعيد إلى الشعر توازنه الواقعي و يزيح عن كاهله كوابيس البحث عن المثل السوبرماني الذي يستنسخه الخيال من واقع مرير 0
إن الشاعرة في استدعاءاتها اللاشعورية التي تبحث عن المثل السوبرماني القيـــــمي الإنساني في الرجولة الواعدة تستدرك نداءات الصمت المطبق حين تتحول إلى أفعـال أمر ٍ تجعل اللامعقول واقعاً إنسانيا ( أبشـــر بقلب ينتخي فيك 0000 ) فالبـــشــــرى و النخوة استجابات إنسانية تفتح أفاق القلب و تحوله إلى كون فســـــيح و أعتقــد أن هذا المعنى عرج عليه شعراء المهجر حين صرخ أبو ماضي ببئر الإنســـانية العميق قائلاً :
كن بلسماً إن صار دهرك أرقما
و حلاوة إن صار غيرك علقما
أحبب فيغدو الكوخ كوناً نيراً
أبغض فيمسي الكون سجناً مظلما
و ليت الشاعرة منتجت لنا المشاعر التي استولت على ذاكرتها بمســـــاحة أكبر حتى تبدو معانيها أشجاراً خضراء مثمرة باللوز و التين و العنب و الرمان و التفاح 0
و حقيقة إن طروق لواعج الشوق الإنساني تتحول إلى استجابات نصية طيبة تكتبها الشاعرة على صفحات ذاتها ديواناً شعرياً عنوانه تلك الرجولة الحقيقية التي تحـــــلم بها المرأة الشرقية و لكنك تحتاج إلى حبر سري لتستطيع أن تربط بين معانـــي هذه الرسالة الإنسانية التي تبدو حروفها عصافيراً رمادية تبحث عن غصنٍ مـــشرق تغرد على ظلاله 0 أما مفردات ذلك الديوان (الفهرس ) فهي كما تريدها الشاعرة مواقفـــاً ذاتية تنحو باتجاه أفق جديد 0
الأمـــــــاكـــــــن نص يتماهى أمامك أسرابا من البلابل تعانق غيمات يوم ربيــعي تساجله رذاذات الأمطار المتشكلة من خلال غيمة مثقلة بحبات الندى صنعـــت ذاتـــها دون أن تتكئ على ينابيع الآخرين 0
معاني جديدة و لكنها عندما تنبثق نجوماً نارية في الســـــماء تفقد بريقها بســــرعة و تحول إلى شــــهب متناثرة يميناً و شـــــمالاً تشكل في الأفق خــارطة حب مــهزوم ينتظر فارساً من نوع آخر 0 ]


%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%






الباب
القصة :
1-مونولوجية الحدث و أبعاد الرؤى
في نص (المتفوق الأول ) ( للقاص عبد الرحمن حسن )(فلسطين )
نص القصة القصيرة :
المتفوق الأول
كعادتي في كل يوم استيقظ باكرا00 رغم ســـهري الطويل فيالليلـة الماضـــــية، كان الشـــوق يقودني لرؤيــــــة تلاميــذ مدرســـــتي وهميتباهـون بألبستهــم الجديــدة بعـــد أن تخلصوا من ألبستهم المدرسية وكأنهم يقولونبعـــد عام من الجهـــد أهلا بوقــت اللعب واللهو ، إنهم الآن ينتظرون تسلم الجلاءالمدرسي والكل في حالــة من الـفــــــرح المشوب بشيء من القلـق ، أما أنا فكانتالأمــور مختلفــة بالنسبة لي ، فكنت أتلهف لرؤية أولئك التلاميــذ وهــم في قمةسعادتهــم ،هيـــأت نفسي وانطلقت نحو مدرستي التي أعمل فيها مرشــــدا اجتماعياوالتي تبعــــد عن منزلي مسافة قصيرة ، قـــد تعودت كل صباح أن أطيل مسافة الوصولإلى المدرسة كنـوع من الرياضة، خاصـــــة وأن خريف العمر على الأبواب 000 لكنصدقوني لم تكن المســـــــــافة هذه التي أقطعهــــا عادة على حســـــاب الدوامالرسمي 000 في هذا اليــوم تبـــدو شوارع المدينـــة مزدانـة جميلة على غير عادتهاكنت أشــــــاهد الفــرح على كل الوجـــوه حتى ذلك الحارس الليلي الموظف فيالدائـــــرة الحكومية التي أمر من أمامها كل يـوم في طريقي نحو المدرسة متغيرالمزاج هذا الصباح لأنني أعرفه جيــدا ولولا الخجل لما ألقيت عليه التحيةالصبـــــــاحية لأنه كان يـــرد تحيتــــي بينما كانت ملامـــــح وجهه العابسةتشعرني أحيانا بأنه ناقم على الحياة 000 وكم كان ينتابنــــي هاجس أن أقــول له : تواضــع يا أخـــي ورد التحيـــة بأحسن منهـــا لكنني كنـــت أتراجـــع خوفـــامــــن أن يصــــب جام غضبــه علي وحتى الحاجـــة أم محمود والتي تقطـن بجانــبالمدرسة تخاطــب جارها هذا اليوم بلطف غير اعتيادي أيضا وهي المعتادة دائما أن توزعكل صباح مزيدا من الشتائم على أبناء الحي وعند المساء تلعـــن الســــاعة التي سكنتفيها هـذا الحي السقيم ، تأملتُ أم محمود 000فتذكرت أيام الشقاوة يوم كنا أطفال لاتتجاوز أعمارنا الخامسة تذكرت خالتي أم العبد والتي كانت تسكن وحدهـــا في بيت منالطين بابه من التوتيـــــاء كنـا نتبـــادل الأدوار برمي الحجــارة على باببيتهــا فتصرخ من الداخل وتبــــدأ بالشتائم علينا وعلى أهلنـــــــا الذين لـــميهتمـــوا بتربيتـــنا حسب قولها ( ولاد عديمين التربية) وفي إحـــدى المرات التيكنا نُغيـْــرُ بها على بيت الخالة أم العبــد تعثر صديقي أحمد وتأذى من رجله أذكريومها كم كانت خالتي أم العبد حزينة وهي تحنو بلهفة على هذا الشقي لتطمئن عليــه ،وأخذت تدعو ربها أن يشفى وأن يــدب بها المرض، شاهدت يومها مــدى الحــزن الذيبــدا على خالتي ومن يومهــا تعاهدت مع رفاقي ألا نزعجها واتفقنا أن يذهب كل يومواحد منا لبيتها ليؤمن لها احتياجاتها من الخبز والأشــــــياء الضرورية الأخرى 000تابعت سيري إلى المدرسة000 كان الجميع منهمك بالعمل من أجل توزيع الجلاء المدرسيعلى التلاميذ كان الفرح المشوب بالقلق باديا على التلاميــــذ جميعا 00وهم يتراكضونكالفراشات في باحة المدرســــة 00الثياب ملونــــة بألــــوان الزهـور، وهم أيضازهور هذا العالم البريء000 وقفـــت وسط الباحة أحاط بي التلاميذ من كل جانب 00باركــت لهم جميعا كانــوا فرحين جدا الكل طموح لينال العلامة التامة حتى نيسانهـــذه التلميـذة الدلوعة والتي يشهد لها كل معلميها أن لها مستقبلا يبشر بالخير إنواكبت نشاطها الدراسي ، كانت قلقة أيضا 000 بلحظة واحـدة تحول المشهد لشيء مختلفتحـــولت الباحـــة إلى غابـــة من أشجار السنديان وتحولــت الجــدران إلى متاريس 00 كل شيء تغير000 كلما نظرت في وجه تلميـــذ كنت أشاهــد محمد الدرة ، كانالتلاميذ يراقبون المشـــــهد جيدا كانــت الأرض تتحــول إلى مـرج أخضر وكان نيسانيخالــــف كل مواعيد هــــذا العام 000 بـــدأت أسمع صوتا جهوريا يخترق سمع الجميع، وقـــف مدير المدرسة ليعلـــن أسماء التلاميـــذ الأوائـل في المدرســة غابــــتعنه كل الأسماء، اختفـى الصوت داخل حنجرته ثم حــاول من جديـــــد 00استجمعقــــواه فخرج الصوت قويا كأنه الجلجلة أبنائي الأعـــزاء لنصفق جميعا للتلميـــذالأول الـــذي حاز على المرتبـــة الأولى 000مرتبـة الشرف التلميــــذ محمـــدالــدرة عندهـــا رفــــع التلاميــــذ رؤوسهم جميعا إلى السماء كانت الشمس تزدادتوهجا وصهيل الخيــــول يأخــــــذ مـــداه ومن فــوق الهامات يعبـــر سرب مناليمـــام 00 أصطف الجميــــع وبنظام لــم نعهــده سابقــا وبكل هــــــدوء 000ارتفعــت الأيــــدي حتى لامست الجباه كانت الهامات مرفوعة 000 ارتفـــــع الصوتعاليــــا 000 جميلا وواعـــدا هادرا000 بلادي 000بـــلادي لك حبـــــيوفــــــــؤادي فامتزجــــت الأشياء ببعضهــا ، فتكونــت لوحة جديــدة تجلى فيهــاالوطـــن بأجمل صوره وأخــــذت العصافير تسبح في الفضاء تعـد طقــوس الفرح والأصوات تنبعـــث من حناجـــر التلاميـــذ مدويــة والقبضـــات تتعالى ، عندهاوجــدت نفسي بيـــن الحشـــود الكبيرة التي تجــاوزت الباحــــة المدرسية إلىالشوارع والحـارات والمـدن العتيقــة ، والتـــــي توزعـــت على امتــداد الوطـــن، أردد مــــــع التلاميـــــذ بالـــــــدم بالــــــروح نفديــــك يا شهيـــــد 0

الدراسة النقدية :
حينما تنبض الحروف بين حنايا الشوق و ينقلك الحنين إلى الشهادة إلى مصاف الفرح و تتجاوز حدود الألوان المشروعة مساحة الضوء الإنســــاني ترتسم الشهادة قوس قزح على شفاه الطفولة العذبة لتتحول إلى اســتجابات إنسانية تمتزج فيها التضحية بالدماء بالتراب المقدس و يتعمق الحدس بفعل الشــهادة بأعماق اللاشعور و تبرز العاطفة الإنسانية المصفاة ببعديها الطفولـي و الفدائي و لكن تراتيل الحدث و مونولوجيته ترتسم في وسط الزحام لتشرق من جديد بين عيني الدرة شمساً جديدة تتنسمها روابي الأرض الفلسطينية 0
المتفوق الأول للقاص عبد الرحمن حسن انموذج جديد لمضمون قديم حملنا فيه القاص إلى أحضان البعد الآخر من التضحية الذي أطره لنا القرآن الكريــم من خلال مفهوم الشهادة التي هي في نهاية المطاف خلود لا يستطيع العقل البشري أن يتصور أبعاده المتجددة 0
نحن إذاً أمام نص قصصي يختزل فيه القاص حكاية الطفولة الفلســطينية التي يرافقها موكب الحجر الفلسطيني في فجائعية تجاوزت الحزن إلى رســم ملحمة إنسانية تسفك فيها الدماء لترتوي الأرض و يتحول فيها البرتقال الفلسطيني إلى رصاصات جهاد ترسم أيضاً فوق مآذن المسجد الأقصى فضاءً برتقالــياً يلوح للمترقبين خارج الأرض الفلسطينية عودة لأرضــهم و القاص أحد هــؤلاء المترقبين الذين ما زالت تختزن ذواكرهم بالبرتقال الحيفاوي
000)) ارتفـــــع الصوت عاليــــا 000 جميلا وواعـــدا هادرا000 بلادي 000بـــلادي لكحبـــــي وفــــــــؤادي فامتزجــــت الأشياء ببعضهــا ، فتكونــت لوحة جديــدةتجلى فيهــا الوطـــن بأجمل صوره وأخــــذت العصافير تسبح في الفضاء تعـد طقــوسالفرح ))

إذن القاص و من خلال نصه ما زالت طفولته المختزنة تتأرج أمامه في الطريق
يرقب ما يرقبه الأطفال عند مرورهم في الطرقات فهو يألف طرقه و لا ينســى منه تعابير الوجه عند نساء الحي اللواتي كن َّ يعترضنه و كأنه يريد أن يؤكد لنا إن طفولة محمد الدرة الخريطة الدموية للشهادة الفلسطينية هي امتداد لطفولته التي بدأت تستيقظ بفعل ما رآه العالم على شاشات التلفزة 0
سيكولوجية الشهادة في مفهوم القاص عبد الرحمن حسن
بين الحبل السري للقاص عبد الرحمن حسن و بين الشهادة تتســلق الطفولة الفلسطينية التي حملت على عاتقها هموم الرحيل و الغربة و الاغتراب إضافـة إلى لواعج الحنين و الشوق التي تربط الطفولة بمرابع اللهو و المتصفـح لنص القاص ( المتفوق الأول ) و لشخصية القاص التي سعت إلى أن تكون الرعـيل الأول من الأطفال الفلسطينيين الذين يحلمون بالوصول إلى فلسطين تحريراً يجد أن تطابقاً مريراً بين شخصية الكاتب و طفولته و شخصية محمد الدرة و طفولته أيضاً فكلا الشخصيتين شخصية الدرة و شخصية القاص انموذجــاً واحداً لطفل فلسطيني يحلم و يبرمج حياته ليعود إلى مرابع الصبا 0
و لا تكمن المشكلة في النص في السباقات التي يألفها الأطفال للفوز بجوائــز دنيوية و لكنها تبدو مريرة في السباق من أجل الشــهادة دفاعاً عن الأرض و العرض و هذا ما أطره القاص في نصه 0
التقييم المفرداتي لنص ( المتفوق الأول ) للقاص عبد الرحمن حسن
يبدو أن القاص عبد الرحمن حسن في نصه المتفوق الأول الذي حمل إلينا البعد الشهادي في ذاكرة الطفل الفلسطيني تتأرجح مفرداته بين الفن المقالي و القيم التعبيرية للنص القصصي ذلك أن المفردات التي استخدمها القاص في نصه لم ترد أن تفصح عن أسرارها الماورائية بشكل مونولوجي بقدر ما أرادت أن تؤكد على معيارية اللغة التي يلتقمها الناس في أحاديثهم 0
مفردات حملها إلينا الكاتب و اختزنت في ذاكرتها بعداً شـعورياً يجعل الإنسان يلتصق بالعاطفة الإنسانية أكثر مما صنعـــته من أجنحة لتحلق بخيالها في فضاءات طفولية و نحن جميعاً نعرف أن الطفولة هي حلم و بالتالي هي طيور تتنقل بين أغصان الحياة و لكنها عند الكاتب بدت طفولة تنتقي مفرداتها بشكل دقيق لا لأن الكاتب يتصنع ذلك و لكن لأن الطفولة الفلســطينية نفسها تعيش مرحلة الكهولة فهي بعد هذا الصراع المرير مع آلة الوحشـية الصهيونية تعي بأن الحياة لا تعني اللعب و لا تعني السباق الذي ينتهي بجائزة مسـلية بقدر ما هي تصف المتفوق الأول الذي يصل إلى مرتبة الشهادة و هذه ظاهرة تفرد بها الكاتب إذ جعل الطفولة الفلسطينية رجلاً حكيماً يعي أفعـــاله و يدرك محتوى قضيته و أبعادها
((وكان نيسان يخالــــف كل مواعيد هــــذا العام 000 بـــدأت أسمع صوتا جهوريا يخترقسمع الجميع ، وقـــف مدير المدرسة ليعلـــن أسماء التلاميـــذ الأوائـل فيالمدرســة غابــــت عنه كل الأسماء، اختفـى الصوت داخل حنجرته ثم حــاول منجديـــــد 00استجمع قــــواه فخرج الصوت قويا كأنه الجلجلة أبنائي الأعـــزاء لنصفقجميعا للتلميـــذ الأول الـــذي حاز على المرتبـــة الأولى 000مرتبـة الشرفالتلميــــذ محمـــد الــدرة ))
بقي أن نقول إن للنص أبعاداً أخرى تحمل الهم الفلســطيني و المعاناة القاسية التي يعيشها كل مبعد عن أرضه و هي تحتاج إلى قراءة أخرى تبرز ذلك الهم و تصور أبعاده




2-أبعاد الذكريات في الآفاق النفسية
في نص الطيور المهاجرة للقاصة :
البتول المحجوب/ المغرب
الطيورالمهاجرة

البتول المحجوب::.

أتذكري انسياب أنغام عود..أتذكرين القاعة العتيقة
والجدران المطلية..؟كنا معا. !.
وضعت معطفها ذاك المساء الممطر على كتفها ،ذهبت لحضور أمسية.القاعة عتيقة، جدرانها مطلية بطلاء تعبر عن مرور أجيالا وأجيالا.. كراسي تسمع أنينها عند الجلوس..جلس قربها شعرت قرب أنفاسه منها..تذكرت ذاك المساء الماطر وأنغام عود حزين..تذكرت القاعة العتيقة..والجدران المطلية فهل تذكر ذالك..؟
..غادرت القاعة بعد أمسية شعرية وعزفا حزينا يصحبها، وقفت تنتظر مرور سيارة أجرة..رذاذ المطر المتساقط ينعش روحها الحزينة،التفت بمعطفها الأسود اتقاء قطرات عابرة..أوقف السيارة قربها..فتح الباب قائلا:
-تفضلي..الجو بارد..تأخر الوقت ..قد يطول انتظارك دون مرور سيارة. ترددت لحظة، بادرت بالركوب..جلست قربه دون كلمة..أدار شريط موسيقي لكسر الصمت المطبق بينهما..أنغام عود تعشق سماعه ..غابت مع أنغام العود الحزين..أحست دفء كفه وهو يلف يديها الباردتين..شعر بارتعاشها..
-ما بك ترتعشين…؟البرد..؟ردت بصوت لايكاد يسمع:
-بلى البرد قارس ..هذه الليلة.لفظت هاته الكلمات لتهرب من سؤاله..نزع معطفه ووضعه على كتفيها رغم أنها ترتدي معطفا لكنه شفاف على حد زعمه..شعرت دفء أنفاسه وهو يلفها بالمعطف..أخذ كفيها الباردتين ووضع عليهما قبلة من شفتيه المحمومتين علّه يزرع الدفء والحب في قلبها الجريح..لم تنبس ببنت شفة طيلة الطريق ..الغصة في الحلق تخنقها،الدمعة المتدفقة من مقلتيها،الجرح غائر وعميق. لالمسة كفه الدافئ ولاقبلة شفتيه زرعتا الدفء في قلب مسكون بحزن كربلائي..مثقل بهم محير.. وسؤال قلق..
اقترب منها أكثر أمسك يديها، حدق في عينيها طويلا ثم زفر قائلا:
-..عينان حزينتان هذا المساء..مايحزنك يا صغيرتي..انغام عود طالما عشقنا سماعه معا..ألن تتحررمن قيد ذاك الزائر الحزين النظرات..اماحان لك أن تنسي اوتتناسي..
نظرت إليه بصمت، رددت في داخلها كيف تنسى أو حتى تتناسى..كيف تنسى حزنكما الجميل معا..حزنا جمعكما طويلا..فرح وهم مشترك قاسمتها..وهاهي الأقدار تفرقكما من جديد..كل في سبيل وأكثر السبل حزنا ومرارة سبيلها..
يسود الصمت بينهما ..أيعاتب القدر الذي فرقهما..أم يعاتب أنفسهما..؟أي حظ هذا وأية صدفة جعلتني التقي به..؟رددت هاته العبارة تلوم نفسها.. أي قدر ساقني لتلك الأمسية..؟ لنلتقي من جديد..يفرقنا الزمن..ويجمعنا في قاعة عتيقة عبر أمسية دافئة بنغمات اوتارعود حزين ليزرع الدفء في مساء ماطر..يلفنا الصمت من جديد ..يتذكرها..يتذكر أنثى القلق..أنثى الحلم الجميل أنثى السؤال القلق..أنثى الحلم المغتال..يتذكر يوما غضب منها قائلا:
-ستقضين عمرك تبحثين عن سراب..
تبحثين عن ملامح ضبابية القسمات..رحلت عنك تلك الملامح يوم الجمعة الحزين..وبقيت تنتظرين..وتنتظرين،آلا تمل الانتظار..أم تراك الفته..؟
..ياأنثى القلق..والحلم الجميل..افتقدك، افتقد دفء أيام مضت..افتقد بسمتك المشرقة..احلم معك..بعالمك النقي..أتذكرك ألان..عبر انسياب انغام عود وترية..فهل تذكرين ؟أتذكرين القاعة العتيقة والجدران المطلية فهل تذكري…؟
البتول المحجوب-طنطان-



أبعاد الذكريات في الآفاق النفسية
في نص الطيور المهاجرة للقاصة : البتول المحجوب/ المغرب
الدراسة:
حينما تتحول الأجنحة إلى بساط ريح أخضر يعبر آفـاق المجهــول و تخـتزل اللحظات المدهشة في همسة ٍ مهاجرة تبعث في النفس ذكريات عميقة تنقل إليك سعف الصمت و أغنيات الحنين و شوق اللاشعور و استبطان العقل الباطن ليرســــم الإنسان عالمه الآخر عبر مساء ٍ ممطر تزينه قطرات الندى التي ينفعل الخير من رذاذها العطر 0
تتمحور قصة الطيور المهاجرة في أعماق لاشعور القاصة البتول المحجوب من خلال مفكرة ٍ عميقة الأبعاد ذات انكســــارات ممتدة تفتــح منها نافذة واحدة تتســـع لعينين تنظران إلى آفاق المجهول المعلوم في الذات إنه شـعور الصمت حين تتدفق الذكريات حاملة ً معها لوعة الشوق و حنين الدفء ذلك أن برودة الجو جعلت أنفـــاس الكاتبة تملأ الكون رذاذاً ملتهباً بالشوق و كأن هدوء الليل المخيم فوق الذاكرة يفتح صفحــة جديدة في آفاق مجهول الحب الإنساني الذي يريد أن تنطبع معالمه فوق الجبين واقعاً حقيقياً 0
القصة عند الكاتبــة تحولــت إلــى نافذة لا تتســع إلا لموقفين اثنـين كلاهما يبحث عن موطأ قدم في ساحة اللاشعور عند الآخر و يأتي المســـاء الحـــزين البارد ليؤكد على حميمية العاطفة الملتهبة في أعماق النفــس تلك هي مشــــكلة القصة النســـائية التي تحولت في عصرنا إلى سيرة ذاتية ترسم الكاتبة من خلالها موقفاً خاصـــاً يفتقد إلـــى العقدة و يفتقد إلى تأزم الحدث بحيث يجعلك تتناسى من خلال اللغة الشاعرية المعبرة الموحية أنك تقرأ قصة شعرية هذه اللغة تجعلك تؤكد من خلال مفرداتــها المتســاوقة عبر آفاق الربيع الأخضر تجعلك تعيش حالة شعرية و ما أجمل أن يتداخل الشــعر في فن القصة القصيرة 0
قصة تقترض من الشعر لغته الفنية فتنقل القارئ من نص قصصي إلى نص شعري 0 و لو أنك تصفحت هذه الأمسية الشعرية أو قل اللغة الشعرية في القصة لوجدت عزفاً حزيناً يصحبها و لسمعت إلى شريط موسيقي يكسر أعتابها و لأحسست دفء الحنين الإنساني الذي يلف اليدين الباردتين 0
البتول المحجوب محطة من محطات الذكريات التي ترتســـم ســيرة ذاتية تعبرُ محيط الصمت باحثة عن قوافل التوابل القصصية لترتســم وردة بيضـــاء على جبين الأدب



3-الخيال الجامح في البعد الإنساني
في قصة(( دم العذارى ليس لك )) للقاصة : أماني محمد ناصر(سوريا)
القصة : دم العذارى ليس لك
إليك عني... لا تقترب مني، محالٌ محالٌ أن أستسلم لرغبتك الجامحة اليوم...
زُفّت العروس إليك؟؟!! هذا ما قاله أبي... ولكن لا وألف لا... لا يغرّك ما سمعتَه منه...
عشتَ ضياعاً... عثت فساداً...
فلن أرضى أن أكون أماً لأولادك، أو جدة لأحفادك...
درتَ الدنيا أجمعها وأنت تفرغ رغباتك في كل الأماكن، وعندما اهتديت أتيت إليّ...
إلى طفلة لم تتجاوز الـ 16 ربيعاً... لم يلمسها أحد، لم يقبّلها أحد، لم يضمها أحد، لم تلامس شفتاها شفاهٍ قط، لم يستنشق أحد رائحة العذارى منها...
أذهلتك طفولتها وأنوثتها التي بدأت تتشكل في ذاك الوقت...
أدهشك صوتها، بهاؤها، حياؤها،حركاتها، لفتاتها، براءتها، لون السماء في عينيها، سواد الليل في شعرها، بياض الثلج في وجهها، ارتباكها كلما سكبت كوب ماء أو قدّمت لك فنجان قهوة حينما كنتَ تزور والدها!!!
وكم كنتُ أرى في عينيك نظرات لم أدركها إلاّ اليوم... يوم عرسك وانتحاري!!!
إليك عني... لا تقترب مني، محالٌ محالٌ أن أستسلم لرغبتك الجامحة اليوم...
لن أدعك تمارس معي لعبة انزلاق شهواتك بمسامات أنوثتي...
أيها الغارق بالمنكر والشهوات...
أيها المثقل بالآثام والخطايا...
سأحارب شهوتك اليوم ولو وصلتُ معها إلى حدود الموت...
لن أسمح بارتكاب خطيئتك البعد المئة معي...
لن أكون ورقة بيضاء تكتب عليها كيفما اتفق ثمّ تمزقها كيفما تشاء...
لا يغرّك فستاني الأبيض الذي ألبسني إياه أبي اليوم، ففي قلبي سواد أعظم حاقد عليك وعلى أمثالك...
لن أقبل أن أكون الرقم (1) بعد المئة في تفريغ شهواتك...
فلك المحال ولي الانتحار...
اعتقدوا أنني خلعتُ ثوب الطفولة اليوم لكنني لن أتنازل عن ثوب أنوثتي لك...
إليك عني... لا تقترب مني، محالٌ محالٌ أن أستسلم لرغبتك الجامحة اليوم...
جمعتَ مال الدنيا ورميته بين يدي... وأُجبرتُ على اختيارك... أجبرني والدي، ذاك الفقير المعدم المثقل بالديون...
وزُفّت العروس لك... التي هي أنا...
وأُعدمتُ إلى رجلٍ ملوّث بخطاياه، والذي هو أنت...
لقد أماتني أبي الميتة الأولى، وجرح قلبي اليوم بزفّي إليك لكن... لن أرضى الآن بجرح آخر لأنوثتي...
لم أكن أجرؤ على التنفس بهمسة اعتراض عليك أمام والدي... والدي الذي نسف اليوم طفولتي، أنوثتي، عواطفي، وكل شيء بي... كل شيء...وكم بكت أمي لأجلي وهي ترجوه أن يبدّل رأيه...
ولكنّه المال الذي أصمّ آذانه عن نداءاتها وبكائها المستميت...
والآن...
الآن وبعد أن ضمتنا غرفة واحدة كنتَ قد أغلقتَ بابها بطريقة وكأنك تشعر أنّك مازلتَ تسرق الأنوثة سرقةً...
لا وألف لا...
لك المحال ولي الانتحار...
اعتقدتَ أنّك بمالك وجاهك ستشتري أغلى ما تملكه فتاة في عمري...
لا يا سيدي...
ما هكذا دم العذارى يباع...
فدمُ العذارى ليس لأمثالك وليس لك... ليس لك... ليس لك!


الدراســــة النقــديــة :
(( البعد الإنساني في نص دم العذارى ليس لك ))
في استبار مغاور النفس الإنسانية الجامحة تعتلي صهوة البوح مفردات اللغة لتفرز معطياتها بمرآة صادقة ترسم لواعج النفس ببراءتها و تسطر على صفحاتها ضوء الشمس الذي يأبى الخنوع لسواد الليل و أما بياض الثلج فهو نقي كالياسمين يزجي بعطره أقواس قزح تلون مفردات الرغبة الجامحة بتحول فيزيولوجي يأبى الانزلاق في المطامع المادية ، فأبعاد المشاعر الإنسانية الجياشة ترفض الانصياع لواقع لا يحقق لها التكافؤ بسمته المادية و المعنوية و هذا ما لا تتوقعه القاصة أن يكون زوجها من أتراب والدها فهذه قضية إنسانية تحتاج إلى بحث في هذا العصر الذي أصبح من حق المرأة أن تختار فيه من هو كفؤ لها وكم يترك زواج أصدقاء الآباء من البنات من ارتكاسات نفسية تجعل الفتاة تنظر إلى من هو في عمر والدها و إن كان ذا مال و جاه من الذين لا يقبل عقل المرأة أن يقترن بهم ذلك بعدٌ إنساني رسمته الكاتبة بأبعاده الواقعية الصحيحة 00
(( درت الدنيا أجمعها و أنت تفرغ رغباتك 000
إلى طفلة لم تتجاوز الـ 16 ربيعاً 000
كلما سكبت كوب ماء أو قدمت لك فنجان فهوة حينما كنت تزور والدها 0
و تبقى الكلمات في ارتكاسها الانعكاسي ترسم مشاعرها على صفحة بيضاء حيث أن المال لا يشكل معياراً في مقياس رغباتنا لتحقيق أحلام زائفة لا يجلوها إلا الزمن و لا تصهرها إلا التجارب و تبقى الرهن التي تخطه الكاتبة وسماً على جدران الرغبة :
(( إليك عني 000 لا تقترب 00محالٌ أن أستسلم لرغباتك الجامحة اليوم ))
من حروف كهذه الحروف تصارع الذات ترسم لنا الكاتبة براءة الطفولة بياسمينها النقي و تسجل على صفحاتها الزمن المثقل بالخطايا و لكنها المرآة التي تعكس صفاء النفس لتبلور فكرة الواقع بارتداد الضوء المصقول على حوافها فهي الوردة البيضاء و الصفحة النقية التي تأبى الاستدراج و تشير الكاتبة إلى ذلك بقولها :
(( لن أكون ورقة بيضاء تكتب عليها كيفما اتفق ثم تمزقها كيفما تشاء ))
(( اعتقدت أنك بمالك و جاهك ستشتري أغلى ما تملكه فتاة في عمري 00 لا يا سيدي 00 ما هكذا دم العذارى يباع 000 فدم العذارى ليس لأمثالك و ليس لك 00 ليس لك 00ليس لك ))0
هكذا أرادت الكاتبة أن تعبر عن المعنى الإنساني في الذات البشرية المتمثل في محاولة استغلال أنوثة المرأة من أجل إشباع نزوات الرجل الخارج عن الأطر
الإنسانية 0
(( المفرد القصصية في نص دم العذارى ))

يفجؤك في نص (دم العذارى ليس لك) للقاصة أماني محمد ناصر هذه الشفافية الواعدة التي تكتنزها مفرداتها القصصية و التي استطاعت أن تحمل أبعاداً إنسانية تصور حقيقة شراء مشاعر الآخرين بحفنة من الدراهم فالمفردة التي استعملتها القاصة على الرغم من كون الموضوع ليس جديد فهو مطروق على مر العصور و على حد قول الشاعر نزار قباني (( بدراهمي 00 لا بالحديث الناعم )) هكذا أراد هذا الرجل الاستثنائي أن يكون زوجاً لفتاة لا ترغب في أن تنظر إليه مع أنها المحاولة التي قد تكون العاشرة من نوعها و التي أرادها هذا الرجل و أراد أن يقتنص منها عواطف فتاة صغيرة كالوردة لم يشم رائحتها أحد ٌ إلى الآن على حد قول الكاتبة 0 و لنلاحظ ما تحمله هذه المفردات من شحنات عاطفية أفرغت فيها الكاتبة موقفها الفكري من هذا الزواج غير المتكافئ و الذي ترى فيه كل الشرائع السماوية و القوانين الوضعية حيفاً و ظلماً للمرأة 0
و هاك أيها القارئ العزيز قول الكاتبة :
(( لم يستنشق أحدٌ رائحة العذارى منها 000))
(( لن أدعك تمارس معي لعبة انزلاق شهواتك بمسامات أنوثتي ))
(( لن أكون ورقة بيضاء تكتب عليها كيفما اتفق ثم تمزقها كيفما تشاء ))
(( اعتقدوا أني خلعت ثوب الطفولة اليوم 00 لكنني لم أتنازل عن ثوب أنوثتي))
(( الآن و بعد أن ضمتنا غرفة واحدة كنت قد أغلقت بابها بطريقة و كأنك تشعر أنك ما زلت تسرق الأنوثة سرقة ))
(( لا يا سيدي ما هكذا دم العذارى يباع 00 فدم العذارى ليس لأمثالك و ليس لك))0
فإذا تفحصنا ما تختزنه هذه المفردات الشاعرية في المقتبسات السابقة نجد أن الكاتبة استطاعت أن تنتقل من لغة الحقيقة إلى لغة المجاز حاملة إيانا على بساط ريح أخضر يرينا فضاءات الأنوثة على حقيقتها 0
فقولها ((لم يستنشق أحدٌ رائحة العذارى منها 000)) يحيلنا إلى غابة روحانية تفوح منها كل الأطياب الزكية التي تتمثل في الأنثى فالمرأة و كما خلقها الله هي الرائحة الطيبة و الخصوصية هنا لكلمة رائحة العذارى التي تدل على لؤلؤة مكنونة ما زالت مختبئة في صدفتها لم تصل إليها يد إنسان 0
إذن لو تصورنا مع الكاتبة رائحة الأنوثة و جمال اللؤلؤة بعد أن نكشف عنها غطاءها لأصبنا بصعقة جمالية و هذا ما عبر عنه القرآن الكريم بقوله في وصف نساء الجنة : (( وحورٌ عين كأمثال اللؤلؤ المكنون )) الواقعة ( 22-23 )
و هذا يعني أن لدى الفتاة مخزوناً جمالياً يكمن في عذريتها على عكس كثير ممن يدعون غير ذلك 0
أما قولها : (( لن أدعك تمارس معي لعبة انزلاق شهواتك بمسامات أنوثتي ))
و هذه أيضاً مفردات عبرت بها الكاتبة عن مكانة الشهوة لدى الرجال فهي مكانة عظيمة إذا ما صانها صاحبها و لكن تتحول إلى صخرة مخيفة تنزلق من أعلى إلى أسفل واد ٍ إذا ما أرادها الرجال أن تكون في غير مكانها الحقيقي 0 و الأجمل من ذلك أن انزلاق هذه الصخرة سيكون إجبارياً في مسامات أنوثة المرأة و هذا ما نسجله للكاتبة في المستحيلات غير الممكنة و التي نضيفها إلى المستحيلات السبعة إذ كيف بالصخرة أن تنزلق داخل مسام جلد المرأة ( و هذا يعني بالمفهوم الشعبي زواج الرجل عنوة بالمرأة ) و لا أعتقد أن هناك شيئاً أكثر كرهاً للمرأة من أن تتزوج ممن لا ترغب به و هذا ما وفقت الكاتبة في التعبير خيالياً عنه و إن كانت صورتها المجازية ( انزلاق الصخرة في مسام الجلد تناظر دخول الفيل في ثقب إبرة على حد قول الشاعر سميح القاسم أو على حد العبارة القرآنية التي فتحت هذا الأفق أولاً :
(( إن الذين كذبوا بآياتنا و استكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء و لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط و كذلك نجزي المجرمين )) 0
أما قولها : (( اعتقدوا أني خلعت ثوب الطفولة اليوم 00 لكنني لم أتنازل عن ثوب أنوثتي))
فإن القاصة عبرت عن أنوثتها الحصينة بالثوب السابل الساتر الذي يغطي معالم جميلة و هذا يعني أن القاصة تصر على أن الأنوثة كنز ثمين و هذا يرتد إلى الصورة الأولى صورة الأنوثة ( العذرية اللؤلؤة المختبئة في صدفة محكمة )0
و أما قولها (( لن أكون ورقة بيضاء تكتب عليها كيفما اتفق ثم تمزقها كيفما تشاء )) فإن القاصة عبرت عن موقف إنساني يمثل حرية المرأة و إمكانية تصرفها في حياتها بحسب المنطق الذي يعود عليها بالنفع و السوية و هذا الزمن الذي كان فيه الرجال يكتبون ما يشاءون على النساء قد ولى مع أن جميع الشرائع السماوية ترفض ذلك فالمرأة صنو الرجل لها ما له و عليها ما عليه 0 و الأجمل أنها عبرت بكلمة ((كيفما اتفق و كيفما تشاء )) لتدلل بما الزائدة على أن الكثير من أفعال الرجال في حق النساء هي أفعال من صنع شهوات الرجال و عواطفهم و ليست قانوناً يجري على النساء لصالح الرجال فالمرأة ورقة بيضاء حقيقية أو لنقل وردة بيضاء نستطيع أن نرسم عليها جمال المنطق إذا ما أشرعت هذه المرة بحرية أفقها لنا أما أن نفتح الورقة و نكتب ما نشاء ثم نمزق
ما نشاء فذلك على حد قول القاصة عمل ليس له أصل 0
هذه المفردات الموحية إيحاءً خيالياً واسعاً تدلل على قدرة الخيال القصصي عند القاصة أماني محمد ناصر على اصطفاء الصورة الأدبية و إبداعها إبداعاً حقيقياً
يجعل من قصتها في الطبقة الأولى من القصص العربي المعاصر 0 و إن كنا نأخذ على الكاتبة بعض الاستعمالات السوقية التي يعبر عنها العامة بشكل يومي
و التي لا تبخس من مكانة القصة و لا تؤثر على تبوئها المكانة العالية في الفن القصصي 0
( و كم كنت أرى في عينيك نظرات لم أدركها إلا اليوم000 يوم عرسك وانتحاري ) و عبارة يوم عرسك و انتحاري عبارة شعبية قلقة من حيث الصياغة
و قولها ( لن أسمح بارتكاب خطيئتك بعد المئة معي ) كذلك القلق اللغوي الصياغي ينتاب عبارة بعد المئة 0
و بعد فإننا – الدارسين – نرى مع الكاتبة أن سرقة الأنوثة هي أفدح من سرقة أي شيء آخر و هذه سابقة تسجل للكاتبة على التفاتها لهذه القضية الحساسة التي يأبى الضمير الإنساني أن تتحول فيه الأنوثة إلى سلعة مادية يختلسها الآخرون 0



4-المونولوج الداخلي و البحث عن الذات التائهة
قراءة في قصة ( درب أم الدويس ) للقاصة سارة النواف(الإمارات)

نص القصة القصيرة : ( درب أم الدويس – الكاتبة : سارة النواف )

درب أم الدويس
تمشي .. تحث الخطى .. تلتصق بالجدار الرطب .. تنصت أكثر .. لعل الصوت يدلها علىمصدر الضوء الخافت الذي كلما تدنو منه ويخالجها إحساس أنها وصلت .. تفاجأ أنها لاتزال بعيدة.
نقاط مطرية باردة تهطل على رأسها وكتفيها .. تزاد أحيانا وتكونغزيرة .. وتكاد أحيانا أن تتوقف ..
ترفع عباءتها وتغطي رأسها لتحمي نفسها منالبلل ولكن عباءتها تجمع مياه المطر لتسيل على ثوبها فيرتجف بردا جسدها المرتجفخوفا .. رائحة المطر غريبة في البيوت الخربة .. بيوت بلا أسقف أو أبواب أو نوافذ .. بقايا خربة لبيوت كانت ذات يوم عامرة .. قدماها تغوصان في بحيرات المياه الصغيرةالتي تملأ الأزقة والمداخل .. مزيج من الطين والوحل يلطخ ساقيها وثيابها .. تتابعالسير ..
نباح كلب يليه مواء قطة وأصوات تلاطم وتدافع .
" ما الذي جاء بي إلىهذه الخرابة ؟.. حمقاء .. مجنونة .. لا .. بل الشيطان
الذي يسكن عقلي هو الذييقود خطاي .. لعنة الله علي وعلى أفكاري "
تتأرجح بين العودة والاستمرار .. تودأن تكشف أمرا فكرت طويلا به " سأستمر .. وليكن ما يكون"
تنتقل بين الغرف .. تستنشق الهواء عله يحمل عطرا .. تتوخى الحرص في خطوتها
فقد تدوس على صدى أنفاس .. تلتفت حولها .. ظلمة حالكة.. لا يبدد سوادها إلا برق يومض لثوان قصيرة .. مزيجمن الرهبة والخوف .. أما الفضول فهو في ازدياد كلما دخلت غرفة ولم تجد ضالتها ..
وعند باب خشبي متآكل ، ترددت قبل أن تدفع الباب بيدها الباردة خوفا .. أنينمتوجع صدر من الباب القديم .. دلفت إلى الغرفة الرطبة .. جدران متهالكة.. قطرات ماءتتساقط صفراء مصطبغة بلون السقف المتداعي .. رائحة نتنة أزكمتها .. وللحظة فقطانتشر ضوء في الغرفة .. لحظة لا يمكن عدها بالثواني ..
كانت كافية لتلمحها .. امرأة في زاوية الغرفة .. تجلس على حصيرة قديمة بالية .
تراجعت خوفا " أهي شبح؟.. أم فعلا امرأة .. أم قد تكون من نسج خيالي "
التصقت بالجدار الرطب.. أحستبوخز الأحجار في ظهرها .. لم تأبه .. فهاهي الآن في نقطة اللاعودة .. " سأنتظر حتىيومض البرق مرة أخرى لأتبين إن "
لم تكمل حديثها لنفسها حين سمعت صوتا هامسايقول لها " ما بك .. هل أنت خائفة؟؟"
تلعثمت " لا.. نعم .. أنا خائفة .. أنا .. من أنت؟"
أجابتها بمرح" هيا لاتخشي شيئا .. تقدمي ….. واعذريني فأنا لا أملك منأمور الضيافة شيء ..
ما رأيك هل تشاركيني الجلوس على الحصيرة "
تقدمت نحوهاولكنها فضلت أن تبقى بعيدة نوعا ما .. جلست على قطعة خشب رطبة
في حين سألتها " حسنا .. من أنت ولم أتيت إلى هنا ؟"
" كنت .. كنت .. أبحث .. ربما عنك"
" تبحثين عني؟؟.. ولم ؟؟ في مثل هذه الليلة .. الكل يختبئ في بيته حيث الدفء والراحة ..
حتى الحشرات تختبئ في شقوق الجدران .. وأنت تخرجين للبحث عني ؟"
سكتتلحظة ثم أردفت بخبث " آه .. نعم .. نعم .. هل غاب عنك شخص معين "
أجابتها لتنفيعن نفسها تهمة " لا.. أود أن أعرف عنك ومنك أمور كثيرة"
" أمرك غريب " قالت لها " الرجال عادة هم الذين يبحثون وليس النساء "
اقتربت منها أكثر وهي تحرك قطعةالخشب تحتها .. صوتها .. حديثها .. هي كلها تزيد من جذوة نار الفضول .. تزداد رغبةفي الاقتراب لمعرفة من تكون .. مم هي "
تباغتها بسؤال " ألست خائفة الآن؟"
" نعم .. لا.. لا.. فأنا أعلم أنك لا تؤذين النساء .. فقط الرجال لذلك أتيت "
ضحكت بصوت عال وسرعان ما اختلط صوتها بانفجار الرعد الذي اهتزت له الغرفةالمتهالكة ....
أحست ببرودة شديدة .. بلعت ريقا جف في حلقها وقالت بصوت متردد " هل أنت هي؟"
" هي .. من تقصدين؟"
" اقصد .. اقصد "
" ها .. تقصدين .. أمالدويس .. نعم أنا هي "
تنظر إليها .. صوتها الدافئ يبعث الشجاعة في عروقها .. تردد لنفسها " هذه المرأة ..
بشكلها المثير للشفقة والاشمئزاز .. هي أم الدويس "
تمعن النظر .. إلى وجهها .. صدرها .. ساقيها الممتدتان على الحصير .. ملابسهاالرثة
.. وبعد تردد تقول " أنت امرأة عادية"
" لا.. لست امرأة عادية .. بلأقل من ذلك .. انظري إلي .. وتمعني في ملامحي "
تحاول أن تميز ملامحها .. يومضالبرق .. تسري الرعشة في أطرافها ..
تعود إلى الخلف خائفة .." ما بك " تسألهاالمرأة ..فتجيب بعد تردد قصير " لاشيء .. أنت . أنت ما بك؟.. هل أنت مريضة .. هلتعرضت لحرق أو .."
تقاطعها " لا.. هذه أنا .. وهذا هو وجهي .. هذا هو شكلي "
فتقول الأخرى" ولكن .. يتناقل الناس عنك حديثا لا ينتهي .. ضياء في وجهك .. عيناك الصافيتان
.. رائحة عطرك وشذاك .. الذي تنقله النسائم عبر الحواريوالأزقة .. وتلتقطه الأنوف فتسلب الألباب .. وكلما صددت عن الرجال .. ازدادواإصرارا على متابعتك .. و "
قاطعتها بحدة " يكفي .. هذا كله هراء .. هاأنا أمامك .. هيا .. انظري إلي ما ترين ؟"
" ولكن "
" لا تقولي .. ولكن .. هيا تقدميوانظري إلي "
" لكن الرجال الذين لم يتبعوك قالوا عنك ذلك …وأما الرجال الذينأغويتهم .. فأنت "
تقاطعها بنفس الحدة " لم أقتلهم .. ولم اخطفهم .. هم الذينيجرون وراء الأوهام"
تزدرد ريقها بصعوبة بعد أن تطايرت جوانحها هلعا " أتقولينوهم ؟"
" نعم .. وهم .. كل يضيف إلى شخصي ما يريد .. لوحة لم يكملها الرسام .. وكل يضيف مايعحبه
.. الكل يراني كما يريد وليس كما أنا . حين يرونني في الأزقةالمظلمة .. أكون كما تريني الآن ..
ولكنهم يعمون عن ذلك .. أعماقهم المريضة ترسملهم صورتي انعكاسا لما في نفوسهم ..
هيا قولي ما تشمين الآن "
لا تجيب فهيغير مصدقة
فتكمل الأخرى" أتعرفين ما تشمين ؟.. رائحة المطر بعد أن يتخلل الجدارالنتن .. رائحة المياه المختلطة بالأوحال وبقايا الكلاب والقطط الضالة .. انظريحولك وتفحصي هذه الغرفة الحقيرة.
. رائحة هذا المكان هو رائحتي .. وتقولين عطر .. أي عطر هذا "
تقول لها بصوت واهن " ولكن كيف يشم الرجال رائحة عطرك الفواح "
أجابتها بهدوء " كما قلت لك .. كل شيء في خيالهم المريض .. وحين يأتي أحدهم ..
ليس لأني طلبت منه .. بل لأنه هو يريد ذلك ..يفسر وقفتي بأنها دعوة صامتة ..
نظراتي بأنها إيماءة مني لأثير رغبته .. أي حركة أو لفتة .. هي دعوة مني له "
يبدأ الفضول ينمو مرة أخرى " ولكن .. لم كل هذا الحديث عنك ؟"
تقول بمرح " أتصدقين أن من يتحدث عني بهذه المبالغة .. هن النساء وليس الرجال ..
كل من فقدتأحدا .. أخذته أم الدويس .. كذبة صغيرة وكما يكبر الناس كبرت على مدىالأيام..
وحملت الكثير من الصفات غير الحقيقية "
" هل تقتلينهم ؟؟ "
تجيب بملل " هاأنت تعودين من حيث أتيت .. ما بك تهتمين بهذه النقطة .. أنالاأقتل أحدا وان كنت فقدت أحدهم فلست بقاتلته .. أف .. "
يعم السكوت المكان .. إلا من صدى تساقط حبات المطر الخفيفة على وعاء معدني قديم
.." اسمعي .. حينيقترب مني أحدهم .. يصدم أنه كان يتبع سرابا .. وأن الصورة التي رسمها عنده هو فقط .. عندئذ تتبخر الهالة التي يكون قد رسمها لنفسه .. يصبح عاريا أمامها .. ويأبىالعودة ..
حتى لا يرى الآخرون نفسه عارية ….. كما رآها هو"
تقف وتنفضالمياه عن نفسها وتتجه خارجة من الغرفة " هيا .. توقف المطر .. عودي إلىمنزلك.
. وابحثي عن غائبك في مكان آخر "
تصلح من شأن عباءتها .. تخرج متعثرةبالأوحال التي علقت بعباءتها وثوبها ..
ترتجف يداها محاولة الإمساك بالعباءةمانعة إياها من التزحزح عن رأسها ..
تستعجل الوصول الى الدار .. وفي احدىالحواري ..يصطدم بها أحد الرجال .. يتركها مهرولا إلى نهاية الزقاق .. تلتفت وراءهافتجد المرأة تقف بنفس الهيئة المزرية .. تستنشق الهواء .. تملأ رئتيها باحثة عن عطر .. تهز رأسها أسفا " لا عطر .. رائحة المياه المختلطة بالأوحال وقاذوراتالزقاق
" تطارد الرجل بعينيها ..
تبتسم بمكر وتكمل طريقها .
الدراسة النقدية :

البحث عن الذات انطواء إنساني لازم الإنسان منذ وجوده الأول فهو انطلاق نحــو المجهول و تمحور في دائرة المعلوم و استكناه لأعماق النفس الذي منذ أن هبطت إلى الأرض و هي تبحث عن كيانها و ذاتها ووجودهـــا فلإنسان بطبيعتــه مخلوق طارئ على هذه الأرض و لكنه يحاول التشبث بفكرة البقاء التي جســـدتها الأديان إلى خلود بحسب العمل 0
( درب أم الدويس ) بحث مضني من الكاتبة عن الذات التائهة في تلافيف اللاشعور و في أعماق اللاوعي الذي اختزن الآخر مخلوقاً يتصور وجوده مزاحمـــا له فبـين ( أم الدويس ) الحقيقة و ( أم الدويس ) الخيال يقف الإنسان حائراً باحثاً عن الوجود الحقيقي و الكاتبة سارة النواف في نصها هذا تحاول أن تخرج الأسطورة الشعبية من قمقمها لتحولها إلى واقع اجتماعي إنساني يعكس صورة الإنسان في ذروة مجده 0 فأم الدويس في العقل الباطن لكل إنسان يعيش في أرض الخليج امرأة ساحرة جميلة معطارة يتشهى الرجال التقائها و محادثتها و ( أم الدويس ) في العقل الوعي هي المرأة التي تفجؤك بعيون قطة مخيفة مرعبة و بساقين منجليين يستطيعان قطع الرؤوس و إذا كنا سنتجاوز الحكاية الشعبية الخليجية التي ترسم صورة ( أم الدويس ) بشكلها الأسطوري لننتقل إلى ( أم الدويس ) التي أنشأتها الكاتبة سارة النواف شخصية جديدة تنعكس صورتها في مرآة الواقع فتظهر المرآة لنا صورتين متناقضتين :
الأولى : صورة المرأة الفتاة الجميلة في ريعان أنوثتها و شبابها حيث تبدو زهرة فواحة و قمراً جميلاً و شمساً مشرقة و أنوثة ٌ يشتاق لقاءها الرجال فهي السحر الجذاب الذي يجعل الواقع حلماً و خيالاً جميلاً رائعاً 0
الثانية : صورة المرأة في غياب شمس الجمال عنها و تحولها إلى أنثى ذات عمل بعيدة عن الأعمال الجمالية فاقدة لشبابها و لجمالها و لأنوثتها الراعفة بسبب تراكم السنوات و هذا ما تعرفه المرأة بشكل خاص أكثر من الرجل لأنها تبقى تقف أمام مرآتها صغيرة 00شابة00 كهلة 00 و عجوزاً ، قد تبدو في النتيجة شمطاء 0
إذن صورة المرآة على حقيقتها تعرفها المرآة نفسها و هذا بالذات ما تشكوا منه المرأة بعد تراكم السنين 0
لقد استطاعت الكاتبة سارة النواف أن تجري ( حواراً داخلياً = مونولوج ) بين شخصية المرأة في شبابها و شيخوختها لتبرز حقيقة الجمال الزائل الذي يحول على مر السنين و يضائل بحيث يبدو الجميل قبيحاً و الحسن غير مستساغ بلغة شفافة تحمل في آفاقها و حياً لمعاني أكبر من الكلمات التي رسمت تلك الواقعة و تصوروا معنا ( نقطة اللاعودة ) التي رسمتها الكاتبة في تلافيف قصتها :
(( تبحثين عني ؟؟؟ 000 ولم ؟؟؟ في مثل هذه الليلة 00 الكل يختبئ في بيته 0000 حتى الحشرات تختبئ في شقوق الجدران )) 0
كما أن اللغة التي نقلت لنا هذه الواقعة ارتقت بنا من صدى الحروف إلى أصوات الطبيعة حيث تحول ضحك هذه العجوز الشمطاء إلى صوت يشبه صوت انفجار الرعد (( ضحكت بصوت ٍ عال و سرعان ما اختلط صوتها بانفجار الرعد الذي اهتزت له الغرفة المتهالكة )) 0
و هذا يعني لو ذهبنا نستنطق لاوعي الكاتبة أن إيذان تحول المرأة من مرحلة الشباب إلى مرحلة الشيخوخة يعني تحول الكون و الطبيعة و غضب هذه الطبيعة تعاطفاً مع هذه المرأة التي هي في الحقيقة هي سر الوجود و سر الجمال على هذه الأرض و هذا يذكرنا بصوت الشعراء الجوالين في اسبانيا و بصوت الطبيعة التي تعاطفت مع ابن زيدون بعد أن حدثت القطيعة بينه و بين ولادة بنت المستكفي ، ن بحث الكاتبة عن حقيقة الخلود على هذه الأرض جعلها تتقمص شخصية ( أم الدويس ) نفسها تبحث عن ذاتها ممثلة المرأة بصورتها العامة على هذه الأرض و كأن انطفاء الربيع و عودة الخريف عند أي امرأة يجعلها تصطدم بواقع مُر فتسجل الوصول إلى الدار 000 و في إحدى الحواري يصطدم بها أحد الرجال يتركها مهرولاً إلى نهاية الزقاق 000تلتفت وراءها فتجد المرأة تقف بنفس الهيئة المزرية 000 تستنشق الهواء 000تملأ رئتيها باحثة عن عطر000تهز رأسها أسفاً لا عطر 000رائحة المياه المختلطة بالأوحال و قذرات الزقاق تطارد الرجل بعينيها تبتسم بمكر و تكمل الطريق )) 0
لقد وفقت الكاتبة في رسم صورة المرأة في ربيعها و خريفها محمولة على جناح عنصر التشويق الذي رفع النص إلى مكانة سامقة و إن وقعت الكاتبة في ثلاثة هنات حبذا لو رجعت إليها :
- (( تمعن النظر 00إلى وجهها 00 صدرها 00ساقيها الممتدتان على الحصير ))
و الصحيح الممتدتين0
- (( تقف بنفس الهيئة المزرية )) و الصحيح : تقف بالهيئة المزرية نفسها0
- (( تقاطعها بنفس الحدة )) و الصحيح : تقاطعها بالحدة نفسها 0
و كل هذا لا يفقد النص جماليته الرائعة التي يقف فيها القارئ أمام كاتبة متمرسة
في الفن القصصي 0





5-تداعيات دماء الفرس على بذلة بيضاء(سوريا)
قراءة موشورية في مجموعة الكاتبة سها جلال جودت / دماء الفرس /
القصة:
دماء الفرس المجموعة القصصية الثانية للأديبة سها جلال جودت بعد مجموعتها الأولى (رجل في المزاد) و روايتها( السفر إلى حيث يبكي القمر) و هي مجموعة قصصية تقع في مائة و اثنتي عشرة صفحة من القطع الوسط مطبوعة في دار الأصيل للطباعة عام 2005 و التي تحاول الكاتبة فيها أن تتهجى حروف القصة القصيرة ذلك الفن العملاق الذي لا يصمد به إلا المبدعون 0
القصة القصيرة فن اختزال الواقع و الخيال معاً ينطلقان مسيرة فنية باتجاه بلورة أطر التجارب الإنسانية و للوهلة الأولى يفجعك و أنت تقرأ في تداعيات وردة حين تلدها رحم الأرض ثمة أشواك تدمي يديها و تعود كسيرة الجناح لترتسم صورة إنسانية على صفحات الحياة و إذا كانت الكاتبة في نصوصها تحاول أن تجعل من تجربة المرأة ( الوردة ) صورة إنسانية لامتهان الرجولة للحاجات الإنسانية فإنها في الوقت نفسه تجعل من هذه ( الوردة ) لوحة جديدة تولد من منظور جديد يجعلها إنسانة جديرة بالحياة 0
ولا يمكنك و أنت تقرأ قصة تداعيات وردة إلا أن يتمثل أمامك صورة فتاة يزوجها والدها المنحط أخلاقياً لشخص لا تحبه مقابل دين له بذمته و لكنها تعود إلى بيت أهلها مكسورة الجناح بعد اتهامها بالترجل و أنها مطوقة بصمت الرجال 0 بينما تجد في القصة الثانية ( قنديل الروح ) أن الكاتبة تحاول أن تسبر مغاور النفس لتثبت أن المعضلات التي يتعرض لها الإنسان قد تخلق منه إنسان آخر ربما كاتباً كبيراً يملأ على الناس صمتهم و تحقق ذلك في ليلة القدر و عاد النجم إلى مساره لينضج حلمه بالأولاد يملؤون عليه الأزمنة 0
بينما تمثل القصة الثالثة صورة الصراع الاجتماعي حيث أبو إسماعيل و الأرض التي استحوذ عليها بالقوة من قبل ابن الجيران 00 يموت غريباً عن جيرانه و ترتفع فوق قبره المباني بينما تجد نفسها أمام باب الحمام بعد صراع مع الحيتين لتكتشف أن ابنها قد خبأ ابنة الجيران في الحمام و فجع قلب الأم عندما كانت الحية السوداء في زيارة لفراش ولدها 0
أما القصة الرابعة فتلخص في دعوة الجار لجاره أن يتجسس على زوجته ليكشف أنها مصابة بمس الجنون و المفاجأة العظيمة أن من أرشده إلى ذلك هو من تقدم إلى خطبتها بعد طلاقها فالحرف جيم لما فيه من ( جنون – جبن – جرأة – جرم–جور ) يقتبس من معاجم اللغة حروفها التي تغوص في أعماق الكينونة النفسية في فضاءات اللامحسوس 0
و إذا انتقلت إلى القصة الخامسة تدرك مدى الصراع الذي يعكس أثاره على نفسية الإنسان الذي يحمل شقاء السنين و عذاباتها فمجزرة دير ياسين كانت الحدث الأهم الذي يتصارع فيه الابن في الثأر لأبيه و لكن المافيا الإسرائيلية تكون له بالمرصاد و الحدث يتحول في اللحظة نفسها إلى استشهاد الأب وولادة الابن الجديد 0
لا نريد أن نعني القارئ في الاستماع إلى أحداث القصص الأخرى التي لا تخرج في إطارها عن رسم الواقع الإنساني في المجتمع العربي و لكننا نريد أن نؤكد على قصة
( دماء الفرس ) التي هي سمي المجموعة و التي بنيت على حلم ٍ عاشته الكاتبة و يخص صديقتها ميساء و تعود الكاتبة إلى لوحتها فتجتز الألوان حيث يختلط عليها اللون بين الأبلق و الكميت المتأرجح بين السواد و الحمرة بحيث تتحول هذه الفرس الجموح أو قل المرأة الطامحة إلى ضحية من ضحايا المجتمع فالياسمين فقد رونق البراءة 0
و هذه سجية في المجتمعات المتخلفة التي لا تقدر للإنسان مكانته و الكاتبة تعتمد الحلم إطاراً لنصها تنبثق منه تداعيات اللاشعور الذي يختزن كل ما لا يقبله المجتمع في ذاكرته و يتحول إلى أفعال تنعكس على الواقع و تجعل الإنسان يعيش حياته من خلال ردود أفعال لا قيمة لها و الإطار النفسي للدراسة الأدبية في هكذا نصوص يعطي الأولوية إلى الرموز التي تنشئها و تتحول إلى مفردات و سمية تطبع النص بطابع فهم الدوافع وراء الأحداث فدماء الفرس كما نرتأي هي نقطة التضحية و نقطة الطموح و نقطة التحول و نقطة السقوط في الوقت نفسه ناهيك عن أن الفرس نفسها تمثل انطلاقة الحياة و بعدها الحركي الذي تنبعث منه الخصوبة فكيف إذا كانت هذه الخصوبة تصبح ضحية من ضحايا المجتمع لقد مثلت الكاتبة مجموعة نصوصها في دماء الفرس بلغة نحتتها من واقع الحياة المتداول على ألسنة الناس و الذي يمثل المجتمع العربي في بيئتها الإنسانية فالرمز أحياناً يغطي مساحات من أحداث القصص بينما الدفع و المباشرة يلتهمان بعض النصوص فتتحول القضايا الاجتماعية إلى قضايا ناثرة و كم يبدو ذلك واضحاً في مدلولات ألفاظ الكاتبة في نصها ( زوجي يحب الثوب الأحمر ) رموز واقعية تمثل أعماق اللاشعور عند الرجل الشرقي الذي يبحث عن مأوى و أليف و لكنه في الوقت نفسه يحوّل هذا الأليف إلى فرس دامية صورتها عالقة في الذاكرة 0
دماء الفرس تنطفئ زغردة الجدة 000 تنام ملامح البشر و لا تستيقظ0000 تصرخ وردة بصوت أنثوي جريح :
ــ ( يس ) 0
تردد الجدة قل من يحيي العظام و هي رميم
قراءة أخرى وردود أفعال أخرى يمكن أن يكتشفها القارئ بنفسه في إعادة النظر في قراءة المجموعة القصصية قراءة تنطلق من اكتشاف الأعماق الموجودة ما بين سطور القصص التي يبدو أنها تجارب عايشتها الكاتبة في مجتمع تتناقض فيه العلاقات الاجتماعية 0






6-ريم أبو عيد تبحث عن هوية مفقودة(مصر)
قراءةفنية لنص قصصي
( يوم شتاء بارد )
القصة:
استيقظت كعادتها مبكراً ،في ذات يوم من أيام الشتاء الذي تحبه لشعورهاأن فيه شيئاً منها .. أطلت من النافذة و جالت ببصرها نحو السماء الملبدة بالغيوم،ذكرها هذا المناخ بمناخ حياتها المعتم ، القاتم .. تساقطت دمعة من عينيهاالعسليتين ، سرعان ما انتبهت لها فمسحتها بطرف إصبعها الرفيع قبل أن تنحدر على خدهاالمخملي .. و أعادت النظر إلى السماء التي تكاثفت فيها السحب ، معلنة عن بدء هطولالمطر .. وما هي إلا لحظات حتى بدأ المطر في الهطول و مع كل حبة مطر تسقط على الأرضكانت تخرج منها زفرة أسى على أيام عمرها المتساقطات كما المطر، وأوراق الشجر فيالخريف .. مرت أيامها سريعاً أمام عينها كشريط سينمائي اختلطت فيهالصور و الأحداث والأشخاص .. فتاهت الملامح في ذاكرتها التي تحمل كماً هائلاً منالذكريات الأليمة المرة .. كمرارة حياتها و أيامها .. و لكنها ككل مرة طردت منمخيلتها الذكريات والأشباح التي تتراقص دوماً أمامها فتشعرها بخوف مجهول ..تساءلت بهمسة خافته مكتومة : "هل شعرت يوماً بالأمان؟؟" هزت رأسها يمينةو يسرة في دلالة على النفي،تركت النافذة و ذهبت لتعدفنجان القهوة الذي اعتادت أن تشربه كل صباح وحدها .. فهي دائماً وحدها حتى و إنكانت بين الناس .. انتهت من إعداد القهوة ، كان البخار يتصاعد من الفنجان ،بينما كانت تسير بخطى ركيكة ، باتجاه الشرفة .. ابتسمت ابتسامة خالت لها أنها بلامعنى ..في الوقت الذي أحست فيه بأن هذا الطقس الصباحي هو الشيء الوحيد الذي أصبحتتشعر بطعمه و مذاقه في هذه الحياة ..جلست على الكرسي الهزازأمام الشرفة ، أسندت رأسها إلى المركى ، معلنة حالة صمت مطبق ،حيث ذهبت بعيداًبخيالها و بدأت في التأرجح بالكرسي في حركات خفيفة هادئة .. تماما كما أيامها ، إذتتأرجح بها ما بين صعود و هبوط ، بفارق أن تأرجحها أشد عنفاً لدرجة أنه كان يهزكيانها ويكاد يفجره ..رشفت من القهوة بهدوء كعادتها .. فهي اعتادت أن ترتشفقهوتها بهدوء لتستشعر مذاقها على مهل .. و رائحة البن تملأ أنفها .. فابتسمتابتسامة أخرى يلازمها نفس الشعور بأن لا معنى ولا سبب لها.. وكانت في هذه الأثناءتضغط براحتيها الصغيرتين على فنجانها ، معلنة بذلك تمسكها الشديد به ، لكونه من أعزطقوسها ، وفي ذلك قناعة على نحو ما بأنه الوحيد الذي تحبه و تستطيع أن تحتفظ بهلكونه الشيء الوحيد في هذه الحياة مباحا لها أن تشعر تجاهه بمشاعر الحب .. ولكنسرعان ما خفتت فرحتها الخفية ليحل الوجوم .. حيث دون سابق إنذار طفقت في البكاء .. بكاء هادئ صامت ..استسلمت له.. فهو الرفيق الوحيد لها في هذه الغربة الموحشة .. وهو الصديق في صحرائها القاحلة .. بكت لحد عدم قدرتها على إكمال فنجان قهوتها .. وضعته جانباً و دفنت رأسها الصغير بين راحتيها تاركة دموعها تنهمر بغزارة كما المطرالمتساقط من السماء ..ثم رفعت رأسها بعد أن هدأت قليلاً .. نظرت حولها و انفلتتمنها ضحكة ساخرة .. متسائلة في داخلها : "أهذا هو المآل، نهاية حياة حافلةبالمعاناة .. أربع جدران موحشة وغربة ووحدة .." كم كانت الأيام قاسية معها منذ أنكانت صغيرة .. لم تعش كواحدة من قريناتها الأطفال في دفء وحنان وأمان .. كانتدائماً وحيدة و كانت تمنى نفسها أنه سيجيء اليوم الذي تلتقي فيه مع قلب يضمها ويحتويها بكل حنان ، وحب يشعرها بالأمان المفقود .. يعوضها عما قاسته من حرمان فيهذه الحياة .. لكن الحياة تأبى إلا أن تزيدها حرماناً ، وتجردها من كل معنى جميل وكل مشاعر دافئة .. فجأة شعرت ببرودة تسري في أوصالها فارتجفت كعصفور صغير يقف بلامأوى تحت المطر .. كأن جليد المشاعر يحيط بها من كل جانب .. فمدت يدها لتستعيدفنجان قهوتها علها تشعر بالدفء من حرارته .. فما أن رشـفت منه حتى اكتشفت أن القهوةقد فقدت حرارتها .. فقد الفنجان كل الدفء الذي كان يحتويه كما فقدت هي من قبل كلالدفء في حياتها .. نظرت إليه بأسى و تساقطت دمعة كانت قد بقيت في عينيها فيالفنجان فأحدثت دوامة صغيرة كتلك الدومات التي اعتادت أن تدور فيها .. اعتلى وجهاابتسامة ساخرة ..قامت من مكانها وسارت تجاه المطبخ بلا اكتراث .. راحت تسكب ما تبقىمن قهوة في المجلى .. و نظرت إلى السائل و هو ينسكب من الفنجان بلا أي اهتمام .. فمنذ زمن طويل لم تعد تهتم بأي شيء في هذه الحياة ..



تبتسر القصة القصيرة عناصرها من شبكة عنكبوتيه و لكنها فولاذية الخيوط 0 تحتاج إلـى مجهر دقيق يكشف عن مكونات عناصرها ، فالقصة القصـيرة هذا الفـن الهادئ المشاكـس بطبيعته يستطيع أن يحملك إلى واقع آخر يجتزئ التجربة من الخيال و يجتزئ الخيال ليكونه تجربة عظيمة اللهم إذا كان القاص فناناً بارعاً في تعامله مع النص القصصي قادراً في رسمه للشخصيات التي يختارها 0
و نحن هنا في نص يوم شتاء بارد نقرأ مفكرة رائعة من المفردات و الصور التي تكون لدينا خيالاً واعداً فاللحظة التي صورتها الكاتبة لحظة متميزة لأنها تسبر أعماق النفس و تحـول المشاعر إلى أفعال تتراقص على الورق و إلى كلام نلمسه و نقرأ ما وراء أحرفه من معاني تشكل جزء عظيما لأي النفس و الذات0
نحن إذاً أمام موقف ( ذكرياتي) يصور لنا صفحات من ذاكرة الكاتبة و ينقل لنا أدق التفاصيل بلغة شاعرية تطير بنا على جناحي بساط الريح و تحملنا إلى أفق يبدو أنه عند الكاتبة مسدود من الطرف الآخر 0
فهي من خلال عباراتها تبحث عن ( استراحة المحارب ) و لو كانت هذه الاستراحة دقائـق معدودة و الدلالة على ذلك هذه التشاؤمية التي تتبطنها الكاتبة فتنساق على لسان شخصـية قصتها بشكل لا شعوري ( أربع جدران موحشة و غربة ووحدة ) سبقت هذه العبارة بتساؤل
داخلي يحتاج إلى ( مشرحة فرويدية ) حتى يستطيع أن يستنسخ ما في أعماق نفـس الكاتبة ( أهذا هو المــآل 00000 نهاية حياة حافلة بالمعاناة ) لا أعتقد أن الكاتبة قد وصلت إلى سن اليأس حتى تعبر عن تجربة مريرة مليئة بالمطبات و المصاعب و الإشكـالات 0 إنهـا تبحث كغيرها من النساء عن حضن دافئ تستطيع أن تأوي إليه كقريناتها ممن تعيش حـياة هانئة و قد عبرت عن ذلك بقولها ( كم كانت الأيام قاســـية معها 000 منذ أن كانــت صغيرة 000 لم تعش كواحدة من قريناتها 000 الأطفال في دفـئ و حـنان و أمان ) و لا أعتقد إلا أن الكاتبة تعيش أزمة خاصة تبحث فيها عن هوية مفقودة يمكن من خلالها أن تعبر الحياة الواقعية فهي قادرة بجواز مرورها ان تعبر الحياة الخيالية و هذه سمة ليست بالعادية و لكنها تحتاج إلى مركب من نوع آخر ينقلها إلى المشاعر الدافئة التي تمثل لديها الحياة كاملة 0
و النص الذي بين أيدينا إذا ما تجاوزنا فيه الأخطاء التعبيرية التي وقعت فيها الكاتبة بقولها
( لم تعش كواحدة من قريناتها الأطفال )
و كان من حقها أن تقول
( لم تعش كواحدة من أقرانها )
( فابتسمت ابتسامة أخرى يلازمها نفس الشعور )
و الحق ن تقول :
( يلازمها الشعور نفسه )
و قولها : ( ابتسمت ابتسامة خالت لها أنها بلا معنى )
و الصحيح أن تقول:
(ابتسمت ابتسامة خالتها بلا معنى)
و قولها ( بكت لحد عدم قدرتها على إكمال فنجان قهوتها )
و الصحيح أن تقول :
( بكت إلى حد جعلها غير قادرة على إكمال فنجان قهوتها )
و قولها ( فما أن ارتشفت ) و الصحيح : ( فما إن ارتشفت )
إذا تجاوززنا هذه الهنات التعبيرية إلى عناصر القصة لوجدنا أن هناك حاجزاً بيـن عـنوان القصة و بين مضمونها فليست هناك في النص عبارات توحي إلى علاقة بين مضمون النص و بين عنوانه اللهم إلا في خيال الكاتبة فقط حيث اعتبرت خيالياً أن حدوث هذه القصة شتاءً يجعل هناك رابطاً بين اليوم الشتائي البارد و بين ما سلخته الكاتبة نفسها من ذكريات 0
و إذا كان من حقنا أن نفتش عن عناصر القصة الحقيقية في النص فإن من دواعـي النقـد و تأسيساته القائمة على القواعد أن نشير إلى أن النص الذي بين أيدينا أقرب إلى الســيرة الذاتية التي تؤرخ لاستجابات نفسية تستدعيها ذاكرة الكاتبة فتفرغها على شكل نص 0
أما الا ّ تكتشف الكاتبة جنس النص الذي أفرغت فيه تجربتها فهذه مسؤوليتها المتـمثلة في إعادة الحسابات من جديد 0
صحيح كما قلنا في المقدمة أن لغة الكاتبة و صورها استطاعتا أن تحققا حضوراً أدبياً جميلاً رائعاً خجولاً و لكن فن القصة القصيرة يستحيي كثيرا حينما لا يجد أجلّ عناصره حاضراً على مساحة التجربة فـ ( الحدث و الحبكة و عنصر التشويق ) أثافي ثلاثة لا تقــوم إلا عليـها استجابات فن القصة القصيرة و هي دعامات تنمية فن القصة وهذه عناصر يكاد النص الذي بين أيدينا يخلو منها و إن كنا نسمع نداءات في عالم القصة تدعوا إلى تجاوز القواعد و لكن يفترض أن يكون هذا التجاوز إلى قواعد عصرية تتناسب و العصر الذي نعيشه 0 و ما نقوله في حق النص لا يستدعي إلغاء جماليته بقدر ما نحن نبحث عن انتماء هذا النص و هوية هذا النوع من الكتابة الذي ينتمي إلى (السيرة الذاتية) و قد أكـدته الكاتبـة من خـلال عنـوان نصــها ( يوم شتاء بارد ) و اليوم في مفهوم مذكرة و مفكرة الكاتبة هو سـيرة لم ترق إلى أن تتحول إلى قصة قصيرة و تصنيف النص مسألة حساسة فالسيرة الذاتية فـن نــزر و عظيم انقطعت به السبل بعد العقاد و محمد حسين هيكل و ميخائيل نعيمه و تحـول عنـد كتابنا الجدد إل ذكريات يسردها الكاتب أو الفنان بلغة جميلة بل إلى خواطر يرســمها على صفحات الورق 0





7-سها جلال جودت(سوريا)
قراءة انطباعية في رواية ( ذاكرة القلب 000 ذاكرة الروح )
نحن أمام نص أدبي أعظم أبعاده ذاكرة حريرية و لكنها بخيوط حديدية
في انعتاق الروح من أسر المبادلات المعنوية و المادية الناشزة تقفز أمامك انبعاثات الصمت خلف آفاق مطرقة العلاقات الاجتماعية غير المتكافئة 0
يفاجئك في نص القاصة شخصيات متعامدة هما وجهان لعملة واحدة التطلع نفسه و التوجه نفـــسه و الشراسة نفسها و الجشع الجسدي هو واحد 00آفاق عدوانية واحدة و طموحات واحدة 00 إنهما لا يريان من المرأة إلا حسيتها و صورتها الخارجية أما أعماقها فهي لا تهمهــما و لا يمكـن لها أن تتجسد أمامهما إلا ( المرأة المتعة ) ( المرأة المفاتن الجسدية ) ( المرأة الجذابة بشـــكلــها ) و هذه مفردات الواقع الاجتماعي في البعد الثالث لشخصية الرجولة عند بعض الرجال 0
و في النافذة المقابلة هناك امرأة تبحث عن زوجها عن طموحاتها الإنسانية عن بعدها الحقيقي الذي ما يزال مجتمعنا العربي يفتقد كثيراً من معطياته 0 نحن أمام نص أدبي أعظم أبعاده ذاكرة حريرية و لكنها بخيوط حديدية ترسم أبعاده الرجولة غير الواعدة و هذه هي المشكلة 0
تنتظر قدومه على حصـــان أبيـض و لكنها تريده بشخـصية عنــترة العبسي
تنتظر قدومه ليحملها معه إلى عالم مثير من نور أرضه و من برتقـــال طعمه ومن محبة حكمــــته و هذه صورة ما تزال المرأة العربية تختزنها عن الرجولة بمعناها الشـــــفاف و تنســــى أنهـــا في هذا العصر أصبحت مزدوجة الشكل لا ترى في الأنوثة إلا مفاتن و مكاســــــب و ما يفاجئـــــوك أكثر الإرتكاس الذي تعيشه المرأة بعد أن تكتشف أن طموحها و أحلامها أضحت هبـــــــاءً منثورا تماماً كدقيق نثروه على شوك و عليك أن تلتقطه 000 هيهات 000 هيهات 0
النص يرســــم صــــورة معلمـــة تبحث عن ذاتهــــا و تريد أن تحقق وجودها بمشروعية و لكن نصفها الأخر 00 نصف التفاحة الآخــر تختزنــه النرجــسية و الأنانــية و الذاتية و حب إضافة الآخرين للمفضلة الكمبيوترية 0
حقيقة كان شريط الذكريات في نفس رواية النص يرسـم على صفحـــات ذاكرتنا عواطفاً مكدســــة متلبدة كغيوم السماء تبحث عن صفقة كهربائية تمطر روحها كي تسقي نرجســـــاً وورداً أحمــــراً
فسخرته العاطفة التي أحرقت خيال النص و حولته من رواية تتحدث على لسان شخصياتــــها إلى شريط صوتي يقول ما يشاء و كيفما شاء يشد عواطفك و لا يتحرك صوراً أمامك 00 حوار تديره الكاتبة على لسان المتكلم بدل أن تحركه شخصيات القصة فتختفي الكاتبة وراء كل شخصــــية 00 إنها تتحدث عن نفسها ضمن مذكرات رائعة لا تنمو فيها إلا شخصـــــية الكاتبـــــة بينما تتراجــــع الشخصيات الأخرى أمام طرقات عاطفة الأنا المتكلمة و بغض النظر عن بعض الهــــنات الـــــتي جاءت على شكل تعابير شعبية مثل :
( لا تجتمع الماءات مع بعضها )
( وجودها المندغم )
( لتسأله لأول مرة )
( و من دون أن تشعر )
( لأنه من الشطار الحاذقين )
( لا معاذ الله )
فإن النص يطلق في فضائنا استجابات امرأة مطلقة تتسرب إليك ذكرياتها فتخطفك من روحـــك ما آلت إليه عفويتها ووداعتها و فطريتها و عدم فهمها التجريبي أن الحياة تحتوي الكـــثير مــــن الوحوش البشرية الذين لا يفهمون المرأة إلا نهشاً جسدياً 0
لم تفعل الأحداث في النص فعلها الحقيقي ، و الحبكة لم تكن بالمســـتوى المناظــــر للمضمــــون المأساوي الذي تشرنقت داخله كاتبة النص و بالتالي افتقرت مقاطـــع النص إلى عـنصــــر الجذب و التشويق ، فالمسألة التي أثارتها الكاتبة لا تلقى عند الآخـــرين اســـتجابة لأن مدخلات النظـــــام الاجتماعي قد هيأت الآخر للنظر للمرأة على أنها ذات بعد ين :
الأول : بعد يمكن استبداله حين لا يكون مناسباً لمزاحنا
الثاني : نحن لا نحب في المرأة إلا صوتها و شكلها و هذا هو حدود استجابة الرجولة بشكل عــــام و من حقنا على الكاتبة أن تعيد النظر ببعض شخصيات نصها حتى تكون ذات فعالية أكثر 0
ناهيك عن أن تزاخم الأحداث الروائية يحتاج إلى مبادلات اجتماعية فكرية معقدة تفرزها تجمعات مكتظة تفتقد عناصرها القيمة الواعدة 0





8-ميكانيكية الدهشة
قراءة استكشافية لنص / قلادة الدهشة /
للأديبة القاصة : ماجدولين الرفاعي(سوريا)


نص القصة القصيرة :
قلادة الدهشة


كنت أتابع هبوط الطائرة صوب مدرجها قرب البحر ويكاد يخيل لمن يتابعها أنها سوف تسقط في الماء .
للوصول رعشة مميزة فعندما لامست عجلات الطائرة أرض المدرج إرتعش جسدي بشدة ، لابد أنَّ الوصول إلى مكان كنت ُأحلم بالذهاب إليه هو السبب في هذا الشعور اللذيذ .
كان بانتظاري أقارب وأصدقاء وقد أبدى الجميع استعداهم لتوصيلي إلى مكان إقامتي في هذا البلد .
أتأمل الشوارع والمباني أثناء سير السيارة التي تقلني وكل شئ في هذه المدينة يدلُّ على حضارتها .
ينبغي أن أبدأ جولاتي في المدينة لكي أرى معالمها ، تحسست حقيبتي لأتأكد من وجود الكاميرا .
كل شيء مبهج في هذه المدينة ، سكانها منطلقون ، وجوههم سعيدة وقد شرح لي صديق كيف أتجول وقدم لي خريطة للمدينة محدداً أماكن محطات المترو وأسمائها .
الوقت بالنسبة لي هنا ثمينٌ جدا وعلىَّ ملاحقته بالتجول والتعرف إلى معالم المدينة ولهذا صحوت مبكراً وخرجت ومعي الخريطة إلى أقرب محطة مترو .
اشعر بغربة حقيقية إذا لم أتمكن من السؤال عن أي أمر في بلد لا أتقن لغته وفي المترو جلست على أول مقعد صادفني في فترة الذروة الصباحية هذه التي ينطلق فيها الجميع إلى أعمالهم .
من بين الركاب .. طالعتني عيناه ....
كان يحدِّق بي بطريقة لافتة للنظر ويبدو أنه عربي ولكن هل عرف أنني عربية أم أنني أشبه سيدةً يعرفها ؟
انشغلت عنه بقراءة أسماء المحطات في لوحة مثبتة إلى جانبي وكنت ألقي نظرة سريعة إلى مكانه كلما توقف المترو في محطة لعله يغادر لكن عينيَّ كانتا تلتقيان بعينيه مباشرة .
هاهي المحطة التي أريد .. توقف المترو وبسرعة تسلقت الدرج الصاعد إلى الخارج لكنه استوقفني بلهجة عراقية :
ـ هل أنت عروبية مدام مجد ؟
التفت إليه بنظرة حيرى وأعجبت بفراسته وقدرته على معرفتي .. كيف في بلد كبير وفي هذا الزحام يعرفني ؟
وقبل أن أجيب تابع كلامه : أنا الدكتور عبد الرحمن عراقي ولكني أحمل الجنسية الإنكليزية ثم مد إليَّ بطاقة كتب عليها اسمه وأرقام هواتفه قائلا إنْ احتجتِ إلى شئ مدام مجد أو أي خدمة لا تترددي بالاتصال وأسرع مغادرا المحطة والمكان .
كدتُ أصرخ به ليتوقف ربما لشعوري بالألفة تجاه عربي في بلاد غريبة
وقد تكون حاجتي لدليل يرافقني في التجول في مدينة غريبة ، لكن خجلي وحيائي منعاني من الصراخ .
من هو وكيف عرفني من بين الجميع لقد لفظ اسمي وهذا يدل على معرفة أكيدة .
ألححت على ذاكرتي لعلها تسعفني بتذكره أو باستحضار بعض التفاصيل عن الأماكن المحتمل أن نكون قدا لتقينا بها لكن دون جدوى ولم تغب صورته من ذهني على مدى يومين .
أخيراً قررت أخذ مبادرة تريحني وتجيب عن سؤالي وعلى الهاتف حدد لي موعد لقاء .
تمر الدقائق بطيئة في انتظار وصوله وأخيراً يطلُّ بابتسامته الطيبة ويجلس في الكرسي المقابل ممعنا النظر إلى صدري وابتسامة تعلو شفتيه
مدام مجد أريد أن أسالك سؤالا قبل أن يأخذنا الحديث ؟
هل قلادتك مشغولة في بلدك ؟
بحكم الاعتياد لم أكن أطالع قلادتي ولكنه حين سألني نظرت إليها .
أطرقت إلى المنضدة التي أمامي وقد انتابتني ضحكة هستيرية لم أتمكن من كبحها رغم دهشته الكبيرة ونظرات الناس من حولنا .
قلادتي كانت .. عبارة عن اسمي مكتوباً بالحرف العربي .


إذا كانت القصة القصيرة تصور لنا الواقع باختزال الكلمات فإن مكنونها الداخلي هو أكثر قدرة على طرح المضمون في إطار تتصاعد فيه الأحداث في قالبها الفني الذي يضفي عليها الرمزية الواقعية و تقوم الكاميرا هنا بتصوير الحدث في مونولوج داخلي يطرح شخصيات القصة بأفعال انعكاسية موشورية الأبعاد تسبر النفس و تلج في أعماقها لاسترجاع أحداث الماضي و مزجها بذكريات الحاضر ، فالزمنية تتجاوز حدود الذات و أما المكان فهو حاضر في كل الأفئدة التي تداعى فيها الحدث ليرسم لنا أحداث القصة 0
و النص الذي بين أيدينا / قلادة الدهشة / قصة قصيرة للأديبة القاصة ماجدولين الرفاعي نقف فيه أمام نص قصصي يبشر بظهور قصة قصيرة تتفنن في صياغة تعابير الحدث و ترسم لنا معالمه عبر منهجية درامية تكشف جوانب القوة و جوانب الضعف في سيكولوجية النفس و اختزان ذاكرتها و يتجلى لنا ذلك بالمعطيات السوسيولوجية عندما تخرج الحياة عن طور بساطتها المعتادة لتدخلنا في تقنياتها المعقدة عبر طفرة تكنولوجية نعيشها و أشارت الكاتبة إلى ذلك بقولها : (( كنت أتابع هبوط الطائرة صوب مدرجها قرب البحر )) كانت تعرض لنا شريطاً سينمائيا بمجساتها التي صورت لنا
شوارع المدينة و مبانيها و حضارتها و قدمت لنا خريطة واضحة الأماكن فمحطات المترو تعكس لنا جانبا من جوانبها 000 و أما الذي انطبع بذهن الكاتبة يؤطر الحدث عبر سرد تتوهج فيه الحروف و يلتقي فيه التفكير ليرسم لنا صورة الآخر 000 تمديد اللحظة الزمنية التي تتجاوز حدود المكان بغربتها تبحث عن سؤال صامت يقبع في مخيلتها لتحدث نفسها : (( أشعر بغربة حقيقية إذ لم أتمكن من السؤال عن أي أمر لا أتقن لغته )) و هنا ترصد ملامح الخصوصية بين الشعور بالغربة و لهفة السؤال في بلد ٍ لا تتقن اللغة فيه و هذا شكل تعبيري ترسمه الكاتبة ببعد أفقي يتجاوز حدود الذات إلى عالم اليوم بكل لغطه و صخبه و تعقده 0
و تتصارع الأحداث لترسم لنا معالم الذات التي تبحث عن هواجسها في صورة الآخر 000 لترسم لنا الكاتبة معالم واضحة التقاطع في أبعادها الشاقولية لتوازي بين مستوى الصوت السردي و اللغة المتجانسة للنص و ترسم عبر معالمها تبدل شخصية السارد و المسرود عنه لتتقاطع في نقطة الاهتمام من الناحية الفنية و تشكل بعداً بلاغياً و قد نجحت الكاتبة في تصوير الحدث لتعبر عن ذلك بقولها : (( كان يحدق بي بطريقة لافته للنظر و يبدو أنه عربي )) و لكن سرعان ما تبلور موقفها بالانشغال عنه و أما حدسها فيبقى يرقب الحدث ليتسع في دائرة الضوء ضمن سياقات لغوية منسابة
يتسع فيها الصوت للخصوصية التي تسبر الذات لتعبر عن مكنونها بإيقاع داخلي يتعالى في همس كلمات الكاتبة و هي تقول : (( و كنت ألقي نظرة سريعة إلى مكانه كلما توقف المترو في محطة
لعله يغادر لكن عينيَّ كانتا تلتقيان بعينيه مباشرة )) 0
و هذا الإحساس المفعم بالخلجات النفسية يصعد الحدث بشحنته العاطفية التي تفرغ جل اهتمامها للبعد النفسي في تصوير بل تشخيص الذات و دوافعها الانعكاسية في معرفة الآخر فالشخص الذي يجلس في المترو أثار اهتمامها 00 بل ربما أثارت اهتمامه لسحنتها العربية و تتوجس الكاتبة حروفها لتعبر عن ذلك بقولها (( يبدو أنه عربي و لكن هل عرف نني عربية أم أنني أشبه بسيدة يعرفها )) و هنا يمكن أن نرى إبداع أديبتنا ماجدولين الرفاعي في تجسيدها لمحاكاة نفسية تسبر فيها الحدث لحظة بلحظة و نحن نشعر معها ونتحسس هواجس حروفها التي تشعل المكان بمونولوجية داخلية فالأسلاك الممتدة من هاجس الروح تفيض بعبقها التطفلي بمشهد يرسم عبر لوحتها مكنونات الذات و آفاقها 0
فالبعد النفسي لم يغادر صوتها المتأرجح على حبال الذاكرة المتوقدة بمعرفة المجهول وصوتها من بعيد يردد :
(( التفت إليه بنظرة حيرى و أعجبت بفراسته و قدرته على معرفتي 00 كيف في بلد ٍ كبير و في هذا الزحام يعرفني
تضج الأسئلة التي تعتلي صهوة البوح لدى الكاتبة برغم العباءة التي تسيج جدران ذاكرتها لتخطف الجواب من مكامن الذات و لكن الذاكرة لم تسعفها هذه المرة فتقول :
(( ألححت على ذاكرتي لعلها تسعفني بتذكره أو باستحضار بعض التفاصيل عن الأماكن المحتمل أن نكون قد التقينا بها لكن دون جدوى )) رغبة ملحة تكشف عن مكنونها الإبداعي لأن خيال الصورة و أبعادها و رموزها تتفاعل مع الحدث لتصوغ منه طاقة تعبيرية تعزف على أوتار النفس و أما اللحن فنبراته تعلن بوح صداها فوق حدود الذات لتقرر الكاتبة :
(( أخيراً قررت أخذ مبادرة تريحني و تجيب عن سؤالي على الهاتف حدد لي موعد لقاء )) 0
و هنا ترسم لنا الكاتبة ما يجيش بصدرها من بوح و اعتراف فالدقائق تشعل موجة الانتظار و أما القلب الذي يعلو و يهبط
كموج البحر ينتظر نشيد الضياء ليوزع عاطفة البوح فوق التفاصيل و يرسم من الأماكن حلةً من الرغبات و الرعشات و العواطف 000 يتنامى الحدث و تتلاقى الأزمنة و تشير الكاتبة إلى ذلك بقولها :
(( و يطل بابتسامته الطيبة 000يجلس في الكرسي المقابل )) نسيج من الأنغام و الألحان و نبضة من المشاعر تسدل رواقها على سؤال لاهث تزجيه الكاتبة لصهر بوتقة المشاعر لتبني فيه ذروة الحدث يسألها : (( مدام مجد 000
أريد أن أسألك سؤالاً قبل أن يأخذنا الحديث 00 هل قلادتك مشغولة في بلادك ؟؟؟ ))
و هنا تأخذنا الكاتبة إلى البعد الثالث ( القلادة ) لما فيها من طابع خاص يميز جودتها بأنها شرقية التأصل بفنها و طابعها بل حتى بروحها التي تلامس جذور تراثها الحضاري و أصالتها اليعربية 000 و ارتسام الحرف العربي على قلادتها يؤطر لنا رؤيتها الرمزية لفهم الحضارة عبر طابع فني يرقى بنا معالم الدهشة ليصوغ لنا دينامية واقعية بلغة مبسطة يفهمها الجميع 0
و حين تنظر إلى النص ( قلادة الدهشة ) نظرة فنية يفاجئك ميكانيكية النص المتمفصلة بين البعد الصوتي للقصة و القيم التعبيرية التي باحت بها الكاتبة بسبب انصعاق الذاكرة في سماء مختلفة و فضاء يفتح أشرعة للتعبير عن خلجات النفس فمفردات الكاتبة في هذا النص مفردات تتساوق مع القيم الشعبية التي يتداولها الناس في محطات الصمت و أشرعة الحركة اليومية لتقول الكاتبة (( من هو و كيف عرفني من بين الجميع لقد لفظ اسمي و هذا يدل على معرفة أكيدة ))0
و لو كنا مكان الكاتبة لكان من حقنا أن نقول (( من هو أسئلة حيرى تترامح في ذاتي و تقذف بالآف الأجوبة المتناقضة التي تجعله يبوح باسمي ليدلل على عمق الفراسة التي تطبع جبينه العربي )) 00 معذرة من الكاتبة فاللحظة القصصية هي لحظة صاعقة قد تحمل الإنسان لأن يتكلم عبارات متميزة و هذا هو بالتحديد سر الإبداع فالكاتبة اعتمدت على القيم التعبيرية أكثر من القيم التصويرية و حبذا لو أنها انطلقت بنا على أجنحة خيالها لترسم صورة العروبي ذلك العملاق العظيم الذي استطاع أن يترك بصماته على جبين الزمن مفردات اعتيادية و لكنها جذابة 00 أغفلت صورة الخيال و هذا من حق الكاتبة لأن اللحظة التي استفرغت القاصة قصتها كانت لحظة سيطرت فيها نوازع العاطفة على ميكانيكية المفردات فحجبت العاطفة الصادقة أفق الخيال أمامها و تركت العاطفة نفسها لتتحدث دون أي رقيب (( توقف المترو
و بسرعة تسلقت الدرج الصاعد إلى الخارج لكنه استوقفني )) لا نعتقد إلا أن نوازع العاطفة هي التي تتحدث هنا و ليس
خيال الكاتبة و مع ذلك فإن النهاية التي وصلت إليها الكاتبة كانت مدهشة كعنوان النص / قلادة الدهشة / حيث حلقت بخيالنا في هذه النهاية إلى عظمة المرأة العربية التي لم تكن في العصور السابقة إلا مجداً كما سمتها الكاتبة و إن كانت في هذه الأيام تتحول باتجاهات أخرى مغايرة 0
نص ٌ يحتاج إلى مفصلة أخرى لاستبار الأعماق التالية في فن القصة القصيرة 0





9-عيدان وريحان بين أحرف الحب في آخر الزمان(المغرب)
قراءة في حكائية مغاربية للقاصة مريم كريم
في سالف الزمان وفي عصر هذا الأوان، ابتدأت قصة حب بين ريحان وعيدان، قصة يتحاكى بها في كل مكان.......

كانت "ريحان" تعيش في قرية ببغداد، في أسرة محافظة، أما "عيدان" كان أميرا وأبوه الملك "عربان"، كان هذا الملك معروفا بالقسوة والظلم، والجبروت........

في يوم من الأيام كان يوم عيد يحتفل فيه أهل بغداد بمرور موكب الملك مع ابنه الأمير وجنوده في المدينة كلها، وكانت "ريحان" في ذلك الوقت أحد أفراد الشعب تلقي نظرة على الموكب الملكي.....

لكن "ريحان" حين رأت الأمير "عيدان" اهتز فؤادها بين جوانحها وخالجها شعور غريب لكنها لم تكن تفهم ماهو مصدر هذا الإحساس الذي يؤجج كيانها.

ذهبت "ريحان" إلى بيتها متخيلة ملامح "عيدان" وحين وصولها إلى منزلها دخلت وهي هائمة بنفسها إلى غرفتها وكل تفكيرها في ذاك الأمير.....

أخدت تتساءل : متى ستراه مرة أخرى ؟

وذات يوم تسللت "ريحان" بمساعدة صديقتها "يوزيان" إلى بلاط الأمير دون أن يراها أحد، متنكرة بزي عبد أسود....

دخلت " ريحان " غرفة الأمير وتركت فوق وسادته رسالة تعبر فيها عن حبها له وفي أخرها مكتوب الفتاة المجهولة..، وهكذا مرت الأحدات وتعلق الأمير برسائل المجهولة، كانت تقول له فيها : لو أردت أن تجيبني على رسائلي، اذهب إلى الغابة الحيراء واكتب لي على جدع الشجرة الصماء، لأعرف الجواب يا أيها الأمير "عيدان " .

و في يوم قرر الأمير أن يلتقي "بريحان" فطلب منها أن يراها لكنها ترددت في أن تراه... لأنها كانت خائفة من ردة فعله نحوها... لكنها بعد تفكير طويل مطول وافقت على مقابلته، واندهش الأمير لجمال "ريحان" الفتان وشعرها الصولجان وخدودها الوردان....

و من يومها أصبحا يتقابلان حتى اشتد لهيب حبهما واشتعل نار عشقهما..، فأصبحا لايستطعان أن يبتعدا عن بعضهما البعض..، وذهب الأمير عند والده الملك "عربان" ليطلب منه أن يتزوج من "ريحان"...، لكن الملك رفض زواج ابنه من "ريحان " لكونها من أسرة فقيرة، وأخد يعارض الملك "عربان " لكن الأمير تشبث بحبه لها..، وأخذ الملك يفكر ويخطط لإبعاد "عيدان"عن " ريحان " فأمر الملك بسجن أبا " ريحان" " أموران " وبتدمير أسرتها وتعذيب الأمير "عيدان" وسجنه، لكن رغم هذا العذاب لم يتضاءل حب " ريحان " "لعيدان" بل زاد وثار كالبركان...

ومرت أيام وأتت أيام ومرض الملك " عربان " مرضا مزمنا أودى به للموت، فأفرج عن الأمير " عيدان " فأصبح ملكا على بغداد وتزوج " ريحان " وأنجبا "أرميان" و "خلجان" وفرحت أم " ريحان " " عنفوان " وأختها " نيسان " وبهذا ينتهي عصر الطغيان، ويخلد الحب في هذا الزمان الولهان مهما كان.



عيدان وريحان بين أحرف الحب في آخر الزمان

حين تصبح الحكاية متمثلة لقضية من أهم قضايا الذات الإنسانية يتحول الحب الإنساني إلى معنى جديد يحمل في رائحته بخور الحيوية و تنطلق من بين ثناياه أزهر الشوق إلى الخلود الأبدي 0 الإنسان هو الإنسان غنياً كان أم فقيراً ؟؟!! ، ملكاً أم مملوكاً ؟ , رفيعاً أو وضيعاً ؟ فالحب لا يحمل جواز سفر دبلوماسي فهو يمر و يجتاز الحدود دون أن يعرض جواز سفره و البعد الإنساني لهذا الحب يرسمه العقل الشعبي المحروم من التماهي مع الذات الإنسانية التي يفترض أن تتقبل الآخر دون ألقاب أو صفات 0
و الحكائية الموجودة بين أيدينا هي ريشة من جناح عصفور ألف ليلة و ليلة يحمل جيناتها الوراثية و يتمترس من وراء كلمات شهريار التي تريد أن تقنع ملكها أن الحياة تستحق أن تعاش كما أن كاتبتنا مريم كريم تحاول أن تقنع الموروث اللا شعوري في ذاكرة الحب الإنساني أن الملوك و السوقة هم أبناء رحم واحد و لا يحق لأحد أن يفصل بينهما حتى يستطيع الإنسان أن يخلد حبه في هذا الزمان الولهان مهما كان على حد قول الكاتبة 0
إذن ينتهي الحب بين عيدان و ريحان إلى نهاية سعيدة و على عكس ما يقول نزار قباني :
الحب ليس رواية شرقية
بختامها يتزوج الأبطال
فالحب رواية يجب أن تنتهي بالخلود و هذا ما فتن الكاتب الألماني غوته الذي كان قد تعلم في مدرسة الحب التي رسمتها رواية ( ألف ليلة و ليلة ) كما هو الحال عند كاتبتنا التي شربت من ينبوع ألف ليلة وليلة و كأنها تريد أن تقول لنا إن هذا النوع من الحكايات هو نهر من الحب الأبدي وروده أشهى من لمى الحسناء وعلى حد قول ابن خفاجة المغاربي و الذي تربطه بالكاتبة أواصر أخوة و نسب كبير :
لله نهر سال في بطحاء أشهى وروداً من لمى الحسناء
يبدو أن القاصة قد أسقطت أبعاد إنسانية كبيرة على الصراع الأبوي من خلال عدم استجابة الابن لوصايا الأب وممارسة الأب الضغط النفسي و الجسدي على عائلة ريحان بسجن والدها و تعذيبه ولكن تتقاطع نقطة الاهتمام بالصراع الطبقي فيما تبرزه الكاتبة بتصعيد الحدث لينتهي بنهاية سعيدة و غير متوقعة يندمج فيها الإنسان مع أخيه الإنسان دون حواجز طبقية 0
أيتها المغاربية التي تريد أن تعيد لنا أمجاد الثقافة العباسية من خلال ألف ليلة و ليلة ما زال جبل طارق يجثم بكلكله على صدر الأدب العربي و يتربع فوق عرشه
حكاية و إن كانت تتوافق مع العقل الشعبي إلا أنها في عصر الطغيان تنم عن عبرة كبيرة يمثلها الحب الإنساني ومن خلال فنيات النسج الحكائي


10-الرؤيا الإنسانيةفي قصة
سلطان الصبحي
"الضرس المخلوع"
إذا كانت القصة القصيرة هي الفن الأسمى في اختزال حوادث الحياة ورسمها
بطريقة مكثّفة فإن القاص الشاب سلطان الصبحي استطاع في قصة
"الضرس المخلوع"أن يرسم لنا الأبعاد الإنسانية الحقّة لمهنة الطب
تلك المهنة التي تعد البعد الأعمق في تاريخ الإنسانية.
لإن الطبيب فيها يعالج ألم الروح قبل ألم الجسد ويخفف من أعباء الوجع الإنساني.
(أدخل الطبيب الكماشة في فم الطفل..السنّ واضحة..إنّك تضعها في الضرس..
خلع الضرس..صرخ الأب إنّك نزعت الضرس وليس السن)
هكذا أنهى القاص سلطان الصبحي قصتّه ليخلق في ضمائرنا حوارا
معمقا حول من يحاولون استغلال مهنتهم الشريفة وهم لايدركون مبادئها
الأولية..
إن حملقة الأب واشتداد غضبته ومحاولته في أن يهم في خلع أسنان الطبيب
جعلتنا نقف مبهوتين أما الواقع الإنساني المرير الذي نعانيه من جراء
عدم فهم الدور الذي يجب أن يضطلع به كل فرد منّا بحسب مقدرته
لا بحسب وساطته إذ كيف بطبيب يحمل شهادات كبيرة ويضع لنفسه
أبهة عظيمة دون أن يكون أهلا لها..
لقد إستطاع القاص سلطان الصبحي في قصته هذه أن يبرز لنا
عاملين إنسانيين مهمّين:-
العامل الأول: أنّه لفت الإنتباه الى معاناة المواطنين ممن يشرفون
على المستوصفات الحكومية حيث بيروقراطية العمل خاصة وأن الألم
يسيطر على صاحبه فلا يستطيع إنتظار دوره الذي يستغرق يومين
وكيف بطفل متألم من سنّه يصبر يومين حتى يأتيه دوره..
ونحن نعلم كم هي الآم الأسنان قاسية مع أن الدولة كما يشير القاص
أمنّت إمكانات كبيرة وعظيمة لهذا المستوصف الحكومي الذي
أمنّت به الدولة أ حدث الأجهزة.
العامل الثاني:إن العيادة الخاصة بالرغم من فقر إمكاناتها تستغل
المواطن إلاّ من رحم ربي من الأطباء المخلصين بعملهم لله.
وقد يخلع الطبيب ضرساً غير منخور لسرعة العمل وبحثا عن
الربح المادي فهو يعّد زبائنه فقط..
من هنا كانت صيحة الكاتب سلطان الصبحي حين قال على لسان الأب:
(حملق الأب..أشتدّ غضبه وكاد أن يخلع أسنان الطبيب) صيحة الكاتب
الدافع عمّا يعانيه أبناء أمته من مشاكل صحيّة..


الجانب الفني في قصة "الضرس المخلوع"
لاشك أنّ الكاتب سلطان الصبحي في قصته الضرس المخلوع قد بنى
أحداثها بناءاً هارمونيا نمت أعضاؤه نمّواَ طبيعيا بحيث لم يستعجل
في محاولته الوصول الى النتيجة ..فقد بدأ الألم مع الطفل ثم أنتقل
به الى العيادة الحكومية وأخيرا الى العيادة الخاصة ومن ثم الى
المعضلة الكبيرة(خلع الضرس بدل السن) إذ لم تحقق هذه العملية
المطلوبة منها،وسيبقى الألم... وكأن الكاتب يريد أن يقول:-
(إن الألم الإنساني سيبقى موجودا ما دامت الضمائر ميتّه وما دام
كل واحد منّا لم يأخذ دوره الحقيقي وأولى بهذا الطبيب على حد رأى القاص
أن يكون في غير هذه المهنة..)
والشيء الملفت للأنتباه في هذه القصة لغتها السهلة البسيطة الواضحة التي يفهمها كل
قارئ لأنها خاليه من تعقيدات العبارات الصعبة وكأنّي بالقاص يريد إن يؤكد على
بساطة اللغة القصصية العامل الأجدى والأنفع في توصيل مضمون النص إلى
مّتلقيه.
وفي حدود فحصي للنص لم أعثر على على كلمة تحتاج إلى معجم لفهمها
أو تفسير معناها ناهيك عن الشخصيات التي رسمها القاص في قصته (الأب)
(الإبن)(الطبيب) (المرض) (المرضى) وكلها شخصيات
يقوم عليها بناء المجتمع وتحيى بها الأمة.
إنّ مسالة الضمير الحي الذي يجب أن يحمله الطبيب الذي تحدث عنه القاص
ليؤكد أن حدث القصة يحمل في طياته عمق التجربة الإنسانية
ألحقّه وقد أوصلنا إليها القاص دون تكلف أو تصنع
وجعلنا نقتنع بضرورة علاجها.
إنّ ما قاله القاص "سلطان الصبحي"
ليدل دلالة كبيرة على أهمية هذا الفن في حمل
الوجع الإنساني ونزعه بشكل حقيقي




&&&&&&&&&&&&&&&&&
المونولوج الداخلي و البحث عن الذات التائهة
قراءة في قصة ( درب أم الدويس ) للقاصة سارة النواف
الدارسان : حسين الهنداوي ــ حاتم قاسم


نص القصة القصيرة : ( درب أم الدويس – الكاتبة : سارة النواف )

درب أم الدويس
تمشي .. تحث الخطى .. تلتصق بالجدار الرطب .. تنصت أكثر .. لعل الصوت يدلها على مصدر الضوء الخافت الذي كلما تدنو منه ويخالجها إحساس أنها وصلت .. تفاجأ أنها لا تزال بعيدة.
نقاط مطرية باردة تهطل على رأسها وكتفيها .. تزاد أحيانا وتكون غزيرة .. وتكاد أحيانا أن تتوقف ..
ترفع عباءتها وتغطي رأسها لتحمي نفسها من البلل ولكن عباءتها تجمع مياه المطر لتسيل على ثوبها فيرتجف بردا جسدها المرتجف خوفا .. رائحة المطر غريبة في البيوت الخربة .. بيوت بلا أسقف أو أبواب أو نوافذ .. بقايا خربة لبيوت كانت ذات يوم عامرة .. قدماها تغوصان في بحيرات المياه الصغيرة التي تملأ الأزقة والمداخل .. مزيج من الطين والوحل يلطخ ساقيها وثيابها .. تتابع السير ..
نباح كلب يليه مواء قطة وأصوات تلاطم وتدافع .
" ما الذي جاء بي إلى هذه الخرابة ؟.. حمقاء .. مجنونة .. لا .. بل الشيطان
الذي يسكن عقلي هو الذي يقود خطاي .. لعنة الله علي وعلى أفكاري "
تتأرجح بين العودة والاستمرار .. تود أن تكشف أمرا فكرت طويلا به " سأستمر .. وليكن ما يكون"
تنتقل بين الغرف .. تستنشق الهواء عله يحمل عطرا .. تتوخى الحرص في خطوتها
فقد تدوس على صدى أنفاس .. تلتفت حولها .. ظلمة حالكة.. لا يبدد سوادها إلا برق يومض لثوان قصيرة .. مزيج من الرهبة والخوف .. أما الفضول فهو في ازدياد كلما دخلت غرفة ولم تجد ضالتها ..
وعند باب خشبي متآكل ، ترددت قبل أن تدفع الباب بيدها الباردة خوفا .. أنين متوجع صدر من الباب القديم .. دلفت إلى الغرفة الرطبة .. جدران متهالكة.. قطرات ماء تتساقط صفراء مصطبغة بلون السقف المتداعي .. رائحة نتنة أزكمتها .. وللحظة فقط انتشر ضوء في الغرفة .. لحظة لا يمكن عدها بالثواني ..
كانت كافية لتلمحها .. امرأة في زاوية الغرفة .. تجلس على حصيرة قديمة بالية .
تراجعت خوفا " أهي شبح ؟.. أم فعلا امرأة .. أم قد تكون من نسج خيالي "
التصقت بالجدار الرطب.. أحست بوخز الأحجار في ظهرها .. لم تأبه .. فهاهي الآن في نقطة اللاعودة .. " سأنتظر حتى يومض البرق مرة أخرى لأتبين إن "
لم تكمل حديثها لنفسها حين سمعت صوتا هامسا يقول لها " ما بك .. هل أنت خائفة؟؟"
تلعثمت " لا.. نعم .. أنا خائفة .. أنا .. من أنت؟"
أجابتها بمرح" هيا لاتخشي شيئا .. تقدمي ….. واعذريني فأنا لا أملك من أمور الضيافة شيء ..
ما رأيك هل تشاركيني الجلوس على الحصيرة "
تقدمت نحوها ولكنها فضلت أن تبقى بعيدة نوعا ما .. جلست على قطعة خشب رطبة
في حين سألتها " حسنا .. من أنت ولم أتيت إلى هنا ؟"
" كنت .. كنت .. أبحث .. ربما عنك"
" تبحثين عني؟؟.. ولم ؟؟ في مثل هذه الليلة .. الكل يختبئ في بيته حيث الدفء والراحة ..
حتى الحشرات تختبئ في شقوق الجدران .. وأنت تخرجين للبحث عني ؟"
سكتت لحظة ثم أردفت بخبث " آه .. نعم .. نعم .. هل غاب عنك شخص معين "
أجابتها لتنفي عن نفسها تهمة " لا.. أود أن أعرف عنك ومنك أمور كثيرة"
" أمرك غريب " قالت لها " الرجال عادة هم الذين يبحثون وليس النساء "
اقتربت منها أكثر وهي تحرك قطعة الخشب تحتها .. صوتها .. حديثها .. هي كلها تزيد من جذوة نار الفضول .. تزداد رغبة في الاقتراب لمعرفة من تكون .. مم هي "
تباغتها بسؤال " ألست خائفة الآن؟"
" نعم .. لا.. لا.. فأنا أعلم أنك لا تؤذين النساء .. فقط الرجال لذلك أتيت "
ضحكت بصوت عال وسرعان ما اختلط صوتها بانفجار الرعد الذي اهتزت له الغرفة المتهالكة ....
أحست ببرودة شديدة .. بلعت ريقا جف في حلقها وقالت بصوت متردد " هل أنت هي؟"
" هي .. من تقصدين؟"
" اقصد .. اقصد "
" ها .. تقصدين .. أم الدويس .. نعم أنا هي "
تنظر إليها .. صوتها الدافئ يبعث الشجاعة في عروقها .. تردد لنفسها " هذه المرأة ..
بشكلها المثير للشفقة والاشمئزاز .. هي أم الدويس "
تمعن النظر .. إلى وجهها .. صدرها .. ساقيها الممتدتان على الحصير .. ملابسها الرثة
.. وبعد تردد تقول " أنت امرأة عادية"
" لا.. لست امرأة عادية .. بل أقل من ذلك .. انظري إلي .. وتمعني في ملامحي "
تحاول أن تميز ملامحها .. يومض البرق .. تسري الرعشة في أطرافها ..
تعود إلى الخلف خائفة .." ما بك " تسألها المرأة ..فتجيب بعد تردد قصير " لاشيء .. أنت . أنت ما بك؟.. هل أنت مريضة .. هل تعرضت لحرق أو .."
تقاطعها " لا.. هذه أنا .. وهذا هو وجهي .. هذا هو شكلي "
فتقول الأخرى" ولكن .. يتناقل الناس عنك حديثا لا ينتهي .. ضياء في وجهك .. عيناك الصافيتان
.. رائحة عطرك وشذاك .. الذي تنقله النسائم عبر الحواري والأزقة .. وتلتقطه الأنوف فتسلب الألباب .. وكلما صددت عن الرجال .. ازدادوا إصرارا على متابعتك .. و "
قاطعتها بحدة " يكفي .. هذا كله هراء .. هاأنا أمامك .. هيا .. انظري إلي ما ترين ؟"
" ولكن "
" لا تقولي .. ولكن .. هيا تقدمي وانظري إلي "
" لكن الرجال الذين لم يتبعوك قالوا عنك ذلك …وأما الرجال الذين أغويتهم .. فأنت "
تقاطعها بنفس الحدة " لم أقتلهم .. ولم اخطفهم .. هم الذين يجرون وراء الأوهام"
تزدرد ريقها بصعوبة بعد أن تطايرت جوانحها هلعا " أتقولين وهم ؟"
" نعم .. وهم .. كل يضيف إلى شخصي ما يريد .. لوحة لم يكملها الرسام .. وكل يضيف مايعحبه
.. الكل يراني كما يريد وليس كما أنا . حين يرونني في الأزقة المظلمة .. أكون كما تريني الآن ..
ولكنهم يعمون عن ذلك .. أعماقهم المريضة ترسم لهم صورتي انعكاسا لما في نفوسهم ..
هيا قولي ما تشمين الآن "
لا تجيب فهي غير مصدقة
فتكمل الأخرى" أتعرفين ما تشمين ؟.. رائحة المطر بعد أن يتخلل الجدار النتن .. رائحة المياه المختلطة بالأوحال وبقايا الكلاب والقطط الضالة .. انظري حولك وتفحصي هذه الغرفة الحقيرة.
. رائحة هذا المكان هو رائحتي .. وتقولين عطر .. أي عطر هذا "
تقول لها بصوت واهن " ولكن كيف يشم الرجال رائحة عطرك الفواح "
أجابتها بهدوء " كما قلت لك .. كل شيء في خيالهم المريض .. وحين يأتي أحدهم ..
ليس لأني طلبت منه .. بل لأنه هو يريد ذلك ..يفسر وقفتي بأنها دعوة صامتة ..
نظراتي بأنها إيماءة مني لأثير رغبته .. أي حركة أو لفتة .. هي دعوة مني له "
يبدأ الفضول ينمو مرة أخرى " ولكن .. لم كل هذا الحديث عنك ؟"
تقول بمرح " أتصدقين أن من يتحدث عني بهذه المبالغة .. هن النساء وليس الرجال ..
كل من فقدت أحدا .. أخذته أم الدويس .. كذبة صغيرة وكما يكبر الناس كبرت على مدى الأيام..
وحملت الكثير من الصفات غير الحقيقية "
" هل تقتلينهم ؟؟ "
تجيب بملل " هاأنت تعودين من حيث أتيت .. ما بك تهتمين بهذه النقطة .. أنا لاأقتل أحدا وان كنت فقدت أحدهم فلست بقاتلته .. أف .. "
يعم السكوت المكان .. إلا من صدى تساقط حبات المطر الخفيفة على وعاء معدني قديم
.." اسمعي .. حين يقترب مني أحدهم .. يصدم أنه كان يتبع سرابا .. وأن الصورة التي رسمها عنده هو فقط .. عندئذ تتبخر الهالة التي يكون قد رسمها لنفسه .. يصبح عاريا أمامها .. ويأبى العودة ..
حتى لا يرى الآخرون نفسه عارية ….. كما رآها هو"
تقف وتنفض المياه عن نفسها وتتجه خارجة من الغرفة " هيا .. توقف المطر .. عودي إلى منزلك.
. وابحثي عن غائبك في مكان آخر "
تصلح من شأن عباءتها .. تخرج متعثرة بالأوحال التي علقت بعباءتها وثوبها ..
ترتجف يداها محاولة الإمساك بالعباءة مانعة إياها من التزحزح عن رأسها ..
تستعجل الوصول الى الدار .. وفي احدى الحواري ..يصطدم بها أحد الرجال .. يتركها مهرولا إلى نهاية الزقاق .. تلتفت وراءها فتجد المرأة تقف بنفس الهيئة المزرية .. تستنشق الهواء .. تملأ رئتيها باحثة عن عطر .. تهز رأسها أسفا " لا عطر .. رائحة المياه المختلطة بالأوحال وقاذورات الزقاق
" تطارد الرجل بعينيها ..
تبتسم بمكر وتكمل طريقها .


الدراسة النقدية :

البحث عن الذات انطواء إنساني لازم الإنسان منذ وجوده الأول فهو انطلاق نحــو المجهول و تمحور في دائرة المعلوم و استكناه لأعماق النفس الذي منذ أن هبطت إلى الأرض و هي تبحث عن كيانها و ذاتها ووجودهـــا فلإنسان بطبيعتــه مخلوق طارئ على هذه الأرض و لكنه يحاول التشبث بفكرة البقاء التي جســـدتها الأديان إلى خلود بحسب العمل 0
( درب أم الدويس ) بحث مضني من الكاتبة عن الذات التائهة في تلافيف اللاشعور و في أعماق اللاوعي الذي اختزن الآخر مخلوقاً يتصور وجوده مزاحمـــا له فبـين ( أم الدويس ) الحقيقة و ( أم الدويس ) الخيال يقف الإنسان حائراً باحثاً عن الوجود الحقيقي و الكاتبة سارة النواف في نصها هذا تحاول أن تخرج الأسطورة الشعبية من قمقمها لتحولها إلى واقع اجتماعي إنساني يعكس صورة الإنسان في ذروة مجده 0 فأم الدويس في العقل الباطن لكل إنسان يعيش في أرض الخليج امرأة ساحرة جميلة معطارة يتشهى الرجال التقائها و محادثتها و ( أم الدويس ) في العقل الوعي هي المرأة التي تفجؤك بعيون قطة مخيفة مرعبة و بساقين منجليين يستطيعان قطع الرؤوس و إذا كنا سنتجاوز الحكاية الشعبية الخليجية التي ترسم صورة ( أم الدويس ) بشكلها الأسطوري لننتقل إلى ( أم الدويس ) التي أنشأتها الكاتبة سارة النواف شخصية جديدة تنعكس صورتها في مرآة الواقع فتظهر المرآة لنا صورتين متناقضتين :
الأولى : صورة المرأة الفتاة الجميلة في ريعان أنوثتها و شبابها حيث تبدو زهرة فواحة و قمراً جميلاً و شمساً مشرقة و أنوثة ٌ يشتاق لقاءها الرجال فهي السحر الجذاب الذي يجعل الواقع حلماً و خيالاً جميلاً رائعاً 0
الثانية : صورة المرأة في غياب شمس الجمال عنها و تحولها إلى أنثى ذات عمل بعيدة عن الأعمال الجمالية فاقدة لشبابها و لجمالها و لأنوثتها الراعفة بسبب تراكم السنوات و هذا ما تعرفه المرأة بشكل خاص أكثر من الرجل لأنها تبقى تقف أمام مرآتها صغيرة 00شابة00 كهلة 00 و عجوزاً ، قد تبدو في النتيجة شمطاء 0
إذن صورة المرآة على حقيقتها تعرفها المرآة نفسها و هذا بالذات ما تشكوا منه المرأة بعد تراكم السنين 0
لقد استطاعت الكاتبة سارة النواف أن تجري ( حواراً داخلياً = مونولوج ) بين شخصية المرأة في شبابها و شيخوختها لتبرز حقيقة الجمال الزائل الذي يحول على مر السنين و يضائل بحيث يبدو الجميل قبيحاً و الحسن غير مستساغ بلغة شفافة تحمل في آفاقها و حياً لمعاني أكبر من الكلمات التي رسمت تلك الواقعة و تصوروا معنا ( نقطة اللاعودة ) التي رسمتها الكاتبة في تلافيف قصتها :
(( تبحثين عني ؟؟؟ 000 ولم ؟؟؟ في مثل هذه الليلة 00 الكل يختبئ في بيته 0000 حتى الحشرات تختبئ في شقوق الجدران )) 0
كما أن اللغة التي نقلت لنا هذه الواقعة ارتقت بنا من صدى الحروف إلى أصوات الطبيعة حيث تحول ضحك هذه العجوز الشمطاء إلى صوت يشبه صوت انفجار الرعد (( ضحكت بصوت ٍ عال و سرعان ما اختلط صوتها بانفجار الرعد الذي اهتزت له الغرفة المتهالكة )) 0
و هذا يعني لو ذهبنا نستنطق لاوعي الكاتبة أن إيذان تحول المرأة من مرحلة الشباب إلى مرحلة الشيخوخة يعني تحول الكون و الطبيعة و غضب هذه الطبيعة تعاطفاً مع هذه المرأة التي هي في الحقيقة هي سر الوجود و سر الجمال على هذه الأرض و هذا يذكرنا بصوت الشعراء الجوالين في اسبانيا و بصوت الطبيعة التي تعاطفت مع ابن زيدون بعد أن حدثت القطيعة بينه و بين ولادة بنت المستكفي ، ن بحث الكاتبة عن حقيقة الخلود على هذه الأرض جعلها تتقمص شخصية ( أم الدويس ) نفسها تبحث عن ذاتها ممثلة المرأة بصورتها العامة على هذه الأرض و كأن انطفاء الربيع و عودة الخريف عند أي امرأة يجعلها تصطدم بواقع مُر فتسجل الوصول إلى الدار 000 و في إحدى الحواري يصطدم بها أحد الرجال يتركها مهرولاً إلى نهاية الزقاق 000تلتفت وراءها فتجد المرأة تقف بنفس الهيئة المزرية 000 تستنشق الهواء 000تملأ رئتيها باحثة عن عطر000تهز رأسها أسفاً لا عطر 000رائحة المياه المختلطة بالأوحال و قذرات الزقاق تطارد الرجل بعينيها تبتسم بمكر و تكمل الطريق )) 0
لقد وفقت الكاتبة في رسم صورة المرأة في ربيعها و خريفها محمولة على جناح عنصر التشويق الذي رفع النص إلى مكانة سامقة و إن وقعت الكاتبة في ثلاثة هنات حبذا لو رجعت إليها :
- (( تمعن النظر 00إلى وجهها 00 صدرها 00ساقيها الممتدتان على الحصير ))
و الصحيح الممتدتين0
- (( تقف بنفس الهيئة المزرية )) و الصحيح : تقف بالهيئة المزرية نفسها0
- (( تقاطعها بنفس الحدة )) و الصحيح : تقاطعها بالحدة نفسها 0
و كل هذا لا يفقد النص جماليته الرائعة التي يقف فيها القارئ أمام كاتبة متمرسة
في الفن القصصي 0


%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%5




قراءة سيكولوجية في بوح الهمسات النفسية



مونولوجيه الحدث و أوكسجين الموت
في نص( رقصة الموت )
للأديبة : إيمان الوزير
الدارسان : حسين الهنداوي _ حاتم قاســم

نص القصة القصيرة : رقصة الموت للكاتبة إيمان الوزير
رقصة الموت

أفاق فجأة من سبات طويل ، يجمع من الظلام الدامس بعض ضوء خافت كان ينبعث من جهاز معلق بقربه ، ترامى إلى بصره أشباح متدلية من أعلى السقف ، شحذ بصره نحوها فعرف أنها محاليل معلقة فوق رأسه ، بدأ يستجمع وعيه محاولا تذكر ما حدث ، انهالت عليه جموع الأسئلة تقارع جسده المصفد ، شعر بأجهزة التنفس كجنازير تلتف حول أنفه وفمه ، وأحس بشيء خفيٍ يتراقص


في أوصال جسده المشلول ، وبدأ الخاطر يتحدث من جوفه نيابة عن لسانه الذي كان مسلوب الإرادة. يداعب ذاكرته بأحرف متلعثمة : ما الذي حدث ؟ كيـــــف وصلت إلى هنا ؟ ، كنت أمارس غواية القمع ، فهل انقلب السحر على الســــاحر وابتلعتني الأمواج ، تراجع الخاطر أمام أصوات أجهزة التنفس وأنابيبهــــا التي كانت تفرض على شرايينه مزيدا من الحصار . تقرع في أدنيه قرع الطبول ، راح خاطره يتساءل في غضب : ما الذي يضعون في هذه الخراطيم التي تقضـــم أنفي وفمي كسمكة قرش هل هو أوكسجين أم غاز مسيل للدموع ؟
جفل فزعا من جملته الأخيرة ، أحس بصدره يعلو ويهبط كأفعى كوبرا تتلوى على إيقاع الطبول القادم من الأجهزة ، فصاح : : كفى ..كفى لا أريد أن أموت ، أين أنتم أيها الأطباء الملاعين ! أين أنتم يا معشر الأشكناز ؟
ألم نشرب سوية نخب يهوه ؟ لأجلكم أفقدتهم هدأة الســـــــبات في هجيع الليل ، وبنيت لكم حوائط من أشلائهم . أنا الآن هاهنا مسجيا مهملا مشلولا لا يسمعني منكم أحد!
توقف خاطره فزعا على قيئ يندفع من أمعائه ، يجتاز فمه وأنفه نحو الكمـــــامة الموصودة على فمه بمزلاجها كباب زنزانة ، تداخل خاطره مع قيئه في امــــتزاج موحل يشبه أرض الزنازين الانفرادية ، كان اندفاع القيء كافيا لاقتحـــــــــام باب الزنزانة في سيل جارف يجتاز مســـــاحة الخد المتجعد في وديان تندفع نحو أذنه وتخترق الطبلة ، بعض القيء عاد مرة أخرى إلى بلعومه فلامس لســــانه مرارة العصارات ، وانهالت دموعه تمارس الغواية مع القيء تحمله إلى عالم الهذيان ، أحس بالاختناق يفّحم جسده ، وانبرى خاطره يلهث بحثا عن طوق نجاة ، زاغت عيناه وتعلقت بسقف الحجرة فرأى جموعا غفيرة من الأشباح تتراقص أمامه في ابتهاج ، ازدادت مساحة الاختناق في جسده ، التفت جموع الأشـــــــــــباح حوله تراقصه( التانجو ) ، تدنو منه وتبتعد مطلقة صيحاتها ، كان الاختنـــــــاق قد بلغ أوجه فراح خاطره يبتهل بتضرع للحشود : كفوا عني ســــأرحل عنكم ، صدقوني إنها المرة الأولى التي لا أكذب فيها ، سأعود إلى بولونيا ، أعلم أنني لن أكفر عن ذنوبي التي تخطت الآلاف ، لم أشـــــــــأ يوما بناء هيكل الرب بقدر ما أردت هدم كبريائهم ، كانوا في مملكتي ذبابا متوحشا ، جنادب تتطاير من حولي ، كابوســـا فاسدا يجب تجريفه ، عدوى أخشى أن تنتقل إلى جيـــــــراني فيزداد كمّ الذباب من حولي، نفثت السموم في أوردة جيراني فأغلقت عليهــــم باب الأرض وســــــقف السماء .
اقترب الراقصون منه وبدؤوا يمسكون جسده ويدغدغون رأســــــــــه ، يترنحون بأجسامهم مطبقين على صدره ، صرخ خاطره في فزع وراح يفتش عن مكــــــان آمن داخل قلبه ، طاردته الجموع إلى داخل جسده ، بدأ الخاطر يفر من شـــــريان إلى وريد ، اقتحم جدار المعدة ، وأحدث فجوات داخل أمعائه والراقصون يعبرون الطرقات يدوسون بأقدامهم أحشاءه ، يســـــــــــبحون في برك الدماء يغبون منها ويثملون ، والخاطر يفر منهم جزعا ، حتى وصــــــــــل إلى القلب لجأ إلى البطين الأيمن والراقصون يطاردونه ، يضيقون عليه الحصار ، يلتهمون المضغة بشره ،يترنح الخاطر بين أفواههم ، الأجهزة المعلقة تصرخ ، حشود الأطباء والممرضات تملأ المكان تحاول إنعاش القلب ، لتتسع مساحة الرقص من الداخل والخارج ، وهو يصيح ... يستجدي بلا كلمات ..بلا لسان ...بلا خاطر ...بلا قلب ، لا أحد يسمع الأنين في حلبة رقص مجنونة ، و الكل يلهث لإحياء ميت !!!!


رؤيوية الحوار الداخلي))
بين انبثاق المفردات و بوح الحروف يتسلل ضوء الحدث إلى مرايـــا النفس المقعرة في قصة تسبر الذاكرة و ترتسم على حواشيها محفورة بدمـاء الأطفال الفلسطينيين لجسد مارس البطش و شرب نخب الدماء و رفع راية الوحش الذي لا يعرف الرحمة 0
يفتح فمه في حمحمة السؤال ( هل من مزيد ) ، توصد الأسئلة أمام باب الزنزانة و تحت قيود السلاسل و يشرب القابعون على صدر فلسطين نخب الدماء 0
على أشلاء فلسطين تقرع الحروف طبول الشمس و على نسغ يخضورها ينبعث الأمل من خلال ( رقصة الموت ) للأديبة القاصة إيمان الوزير التي تحـمل إلينا في ما وراء سطورها ذاكرة ( انقلاب السحر على الساحر ) إنها ذاكرة ليــست مسلوبة الإرادة لأنها تصارع وحوش بناء هيكل سليمان كما يزعم المارقون 0
تتقاطع الأحداث في نقطة التمركز و تزداد مساحة الاختناق في رئتي المـوت و بين بوح الرغبة في هدم الكبرياء من عيون شعب لم يعرف المساومة على ذرة تراب من وطن و بين سموم تجاوزت الأوردة لتطبق باب الأرض و ســـقف السماء 0
مونولوج داخلي و صراع نفسي لذاكرة تقضم أشلاء الطفولة بين ظهرانيها و أما السيل الجارف من الدماء فيبقى النخب الذي يعشقه هذا الصهـيوني المتجذر في أصوله الاشكنازية 0 صورة رسمتها لنا الأديبة إيمان الوزير مسـتلة من صدر ذلك المهاجر الوغد طموحاتها اللاإنسانية في تشريد وقتل الآلاف و الملايين من أبناء فلسطين و حتى في صراع هذا الاشكنازي يطبع اللون و يميز العرق 00
طابع موسوم بوسم الحقد وممارسة القمع على الآخر 0000 هذا ما أطرته لنا الكاتبة إيمان الوزير بعباراتها الحنظلية المذاق ( لأجلكم أفقتهم هدأة السبات في هجيع الليل 00 و بنيت لكم حوائط من أشلائهم ) 0 ليبقى السؤال في مسـاحة ضيقة لاهثة يبحث في زفيرها عن جواب قاتل ( كيف وصلت إلى هنا ) 0
إنها النتيجة التي تحمل معها أجهزة التنفس للجسد المشـلول الذي لم يعرف من الحياة إلا طعم الموت 0000000 و أما دموع التماسـيح التي تختنق في غيها أكانت تدرك هذا الطعم 0
لسن حال القاصة التي شردتها طموحات المهاجــرين اليهود لتحل محلها يتمتم بحروف واعدة 000 لترحل أيها الاشـــكنازي عن قاموس لم تولد فيه و عن حروف نبذتك كما أنت تنبذ الموت ( كفى 00كفى 00 كفى 00لا أريد أن أموت )
عد إلى موطنك الأصلي !!!0000
( سأعود إلى بولونيا ) 00000000
أما الأوكسجين فلن تلوثه بزفراتك التي تجتاز مساحة الأسـئلة المعلقة في برك الدماء فأوكسجين الحياة لن ينعش الجسد الميت كما أبرزت الأديبة ذلك في معالم حدثها القصصي لأن دمه الملوث بغاز ثاني أكسيد الكربون لم يعرف أن الطفولة الفلسطينية هي التي تمتص أوكسجين الحياة و أن الشمس تكسر أصفاد القيود و هذه هي الرؤية التي حملها إلينا من قبل شاعر فلسطين سميح القاسم حين قال :
أهون ألف مره
أن تطفئوا الشمس
و أن تحبسوا الرياح
أن تشربوا البحر
و أن تنطقوا التمساح
أهون ألف مره
من أن تميتوا باضطهادكم
وميض فكره
وتحرفون عن طريقنا الذي اخترناه
قيد شعره
إنها المعاناة نفسها التي جسدت روح الأديب الفلســطيني شاعراً و قاصاً إزاء مواقف الموت التي يتعرض لها الشعب الفلســـطيني حيث تنضج الكلمــات بأوكسجينها الحي بأوردة تتدفق منه الأنفاس ليــشرق صـدى البوح من على صهوة المجد 0
هنا أطفال قانا 000 هنا أطفال صبرا 00 هنا أطفال جنين 00 هنا دير ياسـين 00 هنا كفر قاسم 00 هنا ملحمة الدماء المقدسية التي لا تجدد أوكسجين الحياة إلا برقصة الموت 0
النبضة الشاعرية في مونولوجية رقصة الموت ( حسين الهنداوي )
حين تتخطف الحروف أوهام الذاكرة و تسـتبر الكلمات أعماق الروح الفلسطينية المكتوية بنار الموت تبرز لغة الشاعرة و مفرداتها التي تصــطبغ بحنين الألم و همهمة الدماء حيث تبدو روح الكاتبة مفردات تتحدث بلغة المسلوبين الباحثين عن إعادة ما سلب منهم 0
مفردات محشوة بصواعق الموت 0000 لا يمكن للذاكرة الفلسـطينية الأدبية إلا أن تقف على عتبات الصراع الحقيقي مع العدو الصهيونـي الذي تعدى منذ أول لحظة صراع الحدود إلى صراع الوجود و هذا ما أكدته الكاتبة إيمان الوزير منذ الحروف الأولى حيث طلعت علينا بعنوان نصها ( رقصة الموت ) وكم تحمل هذه القيمة التعبيرية و التصويرية في طياتها من معاني تثبت أن الشعب الفلسطيني لا يقبل أن يكون كالهنود الحمر 000 إنها مونولوجية الحدث الذي أبرزتـه عربة الخيال عند الشاعرة بتشبيهات حسية واقعية لا تتعدى ما تراه العين الفلسطينية التي تأبى إلا أن تنزف دماء الشهادة من أبنائها
(( تراجع الخاطر أمام أصوات أجهــــزة التنفــــس وأنابيبها التي كانت تفرض على شرايينه مزيدا من الحصار ))
(( أحس بصدره يعلو ويهبط كأفعى كوبرا تتلوى على إيقاع الطبول ))
(( زاغت عيناه وتعلقت بسقف الحجرة فرأى جموعا غفيرة من الأشباح تتراقص أمامه في ابتهاج ، ازدادت مساحة الاختناق في جسده ، التفت جموع الأشباح حوله تراقصه( التانجو ) ، تدنو منه وتبتعـــد مطلقــــة صيحاتها )) 0
(( بدأ الخاطر يفر من شريان إلى وريد ، اقتحم جدار المعدة ، وأحدث فجوات داخل أمعائه والراقصون يعبرون الطرقات يدوسون بأقدامهـــم أحشاءه ))
أنها لغة القصة التي تحمل في ذاكرتها شاعرية المفردات فالأديبة تنقلنا من خلال الحدث القصصي إلى خيال شعري واع يحرض الروح و يحرك دوافع الشوق لاقتحام المجهول و إن أدى ذلك إلى رقصة الموت ناهيك عن إن قيم العبارات التعبيرية تزداد ألقاً بمفرداتها الواعدة التي تشحن النفس بأفانين الثورة من أجل إعادة الأرض 0
نص متفرد يحتاج إلى قراءة أخرى تسبر أعماق روح الأديبة لاكتشاف ما تكتنزه من شوق إلى تراب الوطن 0







موت آخر
لبنى ياسين
انبثق أمامي فجأة بهامته الباسقة , لكن انحناءً ما أصاب شموخها , فأصابني بالذعر , وقفت في حضرة انكساره مندهشا حد الألم وبادرته بالسؤال :
لمــاذا ؟ .. لمـاذا ذهبـت إلى هناك يا رجــل ؟ لماذا ورطت نفسك؟
رفع نحوي عينين متعبتين إلى حــد الإعـياء و لم ينبس ببنت ألــم , بل تابع سحب قدميه ميّممـًا شطر منزله , لحقــت به .. و في سكون الليـل المدقـع لم يكن ثمة صوت سوى صوت اجتـثاث قـلبه من هاوية الوجع المدمر, كان في عينيه شئ ما .. شئ كسرته العتمة و محـا بريقه الألم , لم يغـب سوى شهور قاربت أن تـنهي حبلها بسنة .. لكني أحسست أن دهوراً وقـفت بيني و بينه , و كما تقابل شخصا غادرته لسنين فتحس انه صار شخصا آخر , اصبح هو شخصا آخر, هناك في داخله كان ينبت عشب بـّري يرفض اجتـثــاثـه و لو حتى بالتـنويـه .
أوصلته حتى داره .. تراكض الجميع يرحبون بعودته ويسلمون عليه بلهفة موجعة بينما هو تائـه النظرات , لم يعـر أحـداً اهتمامه وكأنمـا فقـد القـدرة على التواصل مع العالم الخارجي وانكفـأ إلى عـوالـمه الداخلية يجــّر ذيول خيـبته وألمـه .
تركتهم و مضيت في حال سبيلي , قـلت سآتي غـداً للاطمئنان على صحــة أغـلب الظن ما عاد يملكها , لربما استطعـت التواصل مع إنسان قـدم حواسه الخمس للتقاعــد المبكـر .
استوقـفتـني زوجته (أختي) .. قالت لي ابقَ الليلـة عندنا فهو صديقـك المقـّرب , و لربما ساعـده بقـاؤك . .
لكنني وجدت في ذلك إزعاجا ً سافراَ له , فقد اجتـاز مسافة طويلة للوصول إلى محافظة البرتـقـال ( ديــالى ) حيث منزله , أغـلب الظن انه يـــتوق إلى وحـدة ٍ و سـرير ٍ و ظــلام ٍ و صمــت .
تسابقـت الأفـكار على رأسي طيلة الطريق , كيف وصل إلى مدينتـنا الصغيرة بحاله هــذا ؟ أعلى أقـدام الخيـبة أم على أجنحة الوجع ؟ و ما الشيء الفظيـع الذي مر به حتى يقـلبه إلى هذا الكائـن الغـريب في اقـل من سنة ؟؟ هـو .. الرجـل الذي كان يستـفيض مرحــًا , كان يحمل معه حقيبة الفرح أينما حل يفتحها أمامنا ..كحاو ٍ ماهر , و ينثر محتواها عبقا ً يزيح به ضباب الملل و كآبة الأيام , لم يكن ثمة رجــل بيننا أخف ظـلاً أ و أكثر ضحكا أو اقـل هـَمّاً منه .. فما الذي قـلبه بهذا الشـكل ؟؟ .
مضيت إلى منزلي , لم أنم ليلتـها , غالبني النعاس و لم يغـلبني , و كبْوم ٍ مكابـر بقيت ساهـد الطرف سادرا ً حتى خيوط الصباح الأولى , استسلمتُ بعـدها لكوابـيس مــوت مؤلـم مدمـر .
حلمت به .. كانت الذئـاب تطــارده مطاردة عـنيفة , ثُم أحاطت به و تكالبت عليه تنهش لحمه , رأيتهـا تهاجمه .. تعـض أطرافه فـتـتساقط أشلاؤه شـلــواً تلو الآخـر, و رأيته يعاود التـقاط أشلائـه و يضعها كيفما اتفـق لـتـلتـصق بجسـده , تـشــّوهَ شـكله .. صار أشبه بمسخ مرعب , لكنه لم يفـرط بقطعة من جسده المتمـزق ولا حتى بظفـر , ما زال الجسد جسده رغم كل التـمزق , رغم كل التشوه , و برغـم جميع الألـم .. ثم انبثــق الدم من جسده واصبح نهــراً .. جـرى نهـر دمـه بتدفـق مهـول .. فيضانـاً اقـتـلع كل ما وقف في طريقه حتى ثـلة الذئاب التي حاولت في البداية أن تشرب من نهر الدم , كان مصيرها هي الأخرى الغـرق في فيضـانه.. بينما هـو ما يزال واقفاً حيث هـو, صامداً يحاول معالجة أعضائـه الكليمة و إعادتها إلى مكانهـا . .
أوجعـني كابوسي .. واستيقظـت غارقـاً في عـرقي بـدلاً من أن اغــرق في دمه , كنت اخـتـنــق .. واكتشفت للتــّو أن عـينـيّ لم تغـمضا لأكثر من ساعـتين .. لكن الصباح أعـلن عن إشراقـه مزيحـاً ستائر الظلماء عن وجه الكون بجيوش من أشعة الشمس. .
ارتديت ثيابي كيفما اتفق ناسياً أن اغسل آثـار خرائب الليل و فيضاناته عن ملامح وجهي , ويـممـتُ مسرعا شطر داره ثانيـة و قد نـال مني كابوس الـدم ذا ك .
فتحـت أختي الباب واجمة وكأنها أصيـبت منه بعـدوى الذبول و الصمت .. قـلت لها
ــ كيف حالـــه ؟؟
رد ت :
ــ لا حـال لديه تسأل عـنه .. لم يـأكل .. لم يتـكلم .. لم يصغ ِ .. و لو آ ل الأمر إليه لما تنفس , ارتـمى فـوق سريره بعـد أن أغـلق الباب وراءه في محاولة لإبلاغـنا بوجوب البقاء خارجا بطريقة مهذبة , دخلت إليه بعـد قـليل فوجـدته غـارقاًً في نوم متعـب , بيـنما تجمعـت ملامح وجهه وتقـلصت وتمركـزت في منتصف وجهه , فخـرجت مغـلقة الباب ورائي لعـل النوم يزيح عنه شبح الإعياء الذي يهيمن عليه .
اتجهتُ إلى غرفـته بعـد أن قـدّرتُ انه نام فترة مناسبة تماما لإيقاظه بعدها .. طرقت الباب , وإذ لم أتـلـقَّ جوابا فتحته بهدوء شديد و دخـلت , كان قد حرص على استضافة الظلام في غرفته بإغلاق النافذة الوحيدة و إسدال الستائر جيدا , وجدته كما وصفته أختي تماما , ولـولا إيقاع أنفاسه المتعـبة لاعتقـدتــه ميتـاً .
هززتـه برفـق مرددا بصوت هامس :
ــ استفق فقـد أفرد الصباح جناحــــه .
دون أن يفتح عينيه أجابني :
ــ أي صباح ؟ أنت تهـــذي .
قـلــت له :
ــ قــم وحـدثـنا , فقـد اشتـقـنا لأحاديثـك المرحــــة .
فتح عينيه بشح ٍ شديد كأنما خاف أن يهرب منهما النوم قائلاً :
ــ و ما نفع الكلام .. افتح الباب و انظـر خــارجاً .. هـل بعـد هـذا كله كلام يُـقــال ؟
قـلــت له:
ــ قــم يا رجـل ..أولادك بانتـظارك .
قال لي :
ــ قـلْ لهم إذن ألا ّ ينتـظروني .. فلم أعــد هـنا.
أربكـتـني كلماته .. هـزتـني في العـمق .. بل قل أوجعـتـني , وحرت في أمره لكني احترمت رغبته و خرجت مغـلقـا ً ورائي بابـا أظنه يريـده بابا ًً لـلحــده .
جلسنا في الصالة .. لم تكـن صالة بمعـنى هـذه الكلمة , إلا أنها مع ذلك كانت تؤدي وظـائـف الصالة وغرفة الضيوف وغرفة الطعـام معا في النهار .. أما ليلا فكان لها عمل إضافي غير مأجور إذ أنها تتحول إلى غرفة نـوم للصبيـين الكبيرين الذين تجاوزا سـن ّ الثالثة عشر فتم فصلهما عن أخواتهما الإنـاث , وخصصت هذه الصالة لنومهما بعد أن تفرغ ليلا من أشغالها الأخرى . أحضرت أختي إبريق الشاي , وجلست قبالتي , كانت تمنع دموعها من الإفلات من فتحتي عينيها و هي تسألني بسذاجة طفـل ما الذي يجري ؟؟
بماذا أجيب و ليس لدي أي شئ يحمل بريق إجابة .
قلت لها : صبرا يا أختي .. إنها مسألة وقت , ما مر به ليس بالقليـل ,الحمد لله انه عاد .. أما كنا قد يئسنا من ظهوره ثانية؟؟
ردت أخـتي : حقــا ً !!! لقد أصابني اليأس من عـودته , و اعتقـدت انه ربما ... وسكتـت برهة لتنجو بنفسها من احتمال موته و لو شفهيا , ثم أضافت :
ــ لا قـدّر الله !! الحمد لله الـذي أعـاده لنا سالما ً.
شعـرت بوخـزة غـريبة للسخرية تمتـزج بجملة ( عاد سالما ً) .. وربما تطال وخزتها هـذه كلمــة ( عــاد ) أصلا َ, فأنا شخصيا لم أجـد شيئا عـاد منه حتى اللحظة .
بقيت إلى جانب أختي اشد أزرها إذ لم يعـد لديّ ما أقوم به طيلة النهار سوى انتظاري اليائس لاستيقاظـه من مـوت مؤقـت يـريد أن يعتـقـده دائمـا .
فـتـح باب غرفـته .. خرج إلينا بخطوات وئيـدة وكأنه يضنّ عـلينا بحضوره , هالني شكله في الضـوء , فلـم أكـن قد رأيتــه من خلال نـور واضح قبل اللحظـة , كان مـيتـاً يخطـو على أرجـل حـي .. كان ميتـاً حقـا ً .. و قد فقد مع فرحه كثيراً من وزن جسده المتعب... و كرشا ً كان يبارينا بها وفي عينيه تلك النظرة التي تفيض ألماً حتى فرغـت من المعـنى و امتلأت وجـعــــاً .
لم يحفــل بنـا ولا بشيء حولــه .. لم يحاول حتى أن يخـصّ أي شئ كان قـد فارقه قرابـة السنـة بنظـرة خاصة ولا حتى زوجته المشتاقة .
جلس على كرسيه وكأنما كان قد تركه قبل النوم فقـط , بدون كلام , فـقط بـكل ذلك البؤس المطـلّ من عينيه الذي لم تفارقـني مفـردات له حتى اللحظـة لم أفهمهـا .
قامت أختي بتجهيز الغــذاء الذي يحـب , وربما الأصح أن أقول العشاء , نظرا لأفول الشمس مصادرة معها دفئا لم اشعر به, إلا أن إصرار أحـد منا لم يثـنه عن مقاطعتـه للطعـام .. فما عاد الطعام من اهتماماته مطلقــــاً .
أ رِ قٌ هـو .. تـَعِـبٌ .. مهـزومٌ .. مخـنوقٌ .. متألـمٌ .. ضائـعُ ..غاضب.. لكنه حـتماً ليس بجـائع .. على الأقـل ليس إلى الطعـــــــام .
احتراماً مني لشهيته المفقودة لكل شيء .. قاطعت بدوري الطعـام .. وأومأت لأخـتي بأن تـتركنا وحـدنا عـلّ رياح الصداقة المتينة التي ربطتـنا منذ نعومة أظفارنا تهب على هـمومه و تشد أزر رغبة دفينة في إزاحة عبء ثـقيل عن كاهله فتــأذن له بالبــوح .
ــ هـيا يا صديقي , فأنـا بئر أسرارك كنت وما أزال .. أنا من شاركك آلامك وأفراحـك و مغامراتـك ومقالبـك وتقـلباتـك وأسـرارك الصغيـرة تـلك التي كانت يومها بحجـم المحـيـط .. ما زلت أنا رغم تقـلبات الدهـر علينا , رغـم الأوقــات الصعبة التي مرت على كل منـا , رغم كل شئ .. لم ينقـص من صداقـتـنا سوى شـوائب الزمن فازدادت متـانة مع تقــدم العـمــــــر .
بكى صديقي , وانفرطـت لؤلؤتـان غاليتـان من عـينيه نزلـتـا باستحياء وإبـاء ذكوري على خـديه , أوجعـتـه دمعـتــاه وهـما تنهمران قسرا على مرأى مني , فما زال يريـد أن يـبدو قويا.. ربما ذلك الجانب مني الذي اصبح قريبـه بالمصاهـرة هو تحديدا ً ما أوجعه ببكائه أمامي , تمتـم بكلمات لم تكن مفهومة أبـدا .. بضع كلمات منها زايلها الغموض ففهمتهـا , لكنها وصلتني دونما ترابط كما في الكلمات المتقاطعـة , ثم انفجر بالكلام دفعة واحدة .. و أجهش بالبــكاء كمـا لم أ رَ رجلا ً يبكي من قـبل , أصبحت عباراته تأتيني متقـطعة الأوصال , أليمة الأشلاء , لكني صرت افهم و أحس كل ما كان يقوله وما لم يقـلــه , صرت اشعـر بحـواسه و أرى بعـينيـــه .
قال لي بصوت متهدج يكاد يطغى عليه صوت أنفاسه المكلومة المتـقطعة :
ــ تصور امرأة تـُخـلّـد انتصارها بصورة فوتوغرافية فوق عـري رجـولـتي , و تقـف بوضعـيـات فاحشة و بأخـرى مذلـّة فوق جسدي العاري , ضابط هـي في الجيش الأمريكي , لم أذق طعـما أمـّر من الذل .. و الله لم اعـرف طعـما أمــّر منه , وودتُ لو أشبعتها ضربا ... وددتُ لو قتلتها ألف مرة ... وددتُ لو متُ... لو تفجرتُ ... لو احترقتُ ... وأحرقتُ كل شئ معي , لكنني ما زلتُ حياً .
في هـذه اللحظات بالـذات شــاركته البــكاء , أجهشت ألمــا و مرارة و وجعا .. أجهشت ذلاً .
أردت أن اصرخ به لا تبــك ِ فالجــرح جرحي أيضا , لكن صوتي اختـنـق مع دموعي , فلم اعـد قادرًا إلاّ عـلى العـويل كالنساء .
آه يا جـرحي الهرم وأنت تمتـد خنجرًا في الخاصرة يطال كرامتي كما طال كرامته قبلي .
سكتَ قليلا , كنتُ أعلم أن في جعبته الكثير من الألم المتحصن خلف قسماته الموجوعة , لكنه آثر أن يذيل حديثه بالصمت ...مواريا ً عوراته النفسية خلف سكونه , بعد أن كُـِشفتْ عوراته الجسدية أمام عيون لصوص الحضارة , فرحت أغيـّر مسار الحديث صوب أطفاله عــله يسلـو , ومضات غـبيــة اختبأتُ وراءها عـندما أدمته الــذاكرة في محاولة للنيل منه ثانيـة .. إلا انه لم يكن يسمعـني .. لم يكن يـراني , كان وحــده تماما في الغــرفة .
تركته و خرجت ... مضيت تائهاً في سواد الليل .. اختلط بكائي بعويلي بذهولي بصمتي بتشردي .. بذلي.. لم اعد اعرف من أنا.
تتقاذفني الأزقة الضيقة و متاهات الضياع في داخلي , وددت لو خلعت حواسي الخمس ووضعتها عند اقرب جمعـية خـيرية .. فـلربما احـتاجها غـيري ليعـزز صلاته بما حوله لكي يـرى و يسمع و يحس جيــــــدا بما يـحــــد ث..و ربما كان اكثر شجاعة مني فاستطاع أن يفعل شيئا ً .
على أطـلال خرائـبي مشــيت .. على وهــم ٍ كان اسمه أنــا .. على ذيـول الخيـبة الحـمقاء أسرج فتيـل حـزني , فــــــلا أستطيـــــــع أن احـــــــزن اكـثــــــــــــر .
يا له من مـــــوت مفجـع ٍ أنــاخ بلعـنـتــه على كل ما حــولي .. و تركني إمعانـاً منه في تعـذيـبي و إذلالـي .. أ للمـوت مفاضلات وتفضيــل كما للحـــــــــياة ؟؟
فـقـدتُ قـدرتي على الرؤيـة بمباركة العـتــمة التي حــلت فجــأة حولي وفي داخلي و صرت أتخبط في محاولة مستميتة لتحديد وجهتي , لكني و لدهشتي وجدت نفسي حيث أنا .. على خطوات من منزل أختي , كأني غادرتـه للـتـّو , كان نور الصالة مضـاءاً مما يعـني انه ما زال هناك يلوك أوجاعه و تلوكـــــــــــه .
أحنيت شموخ رأسي بألم مخيف و مضيت صامتا نحو منزلي , مشّيعا بقايا أمل باغتني يوما ما , لا اعرف من أين أتى , لكنني اعلم تماما كيف مات .
--------------------------------------
ديالــى : محافظة في العراق مشهورة بالبرتقال.





ندخل مغاور النفس لنسبر الأنفاس و يبقى المكان يسجل الحضور بلغة شعرية في مونولوج داخلي و حركة دائرية تتسع للحدث عبر منهجية دراماتيكية ترصدها الكاتبة في نص ( موت آخر ) تبحث عن الذات التائهة في تضاريسها النفسية وفق معطيات تعكس بارتدادها منهجاًَ سيكولوجيا توظفه الكاتبة بنمط سلوكي يحمل هموم الوطن ويبحر في أشرعته ، فمرارة الأيام وقسوة العيش تحت وطأة المحتل تبرزها الكاتبة و تشكل لنا خطها البياني فالوجوم المطبق لشخصية الحوار يجعل أعبائه ثقيلة بظواهرها النفسية التي افتقدت شمسها وربيعها الداخلي لتغوص في مدارات اللانهاية
((انبثق أمامي فجأة بهامته الباسقة , لكن انحناءً ما أصاب شموخها , فأصابني بالذعر , وقفت في حضرة انكساره مندهشا حد الألم ))

00 ذاكرة الحزن المؤلم المحفور على جدرانها ترانيم الطفولة و أراجيح الذات الملتهبة 00 تحاول الكاتبة أن تزيل ستار الصمت عن جفون صديقها وزوج أختها لكن أروقة الصمت التي تزيح عن الجفون نعاسها و تعلل للذات ظواهر الحزن تعكس بمرآتها هما يعيشه الناس
((ــ لا حـال لديه تسأل عـنه .. لم يـأكل .. لم يتـكلم .. لم يصغ ِ .. و لو آ ل الأمر إليه لما تنفس , ارتـمى فـوق سريره بعـد أن أغـلق الباب وراءه في محاولة لإبلاغـنا بوجوب البقاء خارجا بطريقة مهذبة ,))
ينحدر بنا الخط البياني من صورة ألفتها النفس لصورة تعكس الوجه الآخر بمظاهره الحسية التي تعايش الحزن لتصنع منه أيقونة التفاعل لتعزف لحنها المنفرد على وتر الذات التي تبحث عن كينونة الوطن بين مسامات الأوردة و فضاءات الروح التي تأبى الذل و الانكسار لينطلق الصوت ببوح تغمره الدموع بقوسها القزحي لتشكل خارطة الوطن فوق وجنتيه 000
((قال لي بصوت متهدج يكاد يطغى عليه صوت أنفاسه المكلومة المتـقطعة :
ــ تصور امرأة تـُخـلّـد انتصارها بصورة فوتوغرافية فوق عـري رجـولـتي , و تقـف بوضعـيـات فاحشة و بأخـرى مذلـّة فوق جسدي العاري , ضابط هـي في الجيش الأمريكي , لم أذق طعـما أمـّر من الذل .. و الله لم اعـرف طعـما أمــّر منه , وودتُ لو أشبعتها ضربا ... وددتُ لو قتلتها ألف مرة ... وددتُ لو متُ... لو تفجرتُ ... لو احترقتُ ... وأحرقتُ كل شئ معي , لكنني ما زلتُ حياً ((.
نتوقف جليا بين الحروف نفتش عن شعاع يعيد للشمس حرارة النهار فالجسد العاري المكلوء بذل العيش يتوازى ببعده الأفقي مع الحزن وزفراته التي سمتها الكاتبة بالعورة الجسدية ( الدموع ) و أما العورة النفسية التي تسكن في حنايا الصدر فما زال بوحها خلف السكون و الكاتبة تبحث عن أشعة هناك بين الدموع في خزانات الحزن لتكشف لنا الغطاء عن لصوص الحضارة 0
((سكتَ قليلا , كنتُ أعلم أن في جعبته الكثير من الألم المتحصن خلف قسماته الموجوعة , لكنه آثر أن يذيل حديثه بالصمت ...مواريا ً عوراته النفسية خلف سكونه , بعد أن كُـِشفتْ عوراته الجسدية أمام عيون لصوص الحضارة ))

وبين الأزقة الضيقة وأنهار الحزن ومتاهات الضياع التي تتقاطع على تلافيف الذاكرة تخلع الكاتبة حواسها التي تشكل كينونتها النفسية و الاجتماعية و تبحث في معالمها عن انسان آخر لربما يكون شعاع الشمس الذي يحمل تحت إساره الشجاعة
تتقاذفني الأزقة الضيقة و متاهات الضياع في داخلي , وددت لو خلعت حواسي الخمس ووضعتها عند اقرب جمعـية خـيرية .. فـلربما احـتاجها غـيري ليعـزز صلاته بما حوله لكي يـرى و يسمع و يحس جيــــــدا بما يـحــــد ث..و ربما كان اكثر شجاعة مني فاستطاع أن يفعل شيئا ً .
من لوحة العزف المنفرد إلى كينونة الذات الملتهبة التي تبحث بين أناتها عن زفير يتجاوز أطلال الخرائب و يسمو على وهم الذات ليخلصها من ذيول الانكسار و الخيبة 00 ويبقى سراج الأمل يوقد فتيل الذاكرة بشلالات الحزن و أما الأشعة المنبثقة فيعلو صوتها على لسان الكاتبة :
(( على أطـلال خرائـبي مشــيت .. على وهــم ٍ كان اسمه أنــا .. على ذيـول الخيـبة الحـمقاء أسرج فتيـل حـزني , فــــــلا أستطيـــــــع أن احـــــــزن اكـثــــــــــــر .
يا له من مـــــوت مفجـع ٍ أنــاخ بلعـنـتــه على كل ما حــولي .. و تركني إمعانـاً منه في تعـذيـبي و إذلالـي .. أ للمـوت مفاضلات وتفضيــل كما للحـــــــــياة ؟؟ ((
على إيقاع الزفرات المتصاعدة ينام الوطن ببرتقال( ديالى) ليلون المشهد بلونه التصاعدي ، فالزفرات الممتدة من خاصرة الوجع إلى جدران القلب تلامس تلافيف الذاكرة لتبدأ دورتها الديناميكية بربط الهاجس النفسي بفداء الوطن من خلال مفاضلات أطلقتها الكاتبة بين الموت و الحياة 00 قصة تأخذنا بين بوحها و مفرداتها لتسجل حضورها بكل تميز على جدران الذاكرة




المونولوج الداخلي و البحث عن الذات التائهة
قراءة في قصة ( درب أم الدويس ) للقاصة سارة النواف
الدارسان : حسين الهنداوي ــ حاتم قاسم


نص القصة القصيرة : ( درب أم الدويس – الكاتبة : سارة النواف )

درب أم الدويس
تمشي .. تحث الخطى .. تلتصق بالجدار الرطب .. تنصت أكثر .. لعل الصوت يدلها على مصدر الضوء الخافت الذي كلما تدنو منه ويخالجها إحساس أنها وصلت .. تفاجأ أنها لا تزال بعيدة.
نقاط مطرية باردة تهطل على رأسها وكتفيها .. تزاد أحيانا وتكون غزيرة .. وتكاد أحيانا أن تتوقف ..
ترفع عباءتها وتغطي رأسها لتحمي نفسها من البلل ولكن عباءتها تجمع مياه المطر لتسيل على ثوبها فيرتجف بردا جسدها المرتجف خوفا .. رائحة المطر غريبة في البيوت الخربة .. بيوت بلا أسقف أو أبواب أو نوافذ .. بقايا خربة لبيوت كانت ذات يوم عامرة .. قدماها تغوصان في بحيرات المياه الصغيرة التي تملأ الأزقة والمداخل .. مزيج من الطين والوحل يلطخ ساقيها وثيابها .. تتابع السير ..
نباح كلب يليه مواء قطة وأصوات تلاطم وتدافع .
" ما الذي جاء بي إلى هذه الخرابة ؟.. حمقاء .. مجنونة .. لا .. بل الشيطان
الذي يسكن عقلي هو الذي يقود خطاي .. لعنة الله علي وعلى أفكاري "
تتأرجح بين العودة والاستمرار .. تود أن تكشف أمرا فكرت طويلا به " سأستمر .. وليكن ما يكون"
تنتقل بين الغرف .. تستنشق الهواء عله يحمل عطرا .. تتوخى الحرص في خطوتها
فقد تدوس على صدى أنفاس .. تلتفت حولها .. ظلمة حالكة.. لا يبدد سوادها إلا برق يومض لثوان قصيرة .. مزيج من الرهبة والخوف .. أما الفضول فهو في ازدياد كلما دخلت غرفة ولم تجد ضالتها ..
وعند باب خشبي متآكل ، ترددت قبل أن تدفع الباب بيدها الباردة خوفا .. أنين متوجع صدر من الباب القديم .. دلفت إلى الغرفة الرطبة .. جدران متهالكة.. قطرات ماء تتساقط صفراء مصطبغة بلون السقف المتداعي .. رائحة نتنة أزكمتها .. وللحظة فقط انتشر ضوء في الغرفة .. لحظة لا يمكن عدها بالثواني ..
كانت كافية لتلمحها .. امرأة في زاوية الغرفة .. تجلس على حصيرة قديمة بالية .
تراجعت خوفا " أهي شبح ؟.. أم فعلا امرأة .. أم قد تكون من نسج خيالي "
التصقت بالجدار الرطب.. أحست بوخز الأحجار في ظهرها .. لم تأبه .. فهاهي الآن في نقطة اللاعودة .. " سأنتظر حتى يومض البرق مرة أخرى لأتبين إن "
لم تكمل حديثها لنفسها حين سمعت صوتا هامسا يقول لها " ما بك .. هل أنت خائفة؟؟"
تلعثمت " لا.. نعم .. أنا خائفة .. أنا .. من أنت؟"
أجابتها بمرح" هيا لاتخشي شيئا .. تقدمي ….. واعذريني فأنا لا أملك من أمور الضيافة شيء ..
ما رأيك هل تشاركيني الجلوس على الحصيرة "
تقدمت نحوها ولكنها فضلت أن تبقى بعيدة نوعا ما .. جلست على قطعة خشب رطبة
في حين سألتها " حسنا .. من أنت ولم أتيت إلى هنا ؟"
" كنت .. كنت .. أبحث .. ربما عنك"
" تبحثين عني؟؟.. ولم ؟؟ في مثل هذه الليلة .. الكل يختبئ في بيته حيث الدفء والراحة ..
حتى الحشرات تختبئ في شقوق الجدران .. وأنت تخرجين للبحث عني ؟"
سكتت لحظة ثم أردفت بخبث " آه .. نعم .. نعم .. هل غاب عنك شخص معين "
أجابتها لتنفي عن نفسها تهمة " لا.. أود أن أعرف عنك ومنك أمور كثيرة"
" أمرك غريب " قالت لها " الرجال عادة هم الذين يبحثون وليس النساء "
اقتربت منها أكثر وهي تحرك قطعة الخشب تحتها .. صوتها .. حديثها .. هي كلها تزيد من جذوة نار الفضول .. تزداد رغبة في الاقتراب لمعرفة من تكون .. مم هي "
تباغتها بسؤال " ألست خائفة الآن؟"
" نعم .. لا.. لا.. فأنا أعلم أنك لا تؤذين النساء .. فقط الرجال لذلك أتيت "
ضحكت بصوت عال وسرعان ما اختلط صوتها بانفجار الرعد الذي اهتزت له الغرفة المتهالكة ....
أحست ببرودة شديدة .. بلعت ريقا جف في حلقها وقالت بصوت متردد " هل أنت هي؟"
" هي .. من تقصدين؟"
" اقصد .. اقصد "
" ها .. تقصدين .. أم الدويس .. نعم أنا هي "
تنظر إليها .. صوتها الدافئ يبعث الشجاعة في عروقها .. تردد لنفسها " هذه المرأة ..
بشكلها المثير للشفقة والاشمئزاز .. هي أم الدويس "
تمعن النظر .. إلى وجهها .. صدرها .. ساقيها الممتدتان على الحصير .. ملابسها الرثة
.. وبعد تردد تقول " أنت امرأة عادية"
" لا.. لست امرأة عادية .. بل أقل من ذلك .. انظري إلي .. وتمعني في ملامحي "
تحاول أن تميز ملامحها .. يومض البرق .. تسري الرعشة في أطرافها ..
تعود إلى الخلف خائفة .." ما بك " تسألها المرأة ..فتجيب بعد تردد قصير " لاشيء .. أنت . أنت ما بك؟.. هل أنت مريضة .. هل تعرضت لحرق أو .."
تقاطعها " لا.. هذه أنا .. وهذا هو وجهي .. هذا هو شكلي "
فتقول الأخرى" ولكن .. يتناقل الناس عنك حديثا لا ينتهي .. ضياء في وجهك .. عيناك الصافيتان
.. رائحة عطرك وشذاك .. الذي تنقله النسائم عبر الحواري والأزقة .. وتلتقطه الأنوف فتسلب الألباب .. وكلما صددت عن الرجال .. ازدادوا إصرارا على متابعتك .. و "
قاطعتها بحدة " يكفي .. هذا كله هراء .. هاأنا أمامك .. هيا .. انظري إلي ما ترين ؟"
" ولكن "
" لا تقولي .. ولكن .. هيا تقدمي وانظري إلي "
" لكن الرجال الذين لم يتبعوك قالوا عنك ذلك …وأما الرجال الذين أغويتهم .. فأنت "
تقاطعها بنفس الحدة " لم أقتلهم .. ولم اخطفهم .. هم الذين يجرون وراء الأوهام"
تزدرد ريقها بصعوبة بعد أن تطايرت جوانحها هلعا " أتقولين وهم ؟"
" نعم .. وهم .. كل يضيف إلى شخصي ما يريد .. لوحة لم يكملها الرسام .. وكل يضيف مايعحبه
.. الكل يراني كما يريد وليس كما أنا . حين يرونني في الأزقة المظلمة .. أكون كما تريني الآن ..
ولكنهم يعمون عن ذلك .. أعماقهم المريضة ترسم لهم صورتي انعكاسا لما في نفوسهم ..
هيا قولي ما تشمين الآن "
لا تجيب فهي غير مصدقة
فتكمل الأخرى" أتعرفين ما تشمين ؟.. رائحة المطر بعد أن يتخلل الجدار النتن .. رائحة المياه المختلطة بالأوحال وبقايا الكلاب والقطط الضالة .. انظري حولك وتفحصي هذه الغرفة الحقيرة.
. رائحة هذا المكان هو رائحتي .. وتقولين عطر .. أي عطر هذا "
تقول لها بصوت واهن " ولكن كيف يشم الرجال رائحة عطرك الفواح "
أجابتها بهدوء " كما قلت لك .. كل شيء في خيالهم المريض .. وحين يأتي أحدهم ..
ليس لأني طلبت منه .. بل لأنه هو يريد ذلك ..يفسر وقفتي بأنها دعوة صامتة ..
نظراتي بأنها إيماءة مني لأثير رغبته .. أي حركة أو لفتة .. هي دعوة مني له "
يبدأ الفضول ينمو مرة أخرى " ولكن .. لم كل هذا الحديث عنك ؟"
تقول بمرح " أتصدقين أن من يتحدث عني بهذه المبالغة .. هن النساء وليس الرجال ..
كل من فقدت أحدا .. أخذته أم الدويس .. كذبة صغيرة وكما يكبر الناس كبرت على مدى الأيام..
وحملت الكثير من الصفات غير الحقيقية "
" هل تقتلينهم ؟؟ "
تجيب بملل " هاأنت تعودين من حيث أتيت .. ما بك تهتمين بهذه النقطة .. أنا لاأقتل أحدا وان كنت فقدت أحدهم فلست بقاتلته .. أف .. "
يعم السكوت المكان .. إلا من صدى تساقط حبات المطر الخفيفة على وعاء معدني قديم
.." اسمعي .. حين يقترب مني أحدهم .. يصدم أنه كان يتبع سرابا .. وأن الصورة التي رسمها عنده هو فقط .. عندئذ تتبخر الهالة التي يكون قد رسمها لنفسه .. يصبح عاريا أمامها .. ويأبى العودة ..
حتى لا يرى الآخرون نفسه عارية ….. كما رآها هو"
تقف وتنفض المياه عن نفسها وتتجه خارجة من الغرفة " هيا .. توقف المطر .. عودي إلى منزلك.
. وابحثي عن غائبك في مكان آخر "
تصلح من شأن عباءتها .. تخرج متعثرة بالأوحال التي علقت بعباءتها وثوبها ..
ترتجف يداها محاولة الإمساك بالعباءة مانعة إياها من التزحزح عن رأسها ..
تستعجل الوصول الى الدار .. وفي احدى الحواري ..يصطدم بها أحد الرجال .. يتركها مهرولا إلى نهاية الزقاق .. تلتفت وراءها فتجد المرأة تقف بنفس الهيئة المزرية .. تستنشق الهواء .. تملأ رئتيها باحثة عن عطر .. تهز رأسها أسفا " لا عطر .. رائحة المياه المختلطة بالأوحال وقاذورات الزقاق
" تطارد الرجل بعينيها ..
تبتسم بمكر وتكمل طريقها .


الدراسة النقدية :

البحث عن الذات انطواء إنساني لازم الإنسان منذ وجوده الأول فهو انطلاق نحــو المجهول و تمحور في دائرة المعلوم و استكناه لأعماق النفس الذي منذ أن هبطت إلى الأرض و هي تبحث عن كيانها و ذاتها ووجودهـــا فلإنسان بطبيعتــه مخلوق طارئ على هذه الأرض و لكنه يحاول التشبث بفكرة البقاء التي جســـدتها الأديان إلى خلود بحسب العمل 0
( درب أم الدويس ) بحث مضني من الكاتبة عن الذات التائهة في تلافيف اللاشعور و في أعماق اللاوعي الذي اختزن الآخر مخلوقاً يتصور وجوده مزاحمـــا له فبـين ( أم الدويس ) الحقيقة و ( أم الدويس ) الخيال يقف الإنسان حائراً باحثاً عن الوجود الحقيقي و الكاتبة سارة النواف في نصها هذا تحاول أن تخرج الأسطورة الشعبية من قمقمها لتحولها إلى واقع اجتماعي إنساني يعكس صورة الإنسان في ذروة مجده 0 فأم الدويس في العقل الباطن لكل إنسان يعيش في أرض الخليج امرأة ساحرة جميلة معطارة يتشهى الرجال التقائها و محادثتها و ( أم الدويس ) في العقل الوعي هي المرأة التي تفجؤك بعيون قطة مخيفة مرعبة و بساقين منجليين يستطيعان قطع الرؤوس و إذا كنا سنتجاوز الحكاية الشعبية الخليجية التي ترسم صورة ( أم الدويس ) بشكلها الأسطوري لننتقل إلى ( أم الدويس ) التي أنشأتها الكاتبة سارة النواف شخصية جديدة تنعكس صورتها في مرآة الواقع فتظهر المرآة لنا صورتين متناقضتين :
الأولى : صورة المرأة الفتاة الجميلة في ريعان أنوثتها و شبابها حيث تبدو زهرة فواحة و قمراً جميلاً و شمساً مشرقة و أنوثة ٌ يشتاق لقاءها الرجال فهي السحر الجذاب الذي يجعل الواقع حلماً و خيالاً جميلاً رائعاً 0
الثانية : صورة المرأة في غياب شمس الجمال عنها و تحولها إلى أنثى ذات عمل بعيدة عن الأعمال الجمالية فاقدة لشبابها و لجمالها و لأنوثتها الراعفة بسبب تراكم السنوات و هذا ما تعرفه المرأة بشكل خاص أكثر من الرجل لأنها تبقى تقف أمام مرآتها صغيرة 00شابة00 كهلة 00 و عجوزاً ، قد تبدو في النتيجة شمطاء 0
إذن صورة المرآة على حقيقتها تعرفها المرآة نفسها و هذا بالذات ما تشكوا منه المرأة بعد تراكم السنين 0
لقد استطاعت الكاتبة سارة النواف أن تجري ( حواراً داخلياً = مونولوج ) بين شخصية المرأة في شبابها و شيخوختها لتبرز حقيقة الجمال الزائل الذي يحول على مر السنين و يضائل بحيث يبدو الجميل قبيحاً و الحسن غير مستساغ بلغة شفافة تحمل في آفاقها و حياً لمعاني أكبر من الكلمات التي رسمت تلك الواقعة و تصوروا معنا ( نقطة اللاعودة ) التي رسمتها الكاتبة في تلافيف قصتها :
(( تبحثين عني ؟؟؟ 000 ولم ؟؟؟ في مثل هذه الليلة 00 الكل يختبئ في بيته 0000 حتى الحشرات تختبئ في شقوق الجدران )) 0
كما أن اللغة التي نقلت لنا هذه الواقعة ارتقت بنا من صدى الحروف إلى أصوات الطبيعة حيث تحول ضحك هذه العجوز الشمطاء إلى صوت يشبه صوت انفجار الرعد (( ضحكت بصوت ٍ عال و سرعان ما اختلط صوتها بانفجار الرعد الذي اهتزت له الغرفة المتهالكة )) 0
و هذا يعني لو ذهبنا نستنطق لاوعي الكاتبة أن إيذان تحول المرأة من مرحلة الشباب إلى مرحلة الشيخوخة يعني تحول الكون و الطبيعة و غضب هذه الطبيعة تعاطفاً مع هذه المرأة التي هي في الحقيقة هي سر الوجود و سر الجمال على هذه الأرض و هذا يذكرنا بصوت الشعراء الجوالين في اسبانيا و بصوت الطبيعة التي تعاطفت مع ابن زيدون بعد أن حدثت القطيعة بينه و بين ولادة بنت المستكفي ، ن بحث الكاتبة عن حقيقة الخلود على هذه الأرض جعلها تتقمص شخصية ( أم الدويس ) نفسها تبحث عن ذاتها ممثلة المرأة بصورتها العامة على هذه الأرض و كأن انطفاء الربيع و عودة الخريف عند أي امرأة يجعلها تصطدم بواقع مُر فتسجل الوصول إلى الدار 000 و في إحدى الحواري يصطدم بها أحد الرجال يتركها مهرولاً إلى نهاية الزقاق 000تلتفت وراءها فتجد المرأة تقف بنفس الهيئة المزرية 000 تستنشق الهواء 000تملأ رئتيها باحثة عن عطر000تهز رأسها أسفاً لا عطر 000رائحة المياه المختلطة بالأوحال و قذرات الزقاق تطارد الرجل بعينيها تبتسم بمكر و تكمل الطريق )) 0
لقد وفقت الكاتبة في رسم صورة المرأة في ربيعها و خريفها محمولة على جناح عنصر التشويق الذي رفع النص إلى مكانة سامقة و إن وقعت الكاتبة في ثلاثة هنات حبذا لو رجعت إليها :
- (( تمعن النظر 00إلى وجهها 00 صدرها 00ساقيها الممتدتان على الحصير ))
و الصحيح الممتدتين0
- (( تقف بنفس الهيئة المزرية )) و الصحيح : تقف بالهيئة المزرية نفسها0
- (( تقاطعها بنفس الحدة )) و الصحيح : تقاطعها بالحدة نفسها 0
و كل هذا لا يفقد النص جماليته الرائعة التي يقف فيها القارئ أمام كاتبة متمرسة
في الفن القصصي 0






الخيال الجامح في البعد الإنساني
في قصة(( دم العذارى ليس لك )) للقاصة : أماني محمد ناصر
الدارسان : حسين الهنداوي ¬ـ حاتم قاسم

القصة : دم العذارى ليس لك
إليك عني... لا تقترب مني، محالٌ محالٌ أن أستسلم لرغبتك الجامحة اليوم...
زُفّت العروس إليك؟؟!! هذا ما قاله أبي... ولكن لا وألف لا... لا يغرّك ما سمعتَه منه...
عشتَ ضياعاً... عثت فساداً...
فلن أرضى أن أكون أماً لأولادك، أو جدة لأحفادك...
درتَ الدنيا أجمعها وأنت تفرغ رغباتك في كل الأماكن، وعندما اهتديت أتيت إليّ...
إلى طفلة لم تتجاوز الـ 16 ربيعاً... لم يلمسها أحد، لم يقبّلها أحد، لم يضمها أحد، لم تلامس شفتاها شفاهٍ قط، لم يستنشق أحد رائحة العذارى منها...
أذهلتك طفولتها وأنوثتها التي بدأت تتشكل في ذاك الوقت...
أدهشك صوتها، بهاؤها، حياؤها،حركاتها، لفتاتها، براءتها، لون السماء في عينيها، سواد الليل في شعرها، بياض الثلج في وجهها، ارتباكها كلما سكبت كوب ماء أو قدّمت لك فنجان قهوة حينما كنتَ تزور والدها!!!
وكم كنتُ أرى في عينيك نظرات لم أدركها إلاّ اليوم... يوم عرسك وانتحاري!!!
إليك عني... لا تقترب مني، محالٌ محالٌ أن أستسلم لرغبتك الجامحة اليوم...
لن أدعك تمارس معي لعبة انزلاق شهواتك بمسامات أنوثتي...
أيها الغارق بالمنكر والشهوات...
أيها المثقل بالآثام والخطايا...
سأحارب شهوتك اليوم ولو وصلتُ معها إلى حدود الموت...
لن أسمح بارتكاب خطيئتك البعد المئة معي...
لن أكون ورقة بيضاء تكتب عليها كيفما اتفق ثمّ تمزقها كيفما تشاء...
لا يغرّك فستاني الأبيض الذي ألبسني إياه أبي اليوم، ففي قلبي سواد أعظم حاقد عليك وعلى أمثالك...
لن أقبل أن أكون الرقم (1) بعد المئة في تفريغ شهواتك...
فلك المحال ولي الانتحار...
اعتقدوا أنني خلعتُ ثوب الطفولة اليوم لكنني لن أتنازل عن ثوب أنوثتي لك...
إليك عني... لا تقترب مني، محالٌ محالٌ أن أستسلم لرغبتك الجامحة اليوم...
جمعتَ مال الدنيا ورميته بين يدي... وأُجبرتُ على اختيارك... أجبرني والدي، ذاك الفقير المعدم المثقل بالديون...
وزُفّت العروس لك... التي هي أنا...
وأُعدمتُ إلى رجلٍ ملوّث بخطاياه، والذي هو أنت...
لقد أماتني أبي الميتة الأولى، وجرح قلبي اليوم بزفّي إليك لكن... لن أرضى الآن بجرح آخر لأنوثتي...
لم أكن أجرؤ على التنفس بهمسة اعتراض عليك أمام والدي... والدي الذي نسف اليوم طفولتي، أنوثتي، عواطفي، وكل شيء بي... كل شيء...وكم بكت أمي لأجلي وهي ترجوه أن يبدّل رأيه...
ولكنّه المال الذي أصمّ آذانه عن نداءاتها وبكائها المستميت...
والآن...
الآن وبعد أن ضمتنا غرفة واحدة كنتَ قد أغلقتَ بابها بطريقة وكأنك تشعر أنّك مازلتَ تسرق الأنوثة سرقةً...
لا وألف لا...
لك المحال ولي الانتحار...
اعتقدتَ أنّك بمالك وجاهك ستشتري أغلى ما تملكه فتاة في عمري...
لا يا سيدي...
ما هكذا دم العذارى يباع...
فدمُ العذارى ليس لأمثالك وليس لك... ليس لك... ليس لك!

الدراســــة النقــديــة :
رأي حاتم قاسم :
(( البعد الإنساني في نص دم العذارى ليس لك ))
في استبار مغاور النفس الإنسانية الجامحة تعتلي صهوة البوح مفردات اللغة لتفرز معطياتها بمرآة صادقة ترسم لواعج النفس ببراءتها و تسطر على صفحاتها ضوء الشمس الذي يأبى الخنوع لسواد الليل و أما بياض الثلج فهو نقي كالياسمين يزجي بعطره أقواس قزح تلون مفردات الرغبة الجامحة بتحول فيزيولوجي يأبى الانزلاق في المطامع المادية ، فأبعاد المشاعر الإنسانية الجياشة ترفض الانصياع لواقع لا يحقق لها التكافؤ بسمته المادية و المعنوية و هذا ما لا تتوقعه القاصة أن يكون زوجها من أتراب والدها فهذه قضية إنسانية تحتاج إلى بحث في هذا العصر الذي أصبح من حق المرأة أن تختار فيه من هو كفؤ لها وكم يترك زواج أصدقاء الآباء من البنات من ارتكاسات نفسية تجعل الفتاة تنظر إلى من هو في عمر والدها و إن كان ذا مال و جاه من الذين لا يقبل عقل المرأة أن يقترن بهم ذلك بعدٌ إنساني رسمته الكاتبة بأبعاده الواقعية الصحيحة 00
(( درت الدنيا أجمعها و أنت تفرغ رغباتك 000
إلى طفلة لم تتجاوز الـ 16 ربيعاً 000
كلما سكبت كوب ماء أو قدمت لك فنجان فهوة حينما كنت تزور والدها 0
و تبقى الكلمات في ارتكاسها الانعكاسي ترسم مشاعرها على صفحة بيضاء حيث أن المال لا يشكل معياراً في مقياس رغباتنا لتحقيق أحلام زائفة لا يجلوها إلا الزمن و لا تصهرها إلا التجارب و تبقى الرهن التي تخطه الكاتبة وسماً على جدران الرغبة :
(( إليك عني 000 لا تقترب 00محالٌ أن أستسلم لرغباتك الجامحة اليوم ))
من حروف كهذه الحروف تصارع الذات ترسم لنا الكاتبة براءة الطفولة بياسمينها النقي و تسجل على صفحاتها الزمن المثقل بالخطايا و لكنها المرآة التي تعكس صفاء النفس لتبلور فكرة الواقع بارتداد الضوء المصقول على حوافها فهي الوردة البيضاء و الصفحة النقية التي تأبى الاستدراج و تشير الكاتبة إلى ذلك بقولها :
(( لن أكون ورقة بيضاء تكتب عليها كيفما اتفق ثم تمزقها كيفما تشاء ))
(( اعتقدت أنك بمالك و جاهك ستشتري أغلى ما تملكه فتاة في عمري 00 لا يا سيدي 00 ما هكذا دم العذارى يباع 000 فدم العذارى ليس لأمثالك و ليس لك 00 ليس لك 00ليس لك ))0
هكذا أرادت الكاتبة أن تعبر عن المعنى الإنساني في الذات البشرية المتمثل في محاولة استغلال أنوثة المرأة من أجل إشباع نزوات الرجل الخارج عن الأطر الإنسانية 0
رأي حسين الهنداوي :
(( المفرد القصصية في نص دم العذارى ))
يفجؤك في نص (دم العذارى ليس لك) للقاصة أماني محمد ناصر هذه الشفافية الواعدة التي تكتنزها مفرداتها القصصية و التي استطاعت أن تحمل أبعاداً إنسانية تصور حقيقة شراء مشاعر الآخرين بحفنة من الدراهم فالمفردة التي استعملتها القاصة على الرغم من كون الموضوع ليس جديد فهو مطروق على مر العصور و على حد قول الشاعر نزار قباني (( بدراهمي 00 لا بالحديث الناعم )) هكذا أراد هذا الرجل الاستثنائي أن يكون زوجاً لفتاة لا ترغب في أن تنظر إليه مع أنها المحاولة التي قد تكون العاشرة من نوعها و التي أرادها هذا الرجل و أراد أن يقتنص منها عواطف فتاة صغيرة كالوردة لم يشم رائحتها أحد ٌ إلى الآن على حد قول الكاتبة 0 و لنلاحظ ما تحمله هذه المفردات من شحنات عاطفية أفرغت فيها الكاتبة موقفها الفكري من هذا الزواج غير المتكافئ و الذي ترى فيه كل الشرائع السماوية و القوانين الوضعية حيفاً و ظلماً للمرأة 0
و هاك أيها القارئ العزيز قول الكاتبة :
(( لم يستنشق أحدٌ رائحة العذارى منها 000))
(( لن أدعك تمارس معي لعبة انزلاق شهواتك بمسامات أنوثتي ))
(( لن أكون ورقة بيضاء تكتب عليها كيفما اتفق ثم تمزقها كيفما تشاء ))
(( اعتقدوا أني خلعت ثوب الطفولة اليوم 00 لكنني لم أتنازل عن ثوب أنوثتي))
(( الآن و بعد أن ضمتنا غرفة واحدة كنت قد أغلقت بابها بطريقة و كأنك تشعر أنك ما زلت تسرق الأنوثة سرقة ))
(( لا يا سيدي ما هكذا دم العذارى يباع 00 فدم العذارى ليس لأمثالك و ليس لك))0
فإذا تفحصنا ما تختزنه هذه المفردات الشاعرية في المقتبسات السابقة نجد أن الكاتبة استطاعت أن تنتقل من لغة الحقيقة إلى لغة المجاز حاملة إيانا على بساط ريح أخضر يرينا فضاءات الأنوثة على حقيقتها 0
فقولها ((لم يستنشق أحدٌ رائحة العذارى منها 000)) يحيلنا إلى غابة روحانية تفوح منها كل الأطياب الزكية التي تتمثل في الأنثى فالمرأة و كما خلقها الله هي الرائحة الطيبة و الخصوصية هنا لكلمة رائحة العذارى التي تدل على لؤلؤة مكنونة ما زالت مختبئة في صدفتها لم تصل إليها يد إنسان 0
إذن لو تصورنا مع الكاتبة رائحة الأنوثة و جمال اللؤلؤة بعد أن نكشف عنها غطاءها لأصبنا بصعقة جمالية و هذا ما عبر عنه القرآن الكريم بقوله في وصف نساء الجنة : (( وحورٌ عين كأمثال اللؤلؤ المكنون )) الواقعة ( 22-23 )
و هذا يعني أن لدى الفتاة مخزوناً جمالياً يكمن في عذريتها على عكس كثير ممن يدعون غير ذلك 0
أما قولها : (( لن أدعك تمارس معي لعبة انزلاق شهواتك بمسامات أنوثتي ))
و هذه أيضاً مفردات عبرت بها الكاتبة عن مكانة الشهوة لدى الرجال فهي مكانة عظيمة إذا ما صانها صاحبها و لكن تتحول إلى صخرة مخيفة تنزلق من أعلى إلى أسفل واد ٍ إذا ما أرادها الرجال أن تكون في غير مكانها الحقيقي 0 و الأجمل من ذلك أن انزلاق هذه الصخرة سيكون إجبارياً في مسامات أنوثة المرأة و هذا ما نسجله للكاتبة في المستحيلات غير الممكنة و التي نضيفها إلى المستحيلات السبعة إذ كيف بالصخرة أن تنزلق داخل مسام جلد المرأة ( و هذا يعني بالمفهوم الشعبي زواج الرجل عنوة بالمرأة ) و لا أعتقد أن هناك شيئاً أكثر كرهاً للمرأة من أن تتزوج ممن لا ترغب به و هذا ما وفقت الكاتبة في التعبير خيالياً عنه و إن كانت صورتها المجازية ( انزلاق الصخرة في مسام الجلد تناظر دخول الفيل في ثقب إبرة على حد قول الشاعر سميح القاسم أو على حد العبارة القرآنية التي فتحت هذا الأفق أولاً :
(( إن الذين كذبوا بآياتنا و استكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء و لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط و كذلك نجزي المجرمين )) 0
أما قولها : (( اعتقدوا أني خلعت ثوب الطفولة اليوم 00 لكنني لم أتنازل عن ثوب أنوثتي))
فإن القاصة عبرت عن أنوثتها الحصينة بالثوب السابل الساتر الذي يغطي معالم جميلة و هذا يعني أن القاصة تصر على أن الأنوثة كنز ثمين و هذا يرتد إلى الصورة الأولى صورة الأنوثة ( العذرية اللؤلؤة المختبئة في صدفة محكمة )0
و أما قولها (( لن أكون ورقة بيضاء تكتب عليها كيفما اتفق ثم تمزقها كيفما تشاء)) فإن القاصة عبرت عن موقف إنساني يمثل حرية المرأة و إمكانية تصرفها في حياتها بحسب المنطق الذي يعود عليها بالنفع و السوية و هذا الزمن الذي كان فيه الرجال يكتبون ما يشاءون على النساء قد ولى مع أن جميع الشرائع السماوية ترفض ذلك فالمرأة صنو الرجل لها ما له و عليها ما عليه 0 و الأجمل أنها عبرت بكلمة ((كيفما اتفق و كيفما تشاء )) لتدلل بما الزائدة على أن الكثير من أفعال الرجال في حق النساء هي أفعال من صنع شهوات الرجال و عواطفهم و ليست قانوناً يجري على النساء لصالح الرجال فالمرأة ورقة بيضاء حقيقية أو لنقل وردة بيضاء نستطيع أن نرسم عليها جمال المنطق إذا ما أشرعت هذه المرة بحرية أفقها لنا أما أن نفتح الورقة و نكتب ما نشاء ثم نمزق
ما نشاء فذلك على حد قول القاصة عمل ليس له أصل 0
هذه المفردات الموحية إيحاءً خيالياً واسعاً تدلل على قدرة الخيال القصصي عند القاصة أماني محمد ناصر على اصطفاء الصورة الأدبية و إبداعها إبداعاً حقيقياً
يجعل من قصتها في الطبقة الأولى من القصص العربي المعاصر 0 و إن كنا نأخذ على الكاتبة بعض الاستعمالات السوقية التي يعبر عنها العامة بشكل يومي
و التي لا تبخس من مكانة القصة و لا تؤثر على تبوئها المكانة العالية في الفن القصصي 0
( و كم كنت أرى في عينيك نظرات لم أدركها إلا اليوم000 يوم عرسك و انتحاري ) و عبارة يوم عرسك و انتحاري عبارة شعبية قلقة من حيث الصياغة
و قولها ( لن أسمح بارتكاب خطيئتك بعد المئة معي ) كذلك القلق اللغوي الصياغي ينتاب عبارة بعد المئة 0
و بعد فإننا – الدارسين – نرى مع الكاتبة أن سرقة الأنوثة هي أفدح من سرقة أي شيء آخر و هذه سابقة تسجل للكاتبة على التفاتها لهذه القضية الحساسة التي يأبى الضمير الإنساني أن تتحول فيه الأنوثة إلى سلعة مادية يختلسها الآخرون 0





0

عذرية الحب و تشظي الأمل
في نص ( قبلة عاشقة ) للشاعرة العمانية : هاجر البريكي
الدارسان : حسين علي الهنداوي – حاتم قاسم

النص الشعري :
قبلة عاشقة
شعر : هاجر البريكي
27_8_2007م


تُرَفرِفُ حَولَ القَلبِ لَيلاً شَـواردُ
وَتُشعِلُهَا شَوقَاً إليكَ الـــوَسَـــائِــدُ

أحُـــــطُّ عَلى جَمـرِ الحَنينِ غِوَايَةً
وَأصعَدُ فِيْ كَـــفِّ المَسَـــاءِ أُكَـابِدُ

فذَلِكَ بُــــعــــدٌ لا أرُومُ عَــــذَابَــهُ
وَذَلِكَ عِشــقٌَ لِــلـــفُــــؤَادِ يُعَاوِدُ

رَعَتكَ يَـــدُ الآمَـــــالِ لمَّا تَزُورُنِيْ
ولَيلٌ عَميقٌٍ أطْــــــوَلُ الخَطو سَائِدُ

أُقبِّــلُ مِنكَ الطَّيفَ حَتَّى أخَـــالَـــهُ
مِنَ الشَّوقِ قُربِي فِي المَنَامِ يُرَاوِدُ

تُــبَـادِلُنِي حُبَّاً وَأَنـــتَ مُــــوَدِّعِي
وَتَقتُلُنِي شَــــوقَــــاً وَأنــتَ تُبَاعِدُ

أرَاكَ تُمِيطُ البُعدَ مِنْ تَحتِ لَهفَتِي
وَيَأخُذُنِي شَوقٌ حَمِيمٌ وَرَاعِـــدُ

فَأَمطِرُ فِي الآهَـاتِ ليلاً يَضُمُّنِيْ
كَمِلءِ سَحَابِ الغَيثِ غَيثَاً أُزَايِدُ


حَنَانَيكَ رُوحِيْ إِنَّ رُوحِي وَحِيدَةٌ
وَقَـدْ طَوَّقَتهَا فِي الغَرَامِ القَـلائِـدُ

حَبِيبِي وَهَلْ فِي الحُبِّ غَيرُ حِكَايَةٍ
رَوَتهَا عُيُونِي إِذْ رَوَتنِي القَصَائِدُ

أنَا قُبلَةَ العُشَّاقِ مَوطِنِيَ الهَوَى
وَجِئتُ بِقَلبٍ لا تَـــرَاهُ الشَّـــدَائِدُ

غَلَبتُ عَصَـــا الأيَّـــامِ حَتَّى كَأَنَّنَيْ
مَنَ الحُبِّ قَدْ أَصغَتْ إِلَيَّ الشَّوَاهِدُ

حَفِظتُ هَــوَاكَ المُستَحِيلَ وَأدمُعِيْ
رَعَتهَا بِحُضنِ الصَّبرِِ فيَِّ سَوَاعِدُ

فَإِنْ كُنتَ تَبغِيْ فِي الوِصَالِ سَعَادَةً
فَـأنِّي وَرَبِّي للــوِصَــــالِ أُجَــاهـِدُ

وَلَكنَّ صَمتِي حَالَ دُونِي وَدُونَ أنْ
أُوَزِّعُ فِي لَــيــليكَ بَـــوحَــاً يُنَاشِدُ



الدراسة النقدية :
حينما تتحول العذرية إلى ملف عشق جديد تكتب حروفه على جدارية زمن صعب كهذا الزمن الذي نعيشه يعود إلى الذاكرة المطوية البعد الوجداني الحقيقي للروح العربية التي أشعلتها في وادي القرى قبيلة عذره و التي تعد الرائد الأول في عالم الحب الصادق الذي لا تشوبه شوائب الزمن ولا يكتسي بنظرات النفعية و الجسدية التي قد تحول هذا الحب إلى مسرحية يمثلها العشاق المعاصرون برسوم و أشكال لا بأرواح و معاني ( قبلة عاشقة ) هي تلك الملحمة الوجدانية التي ترفرف من جديد في عالم الشعر العربي المعاصر مع أن لغة العشق العصرية التي نعيشها بدت هذه الأيام عند الكثير من الشعراء تهتم بالجسدية و الشكلية و تبتعد عن الروح الحقيقية لمعنى الإنسان الذي يحاول أن يكون إنساناَ 0
ليس غريبا على بوابة الشعر العربي أن تمتشقها قامة جديدة من قامات الشعر النسائي الذي أسست له حدائق الزهراء في الأندلس أفاقاً لا محدودة و رسمت له
منظوراً طلقاً كونته سحب الوجدان النسائي الذي ما فتئ إلى يومنا هذا يرسم عواطف و خلجات حب صادق ففي قافلة الشعر العربي أسماء كثيرة عبرت عن واقع العواطف الإنسانية عند المرأة كما هو الحال عند ولادة بنت المستكفي وزينب بنت زياد الوادي آشي وأختها حمدة،ونزهون الغرناطية، واعتماد الرميكية –وحسانة التميمية- وحفصة بنت حمدون- ومهجة القرطبية، ومريم بنت أبي يعقوب الأنصاري وغيرهن ممن تناثرت أخبارهن وأشعارهن في كتب الأدب والتاريخ، والتراجم. ونحن حينما نتحدث عن الشعر النسائي تبرز العواطف الخلاقة التي تؤطرها روح المرأة الصادقة اتجاه من تبادله عواطفها و قد كانت ولادة تخط على ثوبها من جهة الطراز الأيمن ما يعرفه الجميع من قولها :

أنــا والله أصلــــــح للمعالي ........... وامشي مشيتي وأتيه تيها
وتخط على الطراز الأيسر:
وأمكن عاشقي من صحن خدي .......... وأعطي قبلتي من يشتهيها

وهي بذلك تعبر عن روح المرأة العربية التي تأبى إلا أن تكون في المنزلة العالية
و النص الذي بين أيدينا و الموسوم بعنوان ( قبلة عاشقة ) نموذج من الشعر العربي الذي تتناثر منه وجدانيات المرأة العربية التي ما زالت تخط على جمر الحنين حكايتها المتماهية مع ليل الصمت العربي الذي ما زالت فيه أصوات المرأة تبرز على استحياء و كأنها لا تستطيع أن تعبر عن عواطفها إلا من خلال شفافية رائعة ترسم صورة المرأة السيدة و المثال 0
ولو عدنا قليلاً إلى المدرسة العذرية التي أسس لها الشعراء العذزيون في وادي القرى لوجدنا أن نص شاعرتنا لا يعدو أن يكون إلا صورة جميلة لذلك الشعر وما ذاك إلا لأن الشاعرة تمتلك حساسية مرهفة حيث تمطر في أهات ليلها خيالاً يضمها و يبدو سحاباً يمطرها بأمطار الحب الموعودة و كأنها تقف أمام قيسها لتعبر له عن تعلقها بهذا الطيف الماثل أمامها :


تُــبَـادِلُنِي حُبَّاً وَأَنـــتَ مُــــوَدِّعِي
وَتَقتُلُنِي شَــــوقَــــاً وَأنــتَ تُبَاعِدُ

أرَاكَ تُمِيطُ البُعدَ مِنْ تَحتِ لَهفَتِي
وَيَأخُذُنِي شَوقٌ حَمِيمٌ وَرَاعِـــدُ

فَأَمطِرُ فِي الآهَـاتِ ليلاً يَضُمُّنِيْ
كَمِلءِ سَحَابِ الغَيثِ غَيثَاً أُزَايِدُ
ومن بوح حروف الشاعرة نلمس أهات الحنين التي تبدو جليه في حروفها و التي تختبئ وراء عباءتها العربية يد الآمال و جمر الحنين و نبض الشوق و طيف الحبيب الذي يرتسم في الأفق البعيد

حَنَانَيكَ رُوحِيْ إِنَّ رُوحِي وَحِيدَةٌ
وَقَـدْ طَوَّقَتهَا فِي الغَرَامِ القَـلائِـدُ

حَبِيبِي وَهَلْ فِي الحُبِّ غَيرُ حِكَايَةٍ
رَوَتهَا عُيُونِي إِذْ رَوَتنِي القَصَائِدُ

أنَا قُبلَةَ العُشَّاقِ مَوطِنِيَ الهَوَى
وَجِئتُ بِقَلبٍ لا تَـــرَاهُ الشَّـــدَائِدُ

حقاً إن الشاعرة تبدو متعلقة بذلك الطيف الذي يبدو لنا و كأنه وهم لا يتحقق في هذا الزمن الصعب على الرغم من كونها قد مدت حبلاً للشاعر العباسي ابن زريق البغدادي فإغترفت من بئره لواعج الشوق و الحنين و جعلته أنوذجاً لها في بعث العواطف الصادقة اتجاه الآخر 0
نص لا يخرج عن لإطار المدرسة العربية الأصيلة في إبراز المعاني و الصور تغلب عليه العاطفة الصادقة و المشاعر الحساسة التي حملتها إلينا الشاعرة من خلال ثنايا حروفها فهي على الرغم من صدقها قد حولت نصها إلى عاطفة جياشة بعيدة عن الأفق الصوري الذي لا يمكن أن يكون له وجود في حالة كون الشاعرة ترسم عواطفها بصدق ناهيك عن أن مفردات الشاعرة قد استلتها من قاموس الثقافة الشعرية العربية و لم تحملها أبعاداً أخرى و كم كنا نتمنى أن تفجر هذه الشاعرة عواطفها من خلال تفجير المفردات التي برزت لنا بصورتها التقليدية على استحياء من أن تظهر كعرائس بحر جديدة تتراقص على شطآن بحر عمان 0
و إذا كانت الشاعرة تنتمي من حيث المعاني و العواطف إلى المدرسة الرومانسية إلا أنها بقيت تلميذة نجيبة للمدرسة الكلاسيكية العربية من حيث الصياغة و الأسلوب و كم كنا نتمنى من الشاعرة أن تجمح بخيالها باتجاه أعماق أخرى لصورة الحب الإنساني الذي يمثل واقع الحياة الفاعلة في عصرنا الحاضر
قامة سامقة في الشعر العماني و الشعر العربي تنثر سعف نخيلها على امتداد مساحات واسعة من واحات النخل الشعري العربي 0
و إذا كان النص الذي بين أيدينا يمثل حكاية لامرأة تبحث عن أنموذجها الضائع فإنها تبدو صورة أخرى لعواطف شاعر سفك مشاعره بعداً عن خيال زوجته فقد كان ابن زريق البغدادي أحد النماذج الشعرية العاطفية التي رسمت لوحة البعد عن الحبيب بصورتها الواقعية حين يقول :
لا تعذليـــــــه فإن العذل يولـــعه ...... قد قلت حقاً و لكن ليس يسمعه
جاوزت في نصحه حداً أضر به ...... من حيث قدرت أن النصح ينفعه
و إذا كان ما خطته الشاعرة في أبياتها مشاعر شفافة فإن ما خطه العباس بن الأحنف هو صورة عربية للحب الأصيل الذي لم يتنازل عنه العربي ما حنت الإبل إلى مرابضها :

كتبت كتابي ما أقيم حروفه ........................ لشدة اعوالي و طول نحيبي

أخط و أمحو ما خططت بعبرة ................ تسح على القرطاس سح غروب






نشيج الروح و تشرذم الحزن
قراءة في نص ( حمائم الفجر ) للأديبة حوراء آل بورنو
الدارسان : حسين علي الهنداوي – حاتم قاسم

حمائم الفجر
تسرب من بين رموش عينيّ تسرب رمل ، و هرب هروب مخلوع الفؤاد ، فغدا أثراً بعد عين ألا من هدأة فرّخ فيها شجني .
و بزغ النور ، و سكبت الشمس ضياءها في كل الزوايا حتى ملأت فراغ وحشتي .
حملتني الخطا حيث التقيتك ضاحكاً ، و قادني المسير إلى مغذى الحمائم ، و الخير يملأ الأرض . وقفت أرقب رفيفها يطرز السماء بزخارف لا شكل لها ما خلا رسم لحياة طير يغدو خماصاً . و السمع مني لا يعي غير هديل أعجمي و هديل آخر لروح تنشد الحياة بي و لي .
سكنت مني النفس و الأعضاء ، فأمنتْ ، و الأرض تغري الحمائم بما يشبع الحواصل ، فبدأ بالهبوط أمامي جوعا و فرحا ، واحدة ، اثنتان ، و أختهما ثم العشيرة . سبحانه المولى الأجلّ ؛ خلق و أبدع فأتمّ ، طير يشرب سواد قوادمها بياض خوافيها فلا أسود كالح و لاأبيض يقق ، تعلو بحثاً و تهبط فوزأً ، حتى إذا لا مس الطرف منها أديم الأرض رأيت أبرع ملاح يستقر على أرض زلقة ، فتشتري الصورة مني الضحك عجباً و لين الجوارح إشفاقاً .
و تتجه العين نحو الحبة و القمحة ، فيتحرك الرأس منها و المنقار و يتبعهما جسدها الصغير ، فتبدأ بالنقر و التقاط الحب مرة بعد مرة و كأنها حائك يغرس أبرته في نسيج الأرض و يسرع في انتزاعها ليرفو رتقاً أو يوشي ثوباً غير أن الوشي يضع أحجاراً و الحمائم تنزع حبوباً .
ويدعوني السرب أن أقبلي ، فأهرول نحوه يدفعني غروري أني الأكبر ، فيطير فزعاً و أضحك فرحاً ، فما أجمل انتشار الأجنحة خافقة ترى رجفها و تشم رائحتها . تأملتها مبتعدة في كل اتجاه ، و ضجيج هديلها يلوث المكان ، و لكنها سرعان ما عادت كرة أخرى ؛ واحدة ، اثنتان ، و أختهما ثم العشيرة . و عدتُ أنظر ، فإذا بها تتجه نحوي محلقة إلى أعلى و أنا أهبط فزعا بجسدي إلى أسفل ، توجعت مني النفس ، و وجف القلب ، فقد علمتُ أي حرية تملكها تلك الطيور و لا تملكها حرة .


الدراسة النقدية :
حينما يتحول الأفق الإنساني إلى دوائر من القيود تلقي بآفاق الذات في بحر متلاطم الأمواج تتحول الحياة إلى جحيم مبتسر يلذع الروح بجمرات القيود الإنسانية 0
الحرية كما يفهمها الأدباء لا تكون إلا طيراً محلقاً في آفاق السماء يتنقل بين البوادي و الوديان و يجوب النجيع و القفار باحثاً عن ألق الروح التي لا يمكن لها إلا أن تتنقل في أفق لا منظور 0
و إذا كان العصر الذي نعيشه قد تحول إلى كومة من الجماجم إمعاناً في حجر العقل و كبح الإرادة و التضييق على النفس فإن الحياة تبدو فتاتاً من الألم يقتات به الإنسان منتظراً ساعة الخلاص و لا تعني له كلمة الموت إلا عالماً جديداً يبحث فيه عن أفق آخر 0
هل يجف القلب و هل تتوجع النفس ؟؟ و هل يمكن للذات البشرية أن تمتلك حريتها فتسبح في عالم ملؤه المحبة و الخير و الإنسانية 0
الأدباء وحدهم أولئك الذين يهيمون في عوالم الخيال و هم من يعقدون صفقات من الصداقة مع حريتهم و لكنهم لا يجدون أنفسهم إلا في عالم الخيال 0
أن تكون حراً فيعني ذلك أن تكون حياً فلا حياة بلا حرية و لكن تلك سمة العاجزين الذين يختلسون من الإنسانية أجنحتها 0
و هذا النص الذي بين أيدينا ( حمائم الفجر ) للأديبة حوراء آل بورنو و الذي يتأرجح بين الخاطرة و المقالة و تتقاذفه موجات أدبية الأسلوب و علميته يبدو حاملاً في طياته رمزية مستغلقة تنبعث منها روائح البحث عن المجهول و لكنه مهم من وجهة نظر الكاتبة و قد مثلته عبارتها الأخيرة التي أفصحت عن مكنونات ذاتها و رسمت هدفها المنظور حين قالت ( حرية تملكها تلك الطيور و لا تملكها حرة ) و هي بذلك تشير إلى البحث المضني في صحراء الذات الإنسانية عن فسحة أمل تكون من خلالها الكاتبة طائراً يحلق مع حمائم الفجر التي بدأت حياتها من خلال القيود و ليس المهم كما تشير الكاتبة هو ما يشبع الحواصل فهناك حاجات أخرى تحتاج إلى أن تؤطر الذات البشرية على رأسها أن يعيش الإنسان حراً كما أراد (السمع مني لا يعي غير هديل أعجمي و هديل آخر لروح تنشد الحياة بي و لي ) 0
و إذا ما حاولنا تتبع خطا الأديبة في نصها الجاف أحياناً بكلماته و الرمزي أحياناً أخرى بعباراته و الموحي تارة أخرى بفقدان الحمامة البشرية لحرية التنقل الفكري فهي من خلال رمزيتها تبدو أسيرة لواقع مر ناء بكلكله على أدباء العرب بأجمعهم فحول الجناح البشري إلى ملتقط لفتات الحبوب المتناثرة و كأنها تريد أن تقول أن المرء يمكن أن يكون صانعاً لعوالم أخرى لا يتدخل بها وحوش الليل و ذئاب الحياة
(طير يشرب سواد قوادمها بياض خوافيها فلا أسود كالح و لاأبيض يقق ، تعلو بحثاً و تهبط فوزأً ، حتى إذا لا مس الطرف منها أديم الأرض رأيت أبرع ملاح يستقر على أرض زلقة ، فتشتري الصورة مني الضحك عجباً و لين الجوارح إشفاقاً . )
و المتصفح لما قالته الكاتبة يجد سوداوية قاتمة ترتدي ثوب الحزن و تعيش في فراغ البحث عن الذات و الحرية المفقودة و لذلك جاءت كلماتها متشحة بالسواد
( هروب مخلوع الفؤاد - ملأت فراغ وحشتي - السمع مني لا يعي غير هديل أعجمي - طير يشرب سواد قوادمها - توجعت مني النفس- و وجف القلب )
و بقي أن نقول إن بين ضجيج هديل الحمام الممثل للحزن العربي و همسات الكاتبة الحزينة التي تريد أن تصعد بسريها إلى إعلى وشائج قربى إنسانية فالكترا العرب الخنساء قد أسست للأدب النسوي حزناً لا ينقطع أساه 0
نص يحمل رمزية مستغلقة تحتاج إلى قراءة نفسية متعمقة لسبر أعماق الكاتبة 0






شهقة الغياب بانتظار الرجوع
ملحمة هابيلية تنتظر الثأر من الغياب الاغترابي
قراءة في مجموعة ( الغريب و أنا ) للشاعر ماهر رجا
بقلم : حسين الهنداوي - حاتم قاسم

تلك هي مأساة شعب فلسطين 0000 ( اطمأنوا إلى امتلاء الجوابي بالماء 000 تركوا أباريق الشاي و كراسي القش في ساحات البيوت 000 قبلوا ظلالهم على الجدران 000 ثم حملوا مفاتيح البيوت ، لأنهم ببساطة كانوا يظنون أنهم راجعون غداً ) بهذه الكلمات ملأ الشاعر خوابي الاغتراب بمخابئ الهواء راسماً من خلال غربته أفاقاً لا متناهية للحزن الذي لم يستطع أحد على هذه الأرض أن يفك رموزه 0
( الغريب 00و أنا ) قافلة من الحزن و الصمت الموجع تلف الروح الإنسانية و تتساءل كلما حل الظلام هل يمكن لفجر جديد أن يفجر هذا الحزن الذي تحول إلى أشجار زقومية يتجرع من ثمارها شعب ألقي به على أرصفة الطرقات و تقاذفته أحذية الزعماء و كأن الليل قد أطبق على روح الفجر 0
والشاعر في بوحه الشعري يعيش غربة الحرف ( الإجزميه 000 نسبة لقريته ) فتنطبع على ذاكرته معالم قاتلة يبني منها مفرداته الساخرة 000فقرية اجزم التي عاشت في ذاكرة الشـــــاعر كانت تراثا خصـــــبا لغربته التي تعنون بها ديوانه
( الغريب 00و أنا ) و التي يرسمها سكك قطار مختلفة تلقي بأعبائها على محطات مختلفة صنعتها الغربة التي عانى من ويلاتها الفلسطيني المشرد
و ديوان الشاعر الذي يتقلب بين مجموعات الغربة المتشظية ( غرباء – صور – إشارات الغائب – مطر – مخابئ الهواء – النهايات ) و بين أحلام العودة المأزومة
تنبثق من خلاله صور الأمومة التي تمثل الجذر الأول للاغتراب و التي ظل الشاعر يعيشها حتى في منامه و كأن الوطن قد توحد بها إنها تتمثل في مدن فلسطين التي عبرت الذاكرة دون أن تعبرها الأقدام و التي بدأ الشاعر بها محطة أولى في ديوانه
و كأن الأم و الوطن جناحا عصفور وحدا سيف واحد لا يمكن لأحدهما أن ينفصل عن الأخر أو أن يعيش دونه أمومة انطبعت بصورة الوطن و صورة وطن انطبعت بابتسامة أم و لكنها غريبة :
لأمي العجوز التي أخفقت في الرجوع إلى أهلها
هنالك بيت وراء التلال على سنبلات ثلاث
و شمس تنام كقط أليف ٍ
لأمي الغريبة في الذكريات
وقوف القرى ذاهلات

و هذا ما ترجمه الفعل ( أخفقت ) و جمع المؤنث السالم ( ذاهلات ) ليطير بصمت إلى وادي الحزن العربي الذي لف الروح الفلسطينية المشردة و كأن الزمان قد تحول من خلال ذلك إلى مشرحة من صمت تجزر فوقها الأمومة الفلسطينية التي يسيل دماء أطفالها دون أن يجد ولو مطالب واحد من أبناء العروبة بهذا الدم المطلوب
و ثمة غربة أخرى تنبثق من أحضان ( أنا 00 الشاعر ) التي دفن ذكرياتها في أعماقه و التي تلتهب قدراً من الحزن يغلي بصمت كما يغلي حصان امرئ القيس
و الذي ينتظر أن يحمل من فوقه سيفاً يعيد للروح معناها 0
ثمة أخر
يأخذ أحياناً صوتي
و ينادي أسماء لا أعرفها
و يغني بحنين عن بلد في أقصى الدنيا
ليس خيالاً
لكن 000 مثل خيال
ثمة أخر يمشي خلفي
يمشي فوق الخطوة قربي
يدلف في أوردتي
مثل حرير الطيف
إنها مخابئ هواء كما سماها الشاعر نفسه 000 دوامة من الصمت 00 دوي من الحروف المتناثرة 0000 أجوبة لأسئلة غير مطروحة 000 فالغربة تطرح أفاقاً لا أفق لها و تستدعي معاني لا سعة لها 00 و تسفه أحلاماً لا تخطر في بال مسافر أو مقامر 000 ينادي ليفتح بصوته ممر الغبار 000 فالنخل على سور بغداد أعمى 00
فقد فقأت العروبة كما يرى الشاعر عينيها ( الأوديبية ) :
هنا النخل أعمى
هنا الأفق أعمى
هنا الخيل عمياء
و نحن نسير معاُ في الجنازة
نحو مقابرنا في العماء
وهل تحول العماء عند الشاعر إلى أداة فاعلة تكون منه عرافة تبحث في فنجانها عن مستقبل خارطة الوطن التي بدت ممزقة بين أنياب و أظفار الذئاب البشرية و التي أدخلت الكثير من الشعوب في دهليز الغربة بحثا عن البداية 0
أخط على الرمل باباً
لأدخل منه إلى غربتي
أنادي ليفتح صوتي ممر الغبار
غداً في ذهول الحكاية
يأتي الرعاة من الغيم كي يحملوني
إلى شجر في الأعالي
فكما هي العيون مرايا الألم تجسد ملامح المتعبين 000 يكون المشهد موج يصفق للفاتحين 000 لغة تؤطر الذكيات في كينونتها التي تبحث عن بوابة في طريق طويل 000و يسقط الشاعر في نصه ( عند تمثال المتنبي ) صورة العروبة المبعثرة التي تمزقت في ليل مظلم هبت رياح عاتيه

قرب تمثال أبي الطيب المتنبي
العدو لجندية
هاهنا شاعر العرب الغابرين
وكان اللعين يظن الكلام نبيا
فتضحك أردافها في يديه
و تلوي الحروف

هذه هي صورة المجموعة الشعرية الوجدانية ( الأنوية ) التي بدت فيها ( أنا) 00الشاعر بصورتها العارية أمام كاميرا الغربة التي لونت عيون الشاعر بسواد الحزن الإنساني و لكن هذه المجموعة و إن كنا نقترح على الشاعر أن يحذف الواو قبل كلمة أنا من العنوان ليصبح ( الغريب 00 أنا ) و التي تبدو فيه الواو عقبة كأداء في مدخل الديوان الشعري 000 هذه المجموعة التي اعتمد فيها الشاعر على نظرية ( ترامح الحواس ) حيث تراشقت صور الشاعر المتلاطمة الأمواج برماح الغربة التي عاشها الشاعر في مفرداته 000 شعر نثري أو كما يحلو لمن يسميه قصيدة النثر و أفاق فنية لنصوص تحاول أن تقول ما لم تقوله أعماق الشاعر بلهجة كأنها تنحت في صخر من المفردات التي تتحول في النصوص لإلى ثمار ناضجة تلتقمها الأيدي الواعدة 0






انطوائية الروح و تفتق الذات العاشقة
قراءة في نص ( إسراء ) للشاعرة بهيجة مصري إدلبي
الدارسان : حسين علي الهنداوي – حاتم قاسم
إسراء
من لي إذا الداء مني بي سرى الداء
و هم بالقلب عشق فيه إغواء
أخفيت بي ما سرى بالغيب فانكشفت
نوافذ الروح لي و الكشف إخفاء
كأنما أسطر ما خطها قلم
فاضت من اللوح و الألواح خرساء
حملت ما لو بدا للناس حل بهم
من الصبابة أشياء و أشياء
فالعشق إن شاء يخفي سر نشوته
و السر لا ينجلي كشفاً لمن شاؤوا
نفنى كما النهر يفنى في عذوبته
إن الفناء به فيض و إفضاء
حملته فارتدت روحي مسافتها
و غبت عني وما للروح ميناء
حل الهوى في دمي سراً ليقتلني
فحل لي منه بعد القتل إحياء
يا غائباً قد بدا في غيبه شغفي
و في الخفاء مرايا غبها الماء
وما بدا من هوى مني بلا صفة ٍ
فاق الذي قد بدا و الروح عمياء
نزلت في منزل حفته عتمته
و العتم في معجم الأرواح إبداء
فماد بي شغفي حين استوى بصري
ورحت أبصر و الأشياء أسماء
حارت بك الروح و الأشواق منزلة
فضمها للرؤى في الليل إسراء
كأنني و المدى حرف أذوب به
و الوجد من نوره وحي و إيماء
أطاوع الشوق يعمى حين أبصره
و تنطوي في مدار الروح آلاء
في القرب يمنحني بعداً يقربني
و البعد في العشق إدناءُ و إغراء
ورددت أضلعي و الحال في وله
ما قض صحوتها و الصمت إعياء
مشتاقة فاضت الأشواق من ولهي
و فجوة الآه في الأعماق ظلماء
وذلني ولهي فيمن ولهت به
إن الأعزّا إذا اشتاقوا أذلاء
الدراسة النقدية :
إن الروح الإنسانية حين تدلف في عالم الصمت بحثاً عن نظيرها تتخطى حدود المعقول و تسري بين تناغم السحب لتقول كلمتها في أعماق الفضاء اللامتناهي 0
تلك هي صورة الإسراء الإنساني المنطلق بخطى وئيدة بحثاً عن الذات و كأن لرجع صدى أصوات الصراخ المخنوق نغمات شجية تبعث في النفس الحزن و الانطواء و تعمر خريطة الفضاء بآفاق إنسانية جديدة 0
ليس جديداً علينا أن تسبح الروح الشاعرية بعيداً عن عالم الأجساد لترسم صورتها الملائكية في عالم الأرواح ذلك أن هذه الأرواح جنود مجندة تتوافق حينما تجد مرآة ذاتها ترسم صورة الآخرين عليها و الشعر العربي زاخر بانطلاقة الروح في فضاء الخيال و الشعراء كما هو معروف وحدهم من يسبح في أودية الخيال اللامتناهية و قد عبر عن ذلك القرآن الكريم حينما يقول : ( ألم تر أنهم أنهم في كل واد ٍيهيمون ) و يشارك الشعراء في هذه الخاصية شطحات الصوفيين التي تحمل الروح إلى آفاق ليست بالمنظورة 0
إذاً هناك قناة اتصال بين الشاعرية و الصوفية فكلاهما يهيم بالروح في عالم يصنعه الخيال البشري بحثاً عن الخلود 0
و النص الذي بين أيدينا هو شطحة من شطحات الصوفية أو قل الخيال الشعري الصوفي الذي أسس له ابن الفارض و السهروردي و ابن عربي حين انطلقوا في رسم عالم آخر لا تعيش فيه إلا الأرواح كيف لا و هذه الأرواح تخط بأقلامها الشفافة على الألواح الخرساء كما تقول الشاعرة حيث الكشف إخفاء و حيث تبدو نوافذ الروح مشرعة آفاقها في وادي الخيال الإنساني :
أخفيت بي ما سرى بالغيب فانكشفت
نوافذ الروح لي و الكشـــف إخفـــاء
كأنمـــا أســـــطر ما خطهـــــا قلـــم
فاضت من اللوح و الألواح خرساء
و كأنما الشاعرة تريد ان تعبر عن حالة الوجد الروحي الذي تعيشه في داخلها فهي تشف دون أن تصف و هي على حد قول المتنبي الذي صرح بذلك معلناً عن وجده الداخلي :
القلب أعلــــم يا عـــذول بـــدائه ......... و أحق منك بجفنه و بمائه
فومن أحب لأعصينك في الهوى ......... قسماً به و بحسنه و بهائه
أو على حد قول ابن الفارض :
هو الحب فاسلم بالحشا ما الهوى سهل............. فما اختاره مضنــى به ولـــه عقل
فمن لم يمــــت في حبه ولم يعــــش به ............ ودون اجتناء النحل ما جنت النحل
و كأنما أسرارها الخفية تفضي إلى كلمتها الندية أشواقها الحارة التي أحرقت أضلعها من شدة الوله الذي تعيشه :
ورددت أضلعــي و الحال في وله
ما قض صحوتها و الصمت إعياء
إذاً نحن أمام حالة صوفية جديدة ترسم حالة حب إنساني و تتدفق من خلالها حالة الوجد الإنساني الذي يمثل (لا وعي) الشاعرة الذي ما فتئ أن صرح بالحالة الاستثنائية التي قذفها وعي الكلمات في ذيل القصيدة :
( اشتياق – وله – حب – سبر للأعماق – ظلماء مدلهمة – تسقط فيها الشاعرة أمام ذل ولهها ) و كأنها تريد أن تصرخ من أعماقها فتخونها حنجرتها لتقذف ذاكرتها بجمر الشوق الإنساني :
مشتاقة فاضت الأشواق من ولهي
و فجوة الآه في الأعماق ظلمــــاء
وذلني ولهــــــي فيمن ولهـــت به
إن الأعـــــزّا إذا اشــــتاقوا أذلاء
و يبدو أن الشاعرة تتناظر مع حالة إسقاط نفسي على الذات التي تلبس رداء العشق الصوفي فتتوقد جمرته توهجاً من نوافذ الروح و تكشف ببوحها عن مكنونات الذات الشاعرية بأفقها الذي يتعدى الأسطر و الكلمات حيث تركب جواد عشقها سابحة في أفاق الغيوم لتبوح لنا بسرها الذي يفيض كما النهر في أنينه عذوبته :
فالعشق إن شاء يخفي سر نشوته
و السر لا ينجلي كشفاً لمن شاؤوا
نفنى كما النهر يفنى في عذوبته
إن الفناء به فيض و إفضـــــــــاء
و قبل أن نغادر ميناء النص المتوسطي المناخ و نشير إن مرايا الروح عند الشاعرة وقد غبها ماء الصبابة :
يا غائباً قد بدا في غيبه شغفي
و في الخفاء مرايا غبها الماء
لا بد أن نهمس بكلمات تفتق مفردة النص الذي بين أيدينا فمفردات الشاعرة تبدو عرائس بحر تسبح في فضاء واسع الامتداد و هي مفردات فضفاضة يمكن لها أن تسير باتجاهين : اتجاه الحب الإلهي و اتجاه الحب البشري و لا يمكن لنا أن ندرك البعد الحقيقي لهذا العشق الروحي الذي يبدو (لا وعياً ) أحياناً و مجسداً للوعي أحياناً أخرى و إذا ما تجاوزنا الحشو المفرداتي في بعض الأبيات لإقامة الوزن أحياناً و لاختلاس المعنى أحياناً أخرى فإننا في المحصلة نبحر في ميناء الصبابة و لكننا لا نجد الشاطئ الذي ترسو به فينة الأرواح و كأننا أمام خيال انطوائي يريد أن يقول و يريد ألا يقول و هو على استحياء من الذات و الآخر ربما لأن الروح على حد قولها عمياء و هذا ما لا يمكن أن يتصوره الشعر :
من لي إذا الداء مني (بي )سـرى الداء
و هم بالقلب عشـــــق فيه إغـــــواء
أخفيت( بي) ما سرى بالغيب فانكشفت
نوافذ الروح( لي )و الكشــــــف إخفاء
ففي هذين البيتين تبدو ألفاظ ( بي – بي – لي ) التي استعملتها الشاعرة حشواً لإقامة الوزن و كأنها لم تدقق في أن هذه الكلمات الثلاثة جعلت مفردات هذين البيتين عرائس حب تتعثر بثياب الزفاف الواعد 0
نص متسامق في عالم الأرواح يحتاج إلى قراءة أكثر إبحاراً في بحر الشاعرة ربما لأن الشعر الصوفي يلتقي في دلالات مفرداته مع الشعر الحديث الذي يفتق أحياناً معاني جديدة و ينم أحياناً عن غموض مستغلق يحتاج إلى مسبار نقدي عميق يكشف عن أبعاده



العناق المصيري بين فضاءات النخيل و مدارات البرتقال
قراءة انطباعية في نص مراسم الزفاف للقاص خليل النابلسي
بقلم الدراسان : حسين الهنداوي – حاتم قاسم

القصة : مراسم الزفاف
==============
قد يضيق الأفق الرحب بصغار النمل ، لكنه جعل من زنزانته مجـــرة تحــــوي آلاف الكواكب 0 تعلّم كيف يطعم الجرح جرحاً ، و كيف ينثر الملح على جراحه كي تتأجج نارا 0 آلاف الخواطر تتجاذبه و تعصف به ، اكتشف أن المشاعر لها أقدام تتســـلّق الهضاب و الجبال ، و أن الوطن زنبقة تنمو و تكبر كلما التصــق بتراب الزيتـــــون و البرتقال 0
- ها أنت يا ولدي أدميت جسدك و أرهقت روحك !!
- لا يا أبتي : فالخنادق الحمراء تجتاحها زوارق الفولاذ ، و الأمـــــواج العاتيــة تتحطّم و تتلاشى على صخور الشاطئ 0
- علام عزمت إذاً يا كاظم ؟
- على دراسة الكيمياء في بغداد 0
- لكن الماء البارد لا يمدّد جناح بعوضة !!
- قد يتسلق المرء شرايينه فيصل إلى قمة ( افرست )
- لكنك تبدو عاري الجسد ، حافي القدمين !!
- الإرادة الثائرة المتمرّدة ككرة إســفنجية كلما ضغـــطت عليها أكثر كلما قفزت و تحرّرت أكثر 0
- ألا ترى أن صاحب الحائط يستمتع بقطف الأعذاق كلما كانت النخلة شــــاهقة سامقة ؟
كانت بغداد آنذاك تستعر بجحيم البرابرة و أتون المغول ، و النخيل العراقـــي محاط بالنار و البارود ، و غراس الذل و الخنوع تدوسها أقدام الثائرين 0
عندما أصبح كاظم و فاطمة عاشقين ، تعانق البرتقال و النخيل ، تعانـــقت السنابل و الأعشاب و الينابيع و الجداول و الأزاهير و الأفلاك 0
- إنها فاطمة الفتاة التي أحببت يا أبتي 0 إنها نخلة عراقية أصــــــلها ثابت في دجلة و الفرات و فرعها و جريدها في سماء القدس و بيسان و الخليل 0 ولدت منذ آلاف السنين في حضن الشمس ، و ترعرعت في سهوب المجد و الكبرياء ، و تأرجحت في حدائق بابل ، و استحمت في بحيرة المتوكل 0 إنها ابنة المرأة الزبطرية التي أنفت الذل و الهوان ، و أطلقت صيحتهــــا التي ما زالت تجلجل في أرجاء الأرض و السماء 0
- عذراً يا أبتي 0 لقد وعدتك ألا أعشق إلا تراب الوطن 0 لكن الحب يحاصرني هنا في ما بين النهرين ، اخترق الجلد و العظم و استقرَّ في شــــغاف القلـــب و خالط وجيبه 0
- لقد أعلنّا خطوبتنا في الذكرى الثانية و الثلاثون لحصـــــــار جنين 0 أما حفل الزفاف فربما يكون قريباً 0
أما أنت يا أماه فإنني استميحك عذراً بقدر الحب الذي يطفح به قلبك 0 كان
بودي ، بل كم كنت أرغب أن تملأ زغاريدك الشوارع و الحقول ، و تلامـــــس
أمواه دجلة و الفرات ن و سعف النخيل و الأزاهير 0
- باركا لنا يا والديّ ، و سيكون يوم الزفاف أجمل و أبهى 0 و في طريقهما إلى الجامعة ، و عندما اقتربا من دورية للغزاة المحتليــن ســـــمعا كلمات عبــرية ترجمها كاظم همساً ، ابتعد ، وقفا تحت نخلة 0
أردفت فاطمة قائلة : أيها القتلة أيها الأوغاد !!!!
ألم يكفهم القتل و التدمير و الإبادة اليومية هناك ، و جاؤوا هنا ليدنسوا أرض الرافدين أيضاً ؟
لم يكونا جذابين مثل تلك الليلة 0 تعانقا طويلاً ، أحلامهــما رماح تخــترق الزمان و المكان 0 وما أجمل أن ينــــام المرء يقطف نجمـــاً و يزرع زيتوناً
و نخلاً !!
نضج الزيتون و البرتقال و النخـــيل الممتد من بغــــداد إلى الــقدس و تألقــت الأرض بأكوام النجوم ، نظما قلادتيــــــن منها ، و طفقا يخصفــــان من ورق البرتقال و جريد النخل طريقاً أخضر يتلألأ بالنجوم ، و ما زالا ينتظران اللون الأجمل و موعد الزفاف 0
تحسّسا الحزامين الناسفين اللذين يلتصقان بجسديهما كما يلتصق الوشم جبين الفلاح ، أو كما تلتصق ذرات الغبار على سواعده السمراء 0
سارا جذلين كعروسين ينتظران اللقاء الخالــد ، و يرددان أنشـــــودة الحــــياة و المجد ، الأعشاب تتهامس ، و ســعف النخيل يتراقص ، و الطبيــعة جذلى مفعمة بالفرح الأخضر 0
و بعد الانفجار تدفّق الأحمر القاني فارتوى النخيل و البرتقــــال ، و ازداد المكان ألقاً و بدأت مراسم الزفاف 0
الدراسة النقدية :
=========
حين يضيق الصمت بالمتكلمين و تتعاور الكلمات بحثاً عن نظارات شمسية تبصر من خلالها أفق العودة تنقبض الروح و تتراقص الآف الخواطر بحثاً عن تجاذبية تعصف بالموت المجاني الذي حول فلسطين و العراق إلى حدود مفخخة بالموت 0
الوطن زنبقة و الليمون يكبر و يلتصق بتراب الزيتون و البرتقال و الموت بينهما حنظلي الطعم
النخيل و البرتقال يلتفان جسداً واحداً لينبثق فجر جديد يتسلق به المجاهدون قمة أفرست الجهادية 0
نص يتأرجح كاتبه بين الشاعرية و السردية و تتملكه الحيرة في أن يرسم نصه مشاعر دفاقة أو أن يؤرخ لمضمونه العروبي في قصة تبدو و كأنها عذراء ترهل صمتها طويلاً فمشت خطواتها على جنائز الموت محملة بالدحنون و التراب المخضب0
و أما نص سردي يحمل توقيع مراسم الزفاف ذلك العنوان الذي يعكس على مرآته المحدبة صورة الموت الفلسطيني و العراقي من خلال استخدام رمزية النخيل و البرتقال إنه زفاف من نوع أخر 0000 انفجار 000 تدفق الأحمر القاني 000 صعقة الزواج 000 ارتواء النخيل و البرتقال 00 و ازدياد المكان ألقاً و حسناً 000 إنها صورة الشهادة بأبعادها الحقيقية اللون لون الدم و الريح ريح المسك 000
و إنك و أنت تطالع نص مراسم الزفاف تكتشف الكيمياء العربية التي يمثلها كاظم و فاطمة 000
( لإنها نخلة عربية أصلها ثابت في دجلة و الفرات و فرعها و جريدها في سماء القدس و بيسان ) 0 ينزاح لدى القاص الصوت القصصي باتجاه الشعر حيث يصـــــف لنا حقيقة المضمن العربي الذي يمثله هذا الدم المتدفق شلالاً دفاعاً عن الأرض و الوطن ( عذراً يا أبتي لقد وعـــــدتك ألا أعشق إلا تراب الوطن ) ثنائية من الموت و القتل و الخراب و الدمار يرســـمها القاص بصورة مقالية و كأنه يستصرخ النخوة العربية لتوقف هذا الدمار و ذلك الخراب المكتنز بالموت اليومي و كأننا بالقاص يريد أن يقول إن حدود فلسطين و العراق مسيجة بالموت 0




قراءة ما ورائية في نص لسان الأمنيات للشاعر الشلال

الشاعر الشلال يجدف في صحراء الأمنيات
قراءة ما ورائية في نص لسان الأمنيات للشاعر محمد إبراهيم الحريري
الدارسان : حسين علي الهنداوي – حاتم قاسم
فوق ذاكرة الشعر ومن خلال الانطلاقات النفسية التي تسكن من خلالها الهواجس النفسية تتوضع ذكريات شاعر صامت يعبر بريق عينيه وصمت حاجبيه عن استجابات نفسية تشكل في قاموس الشعر نقطة انطلاق نحو المجهول ، فبين غياب ذاتية الشاعر و انسكاب مرارة الأيام على الأبيات الشعرية تقف شخصية الشاعر الشلال أبو القاسم محمد إبراهيم الحريري حيث تفجؤك المعاني النفسية الإنسانية التي شكلت شخصية هذا الشاعر 0
وعلى الرغم من كوننا نجهل التفاصيل النفسية الشخصية لطفولة الشاعر بخصائصها الفيزيولوجية و السيكولوجية و التي انسكبت بين حارات بصر الحرير و تماهت مع أجواء بيئة حوران الندية المكشوفة كسهولها البسيطة إلا أننا نستطيع اكتشاف الأبعاد النفسية لهذا الشاعر من خلال ما يختبئ وراء كلماته من استجابات لنوازع النفس 0
فالشاعر بين الواقع المر و التطلع الحر يقف وراء ارتكاسات نفسية شكلتها أحلام طفولية قد لا تتحقق عند الكثير من الناس و لكن الشعراء بطبيعتهم التي تبحث عن الحلم و الطفولة يجدفون في عالم الخيال بحثاً عن قضايا قد لا يكون للواقع العملي صلة بها وهنا يحضرنا في نص ( لسان الأمنيات ) قضيتان مهمتان تشكلان بعدين أساسين من أبعاد الشاعر الشلال (
القضية الأولى : هي موقف الشاعر من ذاته التي تعيش حالة من التصادمات النفسية بسبب الواقع الإنساني المر الذي يتطلب من الشاعر أن يكون رب أسرة راعياً لمصالحها و بسبب الطموحات التي يختزلها خياله بحثاً عن حالة جديدة يستقر بها كيانه الشعري إضافة إلى مشاكسات العلاقات الإنسانية التي قد تجعل من الإنسان محطة قطارات تتصادم عليها عربات الحزن و الهم و لا يجب أن نغفل في حديثنا عن موقف الشاعر من ذاته قضية البحث عن مساحة شخصية تبرز الشاعر ذا دور فعال في هذا المجتمع الذي سحقت عجلاته طموحات الشعراء و حولتها إلى حزن معلب ينتظر مفاجأة الزمن 0
و القضية الثانية و هي قضية تتقاطع مع الأولى بأبعادها السيكولوجية هي موقف الشاعر من المرأة هذا النصف الآخر من التفاحة التي قد تتحول في نظر الشاعر إلى دواء مر لا يحقق إلا دوراً اجتماعياً مجافياً للدور الإنساني الذي يشكل الطموحات الحقيقية بصورة عامة و الذي هو عند شاعرنا الشلال أبي القاسم الحريري يشكل الأوكسجين الذي يتنفس منه نسمات الأحلام و الطفولة الواعدة وهذا يعني أن للمرأة دور خطير في التأثير على شبكية العين الشعرية عند الشعراء بحيث تجعل صورة الحياة إما ظلاماً دامساً و إما شمساً مضيئة 0
إذاً نحن أمام شاعر لا يشبعه نهم البحار و لا ما يختبئ في أصداف المحار فهو يتصور ذاته عنترة عصره و لكنه لا يجد عبلة عصره طموحاته يكشف عنها خيال امرئ القيس في بحثه عن اللذة الحسية التي افتقدها الشاعر الشلال ربما لطول اغترابه و بعده عن أرض الوطن هذا الإحباط النفسي الذي يسيطر على لاوعي الشاعر يجعله يلازم بكاء المعري و ينتظر نهاية مالك بن الريب مع العلم أنه يشوق إلى المرأة شوق بابن زيدون في عالم لو تقصيت أرضه لوجدت أن الأمة التي ينتسب إليها الشاعر تعيش حالة من الإحباط و هاكم ما يقوله الشاعر :
ما بين أنت و أنتما و أنا و ذا طلل تلوح كوشم لحد رفاتها
و إذا مفاوز غربتي أنست بها أسراب حيف تصطلي بفلاتها
لا بحر لا ملاح أسرج وحدتي بعسى هروباً من ضنى عبراتها
لا شط من بحر الخليل يرومني و أنا المهرب من جدار نجاتها
ولو تمعنا النظر في ضمائر الشاعر (( أنت و أنتما و أنت )) لاكتشفنا العلاقة بين مفاوز غربته في البيت التالي و عسى تحقيق هروبه من خلال مثيولوجيا إنسانية تقف في جنازة موت فجائعية 0
إن الشاعر ليقف أمام ذاته الموهومة واضعاً خلفه صورة المرأة المتخيلة ينظر إلى أفق إنساني و لكن بسهام نظرات حزينة
ما بين عبلة و الهوى( هل غادر الشعراء من متردم) بوشاتها
أرنو إلى( ولقد ذكرتك و الرماح) تبرجـت في خــدرها لصلاتها
أوقفت غيد الصبر ذكرى (حندج )عند الغدير( قفا) على عرصاتها
نبكي أنا و الليل مالك سائلا خطا لناظرة السها زفراتها
ولزمت قافلة المعري ما بدا ضرٌ يندي باللمى شذراتها
يا صاحبي تقصيا فأنا هنا في أمة كشفت قفا خفراتها
وهذا يعني في القاموس الفرويدي أن قصيدة الشاعر هي ذاته أولاً و المرأة المتخيلة ثانياً و ليتنا نسقرئ مفردات الشاعر واحدة تلو الأخرى لنكتشف أن الشاعر قد صنع لنفسه رحماً جديدة من الحزن و البؤس و المرارة و الأسى و لكنه في الوقت نفسه ما زال لديه أمل في أن تعود خيل الحياة به من معركة الذات الصامته إلى عرس إنساني تزغرد فيه المرأة ( الوهم ) أنشودة الطفولة الجديدة أو يتوقع الشاعر أن يقف على شاطئ بحر الحياة لتخرج حوريته البحرية التي طال انتظارها خمسين عاماً 0
( لسان الأمنيات ) نص خرج من تنور الشاعر للتو فهو يتحدث عن قضايا عصرية
تتقاطع مع ذات الشاعر و لكنها تلبس ثياباً من ثياب( العجاج ) تارة و ( أبي النجم العجلي ) تارة أخرى 0
وكم هو الشاعر يعيش حالة من الاستدعاء اللاشعوري ولكنه يركب حصان شعره إلى صحراء موحشة يرتدي ثياب الشعراء الجاهليين و يقفز بحصانه بين هضاب ووديان هؤلاء الشعراء ممتشقاً سيفه و ليته حدثنا عن أمنياته وهو يركب سيارة معاصرة تنطلق بسرعة فائقة مزاحمة وحوش الصحراء التي ما تزال تسكن في أعماق شاعرنا 0
الشاعر الشلال أو كما نحب أن نسميه نحن بـ (رؤبة العجاج ) خلع على معانيه الثياب الجاهلية و نسي أنه يعيش في عصر السرعة وهذا يعني أن مصدر أشعار و قصائد الشاعر جاءت بفعل الثقافة التي استقاها من الشعر الجاهلي و التي أتقنها أيما إتقان بحيث تستطيع أن تدعي أن شاعرنا استوعب الثقافة الجاهلية استيعاباً دقيقاً لم يغفل حتى التفاصيل التي عاشها امرئ القيس و عنترة و تجاوز ذلك إلى ثقافة شعراء جاؤوا بعد الإسلام كمالك بن الريب و أبي نواس و المعري وابن زيدون و البحتري و ليته اقتطف من بستان كل شاعر من هؤلاء الشعراء وردة و اعتصر رحيقها ثم مزج هذا الرحيق و عبأه لنا بزجاجة عطر شعرية جديدة 0
مفردات شعرية ( فلاتها – خماص – سروات – صوافن – أثافي – وشم – شذرات
مفاوز – 000000 )) تحمل في طياتها معاني عاشها شعراؤنا الجاهليون و الإسلاميون وكم نتمنى لو أن شاعرنا شحذ هذه المعاني بعواطفه و مشاعره التي شكلها عصره لتخرج لنا لفافات من الموت الأحمر الذي يذوقه المرء في كل يوم بفعل مرارة سوء العلاقات الاجتماعية و انعكاسها على الذات الإنسانية 0 مفردات مجردة تجعل الصور الشعرية لدى الشاعر مشاكسة أحيانا تستعصي على العلاقات الأليفة (( شفة الهموم – ثمر الخصام – غصون الأمنيات – أصوات الخيال )) استعارات حملت إلينا هم الشاعر الذاتي و شكلت لنا قضية جديدة في تناقضات العصر هذا العصر الذي يسقيك مرة بيديه كأساً حلوة و لكنه كثيراً ما يجرعك مرارة الحرمان و الحزن فيجعلك تموت في كل كأس تذوقها موتتين موتة تشكلها انعكاسات صورة الواقع المر وموتة تفرضها مشكلة البحث عن مستقبل أفضل في زمن متسارع في متطلباته 0
أخطو فيسبقني العثار إلى الخطا فأخط ســــــطراً باعتراف جناتها
جدران صمت تستبيك بزفـــــرة ثكلى المواجع من عسيس ولاتها
أشتق من كلم الـــتقصي دهشــة عذراء ما جست أنين ســـماتــهـا
و تعنست بجوى المعاني حيرة لم يدرك المكيال صاع ثقـــاتــهـا
مرة أخرى ( لسان الأمنيات ) نص استثنائي يحتاج إلى الكشف عن أعماقه بصورة أكثر تفصيلا و أدق نظراً و أعمق رؤية فالشاعر الشلال كما يحلو لزملائه أن يسموه يحتاج إلى مخبر سيكولوجي لكشف تفاصيل ذات الشاعر هذه الذات التي وقف عندها العلماء طويلاً قراءة لقوله تعالى : ( و نفس و ما سواها ) بحيث تجد معاني جديدة و أوجه جديدة لكل ذات في كل دراسة جديدة
0

قراءة انطباعية لنص ( الصوت المزمجر )
الصوت المزمجر
لا سيفَ عنديَ لا دروعـاً أرْتَـدِي
شعريْ سلاحيَ كالمَدَافِع ِ في يَـدِي
دبّابتي قَلَمـي و جَيشِـيَ أحْرُفِـي
و ذَخِيرتي و البارجـاتُ قصائِـدِي
قصفي دمارٌ و المجـازرُ حرفتـي
إعصارُ نار ٍ من جهنَّـم ِ مَوْقِـدِي
جهَّزْتُ للحربِ الضَّرُوس ِ عِتَادُهـا
فَتَهَيَّئُوا هـا قـدْ أتيـتُ لموعِـدِي
لن أستريحَ سوى بـدكِّ حصونكـمْ
فَدَمَارُكم عيـديْ و فيـهِ تَجَـدُّدِي
آن الأوانُ لكـي أوجَّـهَ ضَرْبَتِـي
ليعودَ طُهرُ الخاشعيـنَ لمسجِـدِي
أَيْ يـا فلاسفـةَ المـدادِ تقدًّمـوا
هل بينكـمْ مـن قامـع ٍ لِتَمَـرُّدِي
هـل بينكـمْ قلـمٌ بحـدٍّ صـارِم ٍ
أم أنّهـا جَبُنَـتْ أمـامَ تَـوَعُّـدِي
سفهاءُ أنتـم و التخـاذلُ دينكـمْ
متشاعـرونَ و تعبثـونَ بمعْبَـدِي
سيسجلُ التاريـخُ لحظـةَ موتكـم
و سيشهدُ التاريخُ لحظةَ سُـؤْدَدِي
أنا منْ إذا قلمي تسامـى وارتقـى
يعلو كنجم ٍ في السماء ِ فيهْتَـدِيْ
من ضلَّ عن درب ِ السواء ِ بجهله ِ
و لضلّ دهـراً غيـر أن بمولـدي
لعن الظلامُ و كلُّ أسبـابِ العمـى
فغدوتُ شمساً رغم أنفِ المُعْتًـدِي
و أنا الذي في صمتـهِ و حديثـهِ
معنىً و مغزىً حين يُفْهَمُ مَقْصَـدِي
أما الغريقُ ببحـرِ حمـق ِ بَلاهـةٍ
و الناعقونَ كما الغـرابِ الأسْـوَدِ
فأولاءِ فـي دَرَكِ الغبـاءِ مُقامُهـمْ
أبداً ولـن يصلـوا لمينـاءِ الغَـدِ
يا من تظنُّ الشعرَ محضُ تفاهـة ٍ
رصفٌ و طَلْسَمَةٌ بإسقاط ٍ صَـدِيْ
الشعـرُ إحسـاسٌ و فـنٌّ خـالـدٌ
يأتيكَ عذباً مـن صفـاءِ المَـوْرِدِ
يأتيكَ مثلَ النخـل ِِ طلعـاً باسقـاً
من عمق ِ حزن ٍ أو جَمال ِ المَشْهَدِ
الشعرُ يا هذا كتائبُ فـي الوغـى
حيناً و حيناً مثـلُ ريحـان ٍ نَـدِي
و لئنْ تأثَّـرَ مـا أُصِيـبَ بِجُنَّـةٍ
و لئنْ تَعَثَّرَ فهـو ليـسَ بِأًرْمَـد ِ
لكنّهـا الأيـامُ تصـقـلُ حــدَّهُ
لترصِّـعَ المجـدَ التليـدَ بأمْـجَـدِ
يا أيها الصوتُ المزمجرُ في دمـي
يا سيدي يا عشقَ روحيْ الأوحَـدِ
اقبلْ خضوعيَ عند عرشكَ خادمـاً
دعنيْ ببرْق ِ سيوفِ عِزِّكَ أهْتَـدِي
خذنيْ فإنيَ فيـكَ لسـتُ بطامـع ٍ
لا شـيءَ إلا بالعُطـاءِ تَـفَـرُّدِي


قراءة انطباعية لنص ( الصوت المزمجر )
للشاعر : هيثم اللحياني - السعودية

عندما نبحر في أشرعة الكلمات ومداراتها اللامتناهية تأخذنا الحروف ببصمتها إلى مجهر يحلل لنا الصور
و الأفكار و الرؤى أمام الحديث و الجديد منها فيلقي بأشعته المرســــــــلة إلى مفردات النص نتلمس بوح الشاعر في تشكيلاته الفنية التي تجاري صناعة الشعر في شعر طرفة و المتنبي و أبي النواس و إسقاطاته المجازية التي ترتكز على وجود واقعي لشاعر يبحث عن نفسه بين أروقة الزمن فيســـكب لحنه على جدران الحياة قصائد عشق تمنحه صيرورة البقاء فتغدو القصيدة معلقـــة على جــــدران القلب تنبض بدفء العيون و تكتب بمداد المحبة وتنفح بريح الاعتزاز بالنفس00 قصيدة تشربت من طموحها ألق الكبرياء :
لا سيف عندي لادروعأ أرتديشعري سلاحي كالمدافع في يدي
دبابتي قلمي و جيشي أحرفـيو ذخيرتي و البارجات قصائدي
بين الصورة التي يصاهل سيفها المداد ودروعها حروف الشمس التي تبحر في أروقة الشـــــموخ لترتدي أحرف الشعر سلاحا تأخذنا هذه الصورة إلى ظلال بؤرة ضوئية في انعكاس قزحي يلون النفس بلغة تتعدى الحروف :
أي يا فلاسفة المداد تقدمواهل بينكم من قامع لتمردي
لتنطلق إلى مسامات الواقع و كأننا نصغي للمتنبي وهو يبرق لنا رسالته التي عاتب فيها سيف الدولة بقوة وجزالة و بافتخاره بشعره :
سأصب في سمع الرياح قصائـديلا أرتجـي غنمـا ولا أتكـسـب
و أصوغ في شفة السراب ملامحيإن السراب مع الكرامـة يشـرب


وتبقى لغة الحروف تشعل أتون جمرها فتجهز عتادها المأمول بقوافل الكلمات المفعمة بروح الاعتزاز بالنفس ورمز التحدي الصوري ( فتهيئوا ) و كأن الشاعر أعد عدته وجهز نفسه لساعة الحسم في مدارات تبحث عن صيرورة النفس لمعركة تدور على رحى السجال الشعري فتطحن الكلمات كل ما هو بائد منها وتسجل شعاعا للشمس يبرق بزغردة النصر التي تعتلي أروقة النهار :
هل بينكم قلم بحد صـارمأم أنها جبنت أمام توعد
وهنا يكبر الانكسار الحسي الذي يعتري الشاعر في بؤرة الضــــــــــوء لينقلنا إلى دهاليز النفس التي تجيد التلاعب بأبجديات الجمال المقنع فتقف بعنفوان أمام فلاسفة المداد لتلقي بوحها بنداء توجيهي يمثله حرف النداء ( أي ) الذي يجعــل البعيـــــد قريبا و يحول المنادى البعيد إلى حقيقة ماثلة أمام هذا النداء و لتلقي على أروقــة النص نفي وجود الأقلام الصادقة و الذي جاء بصورة الاستفهام( خروج الاســـتفهام من معناه الحقيقي إلى النفي = هـــل بيـنـكـمْ قـلــمٌ بـحــدٍّ صـــارِم 0000حقاً كما يقول الشــــــــاعر تلاشت كل الأقلام الصارمة هذه الاســـــــتفهامية تبحث عن مرفأ في شواطئ التحدي من خلال (أم ) المعادلـــــــة التي تقر بجوابـــــها ( أم أنها جبنت أمام توعدي ) 0



الشعـرُ إحسـاسٌ و فـنٌّ خالـدٌيأتيكَ عذباً مـن صفـاءِ المَـوْرِدِ
يأتيكَ مثلَ النخـل ِِ طلعـاً باسقـاًمن عمق ِ حزن ٍ أو جَمال ِ المَشْهَدِ
الشعرُ يا هذا كتائبُ فـي الوغـىحيناً و حيناً مثلُ ريحـان ٍ نَـدِي
و لئنْ تأثَّـرَ مـا أُصِيـبَ بِجُنَّـةٍو لئنْ تَعَثَّرَ فهـو ليـسَ بِأًرْمَـد
شـــــــاعر تبدو ثماره اليانعة على نخل القصيدة الباســــــق و على طلعها النضيد حيث عمق الألم و المعاناة و الإحساس بروعة الجمال و الموت و الحق 0
يا أيها الصوتُ المزمجـرُ فـي دمـي
يا سيدي يـا عشـقَ روحـيْ الأوحَـدِ
اقبلْ خضوعيَ عنـد عرشـكَ خادمـاً
دعنيْ ببـرْق ِ سيـوفِ عِـزِّكَ أهْتَـدِي
خذنـيْ فـإنـيَ فـيـكَ لـسـتُ بطـامـع ٍ
لا شــــيءَ إلا بـالــعُــلَاءِ تَــفَـــرُّدِي
نحن إذاً مع شاعر و نص شــــــاعر تكتنفه جبهات المجد و نص يتمثــــــــل فيه الصوت الشـــــــعري الواعد ( هيثم اللحياني ) شاعر يستحق القراءة و صوت يحمل معاناة الحياة و الكون و الإنسان 0
انكسارات الحزن الإنساني -حسين الهنداوي - حاتم قاسم
انكسارات الحزن الإنساني
في نص (( ذبحوا حيائي )) للشاعرة فردوس النجار
الدارسان : حسين الهنداوي – حاتم قاسم
ذبحوا حيائي
«تعليقاً على لقاء مجاهدة فلسطينية بوالدها المعتقل في السجون الإسرائيلية»‏

ذبحوا حيائي يا أبي‏

خلعوا ملاءة هامتي‏
وبكل أطرافي
قيودي تنضوي
ويضجُّ زندي بالعويل‏

ونسيتُ أنغام الهديل‏

مسكوا بشعري..‏

كالخيول!!‏

ورموا بجثتَي الخجول‏

قالوا.... أبوكِ!!‏

أكنتَ أنتَ مسافراً؟؟!!‏

قادوا لنا هجران حزنِكَ للمنافي..‏

والحلمُ جاء..‏

مُكبَّلاً..‏

عجباً أبي؟؟!!‏

حجبوك عن نظري الشغوف!!‏

حجبوك عن عَبقي!!‏

استكانت نبضةُ الأشواقِ..‏

في دمنا معاً.‏

زجّوا بعريي..‏

بيننا..‏

حَجبوك عن ولهي‏

أبي!!‏

زَفُّوا إلى..‏

قيدي..‏

مرارة فرقتي‏

قتلوا الرؤى..‏

حَصدوا ابتسامات..‏

المقل!!‏

وبقيت يا أبتِ المسافر‏

في الهجير!!‏

تَبغي..‏ النفير!!‏

تَعلو..‏

تُحلِّقُ‏

كي تَحوْكَ..‏

مَلاءتي!!‏

فإليك‏

يا أبتي‏

يدي..‏

و َسَلْ النسورَ..‏

عَباءَتي..!!‏

عُذراً..‏

أبي.‏


الدراسة النقدية :
=========
في مسيرة نهر الحزن الفلسطيني الذي يمثل الصراع القابيلي الهابيلي تتمدد أطراف الموت ملونة مياه هذا النهر بالدم المسفوك في كل دقيقة هذا الدم الذي أصبح عنواناً لفطير صهيون الذي لا تألو وحوشه افتراس الأطفال الفلسطينيين في كل دقيقة و كأن الأمر قد تحول إلى مقصلة موت تبحث عن ضحايا جدد 0
القتل – الموت – الأسر – التعذيب – الدماء الجارية مفردات أصبحت عنواناً لقاموس الموت اليهودي الذي ترك الكون بمساحته ليشرب من الدم الفلسطيني ما يشاء له صلفه و عنجهيته ما يشرب 0
و صورة لقاء الأبناء بآبائهم الأسرى المحتجزين خلف قضبان الحديد أضحت أيضاً صورة مألوفة في ذاكرة السجون الإسرائيلية 0
و النص الذي بين أيدينا يمثل بكل وضوح صورة فتاة تلتقي بوالدها في أحد سجون الاحتلال لتكتمل عناصر ملحمة الحزن الفلسطيني هذا التيه الطويل الذي ينتظر مخلصاً له كي تعود الحياة إلى سابق مسيرتها و هذا اللقاء يمثل مونولوجاً داخلياًُ يرتسم في لاوعي هذه الفتاة يتحاور أطرافه حول هذا الموت البطيء الذي تحول له الأب الفلسطيني المدافع عن مفتاح بيته و ذرات تراب أرضه و الذي يبدأ بصورة الذبح وهي اللفظة الأولى التي ارتسمت في ذاكرة الشاعرة فردوس النجار لتفتح على الأفق ملحمة حقيقية و لتفتح للنص ملحمة حزن فلسطيني إنها صورة الأطراف المكبلة و المنضوية بالقيود حتى لا يكاد الزند يعول في آفاق الموت الفلسطيني ولا تصدق النفس أن هناك نغماً من أنغام الحمام المنتظر رؤية السلام :

ذبحوا حيائي يا أبي‏

خلعوا ملاءة هامتي

وبكل أطرافي

قيودي تنضوي

ويضجُّ زندي بالعويل‏

ونسيتُ أنغام الهديل‏

و إذا أردنا أن نمنتج لا وعي الشاعرة من خلال نصها نجد أن الأحلام الفلسطينية ما زالت مكبلة كما هي الأجساد الفلسطينية و هي حقيقة اقتنصتها الشاعرة بكل دقة و إن كان العقل الواعي يحفر على جدران لوحة التيه الفلسطيني أن العودة للتراب سنة كونية شرعها الله تعالى لإعادة فطرة حق العيش إلى كل صاحب حق فتغييب الأب و تعذيب الأبناء لا يمكن له أن يمحوا من ذاكرة الفلسطيني أن كل ذرة رمل هي أغلى من ذهب الدنيا و أنها لا بد أن تعود عربية مسلمة موحدة شاء الأعداء أم أبوا :

والحلمُ جاء..‏

مُكبَّلاً..‏

عجباً أبي؟؟!!‏

حجبوك عن نظري الشغوف!!‏

حجبوك عن عَبقي!!‏

استكانت نبضةُ الأشواقِ..‏

في دمنا معاً.‏

إذن نحن أمام مفكرة شاعرة ترسم لنا لوحة لوطن سليب بعض رجاله مقيدون بسلاسل السجون و بعضهم طليقاً يحاول استرجاع الدماء المسلوبة ومعظم أطفاله حصد الموت ابتسامات الرؤى و القتل من مقلهم و ريشة الشاعرة ترسم هذه المشاهد بمداد الدماء الفلسطينية التي لا زالت تنزف ورداً قانياً يعد بالعودة و الرجوع :

قتلوا الرؤى..‏

حَصدوا ابتسامات..‏

المقل!!‏

وبقيت يا أبتِ المسافر‏

في الهجير!!‏

تَبغي..‏ النفير!!‏

تَعلو..‏

تُحلِّقُ‏

كي تَحوْكَ..‏

مَلاءتي!!‏

( ذبحوا حيائي ) نص أدبي و إن كان يقترب من لغة الحياة اليومية إلا أنه يحمل بين طياته معاناة شاعرة لا يروق لها أن ترى لقاء الأبناء بالآباء وراء قضبان السجون و مركبة الشاعرة العاطفية تطير بجناحين من حزن شجي يرتسم في كل كلمة من كلمات النص ولو رحنا نستنطق الدفقات الشعورية الأسيفة التي تحملها كلمات الشاعرة لوجدنا أن كل كلمة متخمة بالحزن الفلسطيني ( نبضة الأشواق – نظراتي الشغوف – زجوا بعريي – و بقيت يا أبتي المسافر في الهجير ) دفقات من الحزن أسرت الشاعرة و حولتها إلى بكاءة على أطلال الدم الفلسطيني و إذا كان المضمون الإنساني الذي يحمله النص ينقلنا إلى آفاق ذات نبضات عالية من التعاطف الإنساني فإن مركبة الخيال التي أقلت الشاعرة لم تستطع أن تسير في طريق منتظمة راسمة خط مسيرها من بداية النص إلى نهايته فأنت حين تقرأ النص يشدك التعاطف أكثر مما ينقلك الخيال و إن كنا أحيانا نجد خيال الشاعرة يعبر عن القيمة الإنسانية للعذاب الفلسطيني ( لقاء الآباء الأسرى بأبنائهم ) و باستثناء بعض الصور الرائعة التي تسنطق الخيال عند الشاعرة من مثل ( زفوا إلى قيدي مرارة فرقتي ) ( و بكل أطراف قيودي تنضوي ) ( و الحلم جاء مكبلاً ) يبقى النص أسير المشاعر الإنسانية وهذه سمة ( الشواعر = النساء الشاعرات ) على مر العصور الأدبية إذ أن أكثر النساء الشواعر يمثل الحزن و العاطفة لديها في النص قيمة أكثر من أي قيمة من قيم النص الأخرى 0
أما الإيقاعات التي عزفت عليها الشاعرة أنغام الحزن و المرارة الفلسطينية فهي إيقاعات البحر الكامل الذي يحمل على جوانحه كل نغمات الحزن الإنسانية و تبقى النصوص الخالدة هي التي تنطبع في أفق الذاكرة الشعرية طال الزمن أو قصر 0




ميساء شهاب تشرع حزنها في العواصم الموجوعة
قراءة في أبجدية خاطرة
حسين علي الهنداوي

( كل قلبي ) ( نص) للأديبة ميساء شهاب

بعد طول فجر انهض مذعورة من نومي كل ما يهز الأرض واقع بي أشعره
أحسه ولا أيقنه
كنت أصلي أن يهرول كابوسي عني أو أن يجلدني بكل قسوة ويمضي
هكذا يصبح الأمر هينا علي
ويصبح الكون كحبة كرز حمراء متلألأه ولحظة الدنو منها تمتطي
جناحي طائر وتهرب بعيدا إلى الأفق
حتى يمتلئ الكون حزنا ويجف بعد عهد حبري
كم حبرا كتبت فلا أجدت ولا اجادني هو
لا كتبت ولا برأت نفسي أمام الشك ...أمام الظن
هدرني كل الكون وما أهدرت سوى بوحي أمام لحظة عمر الصمت
كنت لا شيئا خالصا أو حالة تنتمي إلى حالة واحدة كنت كل الحالات
والاحتمالات
لأصبح حجارة منسية شجرة على باب بيت فلسطيني عتيق
لوحة بابلية على جدار متآكل في العراق
ورقة كتاب بين الركام في ضاحية بيروت
و وجع ياسميني على سور بيت دمشقي
يقاوم بصمت رهيب على كل الجبهات
أصبحت وشاحا خفيا لا أكثر
صخرة ...ظل شجرة
في بلادي العربية
بعد طول فجر طويل تعبت وهذا الشرود القابع بداخلي
هذا البرود الساكن أضلعي وهذا الازدحام الخانق الحاصل في كل
خلايا فكري يضيعني ويحيلني إلى فوضى
وكلما نهضت من يقظتي أهرول حتى تيبست قدماي لحظة راحة
فشرعت أمام مدني حزنا ليزرع في القلب مزقا شتاتا يمحو عن الرأس
ثقل الدموع التي أنهكته فيرتمى على الوسادة يصارع أوجاعا لا تعصف
إلا نادرا
وربما كثيرا
ما عدت اذكر حقا ماذا يجري وكيف أصبحت على هذا الحال حتى توحدت
مع الليل البارد فلا ينفصلان جسدي والليل ينزفان دمعا ماءا وجعا
صراخ وإعصارا ويكادان يمزقان جدران جسدي وجدران البيوت ويلملمان
ويكفكفان حزن العيون والقلوب
أما أنا فيمتد حزني ويمتد بي ليفرش على عتبة قلبي سكناه ويخلد
فيه ذكراه
منذ ذاك الفجر الطويل الحالك الظالم وأنا اركض أهرول كمجنونة بين
بوابات الحب والكره بين الحاء والكاف وما علمت أنني متهمة
أنني داخل هذا الصراع البشري
كيف ومتى وأين لا ادري
لا ادري أين قادتني خطواتي أحزاني تمردي وأفكار أخرى بعيدة عني
تنتصب كالرمح في حلقي تلهو فوق موائد الشيطان وموائد العهر
والطهارة التي لا تخلو من البساطة والإيمان والشفافية
أين قادتني هذه الجهنمية لا ادري
لا ادري
أسلمت نفسي لبراءتي لقناعتي التي لا اشك فيها مادام الله موجودا
صمت سكت وابتليت بعدم إعلانها جهرا فقادتني الكوابيس إلى المقصلة
إلى ساحة إعدامي
هناك ....هنا مالفرق ما دام الميت المعدوم هو أنا في حلمي وفي
واقعي لا انشد من كليهما الخلاص
لا اطلب إلا أن تتفقد أوراقي الأيام علها تثبت براءتي وتعلن ربما
بعد طول غياب حضوري في ساحتها
بعد طول فجر
أزيح عني عبء الأنوثة ارميها خارجا عني
واكتب ما يمكن أن يشعل ثورة
في هذا العالم الهادئ حد الرعب
في هذا العالم الساكن حد القتل
في هذا العالم الفقير من كل شيء
من كل وجه يكلل صباحاتنا ومساءتنا بفرح يعتمر نفوسنا ولو لدقائق
وبعد ...بعد طول فجر طويل ارتمي على سريري أتفقد قبل نومي صلاة
عينيك واصلي بهمس برفق من أجلك وأغفو
الدراسة النقدية
حينما تتحول الكتابة على المساحة العربية إلى أنثى واعدة تفي بحقوق خريطتها الإنسانية يتحول الوجع الإنساني و الوطني إلى شجرة باسقة الثمار تنشر ظلها على المساحات الموؤدة
و القلوب المفؤودة و، و حينما يسيل حبر القلم مستمداً مداده من حليب الأنوثة يتحول الوطن إلى أم رؤوم توزع مساحة عواطفها على كل بيت فأده الحزن 0
و في نص أطرته الكاتبة تحت عنوان ( كل قلبي ) يتمثل الوجع العربي على سنان قلم الكاتبة و كأنه ملحمة إنسانية تبحث عن مرفأ ترسو به و كأن الموت العربي الذي ينوء بكلكله على كثير من العواصم العربية بدا وحشاً كاسرا لم تستطع الكاتبة أن تصد أنيابه إلا إذا قدمت قلبها كله ضحية للطفولة العربية و الوعد الإنساني 0
هذا هو حال التشظي العربي الذي يحاول الاستعمار و أعوانه أن يوزعه أشتاتاً متناثرة على مساحة القلوب العربية و الكاتبة ميساء شهاب قلب عربي يستوطن عاصمة هي قلب العروبة
( دمشق ) و بالتالي يتضافر القلبان و تتوحد الأرض مع الأنثى لتشكل لوحة إنسانية تبذل دمها لتدافع عن ( الكل ) وهذا ما أرادت لأن توحي به كاتبة النص في خاطرتها ( كل قلبي ) لأن كلمة كل تعني الشمول و اللا محدودية و هذا ما يقدمه الوطن الأم لأبناء العروبة كل أبناء العروبة
و الكاتبة تبدو في نصها المنحاز إلى درر النثر الواعدة تشكل لنا لوحة الأمة من خلال ذاتها فهي تقول (( كنت لا شيئا خالصا أو حالة تنتمي إلى حالة واحدة 0 كنت كل الحالات و الاحتمالات ))
و حقيقة فالأمة كانت لاشيء و يمكننا أن نقول العرب لم يكونوا شيئا حتى جاء الإسلام و حولهم إلى أمة ناضجة تدفع بفكرها و سنانها لبناء مستقبل واعد للإنسانية جمعاء و هذا ما توقف منذ خمسمئة عام لتتشظى العروبة إلى دول كحب السمسم و هذا ما عبرت عنه الكاتبة حينما ألمحت إلى هذا التمزق الذي التقم هذه الدول لقمة لقمة
((لأصبح حجارة منسية شجرة على باب بيت فلسطيني عتيق
لوحة بابلية على جدار متآكل في العراق
ورقة كتاب بين الركام في ضاحية بيروت
و وجع ياسميني على سور بيت دمشقي
يقاوم بصمت رهيب على كل الجبهات
أصبحت وشاحا خفيا لا أكثر
صخرة ...ظل شجرة
في بلادي العربية ))

إذن الكاتبة تحاول أن تغطي هذا التمزق العربي بتحولها إلى وشاح خفي كما هي مدينتها دمشق تتحول إلى ياسمينة موجوعة تريد أن توزع الطيب على عواصم العروبة و هذا يعني أن عاصمة الكاتبة أو التراب الذي عجنت منه الكاتبة فكرها و روحها ما يزال يعيش أمال العروبة و أمالها
مستشرفاً رؤيا النصر المقبلة 00 صحيح أن الكاتبة قد شرعت حزنها أمام مدنها العربية بحيث بدت فلسطين أمامها حجارة نابضة بالحياة و العراق لوحة بابلية معلقة على جدار بدأ يتأكل بينما أصبحت بيروت ورقة تذوب بين ركام الصمت بحثاّ عن حالة جديدة 000 إنه الازدحام الخانق الذي يضيع الكاتبة في خلايا فكرها المستنفرة لهذا التمزق العربي
((بعد طول فجر طويل تعبت وهذا الشرود القابع بداخلي
هذا البرود الساكن أضلعي وهذا الازدحام الخانق الحاصل في كل
خلايا فكري يضيعني ويحيلني إلى فوضى
وكلما نهضت من يقظتي أهرول حتى تيبست قدماي لحظة راحة
فشرعت أمام مدني حزنا ليزرع في القلب مزقا شتاتا يمحو عن الرأس
ثقل الدموع التي أنهكته فيرتمى على الوسادة يصارع أوجاعا لا تعصف
إلا نادرا
وربما كثيرا ))
إذن نحن أمام نص تتقاطع في خلاياه( الخاطرة و المقالة ) و يبدو التناص الفني بين هذين الجنسين عند الكاتبة يأخذ مساراً جديداً ، فالمقالة و الخاطرة تتسامقان معاً في هذا النص و يبدو أن تأثير الكتابة الصحفية بدأ يفرز مساحة جديدة لنص يحمل خيال الخاطرة و يسير ضمن مسار المقالة ليشكل لنا جنساً جديداً أفرزته العلاقات الكتابية في النص الأدبي و إن كانت المفردة التي تعتمدها الكاتبة في نصها لا تعدو أن تكون كرة من الحب تقذفها في مساحات النصوص الأدبية فالمفردة لديها جسد وروح أحياناً وروح أحياناً أخرى و لكنها في كثير من الأحيان جسد يحتاج إلى أن تنفخ فيه روح الحركة ، فالخاطرة لا تؤتي أكلها إلا حينما تشحن مفرداتها بمعاني عميقة أو لنقل أن تكون هذه المفردة مكتنزة بتعابير ذات طابع جديد و لكنها في الوقت نفسه تحمل روح المقالة المضمون الواعد الذي يجعل من النص لوحة تشكيلية واقعية تحمل معها هموم الإنسان العادي الذي يعيش حالة الضياع و التمزق 0
وبعد فالنص الذي بين أيدينا ( كل قلبي ) يحتاج أن يخرج من قمقمه ليوضح لنا بصورته الواعدة أبعاد الذات التي ناءت بكلكلها على واقع الأمة فالكاتبة مازالت تصلي ليزول هذا التشظي العربي و هي تحتاج مع صلاتها إلى أن تعلن و بشكل أعمق أن العروبة وعد يجب أن يتحقق على مساحة كل العواصم العربية 0

(( وبعد ...بعد طول فجر طويل
ارتمي على سريري
أتفقد قبل نومي صلاة عينيك
واصلي بهمس
برفق
من أجلك وأغفو ))

أي حزن هذا الذي تشرعه الكاتبة في المدن و تهرول به بين العواصم 00 إنها تحاول أن تصنع بمفرداتها من حزنها مداداً لكونها الذي يمتلئ بالحب و إذا كانت المفردات تجف أمام الحزن الذي تفرده الكاتبة و تبقي على البوح المهدور ألقه فإن النص يبقى ينتمي لديها لاحتمالات متعددة حتى أنها ما عادت تذكر كيف تحولت إلى هذه الحال إذ أن صورة الجسد و الليل تؤطرهما لوحة تشكيلية ألوانه الدمع و مزيجها الماء و إطارها الوجع المرسوم بصراخها تماماً هي ملتصقة بجسدها كما تسكن العيون جمر تملئ القلوب أيضاً إنها تحاول أن تفترش القلب ليصبح مسكنناًً للذكرى و المحبة
(( أما أنا فيمتد حزني
ويمتد بي
ليفرش على عتبة قلبي سكناه
ويخلد فيه ذكراه ))







استجابات اللغة الواعدة في الأنا الاجتماعية
في نص القاصة ليلى البلوشي ( غبش الحي)
الدارسان : حسين الهنداوي – حاتم قاسم
____________
غبش الحيّ ..
حل ّ الليل .. توشح الحي بصمت رهيب يشبه الهدوء الذي يسبق العاصفة ، ولج من بوابتها وأنفاسه تتصاعد شهيقا زفيرا ، إنه الحي القديم بزخارفه وطوبه القديم ، تفوح منه روائح البن والشاي والهيل والزعفران ، كأنها ساكـن جسده وعقلـه ، إنه الحي الصاخب فـي النهار وما يلبث أن يكتسح بسواده العتيد فيرحل غارقا في سباته الليلي ، نائيا عـن الحياة بكل تفاصيلها المادية والمعنوية ، كل بقعة من مساحة هذا الحي تحكي قصة .. تلكم القصص المنطوية في جدرانها ، المخبئة بتفاصيلها الدقيقة في عقول الجدات و التي تنساب عفو اللحظة حينما يحكينها لأحفادهن ، " رحمة الله عليك يا جدتي " .. كنت دائما تتحفينا بحكاياتك الجميلة عن البحر ، عن وحوش الليل ، عن" أم الدويس " وملاحقاتها المرعبة للنساء والأطفال ، يال لذة الذكريات الحميمة القديمة التي تهزنا كبندول لا يكف عن الحركة ، انعطف يسارا حيث رائحة الذكريات المنعشة تنبعث من طرقاته الغائرة رمالا ، ونفسه تحدثه بجمالية تضاريس القديمة .. تابع سير أقدامه إلى أن أوصلته إلى مكان قد ألفه.. " مطعم السهرة " ..

إنه الاسم ذاته لم يتغير شيء ،البقعة المستيقظة الوحيدة النابضة حسا فيها ، سرى في جسده شعور مريح وهو يهدد " حمدا لله لم تجرى عمليات جراحية للحي " جلس على المقعد ذاته والطاولة الفردية ذاتها ، وأنفاس من الدخان تنفث من أفواه تخفي تحت ألسنتها خناقات تكاد تصرخ ، ألقى نظرة على الرجل القاعد أمامه .. فقط تفصلهم عدة خطوات ، كان ذو كرش كبير ورأسه موصولة بصلعته التي اعتنى بتلميعها جيدا لا يدري لم خطر بباله أنه خرج من منزله بعد خناق مصدوم بينه وبين زوجاته الأربع ، هكذا توحي ملامحه القابضة وعيناه الغائبتان عن سمرة هذا القمر في يومه المحاق ، يبدو أن زوجاته الثلاث يتآمرن على الرابعة ، إنها دائما ضحية الغيرة والمؤامرات السرية ، قطع عليه النادل ذو أكتاف عريضة حبل أفكاره حاملا معه " المنيو " ، رفع عقيرته وكأنه يخاطب زرافة ذو رقبة طويلة ، ممتلئ قليلا واختفت شفتيه تحت شاربين كثيفين معقوفين إلى أعلى كجناحي نسر قد نكسا إلى الأسفل كراية سحقتها الهزيمة ، إنها معركته مع النساء .. أجل ، فوراء كل هزيمة رجل امرأة .. كما قال أستاذ المحققين الذي تتلمذ على يديه " توكو موري " في المسلسل الكرتوني المحقق كونان " أن وراء كل جريمة غامضة امرأة " لو اتكأنا على هذه المقولة فمعنى ذلك أن وراء كل مصيبة امرأة .. ووراء كل خسارة امرأة .. وراء كل حرب امرأة.. ووراء كل إرهاب امرأة.. ووراء كل زلزال امرأة.. ووراء كل مجاعة امرأة.. الخ ياللهول ! اكتشاف عبقري عظيم " النساء وراء كل شيء في هذا العالم " رحماك يا ربي.. ! أخذ منه قائمة الطلبات نظر فيه وهو يحاول إخفاء غبطته من الاكتشاف الجديد الذي توصل إليه، وهم ّ بتمرير إصبعه على المأكولات.. بدأها بقسم المعجنات ، فطائر لبنة ، زعتر ، جبنه تركية ، كرافت ، جاوزها إلى مأكولات مشوية .. رولكس ، مكسيكي ديلايت راب ، راخ زنجر.. " راخ " ، أطلق ضحكة داخلية يبدو أن هذه الوجبة منسوبة للموسيقي العالمي " باخ " ..! حدث نفسه: يخترعون أسماء غريبة والطعم واحد هذا ما يطلقون عليه بــ " خداع المستهلك " ، قسم المأكولات البحرية .. ربيان عادي ، ربيان خصوصي ، نغر ، فيليه سمك ، ألطق زفرة .. تنفس صعداء .. أغلق المنيو ثم نظر إلى النادل : أريد كوب شاي ( كَرَك ) يضبط المزاج .. تركه النادل وعلى وجهه علامة استفهام كبيرة ، عدّل من جلسته ، وضع رجلا على رجل ، سمع سعلة من المقعد الذي بمحاذاته كان الرجل يسعل بشكل مريب وكأن روحه تخرج من جسده ، وعيناه محمرتان من أثر السعال ، ما لبث أن هدأت سعلته ثم أشار للنادل أن يحضر له شيشة بنكهة الفراولة ، كان يطلق دفقات من الدخان في الهواء وهو يفتل شاربه مع ابتسامة تزين شفتيه ، كما لو كان منشغلا بفكرة داخلية يستمتع بها ، حدثته نفسه بضحكة على رجل إياه إنه على حافة القبر وتجاعيد تكاد تلتهم ملامحه الغائبة ينفث دخان الفراولة وحبيبته ذات العشرين تتخايل راقصة أمامه ، يبدو أن الفتيات هذا الزمان يفضلن رجال من هذا النوع يدفع ويدفع كآلة صرافه متحركة فلا متعة تضاهي متعة ملاعبة مراهقات حسناوات ! ذلك جليّ على وجهه المنطفئ شحوبا من ملاحقة المراهقات ، كما أن عينه اليسرى ترمش بشكل مريب ، ترك الرجل المسن مع خيال حبيبته ، جاءه النادل حاملا معه صينية عليها كأس من الماء وقدح من الشاي (كَرَك ) ، تذكر صديقه القديم " بو راشد " المنعوت بالبخيل كان إذا ما شعر بالعطش فإنه يطلب كل شيء إلا الماء ، وإذا سئل عن السبب فإنه كان يجيبنا بقاعدته العجيبة " بأن الماء يحضر مع القائمة مجانا أما إذا طلبته أنا بنفسي فمعنى ذلك سأدفع ثمنه من جيبي ..! " وكثيرا ما كان يردد قوله تعالى الذي حفظه عن ظهر قلب: ( ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين ) ، وكغيره من الذين تظاهروا بالزهد في الدنيا وُورِيَ في قبره أما ثروته الضخمة التي وصلت الملايين يتمتع بها غيره الآن ! لكم آلمه عدم تمتعه بثروته ، رشف عدة رشفات من الشاي ، شعر بأن رأسه قد أعيدت له توازنه، نظر من حوله ، حيره الصمت المستبد على المكان ، يبدو أنهم ضجروا من الكلام والثرثرة طوال النهار ،والغريب في الأمر أن كلا منهم اختار المكوث لوحده على طاولة خاصة دون رفقة تآنسه ..! أدار رأسه في كل الجوانب ثم رفع يديه وظهره مستند .. إنه التمرين الذي اعتاد ممارسته حين يجلس طويلا على الكرسي، رفع رأسه من جديد وقعت عيناه على شاب ذو تقاطيع وسيمة، كان طاولته زاخرة بمأكولات من شتى الأنواع، المشوي والبحري وسلطات متنوعة..الخ ، كان فمه ممتلئ وهو يحشوه بحبات من الكبة المقلية من الطبق أمامه ، تفَرّس في وجه مرة أخرى ، أطلق صيحته الداخلية : آها ، يبدو أن قاعدتي عن النساء كما استنجت آنفا صحيحة ، نعم ففمه يبوح بكل شيء ، إنه يعاني من أزمة عاطفية ، ويحاول حلّها وفكها من خلال الأكل ، على ما يبدو أن قصة حبه وصلت لطريق مسدود ، ظاهر ذلك من فمه المفتوح كالجرافة تقضم كل ما تراه .. تطحن ، تفرم ، تحطم ، تبلع ، تجرش ، تهرمش ، ببساطة تحول من آكل عاطفيا إلى آكل للأخضر واليابس .. البارد، الحار.. المالح.. والسكري، إنها مسألة خطيرة فعلا ـ أعانه الله ـ أما هو فيضل أن يحتفظ بنصيحة أحد الشعراء ( وعش خاليا فالحب أوله عنى.. وأوسطه سقم وآخره قتل ) ، لا يهم إنه لا يستطيع الاستغناء عنها سيعودان لبعضهما، حينئذ سينحف كشجرة سرو عندما يعود إليها مرة أخرى أما هي فحتما ستكون كشجرة بلوط ، إنها القاعدة المعروفة في عالم العشاق بعد الزواج " الرجال ينحفون كالعصا والنساء ينتفخون كالبالون " .! رشف رشفات أخرى من القدح ، نظر إلى ساعته ، نهض من مكانه بعد أن دفع الفاتورة .. ألقى نظرة أخيرة على الجالسين في مقاعدهم أخرج من جيب قميصه بطاقات بيضاء دونت عليها عبارات بلون كحلي..

الدكتور صالح الأحمدي مستشاري لغة الجسد وخفايا الشخصية، سلمها بيد النادل وهو يهمهم : في الطابق الأول.. شقة رقم 3، ثم مضى في سبيله مودعا حيّيه القديم الذي فارقه منذ أكثر من عشرة أعوام.. مضى وصوت المؤذن يحيك نسيجه الدافئ على أسقف الحي الذي ما يزال غارقاً في أحلامه 0

الدراسة النقدية :
الرأي الأول : حاتم قاسم
( البعد السيسيولوجي في نص غبش الحي )

نقف عند الرغبة و نسدل رواق الليل لنسبر الأنفاس المتصاعدة في رائحتها التي تستذكر الماضي بعبق الحاضر في مونولوج داخـلي يحاكـي الذات ببعد نفسي يتجاوز كل الأمكنة ليرسم لنا أفئدة حاضرة يتداعى فيها الحدث و أما المكان فهو القديم الجديد الغائب الحاضر بين رائحة الذكريات المنعشة و التضاريس القديمة التي ترسم على لوحاتها مكاناً لاستيقاظ الذات ، فالحي القديم بزخارفه و طوبـه وروائح البن و الشاي و الهيل و الزعفران و حكايا الجدة عن البحـر ووحوش الليل و أم الدويس ذكريات عالقة في اختزان الذاكرة المتوقدة بشحنتها العاطفية و بعدها النفسي الذي يعكس لنا رائحة الذكريات المنعشة 0 و تنقلنا الكاتبة عبر منهجية دراماتيكية لتصوير البعد النفســي بمونولوجـية الحدث ، فالتضاريس نفسها و المكان نفسه و لكنها النفوس التي تتغير وفق معطيات شاقولية تتقاطع في النقطة نفسها التي تكشف لنا جوانب القوة و الضعف في الذات البشرية عبر منهج سيكولوجي يلقي بموشوره على البعد النفسي و هذا ما عبرت عنه الكاتبة بالزوجات الثلاث وهنَّ يتآمرن على الرابعة فهي صورة تعكس بارتدادها بعداً نفسياً بنمطه السلوكي 0
(( يبدو أن زوجاته الثلاث يتآمرن على الرابعة ، إنها دائماً ضحية الغيرة 00))
فالصراع دائماً ينصب في نقطة الاهتمام ليؤطر الحدث في بقعة الضوء التي تسلط عليها الكاتبة أشعتها المشرقة فكينونة الحدث المشاكس عند المرأة بدأ منذ نزول آدم إلى الأرض إذا صحت المقولة الشعبية أن حواء هي التي أغوت آدم بأكل تفاحة الحياة مع أن القرآن الكريم أشار إلى أن كليهما أكلا من الشجرة و اشتركا في الجريمة نفسها0 أما أن تكون المرأة على الأرض وراء كل مشكلة فهذا ديدن المجتمعات المتخلفة التي يندفع فيها الرجال وراء انفعالات النســاء صحيح أن المرأة إذا همشت بدأت تغزل خيوط المؤامرات لإثبات وجودها ولـكن ذلك لا يتأتى في الواقع إلا في مجتمع رجولي ينظر للمرأة على أنها تابع لا قيمة له مع أن القيم الدينية الإسلامية تصر على أن النساء شقائق الرجال لهن مالهم و عليهن ما عليهم و الشيء الغريب في هذا النص و إن كنا لا نـرى أن زواج الأربع محل انتقاد لأن الله أكرم به النساء قبل الرجال لحكمة يريدها في مجتمعات كمجتمعات الخليج إذا لم يحسن الرجل قيادة المركبات الأربع فإنه لا شك واقـع
(( في حيص بيص )) بحيث يرضي واحدة و تبقى الأخريات في موقع السخط و صناعة المؤامرة 0
و النقطة الثانية التي تعالجها الكاتبة هي نزوة كبار السن مع الفتيات المراهقات بحيث تجعل هذا المعجب يدفع كآلة صرافة من أجل إشباع نزواته 00 الذي لبس
البخل ثوباً و جعله شعاره المتحرك وهذا يؤكد اجتماعياً سمات الكثير من الرجال في مجتمعات الكاتبة الذين و إن كانوا في سـن الشــيخوخة ما زالوا يحلمون بالفتيات المراهقات 0
فصورة المرأة عند الكاتبة ما تزال تؤكد على نقطة حبك المؤامرات و صناعة المشكلات وكأنها استقت من معين القرآن الكريم ما ورد في سورة يوسف و في حق هذا النبي النقي (( إن كيدكن عظيم )) 0

الرأي الثاني : حسين الهنداوي
(( اللغة الشعرية في نص غبش الحي))
تختزن ذاكرة القاصة ليلى البلوشي في نصها غبش الحي لغة شاعرية ذات أبعاد قزحية فهي بكلماتها و حروفها تبعث في النفس الشـوق إلى الالتقاء بالمجهول الذي يتمثل بما يرسمه الواقع المأساوي من مشكلات أبطالها المرأة فقولها :
(( إنه الحي القديم 0000 ، تفوح منه روائح البن والشاي والهيل والزعفران ))
(( هكذا توحي ملامحه القابضة و عيناه الغائبتان عن سمرة هذا القمر في يومه المحاق )) 0
(( على ما يبدو أن قصة حبه وصلت لطريق مسدود ظاهر ذلك من فمه المفتوح كالجرافة تقصم كل ما تراه 00 تطحن00 تفرم000 تحطم 000تبلع 000تجرش 00تهرمش ، ببساطة تحول من آكل للأخضر و اليابس 00 البارد و الحار 000
المالح و السكري ))0
يشير إلى أن لدى القاصة مخزوناً لغوياً يحمل على جناحيه آفاق الخيال القصصي المتمثل بالصورة الفنية في الحي الذي تحول إلى مقهى تفوح منه رائحة البن و الشاي و الهيل و الزعفران ناهيك عن صورة القمر الذي تحول من وجهة نظـر الكاتبة إلى رجل أسمر ذي ملامح قابضة و عينين غائبتيــن و كأنه في يومـه المحاق 0 كما أن استعمال الكاتبة للتشبيه في وصف الفم بالجرافة التي تقضـم كل ما تراه يحيلنا إلى قدرة الخيال الاصطفائي عند الكاتبة إلى اختزان الصــور الواقعية و تجسيدها بصور واقعية مماثلة و إن كان ذلك لا يرتقي إلى ابتــداع الصورة المثلى للقيمة الإنسانية 0 فقد تحولت عين الكاتبة إلى ( آلة تصويــر الواقع المعاش ) ولكنها في العبارة التالية استطاعت أن تحول المجسـدات إلى معنويات و المعنويات إلى مجسدات فقد تحول هذا الإنسان من وجهة نظرها من آكل عاطفياً إلى أكلٍ للأخضر و اليابس و كأنها تؤكد على الجشـع النفسي الذي يقف وراء نفوس بعض الرجال 0 موقف لا شك أنه يصور واقـع النفــوس المريضة التي تحولت الحياة لدى أصحابها إلى ماديات محسوســة ذات فائدة متناسين رفعة القيم و سمو الإنسانية و جمال العاطفة الحقيقية الصادقة 0
(( هل يتحول الدكتور صالح الأحمدي مستشار لغة الجسد إلى مهمهم يبحث عن مادية الحياة تاركاً وراءه صوت المؤذن يحيك نسيجه الدافئ على أسقف الحي الذي ما يزال غارقاً في أحلامه )) 0
مع وضع ثلاثة خطوط حمراء تحت كلمة( مستشار لغة الجسد ) 0
وفي قراءة متأنية للنص مرة أخرى فإنا نحيل الكاتبة إلى مقطع لو حذفته من القصة لتخلصت من السرد المقالي الذي يربك الحدث و يتجلى ذلك من قولها :
(( كما قال أستاذ المحققين 0000000000000000 إلى قولها ووراء كل مجاعة امرأة 00 الخ ))0
كما أنه لو حركت كلمة ( شيء ) بتنوين النصب لكان الأصح في قولها ( إنه الاسم ذاته لم يتغير شيء ) 0 و لو وصفت الزرافة بكلمة ذات في قولها :
( يخاطب زرافة ذو رقبة طويلة ) لكان الأصح 0 كما أن فاعل فعل اختفت يجب أن يكون مرفوعاً بالألف( شفتاه ) في قولها ( و اختفت شفتيه تحت شاربين كثيفين معقوفين ) 0
و قبل أن تتنفس الدراسة الصعداء كان من الأولى أن تقول القاصة ( تنفس الصعداء بدلاً من قولها ( تنفس صعداء ) 0



قراءة في نص /حين يأكل الصمت السكون/ بقلم حسين علي الهنداوي

-------------------------------




حين يأكل الصمت السكون






قراءة ماورائية ببعد سيكولوجي لنص :

مآلت أغصان المحبه!! للشاعر السعودي : أسعد السحيمي

بقلم الدارسين : حسين الهنداوي – حاتم قاسم







النص : مآلت أغصان المحبه!!
مآلت أغصان المحبه وإنقطت قطرة وداع

والورق ودّع عشــيقه في ليالي مؤلمه
والثرى كنت أحسبنه طيب وشهم وشجاع
مادريت إنه أناني ضحــكة الغدر بفمه
زيـّن الهرج وتفنّن لين ماشـب الصراع
بين قطرات النــدى وبين أوراق نظمه
والورق معروف غصنه مايهمه مايشـاع
لكن البلوى تزافر هالنــدى من مبسمه
والوعود ألي وعدها الثرى كانت خداع
هدّم أحــلام الندى ولا لفى قام ظلمه
كل ماطاح الندى غاص في ظلم الوساع
وإنكبت في قاع ضامي والندم يمشي بدمه
والفرح ذاب وتلاشى وإبتدى درب الضياع
والسهر كنـّه شقاوي عذب الناس قلمه
ياهجــيري فرقونا كل ماحلّ إجتماع
وكرّهونا في بعضنا لكن الســر إكتمه
غبت من سبّت عذولن إشــتريته ثم باع
وصار قلبك والمشــاعر لاطرالك تشتمه
من رحل طيفـك وأنا ألي بيني وبيني نزاع
كنّ في صدري حــزين ٍ لاتذكرّك أرحمه
شــف مئآسي هالخيانه أثرت بي للنخاع
شف مكانك في خفوقي شوف حزنه يكتمه
من ظلامي إلـ ظلامك مركب بليّا شراع
وحـبك بقلبي وحبي للعواذل تقسـمه
غابت البسمه وقفآ من سنا فجرك شعاع
وإنطوت صفحات ذكرى تأسر ألي تفهمه
والقلم لملم حكاوي حاولت تنهي الصراع
ولاكسب غير المأسي والجفاف ألي هزمه



الدراســــة النقــدية :
=================
نتوجس الصورة فتسطع أشعة العزف على وتر القصيد تحملنا بين دفتيها لمدارات تنطق فيها الحروف لتبوح عن كينونة النفس 00 تسبر الأغوار
و ينطلق اللحن من صحارى النفس التائهة بقوسه القزحي ليلون مفردات النص بإرهاصات لها بعدٌ سيكولوجي تمتد مفاصله عبر الطبيعة ليرسم لنا الشاعر بمفرداته تجربة ذاتية ببعد يتجاوز فيه النص الاعتيادي فينطلق من الذات يرسم لنا اللوحة بفنها التشكيلي


مآلت أغصان المحبه وإنقطت قطرة وداع

والورق ودّع عشيقه في ليالي مؤلمه
لوحة الذات المتألمة على فراق الأحبة تصنع من أوراق الأشــجار كينونة النفس فترصد من واقعها لون المحبة الذي مالت به الليـالي لينفض قطرات الندى عن أوراقه وتبقى الحسرة على ما فات تسجل ببعدها النفـسي وزناً إيقاعيا يلامس جدران القلب بخطه الأفقي الذي يتمازج مع اللون ليصبـغ الوداع في نفسه المشحونة بالعشق 000 أي ورق يحمل النفس ليطير بها في مدرات الوداع يتلاقى في موشورها النفسي بعدان هما ( العاشق و عشيقته ) والليالي المؤلمة 000
على إيقاع بحر الرمل يسير بنا العاشق الولهان فيأخذنا بإيقاعه الدافئ و بلحنه إلى مسامات القلب لنفتق الحروف و نسلط الأشعة على المفردات
مالتغصا / نل المحبه / و نقطت قط / رة وداع /
فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلان /
و الورقود / دعشيقه / في ليالي / مؤلمه
فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلان
من إرهاصات النفس يسوق لنا الشاعر أسعد السحيمي قصة ذاتية تسبر الأغوار و تنطلق من
الذات لتبحث عن نبض تخالطه المشاعر في حركة ديناميكية تنقلنا إلى الحدث عبر مجسات قصصية تروي الحدث و تنقلنا عبر فضائها الكوني لصورة الواقع فتبدو الصورة جليه وواضحة فنفسه الطامحه تتمثل بأوراق الأشجار التي هزتها الليالي لتذهب بنداها العطر ( المعشوقه ) ثلاثية رائعة ( الورق – الندى – الثرى ) وترابط يجمع المفردات في كينـونة واحدة وكل منهما بحاجة الآخر وهذا ارتباط عضوي وتحليل نفسـي يسـجله الشاعر في معطيات النص الشعري وتبقى الأوراق تحفر عــلى جدران ذاكرتها ألم الوداع تسأل شعلتها المتوقده ويبقى السؤال ينتظر الجواب 00 وعبر سيكولوجية البعد النفسي يرسم هذا الارتداد
بشكل لا شعوري متقمصاً ذاته المتشجرة بالحزن :
والورق معروف غصنه مايهمه مايشاع
لكن البلوى تزافر هالندى من مبسمه

والوعود ألي وعدها الثرى كانت خداع
هدّم أحلام الندى ولا لفى قام ظلمه
كل ماطاح الندى غاص في ظلم الوساع
وإنكبت في قاع ضامي والندم يمشي بدمه
والفرح ذاب وتلاشى وإبتدى درب الضياع
والسهر كنـّه شقاوي عذب الناس قلمه


يشتد صلب العود و تكبر الثقة بالنفس يتجاوز فيها الشاعر بصورته الورقيه الخضراء كل مايشاع وعلى الجانب الآخر تقف البلوى بزفيرها المتصـاعد لتعكر صفو الندى وهو بذلك يمازجنا لون المفردة الحسـية ببعده الرمزي ليعود بنا إلى الثرى الذي يحمل وعود الخداع بأحلامه النرجسية التي ذهبت بأحلام الندى المخملية ليبدأ العد العكسي من ميدان الفرح
إلى درب الضياع الذي يرسمه الكاتب بسهره وعذاباته التي يسطرها في ليله الطويل 000 تتجاوز الكلمات بعدها الحركي بحسية مطلقة ورمزية معلنة لينطلق النداء :
ياهجيري فرقونا كل ماحلّ إجتماع
وكرّهونا في بعضنا لكن السر إكتمه
غبت من سبّت عذولن إشتريته ثم باع
وصار قلبك والمشاعر لاطرالك تشتمه
إنه عشق عذري بأبعاد انسانية تنظر إلى المرأة ببعدها المعنوي لا الحسي
و انظروا معنا إلى ياء النداء ( يا هجيري ) و إضفاء ياء المتكلم الملصوقة بها ومدلولات هذه الكلمة ببعدها السيكولوجي 00 و التضاد الشعري في المفردة ( فرقونا – اجتماع )
( اشتريته – باع ) يوظفها الشاعر في رسم الصورة الشعرية لتعطي بعدها الفني ( الطباق ) ويسقط لنا من المثل السائد ( كل سر جاوز الاثنين شاع ) ( لكن السر اكتمه ) بصمات للحدث تسجل الحضور و على أروقة الصمت في مساماتها المتوقدة تشتعل الحروف :

من رحل طيفك وأنا ألي بيني وبيني نزاع
كنّ في صدري حزين ٍ لاتذكرّك أرحمه

شف مئآسي هالخيانه أثرت بي للنخاع
شف مكانك في خفوقي شوف حزنه يكتمه

يعيش الكاتب أسعد السحيمي صراعا مع النفس بمفردته التي ودعت طيف الحبيبة
لتعيش على الذكرى في أيقونة التفاعل مع معطيات المآسي و الخيانة التي جاوزت حد النخاع الشوكي وهذا بعدٌ آخر يرسمه الكاتب لحركته الديناميكية فالنخاع الشوكي مركز الحركة العصبية التي يتوجس منها آخر أحلامه النرجسية حتى يخاطب الأحبة بلغة فوسفورية
تضيء بصماتها أشعة المكان متجاوزا حدود المكان و الزمان و أشــرعة الحزن المكتومه بدف ء مكان القلب ( شف مكانك في خفوقي شـوف حزنه يكتمه ) على صهوة البوح يمتد الشراع يبحث في النفـس التائهه عن مرسى افتقده في الظلام الدامس يبحث عن شاطئ الأمان يقتسم الفرح ليعلو نشيد القلب
من ظلامي إلـ ظلامك مركب بليّا شراع
وحبك بقلبي وحبي للعواذل تقسمه

إلى ملاذ الشفاه التي تبحث عن بسمتها المفقوده وراء أشعة الفجر بسناها الذي يحمل عبق الذكريات ليطوي صفحاتها المأسورة في ثنايا القلوب التائهة يبرق بصيص الأمل :

غابت البسمه وقفآ من سنا فجرك شعاع
وإنطوت صفحات ذكرى تأسر ألي تفهمه
والقلم لملم حكاوي حاولت تنهي الصراع
ولاكسب غير المأسي والجفاف ألي هزمه

تبحر ريشة الشاعر في أشرعتها لتلملم ( حكاوي حاولت تنهي الصراع ) ولكن الرياح كانت قوية تجرف التيار و تعاكس الأهواء بمرادها فما نالت غير التعب و لا حصدت إلا المآسي في صحراء القلوب التي هزمها الجفاف ليدون على بصماتها رحلة النفس في ذاتية تحاور و تخاطب و ترسم طريقها الوعر فوق حواجز النفس لترصد الحدث باحثا عن وجود حقيقي وكما قال المتنبي :
ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
إنه يتقمص الورق ليعبر عن نفسه و يلبسها ثوب المحبه الذي يكسوه الندى
( العشيقة ) و يبقى للثرى بعد آخر يجمع الاثنين 00
وحبذا لو أن الشاعر قد عنون النص بـ ( يا هجيري ) لأنه يحمل صبغة مطلقة على مفردات النص و المعاناة ولما له من دلالات واضحة في المسار العام لسياق المفردات 000
و تبقى النفس تبحث عن الذات فتلون حركتها بمعطيات الطبيعة تكسر الصمت ببوح يبرعم الذاكرة ويشعل الحروف 0






دندنات امرأة على قلادة الوطن
قراءة في نص (هو الشِّعر كفّي ) للشاعرة قمر صبري الجاسم
الدارسان : حسين علي الهنداوي – حاتم قاسم


النص :
=====
يضيءُ الكلامُ على شفتيكَ
بقنْديلِ شوقٍ
تزوَّدَ مِنْ زيتِ حبٍّ عفيفْ
و صمتُكَ مثلُ دموعِ الثّكالى
بأولادهِنَّ و أزواجهِنَّ و أحلامهِنَّ
و ما مِنْ مُجيبٍ لصمْتِ النزيفْ
و يسكنُ في راحتيكَ الأمانُ
إذا جدَّ في الخَوفِ شيءٌ مُخيفْ
جبينُكَ مزرعةُ الكبرياءْ
و" غمَّازتاكَ " هلالانِ أحلى
مِنَ الصمْتِ في حَضْرةِ الأتقياءْ
ذراعاكَ عذْرُ انتظاري
لأنَّ ذراعيكَ
حلْمُ طفولةِ عمْري اليتيمْ
و حضنُكَ أمٌّ تضمُّ
صغارَ العصافيرِ مذْ غادَروها و طاروا
كأنَّ التي أنجَبَتْهمْ عقيمْ
بعينَيكَ برْقُ القصيدةِ يأتي
يحطُّ على وَحْيِ بَوْحي
فينظمُ ما لا يُجاري حنيني
و أقطفُ مِنْ خدِّكَ الوردَ حتى
أزيِّنَ شِعري
و أرفعَ فيما كتبتُ جبينَ أنيني
بصدرِكَ تطفو سفينةُ نوحٍ
و أيّوبُ أوْدَعَ صبراً مُعتّقْ
و قد قايضوكَ و قدّوا
قميصَ الأمانِ و ما أحرَقوكَ
و لكنْ تمنّوا
و ما مِنْ ضميرٍ تعلّقَ باللهِ يُحرقْ
و من أجلِ ذلكَ أقسمتُ أنّي
سأغْرِفُ كلَّ النساءِ اللواتي
عشقْتَ بقلبي
و مَنْ سوف تعشقْ
بضحكتِكَ النهرُ يروي الحروفَ
على مدِّ تاريخِها بالأملْ
و وجهُكَ تسبيحةٌ للغزلْ
مكانُ سجودِ شفاهِ المُصلّي
صلاةَ حنانٍ بمليونِ قُبلهْ
فكيف يجيءُ إلى قُبلتي العيدُ
أين أولّي لهُ وجهَ شوقي
إلى أيِّ شَطْرٍ و وجهُكَ
من كلِّ حدْبٍ و صوبْ
و بعدكَ ما سوف يخفقُ شِعري
و قبلكَ ما كان شِعري يُحبّْ
سأصنعُ مما كتبتُ مظلّهْ
تخفّفُ وَطْأَ الأسى عَنْ حياتِكْ
و أنسجُ مِنْ خيطِ شِعري رداءً
أفكُّ بهِ السِّحْرَ عَنْ أمنياتِكْ
أبيعُ لعُشّاقِ هذا الزمانِ
ورودي القصائدْ
لأبتاعَ حلْماً يمشِّطُ شِعرَكْ
فباللهِ .. لا لا تقصَّ
جدائلَ شِعركَ كي تشتري لي قَلَمْ
و لستُ أفكِّرُ مِنْ بعدِ حرِّيتي في يديكَ
سوى أنْ يصيرَ
بأرضِ المحبةِ قلبي عَلَمْ
أميري ..أنا عروةٌ في قميصِ الحياةِ
تقيكَ الرياحَ
حنانُكَ زرّي ..
أصومُ أُصلّي و أدعو ,
و سجّادةُ البوحِ شِعري ..
و أرفعُ كفَّ القصائدِ نحو السماءِ
لأنَّ القصائدَ ما دنَّسَتْها الذنوبُ
بل الشِّعرُ طُهري
و ليلةَ سوف يضمُّ حنيني فضاؤكَ
ليلةُ قدْري
أنا لستُ إلا وداعاً مؤجّلْ
أنا لستُ إلا وميضَ الأملْ
شِفاهي عذارى
شفاهُكَ مسكونةٌ بالقُبَلْ
أنا قبلةٌ في شفاهِ الوسادهْ
سريري الوداعْ
و حلْمي الفَرَحْ
أنا دمعةٌ فجّرتْ شِعرَها كي
تنالَ الشهادهْ
هو الشِّعرُ عَرْشي
و شَعبي الحروفْ
أسنُّ بهِ ما يطيبُ لصمْتي
أغيِّرُ بالشِّعرِ أقسى الحروفْ
أدندنُ مِنْ حزنِ شِعري انتصاراً
أعمِّرُ مِنْ شوقِ شِعري وطنْ
تبسَّمْ ليصمدَ حزني
لعلّي أكسِّرُ بالشِّعرِ قيدَ الزمنْ
أبي الشِّعرُ أمّي , و " ستّي " وجَدّي
وخالي و عمّي و أختي , أخي
صديقي الوفيْ
و شاربُ خمرَ القصائدِ يسكرُ
كيف أنا مَنْ تعتَّقَ فيّْ
هو الشِّعرُ عيني أراكَ بِهِ
و يحمي القصائدَ رمْشُ الغرامْ
سلاحي و ما مِنْ سلاحٍ
يناهضُ كالشِّعرِ حربَ السلامْ
و أُضحيتي بعد حجِّ القصائدْ
أوفّي بِهِ نذرَ حُلْمِ المنامْ
حِواري و صمتي و صوتي غنائي
و أحلى بحورِ القصائدِ بحرُ الهُيامْ
هو الشِّعرُ حُلْمي البسيطُ المعقّدْ
صلاةُ المسافرِ في أرضِ شِعرٍ مُخلَّدْ
صلاةُ "التّسابيحِ" في وَهْجِ عمري
صلاةُ " التهجّدْ "
و في الليلِ عوَّدتُ شِعري القيامْ
أعلِّمُ بالشِّعرِ كلَّ النساءِ المودّهْ
أُذكِّرُ كلَّ الرجالِ
بأنَّ النساءَ وراءَ الرجالِ العِظامْ
هو الشِّعرُ طفلي
لأجلكَ علَّمتُهُ كيفَ يمشي
لأجلكَ علَّمتُ طفلي الكلامْ
هو الشِّعرُ شَعري
فمشِّط بعينيكَ
شَعرَ حروفي
هو الشِّعرُ كفّي
إذا ما قَرَأْتَ القصائدَ
ردَّ السلامْ
خدودي
شفاهي ..
فهلاّ حكيتَ لهُ قُبلةً
كي ينامْ .




دندنات امرأة على قلادة الوطن

حينما تتفتح على قارعة الصمت أغنيات الوعد الإنساني تمطر غيوم الشعر أحلاماً وردية ترسم ذاكرة الوطن أفقاً نيراً يطاول كواكب الصمت في هذا الكون المتسع و الذي تحول فيه الشعر إلى نشيد حزين على قارعة الحزن الإنساني 0
( هو الشعر كفي ) مرثية تبحث عن الأمل في عالم شعري يضج بالأصوات الناجزة حينما تحول الشعراء إلى باعة جوالين على أرصفة الصمت العربي 0 و أنت حينما تريد أن تتحدث عن ذاكرة المرأة و الوطن من المفترض أن تستحضر عالم الحزن الذي ما زال يغلف الأصوات النسائية و يظلل آفاق الشعر العربي في زمن يخسر فيه الإنسان العربي الكثير من مقومات الشخصية العصرية 0
( هو الشعر كفي ) نص أبدي النشيج يتلون بألوان قوس قزح الحزين ولكنه يفتح أمام الوطن أفقاً واسع المدى ليرتسم علمه في أعلى الكواكب منزلة و أعظمها إكباراً و أكثرها مودة 0
فالوطن في نص الشاعرة جبينه مزرعة للكبرياء و غمازتاه هلالان أحلى من الصمت في حضرة الأتقياء وهذا يعني أن صورة الوطن المقدسة في ذاكرة الشاعرة ركن من أركان الحياة لا يمكن أن تقوم حياتها إلا به وهو يلتقي مع اثفيتين أخريين هما الذات و الشعر ليشكل أثافي ثلاث تقوم عليها ذاكرة الحزن عند الشاعرة وما لا يمكن أن يتخيله قارئ النص هو أولئك الذين يعكرون صفو لوحة الحب الوطنية التي خربش على أطرافها الكثير من الذين لم يصلوا إلى عمق الحب الصافي لهذا المعشوق الوطني و الذي توحد مع ذات الشاعر ليعكس لنا صورة حب من طرف واحد فشلت ذاكرة الشاعرة في أن تختزنه في لاوعيها 0
( هو الشعر كفي ) قراءة للكف التي هي تهويمة للوصول إلى محطة ترسو عليها سفينة الشاعرة و لكن قارئة الكف تؤوب بخفي حنين

جبينُكَ مزرعةُ الكبرياءْ
و" غمَّازتاكَ " هلالانِ أحلى
مِنَ الصمْتِ في حَضْرةِ الأتقياءْ
ذراعاكَ عذْرُ انتظاري
لأنَّ ذراعيكَ
حلْمُ طفولةِ عمْري اليتيمْ
و حضنُكَ أمٌّ تضمُّ
صغارَ العصافيرِ مذْ غادَروها و طاروا
كأنَّ التي أنجَبَتْهمْ عقيمْ

أليس من العبث أن يتحول هذا الحب إلى فقاعات هواء تسري في ذاكرة الكون و كأن الصراع الدرامي للنفس الإنسانية يعيد لذاكرة الشاعرة فجائع الإنسانية السابقة المتمثلة بسفينة نوح و بصبر أيوب على الرغم من أنها تحاول أن تقطف من بستان هذا الوطن وروداً تضفر بها شعرها لتبقى شامخة في دروب الحياة الموجعة 0 فأيوب و نوح يمثلان الصبر العريض الذي يتلقاه الإنسان أمام صدمات الحياة المتكررة التي تحول فيها الإنسان إلى جريدة تقرأ ثم تلقى على أرصفة الطرقات
و أقطفُ مِنْ خدِّكَ الوردَ حتى
أزيِّنَ شِعري
و أرفعَ فيما كتبتُ جبينَ أنيني
بصدرِكَ تطفو سفينةُ نوحٍ
و أيّوبُ أوْدَعَ صبراً مُعتّقْ
و قد قايضوكَ و قدّوا
قميصَ الأمانِ و ما أحرَقوكَ
و لكنْ تمنّوا
و ما مِنْ ضميرٍ تعلّقَ باللهِ يُحرقْ


و في زحمة الوجع الإنساني تعود الشاعرة إلى قراءة كفها المتمثل ( بالشعر ) الملاذ الوحيد الذي يحقق لها أمنياتها على هذه الأرض 000 نحن لا ننكر على الشاعرة هذا التعلق الوله بقميص الحياة المتمثل بالوطن على الرغم من شدة الرياح العاتية التي تحاول اقتلاع ذاتها من هذا الأفق الفسيح ونحن نعرف أن الشعراء يتعلقون بأوسمة الوطن لأن التراب يمثل لديهم المعاد الإنساني الحقيقي وهذا جزء من الذات الإنسانية التي لا تبرح أن ترتبط بذرات التراب

أميري ..أنا عروةٌ في قميصِ الحياةِ
تقيكَ الرياحَ
حنانُكَ زرّي ..
أصومُ أُصلّي و أدعو ,
و سجّادةُ البوحِ شِعري ..
و أرفعُ كفَّ القصائدِ نحو السماءِ
لأنَّ القصائدَ ما دنَّسَتْها الذنوبُ
بل الشِّعرُ طُهري
و في ذروة هذا الحزن تنبثق زنابق الأمل باحثة عن وعد إنساني يتمثل في عذرية الشفاه المسكونة بالقبل 000 فوميض هذه القبل يطبع على الوسادة أحلامها المؤجلة التي تنتظر عودتها مع طائر الفرح كي تزف للطامحين بعيون هذا الوطن بشرى الشهادة التي تجذر فينا معاني الطموح و الكبرياء :

أنا لستُ إلا وداعاً مؤجّلْ
أنا لستُ إلا وميضَ الأملْ
شِفاهي عذارى
شفاهُكَ مسكونةٌ بالقُبَلْ
أنا قبلةٌ في شفاهِ الوسادهْ
سريري الوداعْ
و حلْمي الفَرَحْ
أنا دمعةٌ فجّرتْ شِعرَها كي
تنالَ الشهادهْ
و الشاعرة في نصها مصرة على أن تتسلح بالأمل الواعد الذي يعيد لوطنها الحلم أفقه الانتصاري الذي يعلق على صدرها أوسمة من الفرح و العطاء فهي ما تزال مدندنة و مصرة في إيقاع نبضها الدافئ أن يتحول الحزن إلى فرح أبدي و إن كان بالشعر لا يستطيع الإنسان أن يكسر قيود الزمن :

أدندنُ مِنْ حزنِ شِعري انتصاراً
أعمِّرُ مِنْ شوقِ شِعري وطنْ
تبسَّمْ ليصمدَ حزني
لعلّي أكسِّرُ بالشِّعرِ قيدَ الزمنْ

البناء الفني في نص (هو الشعر كفي )
------------------------------------
تكاد و أنت تقرأ في نص ( هو الشعر كفي ) الذي كتب على طريقة شعر التفعيلة أن تتلمس خطا الأصالة العربية في موسيقا الشعر الخليلي الذي ما تزال إيقاعاته تدندن في ذاكرة الشعراء جوقة موسيقية لا يبرح أعضائها أن يؤدوا ما عليها من أدوار فالبحر المتقارب يحمل على جناحيه خيال الشاعرة الواعد و المتمثل بخطوات واثقة من الوصول و إن كانت حزينة الوقع إذ أن تفعيلة
( فعول) التي تشكل الوحدة الموسيقية في النص تحمل في عمقها بحة حزينة صبغت كل كلمة من كلمات الشاعرة بحزنها الأبدي و التي إذا وصلت إلى اللام منها انطلق الوثوق بأفقه الواعد و لا أدل على ذلك إلا كلمات الشاعرة التي كللتها بقوافي مقيدة في كل مقطع شعري و أبرز ما يؤطر قيمة هذا النص الخيال الشعري الواعد الي يفتح لنا أفقاً من الفرح و لكنه مثقل بحزن عميق يأسر الشاعرة أحياناً و يتركها طليقة في أحيان أخرى غير متناسين أن الأدب النسائي ما زال في معظمه يدور في فلك الذات و إن كانت الشاعرة تحمل في نصها هم ذاتها و هم تراب وطنها حملاً ثقيلاً تدور فيه في مرابد الشاعر العربي

جبينُكَ مزرعةُ الكبرياءْ
و" غمَّازتاكَ " هلالانِ أحلى
مِنَ الصمْتِ في حَضْرةِ الأتقياءْ
و يمكن للمتلقي أن يسبح مع خيال الشاعرة حينما يتحول جبين الوطن إلى مزرعة من الكبرياء بينما غمازتاه تشفان عن ابتسامة هلالية تبعث الوقار في هذا الصمت المطبق ( صورة مركبة تحتاج إلى بحث أعمق ) كما و أن صوت المفردة التي يحملها هذا النص بقي مثقلا بالأمل و الحزن معا فكلمات مثل (وَطْأَ الأسى - صلاةَ حنانٍ - سجّادةُ البوحِ شِعري ..- أكسِّرُ بالشِّعرِ قيدَ الزمنْ )
تحمل في ذاكرتها الحالة الإحباطية التي يعيشها الإنسان في هذا الزمن المفؤود بقيمه و أخلاقه و إنسانيته و الشاعرة في كل ما سبق تحاول أن تنهض بذاتها الغائبة عن أنظار العابرين بسفنهم بحار الحياة فهي مثقلة بصور محبطة تذكر ما للأنوثة من قوة كامنة تدفع الرجال إلى قمة المجد و تذكر بأن وطنها المتخيل يحمل للعالم قوة كامنة تدفع الإنسانية إلى آفاق مشرقة كما كان في الماضي و إن كانت هناك بعض الزحافات الشعرية التي أثقلت متن بعض الأسطر الشعرية بحمل زائد كان بإمكان الشاعرة أن تتخلص منه لتجري سفينتها في بحر الشعر الواعد ( بضحكتِكَ النهرُ يروي الحروفَ ) كما و أن بعض الحروف التي تعلقت بالأسطر الشعرية أثقلت متن النص فالباء في قولها ( بقنديل ) جاءت سفاحاً شعرياً كان من الأولى للشاعرة أن لا تورده في هذا السطر الشعري وكم هو جميل لو أنها جعلت كلمة قنديل منصوبة لا مجرورة
(يضيءُ الكلامُ على شفتيكَ
بقنْديلِ شوقٍ )

و تبقى نوافذ الأمل مفتوحة في ذاكرة الشاعرة تجمح بها نحو أفق واسع لتؤكد على أن القصيدة الحقة تتحول إلى كائن إنساني يقرأ ذاته و يفتق كينونته على شفاه الزمن

هو الشِّعرُ شَعري
فمشِّط بعينيكَ
شَعرَ حروفي
هو الشِّعرُ كفّي
إذا ما قَرَأْتَ القصائدَ
ردَّ السلامْ
خدودي
شفاهي ..
فهلاّ حكيتَ لهُ قُبلةً
كي ينامْ .




الضياع المثيولوجي و انطواء الذات
قراءة قي قصيدة ( سكة سفر ) للشاعرة ريناد القحطاني
الدارسان : حسين الهنداوي - حاتم قاسم




ويل عيني للمسافر .. لا لقي له درب عاثر
هو يصيح بصوت عالي!!
او يخليها خوافي!!
من يقول الموت واحد ..
ماصدق يمكن يكابر
المنايا ..
والحكايا ..
والنوايا
تشتكي من كل غادر
هي كذا عندي (أنا)
يمكن تخّلف او(غبا)
بس الصراحة مؤلمة
لا شفت لك دربً (غدا)
من كثر ماهو (عنا)
تحتار فيه الخُطا ..
هي تترررررركه او تسسسسسسسلكه!!!


حظي (كذا)..
رغم الرياح العاتية
رغم الظروف الماشية ..
رغم الرمال الزاحفة
رغم الشعر وأهل الشعر الا


(أنا)


تبقى حروفي باكيه..
تكتب خوافي ماضية
ذيك السنين الخالية ..
ذيك السنين الشارده .. ذيك الخطُاوي الضايعه



لا .. لا تقولوا اشردت ..
لا.. لا تنادوا اغربت ..
هيّ (هنا) فـــ امحاجري .. في غرفتي .. في ديرتي
شمس الاصيل الذابحة

وسط الحنايا ساكنة .. كل الزوايا داكنه
كل الزاويا داكنة ..

حتى (أنا)

درب السفر ليله طويل .. الا بعيد ابناظري
اشكي لمن ؟ ..

ابكي لمن؟ ..

ياعزوتي .. يامدتي .. ياخطوتي .. اشكي لمن؟
دمعي غرق .. قلبي شهق .. في ناظري راح الزمن
ماعدت اقوى للسفر .....الدرب عاثر والتوى ..
ماعاد ادري هي انا .. نفس الملامح الاوله ..
لا والله الا ناقصة ..
هذي عيوني زارقه ...
هذي يديني طايحه ..
هذي عظامي بالية

مو بس انا .. مثلي كذا .. مليوووووووووووون واحد يشتكي ..
سكة سفر ..
اقسا مـــ الحجر ..
ياهو سفر ..
ياهو سفر..
ياهو سفر

حينما يختزن اللاشعور انطواءات العلاقات الاجتماعية و حينما تتحول الذات الفاعلة إلى صفحة منفعلة يرسم عليها الزمن حوادثه المتدفقة يقف العقل مشدوهاً أمام الضياع الإنساني الذي بدأه أدم عليه السلام حينما أنزله الله إلى الأرض و أحس بخطيئته إحساسا إنسانياً جعله يبكي ردحاً طويلاً من الزمن و يعيش حالة من الحزن و التفرد على سفره الممتد من السموات العلا إلى الأرض التي لن يستمر عليها إلا سنوات معدودة 0
السفر في ذاكرة الإنسان بشكل عام و في ذاكرة الشعراء بشكل خاص يلقي بظلال حزينة تجعل من الذات قربة ًً من الماء الساكن لا يمكن أن يتدفق إلا بحركة فاعلة 0
و شاعرتنا ريناد تبدأ سفرها الحزين المضني بعبارة صارخة تستنهض كل خزانات الحزن التي يختزنها الإنسان في أعماقه فهي تشتعل منذ مطلع القصيدة بنار حزينة و تلتهب روحها بانفعالات تستدعي الموت كي يحضر ليخلص الشاعرة من شلالات الحزن التي تصب في بحيرة ذاكرتها 0

(( ويل عيني للمسافر000 لا لقي له درب عاثر
هو يصيح بصوت عالي
أو يخليها خـــــــوافــــي
من يقول الموت واحــــد
ما صدق يمكن يكــابــــر
و كلمة ( ويل ) هذه التي تحضر في أي نص شعري تستدعي معها كل الآلام الإنسانية التي أصبحت على مر الأيام سجلاً تاريخياً يسم الإنسان بمرارة العيش و الحرمان و هي تلتقي في نهاية السطر الشعري الأول مع لوحة (( درب عاثر )) لتشكل لنا خطاً بيانياً يرسم واقع الإنسان و همومه على هذه الأرض و من هنا يبدو أن الإنسان الضعيف المختبئ داخل ذات الشاعرة يصرخ بصوت عال و كأنه يريد أن يقول للناس جميعاً : توقفوا عن الحزن و عن إهداء الحزن إلى الآخرين 0
إنها حقيقة المشاعر الإنسانية التي يطلقها الآخرون باتجاهنا بحيث تجعل المنايا و الحكايا و النوايا تشتكي من ظلم الإنسان الذي أصبح يغدر بكل شيء و هل الوقوف عند الحزن و الاكتواء بناره يجدي شيئاً في رأي الشاعرة 000 يمكن أن يكون عناء تستدعيه الذات لكي تعلل لذاتها هذا الحزن المستمر الذي يحط بجناحيه على ذاكرة الإنسان و الشاعرة في رسمها لظاهرة ملايين الناس الذين يعيشون تلك الحالة و الدلالة على ذلك قولها :

(( مو بس أنا 000 مثلي كذا000 مليووووووووون
واحد يشتكي
سكة سفــر
وهل ذلك بسب هذا السفر الذاتي مع الحزن يبقى أن نشير إلى أن الظاهرة النفسية التي تجعل الإنسان يستمرء حالة الحزن و يستجيب لها بشكل ألي توقعه أن حظه في الدنيا هو على هذه الصورة

(( حظي ( كذا )
رغم الريــــاح العاتـيـة
رغم الظروف الماشية
رغم الرمال الزاحفــــة
رغم الشعر و أهل الشعر إلا
( أنـــــا )
و نتوقف هنا لنخالف الشاعرة فيما ذهبت إليه في فهم فلسفة الانفعال الإنساني مع الواقع الحياتي ، فالمفهومات الاجتماعية تستدعي في ذاكرة الذين يعيشون حالة الحزن أن الأقدار هي التي خطت لهم الطريق الحزين و أنهم لا يستطيعون دفع الأقدار و بالتالي لا يستطيعون دفع الحزن و من هنا يكون الحظ ظلاً ملازماً للحزين مع أن الحقيقة القرآنية تشير إلى أن كل إنسان له حظه من السعادة و التعاسة و من الحزن ومن السرور و من الخير و من الشر 0 أما أن ينطوي الفرد تحت إسار الحزن و يبدأ العزف على هذا الوتر فهذا شأن إنساني خاص و ليس شأناً قدرياً فكل إنسان مسؤول عما يفعله أو يعيشه على هذه الأرض 0
و لنتوقف قليلاً عند عبارات أطلقتها الشاعرة لتؤكد لنا أن الحزن ظاهرة ( حظية)
لا يستطيع الإنسان الانفكاك منها 0

رغم الريــــاح العاتـيـة
رغم الظروف الماشية
رغم الرمال الزاحفــــة
رغم الشعر و أهل الشعر


لتؤكد على أن الرياح العاتية هي من صنع الشاعرة نفسها فالحياة فيها نسيم عليل و رياح عاتية و لتؤكد أن الظروف التي سمتها الشاعرة ماشية منها ما هي ظروف تبعث الأمل الإنساني الضاحك و منها ظروف تبعث الحزن الباكي لهذا الإنسان و حقيقة كما تقول الشاعرة أن الرمال زاحفة فهي تشكل كثبان في هذا الاتجاه و كثبان أخرى في اتجاه آخر و هذه سابقة نسجلها لهذه الشاعرة لأنها عبرت من خلال هذه الجملة المجازية أن ما يخلفه القدر على الإنسان يتحول من مكان إلى آخر ومن شخص إلى آخر و إن كانت الشاعرة أدخلت الشعر الذي يمثل العاطفة و الوجدان في معمعان صراع الإنسان مع الظروف الصعبة فالشعراء كما يقول الشاعر الإنكليزي ( شيلي ) : (( مشرعو العالم غير المعترف بهم )) و هذا يعني أن العاطفة زئبقية رجراجة لا تعطي حكماً واقعياً 0
بقي أن نقول أن زفرة الحزن التي أطلقتها الشاعرة ريناد القحطاني و التي اكتنزت بمرارة الواقع هي امتداد لزفرة الحزن عند شاعرة بكاءة كالخنساء أو كسعدى الشمردلية و إن كانت الأولى ( الشاعرة ريناد ) قد عبرت عن ذلك من خلال الشعر النبطي بينما عبرت الخنساء و سعدى الشمردلية عن ذلك بالشعر الفصيح 0

(( هذي عيوني زارقه000
هذي يديني طايحــه000
هذي عظامي باليــه000
و هكذا أعادت الشاعرة إلى دورة الحزن من جديد لتبدأ حركة ديناميكية جديدة في عالم الحزن 0




دندنات امرأة على قلادة الوطن
قراءة في نص (هو الشِّعر كفّي ) للشاعرة قمر صبري الجاسم
الدارسان : حسين علي الهنداوي – حاتم قاسم


النص :
=====
يضيءُ الكلامُ على شفتيكَ
بقنْديلِ شوقٍ
تزوَّدَ مِنْ زيتِ حبٍّ عفيفْ
و صمتُكَ مثلُ دموعِ الثّكالى
بأولادهِنَّ و أزواجهِنَّ و أحلامهِنَّ
و ما مِنْ مُجيبٍ لصمْتِ النزيفْ
و يسكنُ في راحتيكَ الأمانُ
إذا جدَّ في الخَوفِ شيءٌ مُخيفْ
جبينُكَ مزرعةُ الكبرياءْ
و" غمَّازتاكَ " هلالانِ أحلى
مِنَ الصمْتِ في حَضْرةِ الأتقياءْ
ذراعاكَ عذْرُ انتظاري
لأنَّ ذراعيكَ
حلْمُ طفولةِ عمْري اليتيمْ
و حضنُكَ أمٌّ تضمُّ
صغارَ العصافيرِ مذْ غادَروها و طاروا
كأنَّ التي أنجَبَتْهمْ عقيمْ
بعينَيكَ برْقُ القصيدةِ يأتي
يحطُّ على وَحْيِ بَوْحي
فينظمُ ما لا يُجاري حنيني
و أقطفُ مِنْ خدِّكَ الوردَ حتى
أزيِّنَ شِعري
و أرفعَ فيما كتبتُ جبينَ أنيني
بصدرِكَ تطفو سفينةُ نوحٍ
و أيّوبُ أوْدَعَ صبراً مُعتّقْ
و قد قايضوكَ و قدّوا
قميصَ الأمانِ و ما أحرَقوكَ
و لكنْ تمنّوا
و ما مِنْ ضميرٍ تعلّقَ باللهِ يُحرقْ
و من أجلِ ذلكَ أقسمتُ أنّي
سأغْرِفُ كلَّ النساءِ اللواتي
عشقْتَ بقلبي
و مَنْ سوف تعشقْ
بضحكتِكَ النهرُ يروي الحروفَ
على مدِّ تاريخِها بالأملْ
و وجهُكَ تسبيحةٌ للغزلْ
مكانُ سجودِ شفاهِ المُصلّي
صلاةَ حنانٍ بمليونِ قُبلهْ
فكيف يجيءُ إلى قُبلتي العيدُ
أين أولّي لهُ وجهَ شوقي
إلى أيِّ شَطْرٍ و وجهُكَ
من كلِّ حدْبٍ و صوبْ
و بعدكَ ما سوف يخفقُ شِعري
و قبلكَ ما كان شِعري يُحبّْ
سأصنعُ مما كتبتُ مظلّهْ
تخفّفُ وَطْأَ الأسى عَنْ حياتِكْ
و أنسجُ مِنْ خيطِ شِعري رداءً
أفكُّ بهِ السِّحْرَ عَنْ أمنياتِكْ
أبيعُ لعُشّاقِ هذا الزمانِ
ورودي القصائدْ
لأبتاعَ حلْماً يمشِّطُ شِعرَكْ
فباللهِ .. لا لا تقصَّ
جدائلَ شِعركَ كي تشتري لي قَلَمْ
و لستُ أفكِّرُ مِنْ بعدِ حرِّيتي في يديكَ
سوى أنْ يصيرَ
بأرضِ المحبةِ قلبي عَلَمْ
أميري ..أنا عروةٌ في قميصِ الحياةِ
تقيكَ الرياحَ
حنانُكَ زرّي ..
أصومُ أُصلّي و أدعو ,
و سجّادةُ البوحِ شِعري ..
و أرفعُ كفَّ القصائدِ نحو السماءِ
لأنَّ القصائدَ ما دنَّسَتْها الذنوبُ
بل الشِّعرُ طُهري
و ليلةَ سوف يضمُّ حنيني فضاؤكَ
ليلةُ قدْري
أنا لستُ إلا وداعاً مؤجّلْ
أنا لستُ إلا وميضَ الأملْ
شِفاهي عذارى
شفاهُكَ مسكونةٌ بالقُبَلْ
أنا قبلةٌ في شفاهِ الوسادهْ
سريري الوداعْ
و حلْمي الفَرَحْ
أنا دمعةٌ فجّرتْ شِعرَها كي
تنالَ الشهادهْ
هو الشِّعرُ عَرْشي
و شَعبي الحروفْ
أسنُّ بهِ ما يطيبُ لصمْتي
أغيِّرُ بالشِّعرِ أقسى الحروفْ
أدندنُ مِنْ حزنِ شِعري انتصاراً
أعمِّرُ مِنْ شوقِ شِعري وطنْ
تبسَّمْ ليصمدَ حزني
لعلّي أكسِّرُ بالشِّعرِ قيدَ الزمنْ
أبي الشِّعرُ أمّي , و " ستّي " وجَدّي
وخالي و عمّي و أختي , أخي
صديقي الوفيْ
و شاربُ خمرَ القصائدِ يسكرُ
كيف أنا مَنْ تعتَّقَ فيّْ
هو الشِّعرُ عيني أراكَ بِهِ
و يحمي القصائدَ رمْشُ الغرامْ
سلاحي و ما مِنْ سلاحٍ
يناهضُ كالشِّعرِ حربَ السلامْ
و أُضحيتي بعد حجِّ القصائدْ
أوفّي بِهِ نذرَ حُلْمِ المنامْ
حِواري و صمتي و صوتي غنائي
و أحلى بحورِ القصائدِ بحرُ الهُيامْ
هو الشِّعرُ حُلْمي البسيطُ المعقّدْ
صلاةُ المسافرِ في أرضِ شِعرٍ مُخلَّدْ
صلاةُ "التّسابيحِ" في وَهْجِ عمري
صلاةُ " التهجّدْ "
و في الليلِ عوَّدتُ شِعري القيامْ
أعلِّمُ بالشِّعرِ كلَّ النساءِ المودّهْ
أُذكِّرُ كلَّ الرجالِ
بأنَّ النساءَ وراءَ الرجالِ العِظامْ
هو الشِّعرُ طفلي
لأجلكَ علَّمتُهُ كيفَ يمشي
لأجلكَ علَّمتُ طفلي الكلامْ
هو الشِّعرُ شَعري
فمشِّط بعينيكَ
شَعرَ حروفي
هو الشِّعرُ كفّي
إذا ما قَرَأْتَ القصائدَ
ردَّ السلامْ
خدودي
شفاهي ..
فهلاّ حكيتَ لهُ قُبلةً
كي ينامْ .




دندنات امرأة على قلادة الوطن

حينما تتفتح على قارعة الصمت أغنيات الوعد الإنساني تمطر غيوم الشعر أحلاماً وردية ترسم ذاكرة الوطن أفقاً نيراً يطاول كواكب الصمت في هذا الكون المتسع و الذي تحول فيه الشعر إلى نشيد حزين على قارعة الحزن الإنساني 0
( هو الشعر كفي ) مرثية تبحث عن الأمل في عالم شعري يضج بالأصوات الناجزة حينما تحول الشعراء إلى باعة جوالين على أرصفة الصمت العربي 0 و أنت حينما تريد أن تتحدث عن ذاكرة المرأة و الوطن من المفترض أن تستحضر عالم الحزن الذي ما زال يغلف الأصوات النسائية و يظلل آفاق الشعر العربي في زمن يخسر فيه الإنسان العربي الكثير من مقومات الشخصية العصرية 0
( هو الشعر كفي ) نص أبدي النشيج يتلون بألوان قوس قزح الحزين ولكنه يفتح أمام الوطن أفقاً واسع المدى ليرتسم علمه في أعلى الكواكب منزلة و أعظمها إكباراً و أكثرها مودة 0
فالوطن في نص الشاعرة جبينه مزرعة للكبرياء و غمازتاه هلالان أحلى من الصمت في حضرة الأتقياء وهذا يعني أن صورة الوطن المقدسة في ذاكرة الشاعرة ركن من أركان الحياة لا يمكن أن تقوم حياتها إلا به وهو يلتقي مع اثفيتين أخريين هما الذات و الشعر ليشكل أثافي ثلاث تقوم عليها ذاكرة الحزن عند الشاعرة وما لا يمكن أن يتخيله قارئ النص هو أولئك الذين يعكرون صفو لوحة الحب الوطنية التي خربش على أطرافها الكثير من الذين لم يصلوا إلى عمق الحب الصافي لهذا المعشوق الوطني و الذي توحد مع ذات الشاعر ليعكس لنا صورة حب من طرف واحد فشلت ذاكرة الشاعرة في أن تختزنه في لاوعيها 0
( هو الشعر كفي ) قراءة للكف التي هي تهويمة للوصول إلى محطة ترسو عليها سفينة الشاعرة و لكن قارئة الكف تؤوب بخفي حنين

جبينُكَ مزرعةُ الكبرياءْ
و" غمَّازتاكَ " هلالانِ أحلى
مِنَ الصمْتِ في حَضْرةِ الأتقياءْ
ذراعاكَ عذْرُ انتظاري
لأنَّ ذراعيكَ
حلْمُ طفولةِ عمْري اليتيمْ
و حضنُكَ أمٌّ تضمُّ
صغارَ العصافيرِ مذْ غادَروها و طاروا
كأنَّ التي أنجَبَتْهمْ عقيمْ

أليس من العبث أن يتحول هذا الحب إلى فقاعات هواء تسري في ذاكرة الكون و كأن الصراع الدرامي للنفس الإنسانية يعيد لذاكرة الشاعرة فجائع الإنسانية السابقة المتمثلة بسفينة نوح و بصبر أيوب على الرغم من أنها تحاول أن تقطف من بستان هذا الوطن وروداً تضفر بها شعرها لتبقى شامخة في دروب الحياة الموجعة 0 فأيوب و نوح يمثلان الصبر العريض الذي يتلقاه الإنسان أمام صدمات الحياة المتكررة التي تحول فيها الإنسان إلى جريدة تقرأ ثم تلقى على أرصفة الطرقات
و أقطفُ مِنْ خدِّكَ الوردَ حتى
أزيِّنَ شِعري
و أرفعَ فيما كتبتُ جبينَ أنيني
بصدرِكَ تطفو سفينةُ نوحٍ
و أيّوبُ أوْدَعَ صبراً مُعتّقْ
و قد قايضوكَ و قدّوا
قميصَ الأمانِ و ما أحرَقوكَ
و لكنْ تمنّوا
و ما مِنْ ضميرٍ تعلّقَ باللهِ يُحرقْ


و في زحمة الوجع الإنساني تعود الشاعرة إلى قراءة كفها المتمثل ( بالشعر ) الملاذ الوحيد الذي يحقق لها أمنياتها على هذه الأرض 000 نحن لا ننكر على الشاعرة هذا التعلق الوله بقميص الحياة المتمثل بالوطن على الرغم من شدة الرياح العاتية التي تحاول اقتلاع ذاتها من هذا الأفق الفسيح ونحن نعرف أن الشعراء يتعلقون بأوسمة الوطن لأن التراب يمثل لديهم المعاد الإنساني الحقيقي وهذا جزء من الذات الإنسانية التي لا تبرح أن ترتبط بذرات التراب

أميري ..أنا عروةٌ في قميصِ الحياةِ
تقيكَ الرياحَ
حنانُكَ زرّي ..
أصومُ أُصلّي و أدعو ,
و سجّادةُ البوحِ شِعري ..
و أرفعُ كفَّ القصائدِ نحو السماءِ
لأنَّ القصائدَ ما دنَّسَتْها الذنوبُ
بل الشِّعرُ طُهري
و في ذروة هذا الحزن تنبثق زنابق الأمل باحثة عن وعد إنساني يتمثل في عذرية الشفاه المسكونة بالقبل 000 فوميض هذه القبل يطبع على الوسادة أحلامها المؤجلة التي تنتظر عودتها مع طائر الفرح كي تزف للطامحين بعيون هذا الوطن بشرى الشهادة التي تجذر فينا معاني الطموح و الكبرياء :

أنا لستُ إلا وداعاً مؤجّلْ
أنا لستُ إلا وميضَ الأملْ
شِفاهي عذارى
شفاهُكَ مسكونةٌ بالقُبَلْ
أنا قبلةٌ في شفاهِ الوسادهْ
سريري الوداعْ
و حلْمي الفَرَحْ
أنا دمعةٌ فجّرتْ شِعرَها كي
تنالَ الشهادهْ
و الشاعرة في نصها مصرة على أن تتسلح بالأمل الواعد الذي يعيد لوطنها الحلم أفقه الانتصاري الذي يعلق على صدرها أوسمة من الفرح و العطاء فهي ما تزال مدندنة و مصرة في إيقاع نبضها الدافئ أن يتحول الحزن إلى فرح أبدي و إن كان بالشعر لا يستطيع الإنسان أن يكسر قيود الزمن :

أدندنُ مِنْ حزنِ شِعري انتصاراً
أعمِّرُ مِنْ شوقِ شِعري وطنْ
تبسَّمْ ليصمدَ حزني
لعلّي أكسِّرُ بالشِّعرِ قيدَ الزمنْ

البناء الفني في نص (هو الشعر كفي )
------------------------------------
تكاد و أنت تقرأ في نص ( هو الشعر كفي ) الذي كتب على طريقة شعر التفعيلة أن تتلمس خطا الأصالة العربية في موسيقا الشعر الخليلي الذي ما تزال إيقاعاته تدندن في ذاكرة الشعراء جوقة موسيقية لا يبرح أعضائها أن يؤدوا ما عليها من أدوار فالبحر المتقارب يحمل على جناحيه خيال الشاعرة الواعد و المتمثل بخطوات واثقة من الوصول و إن كانت حزينة الوقع إذ أن تفعيلة
( فعول) التي تشكل الوحدة الموسيقية في النص تحمل في عمقها بحة حزينة صبغت كل كلمة من كلمات الشاعرة بحزنها الأبدي و التي إذا وصلت إلى اللام منها انطلق الوثوق بأفقه الواعد و لا أدل على ذلك إلا كلمات الشاعرة التي كللتها بقوافي مقيدة في كل مقطع شعري و أبرز ما يؤطر قيمة هذا النص الخيال الشعري الواعد الي يفتح لنا أفقاً من الفرح و لكنه مثقل بحزن عميق يأسر الشاعرة أحياناً و يتركها طليقة في أحيان أخرى غير متناسين أن الأدب النسائي ما زال في معظمه يدور في فلك الذات و إن كانت الشاعرة تحمل في نصها هم ذاتها و هم تراب وطنها حملاً ثقيلاً تدور فيه في مرابد الشاعر العربي

جبينُكَ مزرعةُ الكبرياءْ
و" غمَّازتاكَ " هلالانِ أحلى
مِنَ الصمْتِ في حَضْرةِ الأتقياءْ
و يمكن للمتلقي أن يسبح مع خيال الشاعرة حينما يتحول جبين الوطن إلى مزرعة من الكبرياء بينما غمازتاه تشفان عن ابتسامة هلالية تبعث الوقار في هذا الصمت المطبق ( صورة مركبة تحتاج إلى بحث أعمق ) كما و أن صوت المفردة التي يحملها هذا النص بقي مثقلا بالأمل و الحزن معا فكلمات مثل (وَطْأَ الأسى - صلاةَ حنانٍ - سجّادةُ البوحِ شِعري ..- أكسِّرُ بالشِّعرِ قيدَ الزمنْ )
تحمل في ذاكرتها الحالة الإحباطية التي يعيشها الإنسان في هذا الزمن المفؤود بقيمه و أخلاقه و إنسانيته و الشاعرة في كل ما سبق تحاول أن تنهض بذاتها الغائبة عن أنظار العابرين بسفنهم بحار الحياة فهي مثقلة بصور محبطة تذكر ما للأنوثة من قوة كامنة تدفع الرجال إلى قمة المجد و تذكر بأن وطنها المتخيل يحمل للعالم قوة كامنة تدفع الإنسانية إلى آفاق مشرقة كما كان في الماضي و إن كانت هناك بعض الزحافات الشعرية التي أثقلت متن بعض الأسطر الشعرية بحمل زائد كان بإمكان الشاعرة أن تتخلص منه لتجري سفينتها في بحر الشعر الواعد ( بضحكتِكَ النهرُ يروي الحروفَ ) كما و أن بعض الحروف التي تعلقت بالأسطر الشعرية أثقلت متن النص فالباء في قولها ( بقنديل ) جاءت سفاحاً شعرياً كان من الأولى للشاعرة أن لا تورده في هذا السطر الشعري وكم هو جميل لو أنها جعلت كلمة قنديل منصوبة لا مجرورة
(يضيءُ الكلامُ على شفتيكَ
بقنْديلِ شوقٍ )

و تبقى نوافذ الأمل مفتوحة في ذاكرة الشاعرة تجمح بها نحو أفق واسع لتؤكد على أن القصيدة الحقة تتحول إلى كائن إنساني يقرأ ذاته و يفتق كينونته على شفاه الزمن

هو الشِّعرُ شَعري
فمشِّط بعينيكَ
شَعرَ حروفي
هو الشِّعرُ كفّي
إذا ما قَرَأْتَ القصائدَ
ردَّ السلامْ
خدودي
شفاهي ..
فهلاّ حكيتَ لهُ قُبلةً
كي ينامْ .




منصور الجهني


إذا تحققت مقولة الأديب الانكليزي كينى /الشعر معدنه الألم / فإن البحث عن عمق الروح و رقة المشاعر ورهافة الاحساس ودقة التفكير يتطلب من القارئ المتفحص أن يملك مفاتيح سحرية خاصة للتعامل مع قلة الشعر عند شاعر كمنصور الجهني
وإذا تحققت مقولة الشاعر الانكليزي ( الشعراء هم مشرعو العالم غير المعترف بهم ) فإن الخلوص إلى نتائج واقعية في الشعر تحتاج عند شاعر كمنصور للصعود إلى آفاق الشعر امتلاك بساط ريح مشرع الآفاق إذ أن موهبة كموهبة منصور ذات أبعاد موشورية تستطيع أن تريك قوس قزح الحياة بشكل دقيق فالشاعر امتلاك واستلاب للسلطة الزمنية التي تعيد للروح صفاءها وتخلق من الصمت حركة الحياة
والشيئ المذهل في موهبة هذا الشاعر الصامت المتكلم هدوء العاطفة وثورة السكون
وحديث الصمت الذي تراه منطبقا على جبهة الشاعر العبقرية انطباعا صحراويا قد يبدو لك للوهلة الأولى أنك تقرأ شاعرا محبطا يعيش بلا حركة ولكنك حين تدخل إلى أعماقه تدرك مدى هذه الحركة الفاعلة في واقع يشكو من الألم والحزن والنكبات
( منذ كم ترسم نافذة
وتمحوها ليلا
وتدخل في بهيمة الظل
منذ كم تقيم أعراس الماء هنا
وحدك
وتشتعل
تدخل في ايقاع صمت الأشياء
وضجيج الفخار المبتل )
إنه بريشة الفنان يرسم لنا ما تحدثه ايقاعات الطين وأي طين هذا إنه الإنسان هذا المخلوق المعذب المعذب وكيف به وهو يمزج رمل الأصابع بوجه امرأة نسي ملامحها كيف يكبر الشعر ويصبح ذو وجه مشرق ووعد حقيقي تلك مسألة الصدق والصدق الفني الذي يمتلكه الشاعر ومنصور يظهر لك مشتعلا وهو في قع انطفائه
( هو البحر ..... قاب قوسين من شجر الروح
حلم دمي
أول الأسماء في ذاكرتي
وآخر الجروح )
إذا نحن أمام تفتح أزاهير الروح وإشراقات شمس الحياة عندما نواجه ألد أعداء الصمت بأسلحة المحبة والصدق والخير
وحين قتلوا المغني / أورقت وردة الصدى /
على شفتيه / فتساءلوا / كيف عاد صوته إليه
إنه بكاء الشعراء على عصر الضياع الذي نعيشه جهل من قضية الاغتراب داخل الروح المحور الشعري الأجدى والنافع عند شاعر كمنصور بلهيب الشوق وأحرقته ( نار البعثية اللعينة ) التي سرت عدواها من الفلاسفة والمفكرين إلى كل فرد في هذا المجتمع مما جعلتها تغدو بشاعرنا نحو الموت المحيي والصمت المتكلم والحركة الساكنة وإن لوحة مجموعته ((فنيل أن )) التي تتصدر غلاف المجموعة لتدل دلالة قاطعة على ما قلت ( بحر وساحل ومجموعة كراسي فارغو وامرأة تنمو على هذا الساحل كشجرة هجرتها أوراقها // هناك في مساحة الضوء الأخيرة / تتناثر كراسي خالية فوق رصيف مهجور /وظل امرأة / وقفت وحيدة / في موجهة البحر )
إن تجربة شاعر كمنصور في مجموعة هذه لتدل دلالة عميقة على وعي فكري وأدبي فائض رسم الحياة حلما واقعيا
(( وحين تأتين /ألم من عراء الصمت / أشلاء الغيم قطعة قطعة /
وأرسم خارطة للمستحيل / أعبرها ألف مرة / وأرسم نافذة وصهيل ))
إذن شاعرنا يرسم ما يرسمه من واقع رديء على تضاريس الموت والحلم يمنح القصيدة بعدا قمريا كامل الإستدارة وتتقتح على يديه من اشتباك الأصابع وردة النار قبل أن تستيقظ في دمه خيل المسلفة
وهكذا فإن شاعرنا تجسد ما يراه من قضايا حياتية مقززة إلى شعر محمول على أجنحة الموت ويجد دمه خلاله ضرورة الخروج بالعمر إلى فضاء شمسي مشرق لا عاتمة فيه ولا ظلمة
(( لأن أصابعكم عمياء / رسمتم خارطة العتمة
لأنكم تأتون بعد فوات الأوان / بعد انتهاء الربع الأخير من الحفلة /
بعد أن تترمد الأغاني / وتصبح الأواني فارغة /
لأنكم هكذا /
فإنني لم أجد سوى ظلالكم / تحاصر شجرا يابسا ))
لقد قتلت أغنيات الطلح وأناشيد الشيح والقيصوم وبرودة حالة عمار وغيوم الصحراء الملتهبة شوقا روح الشاعر وجعلته يسرعه الماء مرا والخيل عطا شما والهواجس رملية المفازات جميعا أحمر تحترق على أعرافه لوجه الحياة الحقيقية وترحل عنه هواجس الشعراء وتبكيه رؤى الأرامل الشابة
(( ماء مر وخيول عطاش
مساء يضيء خطى الأرض مملكته
بح صوت المغني وما من خير
أيها الليل ماذا تبقى من
وهج الأغنية
وماذا تركت الليمات فوق بقايا الطلول سوى بشمة ذابلة وحطام مرايا ))
وثمة أصوات و ضجيج للكراسي يهمس في أذن الصمت وتقتبل الأصوات الصافية وستحمل للشمال الذي يسكنه روح الشاعر تبارح الشوق وهم الحرمان وتجعل نسائم الشمائل القاتلة تحرك أوراق الخريف الساقطة باتجاه العمق بحيث يبدو الشاعر منغمسا في رمال المحترقين والاحتراق
(( ضجيج الكراسي كأشجار خرافية لكن وجوه الموتى لن تورق في غباب الموائد
أيتها الحالة المنسية ))
وأخيرا نقول مع الشاعر :
(( لو عسبة فوق جدار القلب / لو قطرة ماء تشق جدران الصدى وتسيل/ .... لو أخرج بين صمتي إلى يقين اللغة ومنك إلي / لو أصعد درجة / ليفتح العراء لدمي أبوابه ويمنحني مفاتيح السر ))
نقول ذلك مع الشاعر لأنه ما يزال يرسم بريشة العصفور كل أغنيات الموت والحياة والروح والتنفس والنار والثلج والحر والقمر والصعود والنزول والعروج و المروج ويصعد بنا إلى المعري وصبابة الخيام وغيبوبة ابن الرومي وطموح المتنبي
إن فجائعية منصور الجهني الاجتماعية التي تبدو فهما حقيقيا وراعيا لحركة الحياة الصاعدة باتجاه الأسفل جعله شاعر البرهة الحزينة ومغني الصمت القاتل وموقد النار الهاجعة من أجل الرقي باتجاه الأسفل
لقد قتلت غيلان الضوغائية الكثير من الشعراء وجعلتهم بائعي حلوى أمام سرير الموت الحديدي أو خلف جداره الهاجع ولكن منصور بقي رافعا صوته مغنيا أغنيات الحنين والشوق راقصا كالديك المذبوح احتجاجا على انفلات العلاقات الاجتماعية القاتلة


سراييغوا تقول لكم..!
صرخة ألم من بلاد البوشناق
{{البوسنة والهر سل}} إلى كل
الناطقين بشهادة (( لا إله إلا اله ))
شعر: عبد الرحمن صالح العشماوي الرياض
نناديكم وقد كثـر النحيبُ نناديكم ولكن من يجيبُ؟
تعثرت الخطى ، حتّى رأينا خُطانا لا تهشُّ لها الدروب
نناديكم وآهاتُ الثكالى تحدثكم بما اقترف الصَّايبُ
{اسراييغو} تقولُ لكم: ثيابي ممزقةٌ، وجدراني ثقــــــوبُ
محاربي تئنُّ وقد تهــــــــاوى على أركانها القصفُ الرَّهيبُ
وأوردتي تُقطّــــــــعُ لا لأني جنيتُ ولا لأني لا أتــــــــــوبُ
ولكنني رفعتُ شعاَ دينٍ يضيقُ بصدق مبدئه الكذوب
لأني لا أجامل أو أحابي ولا أرضى بصدق مبدئه الكذوبُ
لهذا أمزّق الأعداء ثوبي وبين يديَّ أشعلتُ الحروب
لكم يا إخوتي أكلُ وشرب وأكسيةٌ لها نسيجٌ عجيبُ
لكم دارٌ مشيّدةٌ وظلّ يظلّكم بهِ غصنَ رطيب
لدى أطفالكم تعب وحلوى وعندَ نسائكم ذهب وطيبُ
وا نحسدكم أبداً ولكن نقول أما لإخوتكم نصيبُ
نذير الحرب في أرضي نذير لكم فالليل منشؤه الغروب
وجَدْبُ الأرض يسبقه احتباس وعصف الريح يسبقه الهبوب
لنا في أرضنا نهر وماء وروض في مرابعنا خصيب
لنا بيت وأطفال ولكن محت آثار منزلنا الخطوب
بنات المسلمين هنا سبايا وشمس المكرمات هنا تغيب
نبيت {كريمة} ليلى ونصحو وقد ألغى كرامتها الغريب
تختبئُ وجهه باليت شعري بماذا ينطق الوجه الكئيب؟؟
يموت الطفلُ في أحضانِ أمٍّ تمد هذه، وقد جفَّ الحليبُ
بكت حزناً عليه بغير دمعٍ فأين الدّمع ، والظّمأ النصيبُ
سل الفجر الذي لم يبْدُ فينا لماذا لا يغني العندليب؟؟
بني الإسلام هذه حرب كفرٍ لها في كل ناحية لهيب
أراكم تنظرون وأيُّ جدوى لنظرتكم إذا غفت القلوب؟؟
محرم 1413ه المجلة العربية
صرخة حب وغضب
قراءة في قصيدة الشاعر: عبد الرحمن العشماوي
سراييفّو تقول لكم المجلة العربية محرم/1413/ه
إذا كان الرسول العربي الكريم محمد{صلى الله عليه وسلم} قد اتخذ عبد الله بن رواحه وكعب بن مالك وحسان بن ثابت شعراء للدعوة يدافعون عن الحزب الجديد ويقارعون حزب الكفر بألسنتهم ، فإنما اتخذ ذلك لما للشعر عند العرب من مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة وهذا ما جعلهُ يقول لحسان بن ثابت{ رضي اللهُ عنه } {{* اهجهم حسان وروح القدس معك واللهِ إن لشعركَ فيهم أوقعُ من نضج النبال *}} وإذا كانت العقيدة بالنسبة للأدب هي فلسفة حياة فإن الشاعر عبد الرحمن العشماوي يعد من شعراء العقيدة التي تمتد جذورها إلى شعراء الرسول الثلاث وهو السّباق إلى تلمّس آلام المسلمين وما يحل بهم من مصائب ونكبات إن الشعر إبداع ، وإن الإبداع تجربة ، وإن التجربة قضية وإن رؤيا كما يقول الناقد محي الدين صبحي في مقالته {{ الرؤيا موصفها تعبيراً عن جدلية الإبداع والواقع: {{ إن الرؤيا ، ما دام تعبيراً عن لذاق الجماعية في تجاربها الماضية وتطلعاتها المقبلة فهو بالضرورة يتحلى بقدر كبير من الموضوعية}}
والعثماوي في صرختهِ هذه يطلق صيحة حبّ وغضب.
صيحة حبّ أولاً:
لأنهُ يرى أن من واجبه أن يقف إلى جانب إخوته في العقيدة فالمسلم أخو المسلم لا يظلمهُ ولا يسلمه ولا يخذلهُ وهو لأخيهِ كالبيان المرصوص يشد بعضهُ بعضاً وسراييفو بالنسبة للشاعر جزء من البنيان الإسلامي والإنساني لا يجوز أن نغضَّ الطرفَ عنهُ . إنها تستصرخ الهمم والمروءة والأخوة لننظر إلى حالها الممزقة المشتتة ولا فرق فأعداء اليوم هم أعداء الأمس إنها الصليبية الجديدة التي تذكرنا بما حلَّ في الأندلس نناديكم وآهات الثكالى تحدثكم بما اقترفَ الصليبُ
وصرخة غضبٍ ثانياً:
لأنهُ رأى ما حلَّ بمسلمي تلك البلاد من قتل وتدمير وبطش فاغتصاب وانتهاك للأعراض وسلب للأموال وسياسة تنصير وتهويد .
لأني لا أجامل أو أحابي ولا أرضى الخضوع ولا أذوب
لهذا أمزق الأعداء ثوبي وبين يدي أشعلت الحروب
وأهم ما في تجربة العثماوي هو هذه الطاقة الاستبصارية
القادرة على ربط الحاضر بالماضي وخاصة أنَّ تجربة الأندلس قد تركت دروساً وعبر في حياة المسلمين جنداً لو استفادوا منها وإنهُ لمن الجدير بالاهتمام أن الشاعر العثماوي شاعراً رؤيا يتلقى إبداعه من القيم والمفاهيم والسلوك الإسلامي في المثل وتعبيراً عن تجارب حيّة ، وإذا كان أفلاطون يتثبت بأن الفنون ومنها الشعر تهتم بالجوانب العاطفية من الطبيعية الإنسانية وتصفح عن الجوانب العقلية فإن ذلك لا يحط من قيمة الشعر خاصة والفنون عامة وخاصة أن الشعر يمس الجوانب المهمة المهملة من حياتنا وهذا ما دل عليه العثماوي حين قال:
بني الإسلام هذي حرب كفرٍ لها في كل ناحية لهيبُ
أراكم تنظرونَ وأي جدوى لنظرتكم إذا غفت القلوب
لقد ولد الضن والمعاناة وشذبتهُ العقيدة وأعتبر ته المحرك لكثير من المواقف والقضايا وإذا كان أفلاطون قد طرد الشعراء من جمهوريتهِ فإن الرسول محمد {{صلى الله عليهِ وسلم }} قد منح كعباً بردتهُ حين أسمعهُ قصيدتهُ ((بانت سعاد)) واتخذ حسان شاعر الدعوة ، ورسخ أهمية الشعر حين قال: {{ إن من البيان لسخراً ، وأن من الشعرِ لحكمة ولا تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الخنين }} وإذا كان القرآن الكريم قد نفى عن الرسول صلى الله عليه وسلم صفة الشعر فإن ذلك لا يعني أن هذا الرسول كان يعادي الشعراء أو يقف منهم موقفاً سلبياً يقول الناقد يوسف اليوسف {{على النص العظيم أن يهب المتلقي في صفة الحدث والتخمين ونحن إن حاولنا رفع الغطاء عن { تضافية}العشماوي مع مسلم البوشقان فإنما عن نجعل المطلق مفتوحاً أمام أغنينا حين مربط ذلك بقوله الرسول الكريم صلى الله عله وسلم { مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منهُ عضو تداعى سائر الأعضاء بالسهر والحمّى }}
محاربي تئن وقدتها وعى على أركانها القصف برهيب
وإذا كان الفن يقوم على الوحي والاستحياء والفن لخالد هو تعبير عن الحقائق السامية والعواطف النبيلة فإنه يلتقي بالدين لأن كليهما تعبير عن شيء سام كما أشار إلى ذلك ناصر ألخاني في مقالتهِ ( أفلاطون والشعر ) إن معالجة العثماوي لقضية البوسئة والهر سل ليست هي الأولى والأخيرة فهو السباق إلى رؤية القضايا الإسلامية رؤية دقيقة فاحصة ولكن رؤيتهُ على لأهميتها بقيت سطحية لا تنظر إلى المشكلة إلا من خلال تعاطف قائم على المناداة.
والتشخيص للمصيبة.
نناديكم وقد كثر النحيب نناديكم ولكن من يجيب
تعثرتُ الخطى حتى رأينا خطانا لا تهش لها الدروب
نناديكم وآهات الثكالى تحدثكم بما اقترف الصليبُ
فقط أيا الشاعر الفذ تنادي من لا يجيب وتصرخ في قوم كثر فيهم النحيب وكلهم يرى بأم عينيه ما حل بهذه الأرض المسلمة أم أنك مدرك أن هذه الأمة أضحت كما وصفها رسولنا الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم فثاء كغثاء السيل أما أنت فلا تملك فلا تملك إلا ما كان يمتلكهُ سميح القاسم على أرض القدس الشريف حين صرخ بأعلى صوتهِ كما صرخْتَ ولكن صرخاته ذهبت أدراج الرياح .
{{أناديكم.. ..أشد على أياديكم }}
أقبل تربة الأحرار تحت نعالكم
وأقول أفديكم ....
هل أكلت الغيلان القمر أم أن هذه الأمة أصبحت بقايا
رماد يتناثر في مشارق الأرض ومغاربها
بنات المسلمين هنا سبايا وشمس المكرمات هنا تغيبُ
تبيت كريمة ليلى وتصحو وقد ألغى كرامتها الغريبُ
أين هي {{ ومعتصماه}} التي ملأت الأرض دوياً لتستنهض همم الرجال.
إن شعر العقيدة الذي نهج طريقة شعراء الرسول ومن جاء بعدهم يستصرخ روح الشعراء ويدعوهم إلى زرع الأمل في هذا التصحر والقحط الذي يهيمن على الروح العربية المسلمة وإذا كان لنا من همسة نهمسها في أذن شاعر كبير كالعثماوي فإنما هو قولنا ليكن الشعر لديك أداة ثورة وأداة تغيير حتى يكون الممثل للعقيدة الصادقة الصارمة بكل أبعادها
...
ين يأكل الصمت السكون
قراءة في نص صهيل الجراح للشاعر : حاتم قاسم

صهيل الجراح

هذي دماءُ الموتِ أم ...
وردٌ تفتحَ في الجفون
لن يرهبوا جذورنا
لن يعبروا أيامنا
و يسرقوا هواءنا
و الريح في أمواجنا
و النبضُ في بوح العيون
ارمي على النار الجراح
و أطفئي جمرَ الغزاة
علميهم :
أن لحني لن يموت
لونُ خدي زيزفون
هذا الصنوبرُ من دمي
و الموتُ ينهضُ جثتي
يصحو به الجنـــــون
يا غزتي المحاصرة
يا وردة في الخاصرة
لن تهزم الرياح
و الصبح ُفي عيوننا
و الدمُ في أوراقــــنا
لن تذبلَ الغصون
عصفورتي لا تحزني
طعمُ الثمار بروقنا
وجباهنا لونَ الشموس
فيها البراعمُ و الكفن
من كل جرح ٍينهضون
قولي لهم عصفورتي
ما فادكم حصارنا
ما فادكم تجويعنا
باقون في عيونكم
كجمرة ٍمن نار
إنا هنا باقــــون
هذا صهيلي فاسمعي
وجعاً تخطى المجزرة
كل النوافذ مغلقة ....
و بصمتهم يتدثرون
لا تعتبي عصفورتي
طعمُ الحدائق ِمن دمي
و الصمتُ يأكله السكون
لا لن يمرّوا في التراب
تحت َالعواصف ِجثتي
و بذورُ ناري زوبعة
غاصت عيونكِ في دمي
ها هم على بابِ العيون
يا غزتي المحاصرة
يا وردة في الخاصرة
إنا هنا باقون .. إنا هنا باقون


حينما تتحول غزة إلى عاصمة للقنابل و يصبح طعم الحدائق ممزوجاً بلون الدماء الفلسطينية و حينما تتخطى الأوجاع المجازر تصبح النوافذ كلها مغلقة 0
جرح يتطاول سامقاً إلى أعالي الكواكب حيث جباه الأطفال ناظرة إلى سدرة المنتهى و عصفورة صغيرة تنشد نشيدها الأبدي الخالد المتمثل بصهيل الجراح وهذه ليست هي المرة الأولى التي يتأبط فيها أطفال غزة صواريخ الموت اليهودية التي ما فتئت تحصد كل ما تحت العواصف و لكن الصمت الذي يتحول إلى جرح أكبر من دماء الأطفال سينبت وردة في الخاصرة هكذا رسمت لنا قصيدة صهيل الجراح عنوانين في لوحة واحدة :
( يا غــزتي المحاصرة
يا وردة في الخاصرة )
إنها نسب الشاعر و بوحه في زمن تحولت فيه العروبة إلى فتات من ضعف دول تناثرت كحبات السمسم تنتظر من يأكلها حبة بعد حبة و ربما تؤكل دفعة واحدة و بذلك يبرر الشاعر لعصفورته هذا الحوار المتعب المكتنز بقوة الأطفال :
(لا تعتبي عصفورتي
طعم الحدائق من دمي )
إن فجائعية الموت التي يتلقاها أطفال غزة المحاصرون من قبل الأعراب قبل اليهود لترسم في ذاكرة الشاعر كما هي في ذاكرة كل مسلم شعاراً واحداً و إن طال الزمان عليه ( لا لن يمروا في التراب
تحت العواصف جثتي
و بذور ناري زوبعة
غاصت عيونك في دمي
ها هم على باب العيون
إن طعم الدم الفلسطيني الذي يمرره إخوة يوسف على شفاه أعتى ذئب على مساحة هذه الأرض يأبى إلا أن يورق للإنسانية زهراً نابضاً على مر العصور و هذه سمة هذه الأرض المقدسة التي باركها الله من سماءها السابعة ومن هنا كانت ومضات الشاعر تقطر دماً عفواً تنبض صهيلاً على رمال غزة 0
( هذي دماء الموت أم 00
وردٌ تفتح في الجفون ؟! )
حقاً إنها وردٌ جوري و دحنون أحمر ينزف من أجل بناء إنسانية جديدة و لا ضير فالدم الفلسطيني أحمر ٌ قان ٍ يغري بنبضاته الحمراء التي تشع إنسانية و تضحية فتحت جفن كل طفل فلسطيني أشعة حمراء ما زالت تقرع أبواب المسجد الأقصى و تنادي بأعلى صوتها ( هذا الصنوبر من دمي ) و كأن نداء نبوياً تنشده بنات الإنسانية إن للقدس موعداً و لكنه يحتاج إلى جولات و هذه هي الجولة الثانية التي تحملها غزة على كتفيها و هي تنشد :
( لن يرهبوا جذورنا
لن يعبروا أيامنا
لن يسرقوا هواءنا
فالريح في أمواجنا )
نص تغريك مفرداته المتوقدة بالعاطفة الصادقة لأن تقرأ بوح تلك الكلمات التي نتحها الشاعر من نسغ روحه المجدولة على صهوات الجراح 0
نص تنوعت موسيقاه و لكنها في النهاية شكلت جنازة من الفرح يزكوا أريجها في أنوف أطفال غزة ليبدأ معنى جديد يحمله صهيل الجراح التي لن تخمد جذوتها فقد بلغ السيل الزبى و تحولت السيوف إلى موعد مع فتح جديد 0
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف