موسوعة
تاريخ الأدب والنقد والحكمة
العـربية والإسلامية
حسين علي الهنداوي
موسوعة تاريخ الأدب والنقد والحكمةالعـربية والإسلامية......حسين علي الهنداوي
معلومات عامه عن الشاعر صاحب الموسوعة
حسين علي الهنداوي (سورية).
ولد عام 1955 في محافظة درعا.
حائز على إجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق 1981
ودبلوم في التأهيل التربوي من جامعة دمشق
يعمل مدرسًا في جامعة دمشق كلية التربية
عمل في معهد إعداد المدرسين بدرعا قسم اللغة العربية سابقا حيث قام بتدريس مواد : طرائق تدريس اللغة العربية,
وتاريخ الأدب العربي في العصرين الجاهلي والإسلامي ,
ومناهج الدراسة الأدبية,
والنقد الأدبي,
وأدب الناشئة.
نشر أول إنتاج شعري له في الصحف الكويتية (الرأي العام ـ الهدف ـ الوطن) بين عامي 1980 و 1981 , كما نشر بعض إنتاجه في مجلة الوحدة المغربية, ومجلة الفيصل السعودية.
دواوينه الشعرية:
1 ـ هنا كان صوتي وعيناك يلتقيان 1992.
2 ـ أغنيات على أطلال القدس 1994
3 ـ هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير1996
مؤلفاته النقدية
1 ـ محاور الدراسة الأدبية 1992
2 ـ أسلمة النقد والأدب 2010
الكتب الفكرية
1 ـ الإسلام منهج وخلاص 2008
2 ـ هل أنجز الله وعده 2009
عنوانه: جامعة دمشق كلية التربية قسم معلم صف
ولدي عشرون مخطوطا في النقد والشعر والقصة القصيرة والقصيرة جدا ودراسات فكرية وأدبية ويمكن الاطلاع على المزيد منها على الشبكة العنكبوتية
موسوعة تاريخ الأدب والنقد والحكمة
العـربية والإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في كتابه العزيز:
( (والشعراء يتبعهم الغاوون/ 224/ألم تر أنهم في كل واد يهيمون / 225/
وأنهم يقولون مالا يفعلون/226/
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا
وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون / 227 / ))
سورة الشعراء
ـ حدثنا عبد الله بن يوسف :
أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :
أنه قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إنّ َمنَ البيان ِ لسحرا، أو إنَّ بعض َالبيان سحرا )) ـ
صحيح البخاري
/5767/
موسوعة تاريخ الأدب والنقد والحكمةالعـربية والإسلامية......حسين علي الهنداوي
تــفــتــيــــق
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله ، وصحابته أجمعين ، ومن تبع هداهم بإخلاص إلى يوم الدين .... وبعد :
هذا كتاب في تاريخ الأدب والنقد والحكمة العربية والإسلامية في مختلف العصور ، منذ ما قبل الإسلام والجاهلية الأولى وحتى عصرنا هذا ، هدفه إبراز صورة الحياة العربية والإسلامية التي صورها الأدب العربي والإسلامي على مرّ العصور وكر الدهور، ومبيناً مسيرة الحضارة العربية الإسلامية الإنسانية التي انضوي تحت لوائها العرب الذين حملوا رسالة السماء إلى الناس كافة ، والذين رسموا معالم بعض هذه القيم في عصر ما قبل الإسلام ، ثم حملوا ما تمّمه الإسلام من هذه القيم البناءة التي رفعت الإنسان من عبادة الحجارة والأصنام إلى عبادة إله واحد كما أوضح لنا ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال :( إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق ) ، فقد جاء القران الكريم متمماً لذلك على الحقيقة . وقد أضفت إلى هذا الكتاب أبواب مهمة من أبواب التاريخ الأدبي وهو باب (التاريخ والنقد والحكمة) التي تعدّ الأهم في رسم معالم الأدب ، وتقويم خطواته وتقييم مسيرته وبناء حضارته الإنسانية .
كما أنني حاولت في هذا الكتاب وضع مادة مركزة وكثيفة توفر الكثير من المعلومات لدراسي هذا الأدب الذي يعدّ إرث الأمة الخالد بعد القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والذي يثري القيم الأدبية الإيجابية لدى هؤلاء الدارسين.
وكتابي هذا إشراقه من قبس هذا التراث العربي في عصوره المختلفة تأخذ بأحكام النقاد، والأدباء السابقين ، وتسترشد بآرائهم لأنها ذات قيمة كبيرة وتفسح المجال في فهم الأدب فهما عصريا ؛ وتحاول استكناه هذا الإرث من منظور عصري على أنني رغبت في استنطاق بعض النصوص الأدبية للاستدلال على الحقائق الأدبية والفنية والتاريخية والاجتماعية والسياسية التي هدفت إليها هذه النصوص ؛ وقد حملني على ذلك تفتيق النص الأدبي الذي هو الحكم الأول في إبراز وتمييز جمالية الأدب وما يحمله من أفكار وعواطف ومشاعر ؛ على ألا نغفل أن التحليل والاستنباط والتعليل والحكم ليس إلا معيناً على تذوق هذه النصوص الأدبية التي لا يستطيع أحد أن يهمّش جماليتها ويقدم أفكارها حسب انطباعاته الخاصة ، ولا أريد أن أذكر ما بذلته من جهد في استقصاء جماليات هذا الأدب من القديم وحتى اليوم مضيفا إلى ذلك خبرة تدريس مادة تاريخ الأدب العربي مدة تزيد على عشر سنوات في معهد من معاهد تدريس مادة تاريخ الأدب العربي حاولت فيها أن أعيش مع النص أولا، وأن أنقل الجمال الأدبي المبثوث فيه ثانياً ، وأن أبرز القيم الإنسانية فيه ثالثا ، وأن ألمح للاتجاهات الإيجابية و السلبية عند الأدباء ، وما أفرزنه غوايتهم من مشاعر وأفكار هدامة ، أو خارجة عن حدود الأدب والأخلاق والقيم الإيجابية الإنسانية وما أضافته أفكارهم من قيم إنسانية واعدة.
وقد قسمت هذه الموسوعة إلى :
1 ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربيةقبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 ـ ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء االعباسيين )
7 ـ ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الدول المتتابعة )
9ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء العثمانيين )
10 ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (العصر الحديث)
11ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (العهد المعاصر)
الباب الأول
الفصاحة ـ البلاغة ـ الإنشاء ـ التعبير
الباب الأول
الفصل الأول : فصاحة الكلام وبلاغته
الباب الأول
الفصل الثاني : الكتابة ـ أركانها ـ شروطها
الباب الأول
الفصل الثالث :الإنشاء ـ فوائده ـ محاسنه
الباب الأول
الفصل الرابع : رسائل أدبية مميزة
ا ـ رسالة القرآن الكريم للكتاب
2 ـ رسالة الحطيئة إلى الشعراء
3ـ رسالة عبد الحميد الكاتب للكتاب
4 ـ رسالة حسين الهنداوي للنقاد
موسوعة تاريخ الأدب والنقد والحكمةالعـربية والإسلامية......حسين علي الهنداوي
الباب الأول
الفصل الأول
فصاحة الكلام وبلاغته
موسوعة تاريخ الأدب والنقد والحكمةالعـربية والإسلامية......حسين علي الهنداوي
الباب الأول
الفصل الثاني
الكتابة ـ أركانها ـ شروطها
موسوعة تاريخ الأدب والنقد والحكمةالعـربية والإسلامية......حسين علي الهنداوي
الباب الأول
الفصل الثالث
الإنشاء ـ فوائده ـ محاسنه
موسوعة تاريخ الأدب والنقد والحكمةالعـربية والإسلامية......حسين علي الهنداوي
الباب الأول
الفصل الرابع
رسائل أدبية مميزة
اـ رسالة القرآن الكريم للكتاب
2 ـ رسالة الحطيئة إلى الشعرا
3 ـ رسالة عبد الحميد الكاتب للكتاب
4 ـ رسالة حسين الهنداوي للنقاد
الباب الثاني
علائـق الأدب
الباب الثاني
الفصل الأول : مدخل
الباب الثاني
الفصل الثاني :تعريف الأدب
الباب الثاني
الفصل الثالث :طبيعة الأدب
الباب الثاني
الفصل الرابع: وظيفة الأدب
الباب الثاني
الفصل الخامس :أهداف وغايات الأدب
الباب الثاني
الفصل السادس :هل للأدب قوانين تطور ؟
الباب الثاني
الفصل السابع :التاريخ الأدبي(نقد الأدب وتاريخه)
الباب الثاني
الفصل الثامن :الأدب والأخلاق والقيم
الباب الثاني
الفصل التاسع :الأدب المحلي والقومي والعام
الباب الثاني
الفصل العاشر :الأدب الموازن
الباب الثاني
الفصل الأول
مدخل
لا يخامر الإنسان أدنى شك أن الأدب جزء من الإنسان استفرغ فيه منذ الأزل قضاياه ، وهمومه ، وآلامه ، وآماله. ولكي نطلع على هذه القضايا وتلك الهموم ، ونعرف اتجاهات الأديب في استيعابها ، وافتراض الحلول لها لابدّ لنا من فهم هذا الأدب ، و شرحه وتحليله وتقويمه ، وتقييمه ، وتأطيره ضمن تاريخ أدبي واعد ومشرق ينهض بقيمنا نحو الأفضل. لقد كان الأدب في فترة من الفترات مختلطا بالدين ً، والفلسفة ،والأسطورة ، والخرافة ؛ ولكنه مع مرور الزمن انفصل وكوّن الأدباء لأنفسهم اتجاهات مستقلة ، وأصبح للأديب عقيدته وفكره وفلسفته الخاصة في الكون والإنسان والحياة والفكر والفن والمشاكل الحياتية .إنّ فهمنا للأدب لابدّ أن يسلك طريقا ً نستطيع من خلاله إدراك ماهية هذا الأدب ، وتذوق عناصر الجمال فيه ، والاستفادة مما يطرحه هذا الأدب من آراء وحلول لمشاكل الحياة ، وفي دراستنا للأدب لابدّ من الإفادة من نظرات الدارسين العرب والأجانب الذين تأثر بهم أدباؤنا العرب ، وطرق شرحهم ،وتحليلهم للنصوص ومن ثم إصدار الحكم عليها ؛ ويعتبر ( رينيه ويليك ) و ( أوستن وارين ) في مؤلفهما (نظرية الأدب ) أن للأدب جانبين يمكن لنا من خلالهما دراسته (الاتجاه الداخلي – الاتجاه الخارجي لهذا الأدب )
والاستفادة من علائق هذا الأدب. لقد كان الاتجاه السائد سابقا ً وعند كل النقاد يعرض هذا الأدب بشكل بسيط ، ويحكم عليه من خلال مناهج وأسس جمالية تتناسب مع تطور العلوم الإنسانية في العصور التي درس فيها هذا الأدب ؛ وباعتبار أن الآداب، والأفكار ، والعلوم تتطور عبر الزمن ؛ فلابدّ من البحث عن مناهج ، ومقاييس مختلفة تتناسب وهذا التطور الذي فرضته ظروف الحياة . لقد ساهم التطور الكمي ، والكيفي لمناهج العلوم الحديثة في انهيار النظريات الشعرية القديمة وتبدلها واتجاه الأدباء نحو سلوك جديد ، كما وانزلق الاهتمام بالأدب إلى التركيز على الذوق الفردي للقارئ لأن الأدب لا يعتمد على أساس عقلاني ثابت وإن كنا نرى أن الكثير من التغيرات في رصد الجمال الأدبي عند الأدباء أصابها الشذوذ حديثا عبر سلوك نفق ( خالف تعرف ) . إن المناهج القديمة في علم الأدب ، واللغة والبلاغة والعروض يجب أن تراجع ويعاد تقريرها في مصطلحات نقدية حديثة لفهم النصوص القديمة فهما جديدا ؛ فالعرب بلوروا نظريتهم الشعرية كما حددها الجرجاني من خلال ثلاثة عناصر؛ الأولى : تكوينية ، وتشمل : (شرف المعنى، وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته ) ؛
والثانية :جمالية ، وتشمل:( الإصابة في الوصف والمقاربة في التشبيه )؛والثالثة : إنتاجية ، وتشمل ( غزارة البديهة ، والفرادة ) ؛وهي لا تختلف عن عناصر عمود الشعر عند كاسيوس لونجينوس مستشار زنوبيا في مقالته (السمو ) حيث تنصبّ المادة الرئيسية عنده على مناقشة مصادر السموّ البلاغي التالية:
1 ـ القدرة على خلق الأفكار العظيمة
2ـ العاطفة المتأججة
3ـ حسن استخدام المؤثرات والمجازات الأسلوبية والبلاغية
4ـ اختيار الكلمات ودقة الألفاظ وجمال اللغة
5– المقدرة الإنشائية الرفيعة
وقد ظهرت حديثا ً نظرات جديدة في دراسة الأدب خاصة بعد تطور فنون القول ، وانتشار الرواية ، والمسرح ، والمقالة، وأصبح ينظر إلى الأدب من خلال مقاييس جديدة تأخذ مناهجها من مختلف الأفكار الإنسانية، وبقي المشهد الأدبي يرصد عقيدة الأديب رصدا واعيا ، لأنه لا قيمة للأدب دون إخلاص الأديب للقضية التي يفرغ فيها نصه . والأوروبيون ظهرت عندهم نظرات جديدة لدراسة الأدب وفهمه ومن هذه النظرات التي ما يزال الأدباء يقعون تحت سيطرتها:
ـ منهج شرح النصوص الفرنسي .
ـ التحليل الشكلي القائم على التوازي مع تاريخ الفنون في ألمانيا.
ـ الحركة الألمعية للشكليين الروس ، وأتباعهم التشيك ، والبولنديين .
على أنه لا يمكن لنا في دراسة الأدب أن نلغي الآراء النقدية السابقة ، بل يفترض فينا الاستفادة منها ، وتسخيرها في فهم واقع الأدب حديثه ، وقديمه .
ويتوخّى من دارس النص الأدبي أن ينظر فيه إلى عقيدة الأديب ، وإلى العناصر الجمالية ، وإلى فلسفة الأثر التي تحدد مفهومات الواقع والفكر والفلسفة الحياتية ، وإلى فلسفة صاحب الأثر،ومكانته بين أقرانه من المبدعين ؛ ويفترض أن تذيب الدراسة الأدبية العقيدة بالفن والأدب؛ لأن النقد عملية إبداعية تكشف آفاقا جديدة غايتها (الشرح ، والتعليل ، والتقويم ، والتقييم ) ، فالشاعر والناثر يمران بمرحلتين هامتين وأساسيتين من الإبداع : ( التطلع إلى الحياة ، وترجمة هذا التطلع ) ، بينما يمر الناقد بثلاث مراحل : ( التطلع إلى الحياة – التطلع إلى نفسية صاحب الأثر_ التطلع إلى العمل الفني ) .
الباب الثاني
الفصل الثاني
تعريف الأدب
إن أي تفسير لأي نشاط إنساني أدبي محكوم في صحة نتائجه بمدى قربه من النفس الإنسانية،أو بعده عنها،وبمدى تمثلّه للحقيقة،وتصويرها بشكل واقعي دقيق ، وبتعبيره عن مختلف جوانبها الحياتية والإنسانية .
والأدب ، أيُّ أدب يعكس علاقة بين الإنسان ، وعالمه ذلك أن العقيدة الصادقة ، والعمل الخير المنتج هو الجوهر الأساسي لهذا الإنسان ، وما خلق الإنسان إلا ليتعرف على إبداع الخالق لكل ما في الكون وهذا التعرف هو حقيقة وجوده وسبب فعاليته ، و هو مصدر ثقافته الفنية و الفكرية . و العمل الخير المنتج بحكم طبيعته يخلق علاقات إنتاج تعكس حقائق اجتماعية تتبدى في الفن ، والحياة ، والأدب.
لقد ولد الفن من العمل و تطور الجميل من النافع حيث بدأ الفن وجوده عندما صار العمل إنسانيا تحكمه كلمة الإخلاص وتدفعه فطرة الإنسان في النظرة الصافية لمعنى و(حدانية الله تعالى) الذي تتوجه البوصلة الإنسانية للبحث عنه يصاحب ذلك
المعاناة الجمالية . و الأدب مجموعة من المؤلفات التي تملك الإثارة الفكرية، والعاطفية مع العلم أن هذا المفهوم التقليدي للأدب لم يتبلور عند العرب قط في تحديد فلسفي لهذا اللفظ ، ولكنه امتاز برؤيا فطرية غير مسطحة حتى إذا ابتدأت نهضتنا المعاصرة استقر الرأي على تعريف سطحي ضيق للأدب ؛ على أنه : (الشعر والنثر الفني ) ، ثم (الأخذ من كل علم بطرف) ، و مع ذلك بقي هذا التعريف لا يحدد أصولا للأدب ، و لا أهدافا خاصة به إلا أن تكون (الصنعة ) ، بينما يرى الغربيون أن الأدب يشمل كافة الآثار اللغوية التي تثير فينا بفضل خصائص صياغتها انفعالات عاطفية ، أو إحساسات جمالية ؛ فالأدب صياغة فنية لتجربة بشرية ولا تعني التجربة الشخصية أن يكون الأديب قد عاشها. ومما لا شك فيه أنه ليس كل ما يكتب في اللغة نستطيع تسميته أدبا ً، لأنه يدخل في علوم أخرى كالتاريخ والفلسفة …الخ . وما يمكن أن نلاحظه أن العلوم الأخرى قد أفادت من الصيغ الأدبية في عرض مادتها كي تستطيع الدخول إلى أعماق النفس الإنسانية ، بينما لا يمكن إغفال حقيقة أن الأدب هو كل عمل – تجربة – يكتب لعرض الحقيقة عرضاً جماليا ً بأسلوب فني جميل يعتمد على بلاغة و فصاحة وبيان مقصود. وكثيرا ما اختلف الباحثون في تعريفالأدب وطال جدالهم فيه ولكن مهما يكن بينهم من خلاف فهم لا يمارون في توافر عنصرين في كل ما يصح أن نطلق عليه أدبا ً هما: الفكرة ، وقالبها الفني ؛ أو المادة ، والصيغة التي تصاغ فيها، وهذان العنصران يتمثلان في جميع صور الإنتاج الأدبي سواء أكان تصويرا ًلإحساسات الشاعر، أم خلجات نفسية تجاه عظمة الكون ، وما فيه من جمال وأسرار إنسانية وآمال بشرية ، أو كان تعبيرا عن أفكار الكاتب في الإنسان والمجتمع ؟ .
إن الكتابة والأدب هما من فن الكلمة كالنوع من الجنس ، ذلك أن فنَّ الكلمة مفهوم أعم وأشمل من المفهومين (( الأدب ،و الكتابة )).والأدب هو التراث الشعبي المنطوق الذي تطور تاريخيا ً، وعكس الوعي الشعبي ، وهو التعبير الأسمى عن فكر الناس المتجلي في الكلمة ، ذلك أن أي شعب يعيش بوعيه الذي ليس سوى أحد الجوانب الكثيرة للروح الإنساني الكلي الواعي ذاته ، ولكي يكون الأدب بالنسبة لشعب ما تعبيرا ًعن وعيه وحياته الفكرية يجب على هذا الأدب أن يكون على صلة وثيقة بمبادىء وقيم وتفكير وتاريخ هذا الشعب ، وأن يفسره ويطوره تطويراً عضوياً ، ودون هذا الشرط لا يمكن القول بوجود أدب عند هذا الشعب مهما كان عدد الكتب التي تصدر بلغته،لأن الكتب والكتَّاب والقرَّاء وحدهم لا يصنعون أدباً, ما يصنع الأدب هو روح الشعب المتجلي في دينه ،وقيمه ،وتاريخه . لقد تطور معنى كلمة أدب عند العرب منذ أيام ما قبل المهلهل ، وحتى يومنا هذا، ففي الجاهلية كانت تعني هذه الكلمة الدعوة للطعام .
قال طرفة بن العبد:
نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الآدب فينا ينتقر
وفي لسان العرب: بعير أديب ومؤدب: إذا ريض وذلل.
قال مزاحم العقيلي:
وهنّ يصرفن النوى بين عالج ونجران تصريف الأديب المذلل
وقد افترض المستشرق ( نالينو): أن كلمة أدب استخدمت في الجاهلية بمعنى السنَّة وسيرة الآباء؛
أما في العصر الإسلامي فقد استخدمت كلمة أدب بمعنى خلقي تهذيبي ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أدبني ربي فأحسن تأديبي ).
وفي حديث ابن مسعود: ( إن القرآن مأدبة الله في الأرض ).
وبالمعنى الخلقي التهذيبي قال الشاعر المخضرم سهل بن حنظلة الغنوي:
لا يمنع الناس مني ما أردت ولا أعطيهم ما أرادوا حسن ذا أدبا
أما في العصر الأموي فقد استعملت كلمة المؤدب بمعنى تعليمي ، فالمؤدبون هم الذين يعملون أبناء الخلفاء، وغيرهم الأخلاق ، والثقافة ، والشعر ، والخطابة ، وأخبار العرب ، وأنسابهم وأيامهم في الجاهلية والإسلام.
وفي العصر العباسي استعملت كلمة أدب بمعنييها التهذيبي ، والتعليمي ؛ فقد سمَّى ابن المقفع رسالتين له تحملان حكماً ، ونصائح ، وسياسة ب(الأدب الصغير و الأدب الكبير).
وبالمعنى نفسه أفراد أبو تمام في كتاب الحماسة بابا فيه مختارات من طرائف الشعر سماه باب الأدب، وكذلك باب الأدب في الجامع الصحيح للإمام البخاري ت 256هـ وكتاب الأدب لابن المعتز ت 296 هـ .وقد كان القرنان الثاني والثالث الهجريان مرتعاً لكتب الأدب التي تحوي فصولاً ، وأبواباً من القرآن الكريم والحديث الشريف، والأخبار ،والشعر، واللغة،والبلاغة ، والنقد ، ككتاب البيان والتبيين للجاحظ والكامل للمبرد وعيون الأخبار لابن قتيبة.... ؛ وأصبح معنى كلمة الأدب هو الأخذ من كل علم بطرف ، وقد شمل معناها المعارف الدينية، وغير الدينية التي ترقى بالإنسان من جانبيه الاجتماعي والثقافي.
ومن الطريف أن إخوان الصفا قد صنفوا تحت كلمة أدب جميع علوم اللغة والبيان والتاريخ والأخبار والسحر والكيمياء والحساب والمعاملات والتجارات.
ولم يخرج ابن خلدون ت 808 هـ .في تعريفه للأدب عن سابقيه من حيث كونه الأخذ من كل علم بطرف . وبناءً على ما سبق يمكن القول: إن الأدب هو فكر الأمة الموروث الذي يعبر عنه الشاعر أو الكاتب بلغة ذات مستوى فني رفيع تنقل بشفافية موروث هذه الأمة الاجتماعي والسياسي والفكري والاقتصادي والإنساني والحضاري ومن خلال ذلك نستطيع اعتبار الموروث العربي والإسلامي منذ أيام الملك الضليل إلى يومنا هذا بجميع جوانبه الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية أدب هذه الأمة
الباب الثاني
الفصل الثالث
طبيعة الأدب
ما الذي يعد أدبا ؟
وما الذي لا يعد أدبا ؟
ما طبيعة الأدب ؟
هل نعتبر كل شيء يكتب في أي لغة وله صلة بحضارة الإنسان من الأدب ؟
هل نقصر مصطلح الأدب على فن الأدب ؟
بادىء ذي بدء يجب أن نشير إلى أن كل ما هو قائم على الأدب التخيلي الابتداعي هو موضوع الأدب ذلك أن كل ما خلا من العنصر الجمالي الفني لا يمكن أن يعد من الأدب وقد أجمع الكثير من النقاد أن فنون الشعر والقصة والمسرح والمقالة والخاطرة والرسالة والمقامة والسيرة هي المقصود بالأدب .
وأهم ما في الأدب ( اللغة ) التي هي أداة الأديب التي يعبر بها عن تجربته الأدبية وهي مادة حية مشحونة بالتراث الثقافي وتختلف طرائق استعمالها في فنون القول (الأدب ) . ونظرة متفحصة للغة الأدب ، ولغة الحياة تبرز الفوارق الكبيرة بين اللغتين لغة القاموس ولغة الأدب ، حتى إنه يمكن إيجاد فوارق بين لغة الشعر ولغة المسرح و لغة القصة . ففي لغة الشعر كما يقول الناقد الأمريكي (ستوفر): نعني بنقل أمين لمحتوى فردي أكثر حيوية من لغة المعاجم حيث تحقق هذه اللغة ثلاثة أغراض
1 ـ المحتوى العقلي
2 ـ الاتحاد عن طريق المخيلة
3 ـ الإيقاع الصوتي .
وفي نظرة عمود الشعر عند العرب اهتم العرب ب (الإصابة في الوصف والمقاربة في التشبيه ) كعنصر جمالي يضفي على الأدب هالة خاصة به . والفصل بين اللغة اليومية واللغة الأدبية أمر ضروري لأن الأدب يحتوي على فكر على حين أن اللغة اليومية ذات دلالات غير فكرية مخالفة للدلالات التعبيرية التي تملكها لغة الأدب .
لقد كانت قضية تحديد طبيعة الأدب وحدوده همّا نقديا تعرّض له المنظرون الأدبيون وعلماء الجمال و الفلاسفة ، حيث اختلط مفهوم طبيعة الأدب بمفهوم وظيفته ذلك أن استعمال الشعر ينتج من طبيعته ولم يتضح التمييز بين المفهومين إلاحديثا بسبب إسهام فلاسفة الغرب في نظريات النقد الأدبي وعلى رأسهم( كنت )ولم يتبلور اتجاه البحث في طبيعة الأدب إلا باستواء النظرية الشكلية وتفاقم الخلاف بين أنصار الفن للفن والفن للحياة . فالشاعر (عزراباوند) يمكن اعتبار منطلقة شكليا في دعوته إلى تحطيم الأوزان والبنى التقليدية . صحيح أن الأدب فعالية إنسانية خاصة قائمة بذاتها ولها قوانينها التي تحكمها والتي يمكن إرجاعها إلى مبدأ واحد هو (الإتقان الصحيح للعمل الأدبي) ، ولكن الأدب عند الشكليين نوع من التأمل المحايد الخالص وقيمته متميزة تماما عن القانون الأخلاقي والاجتماعي لأنها نابعة من ذاتها ويعتبر (كنت ) أول من نظّر للأدب شكليا حيث وضع قواعد محددة لفلسفة جمالية وألح على أن شكل العمل الفني بقوانينه الداخلية هو العامل الوحيد في الحكم عليه بالجمال والقبح فالجمال عنده الشكل الخالي من الغرض و جاء بعد كنت ( شيلر ) واعتبر أن غاية العمل الفني هي الجمال ثم جاء (سبنسر) الذي اعتبر(أن الفن لعب يحدث لنا لذة ومتعة) ، ثم جاء (غوتييه ) ونادى بدعوة ( الفن للفن ) من خلال قوله: (إن حبي للأشياء والناس يتناسب عكسا مع ما يمكن أن يقدموه من فائدة) واعتبر المضمون النافع ضارا بالشكل .
إن النظر إلى طبيعة الأدب كقضية هامة لم تحسم حتى يومنا هذا يقودنا إلى التطلع إلى العمل الأدبي من خلال النقاط التالية :
1ـ ضرورة الفصل في العمل الأدبي بين المفيد النافع و الجميل .
2 ـ ضرورة الفصل بين شكل العمل الأدبي ومضمونة .
3 ـ ضرورة التأكيد على الطبيعة الذاتية للجمال .
على أنه يمكن التركيز على الأمور الآتية كنقاط ارتكاز يستند إليها العمل الأدبي
أيا كان نوعه حتى يحقق فعاليته وقدرته على الديمومة والبقاء والقبول لدى القارىء على مر العصور .
1ـ أن العمل الأدبي يجب أن يكون كاملا لا أجزاء متفرقة ( الوحدة العضوية )
وهذا ما دعا ( إدغار ألان بو )إلى القول :( إن القصيدة الطويلة لا وجود لها و أن القصائد الطوال تتألف من مجموعة قصائد قصار ).
2ـ التناسب والانسجام والترابط بين أجزاء العمل الأدبي وفق متطلبات الموضوع ومنطقه الذاتي
3ـ التألق الجمالي النابع من الاستعمال الخاص للغة أو سحر الجمال كما في وصف الرسول سلى الله عليه وسلم لوقع الكلام الأدبي في النفوس(( إن من البيان لسحرا )
الباب الثاني
الفصل الرابع
وظيفة الأدب
ما يزال دارسو الأدب مختلفين في تحديد وظيفة الأدب على مر العصور مستلهمين آراءهم من خلال طبيعة العصر وتنوع القضايا التي يطرحها وتعدد المشارب الثقافية والمعرفية التي ينهل منها الأديب ، ويحق لنا منذ البداية أن نطرح السؤال التالي :
ما المنفعة التي نجنيها من الأدب ؟
وبالتالي ما الوظيفة التي يؤديها تجاه الحياة ؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤال يجدر بنا أن نشير إلى عدة حقائق تتعلق بالأدب والحياة والإنسان.
1_ طبيعة الأدب تنتج عن استعماله كما أن استعمال الأدب ينتج عن طبيعته كما
قال (رينيه ويليك و أوستن وارين ) .
2_ الأدب ذو طبيعة خالدة لأنه ليس من المخلفات البالية .
3 _ الحقيقة خارج الأدب هي الحقيقة نفسها داخل الأدب.
4_ ليست الحقيقة من اختصاص المفكرين المنهجيين .
لقد مثل الأدب منذ أقدم العصور على المستويات العالمية الحياة الدينية والعقلية الاجتماعية والسياسية بتصويره الفني للقضايا التي عاشها الإنسان في كل عصر والتي عبر عنها أدباؤه شعرا أو نثرا . ولقد تغيرت المفاهيم المتعلقة بوظيفة الأدب عبر عصور التاريخ ؛ ففي زمن من الأزمان لم يكن هناك أي تفريق بين الأدب و التاريخ و الفلسفة فقد كان الشعر ديوان العرب يجمع أخبارهم ووقائعهم وهمومهم و آلامهم وآمالهم حتى إنه يمكننا القول :
إن هذا الأدب قد أدى وظيفته بشكل دقيق فقد كان الشاعر الجاهلي لسان قبيلته
يدافع عنها ويرفع مكانتها بين القبائل الأخرى ، ولم تـتغير هذه الصورة للشاعر
في العصور التالية بشكل كبير ، فهذا أبو فراس الحمداني يحدد وظيفة الأدب من خلال قوله :
يدافع عن أعراضكم بلسانه ويضرب عنكم بالحسام المهند
ولو عدنا إلى النثر العباسي على سبيل المثال ، لوجدنا الكاتب الفذ أبا عثمان عمرو بن بحر الجاحظ يمهد في تأليف أكثر من كتاب دفاعا عن العرب و العروبة كقضية أملتها شعوبية العناصر الفارسية الداخلة في خضم الحضارة العربية الإسلامية الجديدة وما كتاباه ( البيان و التبيين) و ( البخلاء) سوى صورتين واقعيتين دافع بهما عن أصالة العرب أمام هذه الهجمات التي تحاول النيل منه .
لقد أرسى القرآن الكريم بشكل فعلي وظيفة الأدب من خلال دعوته الشعراء إلى الالتزام بقضايا الإنسان الخالدة المتمثلة بالدفاع عن المظلومين .وإذا كان بعض النقاد يحس بالعجز المرعب أمام ما يطلبه البعض من وظائف نفعية للأدب حيث يطالبون الأدب بالتدخل من أجل إيجاد حلول لأزمات الديمقراطية والجوع و القهر والعدالة فإن شعورهم هذا ناتج عن عدم فهمهم لماهية الأدب الذي يعتبر طائرا ذا جناحين هما النفعية والجمال . لقد تحدث أفلاطون في مدينته الفاضلة عن المشاجرة التي وقعت بين الشعراء و الفلاسفة واعتبر الشعراء عناصر غير مرغوب بها بل أصر على ضرورة عدم تعلم الناشئة للشعر لأنه على حد قوله مفسد ووظيفته هدامة .
لقد كثر الحديث عن (عدم وجود غاية للأدب ) على اعتبار أن الأدب عامة و الشعر خاصة تسلية لا غاية لها إلا اللعب أو أن الأدب صوت صاف على صورة زخرفة لا شأن لعالم الانفعالات البشرية بها . لقد أكد على ذلك الفيلسوف المثالي (كنت) ومع أنه يمكن اعتبار بعض الأشعار والقصص و الروايات لا غاية لها إلا اللعب بالألفاظ وإظهار البراعة في الصياغة إلا أنه لا يمكننا أن نطبق ذلك على كل ما قيل في الأدب .
إن الأدب كما يقول أصحاب علماء النهضة يمتع ويعلم والشعر عذب ومفيد كما
يقول ( هوراس) ولكن عذوبته وفائدته تنتج عن القدرة على إجادة استعماله و لقد أصر (اليوت) على تنوع الأشياء التي تعلمها أنواع من الشعر في أوقات متعددة وليس من الصحة بمكان القول: إن الشعر يستطيع أن يحل محل الفلسفة والدين كما يقول (أرنولد ) ومن السخف أن نقول : إن الشعر يستطيع أن يحل محل الدين وأنى له ذلك فلكل واحد منهما وظيفة يختص بها .
لقد شدد أصحاب الاتجاهات المعاصرة على فائدة الأدب وخطره انطلاقا من أن الأدب يوصل المعرفة لأنه شكل من أشكالها يمنحنا إلماما بخصوصيات لا تدخل في نطاق العلم والفلسفة إذ بإمكان الروائي أن يعلمنا الكثير عن الطبيعة البشرية والسلوك البشري أكثر من علماء النفس لأن الرواية تكشف عن الحياة الباطنية للشخصيات بشكل دقيق ، والروايات العظيمة مراجع لعلماء النفس يستمدون منها الكثير من القضايا النفسية ، وما الدراسات التي خرج بها فرويد عن ( النفس والشعور واللاشعور والوعيو اللاوعي) إلا نتيجة اطلاعه على الأدب المعايش له إن الأدب يجعلنا ندرك ما نرى ، ونتخيل ما سبق أن عرفناه . فهو تحقيق لمعطى و استبصار فني لكينونة مستقبلية وقع ما يشابهها في الماضي . والشاعر بين الأدباء عراف قومه ومتنبئ بقضايا أمته فالفن إحساس وشعور بالمسؤولية يكرس القيم الصالحة للحياة . وهذا ما أشار إليه الشاعر خالد الشواف في قصيدته القلم حين قال :
لا تحسبوه يراعا قد من قصب هذا فم وفؤاد ناطق ويـــد
ومشعل لسواد الشعب مشتعل لا كوكب في سواد الفرد يتقد
ولعل الإنسانية لم تنس قط ما ذكره أرسطو فالمعركة التي نشبت حول المسـرح ولا تزال حتى اليوم ناشبة هي : أوظيفة المسرح نفسية فحسب أم له رسالة أخلاقية اجتماعية قومية يؤديها ؟ واذا كان أرسطو يشير إلى (( تطهير النفس من شهواتها )) . فإنه من الواجب علينا أن نشير إلى أن لكل عمل أدبي وظيفة خاصة به تتناسب مع ما يطرحه صاحب العمل الأدبي بالإضافة للوظيفة الجمالية لهذا العمل، فالأدب لا يحقق وظيفته الحياتية إلا من خلال وظيفته الجمالية ، لأن الجمال جسر يعبر فوقه الإنسان إلى حاجاته و إذا كانت الوظيفة الجمالية وجه أول لوظيفة الأدب ، فإن ضرورته الحياتية هي الوجه الآخر له . إن تعبير الأدب عن حاجات الفرد ومشكلاته و المجتمع الذي يعيش فيه هو الثمرة التي تجعل من هذا الأدب أدب حياة لا أدب لهو وتسلية .
لقد أسهم الأدب والأدباء بشكل فذ في كثير من الثورات كالثورة الفرنسية والروسية والثورة العربية الكبرى وساعدوا في نشر الوعي بين الجماهير حتى إنه أصبح للأديب صوت خاص به يحسب له السلطان ألف حساب
الباب الثاني
الفصل الخامس
أهداف وغايات الأدب
الأدب كغيره من الفنون يعتمد على ركائز وأسس، وله أهداف وغايات تتبدل وتتغير بتبدل العلاقات الإنسانية و الاجتماعية و الاقتصادية و الفكرية و السياسية ذلك أن أي حديث عن غايات الأدب لابد و أن يأخذ في حسبانه نقطتين رئيسيتين الأولى : تبدي لنا تلازم طبيعة الأدب ووظيفته لأن استعمال الشعر ينتج من طبيعتة كما أشار إلى ذلك ( رينيه ويليك و أوستن وارين ) صاحبا نظرية الأدب والثانية : تشير إلى أن للأدب جانبين متلازمين تلازم الروح للجسد (الوظيفة الجمالية والغاية الحياتية ) ، لأن الأدب ضرورة حياتية تشبع في حياة الناس رغبات وحاجات ملحة لا تقل خطورة عن الحاجات المادية ، فالشعر عذب ومفيد ولكن ذلك لا يتأتي إلا لمن يجيدون استعماله ومن واجب الأديب أن يسهم في تنظيم وبرمجة العلاقات الإنسانية بكافة مستوياتها ليحقق التكافؤ و العدالة بصورتها المطلقة.
لقد طرح دارسو الأدب منذ القديم مسائل متعددة الجوانب حول وظائف وغايات الأدب وتبنوا نظرات مختلفة حول ذلك ومن بين تلك المسائل المطروحة .
هل الأدب كغيره من الفنون نوع من الترف ؟!
أوظيفة الأدب ذاتية أم موضوعية ؟ّ!
أيجب أن يكون الأدب فرديا أم جماعيا ؟!
أيفترض في الأدب أن يكون أدب جمال أم أدب حياة ؟ّ!
أيحسن أن يكون الأدب أدب شرح وعرض وإيضاح أم أدب دعوة وتوجيه إرشاد؟!
هل الأدب هروب وحياد أم هل هو رأي و التزام ؟!
وبادئ ذي بدء يجدر بنا أن نشير إلى أن الأدب بمفهومه الخاص لم ينشأ ولم يتكون إلا ليؤدي غايات ووظائف لهذا الإنسان الذي وجد نفسه مأزوما منذ وجوده على هذا الكوكب ويحسن بالأدب من خلال خدمته لصانعه أن يبقى أمينا لطبيعته ألا وهى الوظيفة الجمالية فالأدب استبصار فني و الأديب داعية مسؤول غايته إيصال الحقيقة والجمال إلى الآخرين ، لقد ولد الإنسان وفي ذاته نهم للجمال أيا كان نوعه أو شكله وارتبط به ارتباطا لا تفك عراه وأصبحت غاية الإنسان في بحثه المفيد يفتش عن الصورة الجميلة المشرقة .
لقد كان الشعر عند العرب سجلا للمشاهدات الاجتماعية والحربية والنفسية مما يدعونا إلى القول: إن الأدب لم ينشأ عند العرب إلا لضرورات حياتية و جمالية .
يقول (رينيه ويليك و أوستن وارين ) : بإمكان الروائي أن يعلمك عن الطبيعة
البشرية أكثر من عالم النفس ، و هذا يشير إلى ما قاله فرويد من أنه عرف النفس البشرية من خلال الأدب أكثر مما عرفها من خلال الواقع ؛ وتعتبر الروايات العظيمة مراجع لعلماء النفس وما قيل في شخصية ( هاملت ) بعد (شكسبير) أكثر
مما تحتمله هذه الشخصية التي غدت أسطورة من أساطير الأدب .
إن نفع الأدب هو نفع مقرون بالمتعة و إلا لما كان هناك فارق بين أنواع المعارف الإنسانية ولاختلط الدين بالفلسفة والأدب بالفكر حتى إنه يمكن للأدب أن يحمل في طياته بعض من الفلسفة و التاريخ ولكنه لا يكون أدبا حتى يحقق الغاية الجمالية إلى جانب الغاية الحياتية ؛ لأن الأدب جزء من فن الكلمة .
يقول أرسطو : غاية التراجيديا تطهير النفس بإثارة الخوف و الشفقة في نفوسنا وتخليصها مما هو مكبوت وقد قصر التطهير على التراجيدنا الإغريقية لأن محورها الأساسي الصراع بين الآلهة على زعمهم أو بين الآلهة والملوك، و الأمراء وأنصاف الآلهة أو بين قوى الكون المتضاربة.
وقد وسع مندور نظرية التطهير ولم يقصرها على الخوف والشفقة فقط بل أضاف إليها انفعالات ومشاعر أخرى مكبوته ، فالمأساة التي تعالج تجربة غرام عات تطهير للنفس من رغبة مكبوتة ، وقد تكون التجربة خالية حيث تصبح التجربة البشرية المعروضة في المسرحية أو القصيدة إدخارا لطاقة فعالية وتطهيرا للنفس من رغبة مكبوتة عند الكاتب أو القارئ على حد سواء .
يقول (إدغار آلا نبو) : الشعر أداة للتهذيب لأن الفنان إن لم يكن لديه غاية يستطيع أن يغدو هداما بمجرد التغني .
صحيح أنه عبر التاريخ تغيرت المفهومات المتعلقة بطبيعة الأدب ووظيفته إذ إنه مر زمن لم تفترق فيه الفلسفة عن الأدب و الدين وهذا عند الإغريق بشكل خاص ومع ذلك فقد بقي الأدب منمازا عن غيره من المعارف و لقد كان كهان العرب يستعملون لغة الأدب من أجل التأثير على نفوس الآخرين حتى أن مدّعي النبوة الكاذبين عندما عارضوا القرآن الكريم استخدموا الكلام كأدب له وقع و تأثير في المتلقي.
لقد أدرك الأدباء أنفسهم ومنهم الشعراء أن الأدب يحمل رسالة عظيمة غايتها المساهمة في تطوير الآخرين وما احتفال القبيلة العربية بمولد شاعر جديد إلا دلالة على أهمية الأدب عند الآخرين وضرورته .
إن الذهب الكلاسيكي في الأدب حين يتخذ الإنسان موضوعا لدراسته يحقق أهدافا في السلوك الفردي والاجتماعي لتهذيب الجنس البشري والرقي بمستواه الإنساني العام بينما تبدو الذاتية الفردية في الأدب الرومانسي ذلك أنه يتمثل في الشعر الغنائي بشكل خاص وهذا بدوره يشير إلى الصراع بين الذاتية الموضوعية .
يقول نزار قباني ( القصيدة عملية استشهاد على الورق وليست مجرد عملية للتطريب والتخدير والشعر عملية صدامية لأنه هو الناس وهو الشارع ووظيفة الشعر أن يحرض الإنسان على نفسه ولا شعر حقيقي دون تحريض والشاعر يجب أن يكون دائما في قلب المعركة في قلب التاريخ ) وهذا بدوره يفسر لنا عملية الصراع حول القيمة الجمالية والنفعية للأدب فلا يجب أن يفهم أنه لا قيمة نفعية للأدب ، فالأدب هو القدرة على صنع القيمة النفعية من خلال القيمة الجمالية والأديب الحق هو الذي يعبر عن النفس البشرية ( الذات والآخرين ) لأن هذه النفس تحفل بالموضوعات المتصلة بالمجتمع وهذا هو الالتزام بعينة إننا لا نوافق من لا يقتنع بالمتعة الجمالية للأدب ويدعو فقط إلى أدب يضحي بالذات في سبيل الغير. وهذا يعني أن الأدب قد يهدف إلى تصوير الواقع بكل ما فيه من خير وشر وأن هذا الأدب يجب أن يكون هادفا إلى تغليب عامل الخير والثقة بالإنسان وقدرته . ومن الغريب العجيب أن ( البرناسيه ) ترى في الشعر غاية في ذاته لا وسيلة للتعبير لأنها تريد أن تجعل الشعر فنا موضوعيا غايته نحت الجمال و استخراجه من الطبيعة وهذا يلغي وظيفة الشعر الحياتية التي هى خلق القيم وتهذيب النفس وتعليم الآخرين جوانب الحياة . إن ( لو كونت دي ليل) زعيم البرناسية لم يتمسك بهذه النظرية للشعر إلا بعد أن استوت له فلسفة خاصة في الحياة تسخر من ألم الإنسان وبكائه وترى أن (النرفانا) هي سبيل الخلاص لهذا الإنسان والأعجب من ذلك أن ( السريالية ) أو ( ما فوق الواقعية ) لم تعد ترى أن للأدب هدفا لا في ذاته ولا من أجل غيره و كأنها تريد أن تلغي دور الأدب كما ألغت دور الأخلاق في الحياة .
إن السرياليين بتحللهم من الماضي إنما يهتمون بما فوق الواقع( اللاوعي) المكبوت في داخل النفس البشرية ويحاولون إطلاقه وتسجيله فقط وكأن الأدب قد تحول إلى مصح نفسي .
صحيح أن الإنسان أحرز نجاحا ساحقا على مستوى الحضارة المادية وحقق أحلاما عظيمة ولكنه مازال مأزوما في حياته الروحية ، و باعتبار أن الأدب هو جزء من الروح فمن حقه أن يتغذى منها ومن واجبه أن يغذّيها فهو يغرف من معينها ويصب في بحرها .وحسبه صنيعا أنه كبقية الفنون أسهم في بناء الإنسانية وثبت دعائم الإنسان وجعله يلتصق بكوكبه ويعيش فيه آماله وآلامه فأحيانا كان الأدب ترفا للإنسان و أحيانا كان مسليا له وتارة كان عبثا ولعبا ولكنه في الأعم الأغلب كان سلاح الإنسان في مواجهة اخطبوط الحياة الفكري والاجتماعي و النفسي و السياسي ؛ فالثورة الفرنسية ضد آلام الباستيل مهدّ لها الكتاب و الشعراء وكذلك الثورة الروسية ولم يكن حسان بن ثابت و عبد الله بن رواحه وكعب بن مالك إلا كتائب مسلحة في شعرهم الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أوقع في المشركين من النبال .
إن الأدب الجدير بالحياة هو الأدب الذي يسهم في بناء أسس الحياة الصحيحة السلمية المعافاة من الأمراض ويهدم القيم الفاسد العفنة التي تقف عائقا أمام تحرر وتطور الإنسان والحياة . والأدب إن لم يكن نبراسا ومشعلا فأولى به ألا يكون .
الباب الثاني
الفصل السادس
هل للأدب قوانين تطور ؟
دلت وقائع الحياة على أن كل ما في هذا الكون من أشياء يمضي عبر تغير و تبدل و تطور وإن تحديد الصورة الواقعية للأشياء يكون تبعاً لسنن الكون التي جعلها الله تعالى فاعله في هذا الكون ؛ والإنسان فاعل ومنفعل على هذه الأرض يغير ويبدل ويطور أحياناً بحسب خبرته و قدرته على تسخير الطبيعة وتبديل العلاقات الاجتماعية ، وباعتبار الأدب قيماً تعكس علاقة ما (بين هذا الإنسان وعالمه الحياتي و الإجتماعي والكوني) ، فإن هذا الأدب متطور بتطور هذا الواقع ومتغير بتغيره مما يدل على أن الأدب مرآة لواقع محدد من جهة ومؤثر في هذا الواقع من جهة ، والأدب الحقيقي هو ما يجعل البرهة الإنسانية برهة تاريخية ، لأن الأدب الخالد ثمرة مميزة للمجتمع ذات دلالات إنسانية عامة يمنحها الخلود والبقاء والمتعة المستمرة وهذا التطور يحمل تراكم الخبرات الإنسانية وهو في الوقت نفسه مبدأ عام له قوانينه العلمية الشاملة وقوانين الأدب تعمل وفق قوانين أعم وأشمل مأخوذة من قوانين الوجود الإجتماعي لأن الأدب صورة من صور الوعي الاجتماعي المتمثل بالثقافة ، وتطوره محكوم بتطور أساسه الاجتماعي فلكل شيء تاريخ وتاريخية ظاهرة ، ولكن ما هي كيفية عمل القوانين وتطورها ؟
قد يكون التطور حركة عامة للظواهر والأحداث في الطبيعة و التاريخ و المجتمع والإنسان والأدب جزء من ذلك ، وفي المجال الكوني و الإنساني هناك أشياء تتطور وتتبدل لأن الأشياء في تغير وتطور من خلال التآلف أو التناقض أو التكامل وكل ظاهرة جديدة في الماديات والمعنويات ليست فقط نتيجة للتغيرات السابقة وإنما تحتوي في قلبها بذور تغيرات مستقبلية ضمن قوانين معينة قد نعرفها وقد نجهلها وقد جاء تطور الأدب في تاريخ الإنسان من خلال النمط الرمزي ثم الكلاسيكي ثم الرومانسية وإن الإنسان بالأدب استطاع أن يجسد حقائقه وطموحاته الحاضرة و المستقبلية و كما أن الأفكار تتطور و تتغير فإن الأدب يتطور بحسب ما تفرزه المبادلات الاجتماعية والحياتية ، فالمسرحية بدأت على رأي الكثيرين موقعه موزونة (شعرية) ثم تحولت إلى (نثرية) و كذلك الشعر بدأ موزوناً وها هو الآن يتحول إلى قصيدة النثر كما أن المقالة ولدت مع الصحافة و إن القصة قد تطورت باتجاه الرواية من جهة و باتجاه القصة القصيرة جداً التي قد تكون جملة قصيرة واحدة
الباب الثاني
الفصل السابع
التاريخ الأدبي
(نقد الأدب وتاريخه)
ليس هناك من شك أن فن النقد الأدبي قد سبق في الظهور للتاريخ الأدبي لأن صانع الأدب ناقد بحكم إتقانه لفنه الذي يكتبه سواء كان شعراً أم خطابة أو فناً اّخر؟ وقد كان شعراء العرب أنفسهم نقاداً بمستويات مختلفة وقد ضربت للنابغة الذبياني خيمة للنقد و الفصل بين الشعراء يحكم فيها بين شعراء الجاهلية في سوق عكاظ ، وإذا كان النقد ينشأ مع صانع الأدب ، فإن التاريخ الأدبي لا يكون إلا بعد أن يجتمع لكل أمة تراث أدبي يستحق أن يؤرخ مع العلم أن النقد الأدبي من أسس التاريخ الأدبي والأدب العربي والإسلامي بمعناه الحقيقي ليس فقط الشعر والنثر الفني بل يدخل ضمن ذلك المؤرخون والفلاسفة وعلماء الإجتماع وعلماء التشريع الإسلامي (علوم القرآن الكريم والحديث الشريف) في بعض فروعه ذلك أن تارخ الأدب جزء من التاريخ العام للأمة وخاضع لمناهج التاريخ بوجه عام مع بعض الفوارق الراجعة لطبيعة الأدب ذلك أن الأدب ماض مستمر في عمق الحاضر والمستقبل لأنه مؤلفات شعرية ونثرية تبقى حية لقدرتها المستمرة على إثارة العواطف والأفكار لدى الإنسان وضرورة من ضرورات الحياة عند الأمم و الشعوب المتحضرة لما تقوم به من تربية لملكات الذوق والإحساس الإنساني و هكذا تبدو مهمة الأدب في البحث عن (الخاص المتفرد )في تأطيره لخواص مدرسة أدبية أو ظاهر شعرية أو أديب متميز ذلك أن الماضي والحاضر هما ساقا الشخصية البشرية التي يكمن فيها الجوهر المفرد والأدب بحكم كونه مؤلفات ذات إثارة فكرية وعاطفية لا بد أن تتخلله المقومات الإنسانية التي تجعل مؤرخ الأدب يحكم على ما يدرسه من خلال تجربته الشخصية وانفعالاته اتجاه النصوص المدروسة على ضوء العقل ليستخلص منها ما يمكن أن يكون إحساساً مدفوعاً باتجاه فكرة ما أوقضية معينة
ويعد تاريخ الأدب من أعظم الأعمال التي يقوم بها الإنسان في محاولة نقل أفكار و عواطف ومشاعر ومواقف الأمة اتجاه أفرادها لتثبيت أعمدة بناء الأمة و الاستمرار في تماسكها من الماضي إلى الحاضر و حتى المستقبل وقد جرت العادة في كتابة تواريخ الأدب تبعاً للأسسس الزمنية حيث تقسم إلى عصور وقرون و حقب وفترات وقد تكون التقسيمات حسب فنون الأدب أو حسب عصور الذوق الأدبي أو حسب التيارات الأدبية والفنية وهذا ما لم يأخذ به كتاب تاريخ الأدب عندنا ، وبالإمكان أن ندرس نحن العرب والمسلمين الأدب من خلال فنونه كأن ندرس تاريخ قصائد الجهاد والانتصارات والمقاومة أو تاريخ قصائد الزهد أو تاريخ قصائد الرثاء والمديح والفخر والهجاء أوندرس تاريخنا الأدبي من خلال مذاهب التذوق لمذهب الصنعة والبديع منذ الجاهلية و حتى يومنا هذا أو مذهب الترسل أو مذهب عمود الشعر وقد يدرس مؤرخ الأدب التيارات الأدبية الفنية من خلال تيار الزهد والتصوف .
الباب الثاني
الفصل الثامن
الأدب والأخلاق والقيم
يحق لنا في دراسة الأدب أن نقول : إن كل ما له علاقة بالإنسان روحاً و نفساً و مجتمعاً وحياة هو من مقتضيات الدراسة الأدبية ؛ والأخلاق جزء مهم من نفس الإنسان بشكل عام وجزء من ذات الكاتب ونفسيته بشكل خاص و ما تزال الخلافات قائمة بين العلاقة بين الأدب والأخلاق وهل على الأديب أن يلتزم خدمة الأخلاق أم أنه يستطيع التحرر منها على اعتبار أن الأدب فن جميل خارج عن حدود الأخلاق ؟ وإذا كان على الأدب أن يخدم الأخلاق والقيم فكيف يكون ذلك عن طريق المباشرة أو الدعاية لها أو عن طريق علاج النفوس من الشر وتطهيرها منه مع أن الأدب يستطيع أن يحيل قبيح الواقع إلى جمال لأن الجمال وحده ليس مادة الأدب بل أصبح القبيح ذاته شيئاً يعمل فيه الكاتب قلمه كي يبرز صورة الجمال فيما هو عكسه كما في قصيدة بشارة الخوري (المسلول) التي مطلعها :(عيناه غارقتان في نفق)
و قد مج الكثير من الناس الدعوة للأدب بالطريقة المباشرة أو طريقة الوعظ لأن ذلك نتائجه غير مضمونة بل لابد من علاج النفس عن طريق قصة أو مسرحية أو مقالة أو خاطرة أو قصيدة إذ قلما يتعلم الإنسان من تجارب غيره والكاتب الجيد هو الذي يستطيع أن يهز المتلقي بما يقص من حوادث تخلق في النفس أثراً لا إرادياً يبقى في نفس المتلقي أكثر من الدعوة الصريحة .
وليس مذهب الفن للفن أو الأدب للأدب مضاد لمذهب الأدب الأخلاقي وما يسمونه بالأدب المكشوف فهذا جاء ليؤكد على أن الأخلاق يحميها الأدب كهدف رئيسي من أهداف الإنسان وأن الفن للفن مدرسة ظهرت كرد فعل على رومانتيكية الأدب التي اتخذت من الأدب وسيلة للتعبير عن المشاعر الشخصية والتي حولت الأدب إلى حرفات أنات شعورية ولا يعارض هذا المذهب أن يتقيد الأدب بالأخلاق وهذا ما أوقع الكثير من كتابنا في فخ (الخطأ) حيث هاجم الاشتراكيون مذهب الفن للفن ظانين أنه يحرف الأدب عن رسالته و غايته.
وإذا كان معنى الأدب الأخلاقي في وجود أهداف قيمة لهذا الأدب فإنه ليس معنى أن الفن للفن أن يخلو الأدب من موضوع فليس التفكير والعاطفة هما موضوعا الأدب وحده فهناك الحواس الأخرى والطبيعية التي يمكن أن تمد الأدب بموضوعات جديدة وهذا الأدب الأخلاقي هو أدب توجيه أكثر من كونه أدب تحليل كما هو في المنهج النفسي ومن المؤكد أن الأدب لا يمكن له أن يتجاهل مواصفات الأخلاق و القيم لأن الأدب الأخلاقي عمل جميل في ذاته يشق حجب الزمن و يمحو طلاءها حتى تنكشف الإنسانية في حقيقتها وليس هناك خلق لدى الأدباء المتشربون من النفاق الاجتماعي والسياسي والفكري ، والأديب بفطرته يحب أن يكون ذا أثر إيجابي في نفوس قرائه والأثر الإيجابي عمل أخلاقي مع أن الموضوعية حكم لا تستطيعه طبيعة الأدباء غالباً وما يميز الأدب عن غيره عنصر الإثارة وتخلص العلاقة بين الأدب والأخلاق بأن الاتجاه العام في الآداب يسير نحو فهم النفس البشرية و تحليلها و صنع الجمال في هذه النفس و تهذيبها .
الباب الثاني
الفصل التاسع
الأدب المحلي والقومي والعام
إذا كان الأدب يحتل المكانة المهمة في حياة الإنسان لأنه يعبر عن ذاته وتطلعاته ويؤطر حياته فإنه من الممكن أن نميز بين مصطلحات ثلاث تحدد مكانية هذا الأدب فهناك الأدب المحلي الذي يتحدث عن تطلعات شعب ضمن وطن من الأوطان أو بلد من البلدان على أنه يمثل عادات وأفكار وعواطف شعب يعيش ضمن بقعة معينة وهناك الأدب القومي الذي يمثل مجموعة شعوب ذات لغة واحدة وآمال وآلام مشتركة كما هو عند العرب والألمان والإنكليز والفرنسيين وهناك الأدب الإسلامي ويمثل الشعوب الإسلامية بما تحمله من رسالة خالدة في التوحيد والدعوة لنشر رسالة الإسلام وهناك الأدب العالمي الذي يجب أن يدرس على مساحة القارات الخمسة من خلال توحيد الآداب جميعها في تركيب عظيم تلعب فيه كل أمة دورها ضمن ائتلاف عالمي وإن كانت الفكرة شديدة البعد لأنه لا يوجد أمة من الأمم ترغب في التنازل عن شخصيتها وقد تكون عالمية الأدب متمثلة بالروائع الأدبية التي خلدها الزمن لنفاستها وقيمتها الفكرية والجمالية والفنية والنقدية والتربوية . أما الأدب العام فهو أدب يركز على الحركات والتجديدات في الأدب . ويدخل ضمن ذلك الأدب الفصيح والأدب الشفوي الذي كتب على مر العصور باللغة العربية الفصحى التي كانت وما تزال هي الحامل الوحيد للأدب أو الذي نقل شفاها على مر العصور والذي نجد أن هناك اهتماماً به ، وإذا كنا لا نختلف في كون الأدب المدون العظيم أرفع مستوى من الأدب الشفوي فإننا لا ننكر أن للأدب الشعبي تأثيراً ما يزال على مر العصور والأدب الشعبي تراثاً ما يزال صامداً منذ أقدم العصور وهو ليس تراثاً منهاراً كما يعتقد البعض .
وهناك أصل شعبي للعديد من الموضوعات الأدبية وهناك وفرة من الشواهد على المنشأ الاجتماعي للأدب الشعبي فالأغاني الشعبية وقصص الجن والخرافات هي جزء كبير منها وكذلك الشعر الشعبي وأغاني الشعراء ومن الجدير بالذكر أنه ليس هناك انقطاعاً على مر العصور بين الأدب الشعبي والشفوي والأدب الرفيع المكتوب .
الباب الثاني
الفصل العاشر
الأدب الموازن
الأدب الموازن أو ما يسميه البعض بالمقارن : هو الأدب القومي والإنساني في علاقاته التاريخية بغيرة من الآداب الأخرى وإن اصطلاح الأدب المقارن أو ما أحب أن أسميه الموازن مصطلح حساس قد لاقى نجاحاً كبيراً في الجامعات العربية والأجنبية فالمقارنة بين الآداب يندر أن تكون فكرية بحتة مركزة في تاريخ الأدب وقد غطى اصطلاح الأدب الموازن مجالات متميزة من الدراسة واعتنى كثيراً بدراسة الأدب الشعبي (الأدب الشفوي) وهجرته بين الشعوب كما واهتم بدراسة الصلة بين أدبين أو أكثر وتعود نشأة هذا الأدب في أوروبا وأمريكا كمنهج بحثي معرفي في مختلف العلوم والعلوم البحثية كعلم اللغة المقارن وعلم القانون المقارن وعلم الأحياء المقارن وفي لغتنا علم الفقه المقارن وعلم الأدب المقارن نتيجة التراكم المعرفي وتكاثر المعلومات وقد أخذ الشعور بأهمية المقارنة يلح في مجال الدراسات الأدبية زيادة في الوعي ومسعى لتحقيق الحرية الخاصة بكل أمة عبر التمايزات وامتدادا للنزعة الإنسانية التي يبحث عنها الأدباء والمؤرخون كما أن المقارنة تقوم على الاعتقاد بكلية الظاهرة الأدبية
وفي العالم العربي جاء الاهتمام بالأدب المقارن ضمن الحركة النهضوية في مطلع هذا القرن لتعميق الصلة بين الثقافتين العربية والغربية ودخل الأدب المقارن في حيز الاهتمام الأكاديمي وتعزيز الاهتمام بالأدب الوطني ذلك أن الآداب في مختلف الأمم تتبادل فيما بينها علاقات التأثير والتأثر بالرغم من اختلاف اللغات التي كتبت بها ذلك لأن الأفكار والتعابير تتناظر وتتكافأ في معظم اللغات . وإذا كان مدلول الأدب المقارن تاريخي فإنه يدرس مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها المختلفة وصلاتها الكثيرة والمعقدة في ماضيها وحاضرها وما عندها من الصلات التاريخية من أثر وتأثير وتأثر وما تعلق منها بالأصول الفنية العامة للأجناس الأدبية أو التيارات الفكرية أو اتصلت بطبيعة الموضوعات والمواقف والأشخاص أو مست مسائل الصياغة الفنية والأفكار الجزلة في العمل الأدبي وكذلك يكشف الأدب المقارن عن جوانب تأثر الكتاب في الأدب القومي بالآداب العالمية ولا يعد من الأدب المقارن في شيء ما يعقد من موازنات بين كتاب من آداب مختلفة لم تقع بينهم صلات تاريخية حتى يؤثر أحدهم في الآخر نوعاً من التأثير أو يتأثر به كذلك ولا يعد من الأدب المقارن ما يساق من موازنات في داخل الأدب القومي الواحد سواء أكانت هناك صلات تاريخية بين النصوص المقارنة أم لا .
فالموازنة بين أبي تمام والبحتري تدخل في نطاق الأدب القومي الواحد يتخلى عنها مؤرخ الأدب المقارن ومقارنات الأدب العربي بالأدب الفارسي والتركي والآداب الغربية كثيرة تحتاج إلى بحوث مستقلة تعزز خصائص هذا الأدب وفعاليته وعدة الباحث في الأدب المقارن العلم بالحقائق التاريخية للعصر الذي يدرسه والمعرفة الدقيقة بالآداب المختلفة الذي هو سبيل البحث فيها وعلى دارس الأدب المقارن أن يقرأ النصوص المراد مقارنتها بلغاتها الأصلية كذلك عليه أن يكون ذا إلمام بالمراجع العامة وطريقة البحث في المسائل وبمظان مواضعها من الكتب التي يدرسها .
وأما ميدان البحث في الأدب المقارن فتكون في عوامل انتقال الأدب من لغة إلى لغة ودراسة الأجناس الأدبية والقوالب الأدبية التي تفرض بطبيعتها على المؤلف اتباع طريقة معينة ودراسة الموضوعات الأدبية وتأثير كاتب ما في أدب أمة أخرى ودراسة مصادر الكتاب والتيارات الفكرية.
الباب الثالث
اتجاه دراسة الأدب
الباب الثالث
الفصل الأول : الأدب والتجربة الأدبية
الباب الثالث
الفصل الثاني : الأدب والدراسة الأدبية
الباب الثالث
الفصل الثالث : اتجاه دراسة الأدب ( الاتجاه الخارجي)
1- المنهج النفسي في دراسة الأدب .
2-المنهج الاجتماعي في دراسة الأدب.
3-المنهج اللساني في دراسة الأدب.
4 ـالمنهج الأسطوري
5 ـ المنهج الأخلاقي
6 ـ المنهج الاعتقادي
7 ـ المنهج العلمي
8 ـ المنهج التاريخي
9 ـ المنهج اللغوي
10ـ المنهج الشكلي
11 ـ المنهج الشكلي
الباب الثالث
الفصل الرابع : اتجاه دراسة الأدب الاتجاه الداخلي في دراسة الأدب ، ويضم هذا الاتجاه دراسة
ا ـ المعنى
2 ـ العاطفة
3 ـ الخيال
4 ـ الأسلوب
5 ـ الموسيقى
الباب الثالث
الفصل الأول
الأدب والتجربة الأدبية
إذا كان الأدب أحد الفنون الإنسانية التي تسهم في الرقي بحياة الإنسان ورسم معاناته وكشف آفاقه ومعطياته والترفيه عن الأمة التي يعيشها بسبب المعاناة المادية اليومية فإنه وليد تجارب إنسانية تأخذ معطياتها من حياة الناس سواء أكانوا أدباء عاشوا تجاربهم الأدبية أو أناسا عرفهم الأدباء أو قرؤوا عنهم ومن هنا كانت التجربة الأدبية محكوم عليها بالصدق أو الكذب بحسب صدور التجربة عن شخص الأديب نفسه أو عن غيره من الناس.
ويعد مفهوم التجربة الأدبية من أعقد المفاهيم لأنه يحدد قيمة النص المدروس من قبل القارئ على الرغم أننا من غير المعقول أن نطالب الأديب أن يكون قد عاش كل التجارب التي يصوغها .
والحقيقة التي لا مراء فيها أن التجربة الأدبية التي يفرغها الأديب في نصه لا تقتصر على التجربة الشخصية وإنما تشمل مجموعة من التجارب التاريخية والاجتماعية والأسطورية والخيالية والشخصية .
فالتجربة الشخصية يستقيها الأديب مما يمر به من أحداث ومخاضات كتجربة المتنبي الشخصية التي رسمها في شعره والتجربة الاجتماعية يستقيها الأديب من محيطه الاجتماعي حين يتحدث عن الألم والبؤس والحرمان والظلم كتجربة المعري التي كانت رد فعل على المجتمع والتجربة التاريخية يستقيها الأديب من تاريخ البشر أفراداً وجماعات وشعوبا واً حما .
والتجربة الأسطورية يستقيها الأديب من التجارب الإنسانية البدائية وعلاقة الإنسان بالكون وقوى الطبيعة والتجربة الخيالية يستقيها الأديب من خياله حين يعجز عن تحقيق التجربة الشخصية . على أن لا تغفل أن الأديب نفسه وحسب مقدرته على امتلاك أدواته الأدبية يستطيع أن يرسم لنا تجربته وحتى التجربة الشخصية التي يرسمها أدبينا تستقي بعض جوانبها من الخيال لأن الأدب لا بد أن يعمل فيه الخيال حتى يكتسب صفة الجمال إن لكل تجربة يكتبها الأديب لوناً خاصاً وطعماً خاصاً وشكلاً خاصاً وهدفاً خاصاً وطريقةً خاصة .وهذا ما ندعوه بشخصية الأديب والبدعون في العالم شخصيات متباينه ومختلفه تأخذ أبعادها من واقع معين وتعيد صياغته من جديد بحيث تبرزه بشكل آخر فالمتنبي مثلاً كانت تجربته الأدبيه تجربه وجدانيه شخصية يبحث صاحبها عن سلطة ما وهي وإن مانت تغذي طموح الكثير من خلال عكس المتنبي لتجاربه التي هي جزء من تجارب الآخرين المتكررة إلا أنها تبقى حالة متفردة خاصة بالشاعر وتجربة المعري كانت تجربة فكرية فلسفية كونيه تسعى إلى حمل التناقضات الفكرية في صراع الإنسان صراع الضعيف مع القوي والمتلخصة بقوله لديك مذبوح (استصغفوك فوصفوك هلا وصفوا شبل الأسد ) وتجربة عمر الخيام تجربة كونية فكرية أقضت مضجعه بحيث جعلته يعيش حالة الضعف الإنساني أمام القدرة الإلهية المهيمنة ومأساة ( كافكا ) مأساة شخصية لأديب قتل نفسه بسبب عدم تكيفه مع المجتمع وتجربة ( سيرنانتس ) تجربة شخصية في ( الدون كيشوت) تدل على انفصام في عمق النفس الإنسانية بينما يتجربة الشاعر عبد الرحمن العشماوي والشاعر محمد إقبال تجربة اجتماعية فكرية دينية لأن كلا الشاعرين استطاع أن يعالج الكثير من القضايا العالقة في مجتمعه.
إن تجربة الشعراء الصعااليك في العصر الجاهلي والعصر الأموي والعباسي تدل دلالة عميقة على تفتح الوعي النوعي عند النخبة المنفردة إثر تعطيل قانون التكافل الاجتماعي واستلاب حق الإنسان لأخيه الإنسان كما وأن تجربة الشعراء العذريين لتعبر تعبيراً عميقاً على ردود الأفعال الصحيحة إزاء ظاهرة بناء علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان على أسس من الحاجات المادية والمبادلات المصلحية وأن وجود العميق الروحي في مبادلات هذا الحب لتبرز ظاهرة انزياح القيم في المجتمع الذي تعيشه تلك القدرية .
نحن إذن أمام تجارب عديده ومتنوعه عند الأدباء ولكل تجربة خصوصيتها وعموميتها بحسب نفسية الأديب وقيم المجتمع التي يتعامل بها وإنه من السخف بمكان أن نشير على سبيل المثال إلى وجود حب عذري في هذا الزمن الذي نعيشه لأننا نعيش حالة مبادلات مصلحية قائمة على المكاسب الماديه لا على القيم الروحية وما نطلبه من الأدباء أن يعمقوا المبادلات الروحية الحميمة حتى يسيروا بدفة المجتمع باتجاه الأسلم والأصح والأجود .
إن فلسفة التجارب الأدبية عند الأوربيين حديثاً سواء أكانت فردية أم مذهبية لا تعد أن تكون انعكاساً لتجارب المجتمع أفراداً وجماعات وما هذا الاستلاب باتجاه مسرح شكبير عند الجمهور لديهم إلا لما يحمله من حرارة مأساة الروح عند أبطال تلك المسرحيات .
ومما لا شك أن التجارب الأدبية تبقى التجارب النوعية التي يستثمرها المفكرون والأدباء والجمهور وما فعله فرويد لم يكن كما اعترف هو إلا بسبب إطلاقه على مفرزات الأدب واكتشافه لعلاقة التصرفات عند الفرد بما يمليه المجتمع وما يطمح إليه هذا الفرد .
الباب الثالث
الفصل الثاني
الأدب والدراسة الأدبية
ليس هناك شك أن هناك فرقاً بين الآدب والدراسة الأدبية لأنهما فعاليتان متمايزتان فالأدب فن والدراسة الأدبية نوع من المعرفة والتجميع وعلى الرغم من ادعاءات البعض أنه لا يمكننا فهم الأدب دون كتابته وممارسته فقد بقيت الدراسة الأدبية المدخل الفعال في فهم الأدب وإذا كانت عملية الإبداع ذات فائدة كبيرة لدارس الأدب فإنها تختلف عن الدراسة الأدبية ويمكن لنا أن ندرس الأدب بعد قراءته وتذوقه وتقديره من خلال قوانين تسهم في تفتيق عوامل الفرادة فيه مع التركيز على صعوبة معالجة الفن الأدبي معالجة فكرية بمناهج متطورة من العلوم الطبيعية بعملية تحويل بسيطة وذلك بمجاراة المثل العلمية العامة في الموضوعية واللاشخصانية واليقينية حيث يمكن أن تجمع وقائع محايدة تسهم في فهم النص المدروس وكذلك في السعي لتقليد مناهج العلوم الطبيعية من خلال دراسة الأصول والعوامل المسببة لظاهرة من الظواهر الأدبية وكذلك يمكن استخدام العلية العلمية لتفسير الظواهر الأدبية بإسناد العلل الفاصلة إلى الشروط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية من خلال الإحصاء ورسم الخرائط والخطوط البيانية كما ويمكن استعمال المفهومات البيولوجية في تتبع نمو الأدب،فقد يفلح الإحصاء في مناهج معينة لنقد النصوص أو لدراسة الأوزان وقد يفلح علم الأعصاب في فهم دوافع الأدب وحل الكثير من المشكلات الأدبية
وإذا كان للبحث الأدبي مناهجه الخاصة التي لا تتطابق مع العلوم الطبيعية فإن مناهج أساسية كالاستقراء والاستنتاج والتحليل والتركيب والمقارنة تبقى مشتركة بين أصناف المعرفة المنهجية ومنها الأدب وقد استطاع الفقه والتاريخ وعلم اللغة والفلسفة أن يستنبط مناهجه الصحيحة للبحث مع التركيز على وجود فرق في المناهج والأهداف بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية ونحن حين نريد أن ندلل على ذلك فإنه لابد من مواجهة مجموعة من التساؤلات من مثل: لماذا ندرس زهير بن أبي سلمى أو حسان بن ثابت رضي الله عنه أو المتنبي أوأبي تمام؟
ما نريده من الدراسة هو كشف ما تفرد به كل منهم أوما جعل منه شاعراً بهذه الصورة التي تطبع شخصيته مؤكدين على (مشكلة التفرد) و(مشكلة القيمة) وبالرغم من كل القوانين والدراسات المهتمة بالأدب فقد فشلت المحاولات الباحثة عن إيجاد قوانين عامة للأدب كما أنه لا يمكننا الادعاء بوجود قانون عام يحقق ذلك وغرض الدراسة الأدبيةهو مطابقة مناهج البحث على ما أبدعه الأديب ، وبوسعنا أن نطابق بين المنهج التاريخي والعلمي في تجميع الوقائع ووضع قوانين تاريخية بالغة الشمول بحيث نخضع الأدب للدراسة ولكن ليس بشكل رياضي على أن نفسح للتفرد مساحة تؤكد على الطبيعة الشخصية للفهم الأدبي وأن لكل عمل أدبي فرديته الخاصة فلا يوجد سوى متنبي واحد وأبي تمام واحد وخنساء واحدة فكل الكلمات في كل عمل أدبي هي في طبيعتها(عامة) وإن الشعر أشمل من التاريخ وأعمق فلسفة منه وليست مهمة الشعر أن يعدد أوصاف المحدودين بقدرما يفسر الظواهر الكونية والإنسانية وعلى كل منا أن يسلم أن كل عمل أدبي عام وخاص في وقت واحد فهو عام وفردي فلكل إنسان سماته الخاصة الفردية مع اشتراكه مع الآخرين في معظم صفاتهم وما محاولات التاريخ الأدبي والنقد الأدبي في تمييز (فردية كاتب أو فردية أثره) إلا لأن الأدب هو المعطي للإنسان بعض تميزه ، وكذلك تفعل الدراسة الأدبية في تفتيق فن القراءة للنص الأدبي والتي تتضمن الفهم والحساسية النقدية والتقييم وحتى يمكن لنا أن نفهم الأدب لابد أن نقوم بشرحه وتحليله وتصريحه وتقسيمه من خلال نقاط ارتكاز فالأدب مفهوم خاص ودراسته مفهوم آخر
آ-الدراسة الأدبية حاجة ملحة: لا يمكن للمتلقي أن يفهم الأدب على بعده الحقيقي حتى يخضع هذا الأدب للدراسة والتحليل وكون أن عبارة (لا يمكن أن يدرس الأدب على الإطلاق) كلام لا وزن له في واقع الأدب فالأدب من الفنون الجميلة التي ينطبق عليها قراءة الأدب وتذوقه وتحليله وتقديره على أساس من الخبرة الجمالية ومن هنا لا يمكن لنا التنكر لدراسة الأدب ولا غنى لنا عند ذلك لأن دراسة الأدب تاريخ عريق والأدب جزء من الموروث الثقافي للأمة ولا تحيا الأمة إلا بحفظ هذا الموروث من خلال تأطيره وتقسيمه وتوزيعه على وجدان يسهل استعمالها وتصنيفه واختيار ما يمكن حفظه ونقله ووضع أسس لهذا الاختيار
ب ـ طبيعة الدراسة الأدبية :
تعد الدراسة الأدبية شكل من أشكال المعرفة المنظمة الناجمة عن مواجهة النصوص الأدبية لاستيعاب التجربة الجمالية للنصوص من خلال أطر تنظمها يستمدها الدارس من المعرفة المتراكمة المتطورة إنسانياً للتعامل مع الأدب ومواجهة التجربة الإبداعية للنص الأدبي بأنواعه تختلف في طرقها وأسسها وغاياتها وتتنوع بتنوع هذه الطرق .
ج- أشكال الدراسة الأدبية:
للدراسة الأدبية أشكال متعددة:
1-تحقيق النصوص وغايته التأكد من صحة النص كنسبة مجموعة أشعار لشاعر (ما) وذلك بجمع مخطوطات ديوان شاعر ومطابقتها ومعرفة تاريخها والمفاضلة بينها والخروج بديوان منسوب لهذا الشاعر أو ذاك
2-التاريخ الأدبي ويستهدف معرفة نشأة جنس أدبي ما وتطوره عبر العصور
3-النقد الأدبي التطبيقي وغايته شرح النصوص وتحليلها وتفسيرها وموازنتها والحكم عليها
4-النقد الأدبي النظري وغايته دراسة النصوص المنتمية لجنس أدبي ما أو أمه ما في مكان ما وزمان ما للوصول لنظام أدبي ما ومعاييره ومقايسه والقيم التي تحكمه
5-البحث الأدبي وغايته رسم صورة لصاحب الأثر الأدبي (أصله-حياته-تكوينه الثقافي وبيئته وعصره وصلته وتأثيره فيه)
6-الدراسة الأدبية المقارنة وغايتها الكشف عن نقاط تماس نصوص أديب ما بنصوص أديب آخر وظروفه هذا التماس وأسبابه وما تركه من آثارسلبية أو إيجابية في الإنتاج الأدبي
د-صلات الدراسة الأدبية :
إذا كانت الدراسة الأدبية معرفة غايتها مواجهة تجربة الإبداع الأدبي فهي ذات صلة بنشاطات الإنسان وصلتها بالأدب من أوثق الصلات لأن الأدب هو موضوع الدراسة الأدبية ومادتها وغايتها وإن كنا بدراستنا نعرج على صاحب النص الأدبي وعصره وبيئته ومتلقيه.
وأما صلة الدراسة الأدبية بنشاطات الإنسان المعرفية فهي واقع وخيار ملح وكثيراً ما تغري العلوم الأدبية الدارس باستخدام مناهجها ومجاراة مثلها العلمية من يقينية وموضوعية ولا شخصانية ويمكن لنا معالجة الفن معالجة فكرية بمناهج متطورة من العلوم الطبيعية كإسناد العلل إلى الشروط الإنسانية واستخدام العلية العلمية لتفسير الظواهر الأدبية واستخدام الإحصاء ورسم الخرائط والخطوط البيانية والمفهومات البيولوجية وعلم النفس والاجتماع واللغويات .
الباب الثالث
الفصل الثالث
اتجاه دراسة الأدب
أولا : (الاتجاه الخارجي )
أسهم في دراسة الأدب بكافة جوانبه اتجاهان اثنان هما :
الاتجاه الخارجي في دراسة الأدب
والاتجاه الداخلي في دراسة الأدب
أولا
أما الاتجاه الخارجي في دراسة الأدب فيضم مجموعة من مناهج دراسة الأدب هي :
1-المنهج النفسي في دراسة الأدب .
2-المنهج الاجتماعي في دراسة الأدب.
3-المنهج اللساني في دراسة الأدب.
4 ـالمنهج الأسطوري
5 ـ المنهج الأخلاقي
6 ـ المنهج الاعتقادي
7 ـ المنهج العلمي
8 ـ المنهج التاريخي
9 ـ المنهج اللغوي
10ـ المنهج الشكلي
11 ـ المنهج التكاملي
على أنه ينبغي لنا ألا ننسى أن دراسة أي نص أدبي من الخارج لابدَّ أن تتضافر فيه آراء المناهج السابقة مجتمعة لأن الكاتب عندما يورِّث لنا نصه ، فإنما يصدر هذا النص عن إنسان له مكوناته ، ومفهوماته النفسية، والاجتماعية ولا بد َّ أن يستعمل اللغة نفسها في توصيف مفهوماته وتعليلها .
ـ 1 ـ
المنهج النفسي في دراسة الأدب
(( سيكولوجيا الأدب ))
تعد العلاقة شديدة الاتصال بين الأدب وعلم النفس . وحسب الأدب أن يكون واضعه ، ومتلقيه ، ومحرره إنساناً حتى يغري دارسه بدراسته.ويقدم علم النفس المفاتيح السحرية لدراس الأدب تجربة ، وإبداعاً ، وتحليلاً ؛ ولقد استُخدم المنهج النفسي في دراسة الأدب منذ القديم ، ومع أنه بقي غير كاف في توضيح جميع جوانب الأدب ،إلا أنه يظل مفيداً في الكشف عن غوامض ، وخبايا العمل ، وصاحبه .يقول الدكتور محمد مندور في كتابه (( في الأدب والنقد ))
((أما علاقة الأدب بالفرد فتدور حول الحاجات الإنسانية التي يمكن أن يشبعها كفن جميل ، وكأداة للتعبير عند الفرد ؛ وأهم مبحث هو تحليل حاسة الجمال عند البشر ، والبحث عن أصولها ، وأهدافها المختلفة ، والتمييز بين مفارقاتها ؛ فهناك الشيء الجميل ، أو اللطيف ، أو الجليل ، ومن حيث أن الأدب تعبير جمالي نفسي فعلى علم الجمال الأدبي أن يقف عند ـ نظرية انتقال المشاعر ـ كأن يحب الشاعر مثلاً ديار محبوبته من أجلها)). والشعراء العرب كثيراً ما كانوا يحبون ديار محبوباتهم لأنها تمثل هذه المحبوبة.
وما حبّ الديار شغفن قلبي ولكن حبّ من سكن الديارا
وما وصف الأطلال عند شعراء الجاهلية إلاّ نوعٌ من هذه النظرة ( انتقال المشاعر ) ؛ وإذا كان من اللزام على الدارس أن ينبش الكنوز المختبئة في بواطن الأدب ، فإن من المفيد له أن يمعن النظر في عملية الإبداع ، وفي المبدع نفسه ، والقوانين النفسية المتحكّمة بشخصيات العمل الأدبي ، وبالأدب نفسه ؛ وسنفصّل القول في هذه القضايا.
ففي دراسة عملية الإبداع ، وآليتها يمكن لنا أن نشير إلى نظرية الإلهام عند أفلاطون الذي يعتبر أن المقدرة الإبداعية عند الأديب هي( الحماسة أوالحـب )
–إيروس – ويرى أن مصدر هذا الإلهام هو الوحي الإلهي حيث تدفع (( ملهمات الشعر )) موضوعات الشاعر له وعلى هذا فإنه يمكن لملهمات الشعر أن تنزع العقل عن الشعراء وتستخدمهم كهاناً أو سحرة ملهمين .
وتقوم عمليّة الإلهام عنده على تذكرّ الإنسان لما رآه من صور ، وماهيّات في عالم المثل الذي كانت تحيا فيه النفس ، ومن ثمّ تقليد هذه الصور في عالم المحسوسات ، مما يجعل الشاعر يحسّ بالجزع ، والحزن الذي يعقبه شعور بالحماسة يدفع الشعر على شكل أغانٍ ، وأكثر الشعراء مدانون بأشعارهم الجميلة للحماسة ، ولنوع من الغييبوبة لا للفن ، وهم يشبهون على حد قول أفلاطون كهّان ( سيبلي ) الذين لا يرقصون إِلا إِذا خرجوا عن شعورهم ، وهذه الحالة تشبه حالة الوجد والشوق عند بعض فرق الصوفية في بلادنا والتي ترقص إِذا هي أتحدت بالغيب وتجاوزت الوجود على حدِّ وهم أصحابها و( هذه نظرة خاطئةٌ لأنها تخل بعقيدة الإنسان المسلم، وقد اتبع أصحاب المذهب الرومانسي طريق أفلاطون ، وترسّموا خطاه ، وصبغوه بلونٍ من التصّوف ، فعند (فكتور هيغو) :الشاعر ساحر يسمع ويردّد ما يتلقاه من عالم الغيب ، بينما يرى (شيلي) أن الشاعر ينقل للناس رسالة من عند الله تعالى .
لقد كانت نظرة الرومانسيين الأوروبيين للإِلهام تلتقي مع نظرتهم للطبيعة ، فكلامها هبة من الله تعالى .ويعتبر الإمام أبو حامد الغزالي أن الإلهام كالضوء من سراج الغيب يقع على قلب صافٍ لطيفٍ فارغ ؛ بينما يرى محي الدين بن عربي الصوفي المعروف بمذهب الحلول والاتحاد( وهو مذهب منحرف عن شريعة التوحيد ) أن الإلهَام ظاهرة ممكنة الحدوث لأيّ إنسان بشروطٍ هي :
1 ـ إيمان هذا الإنسان بقدرة القوة الخارقة(الله تعالى ) .
2 ـ كون الإنسان صافي الذهن .
3ـ استعداد الإنسان لإدراك لطائف المعرفة .
ولكنه أي ( ابن عربيّ ) كأفلاطون يرى أن الإلهام فيض يتلقاه الإنسان من خارج الذّات الإنسانية دون أن يعلل ذلك علميا.
ويعد ابن سينا الإلهام حدساً،أو إِشراقاً يتحصل في النفس، فتدرك الموجودات ، والمعقولات بما تستفيده من العقل الفعال. وقد يكون الإلهام رؤيا بينما يكون الحدس متفاوتاً بين الناس ولا يمكن التوصل للعقل الفعال إِلا بالاتصال بالله و ملائكته ؛ وقد اعتبر ابن سينا الإلهام طريقة لتحصيل المعرفة من العقل الفعّال وترى الاتجاهات الحديثة وعلى رأسها (ووردز وورث ) أن الشعر تعبير عن انفعال مستعاد بهدوء تظهر فيه غريزة إِظهار النفس (حبّ الظهور ) ، وهذه الغريزة الاجتماعية ناجمة عن الرغبة في التعاطف ، والتلذذ بإِنشاء شيء جديد (الشاعر كالطفل) ينشئ ليننفّسَ عن وجدانه الزائد . وهو أي : الإلهام تألُّق وانجذب عند (دي لاكروا ) و( فيليكس ) بينما يرى( ديكارت وبرغسون و اوستن وارين ) أن الإلهام عملية تأمّل لا شعوري ينتهي بالحدس .
ويبدو أن الفنان كما تزعم ( أديت ستويل ) يحتفظ روحياً ، ونفسياً برؤياه كما يحتفظ الطفل بمباهج الكون حين تبدو له. وهم يعتقدون ـ وهذ خطأٌ فادح بحق الوحي الإلهي المقدس ـ أن حالل الشاعر مع إلهامه ، كحال نبي الله موسى عليه السلام مع جبريل عليه السلام يرى الإِله من خلال العلّيقة المحترقة ؛ ويرى ( لامب ) أن الفنان يحلم في اليقظة بينما يرى (بول فاليري) أن الملهم تُستلب إِرادته فتنهال عليه الأفكار .وإِذا تجاوزنا (لامب ) إلى (بودلير ) نجد أن مبدأ الشعر عنده يعتمد على الطموح الإنساني إلى جمالٍ سامٍ يكمن بالحماسة ، وانخطاف الروح والإلهام عند (بالدوين ) : إِشراق ذهني يأتي مما وراء الطبيعة ، وهذا يخالف ما قاله (ادغار آلن بو ) من أن عملية الإلهام موجهة من الشعور، ويرى ( فرويد ) : أن الإلهام حالة اللاشعور – التسامي – بينما يعتبر تلميذه يونغ أن مصدر هذا الإلهام الإسقاط في اللاشعور الجمعي الذي تكوَّن ضمن بيئة معينة وتلقى مفاهيم مختلفة .
لقد تحدث أرسطو عن نظرية التطهير الذي تحدثه المأساة فينا ، وأشار إلى الإلهام ، ولكن يبقى أن نقول :
إِن الإلهام عملية معقدة لم يستطع الأدباء والشعراء ولا علماء النفس أن يجدوا لها التفسير النهائي وستبقى الآراء متضاربة ومختلفة حول ماهية الإلهام .فهو كالروح سر من أسرار الوجود يشع ولا نرى مصدر إشعاعه ، ويتحدث ولا نبصر فمه ، ويسري في عروقنا ولا نلمسه بأيدينا .
إِن التفسير الخرافي الذي تبنّاه شعراء العرب سابقاً يجعلنا نؤكد أن عملية الإلهام عملية معقدة ،وهذا ما جعلهم ينسبون الشعر لشياطينهم حتى أنهم جعلوا بعض هذه الشياطين ذكوراً وبعضها إناثاً وفي ذلك يقول الشاعر:
إني وكل شاعر من البشـــر شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
وقول الآخر
ولي صاحب من بني الشيصبان فطوراً أقول وطوراً هــــو
وقد بقيت التفسيرات الأدبية لمصدر الإلهام غامضة حتى جاء فرويد وتبنى نظرية جديدة في تفسير عملية الإلهام ؛ وما يميز نظرية فرويد هذه عن غيرها أن فرويد زعم أن أفعالنا تحفزها قوى نفسية لا نعرف الكثير عنها ، وأن هذه القوى الغامضة لا نستطيع التحكم بها إذ إنَّ مركز الثقل في الحياة النفسية الإنسانية هو اللاشعور ، ولا يمكن لنا أن نعرف هذا (اللاشعور ) إلا من خلال تأثيره اللاحق في حياتنا ، وبعد فوات الأوان ؛ فالعمليات الواعية تكون واعية لفترة قصيرة ترتدُّ بعدها إلى دائرة اللاوعي وهذا اللاوعي عالم محوط بالأسرار العميقة ، ويميز فرويد بين نوعين من اللاوعي نوع يمكن تحويله بسهولة وبشروط إنسانية إلى وعي ، ونوع يستحيل تحويله إلى وعي إلاّ بمعجزة كبيرة .
وقد أفسخ فرويد مجالاً للدافع الجنسي في اللاوعي الإنساني وهذا ما أُخذَ عليه وقد رفض ذلك تلميذاه ( يونغ وإدلر ) .
هذا وقد قسم فرويد المناطق النفسية إلى منطقة الـ( هو ) وهي مركز الثقل في حياتنا النفسية وخزّان الدافع الجنسي ومنبع الطاقات الحيوية فينا يحكم هذه المنطقة مبدأ اللذة وإِشباع الغريزة وهذه المنطقة تعادي وتكره المنطق ولا تعرف القيم الاجتماعية ولا الضوابط الخلقية تنطوي على دوافع متناقصة يمكن لها أن تتجاور دون مشكلة غايتها إِرضاء الغرائز، وهي مدمرّة في نهاية المطاف لا تهتم بسلامة الذات والآخرين .
ومنطقة الـ (أنا ) وتعتبر المنظم الأول لطاقات الـ (هو) والرقيب عليها تنظم الدوافع على نحو يسمح به الواقع، ويرضى به المجتمع حيث تجنّب الذات النهاية المدمرة فما يسمح به الواقع يلبى وما لا يسمح به يدفع به إلى أعماق الـ (هو) فإذا كان عسيراً تحول إلى (عقد ) ويعتبر الجزء الكبير من منطقة الأنا غير واعٍ ويسمى الجزء الواعي منه( العقل الواعي ) .
ويسند إلى (الأنا )دور الوسيط بين (اللاوعي ) و( العالم الخارجي )وبين الرغبات غير المحدودة التي تقّرها الظروف والشروط الواقعية . ومنطقة (الأنا الأعلى) وهي المنظم الثاني لمنطقة الـ (هو ) والحارس المتيقظ عليها خزَّان الأخلاق والمروءة والضمير الجزء الكبير منه غير واعٍ وهي قوة هامة يستنجد بها المجتمع لحماية نفسه من النزوات ، والرغبات والغرائز المدمرّة التي لا يستطيع الـ( أنا ) وحده تدبيرها ، أو كبحها أو لجمها يمارس عمله من خلال الـ ( أنا ) أو مباشرة يقف أمام اندفاع اللاوعي عندما لا يقره المجتمع ، وينمو من خلال تربية الأسرة والمربين وهو محكوم بمبدأ الأخلاق ومبدأ الثواب والعقاب، فإذا كان نشيطاً أدى إلى الإحساس بالذنب . هذا التقسيم الذي تبناه فرويد لاقى استحساناً من قبل الأدباء و دارسي الأدب ، و أسهم بشكل كبير في فهم عملية الإبداع ، ورغم أن فرويد حيي بأنه مكتشف اللاوعي في الاحتفال بعيد ميلاه السبعين إِلا أنه أشار إلى : أن الشعراء والفلاسفة هم مكتشفو اللاوعي ، وما كشفه فرويد هو المنهج العلمي لدراسة اللاوعي .
إِن علم النفس كما يقول رينيه ويليك و أوستن وارين في كتابهما (نظرية الأدب ) أسهم في الكشف عن عملية الإبداع , وفي نبش خبايا نفس المبدع وفي الكشف عن غوامض العمل الأدبي.
وفي دراسة نفسية الكاتب يبدو أن العبقرية لدى الكاتب / الشاعر / كانت تقرن بالجنون عند الإغريق ، وتنسب إلى شياطين الشعر في وادي عبقر عند العرب ، وأصبحت حديثاً تؤوَّل بالمدى الممتد من العصاب إلى الذهان ، فالشاعر رجل مجذوب عند البعض ، والموهبة تعويض عن نقص عند الكاتب على مبدأ كل ذي عاهة جبار، فقد كان أبو حيان التوحيدي أعور وابن سيدة اللغوي الأندلسي أعمى ، وكذلك بشار بن برد ، وأبو العلاء المعري ، وربيعة الرقي ، وطه حسين ، وعبد الله البردوني عميانا ؛ وكان بيتهوفن أصما ، وكتيس قصيراً ، وبروست عصابياً ، وبايرون أعرجا ،وبوب أحدبا ؛ فالكاتب عند فرويد عصابي عنيد يصون نفسه بوساطة العمل الأدبي من الانفجار ، وتثير نظرية الفن كعصاب التي تبناها الكثير من المفكرين مسألة علاقة المخيلة بالاعتقاد ، فالروائي يشبه الطفل الحالم الذي يحكي لنا الحكايات ، فيخلط عالم الواقع بتخيل من عالم آلامه وآماله ومخاوفه ؛ ويرى إليوت أن الفنان أكثر بدائية كما هو أكثر تمدناً من معاصرية وباعتبار أنّ الكاتب عضو في مجتمعه فهو أكثر الناس تمكناً في التعبير عن أحاسيسه رغم أنه ليس أكثر الناس إِحساساً ، ويوفرّ الكتَّاب والشعراء المادة الخصبة للمحلل النفسي لأن شخصيات أعمالهم تمثل أنموذجاً يمكن دراسته والحكم عليه . إِن / أوستن وارين / يعتبر الشاعر حالم يقظة يحظى بقبول المجتمع وبدلاً من أن يغير شخصيته ينمي خيالاته وينشرها .
يقول فرويد (الفنان في الأصل رجل تحول عن الواقع لأنه لم يستطع أن يتلائم مع مطلب نبذ الإشباع الغريزي ، فأطلق العنان لكامل رغباته ، ومطامحه الذاتية في حياة الخيال ثم وجد طريقاً للعودة من عالم الخيال إلى عالم الواقع وهو يصوغ نوعاً آخر من الواقع ـ العمل الأدبي ـ ) .
إِن الأديب إِنسان شفّاف مشرق الروح والفكر تتميز أعصابه بحساسية دقيقة تكتشف الواقع بكل أبعاده ومعانيه ، وتتحسس الصعوبات التي تتوضَّع في حياة الآخرين سواء أكانت فكرية أم اجتماعية أو فلسفية ؟ وهو في الوقت نفسه يعشق الجمال والكمال المطلق بفطرته التي وهبها الله له وباعتبار أن الصراع قائم بين ما هو واقع ( فعل _ فكر غير مرض ) وبين طموح الانسان لبلوغ الكمال المطلق ، فإن الأديب يرسم لنا صورة هذا الصراع ويفترض الحلول المشرقة لصورة الواقع المشّوهة. فصورة المرآة في الواقع أقل مكانة من صورتها في الأدب ، وكذلك صورة المعلم (كاد المعلم أن يكون رسولا ) إذاً لا يُقبل الواقع على ما هو عليه لأن شكل الكمال المطلق الموجود في خياله وفكره . وتدعونا دراسة نفسية الكاتب إلى الكشف عن القوانين النفسية التي تحكم الشخصيات التي يرسمها هؤلاء الكتاب في أعمالهم ذلك أن الإنسان هو محور الأدب ، وهذا ما يدعونا في قراءتنا لأي نص أن نجد نموذجاً لإنسان ما يحملنا على التفكير في الأسباب التي دعت هذا الأنموذج من الناس إلى التصرف على هذه الشاكلة أو تلك ./ فالدون كيشوت عند سير فانتس / قتل مجموعة من الأغنام وتصورها أعداء له ولما اكتشف أنها أغنام وليست بشرا قال : الحمد لله الذي مسخ أعدائي أغناماً ؛ وكذلك فعل الشاعر العربي (( الراعي النميري)) المصاب بلوثة في تفكيره مع كلب له ظناً منه أنه لص فقتله ، وكذلك أوديب تزوج أمه وقتل أباه ، وشهريار كان مولعاً بالزواج والقتل يتزوج كل ليلة امرأة ويقتلها في الصباح وشخصيات قصائد نزار قباني من النساء كانت من بنات الخيال لأن مأساة أخته وصال بقيت ماثلة أمام عينيه . وكثيراً ما يعكس الكاتب دوافعه النفسية على لسان شخصياته ، بل كثيراً ما تندفع الشخصيات بالحديث المختبئ في عمق وجدان الكاتب ذلك أن الكاتب عضو في مجتمع يستمد منه أفكاره وتؤثر فيه معطياته .
إن شخصيات قصة / أرزاق يا دنيا أرزاق / للكاتب السعودي علوي طه الصافي هي شخصيات من صميم المجتمع تحكمها دوافع نفسية راسبة في أعماق لا وعيهم فأعظم شخصية في هذه القصة تحكمها آلام القهر والصمت والفقر ؛ وأكثر ما يبعث التناقض في حياة هذه الشخصية أن المغنّي يجمع الملايين بينما الملايين لا يجدون إلا أوراق الشجر طعاماً لهم ، وكذلك شخصية الزوج السكير في قصة / شمس صغيرة / لزكريا تامر فهو حالم يقظه يتصور الخروف جنيَّاً يمكن أن يقدم له جراراً من الذهب التي وعده إياها ويمكن له بذلك أن يحل مشكلة الفقر التي تسيطر عليه وتسير حياته ، إنه رجل تحكمه ألـ (هو ) بما فيها من رغبات وغرائز .
وبناءً على ذلك يمكننا أن نجمل القول بأن علم النفس دخل في صميم الأدب ، وأصبح مسباراً فعالاً يسهم في الكشف عن جوانب العمل الأدبي وفي نبش ذات الكاتب وتوضيح اتجاهاته وهو ضرورة هامة من ضرورات الأدب
ـ 2 ـ
المنهج الاجتماعي في دراسة الأدب
يستمد الأدب جانبه الاجتماعي من كونه مؤسسة اجتماعية أداته اللغة التي هي نفسها من خلق المجتمع .فالأدب ينبثق من المجتمع ويكتب له ذلك أنه يمثل الحياة تمثيلاً حقيقياً والحياة هي الحقيقية الاجتماعية التي يمكن لنا استبارها من خلال الفكر و الأدب .
لقد كان الأدب العربي شعراً ونثراً يمثل الحياة الاجتماعية العربية أصدق تمثيل في جميع جوانبها ،فقد رسم لنا الأدب الجاهلي العادات والصور الاجتماعية بشكل واضح حتى إنه يمكن القول: إننا لم نتعرف على صور المجتمع العربي الجاهلي إلا من شعره ،والمتصفح لدواوين الشعراء الجاهليين يجد قيماً وأنماطاً من السلوك تتحدث عن الشجاعة والبطولة والكرم ونصرة المظلوم وحماية المرآة والثأر والانتقام وغيرها . مما جعلهم يقولون بحق (الشعر ديوان العرب ) وهذا ينقض ما زعمه الدكتور طه حسين في كتابه ( في الشعر الجاهلي ) من أن الشعر الجاهلي لا يمثل الحياة الجاهلية . وكذلك كان الأدب في عصر صدرالإسلام والعصر الراشدي والأموي والعباسي وأدب عصر الدول المتتابعة وبقية العصور، مع تطور في الموضوعات والأغراض والمضامين . لقد كان الشاعر العربي بصفته عضواً في مجتمعه منغمساً في وضعه الاجتماعي ويتلقى فيه نوعاً من الاعتراف ، لأنه يخاطب جمهور القبيلة .وفي المجتمع البدائي لا يمكن فصل الشعر عن اللهو والسحر والشعائر .
لقد كان للشعر الجاهلي كما يقول الدكتور عبد المجيد رزاقط ( بعض نشاط الإنسان الجاهلي في مواجهة الحياة ، فهو مرتبط بالدين والعمل والعلاقة بالآخر والمحيط ، ولعل ارتباطه بالدين والعمل هو الذي جعله نوعاً من الغناء فهو إنشاد وحداء وليس نظماً أو قولاً ) .
ويضيف الدكتور عبد المجيد قائلاً : ( لقد كان السائد لدى الشعراء الجاهليين أن الشعر يصدر عن وحي أو عن إلهام شياطين تسكن وادي عبقر) ، ومما قيل في هذا الصدد قول أحدهم :
وقافية عجت بليل روية تلقيت من جو السماء نزولها
وقول الآخر :
ولي صاحب من بني الشيصبان فطوراً أقول وطــوراً هوه
ومن ذلك ما يقوله امرؤ القيس :
تخبرني الجن أشعارها فما شئت من شعرهنَّ اصطفيت
أما عبد الله بن رواحة فقد كان يرى في الشعر أنه شيء يختلح في صدره فينطق به لسانه.
هذه النظرة إلى مصدر الإلهام الشعري – ايحاءات شياطين رغم سذاجتها تدل على مفاهيم اجتماعية زرعها المجتمع في فكر الشاعر ، فهي من صنع المجتمع وتعبر عن خلفيته الثقافية القائمة على التفسيرات الغيبية الخيالية المسطحة . إن الماركسيين رغم اعتمادهم على المحسوس والواقع في نظراتهم الفكرية إلا أنهم لا يدرسون الأدب وصلاته في المجتمع من خلال الواقع وما يفرزه من قضايا ومشاكل لأنهم يتخيلون مجتمع المستقبل الخالي من الطبقات ويقدِّمون للأدب نقداً تقويميا تقييميا قائما على معايير غير أدبية، ومعاييرهم إيديولوجية مصنوعة من بنتات خيالهم وهم بذلك لا يتصلون بالمجتمع المعاصر لهم بل بالمجتمع القائم في أفكارهم سواء تحقق أم لم يتحقق واقعياً ؟.
إن الأعمال الأدبية تمدنا بالوثائق الاجتماعية ، والأديب في هذه الأعمال ينقل لنا الحقيقة ضمن إطارها التاريخي الاجتماعي .
يقول دي بونالد ( الأدب تعبير عن المجتمع ) فهو يعكس الحياة بجميع صورها ويعبر عنها من جميع جوانبها ؛ والأصول الاجتماعية للأديب تمارس دوراً رئيسياً في المسائل التي يثيرها سواء أكان في مركزه الاجتماعي /كخادم للبلاط / أم في فراغه الاجتماعي حين يكون ممثلاً لصورة المجتمع التي ترتسم في أعماقه من خلال ممارساته وعلاقاته البسيطة والمعقدة ؟.
إن ولاء الأديب وعقيدته تمثلان المجتمع بأشكاله .سواء أكان ولاؤه حقيقياً ودفاعاً عن قضايا اجتماعية أم كان صورياً مدافعاً فيه عن البلاط دافناً لنظرته الحقيقية للوجه الآخر للمجتمع
إن جميع الأدباء على الإطلاق يستمدون تجاربهم من المجتمع متأثرين به ، وفي الوقت نفسه يفرغون هذه التجارب في المجتمع ويؤثرون فيه لأنهم يعيدون صنع هذه الصورة الاجتماعية بالشكل والوجه الذي يرغبون .
يعتقد ( توماس وارثون ) أول مؤرخ حقيقي للشعر الإنجليزي ( أن الأدب فضيلة تخصه وهي التسجيل المخلص لسمات العصر والحفاظ على أفضل تمثيل للأخلاق و أفضل تعبير عنها ) وكذلك كان الأدب العربي رصداً حقيقياً للحياة الاجتماعية العربية بكل أبعادها و أشكالها .
إِن الأدب كما يقول محمود أمين العالم ليس ألا موقفاً اجماعياً يحمل في طياته مضموناً ما ويعتبر العالم ( أن الثورة في الأدب هي تنمية الرؤية الموضوعية للواقع الإنساني وتوكيد لقيم الحرية والمساواة وإعلان إنسانية الإنسان وتنمية طاقاته المبدعة للمشاركة في تغيير الحياة وتجديدها ) إننا كما يقول عباس السعدي ( نفهم اجتماعية مضمون الأدب انطلاقاً من اقتناعنا باجتماعية الأديب ) و ( إن الأدب إبداع ذاتي فردي ، ولكن ذاتيته لا تنفي اجتماعيته ) .
ولطالما وقع البرجوازيين في مغالطة حين دعوا إلى / لا اجتماعية / للأدب زاعمين أن ذلك يلغي فردية الأديب مع أن الأدب البرجوازي هو أدب اجتماعي بمعنى من المعاني لأنه يكرِّس سيطرة طبقة على حساب طبقات أخرى .
إن صراع السلبي مع الإيجابي في الأدب هو صراع اجتماعي بين المرفوض والمقبول ، وهو مضمون اجتماعي يسعى الأديب إلى إبرازه وهذا لا يعني وضع الأدب ضمن خطوط مسيَّسة تلتزم الخطوط الواضحة لصراع الحياة ، فالأدب لايؤدي دوره الاجتماعي إلا حين يعكس بصدق الحياة في صلاتها وعلاقاتها الجوهرية ذلك أن الالتزام نفسه في الأدب ينبثق من الرؤية الاجتماعية والتاريخية
إن أية نظرة متفحصة للأدب بجميع أشكاله وقوالبه تعزز انتمائية هذا الأدب للمجتمع الذي عاش فيه بحيث لا تخرج هذه النظرة الأدبية فيه عن القضايا التي عاشها الأديب وتأثر بها ، وإن فهم الأديب المتعمق للحياة هو نوع من الإدراك الحقيقي لقوانين الحياة والمجتمع.
إن واقعية الأدب واجتماعيته تأتي من خلال انخراط الشاعر ، أو الكاتب في قضايا أمته الاجتماعية ولو أدى به ذلك إلى الصدام مع المفاهيم الاجتماعية فالأدب كما يقول نزار قباني : ( عملية صدامية .... عملية استشهاد على الورق ، والشعر هو الناس هو الشارع) ثم يضيف قائلاً : ( القصيدة ليست مجرد عملية تطريب ، أو تخدير يسمعها الإنسان العربي في أمسيته ثم يعود إلى حالته الأولى .... ...وظيفة الشعر أن يحرض الإنسان على نفسه ولا شعر حقيقي دون تحريض )
بينما يرى أدونيس أن ( مدى حركة الشاعر العربي محدوداةٌ جداً . محدودةٌ بالسطح الاجتماعي وبالسطح السياسي ) لأنه يعتقد أن ( الشعر نقيض للواقع المؤسس المجمَّد المباشر المبتذل المكرر الذي لا يساعد في الكشف عن حقيقة العالم أو عن أسرار الحياة الإنسانية ) .
والناظر إلى صفحات المجلات والجرائد كما يقول أدونيس ( يرى في معظمها دماء المثقفين تسيل من كل جهة أي أنك لن تجد فيها سوى الأهاجي والشتائم
والنقد الجارح والتشويه بمختلف أنواعه ) . وهذا يعني أن الأدباء والمثقفين بعيدون كل البعد عن المفرزات الاجتماعية العربية التي هي لب القضية الأدبية التي تستمد منها المعاناة والتجربة.
إن أي أدب لا ينتمي إلى معطيات مجتمعه محكوم عليه بالفشل سلفاً لأن مادة الأديب هي المجتمع منه يغرف وفيه يصب ، وحتى عند من ينظرون إلى الأدب نظرة حداثية نجد كما يقول الدكتور غالي شكري أن ( النخبة تختار جزيرة مهجورة حتى تتجنَّب شر القتال ) .
و(أي أدب يتجنَّب شر الصدام والقتال الاجتماعي ليس إلا أطراً وهمية ، بل هو هذر كلام لا طائل تحته لأن الأدب روحه المجتمع . وما تزال الفجوة كبيرة وخطيرة بين الحداثيات العربية والقاعدة العريضة من القراء الذين لم يعودوا يجدون المضامين الاجتماعية التي تتحدث عن قضاياهم العامة والخاصة ) .
إن مقولة منتغمري بلجيون : ( الكاتب داعية غير مسؤول ) . غير صحيحة لأن الأديب في حقيقة أمره داعية مسؤول عما يقوله، فهو يستمد من المجتمع معظم قضاياه حيث يقوم برفض أو تصويب أو تجديد قضايا تعيش واقع الإنسان وتبنِّي الكاتب لرأي ما أو نظرية ما إنما يكون من خلال قناعات قائمة على أسس عميقة يفهمها هذا الكاتب حق فهمها ويوضحها لقرائه من خلال شفافية أدبية واعية ولا يُحكم على مسؤولية الكاتب كما يقول إليوت إلا من (خلال النية المعلنة والتأثير التاريخي لهذه النية المعلنة ) . إن الأدب كما يقول مندور: ( ضرورة حياتية تشبع في حياة الناس حاجات ملحة لا تقل خطورة عن الحاجات المادية ) . ولذا كان من واجبات الأديب أن يسهم في تنظيم الإنتاج العام وتنمية الخير في حياة الناس وتحقيق العدالة لهم . لقد احتدم الصراع بين فردية الأدب واجتماعيته عند البعض ، وبين وظيفته الجمالية والحياتية ، وهل الأدب هروب وحياد أم هو رأي والتزام تجاه القضايا الاجتماعية ؟ لقد قاد هذا الصراع أصحاب الشعر الغنائي للنظر إلى الفن على أنه المعبر عن النفس البشرية وما حديث الأديب عن العالم الخارجي والطبيعة إلا لأنه يعكس قضايا معينة ويتلون بألوان مختلفة، ومع أنا نسلِّم أن أحد جوانب الأدب التعبير عن النفس البشرية ، فإننا نرى أن هذه النفس نفسها تحفل بالموضوعات الاجتماعية
ـ 3 ـ
المنهج اللساني في دراسة الأدب
المطلّع على تاريخ الأمم السابقة يجد أنه حافل بالدراسات اللسانية كما يقول الباحث اللساني الإنكليزي/ روبنز/ فقد استرعت الظاهرة اللغوية( صوتاً وتركيباً ودلالة ) انتباه الإنسان ، فالحضارة الهندية بحثت في مجال الصوتيات اللغوية منذ أربعة آلاف سنة على يد / بانيني / واليونان استفادوا من بحوث الإغريق اللغوية التي قدمها أفلاطون وأرسطو ، والمدرسة الرواقية ولا سيما في المجال الدلالي البلاغي كذلك . والصينيون واليابانيون أسهموا في هذه الدراسات على يد اللساني/هياكاوا / في كتابه اللسانيات الشرقية والعرب أسهموا في التحول الكبير في مسيرة التراث اللغوي العالمي بما خلّفوه من تراث لغوي يضم :
ـ كتب النحو والشروح التي تناولته (نحويّات ) .
ـ كتب التجويد وفق قراءة القرآن الكريم ( صوتيات ) .
ـ كتب البلاغة ( دلاليات ) .
ـ كتب الفلسفة والمنطق .
ـ كتب التفاسير القرآنية والنبوية .
ـ كتب دواوين العرب الشعرية والنثرية وشروحها .
ـ كتب الموسوعات المعرفيّة / الجاحظ – ابن حزم / .
ـ كتب المعاجم واللغة .
ـ كتب التاريخ .
وقد حفل التراث اللغوي العربي بركامٍ معرفيٍ تناثر في تاريخ الحضارة العربية ذلك أن العرب القدماء أرادوا تفسير الظاهرة اللغوية كما فسروا الظواهرالإنسانية والطبيعية الأخرى خدمة للنص القرآني . ومما يسترعي الانتباه حديثاً أن التطور قد شمل بحوث اللسانيات الحديثة التي أخذت تهتم بالأصوات اللغوية والتراكيب النحوية ، والدلالات والمعاني اللغوية ، وعلاقة اللغات البشرية بالعالم الفيزيائي من خلال دراسة عملية تستخدم المقاييس التالية ومن خلال ملاحظة الظواهر اللغوية والتجريبية ( الاستقراء المستمر ) ، وبناء نظريات لسانية كلية ، وضبط هذه النظريات ومن ثم ضبط الظواهر اللغوية واستعمال النماذج والعلائق الرياضية .وللسانيات فروع متعددة كل منها يختص بناحية جزئية . فاللسانيات النظرية : تبحث في النظريات اللغوية الحاضرة والماضية من خلال ( الصوتيات الفيزيولوجية النطقية ، والصوتيات الفيزيائية و الصوتيات السمعية الدماغية) والنحويات أو علم التراكيب المتضمن ( بناء الجملة – بناء الكلمة – التقديم والتأخير في العناصر اللغوية ) والدلاليات أو علم المعنى الذي يشمل (علم المعنى الخاص والعام وعلم بنية الدلالة في الدماغ وعلم التعرف على اللغة عندما تختزن في الدماغ ، وعلم فهم اللغة عندما تختزن في الدماغ مع فهمها وعلم المشترك والترادف .... ) واللسانيات الانثروبولوجية : التي تبحث في صلة اللغة بأصل الإنسان لأنها عضو فسيولوجي إنساني . واللسانيات التطبيقية : وتبحث في التطبيقات الوظيفية التربوية للغة من أجل تعليمها والمنهجية لتقنيات تعليم اللغة
( أصول تدريس مناهج تدريس ) .
واللسانيات الاجتماعية : وتبحث علاقة اللغة بالمجتمع لأن اللغة ظاهرة اجتماعية تتفق عليها الجماعات وتعكس عادات وتقاليد وثقافة اجتماعية .
واللسانيات البيولوجية : وتبحث في علاقة اللغة بالدماغ ومقارنتها بالبنية الإدراكية عند الحيوان والتطور اللغوي البيولوجي عند الأطفال .
واللسانيات الرياضية : وتبحث في اللغة كظاهرة حسابية مركبة صوتاً وتركيباً ودلالة ومنظمة بحيث يمكن وضعها في أطر رياضية لإثبات ماقاله/ تشومسكي / من أن اللغة آلة مولدة قادرة على توليد ما لا نهاية له من الرموز اللغوية بطرق محددة . وكذلك اللسانيات الحاسوبية : التي تستعمل الحاسب من أجل الدقة والسرعة في البحوث اللغوية والترجمة اللغوية ولقد استرعى انتباه دارسي الأدب استعمال اللغة من قبل اللسانيين وأدركوا أنه يمكن لهم أن يستفيدوا منها في مجال الدراسة الأدبية ؛ وإذا كان اللجوء إلى المنهج الاجتماعي والنفسي في مواجهة التجربة الإبداعية خارج عن طبيعة الأدب ، فإن الاستعانة باللسانيات يأتي من داخل الأدب بعد أن استطاعت هذه المباحث أن تحقق تطورات كبيرة في القرن العشرين، فالموضوع المدروس في هذا المنهج هو اللغة الإنسانية التي توظف في الأدب توظيفاً جمالياً . وأداة الدراسة هي لغة المفاهيم والمصطلحات ؛ فاللساني يستخدم اللغة في دراسة اللغة استخداماً خاصاً فيحلل ويركب ويشرح ويفسر ويحكم ويستقريء ويستنتج ويخرج بحقائق تتصل بجوانب اللغة لإقامة نظام يستوعب هذه الأشكال كلها ويجعل أمر وجودها ممكناً ضمن نظام لغوي ، ودارس الأدب لسانياً يشرح ويفسر ويحلل ويوازن لإقامة نظام أدبي يحكم إنتاج هذه النصوص أو ما يسمى بنظرية الأدب الداخلية أو الشعرية
وتبدو اتجاهات أصحاب المنهج اللساني في دراسة الأدب تسير في منحيين :
1- استلهام الأنموذج اللساني كلياً أو جزئياً على اعتبار أن الأدب شكل من أشكال الممارسة اللغوية المتميزة بسيادة الوظيفة الجمالية لاستخلاص النظام الذي يحكم النصوص الأدبية في فن من الفنون .وفي بحث ناقد الأدب عن النظام الأدبي الخاص بأدب أمة ما يفترض فيه أن يبدأ من دراسة الإنشاءات الأدبية الفردية / نصوص مختلفة / ثم يضعها تحت عناوين الأجناس الأدبية ثم يستنبط الأعراف والقوانين والمعايير والقيم والضوابط التي تحكم إنتاجها والتي تشكل النظام الأدبي / الشعري / ، ففي دراستا لمجموعة قصص لكاتب من الكتاب نكتشف النظام الأدبي الذي يحكم إنتاج القصة لديه وفي دراستنا لما أنتجه كتاب القصة في بلد من البلدان نكتشف النظام الأدبي الذي يحكم القصة في ذلك البلد .
ويمكن أن نأخذ مستوى من مستويات اللغة ونستلهمه جزئياً كاستلهام المستوى النحوي وتطبيقه على المسرح والقصة ( فالجملة في اللغة العربية تتألف من فعل وفاعل ومفعول به وظرف وجار ومجرور ومنصوبات ) ويمكن استلهام ذلك في المسرحية . فالعمل المسرحي هو الفعل والشخصية التي تؤدي هذا العمل هي الفاعل والشخصيات المتأثرة بالعمل هي المفعول به والمحتوى الزماني والمكاني هما ظرفا الزمان والمكان والحوافز والغايات هي المفعول لأجله والمؤكدات هي المفعول المطلق .
2- توظيف المصطلح اللساني في دراسة الأدب باعتبار أن الأدب فـــن لغوي
( إنشاء لغوي) ، فإنه بوسع دارس الأدب أن يستخدم المصطلح اللساني في وصفه لهذا الإنشاء بمستوياته المختلفة وأن يصغ توظيفاً أفضل لمختلف وجوه العمل الأدبي وأن يستخدم معطيات هذا التوظيف في تحديد ما يجعل الأدب أدباً بشكل عام أو يفسر جمالية وجه من وجوهه فدارس الأدب يستطيع أن يصف لسانياً المستويات التالية من العمل الأدبي :
( المستوى المعجمي _ الصوتي _ الوظيفي الصوتي _ الصرفي _ الدلالي _ النحوي _السياقي الإنشائي ) . يقول د. رضوان قضماني : ( الشعر ممارسة لغوية إبداعية تتم بقوانين أدبية اجتماعية تاريخية تقوم على التعامل مع منظومة اللغة نفسها لتجعل منها
منظومة إبداع ، وتتجلى عبقرية الشاعر في الإمساك بتلك القوانين التي تدير الكلام وتتحكم به والنظرة اللسانية إلى الشعر لا تفصل بين الدلال والمدلول ، أو بين الشكل والمادة أو بين العبارة والمحتوى بل ترى في الشعر عملاً تتحقق فيه وظائف اللغة الثلاث ( الوظيفة المرجعية _ والوظيفة الإيديولوجية _ والوظيفة الشعرية ) دون فصل لأن النص الشعري علاقة غير منفصمة كما يؤكد لوتمان ويضيف د . قضماني ( أن الوظيفة المرجعية ترتبط بالواقع والعلاقة مع الواقع مفتاح الدخول إلى الشعر والعلاقة اللسانية جزء من الواقع المادي والوظيفة الإيديولوجية إدراك واع لذلك الواقع وللعلاقة اللسانية دور إيديولوجي جلي فعندما تتحول العلاقة اللسانية / الخبز/ إلى رمز ديني تتحول إلى علامات إيديولوجية ) وبما أن اللغة هي الواقع المباشر للفكرة وأن العلاقة اللسانية هي اتحاد بين الدال والمدلول ، فإن الشعر هو اتحاد بين الدال والمدلول ( اللغة والفكرة ) اللتين تحققان الوظيفتين المرجعية والإيديولوجية وتلتقيان عند الوظيفة الشعرية .) .
إن توظيف المصطلح اللساني في دراسة الأدب تدفع بالدارس أن يفتح آفاقاً جديدة للإطلاع على جوانب النص الأدبي ، وتفتح أمام القارئ عوالم جديدة يكتشف من خلالها أفق تجربة الأديب الخاصة وآفاق تجارب الشخصيات التي أستلهمها هذا الأديب .
فالواقع الأدبي يشير إلى أن للغة أهمية عظيمة في فهم الأدب لأنها من مكوناته الأساسية وهي أداته التي من خلالها يمكن للأدب أن يرسم تجارب الحياة ، فاستعمال الأديب لصيغة الفعل المضارع في عمل أدبي ما له دلالة تتعلق بواقع العمل وشخصية الأديب وتختلف عن استعمال الفعل الماضي واستعمال ضمير المتكلم أو المخاطب أو الغائب له دلالة خاصة والإكثار من استعمال صيغة الحال أو الأسماء له دلالات معينة . وإنه لمن نافلة القول أن ندّعي أن دراسة الأدب لسانياً تكفي في فهم غوامض النص الأدبي .
ـ 4 ـ
المنهج الأسطوري
يتمحور هذا النوع من النقد حول دراسة الأسطورة وعلاقتها بالثقافة والأدب و استخدام الأدباء للكثير من الأساطير في محاولة لتجسيد أفكارهم من خلالها وإسقاط هذه الأساطير على صورهم الشعرية وأفكارهم العقلية وعواطفهم الحسية وعلاقة هذه الأساطير باللاوعي الجمالي كما أشار لذلك السويسري كارل يونغ والذي تستقر فيه الصورة البدائية أو النماذج العليا التي تمثل بدورها رواسب نفسية لتجارب الإنسان البدائي التي تعبر عنها الأساطير والأحلام والتخيلات الفردية والأعمال الأدبية لدى الإنسان المتحضر وقد نما هذا النوع من النماذج نظرياً و تطبيقياً بشكل كبير و يقوم هذا النقد على تحديد النموذج الأعلى بأنه نمط من السلوك أو العقل أو نوع من الشخصيات أو شكل من أشكال القص أو صورة أو رمز في الأدب و الأساطير والأحلام يعكس أشكالاً بدائية و عالمية تجد استجابة لدى القارئ كأساطير (الموت و البعث) و أسطورة تموز لدى البابليين و أدونيس لدى اليونانيين القدماء و الغول و العنقاء عند العرب و التي تنعكس بهيئات مختلفة و قد بدت في هذا المنهج شخصيات مختلفة تشكل انموذجاً للأساطير ( سيزيف أسطورة تمثل التعب والعذاب الإنساني المستمر ) ( زرقاء اليمامة شخصية تمثل القدرة على كشف المستقبل ) حيوانات ( كالأسد و النمر و الثعلب و الحية )تمثل الشجاعة والغدر والخيانة
أشياء ( كالوردة و الصليب و السيف ) تمثل النقاء والتضحية والقوة ، وقد تتماشى هذه النماذج مع الفصول الأربعة حيث تقابل( الكوميديا الربيع و الرومانس الصيف والمأساة الخريف والهجاء الشتاء ) وقد تستخدم الألوان لذلك كـ (الأحمر للدم والأصفر للموت والزهري للحب) و يقترب هذا النقد من (الأنثروبولوجيا) و(علم النفس) وهو يتوجه نحو الشكلانية في الأدب التي تقول باستقلال الأدب والبنيوية التي تبحث في المكونات الثابتة للخيال الثقافي و الأدبي و الإنساني .
ـ 5 ـ
المنهج الأخلاقي
إذا كانت غاية الأدب الجمال والمتعة الفنية فإن ذلك لا يمنع من ولوجه في مجالات الحياة كلها وتوصيفه كل ما يتعلق بالإنسان والأديب في هذه الحالة كيان متحرك بنفسه وعضو في مجتمعه وقد انقسم الناس في موقفهم من الأدب إلى قسمين قسم يرى أن الأدب جزء من حركة إنسانية تفعل في التغيير وقسم يرى أن هذا الأدب حركة جمالية بعيدة عن المصلحة الخاصة وقد كان الأدباء وإلى فترة وجيزة يرون فعاليات الأدب هي جزء من فعاليات الإنسان تخضع للقوانين و المبادئ التي تخضع لها التجارب الإنسانية وهذا الأدب يزودنا بالفضائل و يجنبنا الرذائل ويطرح نماذج تساعدنا في الابتعاد عن الأفعال الخاطئة فهو منهج أخلاقي لأن الأدب ظاهرة اجتماعية والإبداع الأدبي عمل اجتماعي يهدف إلى الإصلاح الديني والخلقي والاجتماعي أطر حديثاً بمدارس أدبية تستند إلى أساس فلسفي نابع من فطرة كلية الحياة
ـ 6 ـ
المنهج الاعتقادي
الاعتقاد في المفهوم الحياتي للإنسان هو المعتقد الذي يدين به الإنسان و يمارس حياته من خلاله و النصوص الأدبية التي يفرزها المبدعون تعبرعن اعتقاد أصحابها بقضية من القضايا سواء أكانت دينية أو وطنية أو عنصرية أو قومية أو إنسانية أو إلحادية أو إباحية أو غير ذلك ؟ والنقد الموجه لهذه النصوص تسيطر عليه آراء هذه المعتقدات التي استقرت هي أيضاً عند الناقدين وهذا النوع من مناهج النقد أشد تعرضاً لجرح أصحابه لاعتقاد الناس أن صاحب عقيدة ما من النقاد سيقف إلى جانب العقيدة التي يتبناها صاحب النص المدروس على اعتبار أن تجرد الإنسان من الأهواء صعب جداً و أنه في الوقت نفسه أن التجرد من الأهواء شرط أول وأخير للنقد وهو أساس النقد المنصف والناجح .
فإذا أردنا أن نحلل و ننقد أثراً أدبياً ما لابد لنا أن نبدي وجهة نظر بهذا الأثر و ما يحمله من هوى خاص به وهذا يستدعي إيقاظ الأهواء المماثلة أو المضادة عند الناقد والأديب كما نعرف من عناصره الأساسية الإثارة ولو كان هذا الأدب موضوعياً أو تصويراً أو غيرياً ومن هنا فليس بمستطاع ناقد الأدب عند الحكم على عمل أدبي أن يفصل بين مادة النص وطريقته الفنية وعلى الناقد و أنا أقول الناقد لأن عمله جزء من التاريخ الأدبي أن يستخدم معطيات النقد فيما يقوله ليبين لنا فيه أماكن تحول المشاعر والعاطفة وأماكن إسراف المبدع أو موضوعيته اتجاه القضية المطروحة في النص فالهوى كما هو معروف ضعف بشري لا ينجو منه أحد إلا ما ندر فهو ملازم للطبيعة البشرية وقد احتار النقاد بشخصيات كثيرة كالمعري في إيمانه وشكه والخيام في عربدته أو صوفيته وعليه فيمكن للناقد أن يدرس في نصوص الخيام (خمرة الروح و المادة) ويؤكد على أيهما غلب على فنه ويمكن للناقد أن يضيف لذلك التحليل النفسي لهذه الشخصية دامجاً بين معتقد الأديب ونفسيته والمهم ألا تفسد اعتقادات الناقد الخاصة وأحكامه على ما ينتقده والأمثلة كثيرة في تاريخنا الأدبي ومقارنة بسيطة بين شعرالشعراء الكفار من جهة وشعر الشعراء الإسلاميين من جهة أخرى يمكن للناقد أن يستثمره في إبراز صورة نجاح فكرة الإيمان أوالكفر وأسباب هذا النجاح و ذاك الفشل وأي معتقد هو الصحيح دون أن تدخل أهواء الناقد في حساب طرف من الأط
ـ 7 ـ
المنهج العلمي
لا يمكن لأحد من الناس أن ينكر اقتراض المعارف والعلوم بعضها من بعض واستعارة مصطلحاتها في عالم تتوسع فيه دائرة العلوم والمعارف والآداب وقد ظهر هذا النوع من المناهج إثر النهضة العلمية والفكرية والأدبية الكبيرة التي ظهرت في الأبحاث العلمية والطبية خاصة في علم الحياة صاحب ذلك أبحاث فلسفة العلوم ونظريات التطور وأصل الأجناس عند الحيوان والإنسان وتطبيق ذلك على العلوم الإنسانية والاجتماعية (الأخلاق – علم النفس- والأدب) وقد اقتبس نقاد الأدب ودارسوه بعض هذه العلوم ورأوا أنه من الممكن تطبيقها على الأدب فكتب بعضهم في تطور أنواع الأدب كتطور الشعر والقصة والمسرحية والمقالة والخاطرة والرسالة والخطابة والمقامة وإذا كان البعض يزعم أن هذا النوع من النقد لا يخلو من التعسف فإن هذا المنهج يساعد المناهج الأخرى في تفتيق أعماق النص الأدبي وإذا كان بالإمكان أن نستفيد من معطيات النظريات العلمية ومحاولات النقاد في تطبيقها في ساحة الأدب فإنه علينا ألا نسرف في الأخذ بحرفيتها في مجال الأدب وعلينا أن نأخذ بروح العلم لا بنظرياته حرفيا لأن روح العلم هي روح أخلاقية أذا تشبع بها الناقد أو دارس الأدب أو مؤرخه استطاع أن يكون مقتصدا في أحكامه موضوعيا فيها غير مبالغ ولا مسرف يتقصى الحقائق والتفاصيل ويبني حكمه على ما جمع من معلومات وثيقة ووظيفة الناقد ودارس الأدب والمؤرخ الأدبي أدراك المفارقات بين نظريات العلم وتمييز ما فيها من فائدة للأدب فقد حكم المنقاد المعاصرون على بعض الشعراء الصعاليك أنهم كانوا اشتراكيين لأنهم كانوا يأخذون من الأغنياء اختلاسا ويعطون للفقراء وهذا وإن كان فيه بعض الجور فإن روحه يدل على إنسانية بعض الشعراء الصعاليك .
ـ 8 ـ
المنهج التاريخي
إن التكدس الأدبي الذي يمر عليه زمن طويل يفرز لنا ظواهر أدبية متنوعة وفنون أدبية متشعبة و مدارس أدبية تفرزها ضرورات اجتماعية وإنسانية وعقدية و سياسية واقتصادية تشكل الخلفية الفكرية والعاطفية لكثيرمن المؤلفات وأنه لا بد عند دراسة الأدب وتأطيره وتأريحه من إبراز هذه الظواهر وأسبابها وعللها والنقد التاريخي هو الذي يفسر هذه الظواهر الأدبية و مؤلفات الكتاب و شخصياتهم لأنه يعنى بالفهم والتفهيم أكثر من عنايته بالحكم النقدي والمفاضلة النقدية و النقاد الذين يميلون إلى هذا النوع من النقد يؤمنون أن تفسير الظاهرة الأدبية يساعد القارئ في الحكم على أصحابها و كثيراً ما يتجه أصحاب هذا النوع من النقد إلى المؤلفات الثانوية في كل عصر لا إلى المؤلفات الرئيسية لأنهم يعتقدون أن أصحاب المؤلفات الثانوية مرآة صادقة لعصورهم مع لفت الانتباه إلى أنه يجب مع تفسير الظواهر الأدبية والمؤلفات والشخصيات معرفة الماضي لهم و الحاضر المحيط بهم و تحسس للآمال التي تجول في نفوسهم في تلك الأيام ومن تأثر بهم والمنهج التاريخي لأنه من يأخذ به يدرس المؤلف وما يحيط به من مؤلفات وكتاب وقضايا متعلقة بالإنسان ليكون حكمه صحيحاً و شاملاً بصرف النظر عن منهج الناقد الذاتي أو الموضوعي .
ـ 9 ـ
المنهج اللغوي
تعد اللغة المادة الأساسية للأدب وهي الثوب الذي تتزيا به الأفكار والعواطف والمشاعر وأكثر مايعانيه الأباء في صناعة نصوصهم القدرة على إخضاع الفكرة أو الإحساس والمشاعر والعواطف للألفاظ إذ يستقر الإبداع الأدبي في العبارة ويسكن في غاباتها ولو أننا فصلنا الفكر والمشاعر عن العبارات لنتهينا إلى موت العمل الأدبي ، فاللغة في أحد جوانبها وسيلة للتعبيرعن جانبي الإبداع الفني ، فاللفظ والمعنى هما شفرتا المقصفي الأدب كلاهما يقطع عندما تتحدثا بل هما جناح الطائر حين يريد أن يتنقل أو يتحرك من مكان إلى الآخر أو يحلق في سماء الحياة والإلمام باللغة إحساساً ومعرفة عقلية ونفسية وحياتية وكونية هو سر الإبداع وهبة الأسلوب ذلك أن للألفاظ كغيرها من المخلوقات أرواحاً يجب أن نتعرف على سرها ومعرفة علوم اللغة أساسي لصناعة النص الأدبي ولكنه ليس الفاصل في الحكم على النص ومن المفترض فينا أن نتجاوزها إلى المعرفة العاطفية والنفسية والإنسانية وتظهر هذه المقدرة في اللغة من خلال مقدرة الكاتب على الإحساس بهذه اللغة في استعمالاتها المختلفة كما أن النقد اللغوي يتطلب من الناقد معرفة تطور دلالات الألفاظ الحسية والمعنوية والعاطفية فدلالات الألفاظ المادية قد تكون ثابتة ولكن دلالاتها المعنوية والعاطفية متحولة من عصر إلى عصر والكتاب يجددون من وسائل أدائهم برجوعهم إلى المعاني الاشتقاقية للألفاظ ومن خصائص الناقد تمييزه بين المعاني الاشتقاقية والاصطلاحية من خلال قدرته على التنقل في هامش الحرية التي تتيحها له القدرة الإبداعية فالقواعد في الأدب أسس تتبع ولكنها ليست حرفية فقد يخرج الأديب على قواعد النحو أو البلاغة أو الأساليب المعروفة ولكن هذا الخروج إما أن يكون دون تكلف أو أن يكون مبرمجاً ولا يكون الخروج على المألوف في الأدب دائما إبداعاً والناقد الذي يريد أن يخدم نقده يحارب أسلوب الذاكرة في استخدام المصطلحات المحفوظة التي طال استعمالها حتى أصبحت ممجوجة حتى غدا صاحبها مصاباً بالكسل النقدي ولاتقاس ثروة اللغة بكثرة مفرداتها بقدر ما تقاس بثروتها الفكرية و العاطفية مع أنه لا يصح للناقد أوالكاتب أن يعتبر المادتين مبدأين مختلفين و ما يميز الكتابة الجيدة عن غيرها ما يمر فيها الفكر بالإحساس والإحساس بالفكر من خلال ما يقوم به الكاتب الفذ حيث يفكر بقلبه و يحس بعقله و الخطر المحدق بالكتابة هو جفاف الفكر وتناثر مزق العاطفة لأن التلوين العاطفي للفكرة لا يحتاج إلى تعبير خاص بل يأتي من طريق بناء الجملة تقريراً أو تعجباً أو استفهاماً ومن خلال استخدام أدوات الربط وبث الفكرة في الإحساس أمر مستطاع باستخدام منهج المنطق مع الانبتاه إلى أن للشعور منطقه و للعقل منطقه و وقلما يطمئن الكاتب إلى استنفاذ إحساسه أو أفكاره فالكتابة صفة وموهبة لأن في كل شاعر أو ناثر ناقد كامن فقد سود المتنبي الكثير من القصائد حتى عثر على شخصيته الشعرية فمقياس الجودة في صناعة النص الأدبي أن تكون صنعته محكمة إلى حد الخفاء بحيث تبدو طبيعية متمثلة في أسلوب (السهل الممتنع ) وبين موسيقى الألفاظ وموسيقى النفس فارق ولكن الكاتب الفذ من يستطيع مطابقة الفكرة لموسيقى النفس والألفاظ فمن مقتضيات المنهج اللغوي للنقد التفريق بين إيقاع النثر ووزن الشعر في مجال استعمال الألفاظ والمفردات في الأعمال الأدبية فالزمن الذي تستغرقه الجملة في نطقها هو ما يصطلح عليه بالكم وتردد ظاهر صوتية على مسافات زمنية متساوية ومتقابلة هو الإيقاع ففي النثر تتطابق الوحدات الإيقاعية مع الوحدات اللغوية وفي الشعر تتساوى هذه الوحدات الإيقاعية و يميز النقاد بين نوعين من الأساليب النثرية الأسلوب المتموج المتميز بطول الجملة والأسلوب المهشم المتميز بقصر الجملة والقرآن الكريم يحتوي على هذين النوعين فالسور المكية أسلوبها مهشم و السور المدينة أسلوبها مموج و التمييز بين الأساليب يعتمد على الموسيقى وأسلوب الخطابة غير أسلوب التقرير والانسجامات الصوتية في موسيقى الألفاظ أشبعها العرب دراسة من خلال علم التجويد والقراءات القرآنية(مخارج الحروف طرق النطق بها) إضافة إلى ارتباط المعاني المنبثقة من وقع الأصوات ووجوه استعمال الأفعال والأسماء المرتبطة بها .
ـ 10 ـ
المنهج الشكلي
يشكل علم الجمال حديثاً ركيزة مهمة من ركائز الأدب ويسهم في بلورة مدارس ومذاهب أدبية ترى في الجمال هدفاً أساسياً للأدب و من ضمن هذه المدارس المنهج الشكلي الذي مايزال خالياً من أي محتوى ومضمون وأن له قوانين خاصة لكمال العملية الأدبية تتميز عن القوانين الاجتماعية والأخلاقية التي تنأى بالأديب عن القيود وتكره كون الأدب وسيلة للدعاية ومركب للوعظ الخلقي المباشر لأنه ليس مهمة الأديب التعليم وإذا وجدنا ذلك فإنما يكون عرضاً و غير مقصود لأن الأدب أخلاقي دون أن يتقيد بالأخلاق وكل أدب نلمس رائحة الدعاية فيه يفقد صفته الأدبية وإذ لم تندمج الفنون الجميلة و منها الأدب بالأخلاق التي تمنح هذه الفنون السرور المستقل بذاته يصبح الفن بشكل عام ومنه الأدب أداة للتسلية ومن أهم أساسيات المذهب الشكلي
1 ـ التكامل: بحيث يكون هذا العمل الأدبي كلاً واحداً لا انقسام فيه يتألف من بداية ووسط و نهاية لأنه اتساق ذاتي لحياة مختلفة فهو منطقي من حيث بعده
2 ـ التناغم: الذي يحوي على تعليل للسبب الذي يجعل هذا العمل الأدبي على هذه الصورة أو تلك حتى يبقى هذا العمل الأدبي متماسكاً ومتناسب الأجزاءفيه كماً وكيفاً
3 ـ التألق : من حيث الصقل اللغوي والتوهج في الألفاظ كي تكون هذه الألفاظ ساحرة وتلك التراكيب مذهلة
4 ـ التشويق:من حيث الربط بين المشاعر لدى المبدع والمتلقي وهذا التشويق يثير فينا التوقع الحار بأن مجمل الشكل يتحرك بسرعة فائقة حتى يبلغ النهاية
ـ 11 ـ
المنهج التكاملي
لا شك أن النص الأدبي الذي جاء نتيجة قضية من القضايا تتداخل فيه أحيانا مجموعة قضايا نفسية ،وأخرى اجتماعية تحدد مفرزات هذا النص خاصة وأن الكثير من النقاد يعتبرون النص وحدة متكاملة كما هو الإنسان ولديه تصور محدد للإنسان فحواه : أن الكائن الحي نظام متكامل ووحدة متعددة الجوانب تعمل بصورة كلية تحقق انسجاما متآلفا بين أعضائه، وكل وظيفة تخضع في عملها لنظام الكل وتهدف للاحتفاظ بتوازنه، مثلما أن مجموعة الوظائف تعمل متفاوتة لتحقيق هذا التوازن؛ ولما كان الأدب نتاجا إنسانيا ، فمن الطبيعي أن ينظر إليه على أنه نظام متكامل، ودراسته من أكثر من جانب يفرض الكشف عن غناه وبذلك نكشف عن كل الجوانب المهمة في النص المدروس.
ولعل النهج التكاملي لا يعدّ نقدا تاريخيا خالصا ، ولا نقدا بلاغيا ضيقا ،ولا نقدا نفسيا محدودا ولا نقدا اجتماعيا خاصا ، بل إنه يركز على الشكل التعبيري للنص ، ودلالاته؛ ويهتم بالنسيج الأدبي ، ياعتباره قالبا للمعاني
ويمكن لهذا النقد أن ينشط إذا قيض له ناقد يؤطرله عناصره ، ويبرز ميزاته ، وقد اهتم بهذا النقد حديثا ( يوسف مراد ومصطفى سويف وسامي الدروبي وسلوى سامي الملا)وهو يوازي نقد مدرسة شيكاغو الأمريكية وشيخها ( ر.س كرين) . كما وأن الدكتور كمال زكي في كتابه النقد الأدبي الحديث حشر في زمرة هذا النقد نقاد من أمثال (المرصفي ـ طه حسين ـ أمين الخولي ـ فاروق خورشيدـ المازني ـ سهير القلماوي ـ عبد القادر القط ـ صلاح عبد الصبور ـ يوسف الشاروني )
الباب الثالث
الفصل الرابع
ثانيا : الاتجاه الداخلي في دراسة الأدب
ويضم هذا الاتجاه دراسة
ا ـ المعنى
2 ـ العاطفة
3 ـ الخيال
4 ـ الأسلوب
5 ـ الموسيقى
ـ 1 ـ
المعاني وأثرها في الأعمال الأدبية
لا تطلق كلمة أدب إلا على الأعمال التي تملك فكراً راقياً ومعنى سامياً ، وتقوم على أسس فنية وجمالية متميزة ، لأن قيمة العمل الأدبي تكبر بما فيه من معان عميقة وحقائق ثرّة مع أنه ليس بالضرورة أن يقدم العمل الأدبي حقائق مبتكرة ، كما في العلوم الإنسانية ؛ فنحن نقرأ كتاباً في التاريخ نعلم ما فيه من قبل ، ونستطيع قراءة قصيدة تتضمن حقائق معروفة.
إن أدباً كالذي خلفه المعري ( رسالة الغفران ) ( رسالة الملائكة ، رثاء الإنسانية ) ، أو المتنبي أو السياب أو الشابي يحمل بين جنباته معاني كثيرة ، وحقائق صحيحة وإن كان النقاد يرون أن المعاني الصحيحة والنظرة الصادقة ليست شرطاً للعمل الأدبي الجيد ، فأشعار أبي نواس ما جنة من حيث المعنى ، وكاذبة ، ولكنها تشكل أدباً ، والعرب تعتبر أن أعذب الشعر أكذبه .
والحقيقة التي لا مراء فيها أن الأدب المؤسس على حقائق غير صادقة ليس له قيمة كبيرة لأن عمق الإحساس وصدقه مقياس التمييز بين الأدب الرفيع والأدب المتواضع .
إن أكبر الشعراء من اتسعت تجاربه وتعمق علمه في الأشياء وازداد فهمه لحياة الناس ومعرفته لعقائدهم ونظراتهم للحياة . فالشعر ديوان العرب يحوي معارفهم وعلومهم وتجاربهم وأخبارهم ووقائعهم وعاداتهم وتقاليدهم ؛ فقد أفادنا المتنبي في أخبار ووقائع سيف الدولة أكثر مما أفادتنا كتب التاريخ ، وعلمنا شكسبير عن الحياة الإنسانية أكثر من الفلسفة . صحيح أن كتب الأدب غايتها اللذة في بعض جوانبها إلا أنها تزودنا بالأخبار والحقائق والمعاني في الجانب الآخر ذلك أن للمعاني قيمة كبيرة في الأعمال الأدبية عامة ؛ فقيمة الشعر تقاس بما فيه من معاني ترتكز عليها العواطف لأن الحقائق الصحيحة أساس للعواطف السامية التي تستمد حرارتها منها ، والشاعر الذي يرى الحياة( مجلس أنس وكأس شراب ونظرة أمرآة كحيلة )قد يكون إحساسه صادقاً ولكنه سطحي بعيد عن حقائق الكون والحياة .
يقول طرفة بن العبد :
ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى وجدك لم أحفل متى قام عودي
فمنهن سبقي العاذلات بشربـة كميت متى تعل بالماء تزبـد
فالمعاني الصحيحة تعطي مضمونا واقعيا ولكنه ليس هو كل الحقيقة التي ننشدها.
إن الأدب لا يصور الحياة كما هي بل يعيد صياغتها بعد أن يخضعها إلى شيء من التنقية والتصفية ويضيف لها من العواطف والخيال ما يتناسب معها وغاية الأدب نقل أثر الأشياء في نفس الأديب لا الإخبار عن الأشياء كما هي .
يميز مارون عبود في كتابه مجددون ومجترون وكتابه دمقس بين ضربين من الشعر هما : (الشعر الذي يولده العقل كشعر المعري والمتنبي ، والشعر الذي تولده النفس ويعبر عن خلجاتها كالشعر العذري،ويلاحظ عبود أن النقاد العرب اهتموا بالعقل لذلك حاموافي شعرهم حول المعاني ويرى أن حبَّ العرب للشعر القائم على المجهود العقلي هو الذي دفعهم إلى تفضيل المعري على أنه لا يبالي بشيء من الفن ) .
وقد أبدى هذا الناقد العربي الكبير كرهه للشعر المنطقي في نقده لديوان الشاعر والقاص / عبد السلام العجيلي / ( ليالي النجوم ) واعتبر أن المنطق أضر بشعره في حين أفاد نثره إفادة عظيمة لأن قارئ الشعر المنطقي لا يستطيع أن يعثر على شخصية صاحبه .
يقول البحتري :
كلفتمونا حدود منطقتكم والشعر يغني عن صدقه كذبه
والشعر المعتبر عند عبود ما اتحدث فيه الكلمة بالمعنى اتحاداً فنياً مقدساً لا تنفصم عراه .
لقد ولد الأدب من المعاناة ونتجت المعاناة عن التجربة التي هي أصلاً نوع من الحقيقة والمعرفة التي يتزود بها الإنسان من أجل أن يثبت جذوره في هذا الواقع . صحيح أن الأدب العربي معظمه لم يكن يرتكز على العقل ارتكازه على الوجدان إلا أنه كانت هناك شطحات تحدث فيها الشعراء عن حقائق الموت والكون والحياة ولقد تحدث الشعراء الجاهليون عن الموت وبدت تجاربهم من خلاله كبيرة وإن كانت نظراتهم له بسيطة وسطحية فهذا طرفة في معلقته يصور لنا الموت تصويراً فذاً حين يقول :
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى كالطول المرخي وتناياها باليد
وهذا زهير يصف الموت وصفاً بسيطاً يعبر به عن نظرة جاهلية ، وإن كان هذا الشاعر يعد من الشعراء الأحناف :
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمتـه ومن تخطئ يعــمر فيهرم
ولم تكن قصيدة الطلاسم لإيليا أبي ماضي إلا انعكاساً لحيرة الخيام في قضية الموت وإن فتحت آفاقاً جديدة في التفكير في جدلية الحياة والموت وعبارة ( لست أدري ) التي كررها الشاعر لا تعبر عن أنه لايؤمن بنهاية الإنسان في الوقوف أمام الله تعالى .
إن أهمية الأدب كفن من الفنون النافعة والمفيدة تأتي من كونه يحمل في نفعيته أهدافاً إنسانية ونشاطاً حيوياً ، وهذا يعني أن نفعيته هي ( ما يحمله هذا الأدب من حقائق ومعاني تسهم في دفع مسيرة الحياة الفردية والجماعية ) صحيح أن بعض النقاد العرب فصلوا بين الشعر والأخلاق وهذا من الخطأ الكبير ، فالشعر لبه الأخلاق ، إلا أن ذلك لا يعني ألا يحمل الأدب في ذاته حقائق وأفكاراً ومعاني ذات قيمة لأن الأدب كان في مرحلة من مراحله مختلطاً بالفلسفة والتاريخ والدين والسحر، بل كان المعبّر الرئيسي عن فكر الإنسان بجميع نواحيه ولو عدنا إلى نشوء المدارس الأدبية ابتداء من الكلاسيكية وانتهاء بما بعد الحداثة لوجدنا أن معظم هذه المدارس نشأ نتيجة خلافات حول وظيفة الأدب ودوره في الحياة وحول طبيعة الأدب وغاياته. أيستطيع هذا الأدب أن يحمل بين جناحيه معنى وفكراً وحقائق أم هو لذة فنية غايتها في ذاتها ؟؟!!.
لقد نقل الأدباء من خلال ما ورثوه لنا عصورهم بما تحمله من هموم وآلام وآمال وحقائق ومعاني وأفكار وعادات وتقاليد لم يستطع المؤرخون والفلاسفة ورجال الفكر أن ينقلوها لنا بالسمة نفسها التي فعلها الأدباء ويكفي الإنسان فخراً أنه يتعلم من الأدب كيف يكون إنساناً .
إن من يزعمون أن الأدب لعب غايته التسلية ، ومن يرون في الأدب أنه غاية في ذاته ( نظرية الفن للفن ) هم واهمون ، بل على أبصارهم غشاوة لأن الإنسان أوجد الأدب لينقل للآخرين من خلاله حقائق الكون والحياة والوجود .
ـ 2 ـ
العاطفة وأهميتها في العمل الأدبي
إذا كان الأدب مزيجاً من الحقائق والعواطف والخيال يخاطب العقل والوجدان ، فإن العاطفة تلعب دوراً هاماً في إظهار كينونته لأنها أبرز عناصر العمل الأدبي تدفع الأديب للعمل وتوجه إرادته؛ ولا يعد من الأدب ما لا يثير فينا العاطفة وهي العامل الوحيد المفرق بين الأدب والموسيقى صحيح أن الأدب والموسيقى يخاطبان العاطفة إلا أن الأدب يخاطبها معتمداً على حقائق علمية ومواد عقلية بينما الموسيقى لا تعتمد في خطابها للعاطفة على الحقائق العلمية فالفكرة لا تنفصل عن العاطفة في الشعر ومعظم شعرنا العربي غنائي وجداني عاطفي مع أنه ليس من الدقة أن نسمي الشعر عاطفة لأنها جزء منه تحرك ينابيع الإلهام فيه وهي الصورة الإيمائية غير البارزة التي ينم اللفظ والنغم عنها وتشف الصورة من خلالها ولا يصدر العمل الفني عن حالة هياج كما قيل بل تتبلور العاطفة بعد سكونها وتستحيل شعراً ، وقد يخلو الشعر من العاطفة ويبقى رفيعاً كشعر التصوير ووصف الطبيعة ولا يعدو الشعر أن يكون عاطفة وفناً في رأي مارون عبود .
يقول دعبل الخزاعي: ( من أراد المديح فبالرغبة ومن أراد الهجاء فالبغضاء ومن أراد التشبيب فبالشوق والعشق ومن أراد المعاتبة فبالاستبطاء ) ويروى عن بعض نقاد العرب أنه قال : ( أشعر الناس امرؤ القيس إذا غضب والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب والأعشى إذا طرب ) وأكثر ما يثير العاطفة شدة الشوق والعشق والفاجعة والغربة التي تثير الانفعالات في النفس وفقدان الشعر للعاطفة يجعله جافاً قليل الماء والرونق لا يبعث في النفس النشاط والحيوية والبهجة فقول لبيد بن ربيعة
ما عاتب الحر الكريم كنفسه والمرء يصلحه الجليس الصالح
يبين جودة المعنى والسبك ولكنه قليل الماء والرونق ، ويرى أحمد أمين أنه ( من المستحيل وجود قياس مضبوط للعواطف ) يحدد درجة حرارتها أو برودتها إذا جاز لنا التعبير ولا تقدر العواطف إلا بقوتها وحيويتها وبما تحركه في نفوسنا وقلوبنا من مشاعر لأن التجربة الشعرية تسهم في قوة العاطفة التي هي مفتاح النغم ، ويمكن لنا أن ندّعي أن قوة العاطفة تعتمد على قوة الأسلوب لأنه المحرض للأحاسيس والعنصر الفعال في وضوح المعاني ، ومتى استطاعت العاطفة البقاء في نفوسنا مدة أطول كانت مؤثرة التأثير الحقيقي . إن العاطفة تقاس بخصبها وتنوعها وغناها وبدرجة رفعتها وضعتها وبمدى استمرارها في النفوس ؛ ويعزو مارون عبود توفيق عمر أبي ريشة فيما يخرجه من شعر إلى أنه يتحدث عما يحسه في صميم قلبه وإلى أنه يؤمن بما يكتبه :
أمتي هل لك بـين الأمـم منـبــــر للسيـف أو للقلــم
أتلقاك وطـرفي مطـرق خجلاً من أمسك المنصرم
ومع أنه لا يمكن لنا أن نحدد للعاطفة لا حجماً ولا ثقلاً ولا مكاناً في النفس إلا أننا نحس ونشعر بآثارها ، فالمرء إذا أحب أحب بكل كيانه لا بحاسة واحدة وإِذا كره كره بكل كيانه لا بحاسة واحدة وإِن العاطفة تقدّر بما تخلفه في نفس المتلقي من حرارة أو فتور أو ثورة أو هدوء ، فقد تبلغ العاطفة ذروتها في بعض الأبياب وقد تنحط إلا الحضيض بحسب عمق انفعال الشاعر أو سطحيته ولا يمكن الجزم بصدق العاطفة أو كذبها بشكل مطلق لأنه ربما كان الشاعر متكسبا في مدحه و عاطفته قوية كشعر النابغة الذبياني في ملوك الغساسنة وكغزل جريرالذي أفرزه دون تجربة عشق حقيقي مثل قوله :
بان الخليط ولو طوعت ما بانا وقطعوا من حبال الحب أقرانا
وربما كان مبعث العاطفة الإعجاب الحقيقي كمدح زهير للحارث بن عوف وهرم بن سنان , ويبدو كذب العاطفة أحياناً من خلال معرفتنا حياة الشاعر وتجاربه و مذهبه في الحياة كغزل كثير عزة و مدائح المتنبي لكافور الإخشيدي :
أبا المسك ذا الوجه الذي كنت تائقاً إِليه وذا الوقت الذي كنت راجيا
إِذا كسب الناس المعـالي بالندى فإنك تعطي في نـداك المعا ليـا
بينما تصدق عاطفة الشاعر نفسه في هجائه لكافور لكرهه إياه مع العلم أن معاني الشاعر هنا ليست صحيحة ، ولا مقبولة لأنها تخالف حقائق الأديان كلهاوالناس سواسية كأسنان المشط كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
والعبد ليس لحـرِ صالح بأخ لو أنه في ثيـاب الحـرمولود
ما كنت أحسبني أبقي إلى زمن يسيء بي فيه وهو محمــود
ويحتاج الحكم على صدق العمل الأدبي إلى ملكة نقدية متمرسة مطلّعة على كثير من النصوص مميزة بدقة وحساسية تبرز مكنونات الأديب وعلاقاته الاجتماعية والشخصية والسياسية ، فالحكم على صدق العاطفة عند قيس بن ذريح سهل لأن الشاعر كان عذريا لم يعرف في حبه غير ليلى بينما الحكم على كذب العاطفة سهل عند عمر بن أبي ربيعة لأنه تنقل في علاقاته بين كثير من النساء ولم يبد همه إلا في اللهو واللعب والتسلية.
ويشير الدكتور محمد النويهي إلى أن صدق العاطفة يتمثل في الشروط التالية :
1 ـ أن تكون قد ألمت بالشاعر نفسه
2_ أن تكون حدة التصوير فيها ناشئة عن حدة الشعور وقوة الحساسية لا عن رغبة في المبالغة في التصوير
3_ ألا يخالف التصوير نواميس الكون والحقائق والسلوك الإنساني
4_ أن يكون من شأن صنعة الأديب أن تزيد العاطفة في النص جلاء وقرباً لا أن تقف أمام حقائق الكون حجاباً
وليس الشاعر المحدث أصدق عاطفة من الشاعر القديم كما يزعم البعض ، إن المشاعر العاطفية تتعدد في قصائد الشعراء وتنطلق من أحاسيس الشاعر وانفعالاته ومواقفه تجاه الحياة والكون والطبيعة والجمال والوطن والذات والغير؛ ومع أننا نرى الشاعر مشرق العاطفة في بعض المواقف إلا أننا في الوقت نفسه نجده يصدر عن عاطفة باهتة بسبب قربه أو بعده من الموضوع الذي يتحدث عنه وبسبب حساسيته الزائدة تجاه موقف من المواقف ، إن اعتبار العواطف معادلات كيميائية تسير وفق قوانين دقيقة أمر فيه كثير من التعسف والبعد عن إصابة الحقيقة لأن العاطفة شعور نلمح أثره ولا نجد له مكاناً في داخل الإنسان ويؤثر فينا ولا نلمسه ويحرك خطانا بالاتجاه الذي يريد دون أن نشعر .
و يقدر عنصر العاطفة بصحتها واعتدالها , ونعني بصحتها واعتدالها أن تكون الأسباب التي أثارتها واقعية وإن الإعجاب قد يثار من انعقاد الزهرة ثم تفتحها وهذا يعد عاطفة شعرية ،فإذا أردنا أن نقيّم عاطفة ما في قطعة أدبية تساءلنا : هل العاطفة التي تثيرها هذه القطعة قوية و صحيحة ؟ وهل هي قد بنيت عن أسباب صحيحة ؟ فإذا نحن استعرضنا مثلا عاطفة الحب عند مجنون ليلى ، وجدناها عاطفة مائعة نشأت من عاطفة مريضة , وهذا ما نلمحه في الكثير من شعر لزوميات أبي العلاء , فهو شعر متشائم حزين نشأ من عاطفة مريضة , فقد يصبُّ الشاعر غضبه على الدنيا وما فيها لأن إنسانا جنى على الأخلاق ، وهكذا كل شعر الغزل الممعن في وصف ما يلاقي المحب من الضنى , والذي يذوب رقة وحنانا , ليس ناشئا عن عاطفة صحيحة قوية ، والشاعر الجيد هو الذي يثير العواطف الصادقة والموضوعية .وتقدر العاطفة بقوتها وحيويتها , فإذا عرض علينا قطعة أدبية تساءلنا : هل حركت هذه القطعة عواطفنا وأهاجت شعورنا ؟ هل وسَّعت نظرنا وأحيت قلبنا ؟ إن كانت كذلك كانت أدبا رفيعا ومن المستحيل أن نجد قياسا عاما للعواطف المختلفة . فهناك عواطف حنان وعواطف جلال , وعواطف إعجاب , وعواطف كره واشمئزاز . ومن الصعب أن تقول : إن هذه العاطفة أقوى من تلك . وكذلك يختلف الناس باختلاف طبائعهم و أمزجتهم في العاطفة التي تهيجهم ، فإنسان تثيره عاطفة الحزن , وآخر عاطفة السرور , وثالث عاطفة الإعجاب ........ ولهذا من المستحيل وجود مقياس واحد مضبوط لنعرف أي العواطف هي الأقوى . وكثيرا ما يكون الكاتب أو الأديب مزودا بأسباب كثيرة من القوة كحسن التعبير وقوة الخيال , ثم هو يخفق لأنه يفتقر إلى قوة العاطفة . وكذلك قد يكون له عين تدرك الجمال وشعور رقيق وفكاهة حلوة , ولكن ليست له العاطفة القوية , فيخفق , بل كثيرا ما نجد له من قوة العاطفة ما يعوض نقصه في النواحي الأخرى . ولسنا نعني بالعاطفة القوية العاطفة الهدامة المعربدة الهائجة المضطربة , فقد تكون هذه مظاهر ضعف فيها ، وتعتمد قوة العاطفة على قوة الأسلوب , وسنجد أن لقوة الأسلوب مدخلا كبيرا في إثارة العواطف ووضوح المعاني . فالأديب قد يستطيع أن ينقل إلى سامعيه معانيه ولكن لا يستطيع أن ينقل عواطفه ومشاعره إلا بقوة الأسلوب . ويظهر أن هناك شعراء و أدباء قد ملئوا شعورا ومنحوا عواطف قوية , ولكنهم لم يمنحوا أسلوبا ينقلون به عواطفهم إلى سامعيهم وقارئيهم وسبب ذلك ضعف أسلوبهم . وتقاس العاطفة أيضا باستمرارها وثباتها , ولذلك معنيان الأول : بقاء أثرها في نفوس السامعين زمنا طويلا ,والثاني:أن تكون القطعة الأدبية شعورا متجانسا متسلسلا , وتقاس العواطف أيضا بخصبها وغناها وتنوعها , وقلما يوهب الأديب هذه الموهبة . فقد يشتهر الأديب ويعظم أمره وهو مع ذلك مفتقر إلى هذه الصفة . ونعني بها كثرة التجارب التي تجعل بمقدوره إذا تعرض لنوع من العاطفة أن يستوفي التعبير عنها , كما يستطيع أن ينوع في كتابته أو شعره فيمس مشاعر مختلفة وهو في كل منها غزير . وتقاس القطعة الأدبية أيضا بنوع العاطفة ودرجة رفعتها أو ضعتها , وهنا يعرض أمر كثر حوله الجدل , لأن القول بأن للعواطف درجات يستلزم أن هناك عواطف سامية وأخرى وضعية . و إذا قيل هذا القول فما المقياس ؟ أعني ما نوع العواطف التي نسميها سامية والتي نسميها وضيعة ؟ لم يتفق النقاد على الإجابة عن هذا السؤال , فهناك عواطف جليلة وأخرى هزأة . هناك أدب يثير شعورا أخلاقيا كالإعجاب بالبطولة واحتمال الآلام في سبيل أعمال جليلة , وهناك أدب يثير لذه حسية , كالميل إلى طعام والشراب , فالعاطفة التي تتصل بحياة الناس وسلوكهم أرقى من عواطف تثيرها لذة الحواس وحينئذ إذا أردنا نحن أن نقيّم قطعة أدبية تساءلنا : هل يثير فينا انفعالا وميلا إلى الحياة السامية , أولا ؟ فإذا لم يكن كذلك لم يكن أدبا راقيا .
والأحرف مرآة العاطفة فقد دلت الدراسات النفسية المعاصرة على الرابط والصلة الوثيقة بين الأحرف الفاعلة ودلا لاتها وبين عاطفة الشاعر فقد يكثر الشاعر من استخدام أحرف معينة بدافع لا شعوري فيدلنا دلالة غير مباشرة على نفسيته ومشاعره وأحاسيسه ، فحرف النون يدل على الطرب حزنا أو فرحا لقد رحل أحبة الشاعر وبات بعيدا عن منازلهم فبدت عاطفته تمتزج بالحزن :
بان الخليط ولو طوعت ما بانا وقطعوا من حبال الوصل أقرانا
حي المنازل إذ لا نبتغي بدلا بالدار دارا ولا الجيران جيرانا
ما كنت أول مشتاق أخا طرب هاجت له غدوات البين أحزانا
لقد استخدم حرف النون في البيت الأول أربع مرات و في البيت الثاني ست مرات و في البيت الثالث خمس مرات ، وتدل أحرف السين و الزاي و الصاد على الأسى و الحزن و الكآبة و خير ما يمثل لنا ذلك الشاعر البحتري حين وقف في إيوان كسرى أنوشروان في طريق عودته إلى الشام في أعقاب مقتل الخليفة العباسي المتوكل الذي كان يخلص له المدح فصور لنا في قصيدته الرائعة الهاجس النفسي الذي كان يعتريه والحزن والغم الذي تظطرم به نفسه
صنت نفسي عما يدنس نفسي و ترفعت عن جدا كل جبس
و تماسكت حين زعزعني الدهر التماسا منه لتعسي و نكسي
حضرت رحلي الهموم فوجهـ ت إلى أبـيض المدائن عنسي
أتسلى عن الحظوظ واســى لمحل من آل ساسان درس
فنحن نشعر بصدق عاطفة البحتري لأن مبعثها التجربة النفسية التي مر بها
واستطاع أن ينقلها لنا بأمانة من خلال التعبير بالحرف الموحي ذي الدلالة
على شجون نفسه وهمومها ، وأما القاف والكاف فهما حرفان يدلان على
القسوة والقوة كمافي قول عنترة
ومدجج كرة الكماة نزاله لا ممعن هربا ولا مستسلم
جادت له كفي بعاجل طعنة بمثقف صدق الكعوب مقوم
فشككت بالرمح الأصم ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرم
وهكذا يمكن أن نستشف نفسية الشاعر و عاطفته من خلال ما يكثره الشاعر من استخدام لحرف معين
ـ 3 ـ
الخيال وأثره في الأعمال الأدبية
يرى ( جان ستاروبنسكي ) في تحديده لمفهوم الخيال من كتابه النقد والأدب ( أن الخيال الأدبي ليس إلا فرعاً خاصاً لملكة نفسية عامة جداً لا ينفصل نشاطها عن نشاط الشعور وتشير لفظة ( خيال ) إلى العلاقة التي تصل فعل الكتابة الأدبية بالمعطيات الأساسية لوضع الإنسان وتسهم في إقامة رابطة ضرورية بين النظرة الأدبية وأوسع نظريات الشعور، فالخيال وارد في فعل الإدراك ويمتزج بأعمال الذاكرة ويفتح أمامنا أبعد الآفاق الممكنة ويرافق مشاريعنا وأمانينا ومخاوفنا ، فهو ملكة تستدعي الصور المسايرة لعالم الإدراك المباشر وغير المباشر ، وهو قدرة تساعدنا على الانفصال عن الواقع .
وقد يكون الخيال من قبيل ( الوهم واللهو والأحلام ) إذا ولى الوعي المتخيل ظهره للواقع المباشر، وإن أشهر أنواع الخيال وأقربها إلى الهذيان يحتفظ بصبغة واقعية ومن هنا فالأدب كله ما هو إلا ضرب من النشاط والخيال الذي يتألق في نطاق الصورة والرمز والأسطورة والحلم والهواجس ، ويعتبر الخيال الأدبي أحد أبعاد الأثر الأدبي وتشير لفظية (فانتازيا ) الإغريقية عند أفلاطون إلى مزيج من الإحساس والرأي وهي عند أرسطو حركة داخلية ناجمة عن الإحساس وعند الرواقيين يدمج الإحساس بالخيال فيعرب عن نشاط نفسي لا يعنى إلا بظواهر الأمور .
ولما كان الخيال ملكة متوسطة بين الحس والتفكير فهو لا يملك بداهة الإحساس المباشر كما لا يملك الانسجام المنطقي للمحاكمات العقلية المجردة .
فالخيال يأتي في مرتبة ثانية بعد الإحساس ويتفرغ عنه لكنه يسبق عمل التفكير الذي يسعى للإشراف عليه وإذا كان الفن على حد تعبير أفلاطون محاكاة للظاهر فإنه إذا : ينتج ظاهراً من مرتبة ثانية أو يبدع صورة للصورة إذ لا توجد محاكاة إلا بفضل الخيال ومن أجله وبسبب تلك العلاقة بين الخيال والفن اتهموا الفن وقالوا عنه : إن مجاله قاصر على الفتنة الخبيثة أو في أحسن الأحوال على اللهو الذي لا نفع فيه .
ويعتبر اللجوء للخيال هو الشرط اللازم لعملية التطهير في المأساة ، فالخيال يملك القدرة التي يملكها الواقع على إثارة أهوائنا والتأثير في جوارحنا .
والخيال على حد قول أرسطو حركة نفسية يولدها الإحساس إذ يفعل ، فإنه يُفرض على عقلنا كما لو ورد من الخارج وعلى ذلك فالخيال لا يزال مغموراً بالنور الذي يسطع من الأشياء الخارجية فقد اشتق اسم خيال ( فانتازيا ) من النور ( فاوس ) ولولا النور لما أمكنت رؤية الأشياء ومعنى ذلك أن الخيال يوفر لنا ضياء ثانياً .
وتشير لفظة فانتازيا عند ( لونجان ) اليوناني إلى الاندفاع العاطفي الذي ألم بالمؤلف ونقله للمستمع وبذلك يستطيع الشاعر أن يثير الإعجاب والدهشة فيكون الخيال الأداة التي تستخدمها المحاكاة حتى تبلغ الأوج .
وينسب ( لونجان ) ذلك التأثير بالصور الخيالية إلى فعل الحماس أو الهوى الذي اعتبره أفلاطون مصدراً من مصادر الإلهام ، وبذلك يكون أشبه بالعين الجسدية التي ترنو إلى حقائق فكرية تدركها بالحدس عن طريق الرمز والقصة الرمزية وعند (دانتي ) : الخيال ملكة متوسطة تزود بالصور التي يحتاج إليها حتى يعبر عن الأفكار المجردة . ولا يقنع الخيال بنقل الصور على نحو سلبي بل يملك قدرة فعالة كما أقر بذلك(توماس الأكويني ) فيكون تارة منبعاً من منابع الوهم وتارة ملكة مبدعة وهو يتوسط بين عالم الإحساس الأدنى والملأ الروحي الأعلى فيكون الشعر الملهم ثمرة من ثمرات الخيال الذي يغمره النور العلوي وحدود الخيال هي حدود الإبداع الشعري
وإذا تجاوزنا عصر النهضة إلى العصر الرومانسي حيث تحول الأدب من سيادة العقل إلى سلطان الخيال نجد أن للخيال الأدبي عمله فلولاه لما كانت المحسنات والزخارف ( مجاز ـ استعارة _ تشبيه ) وهي التي تبعث في الأسلوب الحياة والحركة والحيوية . صحيح أن المدرسة الكلاسيكية اعتمدت على هندسة القصيدة فكرياً وطلبت من الشاعر أن يضع النماذج الكبرى نصب عينيه حين ينظم قصيدته إلا أنها أهملت الابتكار وسعت نحو الكمال المعهود ولم يكن الإبداع سوى اكتشاف أفكار مناسبة مطابقة (لمقتضى الحال ) وإنه لا مهمة للخيال سوى تحسين الكلام ويرى ( فولتير و مارمونتيل ) : أن الخيال موهبة ثمينة وأن الإلهام أقصى درجاته . وترى الفلسفة الكلاسيكية أن الخيال هو الذي يبعث الروح في الإنتاج الأدبي وهو الخالق لمشاعر الحياة والحرارة التي هي عناصر إضافية وألوان عاطفية . ويرى (برونو ) الإيطالي أن الخيال هو مجموع الأحاسيس الداخلية ليس التقليد والمحاكاة هي مهمته فقط بل هو مصدر جميع الأحكام ومنبع للأشكال الأصلية والمبتكرة ومنطلق لكل إنتاج فكري . ويقول ( روبرت كلاين ) : إن الآراء التي اعتبرت الصورة ثوباً للفكرة أو جسمها الأول ملائمة لنظريات الخيال . ولا يجوز أن نعد الخيال بعداً ثانوياً من جملة العناصر العبقرية ولا تابعاً يسهم في العمل المشرتك الذي تقوم به سائر الملكات الإنسانية بل هو تعبير آخر عن العبقرية ذاتها . وهو كما يقول بودلير : سيد الملكات النفسية أو الكلمة الخلاقة .
لقد ترسم أتباع الحركة السريالية ممن يؤمن بالغيب والسحر آراء الرومانسيين في الخيال وجاءت آراؤهم في مظهر السخط أو الاستنكار رافضةً العقل الآلي رفضاً عاطفياً شديداً عندما راح يشيد صرح العلو أو يضع الطبيعة في صيغ فيزيائية و كيميائية .
إن الفلسفة الطبيعية التي انتشرت في القرن الثامن عشر ميلادي تسعى إلى تحويل العالم إلى ضرب من السحر و تأويله شعرياً . بينما ارتبط النشاط الخيالي عند الرمزيين بالأسطورة النرجسية ، ( حب الذات وتضخمها ) .
ويعتبر يونج ( أحد تلاميذ فرويد ) أن النشاط الخيالي هو اللذة الجنسية المنطوية على الخيال ويضيف السرياليون أن المخيلة أداة حيوية في علاقاتنا بالكون الغاية منها اكتشاف الأمور الخارقة وقلب الحياة إلى شعر والقيام بثورة دائمة في جميع ما يفعل .
إن الخيال : ملكة مألوفة شائعة بين الناس ترمي إلى إدراك الأشياء الدارجة خارج وضعها الراهن الذي تقع الحواس عليه . وهو ليس عملاً فكرياً محضاً بل هو مغامرة من مغامرات التصور ، لأنه الفعالية المنشئة لصور الأحلام والهلوسة وما يسميه فرويد (فانتازي ) ليس انعكاساً ذهنياً للعالم المدرك ولا فعل مشاركة ميتافيزيقية في أسرار الكون بل هي حركة مسرحية داخلية يبعثها ( الليبيدو ) الذي يجعل الخيال يغير من المعطيات الأساسية التي توفرها التجربة العاطفية تغييراً سحرياً عجيباً .
إن الإنتاج الأدبي حالة خاصة من حالات النشاط الخيالي ولقد أسند يونغ للخيال مهمة القوة الكونية ولم يعتبره نشاطاً عشوائياً بل اعتبره لغزاً من ألغاز العالم يطّلع عليه الإنسان في أحلامه والشاعر في شعره .
إن الخيال هو المصدر الذي يثير الصيرورة النفسية فنياً إثارة مباشرة فقد نشوّه حقيقة الحب إذا فصلناه عن واقعيته .
ولا يوجد خيال صرف ، بل لا يوجد خيال إلا سلوكاً يتغذى بالعواطف والأخلاق ويتجه اتجاهاً يتلاءم مع المعطيات الاجتماعية أو يخالفها .
إن الخيال عند الإيطالي ( آريوست ) يمتزج بوضع اجتماعي مركّب بينما ينشئ عند (روسو ) إطاراً وهمياً لمعقل حصين يلوذ به الفرد ويحدث نفسه به في حال من العزلة والإنفراد ويندس ّ الخيال عند ( زولا ) في محاولات الوصف الواقعي.
يقول مارون عبود في كتابه على المحك ص 94 : ( ما الشعر إلا حلم يقظة ، فالذي ليس له عين ترى وقلب يحس وإذن تسترق وعقل يحلم فهيهات أن يدخل مملكة الشعر). ( إن مخيلة الشاعر المبدع راديو يلتقط حديث عوالم الأثير وقريحته راديوم يشع نوراً خالداً . إن الشعر لا يكون بخلق الصور الغريبة البعيدة عن واقع الحياة لأنه كلما دنت الصورة الفنية من الواقع كانت أحب إلى القلوب وأقرب إليها ).
( إن المبدأ الرئيس المحدد للشعر هو المجار يضاف له الوزن ) وهما العنصران المهمان المتلاخمان في تكوين الشعر ( والمخيلة موضوع يخص كلا من علم النفس والدراسة الأدبية لأن كلمة صورة في علم النفس تعني إعادة إنتاج عقلية ، وذكرى لتجربة عاطفية أو إدراكية ) .
إن عزرا باوند يثير انتباهنا إلى أن الصورة هي تلك التي تقدم لنا عقدة فكرية وعاطفية في برهة من الزمن .ويقول القاضي الجرجاني في حديثه عن العناصر
الجمالية في الشعر :( التشبيه لمح صلة بين أمرين حسيين أو متخيلين في النفس مع تداخل يجعل السامع يحس بما أحس به المتكلم ) . وهذا يعني أن المقاربة في التشبيه دلالة فنية تقوّي المعنى المجرد الذي يتكلم عنه الشاعر بأن ينقله من الإحساس ومن الفكر إلى الحدس ؛ ويضيف الجرجاني : (إن الوصف والتشبيه في الشعر أكثر مكانة من المعنى وينصح بتجنب المبالغة وبالتقيد بمعطيات التجربة الحسية وإعطاء التعليل عند تبيين وجه الشبه لأن الصورة الشعرية قد تستكمل شرائط الحسن والجمال ولكنها لا تكون ذات وقع كصورة أخرى لا تستكمل شرائط الحسن وأوصاف الكمال وعناصر الجمال .
إِننا على حد قول الجرجاني حين نأخذ قطعة من ذهب ونصنع منها خاتما نهتم بالخاتم وتنسى مادته وهذا يعني أن للصور عنده أهمية كبيرة لأن المعنى يتوقف عليها.
ويعتبر الفارابي أن الأقاويل الشعرية كاذبة بالكل لا محالة لأنها قائمة على التخييل الذي له قيمة في الشعر كقيمة العلم في البرها ، فالتخيل في الشعر هو المحاكاة اللطيفة لشيء أو حدث وغايته التحفيز وليس الصدق أو التصديق فهو محاكاة المحاكاة كما أشار أرسطو . وقد ساير ابن سينا الفارابي في رأيه السالف الذكر وأضاف ((إن الكلام المتخيل تذعن له النفس فتنبسط عن أمور وتنقبض عن أمور ). وقد قالت العرب : أجمل الشعر أكذبه . ويشير حازم القرطاجي إلى أن الشعر بما فيه من محاكاة أو تخييل يؤدي إلى الإقناع . ويرى لونجينوس التدمري صديق أفلوطين ومستشار زنوبيا في مقالته سمو البلاغة أن صياغة الصور والمجازات ضرورة من ضرورات الشعر . وكثرة اعتماد الخيال عند الشاعر يدل على أن الشاعر يهتم بالصنعة أكثر من الصدق العاطفي، فشعر الرثاء قليل الصور ضحل الخيال غالباً و الخيال يكتسب من الواقع والمفاهيم والعادات والتقاليد المعاصرة أشياء تسهم في إبرازه كعنصر فعال ومهم في حركة العمل الأدبي . إن الخيال باعتباره آلة التصوير التي تصور الأشياء والأشخاص والمعاني فإن الشاعر والأديب من خلاله كما يقول رسكين يلتقط كل ما يقع تحت سمعه وبصره ثم يختزن الصور ويعود لاستخراجها في الأوقات الملائمة وتتفاوت قوة الخيال بين جمهور الأدباء بتفاوت قوة الذاكرة لديهم وهو أنواع :
1 ـ الخيال الخالق : وهو الذي يخلق العناصر الأولى التي تكتسب من التجارب صورا جديدة لا تتنافى في الحياة المعقولة وإلا أصبحت هذه الصور من قبيل الوهم .
2 ـ الخيال المؤلف : الذي يجمع صوراً ومناظر مختلفة قد تستدعي صوراً أخرى كقول ابن الرومي :
ما أنس لا أنس خبازاً مررت به يدحو الرقاقة مثل اللمح بالبصر
ما بين رؤيتها في كفة كـــرة وبين رؤيتها قـوراء كالقـمر
إلا بمقدار ما تنداح دائــرة في لجـة الماء يلقى فيه بالحجر
أو كقول الشاعر الأندلسي
وقانا لفحة الرمضــاء واد سقاه مضاعف الغيث العميـم
حللنا دوحـه فحنا علينــا حنو المرضات على الفطيـم
تروع حصاه حالية العذارى فتلمس جانب العقد النظـيـم
فقد ألف الشاعر بين امرأة شعرت كأن عقدها انتثر فتلمسته لتعرف حقيقة ذلك , وبين رجل يسير في واد جميل الحصا عذب المياه , حتى ليشك في هذا الحصا فيحسبه أحجارا كريمة والخيال
أو كقول أبي تمام
و إذا أراد الله نشر فضيلــة طويت أتاح لها لسان حســـود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود
فالشاعر شعر بشيء عند مهاجمة الحسود لفضيلة من الفضائل المحسود وشعر شعورا مماثلا لذلك عند احتراق عود الطيب فألف بينهما في هذين البيتين . والمعنى في هذين البيتين : أن لسان الحاسد يكشف فضائل المحسود كما تكشف النار عن رائحة العود الطيب عند الاحتراق . فقد قرن الشاعر بين أثر الفضيلة المحمود في الناس ورائحة العود الذكي , كما قرن بين لسان الحسود وبين النار التي تحرق .
3 ـ الخيال الموحي :وهو الخيال الذي يفيض على الصورة التي يراها صفات روحية تؤثر بالنفس .قال تعالى ( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وأزينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس ) . فالصورة القرآنية تلف الدنيا بجميع مظاهرها وزخارفها ولا تفصل وقائعها ولكنها تدعو الإنسان للتفكير بها وحسبك من الخيال أن تتصور كيف تكون الدنيا كالزرع المحصود. ومن ذلك قول ابن الشبل البغدادي في وصف الإنسان :
متصرف وله القضاء مصـرف ومكلـــــف وكأنه مختـار
طورا به تصبو الحظوظ وتارة حـــظ تحوك صوابه الأقدار
فتراه يؤخذ قلبه من صـــدره ويرد فيه وقد جرى المقـــدار
وقد يصف الخيال أثراً لشيء في النفس مثل أثرالعيون الحوراء في نفس جرير:
إن العـيون التي في طرفها حـور قتلننا ثـم لم يحيين قتلانـا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركانا
وقد يصف أجزاء الشيء كوصف نزار قباني لحركة العيون :
عيناك حمامتان دمشقيتان تطيران بين الجدار وبين الجدار
وقد يصف الخيال صفاء العيون بألفاظ موحية كقول السياب :
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
ولذلك فإن المناظر التي تعرض على الخيال أو العقل تبدو أجمل مما إذا عرضت على العين المجردة وكلما قوي خيالنا قويت لذاتنا .
يقول جميل بن معمر:
وإني لمشتاق إلى ريح جيبها كما اشتاق إدريس إلى جنة الخلد
ويقول مجنون ليلى :
لقد رسخت في القلب منك مودة كما رسخت في الراحتين الأصابع
ويقول المتنبي :
وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائـم
هذا وإن للخيال ارتباطاً كبيراً بالعواطف ، لأن العاطفة القوية تحتاج إلى خيال قوي والعاطفة المسرفة المبالغ فيها تذهب بالخيال مذاهب شتى كقول الشاعرأبي تمام :
لا تسقني ماء الملام فإنني صب قد استعذبت ماء بكائي
وكلما قوي خيالنا قويت لذاتنا , وقوة الخيال تصحب النواظر أبدا , وتكون عاملا بارزا في تفهيم الشيء و إيضاحه والاستنباط منه , على حين أن إطالة تصوير النظر للشيء , لا يجعله أكثر وضوحا , وإنما الذي يجعله أكثر وضوحا أن نأخذ الأشياء الأساسية فيه , ونترك للخيال المجال في إبراز قوة الموصوف الروحية ..... فإذا سمعت قول الشاعر يصف شمعة
و كأنها عمر الفتى والنار فيها كالأجل
أدركت عمل الخيال في تحريك الشعور .
وكذلك قول عنترة :
أراعي نجوم الليل وهي كأنها قوارير فيها زئبق يترقرق
إن أنواع الخيال السالفة الذكر لا تعمل منفصلة إذ لا بد أن يكون في كل عمل أدبي مسحة من هذه الأنواع لأن الخيال هو محور هذا العمل .
ـ 4 ـ
_ آ _
الأسلوب وأهميته في العمل الأدبي
ليست كلمة الأسلوب العنصر اللفظي الذي تتألف منه الكلمات والجمل والعبارات ، و كلمة الأسلوب, يستعملها العلماء ليدللوا بها على منهج من مناهج البحث العلمي و يستعملها الأدباء في الفن الأدبي قصصا أو جدلا أو تقريرا ، وفي العنصر اللفظي سهولة أو تعقيدا ، وفي إيراد الأفكار تنسيقا أو اضطرابا ، وفي طريقة التخييل جمالا أو تشويها ونبوا .... ولهذا كله كان إطلاقها على هذا العنصر اللفظي ضرورة اقتضاها التعليم أولا ؛ ولأن الأسلوب مظهر العناصر الأخرى ومعرضها ، فالأسلوب هو فن الكلام يكون قصصا أو حوارا ، تشبيها أو مجازا أو كناية ، تقريرا أو حكما و أمثالا . فهو يشمل الفن الأدبي الذي يتخذه الأديب وسيلة للإقناع والتأثير . والأسلوب عند أهل صناعة الشعر عبارة عن المنوال الذي تنسج فيه التركيب ، أو القالب الذي تفرغ فيه ، ولا يرجع إلى الكلام باعتبار إفادته كمال المعنى من خواص التركيب الذي هو وظيفة البلاغة والبيان ، ولا باعتبار الوزن كما استعمله العرب فيه الذي هو وظيفة العروض .
فهذه العلوم الثلاثة خارجة عن هذه الصناعة الشعرية . وإنما يرجع إلى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص . وتلك الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب وأشخاصها ويصيرها في الخيال كالقالب أو المنوال ، فإن لكل فن من الفنون الكلام أساليب تختص به ، وتوجد فيه على أنحاء مختلفة ، فسؤال الطلول في الشعر يكون بخطاب الطلول كقوله :
يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت فطال عليها سالف الأبد
ويكون باستدعاء الصحب للوقوف والسؤال كقوله :
قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وهذه القوالب كما تكون في المنظوم تكون في المنثور ، فإن العرب استعملوا كلامهم في كلا الفنين وجاؤوا به منفصلا في النوعين ، ففي الشعر في القطع الموزونة والقوافي المقيدة واستقلال الكلام في كل قطعة ، وفي المنثور يعتبرون الموازنة والتشابه بين القطع غالبا ، وقد يقيدونه بالأسجاع , وقد يرسلونه وكل واحدة من هذه معروفة في لسان العرب .
إن هناك فارقا بين الوجهين العملي والفني في تكوين الأسلوب الأدبي، فعلوم النحو والبلاغة والعروض تنفعنا على نحو أنها نظريات ترشدنا في إصلاح الكلام ومطابقته لقوانين النظم والنثر ، وقد يعرفها الإنسان ولا يحسن معها الإنشاء , أو ينشيء الكلام الصحيح . وأما صياغة الأسلوب الجميل فهي فن يعتمد على الطبع والتمرس بالكلام البليغ .
و الأسلوب في الأصل صورة ذهنية تتملىء بها النفس وتطبع الذوق ، من الدراسة ،والمرانة ، وقراءة الأدب الجميل . وعلى مثال هذه الصورة الذهبية تتألف العبارات اللفظية الظاهرة التي اعتدنا أن نسميها أسلوبا لأنها دليله ، وناحيته الناطقة الفصيحة . و هذه الصورة الذهنية التي هي الأصل الأول للأسلوب ليست معاني جزئية ،ولا جملا مستقلة ، بل طريقة من طرق التعبير يسلكها المتكلم ، كخطاب الطلل ، أو استدعاء الصحب للوقوف , والسؤال أو الدعاء له بالسقيا والبقاء كقول الشاعر :
أسقى طلولهم أجش هزيم وعدت عليهم نضرة ونعيم
أو بتسجيل المصيبة على الأكوان عند فقد شجاع كقوله :
منابت العشب لا حام ولا راع قضى الردى بطويل الرمح والباع
وهذه الفروق اللفظية والمعنوية بين المنظوم والمنثور من حيث الإسلوب تبدو جلية في امتياز النظم بالوزن والقافية واستقلال كل بيت بمعنى تام .. و الأسلوب منذ القدم كان يلحظ في معناه ناحية شكلية خاصة هي طريقة الأداء أو طريقة التعبير التي يسلكها الأديب لتصوير ما في نفسه أو لنقله إلى سواه بهذه العبارات اللغوية ، ولا يزال الأسلوب طريقة الكتابة ، أو طريقة الإنشاء ، أو طريقة اختيار الألفاظ وتأليفها للتعبير بها عن المعاني قصد الإيضاح أو التأثير ، أو ضرب من النظم والطريقة فيه . أما إذا أردنا أن يكون تعريف الأسلوب عاما يتناول العلوم والفنون فإنا نعرفه بأنه طريقة التعبير ,، لأن الفنون الأخرى لها طرائق في التعبير يعرفها الفنيون ، ويتخذون وسائلها أو عناصرها من الألحان والألوان والأحجار . وكذلك العلماء لهم رموزهم ومصطلحاتهم ومناهجهم في البحث والأداء .
ويعد الأسلوب من العناصر المهمة والواضحة الأثر في أي عمل أدبي ويعده البعض الممثل الوحيد لشخصية الكاتب والأديب على افتراض أن ( الأسلوب هو الرجل ) . فإن له جانبين لفظي : ويعني المذهب والاتجاه ، وسطر النخيل كما ورد في لسان العرب ومعنوي ويعني نقل الكلمات من معانيها الحسية إلى معانيها الأدبية والنفسية ويشير أحمد الشايب إلى ( إن الأسلوب معاني مرتبة قبل أن يكون ألفاظاً منسقة يتكون في العقل قبل أن ينطق به اللسان أو يجري به القلم )
وقد صارت كلمة الأسلوب في أيامنا مشتركاً بين البيئات المختلفة ، وقد استعملها العلماء في مناهج البحث العلمي واستعملها الأدباء في الفن الأدبي جدلاً أو قصصاً أو تقريراً وفي العنصر اللفظي سهولة وتعقيداً وفي إيراد الأفكار تنسيقاً و تبويباً أو اضطراباً وفي طريقة التخييل جمالاً ملائماً أو تشويهاً ونبواً . وقد يكون الأسلوب فناً من الكلام ويكون قصصاً أو حواراً ، تشبيهاً أو مجازاً أو كناية تقريراً أو حكماً أو أمثالاً وقد يشمل الفن الأدبي الذي يتخذه الأديب وسيلة للإقناع والتأثير متجاوزاً العنصر اللفظي ولكل أديب أسلوبه الخاص وقاموسه المستقل , فالمتنبي نلمح في معجمه الشعري ألفاظ الشجاعة والقوة والكرم والعلو والمعاناة الخاصة ونزار قباني نلمح في ألفاظه ما يختص بالمرأة وما يتعلق بها من شمائل وصفات نفسية وجسدية ، وأبو العلاء المعري نلمح في معجمه الشعري ما يرتبط بالتشاؤم ورفض العلاقات السائدة والتشكيك بجميع معطيات الحياة . ويرى عبد القاهر الجرجاني أن الأسلوب ضرب من النظم والطريقة في تأليف الكلمات ضمن سياق معين يؤدي غرضاً محدوداً . ويعده ابن خلدون المنوال الذي تنسج فيه التراكيب والقالب الذي يفرغ فيه المعنى وعند النقاد المعاصرين هو اللفظ الذي تتمثل فيه أفكار الأديب وانفعالاته ويرى بوفون الفرنسي أن ( الأسلوب هو الإنسان نفسه ) . وعرّفه بعضهم بأنه لباس الفكرة وثوبها الذي ترتديه ونحن إذ نبحث عن الأسلوب عند كاتب ما نجد طريقة التفكير ومستوى الانفعالات ونوع المزاج لأنه لكل أديب أسلوبه الخاص وتختلف الأساليب باختلاف الأغراض فالرثاء في شعرنا العربي اتجه اتجاهات شتى واتخذ أساليب متعددة ، فهو عند سعدى الشمردليه وابن الرومي فجائعي وعند الخنساء اتخذ صورة التفجع والديمومة وعند أبي تمام والبحتري والمتنبي رسم معالم البطولة في الفقيد بينما كان أسلوب الغزل يتجه في شعرنا نحو الحسية عند البعض والعذرية عند البعض الآخروالروحيةعندالصوفية. إن الأسلوب باعتباره العنصر الأهم في تمييز الأدب عن بقية فنون الكلمة وفي تحديده لقيمة الكلام يدعونا للوقوف في الصف الداعي إلى ضرورة دعوة الأدباء إلى التركيز على هذا العنصر لما له من الأثر في نفسية الآخرين . إن اختلاف أديب عن آخر محوره الأسلوب وكل مضمون لا يرتدي أسلوباً دقيقاً ليس له مكانة في عالم الأدب .
إن انصرافنا إلى الجانب الشكلي حين ذكرنا لكلمة أسلوب يدعونا إلى الحديث عن أركانة المتمثلة بالألفاظ والتراكيب
آ_ الألفاظ : هي المادة الخام المحددة للأدب والتي تسير به بالاتجاه للشكلية ويفترض بالألفاظ أن تتصف بما يلي :
1_ الملاءمة التامة للموضوع والمضمون .
2_ الإيحاء المعبر الذي يثير معاني كثيرة متشعبة في النص .
3_ الشاعرية الفياضة غير المنفّرة .
4_ الألفة والاقتراب من النفس .
5_ القوة والطرافة وعدم الامتهان بكثرة الاستعمال .
6_ السهولة والخفّة على السمع والجريان على اللسان بيسر .
7_ الرقة في المواطن التي يفترض فيها أن تكون رقيقة .
8_ وضوح الدلالة والتأثير البليغ النافذ بسرعة وسهولة للمتلقي .
9_ البعد عن الغرابة والحوشي .
10_ الجرس الموسيقي الخفيف الظل .
11_ الدقة في التعبير عن المعاني .
ب _ الجمل والتراكيب : وهي العمود الفقري للأسلوب الذي يحمل ثقل المعاني ويفترض فيها أن تكون :
1_ متوافقة مع معانيها .
2_ ملائمة للمقام الذي وضعت له .
3_ أن ترد طويلة في مجال التأمل .
4_ أو ترد قصيرة في المواقف الانفعالية .
5_ أن تكون واضحة جلية .
6_ أن تتلون بين الخبرية والإنشائية بحسب الموقف .
7_ أن تكون اسمية أو فعلية بحسب رؤية الأديب ما يعتمل في نفسه من انفعال .
ويؤثر بأسلوب الأديب عدة عوامل تجعل هذا الأسلوب يسير بالاتجاه الذي يتناسب معها على رأسها الموضوع أو الغرض الذي يحرك مشاعر الأديب ، فالغزل على سبيل المثال تناسبه ألفاظ الرقة في الوصف وألفاظ الحزن في العتاب والفخر تناسبه الجزالة وألفاظ البطولة ويؤثر في أسلوب الأديب ذوقه ومزاجه وطبيعته وثقافته وبيئته ، فالأديب الحضري يستعمل الألفاظ السهلة المأنوسة الناعمة المألوفة الرقيقة وقد كان للبيئة الصحراوية العربية أثر كبير في استعمال الشعراء العرب لألفاظ تدل على الخشونة بينما ساهمت الثقافة الفلسفية في التأثير على الشاعر أبي العلاء المعري في صبغ شعره بلون الفلسفة . إن حقيقة وصفنا للأسلوب بالجودة وحسن التناول يتطلب الوضوح لقصد الإفهام والقوة لقصد التأثير والجمال لقصد الإمتاع وبذلك يحقق الأسلوب الشروط اللازمة له وهذا ما يدعونا إلى الحديث عن ضرورة ارتكاز الأسلوب على البلاغة ، لأن الأساليب تتباين وتتنوع بتنوع الموضوعات والفنون الأدبية وأذواق الأدباء
ـ ب ـ
الأسلوب و أهميته في العمل الأدبي
سنقصر حديثنا هنا على أنواع الأسلوب من حيث الموضوع وسنغفل تقسيمات الأدباء الأخرى له من حيث الذوق ومن حيث الفنون الأدبية الأخرى
خصائص الأسلوب الأدبي :
1_ قد يتحدث عن موضوع غير قابل للحصر ومتشعب .
2_ لا يستخدم قياسات مادية وأرقاماً رياضية .
3_ يتناول الموضوع من زاوية الشعور والوجدان / حب ، كره / إعجاب .
4_ يعمل فيه الأديب خياله الخصب .
5_ يبعث في الموضوع الحياة بوساطة تشخيصية .
6_ يستخدم ألفاظاً معبرة قوية جزلة _ موحية دقيقة ... إلخ .
7_ يستخدم المحسنات البديعية / طباق _ جناس ـ تورية .. إلخ.
8_ يستخدم الإيجاز والإطناب والمساواة في الجمل .
9_ يستخدم العبارة المتماسكة الواضحة المعبرة الموحية .
10_ يستخدم العاطفة ويؤثر في نفوس الآخرين .
11_ يخوض في موضوعات تحتمل رأياً وشعوراً خاصاً .
12_ يكون الأسلوب الأدبي في الشعر والنثر .
13_ في الأسلوب الأدبي تكرار للفكرة في صور عدّة .
14_ يتفنن الكاتب فيه بأساليب القول .
15_ يعتمد الذوق والجمال الأدبي
خصائص الأسلوب العلمي :
1 _ يختار حقائق علمية لها حدود وحجوم .
2 _ ترتب الأفكار فيه ترتيباً معقولاً .
3 _ يستخدم الألفاظ الدقيقة الملائمة المناسبة .
4 _ يستخدم العبارات السهلة الكاشفة .
5 _ لا يستخدم زخارف لفظية .
6 _ لا يستخدم صوراً بيانية .
7 _ لا يستخدم الخيال .
8 _ لا يستخدم التفنن في تدبيج المقال .
9 _ لا يستخدم المجاز .
10_ يساوي بين اللفظ والمعنى .
11_ يعتمد الإيجاز وعدم الغموض والتعمية .
12_ لا يبتعد عن الغرض الأصلي .
13_ لا يستعمل الإطناب ( زيادة اللفظ على المعنى ) .
14_ يتوخى الحقيقة العلمية ويشرحها ليقررها في الأذهان .
15_ لا يستخدم العاطفة .
ـ 5 ـ
الموسيقى وضرورتها في الشعر
تعد الموسيقى من العناصر المهمة في الشعر العربي والأجنبي وتشكل بالإضافة إلى المجاز الركن الأساسي الثاني لما تقدمه من آفاق تبعث النشوة في نفوس القارئ .
يقول ابن طباطبا ( الشعر كلام منظوم بائن عن المنثور ) . ويقول قدامة بن جعفر ( الشعر كلام موزون مقفى ) ويعتبر الوزن في الشعر كالإيقاع في الموسيقى والروس يتصورون الشعر أنه نمط من التناغم المحكم بين الوزن والإيقاع العادي للكلام لأن الشعر في عرفهم ( عنف منظم ) ويرى مارون عبود في مجددون ومجترون : (أن الشعر موسيقى قبل كل شيء لها معنى إذا فقدته كانت ألحاناً لا تطرب ولا تهز نفس سامعه) وبفضّل هذا الناقد الشعر الموسيقي وإن خف معناه على الشعر الخالي من الموسيقى وأن رجحت كف معانيه ، ويرى مندور في كتابه النقد والنقاد المعاصرون ( الموسيقى أحدى مقومات الشعر الأساسية التي إذا فقدها فقد خاصية من خصائصه الكبرى التي تميزه عن النثر ) ويرى د.محمد النويهي في كتابه قضية الشعر الجديد أن ( الموسيقى الشعرية هي السمة الأولى التي تميز الشعر عن النثر) ويرى شوقي بغدادي (( أن الفوارق بين الشعر والنثر عديدة وليست الموسيقى إلا أحداها ) .
ويعتبر النقاد المعاصرون أن الموسيقى الشعرية تنطوي على عناصر :
1ـ الإيقاع : ومصدره تكرار التفعيلة في البيت الواحد حيث ينبعث عنها نغم متميز محدّ الزمن والبنية الصوتية ويأتي هذا الإيقاع من النطق المتكرر لهذا النغم وهو الضابط للوزن ووحدة الإيقاع الشعري هي التفعيلة عند العرب ، وهي البيت عند الإنكليز والمقطع الصوتي عند الفرنسيين . وهو ضرورة لا بد منها ولا يبلغ أقصى مداه دون وزن وقافية ويتفق رييتشاردز و عبود على أن ( الإيقاع نسيج من التوقعات والإشباعات والاختلافات والمفاجآت التي يحدثها تتابع المقاطع ) وهو (الحد الفاصل بين الشعر والنثر ) على حد قول د . أحمد بسام ساعي . فالعمل الأدبي في رأي رينيه ويليك و أوستن وارين سلسلة من الأصوات ينبعث عنها المعنى وهذه السلسلة أو الطبقة المتناسقة تقل أهميتها في بعض الأعمال وتزداد في أعمال أخرى وهي شرط مسبق وضروري للمعنى وتؤلف جزءاً هاماً من التأثير الجمالي في العديد من الأعمال الأدبية الفنية بما فيها من النثر المبهرج _ السجع . وليس الشعر إلا تنظيماً لنسق من الأصوات اللغوية . على أن مشكلة الإيقاع ليست مقتصرة على الأدب فهناك إيقاع للطبيعة ، وإيقاع للموسيقى وإيقاع للفنون التشكيلية ومن السهل أن نرى في النثر أنواعاً من الإيقاع / نظرية الأدب ص / يقول جبران خليل جبران في إحدى مقالاته
( أنا أبكي فتبتسم الطلول
واتضع فترتفع الأزهار ،
الغيمة والحقل عاشقان،
وأنا بينهما رسول مسعف ) .
ويرى محمد ياسر شرف في كتابته النثيرة والقصيدة المضادة (أن الإيقاع شرط لازم لإظهار التركيب الزمني الذي يبدعه الشاعر بألفاظ وتراكيب مميزة ... والاتصال بين الشعر والموسيقى في المجتمعات البدائية يكفي للتأكيد بأن للإيقاع أثراً ثلاثياً ممتعاً يتمثل في الجانب العقلي والجمالي والنفسي ...)
وقد تعرض / وودزورث / لهذه الآثار فرأى أن الأثر العقلي ناشئ عن التأكيد المستمر خلال مسير القصيدة ذلك أن هناك نظاماً ودقة وهدفاً في العمل الأدبي وأن الأثر الجمالي ينشأ من الإيقاع الذي يخلق جواً خاصاً من حالة التأمل الخيالي وهذه تضفي نوعاً من الوجود الممتلئ في حالة شبه واعية على الموضوع كله ، وإن الأثر النفسي يبدو إيقاعه في المشي والنوع والتنفس والنبض .
ويذهب / وودزورث / إلى أن إيقاع الضربة الشعرية يكون عادة أقل سرعة بقليل من إيقاع النبض و إن صح ذلك فالشعر هو لغة القلب )) .
وقد أدرك ذلك الخليل الفراهيدي من خلال مروره في سوق النحاسين حين قرن بين نظام الضرب المتناظر المتساوي بالمطارق على الأواني وبين تناسق التفعيلات وتناظرها في الأبيات الشعرية وحركة أقدامه ودقات قلبه فاستنبط هذا النظام الصوتي للشعر العربي .
2ـ الوزن : وهو مجموع تفعيلات البيت الواحد يقول ابن رشيق القيرواني : ( الوزن أعظم أركان الشعر وأولاها به خصوصية وهو مشتمل على القافية جالب لها ) ، ويرى النقد الحديث في الوزن وسيلة أداء مثلى للتعبير عن الانفعال الشعري تعجز عن لغة النثر . ولأن الشعر حقيقة إثارة وجدانية وتجربة شعورية يعبر عنها في صورة موحية فلا بد له من عنصر إضافي يؤدي مهمته بالإيحاء والتخيل وهذا العنصر هو الوزن وهو صميمي يمكنّ الشاعر من رسم انفعاله للآخرين ويفرض جواً نفسياً خاصاً على مستمعيه .
إن اللغة العارية عن الوزن قاصرة عن تصوير ما يعتمل في نفس الشاعر يقول ابن عبد ربه في العقد الفريد : ( زعمت الفلاسفة أن النغم فضل بقي من المنطق لم يقدر اللسان على استخراجه فاستخرجته الطبيعة بالألحان على الترجيع لا على التقطيع فلما ظهر عشقته النفس ) . ويقول أفلاطون : ( لا ينبغي أن نمنع النفس عن معاشقة بعضها بعضاً ، ألا ترى أهل الصناعات إذا خافوا الفتور ترنمو بالألحان) .
إن الوزن جزء من المحتوى الشعوري والفكري الذي ينطوي عليه الشعر وثمة رابطة تربط بين الوزن والإيقاع وبين قوة انفعال الشاعر وعمق إحساسه . ويرى النقاد أن هناك ائتلافا بين المعنى والوزن والقافية . ذلك أن بعض المعاني يحتاج إلى طول معالجة وعرض وشرح بعض الجزئيات للفكرة وهذا يستدعي انسياباً في الوزن وامتداداً في التفعيلات ، بينما بعض المعاني يتطلب خفة ورشاقة في الوزن وغنائية في النغم .
يقول سليمان البستاني في معرض حديثه عن أوزان الشعر : ( الطويل للفخر والحماسة لأنه يستوعب معاني كبيرة ومرتع للتشابه والاستعارات وسرد الحوادث وتدوين الأخبار ووصف الأحوال والبسيط يقرب من الطويل إلا إنه لا يلين لينه للتصرف في التراكيب والألفاظ ولا يتسع اتساعه للمعاني ، والكامل يصلح لكل نوع من الشعر وهو أجود في الخبر منه في الإنشاء والوافر ألين البحور يشتد إذا شددته ويرق إذا رققته ) .
إن كينونة الوزن كظاهرة تخلق الكلام منغما هي التي تميز شاعراً عن آخر بل هي التي تجعل هذا النوع من الكلام شعراً لأن نغمية الوزن تعطي اللغة حركة فاعلة في نفوس الآخرين ومتى صار الشعر صف كلام يكون النثر المرسل خيراً منه .
صحيح أن توافر الوزن في القصيدة ، شرط رئيس إلا أنها بالوزن وحده لا تسمى شعراً فلا بد من توافر الموهبة والسليقة و النضج في استفراغ مواقف الشاعر من الحياة .
3 ـ القافية ، وهي زاوية القصيدة وسرّ قوة البيت الشعري يحتاج لها المعنى كي يتم وذات تأثير كبير وعجيب في الموسيقى بالإضافة إلى جمالها الفني لأنها آخر ما يتبقى في ذهن السامع من البيت وقد أولاها العرب اهتماماً كبيراً بما أدركوه من تأثيرها القوي في العملية الشعرية .
يقول الحطيئة ( نقحوا القوافي فإنها حوافر خيل الشعر ) ويعتبر ائتلاف المعنى والقافية ضرورة من ضرورات الشعر لأن للقافية صلة بعاطفة الشاعر ومعانيه وقد تسهل القافية للشاعر قيادة النظم فتفتح مغالق القول وقد تصرف الشاعر عن غايته وتذهب به مذهباً لم يقصده والمطبوعون من الشعراء أقدر من غيرهم على اختيار القوافي والأوزان الملائمة للمعاني حيث تظهر قدرتهم على التعبير ويستطيعون رفد أشعارهم بعناصر جمالية على أنه ينبغي الالتفات إلى أن القافية ظاهرة بالغة التعقيد وظيفتها التطريب خاصة إذ باستطاعة المرء أن يميز الدرجة التي تشتبك بها القافية مع مجمل سياق القافية وإلى أي حد تبدو كلمات القوافي قد جاءت لملء الفراغ .
إن جدلية الوزن والقافية والمعنى والعاطفة تظهر لنا مدى أهمية القافية في البيت الشعري لأنها تقدم للسامع النشوة العميقة التي تحصلت للشاعر عند كتابته القصيدة وأكثر ما قرن النقاد بين الوزن والقافية وجعل الوزن منطوياً عليها كما يقول ابن رشيق .
4ـ النغم الداخلي للشعر : ويبدو في اختيار الشاعر لألفاظه التي تتجاور حروفها متعاونة منسجمة غير متباعدة المخارج لا يتعثر اللسان بنطقها (غير متشابكة الحروف ) من خلال تراكيب منسجمة موحية خفيفة الظل كقول أحدهم :
سود ذوائبها بيض ترائبها محض ضرائبها صيغت من الكرم
وقول الآخر :
عذيري فيك من لاح إذا ما شكوت الحب حرقني ملاما
فلا وأبيك ما ضيعت عهداً ولا فارقت في حبيك ذاما
ومما فسدت موسيقاه وأنغامه الداخلية قول أحدهم :
وقبر حرب بمكاني قفر وليس قرب قبر حرب قبر
وقول الملك الضليل :
( غدائره مستشرزات إلى العلى )
إن الشعر باعتباره تنظيم لنسق من الأصوات اللغوية يجعلنا نتبين النظرة الداعية إلى ضرورة وجود الموسيقى في الشعر على أنها عنصر صميمي من ركائز القصيدة لا عنصر ملحق وإضافي لأن الحد الفاصل بين الشعر والنثر هو الموسيقى وليست المحاولة الرومانتية والرمزية لمطابقة الشعر على الأغنية والموسيقى إلا لأن الموسيقى قد تواكبت في الظهور مع الشعر الغنائي وتعايشت معه كفن واحد عند الشعوب البدائية .
الباب الرابع
نظرة المعاصرين للأدب
الباب الرابع
الفصل الأول : الأدب ومذهب الفن للحياة
الباب الرابع
الفصل الثاني : الأدب ومذهب الفن للفن
الباب الرابع
الفصل الثالث : الأدب والاتجاه الاشتراكي
الباب الرابع
الفصل الرابع : الأدب والاتجاه الوجودي
الباب الرابع
الفصل الخامس : الأدب والاتجاه العبثي
الباب الرابع
الفصل السادس : الأدب والاتجاه الحداثي
الباب الرابع
الفصل السابع : الأدب والاتجاه الإسلامي
الباب الرابع
الفصل الثامن : الأدب والاتجاه القومي
الباب الرابع
الفصل الأول
الأدب ومذهب الفن للحياة
الأدب أحد الفنون التي لجأ إليها الإنسان للتعبير عما يختلج في نفسه من هموم ومشاعر وقضايا عايشها الإنسان على مر العصور
ونظراً لاختلاف وجهات نظر الناس تجاه الفنون والآداب وتغير هذه النظرات باختلاف العصور والأفكار والفلسفات فقد نشأ مذهب الفن للحياة كأحد وجهات النظر التي طرحت بسبب تغير فلسفات الحياة ونظرة الناس الفنية للحياة .
ويتميز هذا المذهب بسمات هامة هي
1 ـ تقديم المضمون على الصورة الخارجية .
2 ـ تسخير الأدب والفن لصالح قطاعات اجتماعية كـ(الحظ على الفضيلة) و(تعليم العمال مبادئ الدين في كفاحهم لاستخلاص حقوقهم .
3 ـ يعنى الأدب في هذا المذهب بتعاقده مع الغير .
4 ـ ولاء الأدب لفكرة واحدة يمكن للأديب من خلالها أن يقترب من الرؤية الشاملة .
5ـ ارتباط الأدب بين ذات الأديب ولا ذاته إذ يجب على هذا الأدب أن يجعل الأخلاق غايته لأن الأخلاق قاعدة الحياة وكل ما لا يخضع لها مصيره الفناء .
6 ـ الأدب رسالة اجتماعية عليها أن تسكن جراح المحزونين و آهاتهم .
7 ـ الأدب رسالة إنسانية يحملها الأديب و هو مسؤول عن أدائها .
8 ـ غاية الأدب والفن تحقيق الأخوة الإنسانية ونشر الديانة العالمية .
9 ـ الجمع بين الخير والجمال غاية الأدب والفن .
10ـ السمو بالنفس وتهذيب الأخلاق.
الباب الرابع
الفصل الثاني
الأدب ومذهب الفن للفن
وباعتبار أن الإنسان عايش فلسفات مختلفة في هذه الحياة فقد تنوعت أفكارة تجاه هذه الحياة ويعد مذهب الفن للفن مذهباً فنياً عكس صورة الفلسفات المتنوعة التي ترى أن الأديب هو صانع الكلمة الجميلة لأن من واجب الفلسفة و الثقافة التأملية نحو روح الإنسان التي يفترض أصلاً أن تكون هذه التأملية في الكون موصولة به من خلال التفكر والتدبر في آلاء الله الإنسانية والكونية ، وهذا المذهب الفني يتسم بسمات بارزة أهمها :
1 ـ هذا المذهب خال من الهدف لأنه جاء احتجاجا على الأدب الهادف
2 ـ هذا المذهب يجل الجمال حتى العظام لأنه ليس هناك أدب أخلاقي وأدب خال من للأخلاق إنما هناك أدب رائع السبك أو رديء السبك .
3-يطالب هذا المذهب الأديب الإحساس بالجمال
4- أن يبتعد الأديب عن القضايا الاجتماعية و الخلقية إلا إذا جاءت عرضاً
5- هذا المذهب هو تكافؤ بين المشاعر والانفعالات وبين الصور المتحركة في أعماق الأديب
6- الأديب إنسان يحب ويعبر عن حبه فهو ليس فيلسوفاً ولا واعظاً ولا أخلاقياً
7- الأديب فنان خلاق مطالب أن يوازي بين ما يشعر به وما ينتجه
8- الأدب في هذه النظرية متعة فقط
9- لا شأن للأدب والفن بالمنفعة
10- الأدب عند هذا المذهب طائر حر طليق لا عصفور مقيد عليه أن يحلق بأجنحته في عالم حر
11-الأديب في هذا المذهب إذا حقق حريته استطاع دعم الأخلاق وأن يعود بالخير على المجتمع
12- أفضلية الفن والأدب الجميل في أنه يستطيع أن يخلع الجمال على القبيح
13- المتعة و الجمال الفني في الأدب أساس أي عمل أدبي ومن المتعة و الجمال تستشف الأخلاقية والقبيحية وقد تفرعت السريالية عن هذا المذهب و جعلت العنصر الجوهري للشعر يكمن في الصورة المجردة التي هي من نتاج الخيال وعلى الشاعر في هذا الخيال أن يثق وأن يستسلم للإلهام بحيث يستقبل الصورة النابعة من وجدانه أكثر مما يحاول خلقها بفكرة المحض عن طريق الشعور .
ومن عيوب هذا المذهب
1 ـ اعتبارهم الأدب صورة تفيد المتعة واللذة
2 ـ أن عالم من الصورة المجردة الخالصة لا تستطيع أن تؤدي دوراً في عالم الفكر
3 ـ أن خيال الشاعر المعتمد على (الحلم و الطفولة) لا يؤدي دوراً في عالم العقل المتفتح والفكر المحض
4 ـ لا يستطيع الحلم أن يكون أدباً أو فناً
5 ـ نظرة هذا المذهب جردت الفن من مضمونه
6 ـ نظرة هذا المذهب فصلت بين الشكل والمضمون
7 ـ نظرة هذا المذهب عزلت مادة الفن عن صورته
8 ـ نظرة هذا المذهب فرقت بين الأدب والمجتمع والأخلاق
9 ـ يتشكل الخلق عند أصحاب هذا المذهب من غرق الأديب في الصورة التي تنمو وتترعرع على حساب المحتوى .
الباب الرابع
الفصل الثالث
الأدب والاتجاه الاشتراكي
الواقعية الاشتراكية مدرسة ظهرت إثر الفلسفة الماركسية التي تبلورت سنة ثمان وأربعين وثمان مئة وألف (1848) .
وقد كانت هذه المدرسة الأدبية حصيلة نظرة الماركسية الى الفن والأدب وهذه المدرسة تؤمن بالأدب والفنون التي تخدم الطبقات العاملة وتمجدها وتدعو إلى تركيز الأدب في أناشيد العرق والكدح وفي تمجيد الجماهير الكادحة والتبشير بأمجادها وجهادها ومستقبلها وفي الدعوة لقضاء حاجاتها ..
وهي لذلك تتهم كل أدب وفن رأس مالي متميع لا يخصص لهذه الموضوعات بإنه أدب يعيش بمعزل عن الجماهير الكادحة صاحب المصلحة العامة في قيادة الثورة
ومع ظهور الاشتراكية في العالم لم يعد الأدباء ينظرون إلى النتاج الأدبي كما كانوا ينظرون إليه من أنه وحي والهام مصدرهما عالم مثالي ..
إن البنى الفوقية الثقافة والفكر لا تنفصل عن البنى التحتية الاقتصاد وعلى هذا فإن كل ما ينبثق عن الخال هو انعكاس لعالم الحقيقة الوضعي لأن الوشط المادي هو الذي يقرر الأسلوب الفكري.
فالواقعية الاشتراكية تعتبرالأدب ابن الحياة يستمد جذوره وعوامل إبداعه من المرحلة الاجتماعية التي يعيش فيها0
ـ سمات الواقعية الاشتراكية :
تقول هذه المدرسة بأن الزمن كان فيه الفن سراً من أسرار الآلهة والذي كان يلقي شعلته في صدر المختارين من الناس وهذا الزمن قد ولى ...
فقد مضى الزمن الذي كانت فيه الشياطين تهمس للشاعر بما ينبغي له ما يقول أولاً يقول وتلقفه الشعر جيداًَ كان أم رديئاً.
ويعتبر كتاب المدرسة أن قد الإنسان ومصيره في الأرض هما من صنع يديه وحكمته لا من صنع الفكر الغيبي .....
وهكذا راحت أشباح الغيب وهدوم السماء ترحل عن وجدان الشعراء ليكون الوجدان الواضح فيه لقضاية الإنسان في مجتمعه وعالمه .
وراحت عملية الابداع تتحول من كونها هبة مجانية معطاة الى أن تصبح تقنية أسلوبية واغية وصناعة الجمال في التعبير .
وما دام هناك أديب وشاعر وفنان فيجب على هؤلاء الالتزام بمشاركتهم بفكرهم وفنهم وشعورهم لقضايا قوة الوطنية والإنسانية وما تعاني طبقات مجتمعه من ألم وما تبني من أمال ....
وبهذا يكون شأن الشاعر عند الواقعيين الاشتراكيين شأن الناثر لأن الشعر هو الحقيقة في صورة من صور التأمل والشاعر يفكر وان يكن تفكيره في شكل صورة وهو لا يرهن على الحقيقة ولكنه يجلوها وبهذا يظهر للعيان ما لا يراه سواه .
والشاعر لا يصف الناس على ما يجب أن يكونوا عليه فحسب بل يصف واقعه أيضاً ومن خلال الواقع يستشرف المستقبل .
فالخيال لا يحمل في الشعر إذا كان كذباً او متجاوزاً المعقولية أما من ناحية الشكل والمضمون فيجب أن يكونا منسجمين بالوحدة الفكرية ليدلا على الجمال ذلك الجمال الذي ينمي لدى الناس متعة الفهم والأدراك ويدربهم على الاغتباط بتغيير الواقع..
ولكن بوجه عام تميل أساليب الواقعين الاشتراكيين الى الأبتعاد عن الجمال الشكلي منها كنا نرى كتاب الواقعية الاشتراكية يعيبون على الشعر المحايد الذي يستهتر بما يدور من معاني الصراع في سبيل اقرار الحرية ولذلك لأن الشعر الحق من وجهة نظر الواقعين الاشتراكيين هو الذي يرتبط بالكفاح لتحرير الشعوب فليس الشعر مقصوراً على حدود الذا الجمالية ولكنه يجب أن يخدم قضايا الإنسان...
وعلى هذا فان مضمون الشعر والفن هو المصلحة العامة وهي نفعية ولكنها نفعية أحلت القيم الاجتماعية محل القيم الفردية المضة..
ولن ثمة مفاهيم واضحة للواقعية الاشتراكية وهي :
آ ـ تعتمد الواقعية الاشتراكية على نظرة كاملة للحياة والأنسان نظره موضوعية لا تعتمد على الغيب ...من هنا نجد الايمان القوى بمقدره الانسان على التطور والأرتقاء والابداع.
2-وهي ترى أن الانسان كريم بمنزعه وله القدرة على البلوغ وليس ثمة قوانين في الطبعة تمنعه...إن النسان سيد نفسه في نطاق العلائق الاجتماعية .
ويضرب أصحاب النظرية مثالاً لأديب واقعي أشترلكي يؤمن بأن مشاكل الانسان ليست الغازا ولا مفروضة عليه من قوة خارقة وأن الانسان كريم العنصر نبيل في الطبيعة فان عمله سوف يأتي على هذا الشكل وينطق على هذه النمطية من التعبير.
فحين تتعرض شخصية من شخصياته القصصية إلى مشكلة أو تتعقد حياتها بعض التعقيد فلا يدغ شخصيته هذه تتنتحر أو تستسلم في يأس أو يجعل المصادفة تحل مشكلتها كما يفعل الأدب غير الواقعي الاشتراكي.
3- أدب الواقعية الاشتراكية أدب متفائل إلى أبعد الحدود فهو يرى من العكسي بشائر الحياة.إن الواقعية الاشتراكية تنطلق من نقطة ايمانها بالإنسان ككائن له حريته وفيه خير من تلك النقطة ينبعث التفاؤل.
4- تؤمن الواقعية الاشتراكية بالصلة الوثيقة بين الأدب والوطن الذي اتجه فهي ترتبط بالأرض ارتباطاً وثيقاً وتعالج قضايا الواقع المعاش.
وليس ثم تعارض وتناقض بين الواقع المحلي والانساني ان الأدب الأنساني هو أصدق الآداب وأكثرها واقعية وما دام الأديب يخلص لواقعه المحلي ويفتش في ثناياه عن شخصياته ووقائعه فان أدبه حافل بالروح الانسانية الصادقة بعيد عن التجريد والخيال ...
إن الصفة الانسانية هي بنت الواقع كلما كان الأدب أكثر واقعية كان أكثر أنسانية ويجدر التنمية هنا أن كتاب الاقعية الاشتراكية ركزوا على الصفة الأنسانية في الأدب ابتداْ من مكسيم غوركي إلى يورى بورييف.
ونرى الناقد كريجا توفسيكي يلخص أشكال هذه النزعة الانسانية في الأدب السوفياتي فيقول : لقد أصبح الأدب أكثر انسانية وأقل تصويرية وأوفر فلسفة وأغنا بالمشكلات...
وان نموذج المتشكك والقدمي والطفيلي والبيرقراطي والسوقي والفودي والانتهازي هي نماذج مناهضة للأنسانية ولكنها موجحودة تصويرها تحت ضوء واقعي هو عمل انساني كبير يقوم به الكاتب.
5-تنادي الواقعية الشتراكية بوحدة المحتوى الشكل وحدة عضوية..أكثر الاعمال الأدبية أصاله ونجاحا هي التي حافظت على الوحد العضوية .
لهذا نرى أن الواقعية الاشتراكية تنما على الشكليين فارغة من أي منفعة.
6- تؤمن الواقعية الاشتراكية بالفكرة وتؤمن بأن الآداب لابد أن يكون معبراً عن فكرة ما... بمعنى أنه لا بد أن يقف موقفا من الحياة . وهذا الوقوف لا يظهر في العمل الفني والأدبي الناجح كعنصر دخيل بل يندمج اندماجاً كلياً في صميم العمل الأدبي.
7- ان الأدب بصورة عامة عند الواقعيين الاشتراكيين نوع من العمل لا يمكن أن تنقطع صلته بالتجارب والأعمال الأخرى التي يؤديها الأديب في حياته فهو مرتبط بها أيا أررتباط وهو يعكس نشاطاته الاجتماعية وموضعه من المعركة.
وعلى الرغم من أن مصطلح الواقعية الاشتراكية لقي قولاً واسعا في الأوساط الأدبية إلا أن دلالته ظلت مضظربة ..فهو يطلق على الرائع الجيد من الأدب ثم يطلق في الوقت نفسه على المؤلفات الدعاوية الفارغة المؤلفة في عهد ستالين.
صحيح أن ميدان الواقعية الاشتراكية لا يقتصر على الواقع الموضوعي والعالم الخارج وعلى اقتطاع بعض سمات هذا الواقع وتقديمها على أن المعبرة عنه وهذا ما يسميه جورج لوكاتش بالواقعية العامية ـ بل يشمل كذلك ناتية الفرد الإنساني . ولكن رغم ذلك يظل مصطلح الواقعية الاشتراكية غير محدد تماماً .ثم أن النظره الفنية للواقعية الاشتراكية لم تتحق الشيئ الكثير عملياً ...وما زال الأديب الاشتراكي موزعاً بين التزامه العام اتجاه المبادئ الاشتراكية بين الالتزام المباشر الذي تلح عليه معظم الأنظمة الرسمية والمؤسسات الحزبية .
ونستطيع أن نقول أن الأدب الاشتراكي موزع بين الالتزاميين اثنين ..التزامه بمؤسسته الحزبية ولتزامه بالمبادئ الاشتراكية العامة
ولكننا في الوقت نفسه نستطيع أن نذهب مذهب أرنست فيشير في كتابه(ضروة الفن) من أن الالتزام في الواقعية الاشتراكية ليس إلا دليل عمل أو أسلوب يفسح المجال للفنان بالرؤية العميقة المنسجمة مع الرؤية الفردية .
ولكن هذه الحرية (حرية الأدب الاشتراكي) ضمن حدود الالتزام الماركسي اللينيني لم يكن لها صدى عملي ... فقد شدد المسؤولون على محاسبة الفنانين والأدباء لا سيما في الفترة الستالينية.
ونستطيع أن نقول أيضاً أنع نتيجة لتشديد الواقعيين الاشتراكيين على مسألة المحتى والمضمون والأبتعاد عن الجمال الأسلوبي الشكلي دخل العديد من الأعمال المسرفة في السطحية والبساطة مجال الأدب حتى أنه يصعب علينا أن نعتبرها انتاجاً فنين اصيلاً. ويثير النقاد مسألة وأخرى في طريق الواقعية الاشتراكية وهي أن هذه المدرسة هي حصيلة النظرة الماركسية السياسية والاجتماعية. ..ويخلصون من ذلك إلى أن ربط الأدب في السياسة والحركة الاجتماعية يعني ربطه بقيم غير ثابتة وحرمانه من فرصة الخلود ..ولكننا يمكن أن نعزو فساد هذه النظرة لسطحية معرفتها وأدراكها لأن الحركة الأدبية عبر مسيرتها المجتمعية.
أن الواقعية الاشتراكية أعطت لربط الأدب بالحركة المجتمعية بعداً جديداً له منطقه0 أن الأدب ظاهرة اجتماعية و انتاج الأدب عملية اجتماعية ...
والاديب لايكتب الا ليوصل مايكتبه الى الناس ... فاذا كانت العملية الأدبية محصورة في نفس الأديب فلماذا يكتب ولماذا ينشر ما كتبه 0
ان الاديب عندما يكتب يعبر عن واقع اجتماعي لطبقه في زمن معين وهوكذلك يتجه الى مخاطبه قطاع اجتماعي معين 0
ويبدو الواقعية الاشتراكية في فترتها الاولى وقعت في مشكلة التوافق بين وظيفة الادب الهادف وبين مقتضيات الفن والجمال أو كل ما يدخل في باب صورة الأدب وشكله 0
واذا كان المفكر الاشتراكي الانكليزي جون ستراتشي في بحثه عن " الأدب والمادية الجدلية " قد حاول أن يجد حلاَََ لهذه المعضلة فإنه لم يوفق و انتهى الى التفرقة بين نوعين من الأدب : أحدهما هو الأدب الجمالي أو الفني 0
ولكننا من جهة أخرى نرى أن الناقد الاشتراكي جورج لوكاتش في كتابه " دراسات قي الواقعية وفق بالجمع بين وظيفتين الأدب وبين جماليته .. من هنا رأيتاه يصر على دينامية الواقعية الأشتراكية وحيويتها .
والحق يقال : ان نظرية جورج لوكاتش في الجمال ما تزال حتى الآن أحدث تعبير عن الماركسية في هذا المجال .
2
الباب الرابع
الفصل الرابع
الأدب والاتجاه الوجودي
الوجودبة مدرسة تمثل ظاهرة فكرية فلسفية انبعثت في أواخر القرن التاسع عشر .. وهي تمثل مرحلة الانحسار البورجوازي في أوربا .
وهذه الفلسفة كانت من بين عدة فلسفات منها الوضعية و الذرائعية "البراغماتية "والماركسية والخيبة .
وهذه الفلسفة ليست حصيلة الانحسار البورجوازية المتراجع فحسب بل هي تكرس له وقد شككت هذه الفلسفة بكل ما هو تراث سالف للانسانية لا سيما التراث الروحي من تلك الحضارة الانسانية.
وقد ناقضت الفلسفة الوجودية كل الفلسفات السلفية التي كانت تضع المثالية أمام أعينها وقد وضعت مبدأ انطلقت منه في تفسير الظواهر وهو "انا موجود فأنا أفكر " تدعي هذه الفلسفة أنها قامت لتنشل الانسان من ضلالات الماضي ولتجعله يشكك بالاله... ليكون سيد نفسه في هذا الوجود .
ان الحرية التي تطلقها الوجودية للانسان انما هي حريته الآن وفي هذا الواقع دون الخضوع الى توارث هذه الحرية .
والوجودية عندما تطرح الحرية ترد فيها بنتيجة خطيرة للإنسان وهي مسؤوليته تجاه أعماله 00 فاذا كنت حرا فأنت مسؤول بالضرورة 0
ـ سمات الوجودية ومبادؤها :
هذا الطرح الفلسفي والفكري للوجودية أثر على الأدب والفن وجعل الأديب والفنان أمام ثالوث مفروض وهو "الحرية والمسؤولية والالتزام " 0
ونتيجة لذلك فقد جعلت الوجودية التعبير عن القضايا الاجتماعية والاخلاقية في الدرجة الأولى 00 ويأتي في المرتبة الثانية الناحية الجمالية والفنية 0
من هنا كان للأدب في نظر الوجوديين بعدان : بعد انساني هدفي وهو الخلفية الفكرية لدلالات الأدب والفن 000 وبعد جمالي مرتبط بالظاهرة الفنية والأسلوب وتقنية الأداء0
وتمني الوجودية من هذه الحرية أن الأديب أي أديب هو إنسان ذو موقف فكري من الوجود أي ذو معاناة 000 وهو فنان في قدرته التعبيرية عن ذلك الموقف أي ذو طاقة خلاقة على سكب معاناته الانسانية في أشكال فنية من جمالية الأداء والتعبير0
من هنا فالأديب أديب مسؤول في عمله الابداعي عن هوية معاناته وعن بعدها الانساني والمجتمعي والكوني 000 أي عن شمولية لتلك المعاناة وعمقها الانساني والتاريخي كما هو مسؤول تماما وبالقدر نفسه عن جماليّة أسلوبه وتعبيره 000
وعلى هذا فأن الوجودية ترفض الاتجاه الأدبي الذي لم تتخط المعاناة فيه حدود الاهتمامات الفردية الضيقة 0 لأنها ترى أن الأدب يتصف برؤيا شمولية للإنسان والعالم وذلك من أجل تفسير الموجود وأعادة تشكيله انطلاقا من امكانات التقدم الانساني في التاريخ وحركته 0
ولكن ماهي نظرة الوجوديين الى الأدب في كونه أدبا ملتزما بعد أن تجاوز المرحلتين السابقتين الحرية والمسؤولية ؟؟ 00
أن أبا الوجودية "جان بول سارتر " وضح فكرة الالتزام في الأدب من خلال دفاعه عن حرية الانسان وكرامته 0
ولكن هذا كلفة لأن يفصل بين ما هو نثري وبين ما هو شعري 0000 أن سارتر يقرر أن الأدب لابد أن يكون ملتزما ولكنه يرى أن الالتزام في الأدب لا يعني أن نفرض الالتزام على سائر الفنون 000 وذلك لأن الفنون ليست على سوية واحدة 00 فهي مختلفة في الصورة والمادة 0
ويميز سارتر بين النثر والشعر فيقول :أن مجال الدلالات هو النثر أما الشعرفهو كالرسم والنحت والموسيقى لا شأن له بالدلالات من هنا فأن سارتر لم يطالب الشاعر بأن يكون ملتزما0
أن الكلمات هي التي تستعمل الشعر 000 أما النثر فهو الذي يستعمل الكلمات على حد قول سارتر0
أن الإنسان المتكلم الناثر يمضي الى ما وراء الكلملت والالفاظ 00 أما الشاعر فأنه يقف أمامها 000
ولكن سارتر لا يعدم الدلالة في اللفظ الشعري بل أنها في نظرة لم تمد الهدف البعيد المنشود الذي يرمي الى التعالي الانساني 000
أن النثر في نظر سارتر نفعي في جوهرة 000 أما الشعر فهو منزه عن المنفعة أن الكاتب يهجرالحلم المستحيلي 00 ليصور المجتمع والحياة الانسانية تصويرا حياديا
أن الإنسان هو الكائن الذي لايستطيع أي كائن أن يحتفظ أزاءه بالحياة وهو أيضا الكائن الذي لاينظر الى طرف إلا يبدله 0
وهذا الكاتب يعلم أن الألفاظ "مسدسات مشحونة بالرصاص " فاذا تكلم فقد أطلق هذا الرصاص 00 ولقد كان في وسعه أن يصمت 00 وأماو أنه قد اختارأن يطلق الرصاص فيجب أن يطلقه رجل 00 أن يصوبه الى أهداف لا أن يطلقه كما يطلق من قبل طفل على غير هدى مغمضا عينيه مكنفيا من الاطلاق بلذة سماع الانفجار أن الكاتب قد اختار أن يكشف العالم والإنسان خاصة لسائر الناس حتى يتحمل هؤلاء الناس أمام الشيء الذي عراه الكاتب على هذا النحو مسؤوليتهم كاملة 0 وظيفة الكاتب أن يكشف الكون للناس حتى لايستطيع أحد أن يتتصل من مسؤوليته فالكاتب لايصور الضعيف والمنحل لذاتهما كما يفعل أميل زولا الذي يرى أن الشرير بالوراثة على حد تعبير المدرسة بل أن الكاتب الوجودي عندما يصف ضعيفا يقول أن الضعيف مسؤول عن ضعفه فالانسان الفاسد ليس فاسدا الا لأنه كون نفسه على هذه الحالة من الفساد بتصرفاته وأعماله 0000
الواقع أننا نستطيع أن نوجه للمدرسة الوجودية سهمين نقديين لا واحد 0 فمن وجهة نظر نقدية واقعية اشتراكية نقول أن تزيف الوعي الطبقي من خلال تصويرها لفكرة انسداد أفق أمام هذه الطبقات انسداد أفق الألم والندم والحسرة واليأس 0 فرواية "سيزيف " لألبير كامو تمثل ما تحدثنا عنه من انغلاق الآفاق المستقبلية أمام الإنسان 000 وبهذا تعرض هذا الإنسان للضياع والتشتت 000
ثم ان الوجودية من وجهه النظر الواقعية الاشتراكية تفضل بين االشعر وبين النثر فالوجود لم يقولوا بالتزام الشاعر بل الزموا به الناثر لاأنهما مختلفان في طبيعة التعبير عن تجاربهما الأديب كما تقول المدرسة. وهنال نقاط لا مجال لحصرها انتقدت فيها الواقعية الاشتراكية جان بول مارتر ولا يخفى عنا أن سارتر بالذات كان قطبا نت أقطاب الشيوعية ثم مالبث أن تحول هذا القطب الى انسان معاد للشيوعية وأفكارها. ان الوجود تخلف أكبر القلق والهجران واليأس في نفس الوجودى ما دام هذا الوجودى غير مرتبط أو مستند الى قيم أخلاقية واجتماعية وروحية.
فالتخلص من القيم المتوارثة تجعل الانسان الوجودى يعيش في غربة كونية من الهجران والشعور بالوحدة واليأس.
ثم ان مطالبه الكاتب أن يعبر عن رأيه في مشكلات الانسانية وأن يدخل معركة الحزية لا تستخرج حتما من ظرفه ككاتب ولا من رسالته ككاتب كما يذهب سازتر وانما هي تطرح على مستوى آخر هو مستوى واجبة كانسان مزود بأداه فذة لا يملكها ساثر الناس وهي القلم ومزود بنقود فكرى يجعل صوته مسموعاً ويجعل لدعوته قوة فيساهم في نصرة الحرية الانسانية والكرامة الانسانية نصرة ذات نجع لا يملك أن يحققه غيره من الأفراد الماديين...
فشتان بين أن تقول هذا وبين أن نذهب الى أن الكاتب انما خلق لينخرط في مشكلات عصره فأذا أحجم عن هذا كان يتخلى عن الرسالة التي خلق لها انما رسالة الفنان أن يرى وأن يعبر ومن الممكن أن يكون الجانب الذي يراه ويغير عنه هو الجانب الذي من شأن التعبير عنه أن يكون اهابة للناس أن يثوروا وأن يعملوا على تحقيق عالم أفضل ولكن من الممكن أيضاً أن يكون الجانب الذي يراه ويعبر عنه غير هذا.
ونحن نعتقد أنه في هذه الحالة وحتى حين يتناول اهتمامه أمورا لا تمت الى مشكلة الحرية بأنه صلة مباشرة انما يساعد بمجرد التعبير عن رؤية صادقة أن يفتح الأعين لا على رؤية ما رأه فحسب بل على الرؤية جملة أن يكسب قراءه مالكة الرؤية على وجه العموم لاوأن يمكنهم من الاتصال بجوانب من الواقع لم يقف هو عليها فهو بهذا يخدم مشكلة الحرية نفسها رغم أنه لم يلامسها من قريب أو بعيد يخدمها خدمة غير مباشرة فأنما المهم اذن أن يكون صادقا في الرؤية صادقاً في التعبير أيا كان الموضوع الذي تلبث عليع بصره وتناوله بالتعبير أثره.
الباب الرابع
الفصل الخامس
الأدب والاتجاه الحداثي
عايش الأدب من خلال الحربين العالميين الأولى والثانية شؤالاً ملحاً يتمحور هو كيف ننشئ مجتمعاًحديثاً في عالم حديث وأخذ الأدباء يبحثون عن جواب هذا السؤال من خلال فلسفات وأفكار تلبي حاجتهم وتحت ضغظ أزمة حضارة مادية يبحث الإنسان من خلالها عن وجوده الإنساني والمادي.
وفي خضم البحث عن جواب ذلك السؤال كانت الحداثة فكرة ترد في بعض الأدباء ممن يسعون إلى المخرج بين الثقافات فتحولت الحداثة من مفهوم عام إلى مذهب أدبي فكري ينتقد نقائض الحضارة ويؤمن من تفوق العقل والقدرة على التغلب على جميع المشكلات من خلال محاربة الجهل والتخلف والجهود في النظم والمؤسسات وتحطيم القيود اللغوية والفنية في الأدب وممارسة أقصى ما نستطيع في التشكيل للتعبيرعن شهرة الإبداع وغرام الاكتشاف في كل تجربة جديدة من خلال ثقافة معلبة عن طريق وسائل الإعلام ونجاح تجاري لبعض أنواع الكتابة المسماة (حداثية ) لأنها تنتهك الحرمات (الدين واللعنة والعادات) وتنحدر بالأدب للسوقية وتعتمد الغموض والتمرد على كل شيئ و تقديس الحرية الفردية والدخول إلى عالم يريد أن يصنعه أو يغيره.
وقد تفق الكثير من الأدباء على نجاح الحداثة بعد أن اكتمل نضجها في أعقاب الحرب العالمية الأولى وتفرع منها مدارس جديدة كالسريالية والتعبيرية وقد أكد أصحاب الحداثة على أنها تعني التجريب الستمر والتعبير عنهم فكري ومغامرة في المجهول بعيداً عن صياغة الأفكار المعروفة سابقاً لمجرد الصياغة ومهاجمة الأشكال الأدبية السائدة والمؤسسات القائمة فهيا على حد قرار أصحابها ثورة النخبة من الجانب الإيديولوجي وهكذا تعطي الحداثة من منظور أصحابها للأدب قيمته التنبؤية الكثيفة فإذا رسخت قدمها قتلت نفسها لأنها تصبح قواعد متعارفة وتقليداً قديماً.
الباب الرابع
الفصل السادس
الأدب والاتجاه الإسلامي
الباب الرابع
الفصل السابع
الأدب والاتجاه القومي
الباب الخامس
ميزات أدبية
الباب الخامس
الفصل الأول :
الصدق والصدق الأدبي
الباب الخامس :
الفصل الثاني : السرقات الأدبية
الباب الخامس
الفصل الأول
الصدق والصدق الأدبي
كيف يستطيع قارئ الأدب أن يميز بين صادقه وكاذبة ؟.ومزيفه وأصيله ؟ وعمق عقيدة الأديب وسطحيتها وولاؤه للحقيقة أو المال والجاه والمنصب وغير ذلك من مغريات الدنيا .
الوسيلة الوحيدة للمبتدئ هي أن يمارس القراءة الطويلة مهتديا بهدي من يطمئن إليهم من المعلمين والنقاد ممن عرف عنهم نضج الذوق وسلامة الحكم . يرشدونه إلى القطع الأدبية التي اطمأن معظم الدارسين إلى صدقها , وإلى الأخرى التي اتفق ذوو الذوق السليم على دمغها بالكذب . ويشرحون له بأقصى ما يسعهم من شرح خصائص الصدق الفني وسماته وعلامات الكذب الفني , وأماراته ومن إطالته القراءة والنظر في هذه وتلك قد ينتهي إلى تنمية الملكة النقدية المميزة . وإن كان من المستحيل أن ينتهي في أي مثال معين إلى الرأي القاطع الملزم الذي يحسم كل خلاف
ولكي يتصف الأديب بالصدق لا بد أن تتوافر له الشروط الأربعة التالية :
1 ) أن تكون عاطفته متلبسة بما ألم به ,
2 ـ أن تكون عقيدته التي تبناها عقيدة مؤكدة الموضوع الذي يتناوله .
3 ـ أن تكون حدة تصويره ناشئة عن حدة الشعور
4 ـ أن تكون قوة الحساسية عنده عن رغبة في وصف حقيقة شعوره لا عن رغبة في المبالغة والتهويل .
5 ـ ألا يخالف تصويره النواميس العامة للكون
6 ـ ألا يناقض حقيقة السلوك الإنساني فيما نخبره من البشر في تجاربهم ومواقفهم .
7 ـ أن تكون من شأن شاعريته أن تزيد عاطفته جلاء وقربا
8 ـ ألا تقف العاطفة حجابا أمام الشاعرية .
ولعل المتلقي بعد ذلك ينتهي إلى تذوق قضية الصدق الأدبي
وانظر إلى هذه الأبيات الرائعة الجمال وتمعن بها تجدها بعيدة عن الصدق الأدبي لأتها لم تصدر عن الحب حقيقي بالرغم من جرسها وبراعة صنعتها , فصنعتها تبهر قارءها بمجرد مهارتها اللفظية , وتصرفه عن تأمل العاطفة والانفعال بها . والشاعر لا يلجأ إلى هذا العبث والزخرفة إلا حين لا تكون لديه عاطفة صادقة يريد نقلها إلى قارئة إدارة حارة مخلصة :
أزورهم وسواد الليل يشفع لي وأنثني وبياض الصبح يغري بي
.............................
فأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت وردا وعضت على العناب بالبرد
...................................
الله في الخلق من صب ومن عاني تفنى القلوب ويبقى قلبك الجانـي
صوني جمالك عنا إننا بشـــر من التراب وهذا الحسن روحاني
...........................................
أما الأبيات التالية للشاعر عمر بن أبي ربيعة فإنك حين تقرؤها تجد أنها صدرت عن عاطفة حب صادقة , وأن قائلها قد عانى حقا ما يدعيه من لوعة وحسرة وندم وما فيها من تجويد اللفظ وترقيق النغم , وترجيع الرنة , وتكرار اسم المحبوبة تكرارا رائعا لم يأت إلا ليزيد العاطفة قربا إلينا وينقلها نقلا حيا نابضا
أمن آل نعم أنت غاد فمبكـر غداة غــد أم رائح فمهجــــر
تهيم إلى نعم فلا الشمل جامع ولا الحبل موصول ولا القلب مقصر
ولا قرب نعم إن دنت لك نافع ولا نأيها يسلي ، ولا أنت تصبــــر
أما بيت النابغة في الاعتذار من النابغة فقد صدر عن خوف ورهبة حقيقيين من الملك المخاطب والتشبيه فيه تشبيه صادق . من شأنه أن يضاعف قدرتنا على تمثل عاطفته والاهتزاز بنظيرها:
فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
أما بيت أبي نواس في الرشيد فلم يصدر عن شعور صادق , والتشبيه فيه مهوش مهول يخالف نواميس الوجود التي لا نرضى عن مخالفتها . وصاحبة قد أورده ليبهر ويدهش انفعالا أحس به :
و أخفت أهل الشرك حتى إنه لتخافك النطف التي لم تخلق
ونحن لا نقبل البيت التالي في وصف نحول بشار :
إن في بردي جسما ناحلا لو توكأت عليه لا نهدم
وكذلك نرفض قول المتنبي :
كفى بجسمي نحولا إنني رجل لولا مخاطبتي إياك لم ترني
ونرفض أيضا قول أحدهم :
ذبت من الشوق فلو زج بي في مقــلة النائم لم ينتبه
وكان لي فيما مضى خاتم فالآن لو شئت تمنطقت به
ونرى حقيقة الصدق في تصوير ابن الرومي طفله وهو يحتضر :
ألــح عليه النزف حتي أحاله إلى صفرة الجادي عن حمترة الورد
وظل على الأيدي تساقط نفسه ويذوي كما يذوي القضيب من الرند
فالتشبيهات عند ابن الرومي صادقة لم يؤت بها لغرض التلاعب والتظرف و إظهار المهارة البلاغية بل جاء بها الشاعر لتزيد من توضيح المنظر المرسوم وتقريب العاطفة الموصوفة , عاطفة الجزع العظيم على ولده . كما نرفض التهويلات التي يفيض بها الكثير من شعر الرثاء , والتي يصور فيها أصحابها الكون وقد أصابه الخلل والاضطراب فتزلزلت الجبال واهتزت الأفلاك وهوت النجوم والشهب نرفضها لا لأنها نواميس الطبيعة فحسب , بل لأنها تعبرعن غفلة أصحابها عن اللذع الحقيقي للموت . كما في هذه الأبيات الكاذبة :
رمى السلطان الليث والليث خادر ورب ضعيف نافذ الرميات
فأودى به ختلا فمال إلى الثرى ومالت له الأجرام منحرفات
وشاعت تعازي الشهب باللمع بينها عن النير الهاوي إلى الفلوات
وهكذا فإن الصدق هو المعبار الحقيقي في تقبل الأشعار والتقرب من نصوص الشاعر
الباب الخامس
الفصل الثاني
السرقات الأدبية
نظراً لجمود الشعر العربي وعدم تحوله عن الموضوعات والمعاني القديمة وعدم اتجاه الشعراء اتجاهاً فلسفياً أو علمياً في بعض العصور وسريان فكرة أن الأسلوب هو المعول عليه في الأدب فقد جمد الشعر وتوقف الشعراء عن البحث عن موضوعات جديدة واتجه الشعراء للتحوير والسرقات الأدبية على اعتبار أنها داء قديم وعيب عتيق ولكنها ضرورة من ضرورات الشعر في ذلك الوقت وقد قسم النقاد السرقات إلى قسمين
1-سرقات مستحبة: يتجه فيها الشاعر إلى إضافة أشياء جديدة للعبارة أو الصورة.
2-سرقات منكرة :يتجه فيها الشاعر إلى إضافة أشياء جديدة للمسروق حيث اتجه الأدباء والشعراء إلى أسلوب الاقتباس والتضمين من القرآن الكريم والحديث الشريف وقصائد الشعراء ومحكم الأمثال والحكم ولفقوا الكثير من الخواطر والأفكار ، وبخاصة منذ ظهور أبي تمام وقيام الخصومة حوله ، وتتناول مسألة السرقات الأدبية من أهم ما تسعى الدراسات الأدبية إلى معرفته للاطلاع على أصالة كل شاعر أو كاتب , ومبلغ دينه نحو من سبقه أو عاصره من الشعراء والكتاب . وهي مسألة خطيرة لأنها شغلت النقاد من العرب أكثر مما شغلتهم أية مسألة أخرى ، وإن دراسة السرقات الأدبية دراسة منهجية لم تظهر إلا عندما ظهر أبو تمام و قامت خصومة عنيفة حوله ، و لقد اتخذت سلاحا قويا للتجريح . ونحن نعلم أنه قد كتبت عدة كتب لإخراج سرقات أبي تمام وسرقات البحتري ، وكان المؤلفون متعصبين لأبي تمام ومذهب البديع أو البحتري وعمود الشعر ، أي منقسمين إلى أنصار الحديث وأنصار القديم ؛ ولأنه عندما قال أصحاب أبي تمام : إن شاعرهم قد اخترع مذهبا جديدا وأصبح إماما فيه ، لم يجد خصوم هذا المذهب سبيلا إلى رد ذلك إلا ادعاء خيرا من أن يبحثوا للشاعر عن سرقاته ليدلوا على أنه لم يجدد شيئا , وإنما أخذ عن السابقين ثم بالغ وأفرط , وبهذا حدثنا الآمدي نفسه عندما قال: (إنه لم يتتبع سرقات البحتري بالاهتمام نفسه الذي تتبع به سرقات أبي تمام ، لأن أحدا لم يدع أن الشاعر البحتري رأس مذهب جديد).وأكبر دليل على دراسة السرقات دراسة منهجية أنه قد نشأت عن تلك الخصومة استعمال اللفظ ( السرقات )، إذ استعمل النقاد المجردون عن الهوى ألفاظا أخرى ( كالأخذ ) ، و (السلخ). وأما لفظة ( السرقات ) فقد ذاعت وسط الخصومة حول أبي تمام بين أنصار القديم وأنصار الحديث، فكتب عبد الله بن المعتز ( سرقات الشعراء ) و أحمد بن أبي طاهر و أحمد بن عمار في سرقات أبي تمام و كتب بشر بن تميم في سرقات البحتري من أبي تمام , ومهلهل بن يموت في سرقات أبي نواس ,وتناول الآمدي نفسه تلك المشكلة في (الموازنة ) وظهر المتنبي وقامت حوله خصومة جديدة فحاول أعداؤه تجريحه بإظهار سرقاته أيضا ولقد كان لنشأة تلك الدراسات وسط الخصومات أثر سيئ في توجيهها , فرأيناها قبل كل شيء تسعى إلى تجريح الشعراء ، ولهذا لم تستقم المبادئ التي اتخذت فيصلا فيها كما أنهم لم يفرقوا بين السرقة وغيرها . و من الواجب أن نميز بين عدة أشياء في أخذ الشعراء عن بعضهم , فهناك :
الاستحياء : وهو أن يأتي الشاعر أو الكاتب بمعان جديدة تستدعيها مطالعاته فيما كتب غيره . وهناك استعارة الهياكل : كأن يأخذ الشاعر أو الكاتب موضوع قصيدته أو قصته عن أسطورة شعبية أو خبر تاريخي وينفث الحياة في الهيكل حتى ليكاد يخلقه من العدم .وهناك التأثر : وهو أن يأخذ شاعر أو كاتب بمذهب غيره في الفن أو الأسلوب . ولقد يكون هذا التأثر تتلمذا كما قد يكون عن غير وعي وإنما النقد هو الذي يكشف عنه . وهناك السرقات . وهذه لا تطلق اليوم إلا على أخذ جمل أو أفكار أصلية وانتحالها بنصها دون الإشارة إلى مأخذها . وهذا قليل الحدوث في العصر الحديث ولم يفرق النقاد العرب في دراستهم للسرقات بين هذه الأنواع وإنما راحوا يردون أبيات الشاعر الذي يريدون تجريحه إلى أبيات تشبهها شبها قريبا أو بعيدا في المعنى أو في اللفظ أو فيهما معا . بل لقد افتنوا في ذلك فردوا الكثير من الشعر إلى جمل نثرية من القرآن و الحديث وأقوال السابقين واللاحقين من خطباء وحكماء . واستقصوا ذلك أبعد استقصاء حتى تمحلوا في إظهار سرقات مستترة يدعونها , ثم يجهدون أنفسهم في الافتنان للتدليل عليها , وساعدهم على ذلك خضوع الشعر العربي للتقاليد الشعرية المتوارثة , وانحصار أغراضه ومعانيه , وطرق أدائه . وأما الآمدي فلا يرى في المعاني المشتركة أنها سرقة , وعنده أن ذلك لا يكون إلا في البديع المخترع الذي يختص به الشاعر فالاتفاق ليس بسرقة لأن هذا الكلام موجود في عادات الناس ومعروف في معاني كلامهم وجار كالمثل على ألسنتهم في التقاليد الشعرية وفي الأقوال السائرة واختلاف الغرض ينفى السرقة عند الآمدي , وإن كان جنس المعنيين واحدا
الباب السادس
الأجناس و الأنواع
الفنون الأدبية
الباب السادس
الفصل الأول :الشعر والنثروالأدب
الباب السادس
الفصل الثاني : الشــعـــر
الباب السادس
الفصل الثالث : الخطابة
الباب السادس
الفصل الرابع : الحكمة
الباب السادس
الفصل الخامس :الرسالة
الباب السادس
الفصل السادس: المناظرة
الباب السادس
الفصل السابع: الوصايا
الباب السادس
الفصل الثامن :سجع الكهان
الباب السادس
الفصل التاسع:السيرة
الباب السادس
الفصل العاشر: الروايات
الباب السادس
الفصل الحادي عشر : التوقيعات
الباب السادس
الفصل الثاني عشر : الوصف
الباب السادس
الفصل الثالث عشر: المقامة
الباب السادس
الفصل الرابع عشر : القصة
الباب السادس
الفصل الخامس عشر : المسرحية
الباب السادس
الفصل السادس عشر :الموعظة التقوية
الباب السادس
الفصل السابع عشر : السيناريو والحوار
الباب السادس
الفصل الثامن عشر : المقالة
الباب السادس
الفصل العشرون : الخاطرة
الباب السادس
الفصل الحادي و العشرون :
الباب السادس
الفصل الثاني والعشرون : التقارير واللوائح
الباب السادس
الفصل الثالث و العشرون: المحاظر والتقارير
الباب السادس
الفصل الرابع والعشرون:المقابلة الشفوية والكتابية
توطئة
يبدو أن كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع تجسد علاقتها الجمالية بالعالم في أنواع أدبية بعينها تلائم قدرة البشر على عالمهم الطبيعي في هذه المرحلة وطبيعة نظامهم الاجتماعي فيها وبذلك تكون حركة الحياة العملية والفكرية والشعورية المحفز لوجود مسارب يعبر بها المبدع عن موقفه وشعوره اتجاه القضايا المختلفة وبذلك يكون الذي يحدد الفنون والأنواع المنتشرة في مرحلة من المراحل الحاجات النفسية والشعورية والروحية والعملية والمثل الجمالية والفكرية والعلاقات الاجتماعية ، فالأنواع الأدبية محكومة تنشأة وتطورا بوضع تاريخي اجتماعي محدد ومحكومة في طبيعتها وطاقاتها ووظيفتها بالوفاء بحاجات اجتماعية معينة يحددها الوضع التاريخي الاجتماعي الذي أنتج هذه الأنواع الأدبية وقد أثر في نظرية الأنواع الأدبية فلسفات وعلوم وقوانين التطور في عالم الأحياء والنبات والتي لها ما يماثلها في عالم الأدب ، و النوع الأدبي ينشأ ويتطور وينقرض كما هو الحال في النوع البيولوجي وإن كان البعض يعتقد أن الأدب والأنواع الأدبية ظاهرة مسيرة بقوانينها الذاتية وهي قوانين لغوية لأن الأدب فن لغوي يمثل نشاطاً إنسانياً يعكس حركة واقع تاريخي اجتماعي محدد عكساً خاصاً ويؤسس النقاد المواقف الفنية الثلاثة ( الموقف الغنائي –الموقف الملحمي – الموقف الدرامي ) على ثلاث وظائف يرونها للغة (التعبير – التمثيل- النداء) ويعلقون كل وظيفة بضمير ينوب عن ذات ( التعبير يتعلق بضمير المتكلم – التمثيل يتعلق بضمير الغائب – النداء يتعلق بضمير المخاطب) ، ثم يجعلون من وظيفة التعبير مفسراً للموقف الغنائي ومن وظيفة التمثيل مفسراً للموقف الملحمي ومن وظيفة النداء مفسراً للموقف الدرامي وتوفر هذه الأبعاد للغة (البعد التعبيري – البعد التمثيلي –البعد الندائي والادعائي ) في الصياغة الأدبية وقد كان الشعر يكتب رجزاً ثم تحول إلى قصيد وكانت الملحمة تكتب شعراً ثم أخذت تجمع بين الشعر والنثر وتطور مضمونها بحيث تخلصت من الأساطير الوثنية القديمة وإن ظلت أصولها محتفظة بطابع القصص البطولي الخارج عن المألوف في بطولات البشر ثم تحولت إلى قصة نثرية واقعية
وقيل إن بعض الفنون الأدبية كانت عند نشأتها الأولى موحدة ثم تشعبت حسب حاجات البشر النفسية والجمالية والتعبيرية كذلك تغيرت أسماء بعض الفنون الأدبية بعد تغير مضمونها وقالبها الفني .
الباب السادس
الفصل الأول
الشعر والنثر
حكاية الشعر والنثر هي حكاية الإنسان على الأرض
خصائص الشعر والنثر
أكد الدارسون على تقسيم الأدب إلى شعر ونثر
1-الشعر ويتميز
أ-بالموسيقى
ب-أسلوب التعبير الشعري
ج ـ المضمون الشعري
د ـ الملكة النفسية
هـ - الإكسير الإحيائي
و-استعمال الألفاظ في سياق إيجابي
ل - ربط الحقائق بالوجدان
الباب السادس
الفصل الثاني
أولا : الشــعـــر
آ ـ شعر الرجز : الرجز طريقة شعرية مختلفة عن طريقة القصيد ، اتخذها مجموعة من الشعراء مركبا ذلولا لنقل عواطفهم ومشاعرهم تجاه الحياة والمجتمع ، وهذا الشعر يقوم من حيث شكله على نقطتين : اتخاذ وزن بحر الرجز أساسا له والذي يتكون من ست تفعيلات في البت الشعري الواحد قائما على تكرار تفعيلة ( مستفعلن ) كما أنه يراعي التصريع ، وقد تكون قافية كل بيت مختلفة عن قافية البيت الذي يليه ، وقد تكون للأبيات قافية واحدة ، ويعد العجاج وابنه رؤبة أول من حوّل شعر الرجز من البيئة الشعبية إلى البيئة المثقفة بحيث أصبح رجزهما يحتج به في اللغة والأدب بعد أن كان هذاالرجز فنا شعبيا يتناوله العامة في مجالسهم و من ذلك ما قاله العجاج :
أقلّي اللوم عاذل والعتابن وقولي إن أصبت لقد أصابن
وقد كان الرجز في أصله ينظم ارتجالا ويعد الأغلب العجلي أول من أطاله وجعله كالقصيد ، كما أن شعراء الأراجيز تناولوا الأغراض الشعرية كالهجاء ، المديح ، الفخر ... ونهجوا أحيانا نهج القصائد العربية كالوقوف على الأطلال والرحلة إلى الممدوح ،
يقول أبو النجم العجلي يصف فهودا لعبد الملك بن مروان في موقعة صيد :
إنا نزلنا خير منزلات بين الحميرات المباركات
في لحم وحش وحباريات وإن أردنا الصيد واللذات
جاء مطيعا لمطاو عات عُلّمن أو قد كن عالمات
ومن الأراجيز التي كتبت للتندر والدعابة ما قاله أبو النجم العجلي موصيا ابنته عند زواجها واصفا الزوجة والحماة في موقف الحشر طالبا منها أن لا تتوانى في الخصام :
أوصيت مــن برّة قلبا مرّا بالكلب خيرا والحماة شرا
لا تسأمي ضربا لها وجرّا حتى ترى حلو الحياة مرّا
وإن كستك ذهبــا ودرّا والحي عميّهم بشر ّطرّا
وقد امتدح علي بن عبد العزيز الجرجاني في كتابه : ( الوساطة بين المتنبي وخصومه ) تعريب الرجّاز للكلمات الفارسية والحبشية كاستعمال كلمة ( البردجا) واستعمال (تسجا ) بمعنى التفّ . وقد أصبحت الأرجوزة في نهاية المطاف نصا أدبيا يعتمد عليه النحاة واللغويون في شواهدهم .
ب ـ شعر القصيد :
كانت كلمة عمود الشعر في العصر الجاهلي تعني القصائد الجاهلية التي تمضي على خطة محددة ولاسيما المعلقات التي تنهج نهجاً خاصاً في بنائها كالوقوف على الأطلال وبكاء الديار ومناجاتها والتحسر والحزن عـلى رحيل الأحباب ومن ثم الانتقال للغرض الذي يمثل لب القصيدة كوصف النـاقة والفرس والصيد والمديح والفخر و الغزل ، فإذا ما خالف الشاعر هذه السنة عــد خارجاً على عمود الشعر؛ أما حديثاً فقد أصبح معنى عمود الشعر معنى أعـــم وأوسع بحيث أصبح يدل على الطريقة التي سارت عليها القصيدة العربية خلال التاريخ وتقوم على وحدة البيت والوزن والقافية بحيث يكون البيت مؤلفا مــن شطرين متساويين وكل بيت من أبيات القصيده له قافية مساوية لقوافي الأبـيات جميعها إذ تكون القصيدة مبنية على روي واحد يمثله حرف من حروف العربية المعروفة من خلال ستة عشر بحراً ، وقد عبر النقاد عن ذلك بتوصيف هذه الخطة تحت اسم مضامين القصيدة الجاهلية ، وبصرف النظــرعـن اختلاف النقاد حـول طفـولة الشعر الجاهلي أو وصول هـذا الشعر إلينا خالياً من العيوب ، فإن القصيدة الجاهلية التـي وصلت إلينا كانت متقنة الصنـع تتبـع أسلـوباً متميزاً وتنحو طريقاً متعارفاً عليها . وهذه القصيدة التي تولدت لدى الشعراء الجاهليين أتبعت في سيرها ومضمونها خطة تتمثل في :
1 ـ المقدمة الطللية :
تكاد معظم القصائد الجاهلية تبدأ مطالعها بالوقوف على الأطلال لما لذلك من علوقٍ فــي النفس إذا أن الأطلال : هي الديار التي هجـرهـا الأحبة ، و أقاموا فـي مكان آخر تمثل ما لدى الشاعر مـن تطلعات و أحاسيس تتعلق بالمرأة و النفوس كمـا يقـول ابن قتيبة محبة للغزل ، ولايكاد يخلو أحدٌ مـن أن يكون متعلقاً بالغزل أو مرتبطاً به ولذلك اعتمده الشعراء لاستمالة آذان المتلقين وقـد علل النقاد الظاهرة الطللية عنـد العـرب بمسألة الانهـدام الحضــاري الذي أصاب الجزيرة العــربية فأصبحت دياراً خربة بعد أن كانت حضارة معمورة ومن هنا بكى الشعراء على أيام التألق وأصبح ذلك عادة عند الشـعراء ، وهـو يشبه الحديث عـن بنات الأولمب عند اليونان .
يقول امرؤ القيس في مطلع معلقته متحدثاً عن أطلال محبوبته :
قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ بسقط اللوى بين الدخول فحومل فتوضح فالمقراةَ لم يعف رسمها لما نسجتهه مـــن جنوب وشمأل
وقوفاً بها صحبي علــى مطيهم يقـولـون : لاتهلك أسىً وتجمـل
ويقول زهير بن أبي سلمى في مطلع معلقته : أمن أمِّ أومن دمنة لم تكلمــي بحـومانــة الـدّراج فالمتثلـم
وقفت بها من بعد عشرين حِجة فلأياً عرفت الدار بعــد توهـم
فلما عرفت الدار قلت لربعهــا ألا عمّ صباحاً أيها الربع واسلمِ
ويقول النابغة الذبياني :
يا دارمية بالعلياء فالسنــد أقوت وطال عليها سالف الأبــد
وقفت فيها أصيلاً كي أسائلها عيّت جواباً وما بالربع مـن أحـد
2 ـ وصف مشاهد التحمل والارتحال :
وفي هـذا القسم تحدث الشعراء الجاهليون عن انعكاس أثر هـذا الرحيل الذي ارتبط بالأطلال والذي يزخر بالحبِّ والحزن والحنين بحيث نرى الشعراء يصفون رحلة النساء على الهوادج والجمال ، وما لذلك من أثرٍ في نفوسهم ،
يقول زهير بن أبي سلمى :
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن تحملّن بالعلياء من فوق جرثـم علون بأنماطٍ عتـــاقٍ وكِلّـة ورادٍ حواشيها مشاكهة الـدم
بكرن بكوراً واستحرن بسحـرةٍ فهن ووادي الرَّسّ كاليد للفـم
ويقول عنترة في وصف الراحلة : إن كنت أزمعت الفراق فإنما زمــت ركابكم بليلٍ مظلــمِ ما راعني إلا حمولة أهلهــا وسط الديار تسف حب الخمخم
فيها اثنتان وأربعون حلـوبة سوداً كحامية الغراب الأسحـم
ويقول الشاعر بشر بن أبي حازم : ألا بان الخليط ولـم يزاروا وقلبك في الظعائن مستعـار أسائل صاحبي ولقد أراني بصيراً بالظعائنِ حيـث ساروا
3 ـ وصف المحاسن :
حيث يتحدث الشعراء في هذا القسم عن وصف محاسن المرأة وجمالها الجسدي والمعنوي ، يقول الأعشى :
غراء فرعاء مصقول عوارضها تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل
ويقول النابغة الذبياني: نظـرت بمقلةِ شادنٍ متربّب أحـوى أحم المقلتين مُقَلــَّدِ
صفراء كالسّيراء أُكملَ خلقها كالغصنِ في غلوائه المتـــأوّد
4ـ وصف الرحلة والراحلة والطريق :
وقد تضمن ذلك رسم صورة الفرس والناقة اللتين هما وسائل النقل في ذلك العصر. وقد وفر الشعراء لهذه الوسائل صفات الصلابة والقوة والفخامة والشدة والصبر وهما الصديقان الحميمان للشاعر في سفره.
يقول امرؤ القيس في وصف الفرس :
وقد أغتدي والطير في وكناتها بمنجردٍ قيـد الأوابــدِ هيكـلِ
مكرٍّ مفٍّر مقبلٍ مدبرٍ معــاً كجلمود صخرٍ حطّه السيل من علِ
إذاً : فحصان الشاعر يتميز بصفات مختلفة عن صفات مثيله فهو يستطيع في لحظة واحدة أن يتحرك حركات مختلفة بين الإدبار والإقبال إضافة إلى أنه منتخب الصفات وكأني به يريد أن يقول : إن حصانه يشبه طائرة الأباتشي:
له أيطلا ظبـــي وساقا نعامـــة وإرخاء سرحان وتقريب تتفلِ
ويقول طرفة في وصف ناقته :
وإني لأمضي الهمَّ عند احتضاره بعوجاء مرقالٍ ، تروح وتغتدي
أمونٍ كألواح الإران نصأتُهـا على لاحبٍ كأنه ظهرُ برجـدِِِ
5 ـ الغرض الذي كتبت من أجله القصيدة :
وقد يكون هذا العرض مدحاً أو حكمة أو فخراً بنفسٍ أو قبيلةٍ ، يقول زهير بن أبي سلمى في الحكمة :
ومـن يك ذا فضل فيبخل بفضله على قومه يستغن عنــه ويذمم
ومهما تكن عند امرىء من خليقة وان خالها تخفى على الناس تعلم
ويقول عمرو بن كلثوم في معلقته مفتخرا بقبيلته :
ملأنا البرّ حتى ضاق عنّا ووجه البحر نملؤه سفينا
إذا بلغ الفطام لنا صبي تخرّ له الجبابر ساجدينا
كما ويطلق مصطلح عمود الشعر العربي عند النقادالقدامى على الميزان والمعيار الرصين للشعر وقد تعارف العرب على أجزاء هذه النظرية واعتبروا أن الشعراء الذين حققوا عناصر هذه النظرية هم الشعراء المجيدون وقد ساهم في بلورة هذه النظرية نقاد : كـ ( الآمدي ، والقاضي الجرجاني ، والمرزوقي ).
وتتألف هذه النظرية من
شرف المعنى وصحته : ومعياره عرض هذا المعنى على العقل الصحيح والفهم الثاقب ، فإذا قبله كان المعنى شريفاً:
أماويّ إن المال غادٍ ورائـــح ولا يبقى من المال إلا الأحاديث والذكر
2- جزالة اللفظ واستقامته:ومعياره الطبع والرواية والاستعمال ،كقول امرىء القيس:
وقدأغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكـــل
3-الإصابة في الوصف: ومعياره الذكاء وحسن التمييز ، كقول امرئ القيس :
كأن قلوب الطير رطباً ويابساً لدى وكرها العناب وبحشف البالي
4-المقاربة في التشبيه : ومعياره الفطنة وحسن التقدير من خلال اشتراك المشبه والمشبه به في الصفة ( وجه الاستشهاد ) كقول الأعشى :
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل
ـ غزارة البديهة : ومعياره سرعة استجابة الشاعر لموقف من المواقف
6- كثـرة الأمثال السائرة والأبيات الشاردة :
ومعياره الأمثال السائـرة واستعمال الناس لهذه الأبيات المتضمنة لها ، أما معيار الأبيات الشاردة هواستشهاد أهل النقد والشعر بهذه الأبيات ، من قول حسان بن ثابت :
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم جسم البغال وأحلام العصــافير
وقول طرفة بن العبد :
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى لكالطول المرخى وثنياه باليد
وقد زاد المرزوقي على عناصر الشعر ثلاثة .
7- التحام أجزاء النظم وائتلافها على تخير من لذيذ الوزن : ومعياره الطبع واللسان بحيث لايتعثرالطبع بأبنيته ، قال طرفه :
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه خشاش ٌكرأس الحيــة المتـوقــد
8- مناسبة المستعار منه للمستعار له : وهــو ما سميناه المقاربة فــي التشبيه : ومعياره الذهـن والفطنة ، ومثاله قول امرىء القيس:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي
9- مشاركة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية : ومعياره كثرة مراس الشاعروطول الدربة، والمدارسة لديه بحيث يجعل الألفاظ مقسمة على رتب المعاني ، ويجعل الأحسن مـن الألفاظ للأحسن من المعاني بحيث تكون القافية كالموعود المنتظر الذي يتشوق الإنسان للقائه .ومثاله قول الشاعر:
وعدت وكأن الخلف منك سجيةً مواعد عرقوب أخاه بيثرب
الشعر التقليدي
يراد بالشكل التقليدي كل شعر أعقب بدايات النهضة العربية الحديثة /1798/م من خلال محاكات أنماط الشعر القديم وأحيائه هذه النزوع لإحياء القديم وبعثه يعد في حينه موقفاً حضارياً جمع الوجدان الجماعي ضد المد الاستعماري الفكري تزعم هذا التيار البارودي على أساس فلسفي يقوم على الموضوعية و العقلية والحسية عن طريق الحدس والاستشراق والعقل والاستنتاج العقلي والحس و الإثنينية والرؤية السالبة ومحدودية القدرات وتقوم نظرية الشعر في هذه المرحلة على محاكات النماذج السابقة التي لا تعدد مهمتها الأخلاق والترفيه حيث يكون الشعر قيمة لغوية ومهارة لسانية وصيغ بيانية حيث الأرتباط بين الأساس النظري للشعر وبين طبيعة الخيال ارتباط وثيق وأن الصلة ثقة بين الخيال والعقل والكلمة هذا هي الوحدة الأولى للغة التي هي مجموعة ذرات كل نرة فيها تحمل دلالة مفردة ومعنى محدداً والمعنى الكلي هو مجموع الدلالات الجزئية لمعاني المفردات وغرض اللغة توصيل أفكار من الشاعر المتلقي.
الشعر الرومانسي
وهو لفظ اطلق على شعر فرد أو مدرسة أو جماعة ويعني الحرية والغربة والعودة للطبيعة وترتبط الرومنسية بالقلب والخيال وقد ارتبطت الرومنسية بغنائية الشعر العربي القديم والنظرية المعرفة الرومنسية تقوم إدماج الداخل بالخارج حيث يصد منها الموقف الرومنسي القائم الهرب والاغتراب والفراروأن الإنسان يعيش ويفهم بالعقل والحس والفريزة والعطف والبداهة والخيال والتفكير وقد ربط الرومنسيون الشعر بالموسيقى.
واعتبروا الذات الشاعرية تلعب دوراً فاعلاًفي مجال العين الباطنية للشعر إذا لشعر وجدان (تعبير)وهذا التعبير موجي مهمته إبراز قيم الحق والجمال.
أما الخيال في هذا النوع مفهوم مرتبط بالإحساس واللعب والمتعة التي تتأخذ طابع الحلم والهوس والهاجسة والشرود والأنماط الوهمية حيث ترتبط الأشكال البلاغية بالداخل ولها وظائف عامة تنتقل من الحواس الداخلية و التشبيه بلاغياً يوضح حال ويشرح عاطفه.
ج ـ ـ الشعر الحر(شعر التفعيلة):الشعر الحديث
نوع جديد من الشعر بعضه موزون وبعضه غير موزون وبعضه الآخر نثر لا وزن له حيث تتداخل النشاطات الإنسانية ويؤثر بعضها في بعض ويصعب الفصل بينهما وفي هذا الاتجاه تتحول الفكرة في هذا الشعر إلى خطة أو برنامج عمل يقوم على الانسحاب من المجتمع من جهة والاندماج فيه مرة أخرى والشعر هذا ليس تعبير عن وجدان كتابي ولا تعبير الشخصية ولا تعبير عن العصر يوهر (خلق) فريد مبتكر على غير مثال منشأة داخلي خارجي يعتمد الغموض والصعوبة وله طبيعة خاصة من حيث التشكيل الموسيقي والصوري وهو حديث المتهرج وغناء المتغني ينساق بما يشبه الرواي ويبنى بناءً سردياً تعرض فيه المادة الباطنة ومنسابة من خلال علاقات داخلية تقوم على التوازن والتنظيم الدينامي لأنه خرب من نمو له بداية وتطور وأكتمال حيث تتشكل نماذج الشعر الحر لدى كل شاعر كلاً متكاملاً وبناءً متماسكاً واحداً وتصبح القصيدة تركيبة نفسية منتهية تقوم على التركيز والتخصص مع رفض العلاقة مع القيم وتزويد المتلقي بتوع خاص من المعرفة والخيال في هذا النوع رؤيا فاحصة لأنه إدراك يتيح لصاحبه النفاذ إلى باطن الحياة وأزاحة النقاب عن باطن الحياة وعن الحقيقة بموقف بلاغي يقوم على المعادل الموضوعي أو البديل الذي يكون التوازن بين المرموز وما يروز إليه ويجعل الكلمة أقرب إلى التصور من الأشارة وأصبحت هذه الكلمة (رمزاً خاصاً) وسيلة وغاية من خلال تدفق تلقائي للمشاعر.
إذا كان الأدب مظهر من مظاهر الحياة يتجدد بتجدد العصور والأيام فإن معركة القديم والجديد فيه مستمرة وستستمر والشعر كفن مهم في كتاب الأدب دخل هذا الصراع وقد نشأ هذا اللون من الشعر (الحديث ) في أدبنا منذ بداية القرن العشرين وإن شبت ناره بعد الخمسينات من القرن السابق على يد شعراء شباب في العراق (السياب – نازك الملائكة ) وغيرهما ولا يمكن تسميته بالشعر الحر كما شاع على أقلام و ألسنة الأدباء وأفضل ما يطلق عليه هو (شعر التفعيلة)لأن الفنون غير المقيدة تعني الفوضى و الركاكة و الابتذال فالحرية غير الممنهجة هي عدو الفن وقدرأى الكثير من الشعراء من خلال اطلاعهم على الشعر الأوروبي من منابعه أو من خلال الترجمة أنه يمكن لهم الكتابة على طريقة هذا الشعر وطرح عمود الشعر، فكتبوا الكثير من القصائد التي تميزت من حيث الشكل بميزات بارزة أهمها
1-الأوزان الجديدة التي تعتمد على(التفعيلة) الركيزة الأساس في بناء القصيدة وزناً هذه التفعيلة لا تزيح قيد أغلةعن البحر الخليلي ولكنها تتوزع في السطر الشعري بحسب تموجات الفكرة بين تفعيلات تكثر وتقل بحسب هذه الإحساس متحررة من الرتابة ومن الأشطر المتساوية والروي الواحد من خلال تناغم مطلق وانسجام تام
2-وحدة القصيدة بعكس قصيدة العمود التي ترى في كل بيت عالماً قائماً بذاته مستقلاً بمعناه له شطران متساويان وقافية وروية ومضمون فكري ولغوي كامل ومستقل تشبيهاً له بالبيت المستقبل القائم على الدعائم والأسس التي تغنيه عن سواه
فالقصيدة الحديثة حريصة على أن تشكل موضوعاً واحداً تبدأ شرارته في ذهن الشاعر ثم تتوقد خاطرة مفكرة تصب في قصيدة لا يخرج عنها ولا يحيد بحيث تتحول من بذرة إلى شجرة وارفة الظلال
3-المقطع أوالجملة الموسيقية فلا نعود لنسمع نغمة البيت المستقل بل نغمة الجملة أو نغمة المقطع
4-تلوين القافية وتنويعها دون الاستغتاء عنها بحيث تكون هذه القافية خيطاً من الخيوط الموسيقية التي تدفق بها القصيدة والتي تشد النص كله بخيط حرير ناعم دقيق يكون مرة ضربة ومرة ضربتين ومرة عدة ضربات.
وتميزت هذه القصائد التفعيلية من حيث المضمون:
1-الرؤية الجديدة التي تخرج بمضمون الشعر من نظرة سطحية تؤدى بعبارة جميلة معنى مألوفا لدى الجميع خالية من الصورة والإيحاء والرؤية الجديدة وذات رنة موسيقية تداعب الأذن والذوق إلى إيحاء بالأشياء دون التصريح بها أو مباشرتها والتلميح بها دون الإشارة إليها ووصف العيون عند جرير والسياب خير دليل على ذلك
2-الرمز والإيحاء بحيث لاتكون المعاني على قدر الألفاظ بل أصبحت هذه الألفاظ توحي بمعان كثيرة تفجر طاقات غزيرة تجر ورائها ظلالاً وألواناً وتحمل أكثر من دلالة وأكثر من فهم وتفسير فاللفظة أصبحت رمزاً لأشياء متعددة مفتاحاً لجو كامل يزخر بالدلالات والأفكار فالرمز يفجر في الألفاظ طاقات لاتحملها اللغة المباشرة للشعر .
3-الغموض الغلالي الذي يقود إلى أعماق النص والغوص على الأفكار والصور والتغلغل في المجهول لاصطياد الجديد غير المألوف وارتياد الآفاق التي لم يعرفها الخيال من قبل، أما إذا تحول الغموض إلى تعقيد لا طائل تحته وإغراب لأجل الإغراب فهذا يصبح من عيوب القصيدة التي تتحول من غمامة بيضاء ممطرة إلى غمامة سوداء كالحة تبرق وترعد دون أن تحمل قطرة ماء
4-المضمون الإنساني الواعد من خلال مخاطبة الإنسان وحمل همومه وتطلعاته ومشاطرته أفراحه وأتراحه ومرافقة مسيرة كده وشقائه وكفاحه الإنساني
5-المضمون العربي التغيري في كفاح الشعوب العربية من أجل تحقيق أهدافها في العيش النبيل والكرامة الموفورة واسترداد الحقوق المغتصبة لهذه الشعوب وبناء حياة حرة كريمة بعيدة عن الذات والعبودية والاستغلال وحمل رسالة مقدسة.
إن الحداثة الشعرية بمفهومها الحقيقي هي(معاصرة للحياة)قبل كل شيء تعيش مشكلات العصر وأفكاره وإيقاعه من خلال معاناة وقلق ورفض للواقع الرديء ويغلب على الحداثة إحساس التمزق والفجيعة والمأساة سواء أكان هذا الشعر تغييراً أم فردياً أوغيبياً ؟ فالحداثة نظرة واعدة تقوم على الاتصال والانفصال عن التراث لا تقدس الماضي الشعري فتقف عنده بل تصطفي منه وتضيف إليه وتصوغه صياغة جديدة وقد تخلقه خلقاً جديداً
والحداثة نظرة جمالية للشعر لاتؤمن بالقواعد الثابتة والنماذج السالفة بل تبحث عن أشكال وأساليب وطرق جديدة إنها تبحث عن المدهش الغريب وحتى يصبح الجديد جميلاً لابد أن يخضع لقواعد الفن والصناعة من خلال دمج الجميل بالغريب وبالعمل الفني الدؤوب
مرتكزات الحداثة الشعرية:
ترتكز الحداثة الشعرية في مفهومها المعاصرعلى :
1-الصورة بما تحمله من دلالات متألقة في نوعها ووظيفتها وارتباطها بعناصر القصيدة الأخرى وكشفها عن عالم الشاعر الداخلي والقصيدة الحداثية تستخدم الصورة بأنواعها الرمزية التي تتداخل فيها معطيات الحواس والشحنة البلاغية واللقطات الحسية لجزيئات الواقع للتعبير عن معان وأفكار وحالات نفسية وأجواء كونية وومضات نفسية بحيث تصبح هذه الصورة طريقة في التعبير وليس زينة مقصودها لذاتها بشكل مكثف بعيد عن المعقولية على أن يحمل طرفا التشبيه علاقة معقولة وقد أصبحت الصورة الشعرية تعتمد على الإيحاء بحيث توقظ في النفس تداعيات مبهمة رجراجة
2-الرمز: قد تشكل الصورة رمزاً وقد تجتمع في النص لتشكل رمزاً قد تكون معادلاً حسابياً للمرموز له وقد لاتكون ذلك وهذا الرمز يشق عن المعاني التي تسكن ذات الشاعر وقد تكون الصور الشعرية الجزئية واضحة الصلة بالمعاني وإذا فقد الرمز وضوح الرؤية ووضوح الصورة الجزئية أصبح غامضاً معتماً
3-الأسطورة:التي هي في الأصل حادثة غير واقعية يستلمها العقل الشعبي وتغدو جزءاً من مكوناته والتي يستخدمها الشعراء استخداماً سريعاً في أثناء القصيدة على أنها رمز كبقية الموز التي تغني النص أو استخداماً تكون فيه موضوع كاملا يدعى الوحدة العضوية وهذه الوحدة العضوية تفترض التنوع لاالتناقض وتفترض التركيب لاالتكرار
أنماط بناء القصيدة الحديثة :
1-نمط يقوم على التراكم بحيث يتراكم المقطع والمقطع كما هو في تراكم البيت والبيت والقصيدة في هذه الحالة بناء منفتح يمكن له أن تزار فيه مقاطع جديدة ويستغنى فيه عن مقاطع موجودة في النص ويمكن للمقطع الواحد أن يستقل بنفسه عن غيره.
2-نمط اتحاد المضمون بالشكل اتحاداً وثيقاً حسب قدرات الشاعر الفنية وحسب طريقة التناول ومن هذا النمط ما يقوم على النمو والحركة(نمو الحدث أو الحالة النفسية أو الفكرة وحركتها) كقصيدة المومس العمياء للسياب
3- نمط ينطوي فيه المضمون في الشكل ويصبح جزءاً منه بحيث يصعب التمييز بين الشكل والمضمون وبين الموضوع وصياغة الموضوع وهنا تقول القصيدة كل شيء دفعة واحدة وتصور موقفاً كلياً من الكون والمجتمع والإنسان من خلال رؤية الشاعركقصيدة أنشودة المطر للسياب
لغة الشعر الحديث:
تطلبت مطامح الشعر الحديث في بعده عن المباشرة والتقرير والفكر المجرد طريقة جديدة تناسب طموحه تمثلت في(الحسية) من خلال الاستخدام الكثيف والجديد للصور أم في استخدام المفردات الحسية فلغة هذا الشعر هي لغة الحس والجسد المعبر عن الحلم الكوني أو الإنساني أو النفسي أو الواقعي والشاعر الحديث يعود باللغة إلى بداياتها الأولى عندما كانت تعبر باللفظ الحسي عن المجردات ويتعامل مع هذه اللغة بجرأة وبقصد بعيداً عن عبودية التقليد كاشفاً بعض مافيها من أبعاد وألوان وظلال وإيحاءات وهمسات ولمحات وإشارات مزيحاً الستار عن طاقات خبيئة وإمكانات دفينة لأن اللغة ليست شيئاً جاهزاً بل هي في تجدد مستمر فاللفظة لها معنى معجمي ولكن الشاعر يشحنها بمعان جديدة ويقارب بينها وبين أختها على نحو غريب ضمن رصيد شعوري أو فكري أو فني.
ولغة الشعر الحديث تعتمد على طول العبارة وحركتها وتدفق أجزائها بأسلوب العطف حيناً وبغير العطف أحياناً وازدحامها بالأفعال تارة وخلوها من هذه الأفعال تارة أخرى.
إيقاع الشعر الحديث:
جاءت تجربة الشعر الحديث ثورة على الأوزان الخليلية كما يدعي أصحابه تاركاً إياها إلى اعتماد التفعيلية كريزة موسيقية له حيث يكرر الشاعر التفعيلة الواحدة عدداً من المرات تختلف من سطر إلى سطر تبعاً للدفقة الشعورية حيث يؤلف مايمكن أن يسمى بالجملة الموسيقية بدلاً من البيت المفرد .
وإيقاع الشعر الحديث لايتقيد بنسق معين للقوافي التي تتوالى وتتراوح وتتباعد دون نظام ظاهر تتلاشى أمامه النزعة الخطابية والتقريرية والمباشرة .
الأسطورة هي القصيدة شكلاً ومضموناً مادة وهيكلاً وكل ذلك من أجل خلق الجو الشعري المناسب
بناء القصيدة الحديثة :
يميز القصيدة الحديثة عن غيرهامن القصائد أنها بناء متكامل تتألف جميع أجزائه في وحدة عضوية تشبه صورة الكائن الحي الذي يتكون من أجزاء مختلفة تقوم بوظائف مختلفة وتتعاون جميعها لحفظ حياة هذا الكائن ويفترض أن يكون بين أجزاء القصيدة الحديثة من التلاحم والتقارب مايمكن للعقل أن يألفه
القصيدة هي تجربة كاتبها حين يعيد قراءتها
يقول الدكتور عز الدين إسماعيل في التفسير النفسي للأدب :((إننا في حدود الإطار الموسيقي للشعر قد نميل إلى القصيدة شكلها القديم عندما نكون مثاليين في نظرتنا الجمالية ، حسيين في تذوق الجمال ، وقد نميل إلى الشكل الجديد عندما نأخذ بفلسفة جمالية تؤمن بقيمة الواقع النفساني في الفن والحياة على السواء*)).
إن الشعر باعتباره طريقة من طرائق التعبير النفسي عن التجارب الإنسانية بجميع أبعاده يُعد الأسلوب الأمثل لنقل أفكار المبدعين إلى أُناس آخرين في حركة مدارها الإنسان فالحديث عن الشعر هو الحديث عن الإنسان نفسهُ منذ أن علم الله آم أسماء المسميات إلى يومنا هذا.
واللغة هي الفن وهي جسر التواصل بين الشاعر والناس، وهي المحطة التي يستريح فيها الإنسان من هموم زمانهِ ليحمل من خلال هذه الاستراحة شحنة جديدة لمواصلة مسيرة الحياة .
ولقد حاول النقاد والشعراء منذ عصور سحيقة تحديد مفهوم الشعر وطبيعتهُ ودراسة التجارب الإنسانية لتحديد غايتهُ وأهدافهُ وتطوير أساليبهُ ومناحيهِ وتحسينها .
فها هو الناقد ستوفر يحدد لنا خصائص الشعر التي استطاعَ استنباطها من تجارب الشعراء قائلاً :" إن خصائص الشعر ((اللغة)) تلك الوسيلة التي يمتلكها الشاعر نفسهُ والتي يعبر بها عن تجاربه وهي التي تحدد قاموسهُ الشعري الخاص بهِ وتجعلهُ يمتاز عن غيرهِ من الشعراء حيث يستخدم الإيحاء والرمز والإسقاط التاريخي ويتقمص الأساطير القديمة ليصل إلى العمق فالقصيدة لا تكون عميقة إلا إذا سبرت أغوار النفس الإنسانية")).
إن الشعر الذي لا يملك قضية يدرسها ويوليها أهمية بالغة من حيث كونها ترتبط بقضايا مجموعة من الناس هو شعر لا يملك خصائص مميزة فالألفاظ القاموسية يستعملها جميع الناس ولكن الشاعر الحق هو الذي يصطفي ويختار وينتقي الألفاظ المحسوسة الشفّافة التي تمتلك القدرة على الحركة والحياة عند تعبيرها عن عواطف وأفكار وأحاسيس ومعاناة الشاعر نفسهُ ومن هُنا كان رأي الجاحظ الفذ في أن المعاني الشعرية ملقية على الطرقات يعرفها البدوي والحضري والشاعر والإنسان العادي وأن الأديب والشاعر الحق هو الذي ينقلها لنا بصور وتعابير وألفاظ مميزة تمتلك مشاعرنا وتأسر أنفسنا .
إن الشاعر هو الذي يستطيع من خلال قصائده أن يخلق نظاما صوتيا يخدم أغراض موضوعية الذي يريد أن ينقلهُ لنا هذا النظام الصوتي بأبعاده الشفافة وهو يختلف عن الوزن الشعري لأن الوزن الشعري قالب جاهز تدخل فيهِ الألفاظ طوعاً أو قصراً بينما الإيقاع الصوتي روح لا نلمسها بحواسنا بقدر ما هي تتحرك في مشاعرنا . والشاعر بعكس الناثر الذي يهتم بنقل المعنى لنا بالدرجة الأولى ضارباً عرض الحائط بالشكل المتمثل بالألفاظ والعبارات والتي ينقلها لنا الشاعر لا شعورياً باهتمام بالغ لا يقل عن اهتمامه بنقل المعنى والمضمون.
كل هذه الخصائص تجعل الشاعر يرسم لنا مشاعرهُ (( قصيدته)) من خلال معالجة موضوعية معتمداً لغة ذات مستوى فني ليلمس قضية ذات أهمية كبيرة قاصداً العمق والإيجاز ومن خلال تعقيد لا شعوري .
وإن هذه الخصائص أيضاً تجعل الشاعر حينما يطرق موضوعاً ((ما)) إنساناً تنبئيا مستشرقاً ومشيراً إلى ما يمكن أن يقع في المستقبل ، فالشاعر يولّد لنا الأفكار الحرّة الحيّة النابضة بالحركة من خلال إيحاءات وإرشادات تحملنا على فهم قضايا العصر ومشكلاتهِ .
لقد حدد لنا الكاتب العربي ((الأصمعي)) من خلال كتابهِ ((فحولة الشعراء)) مواقف ثلاثة هامة من الشعر بعد أن ذكر شروط الشاعر الفحل عندهُ والمتمثلة (( بجاهلية هذا الشاعر وبمعارضته لغيره وبلغتهِ الصافية النقية وبكثرة قصائده الشعرية )).
يقول الأصمعي: ((إنّ هناك فاصلاً بين الشعرِ والأخلاق وإن الشعر إن دخل في أبواب الخير لان وضعف .وإن الفحولة صفة عزيزة في الشعراء)).بحيث لا يصنف الشاعر عندهُ في طبقة الفحول إلا إذا كانت صفة الشعر هي الغالبة عندهُ فالشاعر الذي يتصف بصفة أو صفات أخرى مع صنعتهِ الشعرية لا يصنف عندهُ في كتاب الفحولة مضافاً إلى ذلك اهتمام الشاعر بالتشبيه الذي يضفي على الشعر ثوباً من القدرة والصنعة.
إن الشعر قد تطور ونما وتأثر وأثر في غيرهِ واكتسب واكسب غيرهُ أشياء بحكم صلتهِ بالحياة والفنون الأخرى ، وقد حاول الشعراء منذ القديم رسم انفعالاتهم ومعاناتهم بأشكال فنية متباينة جاهدين من خلال ذلك إيصال تجاربهم بصورة مثلى تتناسب مع طبيعة العصر ومقتضيات الحياة وتفاعل مع الفنون وإن أقدم التجارب الشعرية العربية التي وصلتنا عن أسلافنا كانت تجارب امرئ القيس وعنترة والحارث بن حلزّة وزهير والنابغة وطفيل والمهلهل...
وإن هذه التجارب كتبت ضمن إيقاعات موسيقية حددها لنا الخليل بن أحمد الفراهيدي فيما بعد ((ببحور الشعر)) وهذه الإيقاعات الموسيقية برغم صدورها العفوي عن شعرائنا استطاعت أن تستوعب جميع تجارب الشعراء المتمثلة ((بالمديح والهجاء والفخر والنسب والغزل والوصف)).
ولما تطورت العقلية العربية بفضل تلاقحها مع الأفكار الفارسية والهندية والرومية واتسعت جوانب الحياة وتبدلت أشكالها في دمشق وبغداد وطليطلة وحلب وغرناطة والقاهرة أخذ الشعراء يفكرون بأشكال جديدة لرسم تجاربهم الشعرية بل ألحت عليهم ظروف الحياة ومعطيات العصر للتفكير بذلك.
فكان أبو العتاهية كما يقول أكبر من عروض الخليل في ابتكاره لأوزانها التي تربو على مائة وثمانين وزناً وكانت فنون القوما والمواليا...الخ...
وقد بقيت هذه الإيقاعات الموسيقية ورقة نقدية متداولة بين الشعراء يرسمون فيها معاناتهم ولكن بقوة أحياناً وبضعف أحياناً أخرى حتى أوائل العصر الحديث حيث تغيرت معظم المفاهيم والأفكار وتبدلت النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتباينت أشكال الحياة وازداد عمق الأنواع الأدبية ، وأصبح كما يقال من العسير جداً تفريغ شحنة عواطف وأفكار الشعراء ضمن تلك القوالب وعلى الطريقة الموروثة في تسلسل ((نهج القصيدة العربية وعمودها الشعري )) كما حدده نقادنا القدامى كابن قتيبة والآمدي وقدامه بن جعفر والجرجاني وغيرهم مما دفع الشعراء أن يبحثوا عن طرق وأساليب جديدة متأثرين بما ورد إليهم من آداب الأمم الأخرى وخاصة الأدب الفرنسي والإنكليزي والروسي .
ولقد نشأ من خلال ما نشأ طريقة جديدة في التعبير الشعري عن مشاكل الحياة هي طريقة (( الشعر الحديث أو المرسل الحر)) كما يسومنهُ وقد كانت بداية هذا اللون من الشعر عند العرب من خلال شعراء المهجر على يد أمين الريحاني الذي أخذهُ من ((والت ويت مان)) الأمريكي في ديوانهِ أوراق العشب الذي تحدث فيه عن معاناة الطبقات الدنيا في المجتمع الأمريكي .
وبذلك يكون الريحاني أسبق إلى هذا اللون من نازك الملائكة وبدر شاكر السياب .وقد سماه الريحاني بالشعر المطلق أو الحر أو الشعر الجديد، حيث أشار إلى أن هذا اللون من الشعر يخرج في شكله عن الأوزان الشعرية العربية القسريّة ويتخلص من القواعد السلفية الحرفية.
ومن الجدير بالإشارة أن الشاعر فريد وجدي ، وعلى أحمد باكثير ، وعبد الرحمن شكري كانوا أسبق من نازك الملائكة إلى هذا اللون ، وعلى أية حال نستطيع القول إن هذا اللون من الشعر لم يخرج عن الإيقاعات الموسيقية الخليلية من حيث اعتباره ( وحدة التفعيلية ) أصلاً في كتابته . بل ألغى عملية التناظر في عدد هذه التفعيلات في كل بيت من الشعر.
فالإيقاع التناظري الخليلي يجعل البيت الشعري مؤلفاً من وحدات موسيقية مقسمة على شطري هذا البيت بشكل متوازن معتمدا قافية القصيدة التي ترتكز على حرف يتكرر في نهاية كل بيت بعكس الشعر المرسل المعتمد على جمل موسيقية متباينة في كل سطر من الشعر ، فعدد التفعيلات يختلف في هذا الشعر من سطر إلى سطر بالإضافة إلى أن القافية لم تعد عنصراً هاماً في القصيدة .
وقد أسهب الشعراء في كتابة هذا النوع من الشعر بدراية وبغير دراية ضاربين عرض الحائط بالمورثات السفلية جملة وتفصيلاً . بل حاملين عليها ، ومعتبرين إياها حكاية أكل عليه الدهر وشرب ولم تعد هذه المورثات كما يزعمون تصلح لقضايا ومشاكل عصرنا الحاضر.
لم يحتفل شعراء عصرنا الحاضر بهذا اللون الجديد من الشعر كحل بديل عن المورثات السلفية الخليلية ، بل أصبح البعض منهم يميل إلى تجديد أسلوب التعبير والارتقاء بمستوى تجاربهم الشعرية من خلال نوع آخر أطلقوا عليه اسم ((قصيدة النثر.أو النثيرة )). مغفلين الموسيقى الشعرية القائمة على {وحد التفعيلة} ومكتفين بالتزام قواعد النحو والإعراب مدّعين أن هذا النوع له جذوره في لغتنا من خلال ((سجع الكهان الجاهلين)) الذي يعتبرصورة فنية في صياغة المفردات وخاصة عند ((عزّى سلمه وسطيح الذئبي وابن مصعب الأنصاري)) وعند بعض مدّعي النبوة ((كمسيلة الكذاب وسجاح)) ومما روي من سجاح ( عزّى ):
(( والأرض والسماء.
والعقاب والصعقاء.
واقعة ببقعاء.
لقد نفر المجد ، بني الكشراء ))
وقد ظن البعض أن هذا النوع من الكتابة سهل القياد ، لا يعتمد تعقيدات السلف فأوغلوا في ولوجه زاعمين أن مستقبل الشعر سينتهي لا محال إلى هذا النوع من خلال تطور الأنواع الأدبية .
وهم بذلك يجمعون الحجج والبراهين لدعم هذا الرأي وتثبيتهُ . ((فالقصيدة النثرية )) تعتمد عندهم على اختيار الصورة المميزة ، واصطفاء الألفاظ الحساسة المناسبة مبتعدين عن حشو الكلام رافضين الوزن الشعري باعتباره جزءاً ملحقاً لا عنصر أصلياً مفرغين تجاربهم بحساسية مرهفة وخيال متوقد لكي يسيطروا على انتباه وشعور المستمع والمتلقي لهذا الشعر ، إن الأدب بشكل عام والشعر بشكل خاص لا يمكن أن نعتبره إلا كياناً مستقلاً له حدوده وأبعاده وله كيفيته في الوجود
وإنهُ لو ألقينا سؤالاً عن ماهية الأدب ((القصيدة الشعرية)) وأين يمكن أن يوجد ؟ وما هو العمل الفني ذو الطبيعة الفنية ؟ لوجدنا أجوبة كثيرة قد تكون متوافقة وقد تكون متباينة وقد يناقض بعضها البعض وقد يكمل بعضها بعضاً .
ولقد سمعنا منذ القديم أن الشعر ((صنعة وحذق)) يستطيع من خلالها الشاعر صياغة الكلمات بحسب الموضوع الذي يريد لمسه وهو بذلك (صاحب مهنة) موادها الأولية الكلمات . وقد اتضحت هذه التجربة في أدبنا القديم عند شعراء الصنعة ، وأصحاب (الحوليات) الذي أطلق عليهم اسم ((عبيد الشعر)) ((بشامة بن الغدير، أوس بن حجر ، زهير بن أبي سلمى ، كعب بن زهير ، الحطيئة )). وقد توج عملهم فيما بعد الشاعر أبو تمام . لقد تضاربت الآراء حول ماهية القصيدة . فمن قائل: إن القصيدة هي الأصوات التي ينشدها القارئ ، وإن هذا الانتشار هو الذي يحدد طبيعة القصيدة ومن قائل : إن القصيدة هي تجربة القارئ فهي ليست شيئاً خارجاً عن العمليات العقلية الجارية في ذهنه. ومن قائل : إن القصيدة هي تجربة كاتبها حين يعيد قراءتها ، وإنهُ من الحق أن الشعراء يتأثرون بالواقع النقدي المعايش لهم وبصيغة النقدية ولكن من الحق أيضاً أن نقول : إن الصيغ النقدية قد لا تكون دقيقة في تحديد صفات انجازهم الخلق الشعري الفعلي ، وإن هؤلاء الشعراء حين يكتبون لا يضعون نصب أعينهم المفاهيم النقدية ، بل يتأثرون بها شعورياً .
إن التجربة الشعرية لا تقاس بمقدرتها على تنظيم حوافزنا وأن الشعر الجيد لا يمكن أن نعرّفهُ ( بالرعشة) التي يثيرها فينا ، كما أن المأساة لا تقاس بكمية الدموع التي يسفكها المشاهدون عند رؤيتها ولا تقاس الملهاة بعدد ضحكات المشاهدين .
إن التجربة الشعرية هي الكائن الحي الذي بتمخضه الشاعر ويلده ولادة طبيعية لا قسرية يحمل في طياتهِ عوالم وأفكار وعواطف وأحاسيس تتوافق مع نظيراتها في نفوسنا إن هذه التجربة هي التجربة هي الحياة التي نعيشها ولا نستطيع التعبير عنها كما عبر عنها الشاعر نفسه فهي الكلمة الحية التي تخرج من القلب وتدخل في القلب لا تعتمد الزيف ولا الهراء ولا تلهث وراء سراب غير موجود إنها بتعبيرها عن الحقيقة داخل نفوسنا أو خارجها كالسمكة التي إن خرجت من الماء فقدت الحياة إنها النسمة الهادئة التي تحمل إلينا الطمأنينة والوداعة بالإضافة إلى ما تحملهُ من حاجة في نفوسنا إلى التفنن إنها ضوء القمر الساطع الوديع الجميل الذي نحتاجهُ ليضيء دروبنا المظلمة مع تلذذنا بمتعة النظر إليه إن الشعر ليس ضرباً من الكلام غايتهُ التسلية والدعابة ، وإذا كنا نعتبر أن المعايير السلفية للقصيدة الشعرية تقوم على وحدة الوزن والقافية من حيث الشكل وعلى إتباع نهج القصيدة وعمود الشعر من حيث المضمون ، فإننا نستطيع القول أن قصيدة التفعيلة لم تعد ترضى بهذه الأسس السلفية رغم أنه لا يمكننا وسم هذه الأساليب القديمة وإدانتها واعتبارها فجعة ذلك أنها استطاعت استيعاب تجارب ومشاكل ذلك العصر.
إن قصيدة التفعيلة أخذت تعتمد القيم الفنية التي أصبحت الحاجة ملحة إليها عندما تريد فهم أو تحليل أي عمل شعري . هذا العمل الذي لم يعد سلسلة من الأصوات ينبعث منها المعنى أو مجموعة من الرموز والإيحاءات والأساطير التي نجتثها من هنا وهناك.
د ـ شعر الملاحم
ه ـ الشعر القصصي
هو نوع من الشعر يحمل في طيانه قصة من القصص تعرض كالشاعر أو أحد غيره وهي قديمة في الشعر العربي كقصة الخطيئة الشعرية
وطاو ثلاثأ عاصب البطن مرمل ببيداء لم يعرف لها ساكن رسما
أو قصة الشاعر و الذئب التي كتبها الفرزدق ومن ذلك كثير من قصص كليلة ودمنه حولها الشعراء الى قصائد شعرية وكذلك كل ما كتبه الشعراء على لسان الطير و الحيوان وكذلك كثير الشعراء عروة من حزام قصته مع عفراء (عروة وعفراء) وهي تتحدث عن حبه الفوري لها والقصة الشعرية تحتاج إلى تقنية خاصة و أدوات بارعة.
الباب السادس
الفصل الثالث
الخـطابـــة
أولا ـ تعريف الخطبة وعناصرها وخاتمتها
تعريفها: قطعة نثرية ذات طول متوسط يعالج فيها كاتبها من جهة نظره موضوعا من موضوعات الحياة الاجتماعية أو السياسية أو العسكرية .......و فن مخاطبة الناس ومشافهتهم جاء من أجل إقناعهم بأفكار يريدون توصيلها لهم واستمالة قلوبهم وعقولهم من خلال الأدلة الموضوعية المقنعة لأن الخطبة الماهرة الحادقة تلهب مشاعر السامعين أو تهدئها وتسيطر على عواطف الناس سروراً أو حزناً ثورة أو سكينة
عناصر الخطبة :
تتألف العناصر التي تشكل هيكل الخطبة من :
1-المقدمة :
توطئة ذات صلة بموضوع يحدد مضمون الخطبة وتعد المقدمة تمهيدا للأفكار التي سيقدمها الخطيب في خطبته والقضايا التي سيعالجها ومن خلالها يلفت نظر الحضور إلى أهمية الموضوع بأسلوب مشوق يثير اهتمامهم ليتوجهوا إليه بأذهانهم وأسماعهم ، ويصغوا إلى ما يلقى عليهم ، وتكون المقدمة متقنة التعبير محكمة النسج قوية الإلقاء لتترك أثرا فعالا في تنبيه وعي الجمهور والسيطرة على أذهان الحضور ومشاعرهم ليحقق حسن الإقبال عليه و لا بد أن يراعى فيها الإيجاز غير المخل
2-المضمون:
ويشمل الموضوع الذي يرغب الخطيب معالجته و هذا يقتضي أن يحدد أفكاره مسبقا، ويرتبها ترتيبا موضوعيا دقيقا ومترابطا و يراعي فيها وضوح معانيها ليسهل على السامع فهمها ، وإذا كان الموضوع يتصل بنقض
شبهات فعليه و الحالة هذه أن يعرض هذه الشبهات و يشير إلى خطورتها و أثرها الشرير
3-خاتمة الخطبة:
وبها ينهي الخطيب موضوع الخطبة فيؤكد أهمية ما طرح من أفكار و الخطبة التي لا خاتمة لها تترك الحاضرين في حيرة و تساؤل هل انتهى الموضوع أم لا؟
ثانيا ـ أنـــواع الخطابـــة
تتنوع الخطابة بتنوع الموضوعات التي تتحدث عنها ومن هذه الموضوعات
أ ـ الخطابة الدينية
الخطابة الدينية نوع مميز تتوجه الخطبة فبه إلى عقول وقلوب الناس لتبقى معلقة بمحبة رب العالمين ويختلف أسلوب الخطابة الدينية عن أسلوب الخطابة السياسية والاجتماعية والوطنية وغير ذلكمن أنواع الخطابة من حيث الأداء والموضوعات ، وإن كان هناك قاسم مشترك في الأسلوب اللغوي والعام ، وخطيب الجمعة ليس محاضرا فالخطبة تختلف عن المحاضرة في الأسلوب والأداء حتى لو التقت معها في الموضوع . الخطابة في الإسلام إحدى أدوات الاتصال مع جماهير المسلمين وهي من أبرز وسائل الدعوة إلى الله لذلك شرعت في الجمعة والعيدين والكسوف والخسوف والاستسقاء وفي الحج وفي المعارك الحربية والمناسبات الطارئة وانطلاقاً من أهمية الخطابة الدينية ودورها الفعال في بناء المجتمع يجب ألا تتحول إلى مهنة للمعاش حيث تفقد في هذه الحالة دورها الفعال في البناء ويصبح الخطيب موظفاً دينياً أكثر منه مربياً وموجهاً ومعلماً وبذلك يكون قد أوسد الأمر لغير أهله وهذا من علامات الساعة ولا يعني ذلك ألا يتقاضى الخطيب أجراً على عمله فهذا جائز شرعاً كما هو معلوم ولكن لا تتحول الخطابة إلى مهنة معاش في شعوره وفي واقع عمله ومما يجدر ذكره أن كثيراً من الخطباء الآن في أمس الحاجة إلى تحقيق المقومات الأساسية للخطابة الناجحة كالموهبة والعلم واللغة والجرأة وطلاقة اللسان والحكمة والتقوى والإخلاص فإذا جمع الخطيب في شخصيته هذه المقومات فهو أهل للخطابة وبوسعه عندئذ أن يساهم مساهمة فعالة في بناء المجتمع المؤمن الصالح وأما فيما يتعلق بأداء الخطبة فإن الخطيب الناجح هو الذي يستوفي الموضوع الذي يتناوله بعد تحضيره مؤيداً بالشواهد الشرعية متحرياً صحة الأحاديث النبوية الشريفة وما يرويه من قصص وغيرها ولا بد أن يكون نقله للآيات القرآنية الكريمة دقيقاً مع الإشارة إلى رقم الآية واسم السورة ويوضح أفكاره بأسلوب جيد السبك مفهوم العبارة ويحذر من إطالة الخطبة كي لا يمل الحضور وليكن معتدلاً في حماسه وانفعاله ولا يتجاوز الحد المطلوب في الخطابة حتى لا يفقد زمام السيطرة على كلامه فيضر من حيث يجب أن ينفع ولا يعني هذا أن تكون خطبته باردة المشاعر وكأنه يقرأ نشرة أخبار ولا يبالغ في التقريع والتوبيخ لأصحاب المخالفات الشرعية فيخرجهم من الدين ولا يتساهل في أمر المعاصي فيصور الكبائر وكأنها من صغائر الذنوب والأفضل أن يغلب الترغيب على الترهيب ويبتعد عن التجريح حتى لا ينفر الناس منه وإذا أراد أن يلفت النظر إلى مخالفات يرتكبها أشخاص يعرفهم فليقل كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا دون أن يسمي أحداً منهم أو يشير إليه ولا يتهجم على مبادئ الآخرين وعقائدهم فهذا ينافي حكمة الدعوة إلى الله التي تعلمناها من كتاب الله وسنة رسوله قال تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) وبما أن الخطيب من الدعاة إلى الله تعالى فعليه أن يلتزم بالحكمة والموعظة الحسنة في إطار دعوته كما قال تعالى(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)
ومما يقلل من تحصيل الفائدة العلمية من الخطبة علو صوت الخطيب إلى حد الصراخ فيخيل للسامع كأنه في مشاجرة
وينبغي على الخطيب ألا يكثر من البكاء خلال الخطبة بغية التأثير في نفوس المستمعين أو لتفاعله مع الموضوع الذي يتناوله الخطيب وبالتالي تفقد الخطبة فاعليتها لدى الحضور وتضيع معظم الفائدة المرجوة منها .
إن المكانة المرموقة التي يتبوأها الخطيب بين الناس تنطلق من مهمة موقع الخطابة التي يقوم بها وهي المساهمة في بناء المجتمع الصالح على أسس الإيمان بالله ورسوله وهذا يعني أن رسالته لا تنحصر بموقفه الخطابي أمام المصلين حين يقدم خطبة الجمعة بل هي أوسع من ذلك بكثير إنه يقوم بحمل الراية التي حملها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل مسؤوليتها المسلمين عامة وعلماء الإسلام خاصة وأكدها في حجة الوداع( اللهم هل بلغت اللهم فاشهد) ونطق بها القرآن الكريم (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) الزخرف44
ومن خلال هذا الموقع يبقى الخطيب محط أنظار أبناء مجتمعه الذي يعيش بين ظهرانيه ومعقد الأمل في توعيتهم وتفهيمهم أمور دينهم فيعلمهم ما جهلوا من أحكام ويذكرهم ما نسوا من فرائض وواجبات ويعظهم إن أخلوا بالالتزام أو قست قلوبهم فضعف الوازع في نفوسهم فيأخذ بأيديهم إلى ضلال التقوى وليوقظ في أحاسيسهم الخوف من الله تعالى ويجعل جاهداً بحكمته ووعيه على رد الضال برفق إلى جادة الإيمان ويصلح ذات بينهم إذا عبث الشيطان بعلاقاتهم الاجتماعية وصلاتهم الأخوية فيأمرهم بصلة الأرحام وحسن الجوار والتحلي بمكارم الأخلاق ويذكرهم بأيام الله واستمرار القيام بأداء حق العبودية والعبادة لله رب العالمين خير قيام إن مهام الخطيب متعددة الجوانب وهي أمانة ثقيلة الأعباء فإن أدى الخطيب هذه المهام كما أمر الله ورسوله حقق الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة وحظي برفقة إمام الخطباء وسيدهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وسلفه الصالح رضوان الله عليهم يوم يقوم الناس لرب العالمين وإن كانت الأخرى فيا لها من خسارة ما بعدها خسارة ولا يخفي على الخطيب أن أداءه هذه الأمانة العظمى تقتضي منه أن يتحلى بباقة من الخصال الحميدة فإن كانت فيه فهذا من فضل الله ورحمته عليه وتوفيقه له وإن هو قصر في تحصيلها أو في اكتساب بعضها أو غفل عن ذلك فما عليه إلا أن يسعى جاهداً للتخلق بها من خلال مزيد من القربات ومجاهدة النفس ومراقبتها ومحاسبتها باستمرار وحملها على التحلي بأخلاق القرآن الكريم متأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً )الذي كان خلقه القرآن الكريم كما جاء في السنة الشريفة
أسلوب الخطابة الدينية
معنى الأسلوب :
الأسلوب لغة:الطريق، وفي الخطابة و الكتابة : هو الطريقة التي يعتمدها الخطيب أو الكاتب في نقل أفكاره وعرضها وللأسلوب جانبان:الأسلوب العام و هو طريقة أداء الأفكار و المعاني و المعارف.و يشمل جميع الوسائل التعبيرية التي يختارها الخطيب ، و الأسلوب اللفظي وهو مجموعة الألفاظ والتراكيب والجمل التي يستخدمها الخطيب في التعبير عن أفكاره و آرائه و مشاعره و يخاطب من خلاله الجمهور.
إن أسلوب الخطب إذا تميز بوضوحه و جماله و قوته يترك بالغ الأثر في نفوس المستمعين فيحرك مشاعرهم و يدفعهم إلى فهم ما يلقى إليهم من معارف.
أما إذا فقد الأسلوب هذه الميزة فقد فقد بغيابها تأثيره في النفوس و استيلائه على القلوب والمشاعر، وحلت السآمة في نفوس المستمعين والنفورمن الخطبة و الخطيب.
خصائص أسلوب الخطابة الدينية:
تتميز الخطابة الدينية عن غيرها من الخطابة الاجتماعية والسياسية إذ لا بد فيها من خصائص تجعلها قريبة من نفوس المتلقين حتى ترقق قلوبهم وتستميلها من أجل تمثل أحكام الشرع ومحبة الله تعالى ومحبة الناس وهوايتهم للخير
1-لما كان الأسلوب الخطابي يتميز عن بقية أساليب الكلام بكثرة الجمل الإنشائية والألفاظ المؤثرة والكلمات الموحية المؤججة للمشاعر والمرققة للقلوب والهازة للنفوس فلا بد للخطيب من الغاية بانتقاء كلماته المعبرة وسيكها في تراكيب وجمل تؤدي الغرض المنشور الذي يشد السامع إليه ويوصل الفكرة المبتغاة إلى قلبه وعقله وهذا الاختيار للكلمات يرفع قيمة الخطبة ويزيدها جمالاً ويكسوها حسناً وبهاءً من خلال كونها مأنوسة واضحة ذات جرس موسيقي مناسب للأفكار ومعبر عنها بعيدة عن الغرابة والتعقيد والتقعير .
فإذا كان الموضوع يتحدث عن الإيمان اختار الخطيب ألفاظاً معبرة بموسيقاها عن طمأنينة القلب وسمو الروح واستقامة الجوارح وإذا كان الموضوع يتحدث عن الجهاد اختار الخطيب ألفاظاً معبرة عن الحماسة والشجاعة والعزيمة وإذا اختار الخطيب موضوعاً يتحدث عن الحزن اختار ألفاظاً موحية بجرسها الموسيقي بمعاني الحزن والتحسر والألم والفراق والأسى والمصيبة والفاجعة
2-والخطبة البارعة يبتعد فيها الخطيب عن الألفاظ الركيكة والعامية والمبتذلة حتى لا يفقد الأسلوب رونقه وجماله وتأثيره في النفوس
3-وإن من أخطر العيوب في الخطبة(اللحن) و(التكرار) في الألفاظ والأفكار والجمل
4- وعلى الخطبة أن تكون تراكيبها قوية متماسكة محققة للمعنى المقصود وسليمة من الضعف والتفكك خالية من التكلف والسجع
5-تلوين أسلوب عرض الخطبة حيث تتغير ضروب التعبير من استفهام وأمر ونهي وتعجب لتنبيه لأذهان واستقطاب الأسماع والأخذ بمجامع القلوب والتأثير في النفوس.
ميزات أسلوب الخطبة:
ويفترض أن يتميز أسلوب الخطبة(أي خطبة) بمايلي
1-الوضوح في الأفكار والمعاني
2-الجمال في العرض والمناقشة
3-القوة في الأداء
4-ترك بالغ الأثر في نفوس المتلقين فكراً
5-القدرة على الاستيلاء على مشاعر المتلقين
ب ـ الخطابة السياسية:
1 ـ خطب الجماهير
2 ـ خطب المناسبات الوطنية والقومي
ج - خطب التهنئة :
د - خطب التعزية :
ثالثا ـ الخطبة بين الارتجال والتدوين :
تنوعت الخطب من حيث إعدادها إلى ( خطب مدونة وخطب مرتجلة )
الخطب المرتجلة : وهي التي يلقيها صاححبها مباشرة دون تحضير
ولهذه الخطبة المرتجلة محاسن ومساوئ
أ ـ محاسنها:من محاسن الخطب المرتجلة
1 ـ تحقيق الاتصال بين الخطيب والحضور
2 ـ منح الخطيب حرية أوسع في معالجة القضايا التي يتناولها
ويشترط لنجاح الخطبة أن يقوم الخطيب بتحضيرها مسبقاً فيحدد الأفكار التي سيتناولها مع الشواهد اللازمة والمناسبة
ب ـ مساؤها:ومنوساوىءالخطب المرتجلة
1 ـ حالات الإرتاج التي قد يتعرض لها الخطيب فيضرب كلامه ولا يتمكن من متابعة خطبته
2 ـ وقوع الخطيب في شرك التكرار أو الإطناب الممل أو الإيجاز أو عدم السيطرة على الوقت أو إطالة الخطبة مما يؤدي إلى ملل المصلين وحرصهم على وصول الخطيب إلى ختام خطبته
وفي هذه الحالة تفقد الخطبة أهم أغراضها وهي تفاعل الجمهور وفهمه للموضوع ولا يأمن خطيب الارتجال من
3 ـ ركاكة التعبير وعدم ترتيب الأفكار وترابطها
4 ـ الخروج على الموضوع أو الاستطراد الذي يضيع معه المستمع
غير أن معظم هذه السلبيات المذكورة تنجم عن عدم التحضير الجيد المسبق للخطبة .
الخطبة المدونة:وهي الخطبة التي يكتبها صاحبها قبل إلقائها
أ ـ محاسنها:
1 ـ الدقة التعبيرية
2 ـ ضبط الأفكار والزمن
ب ـ مساوؤها
1 ـ ضعف الصلة بين جمهور المستمعين والخطيب
2 ـ تقييد حرية الخطيب في الكلام
والخطب المكتوبة غير محببة ولا مرغوبة لدى المستمعين ويستدل البعض بها على ضعف الخطيب وضحالة ثقافته لذلك نجد معظم الخطباء الدينيين يتجنبون الخطب المكتوبة حفاظاً على مكانتهم في الخطابة .
والحق يقال إن الخطبة المرتجلة إذا تهيأ لها الإعداد الجيد المسبق من تحديد الأفكار وضبط الزمن وتخير الألفاظ المؤثرة هي بالتأكيد أفضل من الخطبة المكتوبة وأعظم منها أثراً في النفوس وأكثر فائدة .
رابعا ـ خصائص الخطبة الناجحة
يجب على الخطيب الناجح أن يوفر لخطبته كل عوامل النجاح والتأثير على المتلقى
أبرز خصائص نجاح الخطبة:
1 ـ اختيار الموضوع المناسب لواقع الحضور ومستواه الثقافي
2 - تحديد الأفكار الأساسية للخطبة وما يتفرع عنها .
3- إغناء الموضوع بالشواهد المناسبة مع ربط الشاهد بفكرته
4- التحضير الجيد المسبق وهذا يساعد على استيعاب الموضوع الذي يتناوله والإحاطة به
5- يجب أن تكون لغة الخطيب واضحة فصيحة بعيدة عن الابتذال والتقعر والتكلف في الكلام و غريب الألفاظ
6 ـ إيصال الفكرة إلى المتلقي .
7- استخدام وسطية الصوت بين الجمهوري والخافت فتكون طبقات الصوت وإيقاعه مناسبة لفواصل الكلام ومواقف الأفكار
8- وسطية الانفعال فلا يشتد به الحماس فيخرجه عن طوره واتزانه في الخطبة فيعلو صراخه من غير ضرورة فلا يفقه الحاضرون ما يقول ولا يسيطر عليه البرود فتتحول الخطبة إلى درس وعظ وإرشاد فتفقد الجاذبية وعنصر التأثير في نفوس المستمعين
9- اتصال الخطيب بجمهوره بجعل الأنظار مشدودة إليه وكأن الناس على رؤوسهم الطير.
10- تجنب الإطالة المملة والقصر المخل
11- تجنب الاستطراد في الأفكار والتحكم في استطراده في حدود ما يتطلبه الموضوع.
خامسا ـ شخصية الخطيب:
الخطيب هو الذي يقف أمام جمهور من الناس يتحدث إليهم في موضوع محدد بنبرة خطابية وبهيئة مخصوصة متقيداً بعناصر الخطبة وأسلوبها ، وليس كل من تحدث أمام جمع من الناس قل أو كثر يعتبر خطيباً فهناك المحاضر فهناك المعلم والمدرس والمحامي الذي يرافع أمام القضاء في قضية ما وهؤلاء جميعاً ليسوا خطباء ،
أما الخطيب الديني فله خصوصية مميزة عن بقية الخطباء الآخرين غير الدينيين لكنه يشترك معهم في معظم الصفات
سادسا ـ مزايا الخطيب الديني الناجح :
آ- مزايا الطبع والفطرة :
1- الموهبة الفطرية الخطيب الموفق هو الذي حباه الله من فضله قدرة على أداء الخطبة دون تكلف فينساب الكلام على لسانه عفو الخاطر دون عناء ولكنه يحتاج إلى تدريب وممارسة الخطابة ليشحذ مقدرته الخطابية ويقويها ويهذبها وأما إذا فقد المرء استعداده الفطري للخطابة فإن أداءه الخطابي سيكون دون المستوى المطلوب لأنه في هذه الحالة لا يبلغ مستوى من كانت الخطابة لديه موهبة فطرية مغروسة في طبعه حتى لو تدرب ومارس الخطابة فنجاح الخطبة وقوة تأثيرها تتوقف على الاستعداد الفطري عند الخطيب وهذا لا يعني أن نقلل من شأن الدربة ونغفل عن مكانتها ودورها في نجاح الخطيب فهي تساعده على القيام بمهمة الخطبة في المستوى المتوسط على أكثر تقدير لكنها لا ترقى به إلى مقام الخطباء المبدعين الذين يقصدهم الناس من أماكن بعيدة ليستمعوا لها ويشار إليهم بالبنان .
2- الفصاحة وقوة البيان: فلغة الخطيب الفصيحة وقوة بيانه تعدان من أبرز صفات الخطيب الناجح لأن الكلمات ستكون طوع لسانه والعبارات وفق إرادته ينزلها الموقع الذي يريد في خطابه إن مثل هذا الخطيب قادر على التأثير في النفوس وإلهاب المشاعر وشد الانتباه إليه ولقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال له( يعجبني جمالك) قال: وما جمال الرجل يا رسول الله ؟قال : ( لسانه)
3- الشجاعة الأدبية: تعتبر الشجاعة الأدبية عنواناً لقوة الشخصية لدى الخطيب ولها أثر كبير في سيطرة الخطيب على قلوب السامعين والتأثير في نفوسهم ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في ميدان قوة الشخصية لمن أراد أن يتبوأ أعلى مراتب الخطابة قال سيدنا علي رضي الله عنه في وصف الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام( من رآه بديهة هابه ومن عاشره خلطة أحبه) وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب خشعت له القلوب وذرفت من كلامه العيون ورحم الله أحمد شوقي حيث قال :
وإذا خطبت فللمنابر هزة تعرو الندي وللقلوب بكاء
ومن مظاهر قوة الشخصية عند الخطيب تجنب رذيل القول وسوء الفعل والحذر من كثرة المزاح لأنها مسقطة للهيبة فيرى الناس في الخطيب شخصية هزلية فلا يتأثرون بكلامه ولا ينتفعون من خطابه
ب- التحلي بمكارم الأخلاق:
الخطيب في نظر الناس من أعظم المربين ومن كان هذا شأنه لا بد أن يتحلى بأدب الحديث ويتمسك بمكارم الأخلاق لأن حسن الخلق من أهم الصفات النبيلة التي يجب على الخطيب أن يتحلى بها ليكون قريباً من قلوب الناس ونفوسهم فيستجيبون لحديثه ويتأثرون بكلامه وبخلقه المحمود ويتمكن من زرع الثقة في نفوس سامعيه فيحبونه لأنه في نظر أبناء مجتمعه نموذج للقدوة الصالحة فإذا أمرهم بمعروف ائتمر به إذا نهاهم عن منكر كان منتهياً عنه أصلاً وبذلك تتجسد أخلاقه الحميدة في أفعاله وأقواله وسائر أحواله فيفرض بذلك على الناس احترامه أما إذا كان الخطيب سيء الأخلاق فاسد السلوك ملطخاً برذائل الأقوال والأفعال قبيح الصفات فمهما أوتي من البيان والفهم والفصاحة فسوف يفشل في التأثير في قلوب مستمعيه حتى لو أصغوا إليه فهم لا يثقون به لأن أقواله في واد وأفعاله في واد آخر وينقض فعله قوله لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد من فقدان الثقة بالخطيب بل يتعداه إلى الإساءة إلى الإسلام نفسه فيشوه صورته النقية بسوء فعله عند حديثي العهد بالإسلام من الأحاديث أو عامة الناس الذين لم يصل عندهم الوعي الإسلامي إلى مستوى يميزون فيه بين الخطيب والإسلام لذلك أنكرت الآيات البينات أشد النكير على هذه الفئة من الخطباء والدعاة الذين لم يجعلوا من أنفسهم قدوة حسنة يقدمونها للناس قال تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) وقال تعالى (يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)
وقد بينت الأحاديث سوء المصير في الآخرة لأمثال هؤلاء الخطباء فقد جاء في حديث الإسراء والمعراج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في رحلته على أناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقال(يا أخي يا جبريل من هؤلاء قال خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون) ، وجاء في الصحيحين عن أسامة بن زيد قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون يا فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه)ولا شك أن هذا التصرف السيء من الخطيب مخل بالإخلاص وقد حرم نفسه من ثناء الله على المخلص لأنه خرج من زمرتهم قال تعالى(إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً)
وللإخلاص أثر فعال في توجيه النفس البشرية نحو الخير والعبودية لله وحده والخطيب الذي يتحلى بالإخلاص يؤتيه الله قوة تأثيرية مميزة يستطيع بها أن يترك بالغ الأثر في نفوس الجمهور لأن كلامه من القلب وما خرج من القلب يصل إلى القلب ويمكن للخطيب أو الداعية أن يؤثر في أشد القلوب قسوة فيضيء في جنباتها نور الإيمان والخير فيخرجها من الظلمات إلى النور ولقد تمكن سلفنا الصالح بقدوتهم الحسنة وإخلاصهم أن يفتحوا القلوب قبل البلدان وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال هام هو: ما الذي يجعل الخطيب ينحرف هذا الانحراف المشين الذي أشرنا إليه من الخلل في الإخلاص والسلوك ؟ والجواب لا شك أن للشيطان دوراً كبيراً ومن قرأ كتاب (تلبيس إبليس) يدرك كيف الشيطان في شركه أبرز العلماء وأشهر الخطباء فقد يزين للخطيب المنافع المادية الكثيرة فيرتكب المحظور ويأكل المال الحرام أو يزين بدافع الشهرة وحب الظهور فيقع في الغيبة والنميمة أو الوشاية ولا يهمه الضرر الذي يلحقه بأخ له فيسيطر عليه أسوأ مبدأ شرير وهو الغاية تبرر الوسيلة
واجب الخطيب أثناء إلقائه خطبته
1- أن يكون جيد الإلقاء
2- أن يكون صوته جهورياً
3 ـ عدم الخجل والخوف من مواجهة الجمهور
4 ـ أن يتحلى بالشجاعة والجرأة الأدبية
5- أن يتمكن من توزيع طبقات الصوت أثناء إلقائه ، فالنبرة الحماسية لها موقفها وأسلوبها ومعانيها والنبرة المتوسطة لها دورها في الكلام ومواقفها الملائمة لها
6 ـ أن يبدأ خطبته هادئاً واضح الكلام ثم يرفع من وتيرة صوته شيئاً فشيئاً ويعود إلى هدوئه خلال الخطبة
7 ـ سلامة النطق وفصاحة الكلام بمراعة لفظ الحروف وإخراجها من مخارجها بشكل دقيق
8 ـ تجنب الأخطاء النحوية والأغلاط اللغوية وأن يتقن قواعد النحو مع ضبط عين الكلمة وفائها حتى لا يقع في عيوب الألفاظ
9- مراعاة الخطيب للمعاني والوقوف في المواطن المناسبة فلا يقف وقوفاً مفاجئاً ولا يستمر في الحديث لأن التوقف المفاجئ يبتر الكلام فتفقد الخطبة فائدتها وتأثيرها في السامعين
10 ـ سرعة البديهة في أجوبة الخطيب إذا سئل وهو على المنبر فإنه يزيد من مكانته في نفوس الجمهور.
11- تأجج حماس الخطيب ، فإذا بردت عاطفة الخطيب وفترت مشاعره خبت شعلة تأثيره وذلك لتجديد نشاط السامعين وتنبيه أذهانهم
12 ـ يجب أن تتناسب حماسة الخطيب مع أفكار خطبته وتنسجم مع معانيها وأفكارها
وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم يقول : (بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ويقول(أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى وهدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) ثم يقول : ( أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالاً فلأهله ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي) رواه مسلم ،
مظهر الخطيب في هيئته وملابسه وسمته:
حث الإسلام على الاهتمام بالمظهر بشكل عام لأن الإسلام هو دين الحضارة والأناقة فلا عجب أن يطلب من أتباعه أن يكونوا كالشامة بين الناس نظافة وترتيباً وحسن مظهر خاصة في مجتمع الناس : قال تعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد) وكان صلى الله عليه وسلم يوجه أصحابه خاصة والمسلمين عامة على مدار الزمن إلى التأنق باللباس وكل ما من شأنه أن يرفع من شخصية المسلم فلما رأى رجلاً ثائر الرأس قال ( أما وجد هذا ما يسكن به شعره وكان صلى الله به وسلم يتعطر فإذا مر بمكان يعرف أنه مر صلى الله عليه وسلم من هذا المكان من رائحة العطر الفواحة وإذا جاء وفد زائر ينظر في المرآة ويسوي شعره ولحيته فعن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان ينظر بالمرآة وهو محرم فهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين عامة فيحسن بالخطيب أن يكون حسن المظهر وباعتبار أن الخطيب يقف موقف الوعظ والإرشاد والتعليم أو على منبر الخطابة فهو محط أنظار جمع من الناس ينظرون إليه ويسمعون حديثه فعليه أن يظهر بمظهر لائق لمثله مرتدياً ثوباً يدل على الوقار مسرحاً لحيته كي يزداد وقاراً ورفعة في نفوس الناس ورد في سيره الإمام مالك أنه خرج إلى مجلس العلم يغتسل ويتطيب ويلبس ثوباً جديداً نظيفاً ومعه عود الطيب بيخر به مجلسه وقد ورد في كتاب زاد المعاد لابن قيم الجوزية عن ملابس الرسول صلى الله علية وسلم كانت له عمامة تسمى : السحاب كساها علياً وكان يلبسها ويلبس تحتها القلنسوة وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة ويلبس العمامة بغير قلنسوة وكان إذا اعتمَ أرخى عمامته بين كتفيه كما رواه مسلم في صحيحه عن عمر بن حريث قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه) وفي صحيح مسلم أيضاً عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء ويستحب لبس البياض من الثياب لما رواه أبو داود والترمذي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم )
سابعا ـ وقفة الخطيب على المنبر :
ينبغي للخطيب أن يقف على المنبر وقفة وقار فيسلم على الحضور عند صعوده بتحية الإسلام ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ولا يكثر من الالتفات يميناً وشمالاً أو يكثر من الحركة والإشارة بيده لأن كثرة الحركة يغير لزوم تخل بوقار الخطيب ولا يعني أن يقف دون حراك كالتمثيل بل يتحرك بهدوء ويشير بيده حسب ما يقتضي حال الموقف وأن يكون مرتاحاً في وقفته ولا يبدأ الكلام حتى تهدأ نفسه وتسكن جوارحه وتتهيأ أسماع الحضور لاستقبال ما يلقى عليهم من مواعظ
ثامنا ـ ثقافة الخطيب :
يتمتع الخطيب بمكانة علمية مرموقة في نظر المجتمع الذي يعيش فيه وفي مجال الإشارد والتوجيه يتبوأ موقفاً رفيعاً يعد في نظر الناس من حوله موسوعة علمية لا يعجزه جواب عن أي سؤال يخطر على بال خاصة على نطاق العلوم الشرعية والفكر الإسلامي والسيرة النبوية الشريفة والتاريخ ولاشك أن هذه الثقة التي يمنحها المجتمع للخطيب أمر إيجابي يساعده على أداء مهمته التوجيهية بنجاح وعلى الخطيب والحالة هذه ألا يخيب ظن أبناء المجتمع فيه فيعمل جاهداً على تحصيل العلوم والمعارف المتنوعة ليحافظ على مكانته المرموقة عندهم وإن أهم ما يجب على الخطيب أن يفعله هو بناء شخصيته العلمية فيسعى جاهداًُ لتنويع ثقافته وتوسيع دائرة معارفه وذلك بالاطلاع الدائم على شتى أنواع العلوم والمعارف ما سلف منها وما هو موجود فيطلع على كل جديد وهذا يساعده على إغناء أي موضوع يتناوله فإذا تناول في إحدى خطبه بدعة الإلحاد وإنكار وجود الله والطعن في الدين يستطيع أن يرد على المفترين بموضوعية ويثبت لهم وجود الله بالأدلة العقلية المنطقية والأدلة العلمية التي يعتبرونها أوثق الأدلة مما يجعلها إذا كانوا غير معاندين يندمون ويتراجعون عن غيهم وضلالهم فيفيئون إلى ظلال الإيمان وينعمون برحمة الله الواسعة فيسعدون في الدنيا والآخرة وهذا لا يتأتى للخطيب إلا إذا كان مطلعاً ومتفهماً لأدلة الإعجاز العلمي في القراّن الكريم والسنة النبوية الشريفة ومن المحتم على الخطيب أن يضع في أولويات تحصيله العلمي فهم القراّن الكريم وتدبر آياته وإتقان تلاوته وليكن على يد أحد العلماء المتخصصين وبإشرافه وأن يحفظ أقصى ما يستطيع من سور القرآن الكريم وآياته مع الأحدايث النبوية الشريفة ويلم بعلم المنطق ويستوعب ما في علم النفس والاجتماع من معلومات ونظريات تساعده على نجاح خطبته وكلما كان الخطيب واسع العلم كثير المعرفة كان نفعه أكبر وعطاؤه أعظم وغزارة العلم والمعرفة تمد الخطيب بقوة الثقة بنفسه والاستمرار في حديث دون تردد أو حرج والخطيب الناجح يحافظ على المستوى العالي لخطبته وهذا يتطلب منه عدم الانقطاع عن طلب العلم لأن عجلة العلم لا تتوقف مادامت الحياة باقية فالخطيب إذن يحتاج إلى العلوم واكتساب المعارف الجديدة ولا يتحقق ذلك إلا بالمطالعة المستمرة وحضور مجالس العلماء والأخذ عنهم ومتابعة المطالعة في المراجع والمصنفات الكبرى التي أودع فيها كبار العلماء خلاصة علمهم وعصارة تفكيرهم في الماضي والحاضر ولا بأس أن يكون معه دفتر وقلم يدون كل فكرة تعجبه أو رأي يرتاح إليه أو حكمة قيمة أو حادثة فيها عبرة وعظة .
أثر ثقافة الخطيب في نجاحه :
إذا اتسعت معارف الخطيب وتنوعت ثقافته كان تأثير كلامه في نفوس سامعيه قوياً من جهة ومن جهة أخرى يشعر الحضور بالفائدة فيزداد حرصهم على سماعه ومتابعة خطبه فيأخذون منه الأحكام الفقهية الدقيقة لثقتهم بعلمه وصحيح الأحاديث النبوية الشريفة لتأكدهم من فهمه لها ويجدونه متقناً لتلاوة القرآن الكريم ضابطاً لحفظه لا يلحن في قراءته
وإذا تناول موضوعاً يتصل بقضايا الساعة التي لها علاقة بمستقبل الإسلام وشؤون المسلمين تلقاه عميق الفهم يوثق أفكاره بالأخبار والشواهد من التاريخ والأحداث المعاصرة مما يدل على دقة اطلاعه ومواكبته للقضايا الدولية ورصده للمؤامرات الشريرة التي تحاك ضد الإسلام والمسلمين في أروقة الدول الاستعمارية الكبرى التي تنفذ بدورها مخططات الصهيونية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي لذا تراه يقرأ الصحف والمجلات الأسبوعية والشهرية واليومية ويتابع الندوات وبرامج وحوارات المحطات الفضائية العربية والأجنبية ولا يعدم الخطيب الناجح الأسلوب الأدبي فتشرق خطبته بسحر البيان وجمال التعبير مما يزيد فصاحته بياناً ووضوحاً فتصل إلى أذهان المستمعين بسهولة ويسر مقرونة بالإعجاب والارتياح .
تاسعا ـ خصال الخطيب الناجح :
1- أولاها الحلم : فالحلم سيد الأخلاق وهو من الخصال الحميدة التي يحبها الله ورسوله روى الإمام مسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله علية وسلم قال : لأشج عبد القيس (إن فيك لخصلتين يحبها الله الحلم والأناة ) فلابد للخطيب أن يكون واسع الصدر يتحمل جهالة الجاهلين ويتقبل النقد انطلاقاً من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم (المؤمن مرآة أخيه ) والأثر المشهور عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رحم الله أمرأ أهدى إلى عيوبي فإذا وجهت للخطيب ملاحظة إلى خطبته سواء كانت هذه الملاحظة تتصل بالأفكار أو الأسلوب أو طول الخطبة أو قصرها أو نحو ذلك من الملاحظات التي تتصل بالخطبة فعليه أن تتقبلها فإذا كنت صحيحة عاد إلى الحق والحق أحق أن يتبع وإن كانت غير موضوعية ناقش صاحب الملاحظة وأقنعه بصواب خطبته دون تعصب أو انفعال لأن الخطيب إنسان غير معصوم فيهما علت رتبته في الخطابة ومهما كان علمه غزيراً وحكمياً وفصيحاً فهو معرض للخطأ فبعودته إلى الحق وحسن تلقيه للنقد وسمو خلقه في تقبله يعطي قدوة حسنه بالحلم والخلق الحسن
2-التواضع خلق مطلوب من كل مسلم عامة ومن الخطيب خاصة فلا يتعالى بعلمه أو يتباهى بجودة خطبته وحسن إلقائه أو بمهابة الناس له وتوقيرهم لشخصه بل يختلط بجميع أبناء مجتمعه ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم ويسعى في حل مشاكلهم وإصلاح ذات بينهم فهو الأب والأخ والمربي والمتواضع مرفوع الدرجة عند الله والناس إن كان مؤمناً صادقا ًروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه) والتواضع لا يعني أن يتخلى الخطيب عن رزانته ووقاره فهذا من اتزان الشخصية وهو أمر لا بد منه
عاشرا ـ الخطيب وقضايا الناس : عند تدخل الخطيب في خصومات الناس وخلافاتهم عليه أن يأخذ دور المصلح وليس دور القاضي وذلك أحفظ لمكانته إلا إذا كان الظلم بيناً فيردع الظالم بالنصح والتخويف من الله لأنه إن سلك مسلك القاضي أوقع نفسه في حرج مع الناس فللقضاء اختصاصه وللإصلاح مجاله حتى في مجال القضاء يكون الإصلاح هو الهدف فقد جاء في رسالة القضاء التي أرسلها الخليفة الفاروق إلى أبي موسى الأشعري بقوله ( رد الخصوم كي يصطلحوا ) وبذلك يكسب ثقة مجتمعه مما يساعده على أداء رسالته الربانية والاستمرار في طلب العلم هو منهج العلماء ( وقل ربي زدني علماً )فلا بد للخطيب أن يسلك سبيله كيف لا وهو العرض بأية ساعة لمسألة فقهية أو سؤال في التفسير أو الحدث أو نحو ذلك ناهيك عن موضوعات الخطيب التي تحتاج إلى تحضير وبحث فكم من خطباء يفشلون في مهمتهم و يتململ السامع من تكرارهم وسطحية أفكارهم وضحالة علمهم فترى مساجدهم تشكو من قلة عدد المصلين بينما تجد مساجد أخرى مكتظة بالمصلين وما ذاك إلا لأن الخطيب يتعلم وينقب ويبحث ويسهر فهو يؤدي أمانة الدعوة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومما يرفع مكانة الخطيب عند المسلمين زهده في أموالهم ومتاعهم بعزة نفس ازهد بما في أيدي الناس يحببك الناس فلا ينبغي للخطيب أن يعيش أسير الولائم إذ من المؤسف أن بعض الشيوخ لا يعطي صورة حسنة عن عفة النفس حتى أصبح الناس يتندرون في أرفع مستوى من ذلك ومما يتصل بمهمة الخطيب ألا يتعصب لرأي أو طريقة أو مذهب اختاره فالإسلام أوسع من أن نحده بما نختاره من آراء ومناهج فقد يسأل شخص سؤالاً عن مسألة لا يجد الخطيب جوابها في مذهبه فليعطه الجواب من مذهب آخر لأن المذاهب الإسلامية كلها من مشكاة واحدة وأما عن مظهر الخطيب فلا بد أن يلحظه وأن يظهر بمظهر لائق بمكانته العلمية الدينية قال تعالى:(يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد)
ولأعراف والسنة النبوية الشريفة حافلة بالتوجيهات في مجال النظافة وحسن المظهر عن البراء بن عازب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعاً وقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئاً قط أحسن منه متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الإمام مسلم (إن الله جميل ويحب الجمال)
الباب السادس
الفصل الثالث
المقامـة تعريفها وعناصرهاوخصائصها
أولا: تعريفها:
1 ـ التعريف اللغـوي: الأصل في المقامة أنها اسم مكان من أقام، ثم أطلقت على المجلس، فقيل: مقامات الناس، أي مجالسهم التي يتحدثون فيها ويتسامرون.
قال زهير:
وفيهم مقامات حسان وجوهها وأندية ينتابها القول والفعل
ثم أصبحت تطلق على الحديث الذي يدور في مجالس السمر من باب المجاز المرسل.
2 ـ التعريف الاصطلاحي: أما المقامات في اصطلاح الأدباء فهي حكايات قصيرة، تشتمل كل واحدة منها على حادثة لبطل المقامات، يرويها عنه راوٍ معين، ويغلب على أسلوبها السجع والبديع، وتنتهي بمواعظ أو طرف وملح.
أي إنها حكاية قصيرة، تقوم على الحوار بين بطل المقامات وراويها.
والمقامات تعتبر من البذور الأولى للقصة عند العرب، وإن لم تتحقق فيها كل الشروط الفنية للقصة.
ويقال إن المقامة تعني المجلس، والسادة، ويقال للجماعة من الناس يجتمعون في مجلس مقامه كذلك، ومقامات الناس: مجالسهم.
وقد استعمل لبيد بن ربيعة بمعنى الجماعة من الناس وذلك إذ يقول:
ومقــامةٍ غُلْبِ الرقــاب كأنهــم ** جِــنٌّ لدى باب الحصير قيام
….....(وغلب الرقاب تعني ا لغلاظ الرقاب والأعناق)
واستعملها زهير بن أبي سلمى بمعنى السادة في قوله:
وفيهم مقامات حسان وجوههم وأندية ينتابها القول والفعل
ذلك كان مفهوم "المقامة" في الجاهلية، ثم تطور هذا المفهوم حتى أصبحت تعني "الأحدوثة من الكلام" . يقول القلقشندي: "وسميت الأحدوثة من الكلام مقامة، كأنها تذكر في مجلس واحد يجتمع فيه الجماعة من الناس لسماعها"
ثانيا ـ عناصر المقامة :
1 ـ المقدمة
2 ـ الموضوع
3 ـ العقدة
4 ـ الحل
ثالثا ـ خصائص المقامـة :تتميز المقامة بما يلي
1 ـ أسلوب المقامات مملوء بالصناعة اللفظية من (جناس وطباق والتزام تام بالسجع).
2 ـ تغلب على ألفاظها الغرابة.
3ـ مليئة بالقصص والحكم والمواعظ.
4 ـ يختار كاتب المقامات لمقاماته بطلاً تدور حوادث المقامات حوله، وراوية يروي تلك الأحداث. فبطل مقامات بديع الزمان الهمداني أبو الفتح الإسكندري، وراويها عيسى بن هشام. وبطل مقامات الحريري أبو زيد السروجي، وراويها الحارث بن همام وهكذا.
5 ـ للمقامات فائدة تعليمية، فعندما يحفظها شداة الأدب فإنها تزودهم بذخيرة لغوية مفيدة.
6 ـ يدور أغلبها على الاحتيال والطواف بالبلدان لجلب الرزق.
رابعا ـ تاريخ المقامات
يقال: إن أول من أنشأ المقامات في الأدب العربي هو العالم اللغوي أبو بكر بن دريد (المتوفى عام 321 هـ)، فقد كتب أربعين مقامة كانت هي الأصل لفن المقامات، ولكن مقاماته غير معروفة لنا. ثم جاء بعده العالم اللغوي أحمد بن فارس (المتوفى عام 395 هـ)، فكتب عدداً من المقامات أيضاً. ثم جاء بعده بديع الزمان الهمذاني، وكتب مقاماته المشهورة، وقد تأثر فيها بابن فارس حيث درس عليه. ويعتبر بديع الزمان الرائد الحقيقي للمقامات في الأدب العربي، ثم جاء بعده كتاب كثيرون ، أشهرهم أبو محمد القاسم بن على الحريرى صاحب المقامات المشهورة بمقامات الحريري،ثم كثر كتاب المقامات كالزمخشري العالم اللغوي المفسر، وقد سمى مقاماته (أطواق الذهب)، وابن الاشتركوني السرقسطي الأندلسي (توفي عام 538 هـ)، صاحب المقامات السرقسطية، وبطلها المنذر بن حمام، وراويها السائب بن تمام، ومقامات الإِمام السيوطي. وفي العصر الحديث أنشأ محمد المويلحي حديث عيسى بن هشام، وناصيف اليازجى "مجمع البحرين"…
وقد قال بعض الباحثين: إن المقامات قد انتقلت إلى الأدب العربي من الأدب الفارسي. وهذا الرأي غير سليم، فإن المقامات فن عربي النشأة، ؛ فالأدب الفارسي متأثر في مقاماته بالأدب العربي
الباب السادس
الفصل الرابع
الرسائل
أولا ـ تعريف الترسل :
هو مخاطبة الغائب بلسان القلم حبا وشوقا واعتذارا وشكرا ونصيحة ومشورة وعتابا وشكوى وعيادة وتهاني و لتعازيا وتأبينا و تنصلا والتبرؤ........
ثانبا ـ عناصر الرسالة:
ثالثا : أنواع الرسائل:
1- رسائل الشوق: وهي رسائل تخاطب شخصاً غائباً عنك بلغة العواطف وتتحدث عن موضوعات مختلفة ويشترط فيها أن تنزل الألفاظ والمعاني على قدر المرسل والمرسل إليه فلا تقدم رفيع الكلام لخسيس الناس ولا تعطي خسيس الكلام لرفيع الناس مستعذبة الكلام حسنة الأوضاع تكسو الكلام رونقاً وإشراقاً وجودة سليمة المعاني سلسة الألفاظ وقعها حسن عند سامعها ومثالها رسالة أبي منصور الثعالبي النيسابوري ت/429/ه
ورسالة إبراهيم اليازجي ت-1324-و ورسالة أبي بكر الخوارزمي ت383ه ورسالة وفاء أفندي محمد ت/1319ه/
2- رسائل التعارف قبل اللقاء: وهي رسائل تتحدث عن تعارف بين اثنبن أو اثنتين على شخصية كل واحد منهما قبل لقائهما ويشترط فيها أن تحصر مفرداتها وجملها وأسلوبها في تزيين حب اللقاء بين الشخصين ومن هذا النوع من الرسائل ما كتبه الثعالبي المتوفي ت /429/ه وما كتبه الشيخ حمزة فتح الله ت/1336/ه وماكتبه الشيخ طه محمود ت/1325/ه وماكتبه الفاضل السيد محمد البيلاوي وما كتبه الشيخ عبد الكريم سلمان ت/1336/ه وما كتبه أحمد الهاشمي صاحب(جواهر الأدب)
3-رسائل الهدايا: وهي رسائل ترسل من شخص إلى شخص مع هدية تقدم له في مناسبات الأعياد كرسالة سعيد بن حميد ت/105/ه يوم النيروز وما كتبه حفنني بك ناصف ت(1337ه – 1919م)
وما كتبه الشيخ أحمد مفتاح ت-1329ه وما كتبه أحمد الهاشمي إلى سعد باشا زغلول حين أهداه كتابه (جواهر الأدب)
4- رسائل الاستعطاف والاعتذار: وهي رسائل تدعو شخصيات متميزة أن تعفو عن ذئب أو وشاية أو خطأ كرسالة الثعالبي ت /429 / ه وما كتبه عبد الله بن معاوية ت/ 134/ه وما كتبه بدر الدين بن حبيب الحلبي ت/799 ه وما كتبته زبيدة زوجة الرشيد ت216ه إلى المأمون ورد المأمون عليها واستعطاف أم جعفر بن يحيى الرشيد لأجل يحيى زوجها واستعطاف إبراهيم بن المهدي للمأمون واستعطاف إسحق بن العباس للمأمون واستعطاف الفضل بن الربيع للمأمون واستعطاف تميم بن جميل للمعتصم واستعطاف رجل من أهل الشام للمنصور واستعطاف روح بن زنباع معاوية واستعطاف ابن الرومي للقاسم بن عبيد الله واستعطاف للخوارزمي واعتذاره لأبي علي البصير
5- رسائل الطلب وحسن التقاضي: وهي رسائل تختص بطلب حاجة ما من واحد من الناس أو مقاضاته كرسالة عبد الله بن سليمان أبو العيناء ت/282/ه
وما كتبه المرحوم عبد الخالق باشا ثروت وما كتبه المرحوم أحمد بك رأفت وما كتبه الفاضل عبد العزيز بك محمد وما كتبه حسن أفندي توفيق العدل ت بلندن/1322/ه
6- رسائل الشكر: وهي رسائل تهتم بالمنة وشكر من قدم مالاً أو معروفاً لأحد من الناس كرسالة الثعالبي ت/429/ه وما كتبه الحسن بن وهب ت/482/ه وما كتبه الأمير أبو الفضل الميكال ت/436/ه وما كنبه الشيخ محمد عبده يشكر المرحوم حافظ إبراهيم تعريبه لقصة البؤساء
7- رسائل النصح والمشورة: وهي رسائل تسدي برأي لأخ أو صديق أو حاكم وتقدم نصيحة لهم كرسالة بديع الزمان الهمذاني ت/398/ه ورسالة للإمام علي بن أبي طالب ت/40/ه وما كتبه عبد الله النديم ت/1314/ه وما كتبه الشيخ محمد عبده ت/1333/ه
8- رسائل الملامة والعتاب: وهي رسائل يلوم فيها الأصدقاء بعضهم البعض أو يعتبون عليهم في قضية من القضايا ومن ذلك ما كتبه بديع الزمان الهمذاني ت/397/ه وما كتبه د الحافظ ت/255/ه وما كتبه عبد الله بن معاوية ت/80/ه وما كتبه عبد العزيز جاويش وما كتبه معاوية لابنه يريد يؤنبه ويعاتبه
9- رسائل الشكوى: وهي رسائل يشتكي فيها أصحابها من ظلم الزمان أو الحكام أو الظالمين ومن ذلك ما كتبه أبو الفضل الميكالي ت/436/ه وما كتبه عبد الحميد بن يحيى المفتول/132/ه وما كتبه الشيخ محمد عبده وهو مسجون بسبب الحوادث العرابية .
10- رسائل العيادة: وهي رسائل تخاطب المرضى الذين ينتظرون الشفاء لمن يراسلونه ومن ذلك رسالة ابن الرومي ت/284/ه
11- رسائل التهاني: بميلاد أولاد أو نجاح أو تقلد منصب كرسالة الثعالبي ت/429/ه بميلاد الأولاد ورسالة بديع الزمان الهمذاني ت/398/ه إلى الداوردي يهنئه بمولود وما كتبه الشيخ حمزة فتح الله ت/1335/ه وما كتبه محمود بك أبو النصر.
12-رسائل التعازي والتأبين: وهي رسائل كتبت في تعزية بموت صديق أو عزيز كرسالة الثعالبي المتوفي/429/ه ورسالة تأبين الأحنف بن قيس
13- رسائل الردود : كتبادل الرسائل بين حفني بك ناصف والشيخ علي الليثي
14- رسائل الوصايا والشفاعات: وهي رسائل توصي حاكماً لأحد عماله أو قادة جيشه في الاهتمام بقضية من القضايا كرسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب في غزوة الفرس ووصاياه الأخرى للقادة وعمال الصدقات والقضاة ورسالة عمر إلى بعض قواده ورسالة بديع الزمان الهمذاني ت/398/ه إلى ابن أخته ووصية أبي سعيد المغربي /967/ه لابنه وقد أراد السفر ووصية بعض نساء العرب لبناتها أو أبنائها
15- رسائل التنصل والتبرؤ: من تهمة أو قضية من القضايا كرسالة ابن الرومي ت/284/ه إلى القاسم بن عبيد الله وما كتبه ابن العميد ت/360/ه
16- رسائل متنوعة في المحبة والإخاء والبخل وغير ذلك من الرسائل العلمية والأدبية .
الباب السادس
الفصل الخامس
المناظرات
أولا: تعريف المناظرة :
المناظرة:محاججة خاصة بين متضادين من الناس أو الطبيعة أو الحيوان أو الطيور و ملاسنة كلامية أو كتابية بين خصمين متضادين أو متباريين بحيث تظهر خواصهما و بحيث يأتي كل من الخصمين بالحجج والبراهين التي ترفع قدره وتحط من مقام خصمه ليميل السامع عنه إليه من أجل نصرة نفسه
ثانيا : كيف تصاغ المناظرة :
تصاغ المعاني والمراجعات الخاصة بالمناظرة صوغاً حسناً بسمات محكم ليزيد نشاط السامع كمناظرة النعمان بن المنذر وكسرى أنوشوران في شأن العرب ومناظرات المهدي ومشاوراته لأهل بيته في حرب خراسان ومناظرة السيف والقلم لزين الدين عمر بن الوردي ت /749/ه ومناظرة للاّمدي بين صاحب أبي تمام وصاحب البحتري ومناظرة بين فصول العام لابن حبيب الحلبي ت/401/ه ومناظرة بين الجمل والحصان للمقدسي المتوفي /875/ه ومناظرة بين الهواء والماء وبين البر والبحر ومناظرة بين الأرض والسماء ومناظرة بين الليل والنهار
ثالثا : شروط المناظرة :
و للمناظرة ثلاثة شروط:
1 ـ أن يجمع بين خصمين متضادين متباينين في صفاتهما بحث تظهر خواصهما
2 ـ أن يأتي كل من الخصمين في مناضرته حجج تفنيد مزاعم قرنه بأدلة من شأنها أن ترفع قدره وتحط من مقام الخصم بحيث يميل بالسامع عنه إليه
3 ـ أن تصاغ من المعاني والمراجعات صوغآ حسنآ وترتب على سياق محكم يزيد بذلك نشاط السامع وتنمي فيه الرغبة حل المشكلة.
الباب السادس
الفصل السادس
الوصايا
أولا : تعريف الوصية:
قول حكيم صادر عن مجرب يوجه إلى من يحب لينتفع به، وهي من ألوان النثر التي عرفها العرب في الجاهلية، وهـي قطعة نثرية تشبه الخطبة تحمل في طياتها تجربة من التجارب تقال علـى شكل حكم ونصائح قد تكون من أب إلى أبنائه ، أو من أم إلى ابنتها ، أو مـن زعيم إلى أفراد قبيلته ، كوصية أمامة بنت الحارث ابنتها أم إياس عند زواجها . وتلتقي الوصايا بالحكم والأمثال لتضمنها كثيراً من تلك الأقوال الموجزة النابعة من التجربة، حتى لكأن الوصايا أحياناً قائمة على جملة من الحكم والأقوال المأثورة.وتروي هذه الوصايا عادة على أ لسنة طوائف من الحكماء والمعمرين، الذين عرفوا بكثرة تجاربهم وخبرتهم في الحياة، من أمثال: ذي الإصبع العدواني، وزهير بن جناب الكلبي، وعامر بن الظرب العدواني، وحصن بن حذيفة الفزاري. ومن النساء: أمامة بنت الحارث. ويغلب على الظن أن هذه الوصايا جميعاً رويت بالمعنى، ولكنها لا تخلو من بعض العبارات الأصلية المحفوظة، ولاسيما في الوصايا القصيرة. وتقدم الوصايا صورة عن هذا الفن النثري، لأن من رووها أو حفظوها قد راعوا أصولها وتقاليدها.
وقد تعددت الوصايا في العصر الجاهلي وتنوعت أغراضها على وفق الحدث المرتبط بها. واختلفت عن غيرها من صنوف الأدب، لأنها كانت نابعة من تجارب الإنسان وخبرته في الحياة. فالموصي يضع في وصيته عصارة فكره وخلاصة تجاربه في الحياة. فنراه يأتي في وصيته بجمل قصيرة مركزةتحمل أبلغ المعاني، وأسمى القيم
وما وصل إلينا من تلك الوصايا بعضه موجه إلى الأبناء والبنات، وبعضه الآخر موجه إلى أفراد من القبيلة. أما من حيث الموضوع والمضمون؛ فيمكن تقسيم الوصايا إلى :
ثانيا : أنواع الوصايا
1-وصاياالملوك إلى أولياءالعهدأومن يقوم مقامهم.
2-وصاياالحكماء إلى أبنائهم وأبناءالعشيرة وغيرهم.
3-وصاياالآباء للأبناء وأبناء الأبناء.
4-وصاياالهداء(الزواج)..
5-وصاياالسفروالمسافرين.
6-وصاياالحرب.
7 _ وصايا دينية :
8 _ وصايا اجتماعية: كالوصايا المتعلقة بالزواج، والمال، والصداقة، والعناية بالخيل وإكرامها، ومكارم الأخلاق كتهذيب اللسان، وتربية النفس، والحث على الصدق، والبذل والجود... ومن شواهدها وصية ذي الإصبع العدواني - لما احتضر - لابنه أسيد.
9 _ وصايا سياسية: تكون بين الراعي والرعية، والدعوة إلى الحرب، والدعوة إلى السلم والتحذير من التنازع.
10 _ ـوصايا الزواج :
11_ وصايا السراق واللصوص
12 _ وصايا الآباء للأبناء
والطابع العام للوصايا هو الأسلوب المرسل، ا لذي يترك فيه الموصى نفسه على سجيتها، دون تنميق أو زخرفة، مؤثراً وضوح العبارات، ورشاقة التراكيب، وقصر الجمل بما يحقق المناسبة بين المعنى واللفظ وطبيعة المقام الذي تقال فيه الوصية.
ثالثا : أجزاء الوصية :
تتألف الوصية من
أ- المقدمة: وفيها تمهيد وتهيئة لقبولها.
ب- الموضوع: وفيه عرض للأفكار في وضوح وإقناع هاديء للموصى له.
ﺠ - الخاتمة: وفيها إجمال موجز لهدف الوصية.
ولقد رأينا ذلك في (وصية أمامة بنت الحارث لابنتها عند زواجها(
رابعا _ خصائص أسلوب الوصية:
تتميز الوصية عن غيرها من فنون النثر بما يلي:
أ- وضوح الألفاظ ,وضوحا تاما من غير إبهام.
ب- قصر الجمل وإيجازها بحيث تؤدي المعنى بشكل موجز.
ﺠ- الإطناب بالتكرار والترادف والتعليل حين يحتاج الموقف للشرح.
د- تنوع الأسلوب بين الخبر والإنشاء.
ﻫ- الإقناع بترتيب الأفكار وتفصيلها وبيان أسبابها.
و- التنغيم الداخلي والإيقاع الموسيقي الجميل
وقد تجلي كل ذلك في وصية أمامة لابنتها
والفرق بين الوصيةوالخطبة أن الخطبة هي فن مخاطبة الناس جميعا لاستمالتهم وإقناعه أما الوصية فهي قول حكيم لإنسان مجرب يوصي به من يحب لينتفع به في حياته.
وتمتاز الوصايا في العصر الجاهلي بجمالها ، وتناسب جملها ورقتها .
ومن خلال استقراء الوصايا في العصر الجاهلي نجد أن صاحب كتاب "جمهرة وصايا العرب قسمها إلى ستة أ نواع وهي:
الباب السادس
الفصل السابع
سجع الكهان
أولا : تعريف سجع الكهان
هو فن من فنون النثريعتمد على الجمـل المترادفة والمتوازنة والمتزاوجـة يستخدمه الكاهن الذي يدعي معرفة الغيب في قضية من القضايا التي تعترض فردا أوجماعة تلجأ إليه ويزعم هذا الكاهن أنه ينطق باسم الآلهة ، وأن الجن مسخرة له يحركها كيفما أراد وقد ذم القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف الذهاب الى الكهان ونفى القرآن الكريم صفة الكهانة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن أشهر المتكهنين فـي الجاهلية : سطيح الذئبي،والمأمـور الحارثـي ،و خنافـر الحميري ،و عـوف بن ربيعــة الأسدي ، ومسلمة الخزاعي . وشق الأنماري، وسلمة بن أبي حيّة، المشهور باسم عُزّى سلمة، وعوف الأسدي، .بل كان فيهم نساء كاهنات أيضاً، من أمثال: فاطمة الخثعمية، وطريفة اليمينية، وزبراء. والكهّان عند العرب الجاهليين طائفة ذات قداسة دينية، وسلطان كبير لدى القبائل، شأنهم شأن الحكام في المنافرات. وكانوا يزعمون الاطلاع على الغيب، وأن لكل منهم رئيّاً - أي صاحباً من الجن - يعرف الكاهن عن طريقه ما سيكون من أمور. وكان الناس يتوافدون على هؤلاء الكُهّان من مختلف الجهات فيحكمونهم في منازعاتهم، ويستشيرونهم في أمورهم الخاصة وما يزمعونه من أعمال، أو ما يرونه في منامهم من أحلام. وكانوا يستخدمون في أحكامهم وأقوالهم ضرباً من النثر المسجوع عرفوا به، ويلاحظ في ن صوص الكهان أنها تحمل طابع التكلف الشديد في سجعها ولهذا لا يطمأن إليها كلها، فربما شاب بعضها الوضع والنحل، وربما كان بعضها محفوظاً صحيحاً، لقصره وإيجازه.
ثانيا : خصائص أسلوب سجع الكهان
ومن خصائص أسجاع الكهان أنها
1 ـ كلام عام،
2 ـ لا يرشد السامع إلى حقائق جلية،
3 ـ يضع السامع في الغموض والإبهام،
4 ـ اصطناع السجع، والإيماء، وقصر الجمل لإلهاء السامع عن تتبع ما يلقى إليه من الأخبار الغريبة،
5 ـ جعل السامع في حالة نفسية مضطربة تساعد الكاهن على الوصول إلى ما يريد، بكل سهولة ويسر،
6 ـ يكون المخاطب، بتلك الإشارات الغامضة، والألفاظ المبهمة، والأقسام المؤكدة، والأسجاع المنمقة، مستعداً لقبول كل ما يقال له، بلا جدال أو اعتراض، وتأويل ما يسمعه بحسب حالته ومدى فهمه.
الباب السادس
الفصل الثامن
السيرة التاريخية والأدبية
إذا كانت السيرة الأدبية هي دراسة لشخصية رجل مبدع أو عبقري في تطوره الخلقي والفطري والعاطفي فإنها تقدم لنا مواداً مهمة من أجل دراسة الأدب عملاً أدبياً ونفساً مبدعة فالسيرة تشرح وتنير جوانب الإنتاج الفعلي للمبدع وتحول مركز الاهتمام إلى الشخصية الإنسانية وتقدم مادة العلم الذي ينشأ في المستقبل .
والسيرة نوع أدبي قديم وهي جزء من علم تدوين التاريخ الفردي للأشخاص المبدعين ويمكن القول إن أية حياة مهما كانت عادية ستكون جذابة ورائعة إذا كتبت بصدق فكاتب السيرة هو مؤرخ يفسر وثائقه ووسائله وتقاريره عن الشخصية المترجم لها وكتاب السيرة غالباً ما يقدمون معلوماتهم حسب التسلسل التاريخي مع الاصطفاء واعتماد التلميح أو التصريح وتواجه كتاب السيرة الأدبية مشاكل متنوعة منها
كم يحق لكاتب السيرة أن يستخدم مضمون الأعمال الأدبية لغرضه؟وما هي نتائج السيرة الأدبية ومدى ملاءمتها لفهم الأعمال الأدبية ذاتها؟ وما تسجيلنا لميلاد المبدع وزواجه وعلاقاته وانفعالاته إلا نوعاً من السيرة يمكن استخدامها في دراسة شخصية هذا المبدع في تاريخ الأدب .
أولا : تعريف السيرة
فن أدبي يصور الكاتب حياة شخصية
ثانيا : أنواع السيرة : وهي ثلاثة أنواع :
1-سيرة تاريخية : ترسم حياة شخصية متميزة عبر التاريخ
2-سيرة ذاتية : ترسم فيها الكاتب حياته الذاتية
3-سيرة أدبية : وتسمى حياة أديب من الأدباء
ثالثا : مقدمات السيرة : للسيرة مقدمات مميزة أدخلتها في ميدان الأدب وعلى رأسها
1-الطاقة الأدبية التي يبثها الأديب في موضوعه
2-القيم الفنية التي يضمنها الأديب تعبيره
3-قدرة وبراعة الكاتب الفنية
رابعا : مدارس السيرة :
1-مدرسة التحليل الدقيق والتشريح الدقيق وهي مدرسة أكاديمية
2-مدرسة تؤمن بما قاله القدماء وتعيد ما كتب من قبل وهي مدرسة قديمة إنشاؤها مقلد وحاستها مفتعلة
3-مدرسة تتبع الحياة الشخصية وتكاملها وهي مدرسة تتحمل السيرة الأدبية وتعني بالجانب الإنساني
4-مدرسة رسم الصور النفسية من خلال عرض الخصائص البارزة والحوادث المختارة دون أن يرسم الشخصية من كل جوانبها وفي جميع ملابساتها
5-مدرسة سرد الحوادث والتعليق عليها ومناقشة الآراء فيها وهي مدرسة قد تحيل السيرة إلى تاريخية جامدة
6-مدرسة المنهج التاريخي من خلال العناية بالظروف المحيطة وهي مدرسة تقرب السيرة إلى سيرة تاريخية
7-مدرسة الاستعراض التصويري حيث يرسم الكاتب ملامح االشخصية ويستعرض بعض الحوادث مصوراً انفعالاتها واستجاباتها الشعورية من خلال عمل معقد
خامسا : واجبات كاتب السيرة :
1-أن تكون واعياً لفنه
2-أن يطلع على العلوم المساعد في فهم الشخصية (علم النفس- الطب- التاريخ–الجغرافيا- البيئية- الجنس- الزمان)
3-أن يلم بطبيعة المجتمع وبنشأته وقيمه وتقاليده
سادسا : الفرق بين السيرة والقصة
سادسا : فوارق السيرة عن القصة :
تختلف السيرة عن القصة
1-السيرة لا تعتمد على الخيال
2-القصيدة تعتمد على الخيال
3-السيرة تشد كاتبها إلى الوقائع
4-القصة يدخل صاحبها خيالات مصطنعة
5-السيرة تعتمد على الأمانة في تسجيل الأحداث
6-القصة لا تعتمد على الأمانة في تسجيل الأحداث
سابعا : أنواع السيرة :
تنوعت السيرة بين التاريخ والذات والأدب وأهم أنواعها
أ-السيرة التاريخية : تعد السيرة التاريخية سجلاً للأحداث والوقائع ووعاء يصب فيه الكاتب الأعمال المتميزة التي صدرت عن عظماء الناس وقد انقسمت إلى قسمين قسم يتحدث فيه الكاتب عن شخصية لم يعاصرها وقسم يتحدث فيه الكاتب عن شخصية عاصرها ولنجاح هذا النوع من السير لابد من توافر الشروط التالية
1 ـ الوثائق والحقائق الكافية
2 ـ دراسة هذه الوثائق بدقة وذكاء
3 ـ تتبع حياة بطل السيرة من خلال صراع البطل مع واقعه
4 ـ أن يبرز الكاتب في السيرة النمو النفسي وتطور شخصية البطل
5 ـ التجرد من الأهواء .
وتعد سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أعظم السير في التاريخ الإنساني إلى اليوم .
ب-السيرة الذاتية: وهي سيرة تعتمد على تصوير الشخص لنفسه من خلال الاستعراض التصويري ورسم ملامح الشخصية من خلال استعراض بعض الحوادث وتصوير انفعالاتها واستجاباتها الشعورية ضمن إطار عمل أدبي رائع وللسير الأدبية أهداف :
1-الاعتراف الصريح
2-إبراز قدرة الكاتب الفنية
3-تزويد المتلقي بخصائص حياة الأدباء
ج-السيرة الأدبية: برزت السيرة الأدبية بعيدة عن العمق والتحليل ولها فوائد كثيرة في عالم الأدب فهي
1-تزويد القارئ بمعلومات عن الأديب وبيئته وعلاقاته وآماله وآلامه ونجاحه وإخفاقه
2-ترسم هذه السيرة صورة واضحة للأديب وأدبه
3-تثير في القارئ اللذة في معرفة الحوادث التي تمر بالأديب
4-تبث روح العطف على الأديب المتحدث عن سيرته
5-تنمي الثقافة الأدبية عند القارئ
د ـ السيرة الفنية :
هـ ـ السيرة السياسية :
ثامنا : عوامل نجاح السيرة الأدبية
ومن عوامل نجاح السيرة الأدبية:
آ-تناول شخصيات متميزة فارقة
ب-أن يقف كاتب السيرة في سيرته موقف المفسر المكتشف
ج-مراعاة حركة التطور والنمو في البناء
د-رسم صورة متدرجة مكتملة للشخصية المدروسة
الباب السادس
الفصل التاسع
القصة والأقصوصة والرواية
أولا : القصة سحر الواقع والخيال
لقد أصبح الإنسان منذ خلقه الله تعالى وأسكنه في جنته ثم أنزله إلى الأرض مع زوجته حواء قصة الكون التي أبرزت صراعه مع تحديات الحياة والطبيعة كما وأن قصة صراع الإنسان مع أخيه الإنسان استهوت أرواح وأفكار الآخرين فبرزت القصة كفن يحكي به الآباء للأبناء ما مر بحياتهم من تبدلات وتعقيدات وصراعات وأظهرت القصة القديمة فناً ساذجاً بسيطاً عادياً مثل وعياً قاصراً عن استجابات الحضارة وبرزت مغامرات رجال لهم أحلام خارقة وأسطورية انبثقت من الواقع وطارت على أجنحة الخيارات تعوض الرغبات المحبطة ولكن العصر الحديث بتطوراته العلمية حول الحديث عن الأحلام الأسطورية إلى سبر الواقع وتبدلاته الاجتماعية ونشأ وعي جديد ينظر إلى الواقع بعين موضوعية اقتضى شكلاً جمالياً جديداً يصور الواقع بأسلوب فني جديد يبرز الاختيارات وينسق بين الأحداث ويربط بعضها ربطاً منطقياً حيث يرسم الإنسان قصصاً فنياً من خلال علاقته بالواقع ويقيم لعناصر القصة بناءً فنياً حديثاً يعتمد على قواعد وأصول.
ثانيا : تعريف القصة:
حكاية لتجربة إنسانية يجسد فيها الكاتب فكرة تضيء سلوك الإنسان وعلاقته بالمجتمع والواقع والكون والحياة يقوم فيها القاص بتأدية ذلك من خلال سرد الحوادث وأحاديث الأشخاص الذين يتميزون بطبائع متباينة في ظروف معينة
ثانيا : تعريف القصة :
هي حادثة أو مجموعة أحداث قليلة يؤديها شخص أو أكثر تتداخل فيها الشخصية الرئيسة بأشخاص ثانويين قلائل يضيء فيها الكاتب جانباً محدوداً من شخصية البطل لايساعد على إظهار تطور الشخصية أو تكاملها في تفاعلها الخصب مع الحياة وهي متوسطة في طول العمل القصصي وتشعبه ويشترط فيها أن تكون نثرية تعرض صورة من الحياة الواقعية ولا سيما خلجات النفس الإنسانية وعواطفها ولها في محضرتنا نصيب كبير.
ثالثا : الفرق بين القصة القديمة والحديثة
الفرق بين القصة القديمة والحديثة في الأحداث
آ-القصة القديمة:
1-تختار الأحداث الطريفة والغريبة
2-تعتمد على الطرافة والغرابة في التشويق
3-تسرد فيها الأحداث سرداً عفوياً يتخلى عن الترابط السيبي ويكثر فيه الاستقرار
ب-القصة الحديثة:
1-تأخذ الأحداث من الحياة العادية الواقعية
2-تختار من الأحداث ما يعبر عن فكرة الكاتب ويكشف العالم الداخلي للبطل
3-يضع الكاتب الأحداث في نسق فني منسق ومترابط
الفرق بين القصة القديمة والحديثة في الشخصيات:
آ-القصة القديمة
1-الشخصية مطية لعرض الأحداث الغريبة والعجيبة
2-تخرج الشخصيات من حجمها الإنساني تحمل قدرات خارقة
3-تلبس الشخصيات المثل العليا المطلقة في الشجاعة والجرأة والحيلة
4-تستغني الشخصيات عن التحليل وكشف الدوافع والأحداث
ب-القصة الحديثة:
1-يختار الكاتب الشخصيات من الحياة العادية
2-سمات هذه الشخصيات وطبائعهم مألوفة
3-يحلل الكاتب هذه الشخصيات ويكشف تفاعلها مع الحياة والبيئة من خلال طبائعها الخاصة
في الحوار
الفرق بين القصة القديمة والحديثة في الحوار:
آ-القصة القديمة:
1-الحوار هنا كلام عادي
2-يرتبط الحوار بالحادثة والشخصية ارتباطاً ساذجاً
3-لا يؤدي الحوار دوراً فنياً
4-الحوار يبرز سمات هائمة للشخصيات
5-لايكشف الحوار العمق الداخلي للشخصيات
6-لايساعد الحوار في تطور الحوادث وتعقيدها
ب-القصة الحديثة:
1-الحوار هنا كلام متشابه
2-الحوار يرتبط بالحوادث والشخصيات ارتباطاً متشابكاً
3-يؤدي الحوار دوراً فنياً
4-الحوار يساعد على رسم الشخصيات
5-يكشف الحوار ملامح طباع الشخصيات
6-يساعد الحوار في تطوير الحوادث وتعقيدها
رابعا :أنواع القصة:
1 ـ القصة المثل : وهو قصة صغيرة مختلفة تروى على لسان الحيوان أو الجماد وترمى ألى هدف خلقى من مثل ما روى ابن المقفع في كليلة ودمنة أو ابن الهاربة في الصادح و الباغم أوابنعرب شاه (901)هجري في كتابه فاكهة الخلفاء أو(لافونتين)الفرنسي في أمثاله المشهورة وقد يحئ الثل نثراً ويجئ شعراً وقد نظم الشاعر شوقى بعض هذا الأمثال للتعليم.
2 ـ قصة الخرافة : وتختلف عن المثل في أنها تحكى عن مخلوقات صغيرة لطيفة تساعد الناس الطيبين أو الأولاد المساكين وقد تروى أعمال الجن والسحرة ولكنها تختص بالأعمال الجميلة التي تسدى لبنى الإنسان من هذا القوى الخارقة مثل حكاية (ساندرلا)و(عقلة الصباع)وكثير من القصص الموجودة في ألف ليلة وليلة وليس الغرض من هذه الخرافات الموعظة ولكن مداعبة الخيال والتسلية وهي محببة للأطفال وقد ذكرنا آنفاً علة هذا.
3ـ الحكاية : وهي حادثة او حوادث حقيقية أو متخيلة لا تلتزم فيها القواعد الفنية للقصة بل يقصها الإنسان كما يعن له وهذا النوع كثير الانتشار يتداوله الناس في حياتهم المعتادة فيروون حكايات كثيرة عما رأوا وما سمعوا وقد يتخيل بعضهم الحكاية أو يختلقها لغرض يريده و تعتبر الحكاية العامود الفقري لكل قصة فنية أو رواية .
4ـ الأقصوصة : هي قصة قصيرة تصور حادثة خاصة أو موقفاً معيناً أو حالة شعورية وهي نوعان:
آ-أقصوصة حدث:تحمل معنى أنساني أو فعل غريب يصدر عن أحد الأشخاص يعرضه الكاتب ويكشف فيه مفارقات طبائع الإنسان وتناقضات الحياة والمجتمع .
ب-أقصوصة صور:حيث يقل شأن الحدث وحركته فيها حيث يركز الكاتب على التصوير القصصي الذي يكشف جو البيئة أو الحياة وما يثير في روح البطل من مشاعر .وهي قصة تصور جانباًمن الحياة يركز فيها الكاتب فكرة فلا يسترد ولا يزيد عن المقصود ويشمل موضوعها كل نواحى الحياة الإنسانية.
5- القصة القصيرة جداً(ق ق ج)
أو ما يسمى (شورت ستوري) وهي مجموعة كلمات قليلة تعبر بشكل مركز عن حادثة أو عبرة أو مشهد
6ــ الرواية : هي قصة طويلة تتناول حقبة مديدة من حياة البشر تتعدد فيها الأشخاص وتتنوع طبائعهم حيث يتشعب العمل القصصي إلى أحداث كثيرة تتداخل في أحداث الحياة العامة وتتشابك وتتكشف خلالها طبيعة علاقات الأشخاص بالناس والحياة والبيئة والعوامل المتحكمة في مصير الشخصيات وهي خيالية منضومة أو منثورة بعيدة عن الحياة الواقعية أو هي القصة الخيالية المليئة بالعجائب والغرائب ذات الأسلوب الإبداعي والخيال الجامح التي تروي قصص الفرسان والأبطال وعجائب العلم وغرائب البحار وسنتعرض لها بالذكر بعد قليل هذه هي أهم صور القصة كما يعرفها الأدب الغربي اليوم.
خامسا-عناصر القصة الفنية :
تقوم القصة بشكل عام على مجموعة عناصر هي
أـ الفكرة (الموضوع) وتمثل معنى التجربة الإنسانية التي يعيشها الكاتب أو أحد شخصياته من خلال رؤية خاصة وتنشأ الفكرة لدى القاص بومضة من موقف أو حدث إنساني مهم من وجهة نظر القاص يختزنه في لا وعيه ثم يعود إلى اجترارة من جديد ليتحول في معمله الداخلي إلى كلمات ينزلها على الورق مجسدة في أشخاص وأحداث ومواقف على شكل عمل فني فالفكرة القصصية تصير في القصة حياة محسوسة ومعاشة يؤدي الكاتب معناها بسلوك الأشخاص ومواقفهم ومجرى الأحداث دون تقرير ومباشرة
2ـ العمل القصصي (الحدث والحبكة)
وهو جملة الأحداث التي تقدمها القصة في سياقها الفني والتي ترتب ترتيباً فنياً ينتهي إلى نتيجة معينة وتدور هذه الأحداث حول موضوع عام من تجارب الإنسان في صراعه مع الحياة
ومصدر موضوع القصة :
1-أشخاص يواجهون مشكلات من واقع التجربة ويقومون بأحداث تجري على منطق الحياة
2-أماكن يعيش الناس فيها
3-الخيال الذي يبدع أحوالاً على شاكلة مافي الحياة.
وتتوجه الحبكة التي تمثل ما يقوم به الكاتب من اختيار للأحداث وتنسيقها ووضعها في نسيج فني يهيء مقدمة تبتدئ منها القصة وثم تتحرك الأحداث وتتطوروتشتبك وتتأزم ثم تقود للإنفراج والحل وتتألف كل حبكة من (بداية -وسط -نهاية ) (مقدمة –عقدة -حل )
طرق بناء الحكبة
للحكبة طرق بناء متنوعة تختلف باختلاف أجزائها وهذه الطرق
1-الطريقة التقليدية : حيث يسير بها العمل القصصي سببياً أوزمنياً من البداية إلى الوسط إلى النهاية يمثلها رواية توفيق الحكيم (عودة الروح)
2-الطريقة الحديثة :التي تنطلق من الوسط (أزمة تطبق على البطل وتمزق روحه فينفصل عن الواقع وينفجر لاوعيه بالتداعيات والذكريات والأحلام التي تأتي عبرها البداية فتفسر الأزمة وتدفعها إلى النهاية يمثلها أقصوصة (ثلج اذخر الليل )لزكريا تامر
3-طريقة الخطف خلفاُ تنطلق من النهاية من موقف مثير إلى البداية تعرض الأحداث والظروف التي أدت إلى هذا الموقف وتمثيلها رواية يوسف السباعي (نحن لا نزرع الشوك )
4-طريقة رؤية الحدث من خلال مجموعة من الشخصيات كما في رواية (ميرامار) لنجيب محفوظ،
أشكال عرض الأحداث في الحبكة
ولعرض الأحداث في الحبكة أشكال
1-شكل السرو المباشر يرصد الكاتب سلوك أشخاصه ويتحدث عنهم بضمير الغائب كما يصنع المؤرخ يمثلها رواية (زينب) لمحمد حسين هيكل
2-شكل الترجمة الذاتية حيث يتقمص الكاتب شخصية البطل ويتكلم بلسانه (ضمير المتكلم )ويمثلها رواية (من أجل ولدي) لعبد الحليم عبد الله
و للحبكة نوعان :
حبكة محكمة
تقوم على حوادث مترابطة متلاحمة تسير على خط واحد متدرج متشابكة شيئاً فشيئاً حتى تبلغ الذروة ثم تنحدر إلى الحل وقد تتغير الخيوط مع تعدد الشخصيات ولكنها تعود لتلتقي في نقطة واحدة كما في رواية السراب لنجيب محفوظ
وحبكة مفككة
يورد القاص من خلالها أحداث متعددة غير مترابطة برابط السببية فهي حوادث ومواقف وشخصيات متفرقة لاتجمع بينها إلا أنها تجري في مكان واحد أو زمان واحد كرواية زقاق المدق لنجيب محفوظ
3-شكل الرسائل والمذكرات : حيث يعرض الكاتب والأحداث عبر الرسائل و المذكرات التي يكتبها البطل ويؤلف مجموعها جملة العمل القصيص يمثلها رواية (يوميات نائب في الأرياق )لتوفيق الحكيم
4-شكل تصوير البطل من داخله ومن خلال تصوراته وأحلامه وذكرياته حيث يغوص الكاتب في وجدان البطل ويرصد ما اختزن فيه من أحداث نفسية ثم يفتح القاص نافذة فنية في لاوعي البطل يجري منها تياراً من التداعيات عبر الأحلام والحوار الداخلي وفي هذا النوع يتلاشى الزمان وتغيب ملامح المكان ويجري العمل القصصي بلا منطق عقلي حيث يحكم الأحداث منطق اللاشعور الذي يعقد هذه الأحداث فتغرق في الذاتية والغموض ويمثلها رواية(ثرثرة فوق النيل) لنجيب محفوظ
3 ـ الشخصيات:
الشخصية القصصية هي إنسان يصنعه خيال الكاتب الفني ويركب ملامحه النفسية والجسمية والإجتماعية من عناصر يستمدها من أشخاص واقعيين وقد يختار جانباً من حياته ويقدمه لتركيب هذه الشخصية التي يصنعها كما ولابد للكاتب أن يستوعب أبعاد الشخصية التي يريد عرضها وأن يكون قادراً على تصوير الأعمال التي يمكن أن تقوم بها في الظروف المختلفة فيترك الحرية الفنية للشخصية كي يتحرك بمنطق طبيعتها وظروفها وطبيعة العمل القصصي فإذا أثقل القاص أبطاله وشخصياته بآراء وأفكارغير ملائمةأصبح عمله ممجوجاً والقاص الناجح يعنى برسم شخصياته من خلال إضاءة عالمها الداخلي وتحليل تفاعلها مع الظروف وكشف الدوافع الإجتماعية والطبيعية المتحكمة بسلوك هذه الشخصيات وهناك طريقتان لرسم الشخصيات
الطريقة التحليلية: حيث يستخدم القاص وسائل مباشرة لإضاءة نفس البطل من خلال شرح ردود أفعاله النفسية وأفكاره وانفعالاته تجاه أحداث الحياة
الطريقة التمثيلية: حيث يستخدم القاص وسائل غير مباشرة إذ يكشف البطل حقيقته النفسية من خلال اعترافاته وتصرفاته وأحاديثه وقد تتحدث الشخصيات الأخرى في القصة عن شخصية البطل فيتعرف عليها القارئ وقد يستخدم الكاتب الطريقين في عرض تجربته القصصية كما في قصة (من أجل ولدي) لعبد الحليم عبدالله
وشخصيات العمل القصصي منها البسيط المسطحة الذي يمثل صفة واحدة أو لوناً واحداً أو عاطفة واحدة من أول القصة إلى نهايتها مثل شخصية السيد رضوان والشيخ درويش في رواية زقاق المدق ومنها المقعد النامي المتفاعل مع الأحداث التي تظهر أغلب جوانب طباعها مثل شخصية عباس الحلو في زقاق المدق وأحمد عاكف في خان الخليلي
4 ـ البيئة وهي الوسط الإجتماعي أو الطبيعي الذي يعيش فيه أشخاص القصة تتجاذبهم أحداث الحياة وتضطرب بهم بحيث يقومون بأعمال تتأثر بظروف هذا الوسط وهذه البيئة نوعان الأول طبيعي وجغرافي ومافيه من مؤثرات تكيف حياة الإنسان وطبعه وتحدد سبل معاشه وترسم خطوط شخصياته وطبعه فاللبيئة البحرية مؤثراتها الخاصة في مصير الأشخاص المتعلقة حياتهم بالبحر كما في رواية (الشراع والعاصفة) لحياة المدينة وللبيئة البدوية تأثيرها في الشخصيات كما في شخصيات قصص عبد السلام العجيلي
والنوع الثاني اجتماعي يتناول المسكن والأسرة والحرفة والطبقة الاجتماعية والتربية التي تتلقاها الشخصيات والعلاقات الإنسانية مع الآخرين بحيث يمكن الاستدلال على الشخصية من المسكن ويمثل ذلك رواية (بين القصرين) لنجيب محفوظ ومن هنا على القاص معرفة بيئة عمله القصصي حتى يحسن تصويرها وتحريك أبطاله في محيطها
5 ـ التعبير الفني:
لكل قصة طريقة تعبيرية تؤدى من خلالها وأهم هذه الطرق
1-طريقة السرد:
وهي طريقة يعتمدها الكاتب في إجراء الأحداث التي تقوم بها الشخصيات بلغة سهلة خفيفة واضحة ملائمة للمعاني وتلاوينها فإذا ماحمل القاص شخصياته لغة غير لغة القصة كلفة المقالة الأدبية فشلت قصصهم كما حدث عند طه حسن ومحمود تيمور أما توفيق الحكيم ويوسف إدريس فقد كانت لغتهم سهلة وفي السرد طريقتان طريقة مباشرة تسرد الحوادث من الخارج بضمير الغائب وطريقة السرد الذاتي بضمير المتكلم
2-طريقة الوصف:
وهي طريقة تعتمد على رسم مشاهد للمواقف وجوانب البيئة التي تجري فيها ووصف الحالات النفسية التي تعتري الشخصيات وتصوير هيآتهم وهم يعملون ويصطرعون ويجب أن يأتي الوصف في قصد وفي مجاله المناسب ويفترض فيه أن يكون مركزاً معبراً يهيء لجو لحركة الأحداث وموضحاً أبعادها النفسية ويجب أن يكون الوصف من خلال حواس الشخصياتحيث يرى الكاتب الأشياء بأعين شخصياته ويسمع الأصوات بآذانهم ويلمسها بأيديهم فيمتزج الوصف بالعمل القصصي ويصبح عنصراً محركاً للأحداث
3-طريقة الحوار:
وهي طريقة تعتمد على ما يدور من كلام على ألسنة الشخصيات فيما تفرضه المواقف والأحداث وذلك لإضاءة جوانب من سير الأحداث وتوضيح الدوافع لها أو ردود الأفعال الناجمة عنها ويفترض في الحوار أن يرتبط بالشخصيات ارتباطاً عفوياً دون أن يفرض عليها فرضاً فيفصل القاص بين لغته ولغة أبطاله ولا يدخل بينهما كما ويجب ألا يجعل الكتاب أبطالهم ينطقون كلاماً أكبر من عقولهم أو لغة عامية لا تفهم إلا في البيئة المحلية .
الأقصوصة أو القصة القصيرة
تختلف القصة عن الرواية في هيكلها العام وأوجه الاختلاف هي :
لا توجد فيها شخصيات لا تقتضيها الضرورة الملحة والنتائج الفنية للقصة.
العمل في القصة القصيرة يتم في أقصر وقت ممكن دون أن يضحي بتأثير العالي للقصة.
المناظر القصة لا تتغير .
هناك فكرة واحدة أو عاطفة واحدة تقدمها القصة القصيرة وتضغط عليها وتسلط كل أشعتها ثمة حتى تبرز.
لا توجد كلمة غير ضرورية في القصة بحيث إذا حذفت منها كلمة اختل المعنى.
هنالك تجربة واحدة اختيرت للمعالجة بدلا من التجارب الكثيرة التي تمر على المرء في الحياة .
ليس هيكلها معقداً ولا العقدة متداخلة في عقد غيرها.
تقرأ عادة في زمن وجيز حتى يحصل التأشير المطلوب.
الفقرة الأولى _ بل الجملة الأولى_ لها معنى خاص ومغزى في ما يتعلق بالقصة إذ تبعث الأهتمام وتجذبه.
تنتهي القصة حينما تنتهي الغاية منها.
نهاية القصة منسجمة مع أولها لا تبسط أو تنشر في الابتداء كزهرة في كمها.
نتبع القصة القصيرة عادة الوحدات الضرورية في المأساة الكلاسيكية الوقت والمكان والعمل وعلى هذا فالضغط شديد وقت واحد ومكان واحد وعمل واحد.
لا يمكن الإضافة للقصة القصيرة المتقنة من غير إخلال بها ولا يمكن حذف أي جزء منها دون إفسادها.
نقص القصة بسرعة دون أن نضحي بالاهتمام والغاية في سبيل الإيجاز.
ومع أن القصة القصيرة تشترط ثلاث عناصر : البيئة والعمل والأشخاص فأحدها فقط هو موضع الاهتمام في كل قصة .
ولما كان الحركة في القصة القصبرة سريعة جداً وجب أن تدل الفقرة الأولى على أي عناصر القصة الثلاثة سيكون موضع اهتمام الكاتب : البيئة أو العمل أو الشخصيات.
وفي القصة التي تهتم بالشخصيات يحصر الأهتمام في شخصيات غربية غير مألوفة بينما لا ينسا المولف البيئة أو العمل ولكن يجعل للشخصية المضهر الأول وفي القصة التي تهتم البيئة يهتم بالمكان بينما يرسم العمل والشخصية رسماً خفيفاً وفي قصة العمل يغطى هذا عاى كل شيئ .
كيف تنشأ القصة الطويلة الواقعية؟ :
فقد اشتراطوا فيها (1) أن تكون نثراً(2)وألا تقل عن خمسين ألف كلمة وقد تصل إلى أربعة ملايين كلمة كقصة بلزاك مهزلة إنسانية وإن جعلها قصصاً مستقلة كل قصة في جزء ولكنها متتابعة (3) وللقصة كلها عنوان ويصح أن يكون فيها حوار ولكنه يختلف عن حوار المسرحية باُنه حوار وصفي (4) ويجب أن يستشف موضوع القصة من عنوانها وينبئ عن ركن من أركانها : إما الشخصيات أو الحوار أو البيئة مثل ((قصة إحساس وشعور )) لجان أوستن و يوسف أندرورز))لفيلدنج ((سخريات الحياة لتوماس هاردى)) .
وفي مقابل هذا الإطار الخارجي للقصة يوجد هيكلها الداخلي و الكلام عليه يتناول :
أولاًـ البيئة : وللبيئة الزمنية والمكانية والظروف التي حدثت فيها حوادث القصة أهمية خاصة لانها تبعث الاهتمام في القارئ وتحدد له الحوادث وتساعده على إيهامه بما سيحدث فتبعث عنده اللذة وتعين على وحدة القصة وجمالها و الناحية الإنسانية فيها.
زمان القصة :
وقد يكون سنة تقليدا للملاحم التي كتبت في عصر النهضة وقد يكون كما هو الأغلب جيلاًمن الزمن تستكمل فيه حياة البطل وعلى العكس من هذه القصة الصغيرة فهي تتناول ناحية من عمره وعلى كل فمتوسط الزمن الذي تحدث فيه القصة أطول من المسرحية والقصة القصيرة (الأقصوصة )لأن المسرحية يحدد لها زمن لا يزيد عن أربع وعشرين ساعة وهذا لا يتأتى في القصة بحال ما وليس من الضروري أن يعين المؤلف الأيام و الليالي والفصول التي تقع فيها الحوادث وإن كان النهار عادة هو زمنها المصطلح عليه بيد أن روايات البطولة تتخذ من الليل مسرحاً لحوادثها وكذلك روايات الغرام فالليل للأولين برهبته و ظلامه و خفاياه يزيد في إظهار بطولتهم وللآخرين زمان التفكير والإحساس و الآهات .
وقد يكون لتغير الزمان الفجائي أثر بالغ في القصة و قد ديون لأظهار الموازنة بين الحادثة والزمان كأن يموت البطل في يوم أحد صحو _ وهذا طبعاً حدث كبير في أوربا ولا سيما أيام الشتاء _ وقد تظلم السماء وترعد وتسح المطر سحاُ مشاركة في المصاب بموت بطل الرواية ..
أما المكان :
فلم تخضع القصة أبداً للوحدة المكانية كما خضعت المسرحية والقصة القصيرة وإذا نظرنا إلى الرواية الخيالية وجدناها تتعدى الأمكنة ولا تتقيد بها فقد تهيئ أمكنة مثالية لا وجود لها بالواقع فهناك روايات اختار المؤلف مكان حوادثها جوف الأرض كرواية ستيفنسن (جوف الأرض ) أو النجوم أو الجنة أو جزراً لا مسمى لها في بحار لا وجود لها في بحار بعيدة مجهولة ..
أما القصة الواقعية فتختار الأمكنة ذات المشكلات الأجتماعية مثل لندن في روايات دكنز وباريس في قصص بلزاك وفي غالب الأحيان تعقد الموازنة بين حياة المدينة المعقدة وحياة الريف البسبيطة ..
أما الأمكنة الصغيرة فتختلف كذلك بحسب القصة ففي الرواية الخيالية نرى قصر الأمير أو صومعة الراهب أو الحصون الأقطاعية بحجراتها المسكونة بالجان مكانا للرواية وقد جابت الرواية الخيالية البحار و القفار و الجبال و الغابات ...
وقد استخدمت القصة الأجتماعية السجن ووكر اللصوص وحانات الشراب واستخدمت كذلك المنزل والمكتب و المسرح وقاعة المحكمةوالحدائق والشوارع إن المجتمع الحديث يأكل و ينام و تزوج و يتزاور و يتعبد و يموت في المنزل ولهذا جنح الكتاب الواقعيون إلى اتخاذ عناوين قصصهم من الأمكنة مثل حانوت العاديات (لدكنز)والبيت الصغير في النجتون وكايينة العام سام (لمسز ستو ) ..
أما ظروف القصة :
فتختلف باختلاف مدارسها الأدبية فمدرسة زولا مثلاً تحقر التجارب الإنسانية مهما عظمت إذا قيست بأعمال الطبيعة وكثير من كتاب القصة ينزعون نزعة تصوفية و بعضهم يخضع عمل الإنسان وتصرفاته مهما حقري القوانين خلقية مثل ((جورج أليت))
وفي الرواية التاريخية تذكر أحوال المجتمع إذ ذاك من سياسة ودين واقتصاد وغير ذلك وقد تتناول ظروف القصة النفسية أحد الشخصيات وللجو طبعا مكانة ممتازة في القصة الأدبية بتغيره أو انسجامه مع حوادثها و كثيراً ما يكون لليالي القمرية ومناظرها الفتانة مكانة عظيمة في الروايات الغرامية ومن المألوف أن يتقدم التعريف بالبيئة من زمان ومكان وظروف في الفصلين الأولين على ألا يكون ذلك وصفاً بحتاً وإلامل القارئ بل يتقدم ذلك ممزوجا بالحوادث وهي بعد في أولها قبل أن تتعقد وتشتبك ...
الحكاية :
أهم عنصر من عناصر القصة هو (الحكاية ) إنها قديمة جداً ترجع إلى إنسان الغابات والكهوف حيث كان المستمعون البدائيون يكتفون بهز رءوسهم وهم متحلقون حول الناربادية عايهم علامات الإعياء من صراع الحيوانات المتوحشة كالماموث وغيره ولا يحفز على اليقظة إلاالتلهف والتشوق لمعرفة نهاية القصة وما الذي حدث بعد ؟ فإذا تكهنوا بما سيحدث غلبهم النوم أو قتلوا الراوي.
إن ما حدث لشهر زاد وما اختراعته من التعلق و التشويق لحفظ حياتها حين بدأت تسرد على شهريار حكاياتها لأكبر دليل على أهمية هذا العنصر في القصة لقد كان العلاج الوحيد للتأثير على المستند الظالم .
وعلى الرغم من أن شهر زاد كانت قصاصة كبيرة رائعة في وصفها متسامحة في أحكامها خالقة في حوادثها ممتازة في أخلاقها وواضحة في رسم شخصياتها متخصصة في معلوماتها حول ئلاث عواصم شرقية بيد أنها لم تعتمد على أي واحدة من هذه الصفات في أنقاذ حياتها من زوجها المتعنت لقد عاشت لأنها استطاعت أن تجعل الملك أن تجعل الملك متلهفاً مشتاقاً لمعرفة ماذا سيحدث بعد ذلك.
وحينما تبزغ الشمس تقف في حديثا دون أن تتم الجملة وتقول : ((وهنا أدرك شهر زاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح )) أننا جميعاًَ مثل شهريار كلنا يريد أن يعرف ما سيحدث بعد أنه شيئ عام لدى جميع البشر.
ولهذا كان العمود الفقري في كل قصة هو الحكاية . وبعضنا لا يود أن يعرف سواها .
ولكن ما الحكاية ؟ الحكاية هي سلسلة من الحوادث مرتبة ترتيب زمنيا طبيعياً كمجئ الغداء بعد الإفطار والثلاثاء بعد الاثنين .
إن للحكاية فائدة وفيها خطأ فائدتها أن تجعل المستمعين متلهفين على معرفة ما سيحدث بعد وقد تجعلهم لا يودون معرفة ما سيحدث بعد وهذا هو النقد الذي يوجه إلى الحكاية .
إنها أدنا وأبسط أنواع الأدب ولكنها أعظم عامل مشترك في هذا الكائن المعقد المعروف بالقصة أننا أن فصلنا الحكاية من كل ما يحيط بها في القصة وجعلناها عارية نراها رديئة وسخيفة ولكننا نتعلم منها كثيراً.
وإذا وازنا بين الحكاية والحياة وجدنا الحياة كذلك في العادة تجرى في ترتيب زمني سواء في أقوالنا أو أفعالنا ولكن بجانب الزمن هناك كذلك ما يسمى (بالقيمة) لا تقاس بالدقائق والساعات ولكن بأهميتها إننا إذا نظرنا إلى الماضي لا نجده منبسطاً ولكن تلال وقمم وكذلك إذا نظرنا إلى المستقبل لا نجده متسلسلاً فالماضي والمستقبل لا يهتمان بالزمن لأنا الحياة العادية في الواقع مكونة من حياتين : حياة زمنية وحياة ذات قيمة .
إن الحكاية تسرد الحياة الزمنية أما القصة بأكملها إذا كانت قصة جيدة فإنها تتضمن كذالك عنصر القيمة أو الأهمية في هذه الحياة .
إن الولاء للعنصر الزمني في القصة ضرورة لا مجيد عنها فلا قصة من غير زمن على كاتب القصة أن يهتم بعنصر الزمن وإلا كان غير مفهوم ويسير على ضلالة.
في كل قصة (ساعة) تذكر بالزمن وقد لا تعجب القصاص ولكنها ضرورية حتى لا يرى أحد الأشخاص في مكان ما وهو في نفس الوقت موجود في مكان آخر.
إن أساس القصة هو الحكاية والحكاية سرد للحوادث في نظام زمني مخصوص.
ويلي ذلك البحث في التعقيد ولا بد في أية رواية متينة البناء من عقدة أما ضرورتها فلأن العقل يميل دوماً إلى ربط الحوادث بعضها ببعض وتكون هذه العقدة مثالية لأن الخيال هو الموهبة العقلية الوحيدة التي تستطيع أن تقوم بهذا الربط وبخاصة في أية سلسلة من التجارب الفردية أو الاجتماعية يتطلب العقل أو يحاول تحويل التفصيلات المبعثرة المضطربة إلى مجموعة ذات مغزى واحد.
والعقدة عادة تتكون من خيط رئيسي من الحوادث وبعض الخيوط الثانوية تجدل كلها معاً وكل خيط من هذه يتألف من عدة حوادث تمهد لما بعدها وتكون سبباً لها وأحياناً تبتدئ القصة عكسية فتبتدئ بالنتيجة وترجع إلى الحوادث وقد نجد ما يقطع هذه السلسلة من الحوادث ولكنها في آخر الأمر تصل إلى أوجها .
ولكن ما العقدة ؟
العقدة هي موضوع القصة والطريقة التي تسير عليها وتتابع الأحداث ليس مجرد جمع حوادث بل سلسلة لها صفة خاصة تشترك فيها كل الجزئيات وتسير وفق خطة موضوعة متسبب بعضها من بعض ومترتب بعضها على بعض .
فإذا قلت : إن الملك مات ثم ماتت الملكة كان هذا حكاية ولكن إذا قلت : أن الملك مات ثم حزنت الملكة عليه فماتت على أثره أو قلت : ثم ماتت الملكة على أثره ولم يدر أحد لماذا حتى أكتشف فيما بعد إنها حزنت عليه فماتت كان ذلك من التعقيد.
في الحكاية نسأل : ثم ماذا حدث بعد ذلك ؟ وفي التعقيد نسئل : لماذا حدث هذا ؟ .
وذلك هو الفرق بين الحكاية والتعقيد كلاهما مجموعة من الحوادث ولكن الحوادث في التعقيد متصلة بينها صلة ورابط سببية وأن اشتراكا في الترتيب الزمني ولذلك تسمى العقدة أحياناً الحبكة القصصية. ولعمل العقدة يسئل المؤلف نفسه : هل يريد أن يكتب الحوادث مفصلة ؟ هل ستقع حوادثها في زمن طويل ؟ هل ستكون فيها شخصيات كثيرة ؟ أو العكس من هذا ؟ ولا بد أن تكون لديه الخطة كاملة قبل البدء في الكتابة حتى لا يدخل في القصة ما يقطع وحدتها وانسجامها واطرادها :
وقد وصف (ستيرن) القصصى الإنكليزي في القرن الثامن عشر فن القصة فحصرها في مهارة الكاتب في الاسطراد بحيث لا يعوق هذا الاسطراد تطور الحوادث وسيرها بل يسير الاسطراد ولتقم بحوادث القصة جنباً إلى جنب رغم ما يبدو في هذا القول من تناقض فيكون الكاتب مثلا بصدد شخص يحي عنه ثم يعترض الحكاية سخص آخر أو حادثة فينحرف الكاتب إلى هذا الطارئ الجديد على شرط إلا يسهو عمن كان يحكى عنه بل يتذكره بلمحات بارعة آنا بعد آن بحيث تزيد صورته في ذعن القارئ وضوحاً ورسوخاً حتى يعود إلى حكايته من جديد بعد فراغه من استطراده الطارئ.
الشخصيات :
ثم يلي هذا الكلام عن شخصيات القصة ويختلف عددهم تبعاً لنوع القصة فالاجتماعات قد تكون معرضاً للشخصيات المتباينة حالاتهم فيكثر الأشخاص نوع ما بينما يقل عدد الأشخاص كثيراً في الرواية النفسية حتى يتمكن المؤلف من تحليلها ولا بد أن يكونوا من صميم الحياة ويستحقون الدراسة والمعرفة ولا يصح أن يكونوا دمىً خلقها خيال الكاتب وتصوره وإذا ظهرت شخصية ماك فيجب إلا يصدر عنها ما يناقض حالتها تلك سواء أراد المؤلف ذلك ام لم يرده وعلى هذا فل الشخصيات هي التي تحدد خطة القصة وقد توجد شخصية رئيسية في القصة توحد بين شخصياتها الآخرى بين حوادثها مثل ((دافيد كوبر فيلد)) لدكنز و روبنسن كروزو أو قسيس و يكفيليد أو ((تس)) وقد تكون هنالك شخصيتان يعني بها الكاتب ويكثر ذلك في قصص الغرام ولكن إحدى الشخصيتين تتغلب على الآخرى.
وتصر المدرسة الواقعية على أن يدع المؤلف الشخصيات تفصح عن نفسها وأن يقف سلبياً بالنسبة لها جميعاً ولكن كلما تتحقق هذه النظرية فالمؤلف لا يستطيع بحال ما أن يسوى بين الشخصيات المختلفة في حبه لهم وعنايته بهم وقد يأدي هذا الموقف السلبي إلى أظهار الكاتب بمظهر المعادي لبعض الشخصيات كما تفعل ((جورج أليت)) والواقع أن الوؤلف لا يمكن أن يتجرد من أحساساته فهو يحب ببعض الشخصيات ويكره بعضها.
وفي الروايات التاريخية لا بد من دراسة وافية للمجتمع والعصر حتى تكون الشخصيات قريبة من الحقيقة بقدر الأمكان وقد رأينا ما فعل ((سكوت)) وما رأى النقاد فيه.
مجموع القصة يشبه إلى حد ما المسرحية تمهيد للشخصيات وأغراء ثم الصعود بالحوادث وتحرج وهبوط ثم حل لها وهكذا القصة نستفيد من الحوادث والبيئة لتظهر الشخصيات ومن المفاجأة والتشويق لنحافظ على الأهتمام والعقدة قد تكون موزعة في نواحي القصة بحيث يعجزك أن تضع عليها أصبعك في أي مكن منها القصة كلها بحوادثها وأشخاصها يجب أن تهيئ للعقدة بحيث تدفعها إلى الأمام حتى تصل بها إلى غايتها والعقدة المنتازة هي التي تجمع الخيوط كلها وتربطها بالخطة العامة مع أن لهذه الخيوط من الحوادث عقدها الصغيرة ولكنها كلها تهيئ للعقدة الرئيسية للقصة.
الحل:وأخيراً يأتي الحل ولكل قصة حل حتى وأن كانت عقدتها واهية أو غير موجودة ولا عبرة بما يقوله بعض النقاد الواقعيين بأن حل المشكلات لا يحدث .
الباب السادس
الفصل العاشر
المسرحية
أولاـ تعريف المسرحية:
نص أدبي ؛يصب في حوار ويقسم على مشاهد يحكي به الكاتب قصة جادة أو هازلة يلقيه الممثلون على جمهور من الناس في زمن معلوم في ضوء أو حركة وأنغام مجالها العمق الإنساني متجنبة الخوارق
العمل المسرحي : هو الذي يجري على خشبة المسرح من قيام وقعود وحركة وسكون وكلام وصمت من خلال العراك الناشب بين الوسائل والحوائل التي تتنازع حادثا من الحوادث فالوسائل تعمل لوقوع العمل والحوائل تعمل لمنعه
ثانيا ـ صفات العمل المسرحي :
يتصف العمل المسرحي بالصفات التالية
1- أن يكون مربيا يحول ذهن المشاهد من ضد إلى ضد تبعا لتصرف الأفراد وتقلب الظروف وتفقد المسرحية جاذبيتها إذا أوحى العمل المسرحي بحل وحيد يدل عليه المنطق ويتنبأ به المشاهد
2_ الوحدة في الأجزاء التي يتركب منها العمل الروائي بحادث واحد يوجده بطل العمل أو يمنعه حيث يجعل بطل العمل في خطر واحد لا يختلف من البداية إلى النهاية وقد أضاف البعض لوحدة العمل وحدة الزمان والمكان إذ تعني وحدة المكان وقوع العمل في مكان واحد لا يتعداه ( مدينة – غرفة ) وتعني وحدة الزمان عدم استغراق العمل المسرحي أكثر من أربع وعشرين ساعة أو ست وثلاثين ساعة والكتاب المحدثون قد تركوا وحدة الزمان والمكان
3_ السرعة : إذ لا تتحمل المسرحية التطويل والتفصيل والاستطراد
4_التوجه بالعمل إلى الذهن لا إلى الحواس حتى لا تتحول المسرحية إلى حركات جسدية
ثالثا ـ أجزاء العمل المسرحي:
1_ العرض :وهي فكرة عامة عن العمل الروائي يقدمها الكاتب لتهيئة الأذهان إلى الحدث وتشويق النفوس إلى المتأخر وتعريف الظروف والأمكنة والأشخاص ويقدم ذلك الممثلون لمشاهد بشكل طبيعي بين الغموض والوضوح
2_ التعقيد : حيث تتشابك فيه الظروف والوقائع والمنافع والمنازع و الأخلاق التي تعترض طريق البطل وينشأ عن اشتباكها الشك والتطلع و فروغ الصبر لتقوى جاذبيتها وهو جسم الرواية وروح العمل لأنه صدى لأصوات الحياة
3_الحل :وهو نهاية الرواية حيث تنحل العقدة بزوال الخطر أو تحقيق الهدف أو حلول مصيبة
4_الشخصية المسرحية :وهي مصدر كل شيء في المسرح وأخطر عناصرها وتحمل ثلاث مقومات
أ ـ الجسدي القائم على الجنس الذي تنتسب إليه الشخصية والسن والطول والوزن ولون الشعر والعينين الكيان والبشرة والمظهر والصحة والمرض ...
ب ـ الكيان الاجتماعي ويعني الطبقة الاجتماعية التي تنتسب إليها الشخصية ونوع عملها وتعليمها وحياتها ونشاطها و هوايتها وعاداتها
ج ـ الكيان النفسي وهو ثمرة الكيان الجسدي والاجتماعي بحيث يكون مزاج الشخصية المسرحية وهذه الشخصية نوعان :
1ـ مجموعة أساسية تلتقي عنده خيوط العمل المسرحي ( البطل ) يجب أن تكون شخصية لا تعرف المساومة أو أنصاف الحلول
2ـ ثانوية أو معارضة تكبح جماح الشخصية المحورية وتكون ندا لها
هـ - الصراع المسرحي وهو مصدر الجاذبية والتشويق في المسرحية ويكون بين البطل وقرينه أو بين البطل ونفسه
وأصنافه:
1-الصراع الساكن
2-الواثب
3-الصاعد المتدرج في بطء
4-المرهق الدال على ما ينتظر حدوثه
والصراع الناجح ما كان مزيجا بين (الصاعد و المرهق)
و _الحوار المسرحي : أداة المسرح التي تبرهن على الفكرة الأساسية وتكسف عن الشخصية ويمضي بها الصراع ولكي يكون الحوار ناجحا لابد أن يكون الكاتب مطلعا على شخوصته اطلاعا عميقاً وعلى الكاتب أن يلتزم حدود شخوصه المرسومة فلا يجعلها تتكلم بما لا يتلاءم معها إضافة إلى أنه يجب أن يكون مركزا موجزا مطابقا الشخصية سهل الفهم حيادي ثيهعن موقعا داخليا يرتفع عن مستوى الأحداث العادية
رابعا:ـ أنواع المسرحية :
1 _ المأساة : تمثيل أمر جلل جدي يبعث في النفس الرعب والإعجاب والرحمة بشخصيات نبيلة وهوى رفيع وينتهي بالفاجعة غرضه إصلاح النفوس وإثارة الرهبة والإعجاب بالصنيع الجميل
2- الملهاة: تمثيل حادث من الحياة العامة يثير الضحك واللهو موضوعه الجهة الوضيعة من حياة الناس وعاداتهم ووقائعهم من خلال خطأ حقيقي أو لدعائي لا ضرر منه
3_ الدراما: هي مسرحية تخلط بين المأساة والملهاة وتظهر الموضوع الجدي في المعرض الفكاهة ويساوي بين الملوك والسوقة وتمتزج فيه البسمات بالعبرات
4_ المسرحية الغنائية :مسرحية شعرية تؤدى عن طريق الغناء والإنشاد وتأتي بالحوار الكلامي وتقبل الخوارق والأشباح توقع على أنغام الموسيقى وتعنى بالزينة قوامها الموسيقى والغناء والمناظر
5-المأساة اليونانية ومن صفاتها :
أ- وحدة الموضوع
ب- وحدة الزمان والمكان
ح- فصل الأنواع
وأما وحدة الموضوع فالمقصود بها أن تجري المسرحية على فكرة واحدة كيلا تتشتت وتتمزق، وأن يمضي كل الوقت المخصص للمسرحية في إظهار تلك الفكرة ومعالجتها ودرسها حتى تتوضح وتنضج في أذهان المشاهدين
وأما وحدة الزمان والمكان فالمقصود بهما أن تجري أحداث المسرحية في زمن غير متطاول لا يتجاوز أربعا وعشرين ساعة، ومكان واحد لا يتعدد، ولذالك كانت المأساة اليونانية بسيطة التركيب، ولا تعقيد فيها ولا تشتت
وأما فصل الأنواع فيقصد به ألا يتخلل المأساة شيء من الملهاة، كما لا يتخلل الملهاة شيء من المأساة، فتكون المسرحية مأساة كلها، أو ملهاة كلها
6_المأساة الرومانية : وبعد اكتمال المأساة اليونانية وظهور الرومان نشأت المسرحية الرومانية، وهي دون المأساة اليونانية في الروعة والجمال والإتقان امتلأت بالمناظر الوحشية والفظائع
7_ المسرحية الاتباعية الفرنسية : توقفت المسرحية وجمدت قليلا بعد ولادتها، ومرت أعصر قبل أن تعود إلى الحياة وذلك حين هيأ الفرنسيون أنفسهم للتلمذة على الرومان ثم اليونان ونهض الناقد الفرنسي (بوالو)
يؤلف كتاب ( فن الشعر ) على غرار كتاب (فن الشعر ) لأرسطو، وبذلك تأسس المذهب الإتباعي (الكلاسيكي ) ومن يومئذ والمسرح الفرنسي منتعش منتشر
-يمتاز المسرح الاتباعي الفرنسي بهذه الخصائص :
أـ العناية باللغة والتعبير الأدبي عناية بالغة
ب ـ الاقتصار على الشعر وحده في كتابة المسرحيات
ج ـ المحافظة الصارمة على قانون الوحدات الثلاث : الموضوع والزمان و المكان
د ـ قلة عدد شخوص المسرحية
هـ ـ قلة العناية باللباس والمناظر و الموسيقى
ومن أساطين المسرحيين الإتباعيين في فرنسا :كورني وراسين وموليير0
8 ـ المسرحية الإبداعية : قامت المسرحية الإبداعية بعد الإتباعية وبعد أن اجتاح المذهب الإبداعي في الأدب والفن سلفه الاتباعي اجتياحا عنيفا .
الفروق بين المسرحيتين الاتباعية والإبداعية
أ - المسرحية الاتباعية مستمدة – إلا ما ندرـ من تاريخ الإغريق ،واللاتين ،و المسرحية الإبداعية تستمد من التاريخ المعاصر بلا حرج
ب - لا تخلط المسرحية الاتباعية بين الجد والهزل، والمسرحية الإبداعية سمحت بذلك
ج - حافظت المسرحية الاتباعية على وحدتي الزمان والمكان ولم تفعل ذلك المسرحية الإبداعية
د- طابع المسرحية الاتباعية إنساني عام وطابع المسرحية الإبداعية قومي محلي .
هـ - أبطال المسرحية الاتباعية ملوك وأمراء وقادة عظام ، وأبطال المسرحية الإبداعية شخوص من الناس كافة .
و- حوار المسرحية الاتباعية منظوم شعرا وهو في الإبداعية شعر أو نثر .
ثانيا- الملهاة : كان حديثنا الماضي محصورا في المأساة ، ولكن المسرحية ملهاة أيضا ومنذ القديم انقسم المسرح إلى جاد وهازل، وفي المذهب الاتباعي ملهاة وفي المذهب الإبداعي ملهاة وقد سمح الاتِباعيون بأن يكون أبطال الملهاة ناسا من العامة، ولكنهم أصروا على أن يكون الحوار شعراً ، وتحرك الإبداعيون –كعاداتهم –تحركاً أكثر، و جاؤوا بما سموه (الكوميديا الدامعة ) وهي مسرحية فيها الضحك والبكاء معاً
ثالثا - المسرحية الواقعية : انتهت أمور المسرحية الإبداعية في القرن التاسع عشر إلى المسرحية الواقعية. وهي مسرحية تعرض قصةً من الحياة والمجتمع تجري حقاً وصدقا في الحياة والمجتمع، من غير خيال ٍ واسع، وعواطف سارحة، وألفاظٍ مزدانة، وجمل مرتلة، ومواقف مثالية رائعة ومن روادها وأعلامها المسرحي النرويجي (هنريك إبسن ) صاحب مسرحية (بيت الدمية)
رابعا :المسرحية الرمزية:
نشأ المذهب الرمزي في الشعر ثم انتقل إلى المسرح والمسرحية الرمزية ثائرة على كل نظام سابق
ومن ميزاتها :
1-الغموض : فالرمزيون مولعون بالضباب، والإلهام،و الظلال .
2- الحوار: فيها أجل من القصة وهي هنا تقترب من جو المأساة اليونانية .
3- لا مكان ولا زمان واضحين في المسرحية الرمزية.
خامسا - مسرحية اللا معقول أو مسرحية العبث : هي مسرحية نشأت مع نشوء مذهب (اللامعقول ) في الأدب بعد الحرب العالمية الثانية، وهي لا فصول لها ولا زمان ولا مكان، وشخوصها يتكلمون عن أشياء قد يحققها المشاهدون وقد لا يحققونها، والرمز البعيد فيها ملموس ويراد به التعبير عن (لا معقولية ) العصر بأدب لامعقول أيضاً. ومن أشهر مسرحيات هذا النوع مسرحية ( الكراسي ) ليونسكو ، ومسرحية (في انتظار غودو) لبيكيت.
سادسا - المسرحية الواقعة الجديدة : مع انتشار الاشتراكية وبروز معطياتها في الفكر والنضال ضد المستغلين نشأ المذهب الأخير في الأدب ، مذهب الواقعية الجديدة، ومس المسرح منه ، ونجم مسرحيون صبوا كل ما يحسون ويعتقدون في قوالب هذا المذهب الذي تمرد على القوالب كلها، واتخذ من العلم الاشتراكي ومن أن الإنسان قادر على تغيير ظروفه سبيله الكبير إلى الصواب والتحرير. من أساطين المسرحيين على هذا المذهب الشاعر الألماني المعروف (برتولد بريخت )
خامسا : مصادر المادة المسرحية
استقى كتاب المسرح مضامين مسرحياتهم من مصادر متنوعة هي
1-الحياة المعاصرة للكتاب والزاخرة بالكثير من القصص ذات الطابع المأساوي أو طابع الملهاة
2-القصص الشعبي وخاصة (ألف ليلة وليلة )
3- التاريخ العام الجاهلي أو الإسلامي أو الإنساني
4-الأساطير الشعبية المفعمة بالخيارات والغرابة
5-الترجمات العربية للكثير من القصص في الحضارات الأخرى
سادسا : لغة المسرح
اختلف الكتاب والنقاد والجمهور حول اللغة التي يجب أن تكتب فيها المسرحية بين العربية الفصحى والعامية المحلية واللغة الثالثة الوسط بين الفصحى والعامية وقد جنح بعض الكتاب إلى ضرورة ترك الكاتب يكتب مسرحية باللغة التي يراها مناسبة لنصه .
الباب السادس
الفصل الحادي عشر
المقالة
تعريفها وعناصرها
أ ـ تعريف المقالة: قطعة نثرية ذات طول متوسط يعالج فيها كاتبها من جهة نظره موضوعا من موضوعات العلم أو الأدب أو الاجتماع أو السياسة ..........
ب ـ عناصر المقالة (المادة ـ والأسلوب ـ والخطة).
1 ـ المادة:وهي جملة الحقائق والمعلومات التي يريد كاتب المقالة تقديمها إلى القارئ ، ومن شروط المادة الجيدة في المقالة صحتها وصدقها و ،وغزارتها وجدتها حيث تغني عقل القارئ فتقدم له الجديد النافع من الأفكار والمعارف والحقائق التي تقوم المقالة عليها ويشترط بمادة المقالة أن تكون بريئة من الغلط والتناقض مقنعة من حيث التأثير والطرافة والجدة والفائدة .
2ـ الأسلوب:وهو طريقة التعبير التي يختارها الكاتب ، وطريقة إيراد الأفكار وترتيبها وتنسيقها وعرضها ، حيث يأخذ بيد القارئ ويمشي به من فكرة إلى أخرى وفق تسلسل منطقي مقنع مريح.
وأساليب الكتاب يختلف بعضها عن بعض ، وطرائقهم التعبيرية تتنوع ، ولكن أسلوب المقالة لا بد أن يتصف بالسهولة والوضوح والبعد عن التكلف والغموض.
3ـ الخطة:وهي التي تبرز واضحة في المقالة الموضوعية (علمية أو اجتماعية أو فكرية ) فتعطيها شكل المقالة وقالبها ، وقد تتحرر المقالة الأدبية من الخطة فلا تلتزمها . وتقوم الخطة على المقدمة والعرض والخاتمة ؛ أما المقدمة فهي فاتحة المقالة ، بها يمهد الكاتب الطريق أمام موضوعه ، إذ يقدم طائفة من المسلمات أو البدهيات تتصل بالموضوع وتعين القارئ على التهيؤ له . ومن خصائص المقدمة الناجحة أن تكون موجزة مكثفة ، وأن تكون قصيرة فلا تطول كيلا تطغى على العرض الذي هو لب المقالة وغايتها . وأما العرض فهو جوهر المقالة ، وفيه يقدم الكاتب آراءه وأفكاره إلى جانب الأدلة والبراهين التي يحتاج إليها في إقناع القارئ ، وقد يشفع كل ذلك بالأمثلة والشواهد . ومن صفات العرض الناجح حسن التسلسل ، وبراعة الترتيب ، ولطف الانتقال وتأتي الخاتمة بعد العرض تلخيصا موجزا بارعا لما جاء في العرض وتأكيدا لما ورد في أثنائه من آراء وموقف . إذا لا جديد في الخاتمة ، لأن مهمتها التذكير بما سبق و تثبيته في ذهن القارئ.
ج ـ أنواع المقالة:
بعد أن ازدهرت المقالة وانتشرت ، وبعد أن احتلت مكان الصّدارة بين سائر أجناس الكتابة راح كتّابها يتناولون فيها موضوعات شتّى يصعب حصرها،,فما من جانب من جوانب الثقافة الإنسانية إلاّ تصدّت له المقالة ، وما من ميدان من ميادين المعرفة إلا خاضته وعالجت شأنا من شؤونه ، كذلك صارت مطيّة أعراض خلجات النفس وخواطر الوجدان وتأملات الفكر،,وهكذا تشعبت المقالة أنواعا عديدة تبعا لمضمونها ، فكان منها المقالة العلمية والأدبية و التاريخية و السياسية وغير ذلك . وسنقتصر القول على أهم أنواعها:
1 ـ المقالة السياسية
وتتحدث عن موضوعات سياسية كالبحث في نظام الحكم وسياسة الدول وهي تقترب من المقالة العلمية دقةً والاجتماعية اتساعاً وشواهداً وتقترب من الخطة الحماسية إن تحدثت عن جهاد الشعوب وانتشرت كثيراً في الصحف والإذاعات والتلفزيونات وأهم سماتها
ـ سرعة الأسلوب الذي يقفز على الفكر قفزاً
ـ قوة الأسلوب من خلال التكثيف
ـ جدة الأسلوب وجراءته
4 ـ قوة الأديب في حسن استخدامه للتعبير عن فكرته كلمة وجملة وصورة أدبية
2 ـ المقالة العلمية
تبحث المقالة العلمية في الموضوعات العلمية بهدف تسهيل العلوم لفهم الناس ولإطلاعهم على حقائق هذه العلوم.
وتمتاز بأن موضوعها علميّ يتصل بحقائق العلوم و قضاياه ، وبأنها ترمي إلى تبسيط هذه الحقائق و تقريبها إلى القارئ، , فقد تغني مقالة علمية واحدة عن قراءة كتاب ، وقد يجد فيها القارئ ما يسدّ حاجته إلى التزوّد بالمعارف والعلوم.
أما أسلوبها فيمتاز بدقة العبارة ووضوحها وإيجازها وسهولتها وبعدها عن التعقيد والتكلّف وخلوّها من الصنعة والزخرف.
وكاتب المقالة العلمية ينحّي ذاته فيما يكتب ، فلا انفعال ولا خيال.إذ غايته إيصال الحقائق ومخاطبه العقل،لا إثارة الوجدان وتحريك العواطف،فهي في الوقت نفسه مقالة موضوعيّة. وفي هذه المقالة تبرز الخطة أوضح ما تكون ،فإذا أنت أمام مقدمة وعرض وخاتمة لها حدودها البارزة للعيان.
وتتصف هذه المقالة:
أ ـ بدقة التعبير
ب ـ بمنطقية العرض
ج- بسرعة وصولها إلى ذهن القارئ
د- غايتها مخاطبة العقل
و- موضوعها كافة العلوم
3 ـ المقالة الأدبية
وهي أكثر أنواع المقالات الأدبية ذيوعا وشيوعا ، وتمتاز بأنها ذاتية وليست موضوعية يصدر فيها الكاتب عن نفسه ، ويعبر بها عن مكنون وجدانه ، فتتلون بتلون المشاعر والانفعالات.
أضف إلى ذلك أنّها تعتمد الخيال ، أما أسلوبها فجميل العبارة حسن السبك مختار اللفظ موشح بألوان الصنعة ، وتحتل هذه المقالة المنزلة الأولى لما يبثه فيها الكاتب من عواطف ومشاعر وكاتبها إما شاعر أو أديب مرهف الحس يتحدث عن كل ما يعانيه ويشعر به ومن سماتها:
1 ـ أنها مفعمة بأحاسيس ومشاعر الكاتب
2 ـ متخمة بخيالاته
3 ـ تتخلل سطورها شخصية الكاتب
4 ـ أسلوبها أدبي محض
5 ـ تجافبها عن منهج المقالة ذات العناصرالثلاث (المقدمة –العرض - الخاتمة)
وما يزال شأن هذا النوع من المقالة عالياً في عصرنا تسيطر على الصحف والمجلات والإذاعة والتلفاز والشبكة العنكبوتية تحمل إلى التاس الوعي والمعرفة والخيرعرّفت الناس على مكانة الإنسان في مجتمعه ومكانة الأمة بين الأمم الأخرى وسلحت الناس بالوعي ومنهج العمل وبينت للناس مسيرة الألم الإنساني وسبل كفاحه على مر العصور ووحدت الرأي العام لهم فارتقى المستوى الثقافي والمعرفي والأدبي والسياسي عند الناس وهيأت للناس قراءة الكتاب وتوزعت بين مقالة منظورة مشاهدة في التلفاز ومسموعة في الإذاعة ومقروءة في الصحف وقد جمعت الشبكة العنكبوتية الأنواع الثلاثة .
4 ـ المقالة الاجتماعية
وهي مقالة موضوعها اجتماعي حياتي يتصل بقضايا المجتمع وشؤون حياة الناس وقد تقترب من المقالة العلمية إذا راحت تعالج قضيّة من قضايا الجتمع على أنها علم من علوم الاجتماع كالجريمة أو الزواج أو التربية و التعليم ،, وقد تقترب من المقالة الأدبية إذا نظر كاتبها إلى الموضوع الاجتماعي نظرة ذاتية تمسّ الموضوع مسا هيّنا رقيقا دون تعميق واستقصاد فيرقّ فيها الأسلوب ، وتلين فيها العبارة . وتمتاز هذه المقالة بأنها ذات طابع نقدي إصلاحي، وبأنها تكثر من ضرب الأمثلة وإيراد الشواهد . أما أسلوبها فسهل واضح مبسّط قريب المتناول. وتختص بالموضوعات الاجتماعية وتقارب المقالة العلمية في بحثها بعلم اجتماعي وتباعدها في بحث أمور الناس ومعاشهم وتتصف هذه المقالة:
1 ـ سعة أفق موضوعاتها
2 ـ وفرة الشواهد والأمثال
3 ـ شيوع النقد فيها
4 ـ بروز المنهج الإصلاحي على غيره
5 ـ أسلوبها فطري سهل
الباب السادس
الفصل الثاني عشر
الخاطرة
أولا : تعريف الخاطرة :
وهي مقالة ضئيلة الحجم ذات موضوع حياتي ، يتناوله الكاتب بيسر وخفّة دون تعمق أو تحليل . وهكذا تصطبع الخاطرة بالصبغة الذاتية ، فتحمل ملامح من شخصية كاتبها ، وتتلون بألوان مزاجه وانفعالته. وقد تعتمد السخرية و التهكّم فتزاداد أسرا وجاذبية . أما أسلوبها فسهل سائغ ملون يمتاز بالرشاقة والطلاوة.
وقد شاعت الخاطرة تبعا لطابع السرعة في الحياة ، وانتشرت حتى تمكّنت من زوايا الصحف والمجلات، فصار القراء يترقبونها باهتمام بالغ.
ثانيا : أنواع الخاطرة
وقد سماه أصحابها بتسميات متعددة :
1 ـ العمود الصحفي : ويحتل الطرف الآخر من الصفحة ويتحدث عن
2 ـ دبابيس:
3ـ على موعد :
ثالثا : من كتابها:
من كتّابها رشاد رشدي ، وصدق إسماعيل ، وزكريا تامر ، ومحمدالماغوط، ونزار قباني ،وغادة السمّان..
الباب السادس
الفصل الثالث عشر
الروايات
آـ تعريف الروايات :
هي ذكر قرار أو فعل حدث أو أمكنا حدوثهما
ب ـ خواص من الروايات :
1 ـ الإيضاح : ويكون بتقديم فرش للحديث
2 ـ ترطئة للخبر يقرب مأخذ الرواية وبمراعاة الترتيب الطبيعي في إراد ظروف الخبر ما لم يكن للراوي غرض ليتجاوز هذا النظام بالعدول عن كثرة الايتطرادات في أنشاء الحديث لأن ذلك يصرف العقل عن سياق الرواية ويذهب برونقها.
3 ـ الإيجاز : وهو حذف حشو فضول الكلام مع انتقاء أخص الظروف وأنسبها للغاية.
4 ـ الأطناب : وهو زيادة الفظ على المعنى إذا دعا إليه فقد من الحال.
5 ـ الإمكان : وهو ترشيح الرواية للقبول في ذهن السامع.
6 ـ التلطف : وهو أن يبلغ الكاتب كنه القلوب ويأخذ بمجامع اللب.
7 ـ التنقل : من حال إلى حال لأن النفس جبلت على محبت التحول وطبعت على 8 ـ إيثار التنقل .
ج ـ أجزاء الرواية :
للرواية ثلاثة أجزاء :
1 ـ الصدر : توطئة للواقع بحيث يقن السامع على أسماء الأشخاص وطباعهم وعلى مكان الواقع وسوابق العمل.
2 ـ العقدة : الجزء الذي تدور على محوره الرواية حيث تتقابل فيه على الأشخاص وتشتبك الأحوال وتضطرم في النفس لداع الشوق للوقوف على عاقبة الأمر ثم يتم 3 الأنتقال من الرجاء إلى الخوف ومن الفرح للحزن.
3 ـ الختام : حيث تفك الإرية فتنال النفوس مرامها ويكون فجائيآ مرتبطآ بما قبله ترضى النفوس وترتاح القلوب.
الباب السادس
الفصل الرابع عشر
الموعظة التقوية
أولا : تعريف الموعظة:
لم يوفر الإنسان أي نوع أو جنس من الكلام إلا ولجه في سبيل توصيل الإصلاحات الاجتماعية والدينية إلى أخيه الإنسان في كل عصر يحدث فيه تكون اجتماعي وإنساني وقد أوصل الإنسان مواعظة ونصائحه من خلال مختلف الأجناس الأدبية وقد تحولت الموعظة الاجتماعية إلى جنس أدبي متميز اجتماعيآ في الجاهلية ودينيآ بعد ظهور الدعوة الإسلامية وحتى يومنا هذا وقد كثر الاتجاه إلى الموعظة دينيآ بعد أن أدرك الناس أن أسلحة الكون وتصحيح سبل الانحراف والقضاء على الشر هو تهذيب النفوس والمواعظ التي تقفل مقلها في تغير طريق الإنسان كما وأن رأس أولويات الإسلام الدعوة إلى الهدى بالحكمة والموعظة الحسنة التي بدأها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ومازالت مستمرة حتى يومناهذاوالموعظة هي مجموعة من الإرشادات والنصائح التي تقدمها المواعظ على شكل نظري أو بداخلها في سيات موقف من المواقف تعرض لها الرسول صلى اللع عليه وسلم أو أصحابته الكرام أو من تبعهم وقد يكون تلاوة اّية قراّنية أو حديثآ نبويآ والتعليق عليها وأخذ العبرة أو الفظة والحكمة عنها وباب المواعظ عريض في أدبنا الحديث وإن لم يلتفت إليه من أرخوا للأداب العربي القديم والحديث وقد كان القراّن الكريم قد استخدم الطبيعة كموعظة للإنسان تجعله ينكر في ما حوله من مظاهر الطبيعة (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار....الخ) الموعظة بالحكمة (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك)
الباب السادس
الفصل الخامس عشر
السيناريوـ الحوار
الباب السادس
الفصل السادس عشر
التوقعيات
أولا : تعريف التوقيعات
هي قطعة نثرية تكون على شكل رسالة قصيرة أو كلمة وحيزة ترسل لشخص أو لجماعة من أصحاب المكانة السياسية أوالأدبية يوجز فيها مرسلها ما يريد توصيله من فكرة أو حكمة أو قضية بحيث يستوعب المرسل إليه ما يريد المرسل.
ثانيا : شروط التوقيعات:
ومن شروطها :
1 ـ الإيجاز.
2 ـ البلوغ(بلاغة ما يرسل).
3 ـ الحكمة الستخلصة من ذلك.
الباب السابع
المذاهب الأدبية
الباب السابع
الفصل الأول: مفهوم المذاهب الأدبية
الباب السابع
الفصل الثاني :مذاهب العرب في صناعة الأدب
الباب السابع
الفصل الثالث :المذاهب الأدبية المستوردة
الباب السابع
الفصل الأول
مفهوم المذاهب الأدبية
المذاهب و المدارس والتيارات والاتجاهات الأدبية
أ- تعريف المذهب الأدبي : المذهب جملة من الاتجاهات التعبيرية المبنية على أسس ومبادئ أخلاقية وفلسفية وجمالية متلاحقة ، ولّدتها حوادث التاريخ ووجهتها حالات نفسية وشعورية ، وهذا المذهب هو جهود جيلٍ من الأدباء والمبدعين والنقاد.
ب ـ المدارس الأدبية:
المدارس الأدبية رؤى جمالية وفكرية وشعورية جاءت استجابة لحاجات اجتماعية إنسانية ضمن واقع تاريخي اجتماعي محدد فهي جزء من بناء ثقافي عام يعبر عن مرحلة اجتماعية من مراحل تطور المجتمع مستجيبة في مضمون نتاجها الأدبي للمثل العليا الفكرية والروحية والشعورية في مرحلتها الاجتماعية مستعينة بطرائق التعبير والأداء والخبرة الجمالية والذوقية لتلك المرحلة وتعكس هذه المدارس علاقة الإنسان بعالمه و يواكب كل مدرسة أدبية فكر أدبي (نظرية أدبية) تفسر نظرياً النشاط الأدبي المتميز من نشاطات الإنسان الأخرى وهكذا فقد عبرت المدارس الأدبية عن تطلعات الإنسان وقد كانت المدرسة الكلاسيكية هي المعبرة عن المجتمعات العبودية والإقطاعية وكانت الرومانسية المعبرة عن المجتمعات الرأسمالية والبرجوازية وعكست توهج الذات الإنسانية وفرحها الواعي بالحياة و حضورها الفذ في العالم وفي أزمة المجتمع الطبقي .
لكن الرومانسية فقدت طاقتها الغنائية وانتهت إلى اتجاهات رمزية وطبيعية وسريانية ووجودية ولا عقلية وعبثية وتحول الأديب من معبر عن عالم خارجي أو عالم داخلي إلى خلق جديد لا صلة له بالعالمين الخارجي والداخلي
وهذه المدارس التي تصوغ الحاجات الجمالية والمثل الفني الأعلى لوضع تاريخي محدد ولنظام اجتماعي ومرحلة كاملة من مراحل تطوره أما جميع النظرات الأخرى فهي تيارات واتجاهات لأن الكلاسيكية تستند إلى نظرية االمحاكاة و الرومانسية إلى نظرية التعبير واالواقعية إلى نظرية الإنعكاس التاريخ الأدبي.
ج ـ التيارات الأدبية : هي تأيرات أدبية باتجاه شاعر أو قاص أو أديبوأخذ يعض رؤاه ومزجها بمذهب الأديب
الباب السابع
الفصل الثاني
مذاهب العرب في صناعة الأدب
لا شك أن الأدب بشكل عام والشعر بشكل خاص فيض إنساني تشترك فيه عدة فعاليات تنطلق من العقل والنفس وردود الأفعال تجاه الكثير من القضايا الحياتية و قد سلك الأدباء العرب مسالك عدة في التعبير عما يفيض بهذه النفس من أهمها :
1ـ المذهب الفطري : الذي سيطر على كثير من الأدباء والشعراء وما يزال هذا المذهب يحرك بواعث الشعر عند الكثير من الشعراء ويتميز هذا المذهب بالتعبير بشكل الفطري عن قضايا الكون والحياة والإنسان دون التقيد بقوانين الصنعة أو التصنع أو التصنيع وما هذه الجمالية التي تسيطر على الشعر الجاهلي إلا لفطرته
صحيح أن الشعر صناعة لا تصنّع وأن هذه الصناعة قائمة على أسس وركائز وقوانين وأدوات ولكن ذلك لا يعني تكبيل هذه الصناعة بقيود مكبلة له بمحسنات بديعية ترصع جسم النص الأدبي أما ما يأتي من محسنات تمثل فطرية الشاعر والكاتب فلا بأس بها ولقد كان معظم شعراء المعلقات قد صدرت قصائدهم عن فطرية خالية من التزيين المصطنع .
2 ـ مذهب الصنعة : أخذت القضايا الجديدة التي طرأت على الحياة على مر العصور تؤثر فيه تأثيرات عميقة ذلك أن معالم الحياة قد أخذت تخرج الشعر والأدب عن فطريته حيث لم يدع الأدباء يتركون العنان لقصائدهم كي تمضي على سجية الشاعر وفطريته بل أخذوا بعد ذلك يتدخلون في تذويق النص وتحسينه كي يخرج بأحسن حلة وقد قادهم ذلك إلى إدخال الأدب إلى مصنع الصياغة صحيح أن مدرسة عبيد الشعر التي عاشت في العصر الجاهلي والإسلامي والأموي كانت تهتم بتحسين الشعر وجعله يدخل في باب الصناعة إلى أنه بقيت فطرية الشعر الصادرة عن نفس منبسطة هي الغالية .
وقد أخذ الأدباء في العصور التالية وبعد تحضر المجتمع وأدبائه على الرغم من كون قسم منهم من الفرس أخذوا يكتبون الشعر مصورا بين ما يجول في نفوسهم من قضايا وأحاسيس من خلال نماذج وضعت قصائد الشعر القديم نصب أعينهم مضيفين إليها معاني وصور جديدة شكلت هذا اللون من الشعر الحديث المعاصر وقد بقي المديح في الشعر أقرب إلى القديم نموذجاً من الغزل وقد كان الشعراء يجددون و يستفيدون من القديم و يضيقون له ولا يكتب أصحاب الصنعة الشعر إلا إذا حفظوا اّلاف الأبيات الشعرية ونظروا في قصائد الجاهليين والإسلاميين ومحاكاة شعرهم وقد وضحت لنا كتب الأدب مدى أخذ العباسين من الشعر السابق لهم والاستفادة منه واستغلاله .
ولقد بقي هؤلاء الشعراء يحافظون على التقاليد الفنية الوروثة ويلونون معاينهم تلويناً واسعاً بفضل ثقافتهم الجديدة .وأدخل شعراء آخرون الصنعة في الرثاء وبعض الحكمة و العظة وأحاسيسهم النفسية كمرثية أبي العتاهية لصديق له
وقد كنت أغدو إلى نصره فقد صرت أغدو إلى قبره
فتى لم يمل الندى ســـاعة على عسره كان أو يسـره
فصار عليٌ إلى ربــــه وكان عليٌ فتى قبـــره
أما الجماء فقد تحول من نقائض طويلة إلى ضرب قصير يشبه الأمثال الفارسية يقول حما د عجرد في بشارمن برد
نهاره أخبث من ليلـه و يومه أخبث من أمســـه
و ليس بالمتلع عن غيه حتى يوارى في ثرى رمسه
وتطور فن الفخر من ذاتي وقبلي إلى فخر شعوبي مع بقاء الفخر القبلي أسوأ ما قاله الشعراء ومخالفته للفطرة والدين ونعف عن ذكر شواهد الشعر من ذلك وكذلك تحول بعض الغزل من إعجاب بمفاتن المرأة المعنوية والجسدية إلى دعوة للتهتك والخلاعة وانتهاز الفرص لاقتناص الشاعر كما عند بشار الشاغر الخليع الفاجر والذي نعف أيضاً عن ذكر شواهد من شعره وكما وتحولوا عن عذرية الشعر إلى التجديد وقد حصل التجديد من حيث المضمون وكذلك الشكل باستخدامهم أوزان جديدة و استعمالهم الأوزان المجزوءة والمخمس والمزدوج وتحول أسلوب الشعراء من الأسلوب القديم إلى أسلوب المولدين هذا الأسلوب الشفاف الذي يعتني بالثروة اللغوية تبعاً للعناية بالثروة الفكرية واستثارة الوجدان لعرض المعاني النادرة والأحاسيس الدقيقة وهو أسلوب غير ركيك ولامتبذل سهل ممتنع نقي وقد تعب الشعراء كثيراً في صناعة هذا النوع من الشعر (معناً وصياغة وأخيلة وصوراً) مع تمسكهم بالصياغة العربية الفنية وابتكار أساليب تزخر بالحيوية والفكر العميق والحس الدقيق مع نظام موسيقي رشيق وقد قال بشار بن برد:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
فصاغه سلم الخاسر
من راقب الناس مات عماً وفاز باللذة الجسور
وهكذا ارتقى الشعر بفضل هذه الصنعة التي لم تكن موغلة في تمحن المعاني والصور والأخيلة.
3-مذهب التصنيع: علا مذهب الذوق والزخرف والزينة على مظاهر الحياة العباسية في البناء واللباس والفنون والآداب فكانت العمارات والفرش متصنعة ولم يكن الشعراء بعيدين عن هذا الجو من التصنيع والزخرف بحكم منادمتهم للخلفاء والأمراء والوزراء وقد توفرت الأموال للشعراء جراء الكسب من مديح الخلفاء فعاشوا حياة التصنيع ونقلوا هذا التصنيع إلى قنعهم الشعري القصصي وكان القابي ومنصور النمري ومسلم بن الوليد من أوائل من أدخل التصنيع في الشعر بفعل تأثير الفرس الذين يعبرون باللون وإن كان البديع هو فن عربي قديم قدم الشعر ولكن لم يكن يستعمل إلا عرضاً لا يتجاوز بيتين من قصيدة طويلة
4-مذهب التصنع : برزت ظاهرة التصنع في الشعر بعد فترة مل الشعراء فيها من التصنيع فقد انطبعت الحياة الجديدة بطابع التصنع كثيراً أثر على الحياة الفنية والأدبية والشعرية حيث كثرت الألقاب مع وجود الخواء في الداخل ، فالدولة تضعف وتكثر الألقاب والأدب يتحول إلى خواء من حيث المضمون وتطلق عليه وعلى أصحابه ألقاب لا طائل تحتها وقد سيطر على العقل طريقة في تناول الآراء والأفكار تعنى بالتصنع حيث قام الكثير من الأدباء بتعقيد تعبيراتهم كأن تقرأ كتاباً( رسالة) من أوله إلى آخره كما يقرأ من آخره إلى أوله أو خطاب ليس فيه همزة أو لام أوراء وعد ذلك من القدرة البلاغية بمكان عال حتى استحال الأدب عموماً والشعر خصوصاً تأريخا وأحادي وألفاً ولم تسلم موسيقى الشعر من ذلك التكلف والتعقيد كلزوميات المعري وفصوله وغاياته وتقييد قوافيه وأسجاعه بحرفين أو ثلاثة وهذه القيود لا تزيد الشعر طرافة فبديع أبي تمام وبديع ابن المعتز وصبغة للتشبيه لم يرتقيا بالشعر وجاء تفنن الشعراء بالطباق غير منسجم وكذلك عزف الشعراء عن التشخيص والتجسيم وأكثروا من التشبيهات والاستعارات كما في بيت الوأواء الدمشقي
فأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت ورداً وعضت على العناب بالبرد
أو قول المتنبي
بدت قمراً ومالت خوط بات وفاحت عنبراً ورنت غزال
وقد استعان صفي الدين الجلي بسبعين كتاباً في بديعيته حتى كتبها ، وبذلك قد استبان لنا أن ألوان التضيع العقلي لا تستساغ ولا تتحول إلى فن كما أن الاعتماد على الفلسفة والتصنع لحكم الحكماء لم يزد الشعر إلا تقرباً عن أدواته وأهدافه وغاياته كما عند المتنبي في حكمته والمعري في فلسفته ثم مالبث الشعر أن هجر الفلسفه وأصبح ألفاظاً مقحقحمةً يفتقر إلى الفكر والثقافة دون موازنه بين جمال التعبير و التصوير وحسن التفكير وكزالك لم يستخدم الأدباء والشعراء الثقافة العلمية بينما أكثروا من مصطلحات العلوم وافتتنوا في..... و التي لم تزد الشعر جمالاً ولا تفكيراً ونتيجة وجود حواجز بين العلم و التفكير الفني تحول شعر الشعراء إلى شعوذات خيالية تعبر عن هلوسات مختلفة
كقول المتنبي
كفى بجسمي نحولاً إنني رجل لولا مخاطبتي إياك لم ترني
وبذالك صار الشعر مبالغات لا ترقى به إلى وجدان بل تحوله إلى السقوط في التصورات
5-مذهب عمود الشعر : وهذا المزهب انطوى على منهج مميز بركائر هامة هي المقدمة الطللية وتعني وصف مشاهد التحمل والارتحال ووصف المحاسن ووصف الرحلة والراحلة والطريق و الغرض الذي كتبت من أجله القصيدة وتتألف هذه النظرية من شرف المعنى وصحته ومعياره عرض المعنى على العقل الصحيح والفهم الثاقب ، فإذا قبله كان المعنى شريفاً:
أماويّ إن المال غادٍ ورائـــح ولا يبقى من المال إلا الأحاديث والذكر وجزالة اللفظ واستقامته:ومعياره الطبع والرواية والاستعمال ،كقول امرىء القيس:
وقدأغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكـــل
والإصابة في الوصف: ومعياره الذكاء وحسن التمييز، كقول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطباً ويابساً لدى وكرها العناب وبحشف البالي
والمقاربة في التشبيه : ومعياره الفطنة وحسن التقدير من خلال اشتراك المشبه والمشبه به في الصفة ( وجه الاستشهاد ) كقول الأعشى :
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل
و غزارة البديهة : ومعياره سرعة استجابة الشاعر لموقف من المواقف
و كثـرة الأمثال السائرة والأبيات الشاردة : ومعياره الأمثال السائـرة واستعمال الناس لهذه الأبيات المتضمنة لها ، أما معيار الأبيات الشاردة هواستشهاد أهل النقد والشعر بهذه الأبيات ، من قول حسان بن ثابت :
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم جسم البغال وأحلام العصــافير
وقول طرفة بن العبد :
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى لكالطول المرخى وثنياه باليد
وقد زاد المرزوقي على عناصر الشعرالتحام أجزاء النظم وائتلافها على تخير من لذيذ الوزن : ومعياره الطبع واللسان بحيث لايتعثرالطبع بأبنيته ، قال طرفه :
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه خشاش ٌكرأس الحيــة المتـوقــد
و مناسبة المستعار منه للمستعار له : وهــو ما سميناه المقاربة فــي التشبيه ومعياره الذهـن والفطنة ، ومثاله قول امرىء القيس:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي
ومشاركة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية : ومعياره كثرة مراس الشاعروطول الدربة، والمدارسة لديه بحيث يجعل الألفاظ مقسمة على رتب المعاني ، ويجعل الأحسن مـن الألفاظ للأحسن من المعاني بحيث تكون القافية كالموعود المنتظر الذي يتشوق الإنسان للقائه .ومثاله قول الشاعر:
وعدت وكأن الخلف منك سجيةً مواعد عرقوب أخاه بيثرب
6- مذهب البديع : وقد عمقه ابن المعتز و أبو تمام
الباب السابع
الفصل الثالث
أنواع المذاهب الأدبية الحديثة
1 ـ المذهب الاتباعي
2 ـ المذهب الإبداعي
3 ـ المذهب الرمزي
4 ـ المذهب الواقعي
5 ـ الواقعية الجديدة
1 ـ المذهب الاتباعي :
نشأت الاتباعية كتيار أدبي عربي في مرحلة استيقاظ الشعور القومي وأفول الاستعمار ومن خلال الثورة على اللغة التركية التي أصبحت لغة رسمية بديلة عن العربية وقد حاكت الاتباعية العربية نظيرتها الغربية القدماء واعتمدت على الثقة بالعقل البشري والتزمت القواعد ومبادئ منتظمة، وقد كان البارودي زعيم هذه المدرسة اعتمد في معظم شعره على محاكاة القدماء من ذلك قوله :
فيا قوم هبّوا إنّما العمر فرصةٌ وفي الدهر طرقٌ جمّةٌ ومنافعُ
أصبراً على مسِّ الهوان وأنتم عديد الحصى: إني إلى الله راجعُ
وقد اعتمد الاتباعيون كحافظ إبراهيم وأحمد شوقي واسماعيل صبري ومحمد عبد المطلب وخليل مطران في بناء قصائدهم على الجزالة في الألفاظ والمتانة في التركيب والإشراق في الديباجة والعودة إلى المعاني القديمة والأساليب السابقة.
ومن سمات الاتباعية العامة :
أ ـ محاكاة الطبيعة الإنسانية ( الاهتمام بالإنسان العام لا الفرد)
ب ـ محاكاة القدماء باقتباس موضوعاتهم وأسالسيهم
ج ـ الثقة بالعقل البشري بحسث يكون العقل الطريق الهادي للجمال
د ـ الانضباط بالقواعدوالالتزام بالضوابط التي أشهرها:
1 ـ جودة الصياغة اللغوية
2 ـ نصاعة التعبير
3 ـ عدم التكلف والزخرفة اللفظية
4 ـ الاقتصاد باستخدام الألفاظ ( البلاغة في الإيجاز )
5 ـ الوضوح في الأفكار
6 ـ الوضوح في المعاني
7 ـ الذوق واللياقة (الاتباعية أدب موجه للإنسان المهذب )
8 ـ مشاكلة الواقع
9 ـ إقصاء عواطف الأديب الخاصة ليتحدث أشخاصه
10 ـ فصل الأنواع الأدبية ك أتبل الأنواع ( الملحمة ثم ّ المأساة ثم ّالملهاة ثم ّالقصيدة الغنائية)
11ـ في المسرح ( اتباع فواعد المسح الثلاث ) : ( وحدة الزمان والمكان والموضوع )
2 ـ المذهب الإبداعي:
وهو مذهب جاء كرد فعل على الاتباعية في الإحساس والتفكير والتعبير وقد رفع الإبداعيون شعار تمجيد الفرد والألم والطبيعة واعتبروا أن الأدب هو خلق جديد للحياة وإبداع لها ، وأن أداة الأدب القلب والإحساس والخيال، وقد انتقل هذا
الأدب إلينا عن طريق الترجمات والبعثات الفكرية، وأسهم عبد الرحمن شكري المازني والعقاد في إبراز الثقافة الألمانية والفرنسية والانكليزية ، وقد أدرك أصحاب مدرسة (أبولو) جوهر الإبداعية وعلى رأسهم أحمد زكي وأبو شادي .
وأسهم أيضاً في إظهار هذه الإبداعية أصحاب الرابطة القلمية جبران خليل جبران ، وقد مجدّت الرابطة القلمية ظاهرة العودة إلى الطبيعة وامتلأت بالكآبة والألم والنفور من حياة المدينة والثورة على العادات والتقاليد وقد ست شرعية الحب.
وثارت على الشكل واهتمت بالمضمون ، وحطمت القوالب اللغوية الصلبة ، وبرز من شعراء المرحلة الشابي وإلياس أبو شبكة وأنور العطار ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري.
وأهم خصائص المذهب الإبداعس :
1ـ الفردية
2 ـ الغنائية في الشعر
3 ـ تمجيد الألم
4 ـ تمجيد الطبيعة
5 ـ للأدي رسالة تتمثل في بناء مجتمع جديد
6 ـ الابداع الفني الأدبي خلق للحياة وابداع لها
يقول إيليا أبو ماضي موضحاً سمات هذا المذهب:
السحب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفين
والشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبين
والبحر ساجٍ صامتٌ فيه خشوع الزاهدين
لكنّما عيناك باهتتان في الأفق البعيد
سلمى بماذا تفكرين ؟
سلمى بماذا تحلمين؟
3 ـ المذهب الرمزي:
الرمزية مذهب أدبي نشأ كرد فعل على الإبداعية وتدين هذه الرمزية بنشأتها لعوامل فلسفية وأصحابها مثاليون لأنهم لا يثفون بالعلمولا بقدرته غلىكشف العجيب والمجهول وقد نشأ هذا المذهب معتمداً على فلسفة مثالية تعتقد أن العلم لا يرى إلاّ الظواهر الخارجية والمحسوسة من الأشياء بينما الفلسفة تدرك حقيقتها ، وإن حقيقة الإنسان تكمن في منطقة اللاشعور التي ترى أنها المحرك الأساسي للسلوك والأفعال ، ومن هنا كان همُّ الأدباء والغوص في أعماق الطبيعة البشرية والاندفاع وراء الجمال الغيبي ، وقد اعتبر أصحاب هذا المذهب أن الشعر إيحاء وليس تعبيراً ، وأن الإبهام هو مفتاح الأعماق والأحلام ، وأن هذه اللغة لابّد أن تمنح حيوية جديدة باعطاء كلماتها معان جديدة كالانطلاق من الدمع الطاهر إلى الدمع الأسود وقد استعمل أدباؤنا هذا الرمز على نطاق واسع
مبادىء الرمزية :
1 ـ الشعر إيحاء بالواقع وليس تعبيرا عنه
2 ـ الشعر إلهام
3 ـ الشعر الموحي شعر مبهم
4 ـ الشعر هو المفتاح الذهبي لمغاليق الحلم
5 ـ الشعر موسيقا
6 ـ لبشعر تجديد للغة ( مفردات نحمل معاني جديدة )
7 ـ الشعر رمز يعطي ظلال وألوان قيّمة ورمزية وتعبيرية كبيرة
ومن هؤلاء خليل حاوي- أدونيس- صلاح عبد الصبور- محمود درويش- بدر شاكر السياب- أحمد عبد المعطي حجازي.
يقول خليل حاوي في قصيدة الناي والريح وهما رمز الاستقرار والعنف:
بيني وبين الباب أقلامٌ ومحبرةٌ
صدى متأفف
(كوم) من الورق العتيق
هم العبور
وخطوة أو خطوتان
إلى يقين الباب
ثم إلى الطريق
4 ـ المذهب الواقعي:
الأدب الواقعي أدب جماعي لا شخصي يشير لمشاكل الحياة بدقة وموضوعية تقترن بالحتمية والجبرية تنفي حرية الإرادة والاختيارويندرج في الرواية الواقعية التيار الاجتماعيوالتيار الريفيولم تتأثر المسرحية بالواقعية وقد نشأت هذه المدرسة على أعقاب انتشار الآلة واستبداد أصحاب الصانع بالعمال ورأت أن مهمة هذا الأدب هي خلق الواقع بصورة ممكنة التحقق بحيث يكون الأديب مؤثراً في عصره ، لا مراقبا ثورياً في تفكيره وقد اهتمت هذه المدرسة بالجماهير الفاعلة . وبنت رؤيتها على الاشتراكية
وقد تحكمت عوامل أربعة في نشأتها
أ ـ الثورة على الإبداعية
2 ـ التقدم العلمي
3 ـ إخفاق ثورات الديمقراطية
4ـ انتشارالأفكار الشتراكية
ويعد مكسيم غوركي مؤسس هذه المدرسة وقد تأثر بها أدباؤنا كالبياتي والسياب وسميع القاسم ومحمود درويش وسليمان العيسى . يقول وصفي القرنفلي في وصف ثورة الجماهير:
فقراؤنا قد حطموا حكم القناعة واستفاقوا
الجوع ليس من السماء فمن إذاً؟
وهنا أفاقوا......ومضوا فمن متسوّلين
على الرصيف ، لثائرين
الجوع.....صنع الناهبين الشعب، صنع الأثرياء.......
5 ـ الواقعية الجديدة:
نشأت الواقعية في الأدب منذ القديم وهي قديمة قدم الإنسان ، ولكنها كمذهب أدبي برزت مع الثورات الاشتراكية والديمقراطية والحركات القومية وانتصاراتها في العالم وهي تختلف عن الواقعية القديمة
* محتوى الواقعية الجديدة : لا تفرض الواقعية الجديدة على الأديب موضوعات محددة تنقل بأمانةمن خلال تصوير الواقع وجوانبه البناءة من خلال إبراز دور الشعب في صنع التاريخ وتمجيد العمل وخلق قبم مادية وثقافية جديدةمع عدم نفي الموضوعات العاطفية بل تربطها بجذورها الاجتماعية ( النضال ـ العمل )
* شكل الواقعيةالجديدة : العمل الأدبي في الواقعية الجديدة وحدة عضوية لا ينفصل فيها الشكل عن المضمون وقيمة العمل الأدبي فيها بدلالته الاجتماعيةوما يحدثه من أثر في وعي الجماهير لأن الأدب الهادف ما جمع بين عمق المحتوى وجمال الصياغة
أ ـ أوجه الاتفاق بين الواقعية القديمة والجديدة
1 ـ كلاهما يصور واقع الناس كما هو
2 ـ تصوير يؤس العالم أجمع
ب ـ أوجه الاختلاف بين الواقعية القديمة والجديدة
أ ـ الواقعية القديمة ب ـ الواقعية القديمة
1ـ تؤمن بالجبرية 1 ـ تؤمن بحرية الإرادة
2 ـ الواقع معطى ثابت نهائي 2 ـ الواقع قابل للتغيير
3 ـ ترى الواقع في ماضيه 3 ـ ترى الواقع في مستقبله
4 ـ تصور البؤس كما هو 4 ـ ترى البؤس وتدعو للثورة عليه
5 ـ هي رؤية غير محددة للعالم 5 ـ رؤسة محددة للعالم
6 ـ تفرض شكلا مقيدا للأدب 6 ـ تسندعي أشكالا مفتوحة للأدب
الباب الثامن
النقد الأدبي
الباب الثامن
الفصل الأول : ماهية النقد
الباب الثامن
الفصل الثاني : حدود النقد الأدبي
1 ـ النقد والأدب
2 ـ النقد والتاريخ
3 ـ النقد والفكر
4ـ النقد وعلم النفس
5ـ النقد وعلم الجمال
الباب الثامن
الفصل الثالث :وظائف النقد وأهدافه
1 ـ الوظيفة الأولى:الشرح والتفسير والتعليل
2 ـ الوظيفة الثانية:التعليل
3 ـ الوظيفة الثالثة:التقييم
4 ـ الوظيفة الرابعة:توجيه الأدب والأدباء
5ـ الوظيفة الخامسة: سمات الأدباء
6 ـ الوظيفة السادسة:مكانة العمل الأدبي
7ـ الوظيفة السابعة:تأثير العمل الأدبي
8 ـ الوظيفة الثامنة:المقارنة
الباب الثامن
الفصل الأول
ماهية النقد
1 ـ تعريف النقد الأدبي :
النقد الأدبي : فن دراسة الأعمال الأدبية دراسة تقوم على التحليل والشرح والتفسيروالتقويم والتقييم ، لتذوق هذه النصوص تذوقا سليما ، والحكم لها أو عليها بموضوعية وإنصاف.
2 ـ ما هو النقد ؟
استعملت اللغة العربية لفظ (النقد) لمعان ٍ مختلفة :
الأول : تمييز الجيد من الردىء ، قالوا : نقدت الدراهم وانتقدتها : أخرجت
منها الزيف وميزت جيدها من رديئها، ومنه : التـنقاد والانتقاد ، وهو تمييز
الدراهم وإخراج الزائف منها .
والثاني : العيب والانتقاص . قالت العرب : نقدته الحية إذا لدغته ، ونقدت
رأسه بأصبعي إذا ضربته , ونقدت الجوزة أنقدها إذا ضربتها . وفي حديث أبي
الدرداء : إن نقدت الناس نقدوك ، ومعناه إن عبتهم وجرحتهم قابلوك بمثل
صنيعك .
واستعمل الأدباء العرب كلمة النقد بالاستعمالين السابقين لنقد الكلام( شعره ونثره)
على السواء ، وبدأ ظهور ذلك كفن مستقل في القرن الثالث الهجري على وجه التقريب ، ويقول البحتري عن أبي العباس ثعلب : ما رأيته ناقدا للشعر، ولا مميزا
للألفاظ ، ورد عليه آخر فقال : أما نقده وتمييزه ، فهذه صناعة أخرى ، ولكنه
أعرف الناس بإعرابه وغريبه . وقدألّف قـُدامة كتابيه " نقد الشعر " , و "نقد النثر " . وألّف ابن رشيق " العمدة في صناعة الشعر ونقده " ؛ وسارالنقاد العرب في نقدهم على كل من الاستعمالين السابقين :استعملوه في القديم والحديث على معنى التحليل والشرح والتمييز والحكم ، فالنقد عندهم دراسة الأشياء وتفسيرها وتحليلها وموازنتها بغيرها من المشابهة لها ، أوالمقابلة ، ثم الحكم عليها ببيان قيمتها ودرجتها ، وأكثرالذين كتبوا في النقد العربي مشوا على هذا المعنى ، واستعملوه كذلك بمعنى العيب والمؤاخذة والتَّخطئة ، فألـّف المرزباني الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء " ، ويريد بالعلماء النقاد .ولايزال النقد مستعملا بهذا المعنى حتى اليوم عند بعض النقاد المعاصرين ، ويقابله التقريظ ، فهو المدح والإعجاب ، من قرظ الجلد إذا دبغه ، وذلك إنما يكون للتحسين والتزيين .
- ويعرّف المحدثون النقد – بناء على المعنى الأول في الاستعمال اللغوي –
فيقولون : إنه التقدير الصحيح لأي أثر فني ، وبيان قيمته في ذاته ودرجته
بالنسبة إلى سواه . فكلمة النقد تعني في مفهومها الدقيق " الحـُكم " ، وهومفهوم نلحظه في كل استعمالات الكلمة حتى في أشدها عموما . والنقد الأدبي في أدق معانيه هو: فن دراسة الأساليب وتمييزها ، على أن نفهم لفظة الأسلوب بمعناه الواسع ، وهو منحى الكاتب العالم وطريقته في التأليف والتعبيروالتفكير والإحساس على السواء .
ويختلف متذوقون الأدب في نظرتهم للأعمال الأدبية وحكمهم عليها باختلاف الأسس لتي يعتمدون عليها في نقدهم ,والقواعد التي يتبعونها في إصدار الأحكام
فهو علم وصفي ، يتضمن أصولاً وقواعد نقدية تطبق على النص الأدبي عند تقويمه بعد تحليله وتفسيره ، ثم يكون الحكم له بالجودة ، أو الحكم عليه بالرداءة .
والنقد الأدبي يفيد الأديب قبل الشروع في عمله - أي قبل بدء الكتابة - إذ كلما كانت ثقافة الأديب النقدية واسعة واعية تجنب الوقوع في الأخطاء ، وكذلك يفيده بعد الانتهاء من كتابة النص ، وذلك عند مراجعته ، وتمحيصه .
ولهذا فالنقد الأدبي يجمع بين روح العلم وروح الفن ، فهو مع وجود أسس نقدية دقيقة لكل عنصر من عنصر العمل الأدبي إلا أنه يمتاز بالمرونة ، كما يخضع إلى حد كبير للذوق الخاص للقارئ أو الناقد ومن هنا قالوا النقد علم يجمع بين الذاتية والموضوعية ، ويسهم النقد في رقي الحياة الأدبية ، وتوجيه دفة الحياة الأدبية وتنمية الذوق الأدبي العام ، مما يؤدي إلي ارتفاع مكانة الأدب الجيد . فهو حارس أمين على الحياة الأدبية ، يتولي رعاية قيم الأمة وثوابتها ومبادئها . فيقف ضد الأدب الذي فيه تجاوز لهذه القيم ، سواء الدينية أو الأخلاقية ، أو الوطنية للأمة . وهو المعيار الذي تختار به شروط النصوص الأدبية المطلوبة .
وتقويم الأعمال الأدبية والنقد الأدبي تحول فكري لأنه تحول عن موضوع النتاج أو الأثر الأدبي نفسه , إلى كل ما يحيط بالموضوع , مع التركيز على تفاصيل مثل : ظروف الخلق الأدبي , السيرة الذاتية والحس الأدبي المتضمن في النتاج .
الباب الثامن
الفصل الثاني
حدود النقد الأدبي
يقول/رينيه ويليك /و/أوستن وارين /في كتابيهما نظرية الأدب (0000ضمن الإطارالناسب لدراستنا يغدو من أهم الأمور أن نميز بين نظرية الأدب و النقد والتاريخ ثم هناك تمييز أبعد بين دراسة المبادئ والمعايير الأدبية وإن كانت مستقلة فهي مرتبطة بفننون أخرى كالأدب و الفكر والتاريخ وعلم النفس والجمال وعلم الاجتماع والفنون الجميلة) ويمكن أن نشير إلى علائق للنقد من خلال :
1 ـ النقد والأدب :
لا شك أن جدلية العلاقة قائمة بين النقد والأدب لأن كليهما مؤثر في الآخر ومتأثر به فلولا الأدب لما كان النقد ولولا النقد لما تطور الأدب . لقد نشأ النقد وتطور في رحاب الأدب ولكنه استقل عنه وأصبح فعالية متميزة بفضل تطور العلوم والأدب ولذلك كان من الطبيعي كما يقول مندور في كتابة في الأدب والنقد (أن يكون خالق الأدب ناقداً ومن المعلوم أن شعراء العرب الجاهلية كان معظمهم نقاداً وقد ضربت للنابغة الذبياني خيمة يحكم فيها بين الشعراء في سوق عكاظ ، كما كان أول نقاد اليونان أرستيوفان شاعراً روائياً وقد خصص رواية بأكملها لنقد شعراء التراجيديا الثلاثة (أشيل ـ سوفوكل ـ يوربيد) وهي رواية الضفادع.
ويضيف الدكتور حسام الخطيب في كتابه تطور الأدب الأوربي (وكل إنتاج أدبي حتى لو كان ارتجالياً أو على السليقة لا بدّ أن يستند إلى جملة من البادئ النقدية ظاهرة كانت أم ضامرة ؟ وإن التطور الذي أصاب إنتاج الأدباء العظام قبل ظهور النقد الأدبي إنما يرجع إلى الملكة النقدية التي يفترض المرء وجودها عند الأدباء ولا سيما الأدباء المنقحين ومما لاشك فيه أن النقد العربي لم يعتمد في أسسه على خليفة فكرية أو خلفية فلسفية في القديم بل بقي نظرات تنطلق من الحديث عن الأسس الجمالية للعمل الأدبي ولم تخرج عن نظريتي عمود الشعر ومنهج القصيدة العربية ونستطيع الجزم بعض نقدنا متأثر بتقسيمات أرسطو الشكلية وليس كتابا نقد الشعر ونقد النشر لقامة بن جعفر إلا دليلاً على ذلك بينما نجد أن النقد الأدبي تطور ونما عند الأوربيين على يد الفلاسفة والأدباء (أرسطو وكانت وهربت سبنسر ) وما المدارس الأدبية إلا جملة من المقاس النقدية للادب في أحد وجوهها. لقد كتب الأدباء العرب المحدثون كتباً في النقد وحاولوا إسناده إلى أسس فكرية حديثة وأسهم (نعيمة والعقاد والمازني ومحمد مندور وما رون عبود ونازك الملائكة )في تطور فعالية النقد الأدبي ووضع مناهج ومذاهب نقدية عكست صورة العصر وكان الدكتور محمد مندور أكثر هؤلاء فعالية وتأثيراً وإن بقي منهجه في النقد يعتمد على الذوق أكثر من غيره بينما أسهم (إليوت وكولردج وماثييوآرنولد )في تطور الاتجاهات النقدية الأوربية.
إن كون النقد الوليد الشرعي المميز للأدب لا بدّ أن تكون مقاييسه نابعة من فهم هذا الأدب ووضع الصيغ المناسبة للذوق الأدبي في كل عصر من العصور وإذا كان للأدب من فضيلة فإنما هي كونه أفرز النقد كفن وعلم وجعله منهجاً مستقلاً.
2 ـ النقد والتاريخ الأدبي
يستلهم تاريخ الأدب خطوطه العامة من منهج التاريخ العام القائم على الموضوعية ونبذ الذاتية بينما يتصل النقد الأدبي بذوق الناقد وثقافته وتجربته وذاتيته ويعتبر النقد الأدبي أسبق في الظهور من التاريخ الأدبي لأن الأخير لا يكون إلا بعد أن يتكون لدى الامة رصيد من التمييز الأدبي والنقد ؛ ولا يمكن للناقد الأدبي إلا أن يكون ملماً بتاريخ الأدب (والناقد الجاهل بالتاريخ الأدبي يعرض نفسه لمنزلق خطير ) كما يقول د. حسام الخطيب في تطور الأدب الأوربي ( والمؤرخ الأدبي يفترض فيه أن يكون ملماً بأحكام النقد حتى يستطيع أن يميز بين شاعر وشاعر وإلا كان سلبياً في اختياره لقد أثبت كل من آرخ لحركة الشعر العربي أن لديه قدرة على النقد وأن للنقد صلة وثيقية بالتاريخ الادبي وما كتب الأغاني للاصبهاني والشعر والشعراء لا بن قتيبة والعقد الفريد لا بن عبد ربه والذخيرة في محاسن الجزيرة لا بن بسام إلا دلالة على الذوق الأدبي النقدي الذي يمتلكه أصحاب هذه المؤلفات وليست كتب( طبقات الشعراء بن سلام والموازنة بين الطائيين للآمدي) إلا دلالة على إلمام هؤلاء النقاد بتاريخ الأدب العربي ناهيك عما تفرزه المطابع من كتب حديثة تتحدث عن هذين المجالين.
إن المحاولات الحديثة الداعية إلى عزل التاريخ الأدبي عن النقد محاولات ذات أثر سيئ على التاريخ الأدبي والنقد إذ أن المزاوجة بينهما ضرورة حتمية ملحة لأن كلاً منهما بحاجة للآخر.
صحيح أن كتباً مثل( تاريخ الأدب العربي لحنا الفاخوري وبروكلمان وبلاشير وشوقي ضيف وجرجي زيدان ) وغيرهم لم تعد تهتم بأسس نقدية كاهتمامها بتاريخ حياة الشاعر وبعض نبذ عن فنه وشخصيته إلا أنه لايمكن لنا أن نغفل أن لهؤلاء المؤلفين ملكة نقدية ما في اختيارهم لهؤلاء الشعراء . لقد أثبت النقد أنه مهما استقل فإنه يرتبط بالتاريخ الأدبي والعكس صحيح.
3 ـ النقد والفكر :
نشأ الفن أولاً والأدب بشكل خاص والشعر بشكل متميز عنه تعبيراً عن نوازع ومشاء وعواطف الانسان ولم يكن الادب إلا انعكاساً لنفس وروح الانسان الداخلية ولكن بتطور الانسان عقلياً كيفية الهموم التي تنتاب الانسان وأصبح على الأديب في حديثه عن مشاعره وعواطفه يتكئ على أفكاره ويدعم شعوره بالحب والكره تجاه قضية ما بحجج عقلية فكرية لقد اهتم نقاد العرب القدامى بالجانب الجمالي للادب ولم يناقشوا مسائل فكرية بشكل أو بآخر باستثناء بعض الفلتات التي ظهرت على يد المعري وإن كان هنال من مناقشات لقضايا فكرية أو كونية فإنما نابع ذلك من الفطرة والتجارب الشخصية لا من خلال الخلفية الفكرية النظرية.
وحتى المتنبي في أحسن الحالات كانت حكمه مزيجاً من التجارب وبعض القراءات الفلسفية لأفكر اليونان ولم تكن أفكاره لتشكل نظرية فلسفية تميز هذا الشاعر عن غيره ولم يستطيع العرب في العصر العباسي تشكيل نظرية نقدية قائمة على خلفية فكرية رغم اطلاعهم على الفكر النقدي اليوناني وفي العصر الحديث حاول النقاد العرب الخروج بالنقد إلى آفاق الفكر وإخضاع المعايير النقدية إلى أسس فكرية فكان العقاد ونعيمة ومارون عبود والمازني ومحمد مندور وبرزت اتجاهات نقدية حديثة تلتقط أحكامها من خلال المدارس الأدبية الأروبية وتأثيرتها على الادب العربي أما عند الأوربيين فقد ارتبط النقد الاروبي بالفلسفة ارتباطً كبيراً وكان أرسطو أول من أرسى قواعد النقد الادبي وقد ازداد ارتباط النقد الأدبي بالفلسفة حديثاً بعد أن تطورت وتعمقت نظرات الانسان الى الحياة والكون وأصبح هذا النقد نشاطاً فكرياً في أحد جوانبه تستمد قيمة وآراؤه من النظرية الفلسفية.
إن الحديث عن الوجودية والسريانية كمذاهب أدبية لا بد أن يسوقنا للحديث عن الأسس الفلسفية لهذه النظريات التي وجدت بسبب ظروف اجتماعية وفكرية سيطرت على العالم بعد الحرب العالمية الثانية ومعظم أدباء أوربا لهم نظراتهم الخاصة الى الانسان والمجتمع وقد ظهر اتجاهان نقديان متناقصان حول علاقة الفكر بالنقد :
ـ اتجاه ينكر تطابق الأدب والفلسفة حيث يرى إليوت أنه لا شكسيبير ولا دانتي قاما بتفكير منطقي.
ـ واتجاه آخر يرى ضرورة معالجة علاقة الانسان بالكون والحياة من خلا الأدب بالإضافة الى المناهج الفلسفية ويعبر الوجوديون أول من عرضوا فلسفتهم من خلال الادب ويمكن القول ان الدراسات الحديثة تعتمد بشكل كبير على الرموز والمصطلحات الفنية والعلمية والفلسفية والتاريخية والجمالية فقد شاعت مصطلحات نقدية مأخوذة من الفكر (كالجنس الأدبي والمحاكاة) والجزء والكل والواحدة العضوية والنمو الهارموني والشكلية والخلفية) .
إن مساهمات الأدباء في تطور الاتجاهات النقدية يسوقنا الى ملاحظة هامة تتعلق بالتفاوت العظيم بين الأدباء في مقدرتهم على استخدام الأفكار ودمجها من خلال النسيج الادبي وتحويلها من مادة أولية الى قضية أدبية.
أن الناقد المهيأ تهيئة معرفية بمختلف العلوم يستطيع أن يدخل الى صميم الدب ويبرز القيمة الأدبية والفلسفية والجمالية لقد حاول العقاد أن يكون شاعراً مفكراً ولكنه فشل في إخضاع شعره للفكر بينما نجح أبو القاسم الشابي في إلباس شعره ثوباً فلسفياً فكرياً.
إن فجائية الموت والحياة في شعر السيات (المومس العمياء ـ السندباد ـ حفار القبور) يقودنا الى فلسفة فكرية كونية تجريبية استقاها السياب من خلال دراسته للادب الاوربي الحديث ومن خلال تجاربه الخاصة إن الادب لا يمكن له الاستغناء عن الفكر ولكنه في الوقت نفسه لا يستطيع أن يلبسه لبوساً تاماً وكل أدب يخلو من الفكر أدب ساذج لا قيمة له في حياة الآخرين.
4 ـ النقد وعلم النفس :
تعد العلاقة بين النقد وعلم النفس علاقة وثيقة الصلة لأن علم النفس هو أقرب العلوم الى الأدب موضوعه الانسان فقد سبر الدباء أعماق النفس الانسانيه قبل علماء النفس مع أن علم النفس يمكن له أن يقدم الكثير للناقذ الادبي من خلال مهمته النقديه (توجيه الأدب والأدباء) إن علم النفس يدرس الظواهر العامة للنفس الانسانيه ويهتم بدراسة القوانين العامة المتحكمة بأعماق الانسانيه الداخلية وكما يقول د. حسام الخطيب في كتابه تطور الادب الأوربي ص397 ((وفي حالة الأدباء الذين سيطرت عليهم نزعات فكرية غريبة يساعدنا علم النفس كثيراً في وضع إنتاجهم في الموضع الذي يستحقه )).
ويضيف الدكتور حسام الخطيب في المصدر السابق ص397 ((و بالاضافة الى ما يمكن أن تقدمه الدراسة النفسية للكاتب من مساندته على فهم طبيعة أدبه تساعدنا الدراسة النفسية لعملية الإبداع ذاتها في تفسير كثير من النقاط الفنية الغامضة وتعليل بعض الظواهر المحرية في إنتاجا الادباء وربما تساعدنا في فهم التفاوت الفني بين عمل وآخر لكاتب واحد )).إن الشخصيات /أوديب _هاملت / في مسرحيات شكسبير تشكل شرائح مهمة لدارس الادب من الوجهة النفسية أن لوثة كشخصية دونكيشوت تبعث في النفس الحيرة و الإعجاب و السخرية و إن لوثة كلوثة أبي حية النمري مؤشر على ما يعانيه الشاعر كانسان فكرياً و اجتماعياً.
إن كون الادب يكتبه انسان للآخرين لابد أن يشير إلى مختلف الظواهر النفسية و الصحية والمرضية عند المنتج و المتلقي وبالتالي لابد للناقل أن يلم بمعطيات و مصطلحات علم النفس ليكون أكثر قدرة على فهم نفسية الشخصيات في النص المدروس أو شخصية الكاتب إن تطير ابن الرومي وقلق كافكا وحيرة المتنبي وزهد أبي العتاهية و مجون أبي نواص ظواهر تستحق الدراسة وإن علاقة فلسفة وعلم النفس بالادب تشير إلى ظهور تياراً متناقضين الأول يدعو الى ضرورة معالجة وجود الانسان وعلاقته بالكون و بالإله عن طريق الخلق الادبي على اعتبار أن الأدب شكل من أشكال الفلسفة. والثاني يرفض أي تطابق بين الأدب والفلسفة ويعتبر أن الافكار في الشعر غالباً ما تكون زائفة . لقد أصبح الأقبال على علم النفس نوعاً من الهواس لدى ناقدي الادب حتى إنه يمكن القول إن الناقد الذي لا خبرة له في علم النفس ناقد قاصر في فهم الإبداع و المبدعين .
5 ـ النقد وعلم الجمال :
ذهب أفلاطون الى أن كل جمال حسي أو عقلي أو خلقي يرد الى المثال الأزلي الخالد أي الى الجمال المطلق بينما ذهب أرسطو الى أن الجمال يكون في تناسق التكوين و اعتبره أسمى من الحقيقة رغم أن فلاسفة العصر الحديث يفرقون بين الجمال من جهة والحق والخير من جهة أخرى فالحق نتوصل إليه عن طريق الأدلة العقلية أما الجمال فلا غرض له وأنما هو ضرب من الإحساس أطلق عليه (بومجارين) الاستطيقا وقد تساءل كل من /كانت وهيجل وشوبنهور وجويو كروتشه / عن الجمال ؟! وعن الشعور الذي يتولد إزاءه؟! وتوصل كانت الى أن الجمال يرجع الى الصورة وليس للمضمون دون ارتباط بالغاية الخلقية والاجتماعية بينما أشار هيجل الى أن الفن أنما هو أدرك الروح الحسي للمثل الأعلى للجمال في صورة المختلفة ويتمثل في المضمون والمادة واعتبر شوبنهور أن الحياة أرادة وفكرة وأن الفن يخلصنا من الأرادة إذ يسمو بالعقل الى مرتبة التأمل في الحقيقة تأملاً غير أرادي ومدار شعورنا بصور الحياة الثلاث (العاطفة ـ العقل ـ الأرادة ) بينما ذهب كروتشه الى أن الحجمال يأتي من الصورة الحدسية (البصرية) للمعرفة التي عمادها الخيال كما أشار الى ذلك شوقي ضيف في كتابه النقد الأدبي ص 77ـ 80 وهذا يعني أن الجمال بكينونته صفة عزيزة يلمسها الفرد من خلال الكون والطبيعة والحياة وهو مرتيط بوجد الانسان والعقل وأن كنا نجده في غريزة الحيوان والطير والنبات أن الشعور بالجمال شعور واحد عند جميع الناس وإن كان البعض لا يستطيع فلسفة ذلك الشعور فهو لا يقترن بذواتنا وأنما يرجع الى صفات في الشيئ الجميل نفسه ولطالمة اختلف الفلسفة في تحديد مفهوم الجمال واعتبره البعض الأخر مطلقاً وهو يختلف من عصر الى عصر ومن جيل الى جيل واعتبره بعض الفلاسفة ذاتياً يتعلق بالذات وعتبره قسم أخر موضوعياً ولسنا ممن يشك بأن الجمال مطلق ونسبي وذاتي وموضوعي بحسب المتذوق وبحسب المنظور اليه وبحسب الحالة المزاجية والسن والعمر وبحسب البيئة والحضارة والتذوق والثقافة .
فقد يلتقي الجميل مع ما هو عقلي وقد يلتقي مع ما هو حسي وقد يتوجه الى المثل والقيم وقد يكون الجمال مستقلاً بذاته وهو مرتبط عند كثير من الناس بالمتعة والمنفعة ولقد كان من الشذوذ بمكان عند نيرون أن يرى الجمال هو يشتعل بروما بينما كان يراه هولاكو في اصطباغ ماء دجلة باللون الأزرق :
إن أول عنصر جمالي في هذه الطبيعة هو الانسان الذي يعد المثل الأعلى للجمال وسحر الجمال الآتي من الإنسان يرتبط بالمنفعة والوظيفة فكل جزء من أجزاء الإنسان له وظيفة جمالية ووظيفة حياتية (ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين ) لقد حدد الرسول العربي محمد (ص) مفهوم الجمال عندما سأله بعضهم عن الكبر ((إن أحدنا يحب أن يرى ثوبه نظيفاً ونعله نظيفاً فأجابه إن الله جميل يحب الجمال )) وكان يشير الى أن النظافة جزء من الجمال وأن الجمال مطلق صحيح أن عناصر الجمال متغيرة في الفنون والأدب إلا أن الجمال بذاته ثابت ثبات العقل لإنه ميزان العدل والحق والخير والمتعة والمنفعة والتشوق والخيال .
إن شعورنا بجمال الأشياء يتناسب طرداً مع منفعة هذه الأشياء لنا وحتى في صورة المرأة العنصر الأكثر جمالاً في الطبيعة تقترن عناصر الجمال عندها بالمنفعة والمتعة وإلا لما تميزت الذكورة عن الأنوثة.
أن ما يراها الرجل في المرأة من عناصر جمالية مخالف لما تراه المرأة في الرجل من عناصر جمالية فلخشونة عند الرجل محببة بالمرأة كعنصر جمالي بينما النعومة العنصر الأكثر جمالاً عند المرأة من وجهة نظر الرجل إن عناصر الجمال عند الأطفال تختلف عنها عند الشباب والشيوخ وهي تختلف عند الذكور عما هي عليه عند الانوثة وتكون في بيئة ما مختلفة عن بيئة أخرى .
ولعل فريد ويونغ نتيجة تأثرهم بالمواصفات الاجتماعية والنفسية قد فسروا الجمال على أنه إشباع لرغبات مكبوبة عند الفرد من خلال لا شعوره الفردي والجمعي وهذا ما حدا بالأدباء والنقاد المختصين أن يروا الفن مرتبطاً بالجمال والغاية أحياناً والجمال المحض أحياناً أخرى .
ولم تكن نظرية الفن للفن إلا تعبيراً عن ذلك لقد ارتبط الجمال بالنقد على مر العصور ارتباطاً كبيراً حتى لكأن النقد هو الجمال بذاته.
وليست عملية النقد إلا رصداً لعناصر الجمال في العمل الأدبي شكلاً ومضموناً ليست محاولات النقاد في وضع قواعد للادب الى نوعاً من رصد عناصر الجمال في هذه النصوص الأدبية وفي تقديري إن الوصل الى الجمال المطلق هو الغاية التي يبحث عنها الفرد في مسيرة حياته القصيرة _الطويلة على المستويين الفردي و الجماعي :
لقد قضى النقاد العرب ردحا طويلاً من الزمن في وضع العناصر الجمالية التي تبرز العمل الأدبي في أجمل صورة وليست نظرية عمود الشعر ونهج القصيدة العربية الموروثة إلاتعبيراً عن ذلك البحث ولم تكن علوم البلاغة العربية ((بيان البديع )) إلا بحثاً عن عناصر الجمال أن لكل لغة خاصية مستقلة في فلسفة الجمال اللغوية .((ان فلسفة الجمال عند نقاد العر بحاجة الى دراسة مستفيضة )) وأن الشعور الجمالي يقودنا الى نظرية ربط الجمال بعناصر الجمال من خلال القيم والمفاهيم والعادات والتقاليد والمعايير والمواصفات الاجتماعية وليس للجمال وجود مستقل معزول عن وظائف الحياة وكل ما نراه جميلاً لذاته وهو ليس كذلك وإنما لعجزنا عن أدراك غايته الحياتية و الجمالية. إن سعي موسى نبي الله لرؤية الحضرة الإلهية وهو بحث عن مطلق الجمال بمجمل أبعاده ((ربي أرني أنظر إليك))مع ذلك فاغايته الوصول الى شاطئ الأمان والتخلص من براثن الخوف.
أن تجارب الأدباء تشير الى انهم في بحثهم عن الحياة يبحثون عن الجال لان مفهوم الجمال والقبح في النقد الأدبي تابع لوجهات نظر مختلفة ذلك أن هاذين المفهومين ذوا طبيعة مرنة وإن الحكم بالجمال والقبح في ميدان النقد ينصب على شعور الفنان والعمل الفني . أن نظرة أفلاطون للجمال على انه مطلق في المجال الخارجي ونسبي في الأشياء لا يعني أن ما ليس جميلاً يكون قبيحاً بالضرورة لان هناك مرحلة يخلو فيها الشيئ من كلا الوصفين وقد أتضح ذلك قيمجال النقد ((في المقاربة و التشبيه)) التي اشار اليها الجرجاني في العناصر الجمالية للشعر تعني وجود تناسب موضوعي جمالي بين المشبه والمشبه به وهذا يعني أن للعناصر الجمالية شروطاً في نجاح التشبيه يفترض أن تتوافر فيه وعلى الرغم من أن أفلاطون قد ربط الجمال بالخير إلا أن ذلك لا يعني أن ما ليس خيراً هو قبيح أن السؤال الكبير الذي يطرحه النقد بشك ملح وفي كل عصر من العصور كيف تشتطيع أن نفهم الجمال من خلال العمل الأدبي ؟ وقبل أن نجيب عن هذا السؤال يجدر بنا أن نشير الى أن التوافق بين الجمال العمل الفني وروح المتلقي هو العنصر الأهم في فهم الجمال فالجمال كما يقول أفالطون ((يتركب من النظام في الاشياء الكثيرة ))كما أن يكون في العناصر الميتافيزيقية التي يشملها النظام يتساءل أوغسطين : ((هل هذا جميل لأن مرض أم أن مرض لأن جميل؟؟)) وهذا يقودنا الى المقولة التالية : (أن هذا يرضي لأن جميل وهو جميل لأن أجزاءه تتشابه وينظمها انسجام واحد) وعلى أية حال فإن قضية هل هذا جميل لأنه مرض أم أنه مرض لأنه جميل؟ قضية سو فسطائية كقضية الغة عند الطفل هل هي قبل المعرفة أم المعرفة قبلها وهي كقضية أيهما أسبق الدجاجة أم البيضة أن أدراك الجمال بافعل أو بالحس يقودنا الى فكرة الجمال الحر والجمال بالتبعية فالأول لا يتضمن أي مفهوم لما ينبغي أن يكون عليه الشيئ أما الثاني فيتضمن ذلك ويضمن مطابقة الشيئ له إن الكلمة كما يقول مخائيل نعيعة في الغربال هي معجزة الإنسان الكبرى التي تؤلف عوالم تعج بالحياة والحركة وتموج بشتى الأحاسيس والأفكار والألوان .. وهي عدة الأديب يخلق منها قصة أو قصيدة أو مقالة.. وعندما يحدثنا ناقد عن أثر أدبي إنما يبين لنا مدا التجاوب بينه وبين الكاتب فنقده إما انشراح واما امتعاض وما أكثر ما يمتعض ناقد حيث ينشرح الآخر وبالعكس ولا عجب في ذلك فالكلمة هي عدة الكاتب مثلما هي ((عدة الناقد)) إن الجمال عنصر مهم من عناصر النقد الأدبي فالأدب لا يكون أدباً أولاً إلا إذا حقق شروط الجمال ومهمة النقد هي تقسي عناصر القبح والجمال في هذا النص الأدبي ان أي اختلال في تحقيق النصالأدبي لعناصر الجمال يعني عدم وجود نص أدبي حق .
وبالتالي عدم وجود نقد أدبي لأن النقد الأدبي مرتبط بوجود الجمال في النص المفقود.
الباب الثامن
الفصل الثالث
وظائف النقد الأدبي وأهدافه
إذا كان النقد الأدبي أحد الأجناس الأدبية التي نشأت في رحاب الأدب، فإن محوره الأدب ، وفي دراسته للأدب فلا بد أن يكون له وطائف خاصة به تتمثل وظائف النقد و أهدافه إذا كان النقد أحد الاجناس الأدبية التي نشأت في رحاب الأدب فإن محوره لا بد أن يكون هذا الأدب بأجناسه المختلفة وإن كان الشعر محوره الأول وباعتبار أن هذا الفن الأدبي قد نما وتطور بفعل عوامل متعددة فإنه أصبح فعاليةمتميزة لها أهداف وغايات ووظائف.يقول محمد مندور : ((يقولون إن النقد تفسير وتقييم وتوجيه وبتفاوت الاهتمام والعناية باحدى هذه الوظائف الثلاث يتميز ما نسميه اليوم بالدراسة الأدبية أوالتاريخ للأدب عما نسميه بالنقد الأدبي بمعناه الفني ))ويرى الدكتور عبد النبي اصطيف ((للنقد وظيفة اجتماعية أو فائدة اجتماعية و مهما كانت انعكاسات هذه الفائدة على صاحبها فإنها لا يمكن أن تكون فردية إن النقد عندما يمارس الممارسة الحقة السليمة يغدو القيم على الثمين والجليل و السامي من المجتمع لأنه يمثل البحث عن هامش الأفضل و الأحسن و الأجدى و الأكثر إنسانية ))وقد فهم ميخائيل نعيمة هذه الوظيفة الحيوية في المجتمع و أشار إليها في كتابه الغربال. ويضيف الدكتور عبد النبي اصطيف ((إن النقد أنشاء موجة إلى الآخر فليس ثمة من يزعم أنه يكتب نقداً لنفسه إنه يكتب ليقرأه الآخرين ويتحولوا بالتالي إلى ما يعتقد بأنه الصحيح والسليم والجميل والسامي و المفيد في الانتاج الأدبي ومن ثم في الحياة ))ويعتقد الدكتور حسام الخطيب في كتابه ((محاضرات في تطور الأدب الأوربي)) ص381 ومن خلال تعريف النقد الأدبي أنه ((تتعدد الفعاليات التي يتطلبها النقد الأدبي الشرح _التعليل _التقويم ))و يضيف قائلاً إن النقد لا يعتمد على شرح النصوص وتقويمها كما يفهم الناس عادة من كلمة نقد بل تتعدى وظيفته تلك إلى تناول طبيعة الأدب ووظيفته ووصف الأنواع الأدبية ونشأتها وتطورها وغير ذلك من المسائل التي تدخل تحت عنوان نظرية الأدب أو التصور النظري للأدب ويضيف الدكتور حسام الخطيب في المصدر السابق ص381 (( فالشرح والتقويم غير ممكنين بدون التاريخ الأدبي ، وإلا فكيف نهتدي إلى وجود الأعمال الأدبية و علاقة كل منها بالآخر وبالمثل ليس من الحكمة كتابة تاريخ أدبي دون منهج لإصدار الأحكام والتقويم وإلا فكيف يتم اختيار الأعمال الأدبية وتصنيفها ثم انه لا وجود لمنهج سليم في الشرح أو التقويم دون الحد الأدنى من التصور الضمني أو الوعي لطبيعة الأدب)) إن الحديث عن وظائف النقد وغاياته يتطلب منا الكشف عن كل عملية قام بها الفلاسفة و علماء النفس و علماء الجبال والأدباء و الشعراء و المنظرون للأدب ومن ثم الوصول إلى مجموعة أهداف رئيسية أضطلع النقد بها.ويمكن أن ندرس من خلال التعريف الذي وضعه الدكتور حسام الخطيب في كتابه تطور الأدب الأوربي حين قال : ((النقد الأدبي فعالية فكرية ذوقية تستطيع بواسطتها فهم المسائل الأدبية وتفسير الأعمال الأدبية وتحليلها وإصدار أحكام مناسبة بشأنها )) وقد أشار النقاد إلى مجموعة وظائف للنقد وهي
الوظيفة الأولى: (الشرح والتفسيروالتحليل) : لإظهار سبب اختلاف الأدب والأدباء في البيئة العصر الجنس البشري والشرح والتفسير هما الخطوة الأولى لاستجلاء غوامض هذا العمل وإيضاح مصادره و خصائصه الفنية و أن تفسيرات النقاد المختلفة للأعمال الأدبية تعتبر مشاركة قوية في خلق تلك الأعمال الأدبية تعتبر مشاركة قوية في خلق تلك الأعمال ة إثرائها بمفاهيم و معاني جديدة ((و أن شيئاً لم يؤثر في الآداب القديمة مثلما أثرت فيها الثقافات الحديثة ))فشخصية مجنون ليلى يراها بعض النقاد شخصية شاب نزلت به محنة الجنون لعدم وصوله إلى ما يرغب بينما يراه نقاد آخرون بأنه سليم العقل و الأعصاب و لا تقف مهمة التفسير عند الجانب الموضعي للأعمال الأدبية بل تمتد إلى تفسير الظواهر و الاتجاهات والخصائص التي يتميز بها أدب لغة عن أدب لغة أخرى و أدب أديب آخروقد حدد الناقد الفرنسي ((هيبوليت))ثلاثة عناصر تساهم في أظهار سبب اختلاف الأدب و الأدباءهي :
آ_البيئة : والتي تساهم في تفسير التائيرات النفسية التي تحدث البيئة الصحراوية أو الجبلية أو الساحلية أو الزراعية في نفس الأديب و قصة الشاعر البدوي /علي بن الجهم الذي زار بغداد ومدح الخليفة معروفة وذلك عندما قال له
أنت كالكلب في الحفاظ على الود وكالتيس في قراع الخطوب
فلم أمتعظ الخليفة من هذا المدح الممثل للبيئة الصحراوية طلب مقدم الشاعر من الخليفة إمهاله حتى يعتاد حياة الحضر فلما لانت نفس الشاعر قال قصيدته المشهورة التي مطلعها :
عيون المها بين الرصافة و الجسـر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
ب_العصر : ويعني ظهور آداب مختلفة تبعا ًلنشاط الحياة الأقتصادية و الدينية و الأجتماعية فآداب العصور القديمة ظهرت في ظل الديانات الوثنية وآداب العصور الوسطى ظهرت في ظل الديانات السماوية .
ج_الجنس البشري : و يعني أن لكل جنس بشري خصائص معينة مميزة تظهر و تنعكس في أدب هذا الجنس .
الوظيفة الثانية : التعليل :
يقول /ت.س إليوت / ((ان عظمة الأدب لا يمكن أن تحدد بالمعايير الأدبية وحده أدب )) هذا يعني أن لنشوء المذاهب الأدبية في تفسير الأدب أهمية كبيرة جداً ومهمة الناقد ربط التجارب الأدبية بمناهج حياتية لها صلة بتطورالفكر عند الأنسان.
فالمنهج الاسطوري أبرزالانماط الأسطورية المتكررة في الانتاج الأدبي بصرف النظر عن الشكل الذي تتخذه في كل زمان وبيئة وهذا يوحي لنا كما يقول د0حسام الخطيب في كتابه تطور الأدب الأوربي ص 384 : (أن مؤلفي الأعمال الأدبية ليسوا وحدهم مبدعي انتاجهم بل العقل الجماعي للجنس البشري يظل شريكاً غير منظور في كل ما تتمخض عنه قرائحهم )0
والمنهج الأجتماعي ساهم في ربط الانتاج الأدبي بالظروف الاجتماعية وهذا ما يظهر في فن الرواية كجنس أدبي اعتمد فيه الروائيونعلى أبراز التناقضات الاجتماعية التي تطفو على السطح أو تختفي وراء تصرفات الكثير من شخصيات الروايات0
إن شخصيات قصص زكريا تامر تبدو كشرائح اجتماعية لها خصائصها المستقلة المتميزة والمنهج النفسي كسف أمامنا سبل فهم عملية الخلق الفني وأساليب ومناهج القراء في تطور المضامين المتميزة في شعرهم وكشف عن أعماق اللاشعور داخل النفسية الإنسانية0
والمنهج الأخلاقي قرن بين مجال التجربة الأدبية والمصير الغيبي للإنسان واعتبر حركات الإنسان مربوطة بمصائر ترسمها الاقدار0
الوظيفة الثالثة التقييم : وترتبط هذه الوظيفة باختلاف النقاد حول الأهمية التي يجب أو يوليها دارس الأدب لكل من الشكل والمضمون رغم أنهما يشكلان وحدة متماسكة للعمل الأدبي وإن فصل النقاد بينهما كضرورة تحليلية ليس وراءه الا فهم وتحليل وتقييم هذا الأدب 0يقول د0محمد مندور في كتابه الأدب وفنونه ص 144 :((إن مضمون العمل الأدبي وهدفه يوجه الأيب نحو اختيار المبادئ الفنية الأكثر مواتاة لرسم تلك الصورة ))0إن تقييم أي عمل أدبي يجب أن يضع في حسبانه القاييس الدقيقة التي تحدد الخصائص المعنوية والجمالية وتضع هذا العمل في مستواه اللائق بين الأعمال وتحدد مكانة الأديب بين أقرانه 00وقد نتج عن خلاف النقاد حول ضرورة الفصل بين الشكل والمضمون في العملية النقدية ظهور مذاهب أدبية قائمة على تغليب الشكل على المضمون وظهور أنصار مذهب الفن للحياة فالجمال ليس غاية في ذاته فحسب بل وسيلة في تحقيق الأهداف البشرية والإنسانية ويعلل النقاد وذلك مستشهدين بقول أفلاطون ((لو صيغت الحقيقة امرأة لأحبها جميع الناس )) وهذا الاهتمام بالمضمون نشأ نتيجة التغييرنظرات
الدارسين لوظيفة الأدب على هدى المناهج الحديثة التي برزت من خلال الفلسفات الحديثة والتقييم للعمل الأدبي من الناحية الفنية وبيان قيمته " الموضوعية " على قدر الإمكان " ذلك لأن الذاتية في تقدير العمل الأدبي هي أساس الموضوعية , فليس من السهل على الناقد أن يتجرد من ذوقه الخاص الذي يعطي جمالاً لنقده دون إسراف في إبداء ذاتيته لئلا يطغى على النص ظلم الناقد وعدم منهجيته الواضحة , وإنما يجب أن يتخذ من ذاتيته تلك أساساً لحكم موضوعي .
الوظيفة الرابعة
تعيين مكان العمل الأدبي في خط سير الأدب , أي في عالم الأدب الذي ينتمي إليه , وتحديد مقدار ما أضافه هذا الأدب إلى الثراث الأدبي , في لغته خاصة , وفي عالم الأدب كله بصفة عامة
الوظيفة الخامسة:
تحديد مدى تأثر العمل الأدبي بالبيئة التي ظهر فيها :, ومدى تأثيره فيها , فمن المهم أن يعرف الناقد ماذا أخذ الأديب من البيئة , وماالذي أعطاها , وبهذا تُحدد عبقرية الأديب وإبداعه ومدى استجابته العادية للبيئة .
الوظيفة السادسة:
التعرف على سمات الأديب من خلال عمله الأدبي : والتعرف على خصائصه الشعورية والتعبيرية والنفسية التي تضافرت لإنتاج أدبه .
الوظيفة السابعة:
المقارنة : وهي ربط العمل الفني بالتراث الذي ينتمي إليه ، وكشف موضعه من هذا التراث وقد جنح النقد الأدبي إلى التركيز على عمليتي التحليل والتفسير نتيجة التأثير الطاغي للبنيوية وما في حكمها، فضلا عن نظريات التأويل والاستقبال، فقد ركزت الأولى على التفسير بينما ركزّت الثانية على عمليات التلقي ومتغيراتها والعوامل المؤثرة فيها، وكانت النتيجة حدوث إهمال للجانب الثالث الذي يتكون منه النقد الأدبي في عملياته المتفاعلة المتكاملة التي يؤدي فيها التحليل إلى التفسير الذي يمكن أن يتحول إلى عامل مؤثر في التحليل، قد يدفع إلى إعادة النظر فيه، أو يكون نتيجة مباشرة له. وترتب على ذلك إغفال عنصر التقييم الذي يحدد قيمة العمل الأدبي في ذاته من ناحية، وبالقياس إلى غيره من ناحية أخرى وكان إغفال عنصر التقييم عاملا في نوع من فوضى القيم الأدبية، واختلاطها بقيم غير أدبية في أحيان كثيرة. ويبدو أن عددا من النقاد استسهلوا الأمر وبدلا من مواجهة العمل وصاحبه بقيمة العمل التي لا تنفصل عن تحليله وتفسيره، تم السكوت على الحكم بالقيمة إيثارا للسلامة، وتجنبا لغضبة هذا الأديب أو ذاك، أو حرجا من أصحاب الأعمال الضعيفة. وكانت هذه النتيجة بمثابة تخل من الناقد عن دوره الهام في أن يكون حكما بين المبدع والقارئ من ناحية، وعونا للقارئ على التمييز بين الأصيل والزائف من ناحية مقابلة. وكان ذلك يعني تخليا من النقد عن أصل معناه اللغوي، حين اشتق النقد من كشف العملة الزائفة من الصحيحة، وقد وصلت المعاجم اللغوية بين الأصل الاشتقاقي للنقد “وتنقاد الصياريف” تشبيها للناقد بمن يميز العملة السليمة الصحيحة عن العملة الرديئة.
ولأن أحوالنا الأدبية قد وصلت إلى اختلاط القيم في الحياة كلها، فقد كان من الطبيعي أن يعالج النقد قصوره المتمثل في التمييز بين الأعمال الأدبية الأصيلة والأعمال غير الأصيلة، وقد زادت الحاجة إلى هذا التمييز مع شيوع الأدب السوقي الرخيص
إذا كانت هنالك صفة مشتركة بين سائر الأبحاث النقدية، فإنها تتجلى في وقوفها على منهج معين. ومن ثم، فإن محاولة وضع المناهج هو الشيئ الذي يجعلنا نفرق - مثلا - بين ناقد وآخر. ذلك أن المنهج هو، أولا وقبل كل شئ، الحيز الرئيسي الذي ينطلق منه كل تأمل حول قيمة المعرفة. وهذا ما يجعل الاتجاه الحالي للنقد ينطوي على مؤشرات ومقولات فكرية دامغة تكشف عن ابتكارات ومكتشفات علمية تحدد الظروف الملائمة للمنطق والإبداع، وتنير السبيل أمام نقاد الماضي أنفسهم عن طريق التأكيد على أن ما تبقى من أعمالهم لا يتجاوز بعض المقترحات والتصورات التي حاولت أن تطرح نفسها كمنهج.
الوظيفةالثامنة:
توجيه الأدب والأدباء : وتعتبرهذه الوظيفة من أهم الوظائف وأكثرها حساسية في عملية النقد الأدبي فالتفسير والتعليل والتقييم تتضمن نوعاٌ من التوجيه للأدباء بينما يعتبرها البعض الآخر تقييداٌ للمواهب 0لقد ظهرت عبرالأزمنة نظرات نقدية قامت بتوجيهالأدباء نحو اتجاهات أدبية جديدة فالوجودية اختط أسسها لنا /سارتر/والسريالية أشرع آفاقها /بريتون/والرومانسية وجهها /فيكتور هيجو /والكلاسيكية ساهم في نشأتها /بوالو/0 إن محاربة النقاد مناهج السطحية والانحلال والهروب والإغراق في الشكلية والدعوة إلى تبني أهداف إنسانية واجتماعية وخلقية هو نوع من التوجيه ذلك أن للنقاد دورهم في توجيه مسيرة الأدب وهم إن صدقوا مع أنفسهم كانوا كالنجوم المضيئة في دروب الأدباء0
الباب الثامن
الفصل الرابع
أنواع النقد الأدبي
ا ـ النقد الجمالي والتأثرى :
ب- النقد الموضوعي :
ج ـ النقد المذهبي
د ـ النقد الاعتقادي
هـ ـ النقد التاريخي
و ـ النقد الأدبي الصحافي
زـ النقد العلمي
هـ ـ النقد اللغوي
هـ ـ النقد الفني
أ: النقد الجمالي والتأثرى : وهو الذي يقوم على الذوق الخاص ، ويعتمد على التجربة الشخصية ، ولايعتمد على المنهج الموضوعي
يسمى هذا النقد جمالياً لانه يركز على جمال الصياغة ويعده أساساً لخلود العمل الأدبي كما اسلفنا ، ويغلبه على المضمون ولاسيما في الشعر الذي قد يخلو من المعاني الدقيقة ويقتصر على الإيحاء بحالات نفسية وعلى مجرد التصوير الفني ، أما الفنون الأدبية الأخرى كالقصة والمسرحية فلا بد من أن تحمل مضموناً أو تجربة بشرية والناقد لا يستطيع أن يحكم على شكلها وحده بمعزل عن ذلك المضمون أو تلك التجربة ويتعرض هذا المنهج الجمالي لتجربح شديد فهو حين يجعل جمال الشكل وحدة مقياساً لجودة الأدب إنما يفرغ الأدب من محتواه ويفصله عن المجتمع ويعود به الى مذهب (الفن للفن ) وهو المذهب الذي يرى أن غاية الأدب هو الجمال : جمال الشكل ولا يسأل بعد ذلك عن مضمون الأدب وأهدافه وارتباطه وصحته أو فساده ورقية أوانحطاطة فكل ما في الحياة يصح في نظر هذا المذهب أن يكون موضوعاً للأدب إذا صيغ صياغة جميلة وليس هنال أدب أخلاقي وأدب غير أخلاقي وإنما هناك أدب جميل وأدب غير جميل ويسمى هذا النقد تأثرياً أيضاً، أولاً لأن التأثر أو الذوق الشخصي فيه هو السبيل إلى الإحساس بمواطن الجمال في الأدب وإدراكها والحكم عليها، وثانياً لان الناقد يضيف إلى الكاتب الذي يحلله الكثير من تأثراته العاطفية والفكرية والفنية بحيث يخلقه خلقاً جديداً إذا: سيان أن نحس ونفكر ونعبر بمناسبة كتاب أو مناسبة حادثة أو إنسان وذلك واضح في النماذج البشرية والنفاد يهاجمون هذا المنهج التأثرى أيضاً لاعتماده الذوق والاحساس الفرديين وهما مضللان متقلبان متحولان تبعاً للأفراد بل لحالاتهم النفسية ثم إن القارئ لا ينتظر من الناقد أن يعطيه انطباعاته وتأثراته بقدار ما ينتظر منه أن يقدم صورة واضحة صحيحة دقبقة عن العمل الأدبي تساعده على الفهم والذوق.
و يركز على جمال الصياغة ويعده أساساً لخلود العمل الأدبي ويغلبه على المضمون ويعتمد الذوق الذاتي في معرفة مواطن الجمال
ـ ب ـ النقد الموضوعي
وهو الذي يركن إلى أصول مرعية وقواعد عقلية مقررة يعتمد عليها في الحكم ، كطريقة قـُدامة في كتابه " نقد الشعر والنقد الموضوعي هو النقد الذي يقول : إن الأصل في كل نقد هو تطبيق أصول مرعية وقواعد عقلية لا تترك مجالاً لذوق شخصي ، أو تحكم فردى وليس معنى النقد الموضوعي، أن تطبق هذه القواعد تطبق آليا ، والعبرة بإستخدام هذه القواعد وهنا تظهر المقدرة الشخصية وهكذا يدخل العنصر الشخصي في النقد المسمى الموضوعي كما أن العنصر العقلي الذي لا بد منه لدعم الذوق يكون الجانب الموضوعي في النقد الذاتي .
فهذا النقد يبدأ بالتأثر والتذوق وهي مرحلة أساسية لا بد منها ولكنه يحاول أن ينحي بعد ذلك العنصر الذاتي ما أمكن ليغلب العنصر العقلي الموضوعي في التعليم والتقويم والتفسير وفي طريقة العرض وفي الأسلوب اللفظي ومع اعتماد هذا النوع من النقد على الاستقصاء والاتزان والاقتصاد في الأحكام والخذر في إطلاقها إلا أن هذا الاعتماد لا يمكن أن يلغي شخصية الناقد، فالناقد إنسان له مثله الجمالية والإنسانية والاجتماعية التي لا بد أن تتسلل الى أحكامه وتفسيراته مهما تغلف نقده بغلاف الموضوعية والتجرد .
ـ ج ـ النقد (المذهبي )
النقد الواقعي الاشتراكي: وهو النقد الذي يقوم على الأفكار الاشتراكية ويستخدم منهجها الفكري والفني للنظر في الأدب وكلمة (ايد يولوجية) تعني مجموع الافكار والمشاعر كما تعني المنهج الفكري والنظري ويعرف مندور النقد الايديولوجي بقوله : (وهو يقوم على منهج محدد وظيفته اجتماعية محددة للأدب والفن ويصدر الناقد في نقده عن عقيدة أو على الأصح عن هذا المنهج الفكري والفني الذي يقتنعه ) ويمكن أن نعد هذا النقد امتداد للنقد الموضوع وتطويرا له والفرق بينهما هو : أن النقد الايديولوجي يكشف عن تأثر الناقد بالتفكير الاشتراكي ولا سيما في مجال التوجيه النظري ، أما في مجال التطبيق فلا يكاد يتخذ طابعاً متميزاً كل التميز وقد وصف مندور الاتصال والتشابه بين مراحله النقدية الثلاث فقال :
(حافظت على القيم الإنسانية العامة والقيم الجمالية ولكن المسألة أصبحت موازنة بين مختلف القيم وأحياناً أعطي المضمون أولوية في التقيم) .
وظائف النقد المذهبي:
1 ـ التفسير :
أي تفسير الظاهرات والأعمال الأدبية وإيضاح مصادرها وأهدافها وخصائصها الفنية مساعدة لعامة القراء على فهمها وإدراك مراميها القريبة وفي هذه الوظيفة يعد النقد عملية خلاقية قد تضيف إلى العمل الأدبي أو الفني قيما جديدة لم تخطر للمؤلف على بال وإن لم تكن مقحمة عليه
2 ـ التقويم :
الوظيفة الثانية للنقد الايديولوجي هي : تقوم العمل الأدبي في مضمونه وشكله وأنه وإن يكن المضمون والشكل يكونان في العمل الأدبي وحدة متماسكة وينعكس كل الآخر ويؤثر فيه ويحدده أحياناً كثيرة إلا أن العملية النقدية تفصل بينهما كضرورة من ضرورات التحليل ، ولتقويم المضمون ينظر الناقد في التجارب الأدبية ومصادرها ووجهات النظر التي يصبها الكتاب فيها والأهداف التي يسعون إليها "فهذا المنهج يرى أن الادب والفن لم يبقيا مجرد تسلية ، أو هروب من الحياة ومشكلاتها وقضاياها ومعاركها وأن الأديب يجب ألا يعيش في المجتمع ككأئن طفيلي أو شاذ أو جبان أو سلبي باك أو مهرج ممسوخ .
وهو عندما يعرض للمصادر التي يستقي منها الاديب موضوعاته قد يفضل التجربة الحية على التجربة التاريخية وبخاصة إذا لم تصلح وعاء لمشكلة معاصرة تشغل الأديب أو تشغل مجتمعه وأنسانيته الراهنة والنقد الايديولوجي لا يتكفي بالنظر في الموضوع بل يتجاوزه إلى المضمون أي الى ما يفرغه فيه الأديب الفنان من أفكار وأحساسيس ، فالموضوع الواحد قد يكتب فيه أديبان مختلفان مفهومين متناقضين تبعاً لاختلاف نظرة كل منهما إليه طريقة معالجته له ويرى المنهج الايديولوجي بحق أن ما كان يسمى في أواخر القرن الماضي بالفن للفن .لم يبق له مكان في عصرنا الحاضر الذي تصطرع فيه معارك الحياة وفلسفاتها المتناقضة وأن الأدب والفن قد أصبحا للحياة ولتطويرها الدائم نحو ما هو أفضل وأكثر سعادة للبشر ويرى النقد الايولوجي كذلك أنه قد أصبح من الممكن أن يظل الأدب والفن مجرد صدى للحياة بل يجب أن يصبحا قائدين لها . فقد انقضى الزمن الذي كان ينظر فيه إلى الأدباء والفنانين على أنهم طائفة من الفرديين الآبقين الشذاذ أو المنطويين على أنفسهم أو املجترين لأحلامهم و آمالهم الخاصة أو الباكين لضياعهم وخيبة آمالهم في الحياة وحان الحين لكي يلتزم الادباء و الفنانون بمعارك شعوبهم وقضايا عصرهم ومصير الإنسانية كلها هذا النص الذي كتبه مندور يظهر بجلاء أن مقاييس تقويم الأدب الملتزم والأدب الهادف أساسية في النقد . فكلما كان الأدب هادفاً أو ملزماً أو واقعيا ًكبرت قيمته ومفاهيم الواقعية و الالتزام والأدب الهادف أصبحت مترادفة أو متقاربة في المعنى ، فالادب الواقعي من الذي يتخذ مضمونه من حياة عامة الشعب ومشكلاته ويؤمن بقدرة الإنسان في التغلب على الشر لأن الشر ليس أصيلاً في الإنسان وإنما هو حدث عارض ولدته ظروف الحياة وأنماط التركيب الاجتماعي .أما الادب الملتزم أو الالتزام فهو اصطلاح يعني أن الاديب يجب عليه الالتزام بمسؤوليته كاملة إزاء قضايا الإنسان والمجتمع والعصر أملا في مزيد من التقدم و السعادة و الرخاء وقريب من هذا المفهوم الأ؟دب الهادف وهو سعي الى تطوير المجتع و الحياة نحو هدف أو أهداف أكثر تقدما ما أمكن الوصول اليه
3 ـ التوجيه :
الوظيفة الثالثة للنقد الايديولوجي هي توجيه الادباء والفنانين في غير تعسف ولا إملاء ولكن في حدود التبصير بقيم العصر وحاجات البشر ومطالبهم وما ينتظرونه من الأدباء والفنانين وفي مجال التوجيه نشير إلى ثلاث قضايا :
آ ـ وظيفة الأدب ـ أن للأدب وظيفة اجتماعية فهو إما أن يكؤكد وبعمق المفاهيم التي تبناها المجتمع وأما أن يكون أداة قيادة وتوعية وتحضيض وفي كلتا الحالتين ينبع الأدب من الواقع ويستمد مادته منه ثم يصوغها صياغة فنية محركة للوعي والوجدان ومساعدة على التطور والتقدم ويقول مندور : إن الأدب انعكاس لواقع الحياة وتطورها ولكنه ليس انعكاساً سلبياً بل انعكاساً إجابياً فهو يرتد ثانية إلى الحياة ليحث خطاها ويدفعها نحو مزيد من التطور والتقدم وبذلك يأخذ من الحياة ثم يعطيها أكثر مما أخذ وهذا هو المفهوم الجدلي (الديالكتيكي ) للفلسفة الاشتراكية بالنسبة إلى الأدب فهو يجعل الفكر قوة فعالة نحو التطور والتقدم لا مجرد انعكاس آلي لذلك التطور ولا تتخذ الفنون الأدبية طابعاً واحداً في أدائها لدورها الاجتماعي فأدب القصة والمسرحية يسلك في رأي مندور مسلك الواقعية النقدية أي نقد الواقع الفاسد وهذا النقد يبث الوعي الفاسد ويضع خميرة الثورة في النفوس أما الشعر فهو في الأغلب الذي يعلن الثورة صراحة .
ب ـ حرية الأديب ـ أن للنقد الايديولوجي وظيفة توجيه الأدباء نحو الأدب الواقعي الهادف القائد الملتزم وهذا التوجيه يلقي معارضة من الأدباء الذين يرون في محاولة توجيه النقد والنقاد لهم وجهة إنسانية أو فنية معينة اعتداء على حريتهم وتعويقاً لانطلاق طاقاتهم ويرد مندور على ذلك فيعين أن للحرية معنى محسوساً تاريخياً وحرية الفنان مرتبطة بحرية وطنه وأمته وليس من الحرية في شيء الترويج في هذه الفترات القاسية من حياة الوطن لمذاهب الفن للفن الرومانسية الهاربة والانحلال في الأدب ولكن في الوقت نفسه ليس من الفن في شيء نكبت ذاتية الأديب كبتا يحول أدبه باسم التوجيه إلى دعاية سياسية.
د_ النقد الاعتقادي : وهو النقد الذي تتحكم فيه عقائد وآراء خاصة عند
الناقد , وهو يحمل في طياته معنى التعصب والميل إلى نزعة خاصة , وكلما
تحرّر الناقد في نقده من آرائه ومعتقداته الشخصية كان تقديمه عادلا وأكثر
إنصافاوصدقاوتحرياللحقيقة,إذ أن تجرّدالناقدمن هواه وآرائه شرط أساسي لسلامة أحكامه النقدية من الجور .
ه _ ـ النقد التاريخي : وهو النقد الذي يحاول تفسير الظواهر الأدبية بالحكم والمفاضلة .. وتفسير الظواهرالأدبيةأوالمؤلفات أو شخصيات الكتـّاب ، يتطلـّب معرفة بالماضي السابق لهم ، ومعرفة بالحاضر الذي أثـّر فيهم .
و ـ النقد الأدبي الصحافي:
ينبغي التمييز بدءا، بين النقد الأدبي العلمي أو الأكاديمي والنقد الأدبي الذي يمارس في الصحافة الثقافية، سواء في الصحف أو في المجلات. فهذان النقدان يختلف أحدهما عن الآخر اختلاف الغاية والوسيلة لئلا أقول المنهج. لكنهما يفيدان بعضهما من بعض ويلتقيان في مسار واحد هدفه ترسيخ العلاقة بين الأدب والقارئ أو المتلقي. النقد في الصحافة لا يستطيع أن يقوم بمنأى عن النقد العلمي ولو اختلف عنه كثير الاختلاف. فالنقد فعل واحد، لكنه يأخذ سبيلين مختلفين يفترضهما واقع الفعل النقدي نفسه. في هذا المنحى
لا بد للنقد الأدبي الصحافي من أن يتكئ على معايير النقد )العلمي( أو الأكاديمي وعلى مفاهيمهما ومناهجهما ومعطياتهما ولكن من غير أن يصبح صنوهما، أي نقدا صارما ومنهجيا وعلميا. هذا النقد الذي يمارس ما يشبه الوظيفة الإعلامية واليومية يختلف في جوهره عنه أما النقد الصحافي فمجاله الصحيفة أو المجلة. وظيفة النقد الصحافي إذن تختلف كثيرا عن وظيفة النقد العلمي. لكن النقد الصحافي لا يستطيع أن يؤدي عمله على خير وجه إن لم يرتكز على النقد العلمي. والناقد الصحافي الذي لا يأتي على دراسة النقد العلمي يظل دون مستوى فعل النقد. هذا ما يجب الاعتراف به. وباتت مقولات أربع هي: التبسيط، التكيف، الاختيار والاستخلاص هي أشبه بالشروط أو المقاييس التي يحتكم إليها النقد الصحافي. وهناك وصف للنقد الصحافي أوردته )الموسوعة( الفرنسية المعروفة بالانسيكلوبيديا: )أن يكون بسيطا واضحا وسهلا، وعليه أن يتحاشى أي تكلف في الفصاحة والتبحر(. هكذا نفهم أن على النقد الصحافي ألا يغفل عن القارئ وألا يتكبر عليه مستعرضا ثقافته ومنهجيته، بل عليه أن يأخذ في الاعتبار أن القارئ المجهول أحيانا ليس متخصصا في النقد الأدبي، وأنه يريد أن يهتدي إلى رواية يقرأها أو كتاب يقتنيه. القارئ هو الهدف الأول الذي يتجه النقد الصحافي إليه. النقد هنا لا يكون مجرد نقد للنقد، أو فعلا يمارسه الناقد لمتعته الخاصة أو لإشباع نزعته العلمية والتجريبية. طبعا يجب ألا يغيب الحضور الذاتي للناقد وكذلك ذائقته الخاصة، ولكن يجب ألا تطغى مثل هذه الأمور على العمل النقدي. في الصحافة يستحيل أن يتحول النقد فنا قائما بذاته وأن يحل محل الكتابة نفسها. وهذا ما بات يحصل كثيرا في ميدان النقد المابعد - حداثي. هذا على رغم أن رولان بارت يصر على وصف الناقد بـ )الكاتب(، معتبرا إياه )شخصية جديدة(، هي في مرتبة خاصة بين الكاتب الذي يؤلف والصحافي الذي يدبج المعلومات في الصحافة. هذه التفاتة مهمة تمنح الناقد حجمه، والصحافي حجمه وكأن الواحد منهما يحتاج إلى الآخر. الصحافي يوفر المعلومات ويتابع الإصدارات والناقد ينطلق منها ليبني أعماله التحليلية. لم تعد الحركة الأدبية قادرة على أن تقوم من دون الاتكاء على الصحافة الأدبية، مثلما هي غير قادرة على القيام أيضا من دون حركة نقدية تقابلها وترافقها. الصحافة الأدبية حاجة ملحة في عصرنا، عصر الاستهلاك والسرعة. يريد المثقف والكاتب والناقد أن يدركوا ما يحصل في عالم النشر ولا يجدون أمامهم سوى الصحافة الأدبية أو الثقافية تلبي حاجاتهم. بل هم يريدون أن يطلعوا على الجديد في عالم الرواية والشعر والمسرح وسواها لكي يكونوا على بينة مما يحدث في عالم النشر. هذا جزء من الدور الذي تضطلع به الصحافة الثقافية. لكن هناك أمورا أخرى تقوم بها وأولها هو النقد، نقد الروايات والمجموعات الشعرية والمفاهيم والمقولات، والنقد هنا أو على هذا المستوى يجب أن يكون بنّاء وواعيا الدور الذي يؤديه ومحترما العمل الذي هو على المحك. ولطالما قرأنا في الصحافة - ونقرأ - مقالات مهمة، عميقة وصائبة ومحللة لكن طبعا من دون إطالة. وبعض هذه المقالات يستحيل مرجعا يحتفظ به. وكم من مقالات صحافية لفتت أنظار النقاد إلى أعمال كان ليغض النظر عنها، بل كم من مقالات ذكّرت النقاد بشخصيات أدبية مجهولة.
لعل أجمل ما يمكن وصف الصحافة الأدبية به هو أنها أشبه بالجسر الذي يربط بين الأدب والذاكرة، بين الأديب والقارئ، بين العمل الأدبي والإعلام. قد يكون جزء من عمل هذه الصحافة ترويجيا لكن الترويج هنا يكتسب معنى إيجابيا. إنه الترويج للكتب التي تستحق الترويج. ولولا هذه الصحافة لما راجت كتب كثيرة تستحق الترويج. ولكن من ناحية أخرى تستطيع هذه الصحافة أن تروج كتبا لا تستحق الترويج، والأمثلة كثيرة. وإن لم تكن المقالات النقدية قابلة لأن تكون مرجعا في أحيان، فإن مهمتها هي أن تؤرخ لحركة النشر وأن توثق الإصدارات. هذه وظيفة مهمة جدا تقع على عاتق الصحافة الثقافية أو الأدبية. إنها تؤرخ اللحظة لتجعل من اللحظات قائمة تاريخية لا بد من العودة إليها لرصد حركة التأليف والنشر. فالصحافة هذه تؤرخ الحركة الأدبية لحظة تلو لحظة عبر تناولها الكتب الصادرة نقدا أو إعلاما، وعبر رصدها المشاريع الأدبية ومعالجة مشكلات النشر، عطفا على محاورتها الكتاب، روائيين وشعراء ونقادا، وتتحول بعض الحوارات مراجع مهمة لفهم الكاتب وللاطلاع على أسرار إبداعه وعلى خفايا صنيعه. وثمة ناحية أخرى يجب الأخذ بها وهي أن الصفحات الأدبية تكون في أحيان منابر مفتوحة أمام نصوص الأدباء والشعراء فتقدم صورة واضحة عن الإنجاز الأدبي القائم في العالم العربي. بل إن نشر هذه النصوص يبدو أشبه بالحوار بين الكتاب أنفسهم عبر قراءة نصوصهم. ومن الأدوار المهمة التي يؤديها النقد الأدبي في الصحافة هو ربطه الأدب بالحياة، فالعلاقة بين الناقد الصحافي والقارئ هي علاقة حية فيها شيء من )التواطؤ( المضمر وكأن الواحد على معرفة بالآخر، على خلاف النقد العلمي أو الأكاديمي الذي غالبا ما يُحصر في حيز ضيق.
ز_ـ النقد العلمي: يؤدي هذا النقد وظيفة أشد رصانة ومنهجية. وما يجب الانتباه إليه أن النقد العلمي مكانه الكتاب أو الدراسة، وقارئ الكتاب هو حتما يختلف عن قارئ الجريدة. وبالتالي فإن الخطابين النقديين يعيان مفهوم القارئ الذي قد يكون واحدا في حالات كثيرة، لكن قراءته للنقد في الصحيفة سيكون مختلفا عن قراءته للكتب النقدية .والناقدالعربي المعاصر ،ينبغي أن تكون له ثقافته الفنية ، واتجاهه الفلسفي ، ومـُثـُله الحضارية ،وقيمه الخلقية على سواء ، وأن يطبـّقها على الأعمال الأدبية في حرّية وشجاعة , فيزن ما في عمل الأديب من مقومات فنية , وما يضم من أفكار صائبة مضللة, سليمة أو زائفة منحرفة ، أو بمعنى آخر لابد للناقد من تقييم المضمون أوالمحتوى في العمل الأدبي والمضمون عنصر جوهري والأديب الهازل ، ليس كالأديب الجاد الذي يتناول حقيقة من الحقائق النفسية النبيلة ، أو تجربة من التجارب الناضجة ، أو فكرة من الأفكار الحية العميقة . فلو أبيح للأديب أن يقول ما يشاء ، فينبغي أن يباح للناقد أن يعقـب على مضمونه قيـّماً أو تافهاً ، سليماً أو شاذّاً ، وإلا كنا منحازين عن معنى النقد وعلينا أن نعطي الناقد كل الحق في التحدث عن فن العمل الأدبي ، ومحتواه ، واتجاهه الفلسفي أو الاجتماعي وأن نلح في ذلك إلحاحا شديدا . وبهذه المواقف الفنية والفلسفية والاجتماعية التي تتفق مع أيديولوجيتنا العربية ، ومع القيم الخلقية العربية ، ومع الروح الإنساني الساعي إلى المتعة الجمالية ، يمكن أن نجني من الأعمال الأدبية الثمرة الطيبة الشهية لخيرا لإنسـان العربي والمجتمع العربي . والناقد العربي في تقويمه لا يجوز أن يتقمـّص مذهبا فنيـّاً وينحصر فيه بذاته ، ولا أيديولوجية شرقية أو غربية ، بل عليه أن ينطلق مستقلا في هذا التقويم ومستفيدا من أحدث النظريات الفنية فائدة توجيهية , فله أن يرجع إلى التاريخ ليعرف البيئة التي نما فيها العمل الأدبي وترعرع، وله أن يرجع إلى السيكولوجية ليعرف صحة الشخوص ويفهم نوازعها فهما عميقا ، وله أن يرجع إلى الحالة الاجتماعية ليعرف آثارها في الأعمال الأدبية ، وله أن يـُقوِّم العمل بما يتفق مع الثقافة الرفيعة كل هذه النواحي تلقى أضواءً على الأعمال الأدبية،وإمكان تقويمها على أن المقياس التاريخي والاجتماعي في تقويم الأعمال الأدبية هو خطوة نحو إنارته , وإن كان ليس مقياسا كافيا ، ولكنه عامل مفيد للنقد إذا استخدام كوسيلة أو كعنصر للتقويم .فليس بين نقادنا اختلاف ، فالفريق الأول الذي يلتزم الفنية , و الفريق الثاني الذي يضم إلى الفنية قيمة المحتوى ، ينتفع كل منهما بالآخر ، ويمكن تقاربهما إذا قدرنا أن أعمالنا الأدبية يجب أن ينظر إليها نظرة فنية في ضوء الأيديولوجية الجديدة التي تعتنقها ، وفي ضوء التقدّم الذي نصبوا إليه على أنه لا يجوز لنا أن نجري وراء مدرسة ولا مذهب شرقي أو غربي ، بل يمكننا أن ننتفع بجميع المذاهب لإبداع نقدمستقلأصيل . إن النقد الأدبي هو فن شخصي ، فن يعتمد على الثقافة والبصيرة النفاذة ,وعلى النزاهة ، وعلى الذكاء الحاد ، أكثر مما يعتمد على المذهبية ، وإن النقاد البصراء هم قلة موهوبة ، تعلو موهبتهم إلى درجة النبوغ بل العقربية ، وإن هؤلاء الموهوبين قد يصلون إلى حكم أكثر نفاذا وحكمة من الذين يسبحون بالقواعد والأصول الفنية , ومن الذين يضعون المضمون في القمة ، وليست الأصول ولا قيم المضامين بأكثر أهمية للناقد من الموهبة , والفطنة , والنزاهة ، فإذا ثارت مناوشة بين أصحاب المذاهب ، فإنما هي مناوشة لن تفيد النقد كثيرا ولا قليلا ، إنما يجني النقد والأدب - على سواء - ثمرات نافعة إذا عَمـِلَ النقاد - مدرّسيين وأحرارا ً- في الحقل الأدبي في محبة وتسامح وتواضع على خير الأدب ، وإعلاء شأن الموهوبين من الأدباء : شعراء ، أوقصاصين ، أو مسرحيين ، أو روائيين , أو مؤلفين ،.
ح _النقد الفقهي أواللغوي:
منهج النقد السائد في الآداب العربية القديمة هو " المنهج الفقهي أواللغوي " الذي يعتمد على تحليل النص ودراسته ، من حيث البلاغة ، وقواعدالعربية ، والنحو والصرف ، واللغة والعـَروض ، وبيان ما بين معناه ومعاني السابقين والمعاصرين من تشابه أو احتذاء .. وتقسيم النص إلى جمل أو أبيات ، والتحدث عن كل جملة أو بيت على أنه وحدة فنية مستقلة بذاتها ، وقد سار على ذلك ابن سلام ، والجاحظ ، وابن قتيبة ، والمبرد ، وابن المعتز،والآمدي ، والجرجاني .. ولكن قـُدامة بن جعفر يسير في تحديد النقد على التحدث عن عناصر الأدب عنصرا عنصرا , من معنى ولفظ وسواهما ، ويشرح أسباب الجودة أو القـُبْح في كل ، مع القرب من المذهب الفقهي في النقد ، ويحتذيه في ذلك أبو هلال وابن رشيق .. أما عبدالقاهر الجرجاني فقد نحا في النقد مَنـْحَى التحليل الأدبي القريب من المنج الفقهي ، وتحدث عن صلة البلاغة بالنفس والعاطفة والخيال حديثا قويا مستفيضا . ولا تزال هذه الاتجاهات القديمة هي أظهر ما يغلب على أدبائنا اليوم ، ويتسم أغلب النقد المعاصر بسماتها .. وهي تغفل التجربة الشعرية والصياغةالفنية والقيم الشعرية والأثر الأدبي جملة وصلته بصاحبه ومدى توفيقه في أداء المشاعر الخفية والعواطف الدقيقة .. ولا تزال آراء نقادنا القدامى والمعاصرين غامضة مجملة ولا يزال الاختلاف بينهما كبيرا والحكم الأدبي متفاوتا ، لأنها آراء لا تقوم على قواعد محدّدة .. ومن ثم فإن هذا المذهب الفقهي الواضح في النقد العربي عجز , ولا يزال عاجزا عن الوفاء بحق الثقافة الأدبية العالية ، وإنارة السبيل أمام دارسي الأدب ونقـّاده .
ط _ النقد الفني : وقد ساد في أوربا منهج جديد في النقد ، سماه أنصاره " المذهب الفني " ، وعماده الحكم على النص الأدبي من حيث روحه وموسيقاه وأصالته وعناصره وصدقه وتجربته الشعرية . وقد دعا إلى هذا المذهب الفني في النقد واحتذاه جماعة من المجدّدين في أدبنا المعاصر ، ومن أوائلهم : شكري ، ومطران , وأبو شادي ، وقد حكم العقاد والمازني على شعر شوقي وحافظ متأثرين به ، كما حكم السحرتي على مطران والشابي على ضوئه . وهو منهج أصيل لا نجد له أثرا في نقدنا العربي القديم إلاّ في ومضات قليلة , نلمسها عند القاضي الجرجاني ، وعبدالقاهر وقد رأى سيـّد قطب في كتابه " النقد الأدبي " أن هذا المنهج الفني هو الذي ساد الآداب العربية القديمة ، وهو رأي لا يعتمد على فهم عميق لروح هذا النقدالأدبي في لغتنا العربية ، كما رأى أن مذاهب النقد ثلاثة : المنهج الفني,والمنهج التاريخي ، والمنهج النفسي , وهذا خلاف تقسيمنا الذي نسير عليه ،والذي فصّل الكلام فيه السحرتي الناقد المشهور في كتابه " الشعر المعاصرعلى ضوء النقد الحديث " .. ويرى سيد قطب أن المنهج الكامل في النقد هواجتماع هذه المناهج الثلاثة التي عدَّدَها في منهج واحد سماه المنهج التكاملي . هذا ويرى مندور أن مناهج النقد هي : المنهج التأثري - والموضوعي - والاعتقادي - والعلمي - والتاريخي - واللغوي . وسادت نزعة جديدة في النقد سـُمّيت : " النزعة الواقعية ، أو المنهج الواقعي " ، وأساس هذه النزعة هو النظر إلى موضوع الأثر الأدبي ، فإن كانبينه وبين الحياة والمجتمع صلة فهو أثر أدبي قيـّم تجب العناية به والإشادة بمنزلته ، وإن كان لا يعالج شأنا ً من شئون الحياة والمجتمع والناس فهو أثر أدبي يجب أن يموت وأن يختفي .. فإن عالج الأدب الموضوعات الإنسانية العالية الخالدة كان أقرب إلى الخلود الأدبي ، وسنتحدّث عن هذا المذهب بتفصيل فيما بعد .وحول هذا المذهب الواقعي يدور " مندور " ، وكذلك " هيكل " في تعريف الأدب بأنه فن جميل غايته تبليغ الناس رسالة ما فى الحياة من حقّ وجمال .وأرى أن الجمع بين المناهج الثلاثة " الفقهي ، والفني ، والواقعي " في النقد يؤدي بنا إلى أحكام أصدق وآراء أشمل في الحكم على الأدب والشعروالآثار والنصوص المختلفة ، وفهم الخصائص والمميزات والسمات لكل أديب وشاعر ، والعوامل المؤثرة في الأدب ، وصلة القديم بالحديث ، والحديث بالقديم ، وبذلك ننتقل إلى مرحلة جديدة في النقد ، قد تصل بنا إلى "النضـج الفنـّي الكامـل " وإلى نهضة أدبية شاملة , وإلى ازدهار في نقدنا
المعاصر .
الباب الثامن
الفصل السادس
تقنيات النقد الأدبي الحديث
النقد الحديث هو : استعمال منظّم للتقنيات غير الأدبية ولضروب المعرفة _ غير الأدبية أيضا – في سبيل الحصول على بصيرة نافذة للادب " ويقصد بالتقنيانت غير الأدبية تلك العلوم التي تمّ تطويرها في القرن العشرين مما جعلها مرجعا للنقد الحديث وسندا للوصول الى آفاق نقدية مستحدثة .
1 _ العلوم الاجتماعية :
طرحت نظريات اجتماعية واقتصادية كان لها أثر كبير على المفكرين ، أهمها النظرية المادية الجدلية التي أثرت على فكر جيل من الادباء والنقاد وتأسست مدرسة فكرية تحمل اسم " مدرسة النقد الاجتماعي الماركسي " .
2 _ التحليل النفسي:
توصل " فرويد " إلى مناهج علمية تحليلية تدرس الفكر البشري عن طريق تحليل الأحلام إلى رموز بصرية . وقد تأثر نقاد الفن والادب بمنهجه ، واتضح ذلك في أعمالهم النقدية . ولكن الأكثر شيوعا واستعمالا هو طروحات " يونغ " ( تلميذ فرويد ) المختصة باللاشعور الجمعي وأصوله التاريخية . وتأسست مدرسة نقدية اسمها " مدرسة التحليل النفسي والنقد النفسي " .
3 _ العلوم اللغوية :
الدراسات الحديثة استحدثت مفهوما جديدا هو أن " اللغة طريقة لإدراك العالم المحيط بنا ودور الغة هنا لا يؤثر على تفكيرنا بحد ذاته ، أي على جوهره بل على آليته " وهذه الأنظمة أوجدها لغويون مثل العالم الفرنسي " سوسير " و " بياجيه " التي تجاوزت مفعولها على اللغة والإنتاج الأدبي لتطبقه على جميع مجالات الثقافة من العلوم والفنون , وقد نشأت المدرسة الشكلية على هذا الأساس وتسمى " مدرسة النقد الشكلي البنيوي " , و" مدرسة النقد الظاهراتي " .
4 ـ العلوم الطبيعية والإحيائية :
طرحت نظريات أثبتت أهميتها في مسار الفكر الحديث مثل " نظرية التطور الدارونية " و " النظرية النسبية " لانشتاين ( التي ناقضت المفاهيم المطلقة) ونظريات في فيزيائية أخرى مثل " المجال " والمقصود به مجالات الطاقة التي غيرت فهم المادة من مبدأ كونها مجموعة أجزاء صغيرة ( مفهوم تحليلي ) ، إلى مبدأ : " ساحات طاقة تنعقد وتنفصم فيها في نقاط خاصة كأمواج البحر في تكوينها وانفراطها ،وهي فكرة البنيوية كما يطرحها روجيه جارودي في كتابه " ماركسية القرن العشرين
5 _ الفلسفة :
من الواضح أن تطور العلوم أعلاه قد ساعد أو أثر في ظهور دراسات فلسفية حديثة قد تعتمد في منابعها الأولى على مناهج الفلسفة القديمة التي سبقت الميلاد وبعده ولكن بتوجهات فكرية حديثة ورؤى تساعد على قراءة النتاج الأدبي بمفهوم حديث . إذا كانت كلمة النقد تعني في مفهومها الدقيق ( الحُـكم ) ، وكان "النقد الأدبي " هو إصدار حكم على الآثار الأدبية ، فإن الأدب الإنشائي يخالف الأدب النقدي الذي هو من الأدب الوصفي ، فالإنشائي هو تفسير للحياة في صور مختلفة من الفن الأدبي , والأدب النقدي هو تفسير لهذا ولصور الفن التي يوضع فيها ، وكما يأخذ الأدب من الطبيعة والحياة فإن النقد كذلك ياخذ منهما عن طريق غير مباشر ، ولذلك يقول الناقد " وليم واطسون " عن الشعراء وقد اعتبرت هؤلاء كجزء من عظمة الطبيعة " . وإذا كان في الإمكان الرجوع إلى المصدر الأول وهو الطبيعة دون الرجوع إلى تفسير لها أي إلى النقد ، فإن النقد يوحي ويشجع وينير السبيل ، ويلهم
الأدباء أنفسهم اتجاهات جديدة ، وللنقد قيمته الذاتية في أنه تعبير عن الناقد نفسه ، عن شخصيته وفكره ومذهبه ومنهجه .
إن وظيفة النقد الأدبي هي في تقويم العمل الأدبي من الناحية الفنية .وبيان قيمته الموضوعية ، وقيمته التعبيرية والشعورية ، وتوضيح منزلته وآثاره في الأدب .يرى " سانت بيف " أن وظيفة الأدب هي النفاذ إلى ذات المؤلف لتستشف روحه من وراء عباراته بحيث يفهمه قـُرَّاءه ؛ وفي ذلك يضع الناقد نفسه موضع الكاتب فالنقد على حد تعبيره يعلم الآخرين كيف يقرؤون ، ولذلك كان على النقد أن يتجاوز القيم الجمالية العامة إلى بيان العمل الأدبي للقارئ لمساعدته على فهمه وتذوقه ، وذلك عن طريق فحص طبيعته وعرض ما فيه من قيم .ويُعرِّف " سانت بيف " الشعر بأنه التعبير الجميل عن شعور صادق . ويحمل " وردزورث " على النقد ويعدّه عبثا ، لأن المقدرة على النقد أحط من المقدرة على الإنشاء . ومن قبل حمل " أفلاطون " على الشعر وعابه بأنه تقليد للتقليد .ولا شك أن ذلك أمر لا يوافقه عليه ناقد آخر ، فإن النقد يوجه ويثري الأدب
, ويعلي من منزلته في الحياة ، ولا غنى للحياة ولا للأدب ولا الأدباء عنه هو الذي يخلق المناهج والمذاهب الأدبية ، ويقوّم أعمال الأدباء ، ويوصي باختيار النماذج الجيدة من الأدب ومحاكاتها ، ويغرس حب الجيد منه في نفوس الدارسين والناشئين ويُعـَوِّدهم على مثل هذا الجيد منه .والنقد عند " كولردج " ليس هو اكتشاف مدى التزام العمل الأدبي بقواعد شكلية معينة ، بل في كشف مدى انسجام العمل مع ذات الناقد . ومهمة الأديب هو تجسيد تجربته في رموز ، وعلى الناقد أن يتحقق فيما إذا كان الشاعر قد اقتصر على ترجمة أفكاره إلى لغة الشعر أم أنه قد نجح في تجسيد هذه الأفكار في رموز تعادلها تماما بحيث يتعذر انفصال إحداها عن الأخرى .ويروي " باوند " الأمريكي أن الشعر خَلـْق لا تعبير ، وعملية الخلق هي عملية واعية في الدرجة الأولى ، فهي عملية تحكم ، وليست عملية إلهام . ويقول : إن أعظم أمراض النقد هو الاندفاع بحثا عن شخص الفنان في العمل الفني ، ويناظره في الفشل النظر إلى العمل في ذاته .. ومن الموهبة واستيعاب التراث يصبح الإنسان شاعرا ، فلا بد لذلك منهما ، وفي هذا يتفق "باوند " مع " إليوت .ووظيفة النقد عند " باوند " هي فحص العمل الفني من الداخل ، من حيث علاقته بذاته ، دون أي شيء خارج عليه , سواء كان ذلك مُمـَثلا في حياة الأدب أوالمجتمع أو العصر.
الباب الثامن
الفصل السابع
المدارس النقدية الحديثة لدراسة الأدب
قد ظهرت مدارس عديدة لدراسة النتاج الادبي أو الفني تعتمد على الأسس الفلسفية الحديثة , غير تلك الأسس الفلسفية القديمة ، بل مدارس حديثة هي أساس مناهج النقد الحديث وهي :
1- ـ مدرسة النقد الشكلي والبنيوي:
2- ـ مدرسة النقد البراغماتي ( الوظيفي )
3- ـ مدرسة النقد الظاهرات والوجودي
4- مدرسة التحليل والنقد النفسي
5- ـ مدرسة النقد الاجتماعي والماركسي
6- مدرسة النقد القيمي
الباب الثامن
التحليل الأدبي
الباب الثامن
الفصل الأول : مجمل الخطة في التحليل الأدبي
الباب الثامن
الفصل الثاني : مراحل دراسة النصوص الأدبية
الباب الثامن
الفصل الثالث : الدراسة الجمالية للنص الأدبي
مقدمة
مغزى التحليل الأدبي:
الباب الثامن
الفصل الأول
مجمل الخطة في التحليل الأدبي
بحث أفكار الأديب ومعانيه :
أ - تحديد الأفكار .
ب- شرح المعاني
بحث الناحية العاطفية والشعرية والانفعالات النفسية .
صدق العاطفة أو كذبها ، قوتها أو ضعفها ، حرارتها أو خمودها .
المشاعر العامة من خلال اجتماع العواطف ، وبيان ما فيها من التفاؤل أو التشاؤم ، وعلاقتها بنفسية صاحب النص
الانفعالية النفسية :
البواعث الباطنية والحوافز الظاهرية التي حثت صاحب النص على وضعه ،واقتران هذه البواعث والحوافز بأخرى لها علاقة بها .
الصلة بين الأديب والنص والبيئة والزمان :
العلاقة بين الأديب والنص وأثره فيه ومقدار هذا الأثر قوة أو ضعفا .
العلاقة بين النص والبيئة .
العلاقة بين النص والعصر .
دراسة الأساليب :
الألفاظ وحروفها ، التراكيب وألفاظها ، معجم الأديب اللغوي .الألفاظ بين الحقيقة والرمز والمجاز .
الموسيقى الأسلوبية :
في الشعر : موسيقى الحروف والألفاظ والتراكيب والانشطار وأوزان والقوافي .
في النشر : موسيقى الحروف والألفاظ والتراكيب والفقرات والمقاطع والأسجاع.
بحث المذهب النفسي في النص الأدبي :
دراسة الصور والأخيلة .
صور تقليدية مقتبسة أو مسروقة .
صور مبتكرة جديدة مطبوعة بطابع ذاتي .
مظاهر الطبع والصنعة والتصنيع في النص نوع المذهب الفني الملتزم .
دراسة المذهب الفني
تقييم النص : قيمة بالنسبة للأدب العربي .
قيمته بالنسبة للأدب الإنساني .
الباب الثامن
الفصل الثاني
مراحل دراسة النصوص الأدبية
التحليل الأدبي :هو موجز الدراسة الأدبية بشكل عام ، وهناك أمور خاصة ، وهناك أمور عامة معروفة لدى الشارحين والدراسين على حد سواء .
المرحلة الأولى:
نعرض فيها لدراسة أفكار الشاعر ومعانيه ومبانيه ، فنستهل ذلك بتبيان الأفكار ثم توضيح المعاني
ليس من السهل إن نحدد المعاني وان نشرح الأفكار ، لان الأفكار والمعاني إنما هي المضمون الذي يهمنا في النص الأدبي .
وقد تتداخل الأفكار ، وقد يصعب تحديد الفكرة في النص شعريا كان أو نثريا ، وهذا التداخل يرجع إلى المؤلف نفسه ، لأنه لا يسير وفق خطة معينة .
وكما إن الأفكار والمعاني تتداخل ، وقد يصعب تحديدها وفصلها ، فان الأغراض الشعرية تتداخل عند الشاعر أيضا ، وفي هذه الحالة يكون من الصعب علينا دراسة كل غرض على حدة . انه لمن العسير مثلا دراسة النسيب بمفرده عندما يكون متداخلا ومقرونا بالخمريات ، لان هذا يؤدي إلى تعقيد المعنى وتداخل الأفكار .
فالتداخل في الأفكار يرجع إلى أمرين : إلى طبيعة النص أولا ، والى طبيعة الشاعر ثانيا ، وفي هذه الحالة نغلب دائما الفكرة التي تطغى على النص من حيث المعاني .
إما فيما يتعلق بالمعاني ، فعلينا أولا إن نعبر عن هذه المعاني ، وان نعرضها عرضا سريعا دون تطويل ممل أو إجمال مخل ، وفي هذه الحالة نكون قد أدينا المعنى المراد ، سواء كان المعنى في النثر أم في الشعر دون زيادة أو نقصان .
وهذا فيما يتعلق بدراسة نص الشاعر : أفكاره ومعانيه . ونلخص هذا في شرح المعاني وتحديد الأفكار .
المرحلة الثانية :
إما المرحلة الثانية التي نقف عندها قليلا ، فهي بحث الناحية العاطفية والشعورية وتحليلها ، وفي بحث هذه الناحية لا بد لنا من إن نهتم بما يلي :
نبدأ بالعاطفة : نص بدون عاطفة لا قيمة له ,ونص مجرد عن الشعور الإنساني لا قيمة له ,ذلك لأن العاطفة والشعور يعطيان أهمية كبرى للنص ,إذ يبعث فيه الحرارة والانفعال .
ماذا نتبين في العاطفة ؟ وما هي الأمور التي يجب أن ندرسها من خلال ذلك ؟
ندرس صدق العاطفة أو كذبها , ندرس قوتها أو ضعفها , ندرس حرارتها أو خمودها ,ونحاول أن نتبين الانفعال العاطفي وتدرجه بين معاني النص وأفكاره .في بعض الأبيات نجد العاطفة متقيدة عند الشاعر حيث تبلغ قيمتها ,وسرعان ما تخمد هذه العاطفة لأسباب نفسية تعود من جديد إلى الاتقاد .
لا بد إذن من هذه العاطفة لكي نستطيع أن نقيم هذا النص الذي أمامنا سواء كان شعريا أم نثريا, ومن خلال العاطفة نحاول أن نعرض للمشاعر العامة ,فنتساءل هل نجد في هذه العاطفة أو المشاعر التفاؤل أو التشاؤم ؟
قد نجد شاعرا من طبعه التشاؤم ,وقد نجد آخر من طبعه التفاؤل ,وعندئذ لا لنا من أن نلحظ نفحات من هذا التفاؤل , نفحات ضاحكة تطغى على النص , وبالمقابل نجد سحائب من هذا التشاؤم تطبع النص وصاحبه , فتغلف أفكاره وتغلل معانيه .
ننتقل بعد ذلك إلى بحث الانفعالات النفسية , وإن كانت تبدو لأول وهلة جزءا من العاطفة , فنبحث في البواعث الداخلية التي حثت صاحب النص على كتابة هذا النص .
نجد مثلا شاعرا من الشعراء مرت به حادثة عابرة ,فكونت في أعماق نفسه انفعالات معينة ,وقد تكون هذه البواعث آنية ,وقد تكون بواعث كامنة في اللاشعور وذات صلة بأحوال الإنسان في ماضيه القريب أو البعيد .
قد يفكر منذ زمن طويل في نظم قصيدة أو تأليف كتاب , فهناك إذا دوافع جديدة ,حتى الأديب على كتابة النص الشعري أو النثري . إذا هناك عالم باطني تتصارع فيه كثير من الحوافز والبواعث التي لا تجد متنفسا لها إلا في هذه اللحظة الآنية التي جمعت ما في باطنه , وأخرجته إلى المستوى الشعوري عند الإنسان , وقد تقترن هذه الحوافز الباطنية بعوامل أخرى لا علاقة للشاعر بها .
إن أعظم الدواوين و أكمل الأعمال الأدبية هي التي ظهرت استجابة لاقتران البواعث الباطنية والنفسية , والتي اقترنت بالعوامل الخارجية .
المرحلة الثالثة :
الصلة بين الأديب والنص والبيئة :
التعريف بالنص والأديب .
بيان أهمية النص .
أسباب وضع النص
ما هي علاقة هذا النص بحياة صاحبه ؟ وهل استطاع أن يعبر عن مراحل حياته ؟ فلا لنا إذن من هذه الدراسة والتعمق فيها لقوة ارتباطها بالنص عند دراسته قد لا يظهر للشاعر أي وجود في نصه ,أو قد لا يظهر له وجود بارز يطغي على النص , فيطبعه المميز .
ننتقل الآن بعد أن شرحنا المراحل الثلاث السابقة إلى عنصر هام و واضح
المرحلة الرابعة :
الأسلوب ودراسته :
في بحث الأسلوب ودراسته لابد لنا من أن نعرض ما يلي :
نبحث الألفاظ والتراكيب . فما هي الأمور التي ندرسها في الألفاظ ؟
طبيعة هذه الألفاظ وما نسميه معجم الشاعر الشعري أو معجم الناثر النثري .
نوع هذه الألفاظ – هل تتميز بالوضوح أو بالغموض ؟هل تتميز بالسهولة أم التعقيد ؟ بالانسجام أم التصنيع ؟ هل تتمتع هذه الألفاظ بقدرة الإيحاء الذاتي أو الجرس الموسيقي ؟بعد هذا ننتقل إلى التراكيب نفسها .
هل أجد في هذه التراكيب صورة عن خصائص الأديب ومدى علاقة هذه التراكيب بألفاظها ؟بالطبع هناك ائتلاف الجملة ,فلكل شاعر أسلوبه الخاص في نظام شعره , وبقدر ما تكون التراكيب ذات طابع ذاتي بقدر ما نجد ذاتية الأديب .
الصور و الأخيلة : تختلف باختلاف البيئة والزمان , لأن البيئة هي المكان الذي يجول فيه خيال الشاعر ,فيأخذ منه , وهنا نحاول أن نجلي هذه الصورة وأن نتمثل هذه الأخيلة .
ننتقل بعد الدراسة المفصلة للصورة ومدى علاقتها بالبيئة من جهة وشخصية الشاعر من جهة أخرى إلى تبين طبيعة الأسلوب في ألفاظه وتراكيبه وصوره و أخيلته . بعد هذا أحاول أن أتبين حقا إذا كان الأديب قد جنح في أسلوبه إلى التقرير , أي تقرير الأشياء معبرأ عنها باهتماماته الحقيقة أو أنه لجأ إلى الرمز و الإيحاء .
وهنا لا بد لنا من أن نحاول توضيح طبيعة بعض الألفاظ أو بعض التراكيب التي مرت معنا في هذا النص .
دراسة الموسيقى في النص : وهي قضية هامة في دراسة النص الأدبي شعرا كان أم نثرا , ونحاول في دراستنا أن نتبين هذه الموسيقى من خلال الحروف , فالألفاظ , فالتراكيب , فالأوزان , فالجمل المسجعة فالقوافي المتناسبة .إن الموسيقى ليست في الأوزان والقوافي فقط , وإنما تبدأ من الكلمة لتنتهي بالقافية وبحرف الروي .
المرحلة الخامسة : دراسة المذهب الفني في النص الأدبي :
فنحن نعرف أن للعصر الجاهلي مذهبا , والعصر الإسلامي والعباسي كل منهما بمذهب خاص به , وفي كل عر نجد مذاهب أدبية مستجدة . وهنا في بحثنا للمذهب الفني للشاعر لا بد لنا من دراسة الصور والأخيلة في الأسلوب لكي نقيم الصور والأخيلة . هل هي جديدة ؟ وهل تكتسب طابعا ذاتيا ؟ وهل الصور تقليدية أم جديدة مبتكرة ؟ ندرس المذهب الفني , ونوضح مقدار الطبع وأثر الصنعة في النص .
ثم نقرر نوع هذا المذهب ومقدار التزام الشاعر .
وأخيرا تأتي المرحلة الختامية , وهي مرحلة الحكم على النص بكامله – أي القيمة الأدبية للنص – أي وضع هذا النص في مكانه المناسب بالنسبة للأدب العالمي والإنساني .
هل نرى في النص بعض التألقات الذاتية والإنسانية التي يمكن أن ترفعه إلى مرتبة الأدب العالمي ,وتضعه في مصاف الأدباء الخالدين ؟
الباب الثامن
الفصل الثالث
الدراسة الجمالية للنص الأدبي
تتضمن الدراسة الجمالية لنص من النصوص خطوات خاصة تختلف عن الدراسة الأدبية بشكلها المعهود ويمكن إتباع الخطوات التالية في دراسة النص جماليا"
1ـ عرض الأثر الأدبي المراد دراسته
2ـ تفحص أفكار الثر الأدبي و مقارباتها مع أفكار و نصوص أخرى
3 ـ تفحص الأسس الحركية للأثر لأدبي
4 ـ تذوق وجمالية لأسس الحركية لهذا الأثر الأدبي والتفريق بين الجمال
الحسي الواقعي وبين الجمال المعنوي من خلال المعاكسة بين الواقع وبين الخيال
من الوصية التعبيرية الجمالية
5 ـ بيان القيم التعبيرية الجمالية للأشر الأدبي والقصة الشعرية ـ الحركةـ المسرحية> الهمس الواعدـ الصخب المجلجل >
6 ـ استبا ر العاطفة بين الواقع والخيال
7 ـ تفتيق الجمال الفني بين رؤى الماضي وخيال المستقبل
الباب العاشر
العصور الأدبية
1 ـ العصر الجاهلي : وهي الفترة الزمنية التي كانت قبل الإسلام.
2 ـ عصر صدر الإسلام ويمتد من موت الرسول صلى الله عليه وسلم إلى موت الخليفة الراشدي علي بن أبي طالب
3 ـ عصر الخلفاء الراشدين : من ظهور الإسلام إلى آخر دولة الخلفاء الراشدين وقيام الدولة الأموية (40هـ - 660م)
4 ـ العصر الأموي: (41هـ - 661م) إلى (132هـ - 750م)
وهناك من يعد العصر الإسلامي من ظهور الإسلام إلى أواخر الدولة الأموية ثم يقسم ذلك من ظهور الإسلام إلى أواخر دولة الخلفاء الراشدين ويطلق عليه عصر صدر الإسلام ثم يسمى العصر الذي يليه العصر الأموي .
5 ـ العصر العباسي :
هناك من يقسمه إلى قسمين :
أ ـ العصر العباسي الأول :يمتد من 132هـ إلى - 247هـ أي من 750م – 861م . أي من وفاة الخليفة العباسي العاشر المتوكل على الله (جعفر بن محمد المعتصم) الذي حاول نقل عاصمته إلى دمشق غير أنه عاد إلى سامراء حيث اغتاله القادة الأتراك بالاشتراك مع ابنه الأكبر المنتصر، وكان موته انحطاط للدولة العباسية .
ب ـ العصر العباسي الثاني : يمتد من سنة 247هـ إلى - 656هـ أي من861 م - 1258م أي من وفاة الخليفة العباسي السابع والثلاثين المصتعصم (عبد الله بن منصور المستنصر) وهو آخر الخلفاء العباسيين في بغداد الذي عجز عن صد الزحف المغولي بقيادة هولاكو الذي قتله بعد أن احتل بغداد وأعمل السيف برقاب أهلها وقضى على مكتبتها .
وهناك من يقسم هذا العصر إلى ثلاثة أقسام هي :
- العصر العباسي الأول 132هـ - 750م – 247هـ -861م
- العصر العباسي الثاني : 247هـ - 861م – 334هـ - 945م
وذلك بعد أن دخل البويهيون بغداد في هذا العام في خلافة المطيع لله (الفضل بن المقتدر) وهو الخليفة الثالث والعشرون الذي غدا ألعوبة في أيديهم .
- العصر العباسي الثالث : 334هـ / 945م – 656هـ /1258م
ومن المؤرخين من يقسم هذا العصر إلى قسمين :
العصر البويهي 334هـ /945م – 447هـ /1055م
العصر السلجوقي: 447هـ/1055م – 656هـ/ 1258م
العصر المغولي أو العصر التتري : يبدأ من سنة 656هـ /1258م – 1213هـ /1798م أي إلى بداية الحملة الفرنسية على مصر .
6 ـ العصر الحديث : يبدأ من 1223هـ /1798م إلى يومنا هذا ، وهناك من المؤرخين من يلجأ إلى تقسيم العصور الأدبية إلى ثلاثة حقب هي :
الأدب القديم : يبدأ من أقدم العصور الجاهلية إلى آخر العصر الأموي أي إلى سنة : 132هـ / 750م .
الأدب المحدث : ويبدأ م مطلع القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا .
ويذهب بعض المؤرخين إلى تقسيم هذه العصور إلى أقسام نظراً لطول فترة العصر وهي :
العصر الجاهلي .
عصر المخضرمين أو صدر الإسلام وذلك من أول الإسلام إلى آخر دولة الخلفاء الراشدين وقيام الدولة الأموية 40هـ / 660م.
العصر الأموي: 41هـ /661م – 132هـ /750م
العصر العباسي : 132هـ / 750م – 656هـ /1258م
ويقسم إلى الحقب التالية :
الحقبة الأولى: حقبة بغداد 132هـ /750م – 334هـ /945م
الحقبة الثانية: حقبة الدويلات 334هـ/945م – 447هـ/ 1055م
الحقبة الثالثة : حقبة السلاجقة 447هـ/1055م – 656هـ /1258م وهناك من يقسم هذا العصر إلى عصرين :
العصر العباسي الأول : يبدأ بقيام الدولة العباسية سنة 132هـ - 334م
العصر العباسي الثاني: يبدأ بقيام الدولة البويهية سنة 334هـ - 2945م/ 656هـ - 1258م أي بدخول التتار بغداد
6 ـ العصر الأندلسي: يقسم إلى الحقب التالية :
حقبة الولاة : تبدأ بدخول المسلمين الأندلس سنة 98هـ - 716م إلى 138هـ- 755م أي إلى قيام دولة الأمويين هناك.
حقبة ملوك بني أمية وملوك الطوائف: تبدأ سنة 138هـ/755م حتى 484هـ/1091م إلى عصر المرابطين والموحدين .
حقبة المرابطين والموحدين : تبدأ سنة 484هـ/ 1091م حتى 630هـ/1232م أي إلى قيام دولة بني الأحمر .
حقبة دولة بني الأحمر : تبدأ سنة 630هـ /1232م – 897هـ /1491م حين طرد المسلمون من الأندلس .
7 ـ عصر الدول المتتابعة
8 ـ العصر التركي :يبدأ سنة 656هـ/ 1258م- 1213هـ 1798م أي إلى بداية الحملة الفرنسية على مصر .
9 ـ العصر الحديث : يبدأ من سنة 1213هـ - 1798م إلى اليوم
10 ـ العصر المعاصر
تاريخ الأدب والنقد والحكمة
العـربية والإسلامية
حسين علي الهنداوي
موسوعة تاريخ الأدب والنقد والحكمةالعـربية والإسلامية......حسين علي الهنداوي
معلومات عامه عن الشاعر صاحب الموسوعة
حسين علي الهنداوي (سورية).
ولد عام 1955 في محافظة درعا.
حائز على إجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق 1981
ودبلوم في التأهيل التربوي من جامعة دمشق
يعمل مدرسًا في جامعة دمشق كلية التربية
عمل في معهد إعداد المدرسين بدرعا قسم اللغة العربية سابقا حيث قام بتدريس مواد : طرائق تدريس اللغة العربية,
وتاريخ الأدب العربي في العصرين الجاهلي والإسلامي ,
ومناهج الدراسة الأدبية,
والنقد الأدبي,
وأدب الناشئة.
نشر أول إنتاج شعري له في الصحف الكويتية (الرأي العام ـ الهدف ـ الوطن) بين عامي 1980 و 1981 , كما نشر بعض إنتاجه في مجلة الوحدة المغربية, ومجلة الفيصل السعودية.
دواوينه الشعرية:
1 ـ هنا كان صوتي وعيناك يلتقيان 1992.
2 ـ أغنيات على أطلال القدس 1994
3 ـ هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير1996
مؤلفاته النقدية
1 ـ محاور الدراسة الأدبية 1992
2 ـ أسلمة النقد والأدب 2010
الكتب الفكرية
1 ـ الإسلام منهج وخلاص 2008
2 ـ هل أنجز الله وعده 2009
عنوانه: جامعة دمشق كلية التربية قسم معلم صف
ولدي عشرون مخطوطا في النقد والشعر والقصة القصيرة والقصيرة جدا ودراسات فكرية وأدبية ويمكن الاطلاع على المزيد منها على الشبكة العنكبوتية
موسوعة تاريخ الأدب والنقد والحكمة
العـربية والإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في كتابه العزيز:
( (والشعراء يتبعهم الغاوون/ 224/ألم تر أنهم في كل واد يهيمون / 225/
وأنهم يقولون مالا يفعلون/226/
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا
وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون / 227 / ))
سورة الشعراء
ـ حدثنا عبد الله بن يوسف :
أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :
أنه قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إنّ َمنَ البيان ِ لسحرا، أو إنَّ بعض َالبيان سحرا )) ـ
صحيح البخاري
/5767/
موسوعة تاريخ الأدب والنقد والحكمةالعـربية والإسلامية......حسين علي الهنداوي
تــفــتــيــــق
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله ، وصحابته أجمعين ، ومن تبع هداهم بإخلاص إلى يوم الدين .... وبعد :
هذا كتاب في تاريخ الأدب والنقد والحكمة العربية والإسلامية في مختلف العصور ، منذ ما قبل الإسلام والجاهلية الأولى وحتى عصرنا هذا ، هدفه إبراز صورة الحياة العربية والإسلامية التي صورها الأدب العربي والإسلامي على مرّ العصور وكر الدهور، ومبيناً مسيرة الحضارة العربية الإسلامية الإنسانية التي انضوي تحت لوائها العرب الذين حملوا رسالة السماء إلى الناس كافة ، والذين رسموا معالم بعض هذه القيم في عصر ما قبل الإسلام ، ثم حملوا ما تمّمه الإسلام من هذه القيم البناءة التي رفعت الإنسان من عبادة الحجارة والأصنام إلى عبادة إله واحد كما أوضح لنا ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال :( إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق ) ، فقد جاء القران الكريم متمماً لذلك على الحقيقة . وقد أضفت إلى هذا الكتاب أبواب مهمة من أبواب التاريخ الأدبي وهو باب (التاريخ والنقد والحكمة) التي تعدّ الأهم في رسم معالم الأدب ، وتقويم خطواته وتقييم مسيرته وبناء حضارته الإنسانية .
كما أنني حاولت في هذا الكتاب وضع مادة مركزة وكثيفة توفر الكثير من المعلومات لدراسي هذا الأدب الذي يعدّ إرث الأمة الخالد بعد القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والذي يثري القيم الأدبية الإيجابية لدى هؤلاء الدارسين.
وكتابي هذا إشراقه من قبس هذا التراث العربي في عصوره المختلفة تأخذ بأحكام النقاد، والأدباء السابقين ، وتسترشد بآرائهم لأنها ذات قيمة كبيرة وتفسح المجال في فهم الأدب فهما عصريا ؛ وتحاول استكناه هذا الإرث من منظور عصري على أنني رغبت في استنطاق بعض النصوص الأدبية للاستدلال على الحقائق الأدبية والفنية والتاريخية والاجتماعية والسياسية التي هدفت إليها هذه النصوص ؛ وقد حملني على ذلك تفتيق النص الأدبي الذي هو الحكم الأول في إبراز وتمييز جمالية الأدب وما يحمله من أفكار وعواطف ومشاعر ؛ على ألا نغفل أن التحليل والاستنباط والتعليل والحكم ليس إلا معيناً على تذوق هذه النصوص الأدبية التي لا يستطيع أحد أن يهمّش جماليتها ويقدم أفكارها حسب انطباعاته الخاصة ، ولا أريد أن أذكر ما بذلته من جهد في استقصاء جماليات هذا الأدب من القديم وحتى اليوم مضيفا إلى ذلك خبرة تدريس مادة تاريخ الأدب العربي مدة تزيد على عشر سنوات في معهد من معاهد تدريس مادة تاريخ الأدب العربي حاولت فيها أن أعيش مع النص أولا، وأن أنقل الجمال الأدبي المبثوث فيه ثانياً ، وأن أبرز القيم الإنسانية فيه ثالثا ، وأن ألمح للاتجاهات الإيجابية و السلبية عند الأدباء ، وما أفرزنه غوايتهم من مشاعر وأفكار هدامة ، أو خارجة عن حدود الأدب والأخلاق والقيم الإيجابية الإنسانية وما أضافته أفكارهم من قيم إنسانية واعدة.
وقد قسمت هذه الموسوعة إلى :
1 ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربيةقبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 ـ ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء االعباسيين )
7 ـ ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الدول المتتابعة )
9ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء العثمانيين )
10 ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (العصر الحديث)
11ـ تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (العهد المعاصر)
الباب الأول
الفصاحة ـ البلاغة ـ الإنشاء ـ التعبير
الباب الأول
الفصل الأول : فصاحة الكلام وبلاغته
الباب الأول
الفصل الثاني : الكتابة ـ أركانها ـ شروطها
الباب الأول
الفصل الثالث :الإنشاء ـ فوائده ـ محاسنه
الباب الأول
الفصل الرابع : رسائل أدبية مميزة
ا ـ رسالة القرآن الكريم للكتاب
2 ـ رسالة الحطيئة إلى الشعراء
3ـ رسالة عبد الحميد الكاتب للكتاب
4 ـ رسالة حسين الهنداوي للنقاد
موسوعة تاريخ الأدب والنقد والحكمةالعـربية والإسلامية......حسين علي الهنداوي
الباب الأول
الفصل الأول
فصاحة الكلام وبلاغته
موسوعة تاريخ الأدب والنقد والحكمةالعـربية والإسلامية......حسين علي الهنداوي
الباب الأول
الفصل الثاني
الكتابة ـ أركانها ـ شروطها
موسوعة تاريخ الأدب والنقد والحكمةالعـربية والإسلامية......حسين علي الهنداوي
الباب الأول
الفصل الثالث
الإنشاء ـ فوائده ـ محاسنه
موسوعة تاريخ الأدب والنقد والحكمةالعـربية والإسلامية......حسين علي الهنداوي
الباب الأول
الفصل الرابع
رسائل أدبية مميزة
اـ رسالة القرآن الكريم للكتاب
2 ـ رسالة الحطيئة إلى الشعرا
3 ـ رسالة عبد الحميد الكاتب للكتاب
4 ـ رسالة حسين الهنداوي للنقاد
الباب الثاني
علائـق الأدب
الباب الثاني
الفصل الأول : مدخل
الباب الثاني
الفصل الثاني :تعريف الأدب
الباب الثاني
الفصل الثالث :طبيعة الأدب
الباب الثاني
الفصل الرابع: وظيفة الأدب
الباب الثاني
الفصل الخامس :أهداف وغايات الأدب
الباب الثاني
الفصل السادس :هل للأدب قوانين تطور ؟
الباب الثاني
الفصل السابع :التاريخ الأدبي(نقد الأدب وتاريخه)
الباب الثاني
الفصل الثامن :الأدب والأخلاق والقيم
الباب الثاني
الفصل التاسع :الأدب المحلي والقومي والعام
الباب الثاني
الفصل العاشر :الأدب الموازن
الباب الثاني
الفصل الأول
مدخل
لا يخامر الإنسان أدنى شك أن الأدب جزء من الإنسان استفرغ فيه منذ الأزل قضاياه ، وهمومه ، وآلامه ، وآماله. ولكي نطلع على هذه القضايا وتلك الهموم ، ونعرف اتجاهات الأديب في استيعابها ، وافتراض الحلول لها لابدّ لنا من فهم هذا الأدب ، و شرحه وتحليله وتقويمه ، وتقييمه ، وتأطيره ضمن تاريخ أدبي واعد ومشرق ينهض بقيمنا نحو الأفضل. لقد كان الأدب في فترة من الفترات مختلطا بالدين ً، والفلسفة ،والأسطورة ، والخرافة ؛ ولكنه مع مرور الزمن انفصل وكوّن الأدباء لأنفسهم اتجاهات مستقلة ، وأصبح للأديب عقيدته وفكره وفلسفته الخاصة في الكون والإنسان والحياة والفكر والفن والمشاكل الحياتية .إنّ فهمنا للأدب لابدّ أن يسلك طريقا ً نستطيع من خلاله إدراك ماهية هذا الأدب ، وتذوق عناصر الجمال فيه ، والاستفادة مما يطرحه هذا الأدب من آراء وحلول لمشاكل الحياة ، وفي دراستنا للأدب لابدّ من الإفادة من نظرات الدارسين العرب والأجانب الذين تأثر بهم أدباؤنا العرب ، وطرق شرحهم ،وتحليلهم للنصوص ومن ثم إصدار الحكم عليها ؛ ويعتبر ( رينيه ويليك ) و ( أوستن وارين ) في مؤلفهما (نظرية الأدب ) أن للأدب جانبين يمكن لنا من خلالهما دراسته (الاتجاه الداخلي – الاتجاه الخارجي لهذا الأدب )
والاستفادة من علائق هذا الأدب. لقد كان الاتجاه السائد سابقا ً وعند كل النقاد يعرض هذا الأدب بشكل بسيط ، ويحكم عليه من خلال مناهج وأسس جمالية تتناسب مع تطور العلوم الإنسانية في العصور التي درس فيها هذا الأدب ؛ وباعتبار أن الآداب، والأفكار ، والعلوم تتطور عبر الزمن ؛ فلابدّ من البحث عن مناهج ، ومقاييس مختلفة تتناسب وهذا التطور الذي فرضته ظروف الحياة . لقد ساهم التطور الكمي ، والكيفي لمناهج العلوم الحديثة في انهيار النظريات الشعرية القديمة وتبدلها واتجاه الأدباء نحو سلوك جديد ، كما وانزلق الاهتمام بالأدب إلى التركيز على الذوق الفردي للقارئ لأن الأدب لا يعتمد على أساس عقلاني ثابت وإن كنا نرى أن الكثير من التغيرات في رصد الجمال الأدبي عند الأدباء أصابها الشذوذ حديثا عبر سلوك نفق ( خالف تعرف ) . إن المناهج القديمة في علم الأدب ، واللغة والبلاغة والعروض يجب أن تراجع ويعاد تقريرها في مصطلحات نقدية حديثة لفهم النصوص القديمة فهما جديدا ؛ فالعرب بلوروا نظريتهم الشعرية كما حددها الجرجاني من خلال ثلاثة عناصر؛ الأولى : تكوينية ، وتشمل : (شرف المعنى، وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته ) ؛
والثانية :جمالية ، وتشمل:( الإصابة في الوصف والمقاربة في التشبيه )؛والثالثة : إنتاجية ، وتشمل ( غزارة البديهة ، والفرادة ) ؛وهي لا تختلف عن عناصر عمود الشعر عند كاسيوس لونجينوس مستشار زنوبيا في مقالته (السمو ) حيث تنصبّ المادة الرئيسية عنده على مناقشة مصادر السموّ البلاغي التالية:
1 ـ القدرة على خلق الأفكار العظيمة
2ـ العاطفة المتأججة
3ـ حسن استخدام المؤثرات والمجازات الأسلوبية والبلاغية
4ـ اختيار الكلمات ودقة الألفاظ وجمال اللغة
5– المقدرة الإنشائية الرفيعة
وقد ظهرت حديثا ً نظرات جديدة في دراسة الأدب خاصة بعد تطور فنون القول ، وانتشار الرواية ، والمسرح ، والمقالة، وأصبح ينظر إلى الأدب من خلال مقاييس جديدة تأخذ مناهجها من مختلف الأفكار الإنسانية، وبقي المشهد الأدبي يرصد عقيدة الأديب رصدا واعيا ، لأنه لا قيمة للأدب دون إخلاص الأديب للقضية التي يفرغ فيها نصه . والأوروبيون ظهرت عندهم نظرات جديدة لدراسة الأدب وفهمه ومن هذه النظرات التي ما يزال الأدباء يقعون تحت سيطرتها:
ـ منهج شرح النصوص الفرنسي .
ـ التحليل الشكلي القائم على التوازي مع تاريخ الفنون في ألمانيا.
ـ الحركة الألمعية للشكليين الروس ، وأتباعهم التشيك ، والبولنديين .
على أنه لا يمكن لنا في دراسة الأدب أن نلغي الآراء النقدية السابقة ، بل يفترض فينا الاستفادة منها ، وتسخيرها في فهم واقع الأدب حديثه ، وقديمه .
ويتوخّى من دارس النص الأدبي أن ينظر فيه إلى عقيدة الأديب ، وإلى العناصر الجمالية ، وإلى فلسفة الأثر التي تحدد مفهومات الواقع والفكر والفلسفة الحياتية ، وإلى فلسفة صاحب الأثر،ومكانته بين أقرانه من المبدعين ؛ ويفترض أن تذيب الدراسة الأدبية العقيدة بالفن والأدب؛ لأن النقد عملية إبداعية تكشف آفاقا جديدة غايتها (الشرح ، والتعليل ، والتقويم ، والتقييم ) ، فالشاعر والناثر يمران بمرحلتين هامتين وأساسيتين من الإبداع : ( التطلع إلى الحياة ، وترجمة هذا التطلع ) ، بينما يمر الناقد بثلاث مراحل : ( التطلع إلى الحياة – التطلع إلى نفسية صاحب الأثر_ التطلع إلى العمل الفني ) .
الباب الثاني
الفصل الثاني
تعريف الأدب
إن أي تفسير لأي نشاط إنساني أدبي محكوم في صحة نتائجه بمدى قربه من النفس الإنسانية،أو بعده عنها،وبمدى تمثلّه للحقيقة،وتصويرها بشكل واقعي دقيق ، وبتعبيره عن مختلف جوانبها الحياتية والإنسانية .
والأدب ، أيُّ أدب يعكس علاقة بين الإنسان ، وعالمه ذلك أن العقيدة الصادقة ، والعمل الخير المنتج هو الجوهر الأساسي لهذا الإنسان ، وما خلق الإنسان إلا ليتعرف على إبداع الخالق لكل ما في الكون وهذا التعرف هو حقيقة وجوده وسبب فعاليته ، و هو مصدر ثقافته الفنية و الفكرية . و العمل الخير المنتج بحكم طبيعته يخلق علاقات إنتاج تعكس حقائق اجتماعية تتبدى في الفن ، والحياة ، والأدب.
لقد ولد الفن من العمل و تطور الجميل من النافع حيث بدأ الفن وجوده عندما صار العمل إنسانيا تحكمه كلمة الإخلاص وتدفعه فطرة الإنسان في النظرة الصافية لمعنى و(حدانية الله تعالى) الذي تتوجه البوصلة الإنسانية للبحث عنه يصاحب ذلك
المعاناة الجمالية . و الأدب مجموعة من المؤلفات التي تملك الإثارة الفكرية، والعاطفية مع العلم أن هذا المفهوم التقليدي للأدب لم يتبلور عند العرب قط في تحديد فلسفي لهذا اللفظ ، ولكنه امتاز برؤيا فطرية غير مسطحة حتى إذا ابتدأت نهضتنا المعاصرة استقر الرأي على تعريف سطحي ضيق للأدب ؛ على أنه : (الشعر والنثر الفني ) ، ثم (الأخذ من كل علم بطرف) ، و مع ذلك بقي هذا التعريف لا يحدد أصولا للأدب ، و لا أهدافا خاصة به إلا أن تكون (الصنعة ) ، بينما يرى الغربيون أن الأدب يشمل كافة الآثار اللغوية التي تثير فينا بفضل خصائص صياغتها انفعالات عاطفية ، أو إحساسات جمالية ؛ فالأدب صياغة فنية لتجربة بشرية ولا تعني التجربة الشخصية أن يكون الأديب قد عاشها. ومما لا شك فيه أنه ليس كل ما يكتب في اللغة نستطيع تسميته أدبا ً، لأنه يدخل في علوم أخرى كالتاريخ والفلسفة …الخ . وما يمكن أن نلاحظه أن العلوم الأخرى قد أفادت من الصيغ الأدبية في عرض مادتها كي تستطيع الدخول إلى أعماق النفس الإنسانية ، بينما لا يمكن إغفال حقيقة أن الأدب هو كل عمل – تجربة – يكتب لعرض الحقيقة عرضاً جماليا ً بأسلوب فني جميل يعتمد على بلاغة و فصاحة وبيان مقصود. وكثيرا ما اختلف الباحثون في تعريفالأدب وطال جدالهم فيه ولكن مهما يكن بينهم من خلاف فهم لا يمارون في توافر عنصرين في كل ما يصح أن نطلق عليه أدبا ً هما: الفكرة ، وقالبها الفني ؛ أو المادة ، والصيغة التي تصاغ فيها، وهذان العنصران يتمثلان في جميع صور الإنتاج الأدبي سواء أكان تصويرا ًلإحساسات الشاعر، أم خلجات نفسية تجاه عظمة الكون ، وما فيه من جمال وأسرار إنسانية وآمال بشرية ، أو كان تعبيرا عن أفكار الكاتب في الإنسان والمجتمع ؟ .
إن الكتابة والأدب هما من فن الكلمة كالنوع من الجنس ، ذلك أن فنَّ الكلمة مفهوم أعم وأشمل من المفهومين (( الأدب ،و الكتابة )).والأدب هو التراث الشعبي المنطوق الذي تطور تاريخيا ً، وعكس الوعي الشعبي ، وهو التعبير الأسمى عن فكر الناس المتجلي في الكلمة ، ذلك أن أي شعب يعيش بوعيه الذي ليس سوى أحد الجوانب الكثيرة للروح الإنساني الكلي الواعي ذاته ، ولكي يكون الأدب بالنسبة لشعب ما تعبيرا ًعن وعيه وحياته الفكرية يجب على هذا الأدب أن يكون على صلة وثيقة بمبادىء وقيم وتفكير وتاريخ هذا الشعب ، وأن يفسره ويطوره تطويراً عضوياً ، ودون هذا الشرط لا يمكن القول بوجود أدب عند هذا الشعب مهما كان عدد الكتب التي تصدر بلغته،لأن الكتب والكتَّاب والقرَّاء وحدهم لا يصنعون أدباً, ما يصنع الأدب هو روح الشعب المتجلي في دينه ،وقيمه ،وتاريخه . لقد تطور معنى كلمة أدب عند العرب منذ أيام ما قبل المهلهل ، وحتى يومنا هذا، ففي الجاهلية كانت تعني هذه الكلمة الدعوة للطعام .
قال طرفة بن العبد:
نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الآدب فينا ينتقر
وفي لسان العرب: بعير أديب ومؤدب: إذا ريض وذلل.
قال مزاحم العقيلي:
وهنّ يصرفن النوى بين عالج ونجران تصريف الأديب المذلل
وقد افترض المستشرق ( نالينو): أن كلمة أدب استخدمت في الجاهلية بمعنى السنَّة وسيرة الآباء؛
أما في العصر الإسلامي فقد استخدمت كلمة أدب بمعنى خلقي تهذيبي ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أدبني ربي فأحسن تأديبي ).
وفي حديث ابن مسعود: ( إن القرآن مأدبة الله في الأرض ).
وبالمعنى الخلقي التهذيبي قال الشاعر المخضرم سهل بن حنظلة الغنوي:
لا يمنع الناس مني ما أردت ولا أعطيهم ما أرادوا حسن ذا أدبا
أما في العصر الأموي فقد استعملت كلمة المؤدب بمعنى تعليمي ، فالمؤدبون هم الذين يعملون أبناء الخلفاء، وغيرهم الأخلاق ، والثقافة ، والشعر ، والخطابة ، وأخبار العرب ، وأنسابهم وأيامهم في الجاهلية والإسلام.
وفي العصر العباسي استعملت كلمة أدب بمعنييها التهذيبي ، والتعليمي ؛ فقد سمَّى ابن المقفع رسالتين له تحملان حكماً ، ونصائح ، وسياسة ب(الأدب الصغير و الأدب الكبير).
وبالمعنى نفسه أفراد أبو تمام في كتاب الحماسة بابا فيه مختارات من طرائف الشعر سماه باب الأدب، وكذلك باب الأدب في الجامع الصحيح للإمام البخاري ت 256هـ وكتاب الأدب لابن المعتز ت 296 هـ .وقد كان القرنان الثاني والثالث الهجريان مرتعاً لكتب الأدب التي تحوي فصولاً ، وأبواباً من القرآن الكريم والحديث الشريف، والأخبار ،والشعر، واللغة،والبلاغة ، والنقد ، ككتاب البيان والتبيين للجاحظ والكامل للمبرد وعيون الأخبار لابن قتيبة.... ؛ وأصبح معنى كلمة الأدب هو الأخذ من كل علم بطرف ، وقد شمل معناها المعارف الدينية، وغير الدينية التي ترقى بالإنسان من جانبيه الاجتماعي والثقافي.
ومن الطريف أن إخوان الصفا قد صنفوا تحت كلمة أدب جميع علوم اللغة والبيان والتاريخ والأخبار والسحر والكيمياء والحساب والمعاملات والتجارات.
ولم يخرج ابن خلدون ت 808 هـ .في تعريفه للأدب عن سابقيه من حيث كونه الأخذ من كل علم بطرف . وبناءً على ما سبق يمكن القول: إن الأدب هو فكر الأمة الموروث الذي يعبر عنه الشاعر أو الكاتب بلغة ذات مستوى فني رفيع تنقل بشفافية موروث هذه الأمة الاجتماعي والسياسي والفكري والاقتصادي والإنساني والحضاري ومن خلال ذلك نستطيع اعتبار الموروث العربي والإسلامي منذ أيام الملك الضليل إلى يومنا هذا بجميع جوانبه الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية أدب هذه الأمة
الباب الثاني
الفصل الثالث
طبيعة الأدب
ما الذي يعد أدبا ؟
وما الذي لا يعد أدبا ؟
ما طبيعة الأدب ؟
هل نعتبر كل شيء يكتب في أي لغة وله صلة بحضارة الإنسان من الأدب ؟
هل نقصر مصطلح الأدب على فن الأدب ؟
بادىء ذي بدء يجب أن نشير إلى أن كل ما هو قائم على الأدب التخيلي الابتداعي هو موضوع الأدب ذلك أن كل ما خلا من العنصر الجمالي الفني لا يمكن أن يعد من الأدب وقد أجمع الكثير من النقاد أن فنون الشعر والقصة والمسرح والمقالة والخاطرة والرسالة والمقامة والسيرة هي المقصود بالأدب .
وأهم ما في الأدب ( اللغة ) التي هي أداة الأديب التي يعبر بها عن تجربته الأدبية وهي مادة حية مشحونة بالتراث الثقافي وتختلف طرائق استعمالها في فنون القول (الأدب ) . ونظرة متفحصة للغة الأدب ، ولغة الحياة تبرز الفوارق الكبيرة بين اللغتين لغة القاموس ولغة الأدب ، حتى إنه يمكن إيجاد فوارق بين لغة الشعر ولغة المسرح و لغة القصة . ففي لغة الشعر كما يقول الناقد الأمريكي (ستوفر): نعني بنقل أمين لمحتوى فردي أكثر حيوية من لغة المعاجم حيث تحقق هذه اللغة ثلاثة أغراض
1 ـ المحتوى العقلي
2 ـ الاتحاد عن طريق المخيلة
3 ـ الإيقاع الصوتي .
وفي نظرة عمود الشعر عند العرب اهتم العرب ب (الإصابة في الوصف والمقاربة في التشبيه ) كعنصر جمالي يضفي على الأدب هالة خاصة به . والفصل بين اللغة اليومية واللغة الأدبية أمر ضروري لأن الأدب يحتوي على فكر على حين أن اللغة اليومية ذات دلالات غير فكرية مخالفة للدلالات التعبيرية التي تملكها لغة الأدب .
لقد كانت قضية تحديد طبيعة الأدب وحدوده همّا نقديا تعرّض له المنظرون الأدبيون وعلماء الجمال و الفلاسفة ، حيث اختلط مفهوم طبيعة الأدب بمفهوم وظيفته ذلك أن استعمال الشعر ينتج من طبيعته ولم يتضح التمييز بين المفهومين إلاحديثا بسبب إسهام فلاسفة الغرب في نظريات النقد الأدبي وعلى رأسهم( كنت )ولم يتبلور اتجاه البحث في طبيعة الأدب إلا باستواء النظرية الشكلية وتفاقم الخلاف بين أنصار الفن للفن والفن للحياة . فالشاعر (عزراباوند) يمكن اعتبار منطلقة شكليا في دعوته إلى تحطيم الأوزان والبنى التقليدية . صحيح أن الأدب فعالية إنسانية خاصة قائمة بذاتها ولها قوانينها التي تحكمها والتي يمكن إرجاعها إلى مبدأ واحد هو (الإتقان الصحيح للعمل الأدبي) ، ولكن الأدب عند الشكليين نوع من التأمل المحايد الخالص وقيمته متميزة تماما عن القانون الأخلاقي والاجتماعي لأنها نابعة من ذاتها ويعتبر (كنت ) أول من نظّر للأدب شكليا حيث وضع قواعد محددة لفلسفة جمالية وألح على أن شكل العمل الفني بقوانينه الداخلية هو العامل الوحيد في الحكم عليه بالجمال والقبح فالجمال عنده الشكل الخالي من الغرض و جاء بعد كنت ( شيلر ) واعتبر أن غاية العمل الفني هي الجمال ثم جاء (سبنسر) الذي اعتبر(أن الفن لعب يحدث لنا لذة ومتعة) ، ثم جاء (غوتييه ) ونادى بدعوة ( الفن للفن ) من خلال قوله: (إن حبي للأشياء والناس يتناسب عكسا مع ما يمكن أن يقدموه من فائدة) واعتبر المضمون النافع ضارا بالشكل .
إن النظر إلى طبيعة الأدب كقضية هامة لم تحسم حتى يومنا هذا يقودنا إلى التطلع إلى العمل الأدبي من خلال النقاط التالية :
1ـ ضرورة الفصل في العمل الأدبي بين المفيد النافع و الجميل .
2 ـ ضرورة الفصل بين شكل العمل الأدبي ومضمونة .
3 ـ ضرورة التأكيد على الطبيعة الذاتية للجمال .
على أنه يمكن التركيز على الأمور الآتية كنقاط ارتكاز يستند إليها العمل الأدبي
أيا كان نوعه حتى يحقق فعاليته وقدرته على الديمومة والبقاء والقبول لدى القارىء على مر العصور .
1ـ أن العمل الأدبي يجب أن يكون كاملا لا أجزاء متفرقة ( الوحدة العضوية )
وهذا ما دعا ( إدغار ألان بو )إلى القول :( إن القصيدة الطويلة لا وجود لها و أن القصائد الطوال تتألف من مجموعة قصائد قصار ).
2ـ التناسب والانسجام والترابط بين أجزاء العمل الأدبي وفق متطلبات الموضوع ومنطقه الذاتي
3ـ التألق الجمالي النابع من الاستعمال الخاص للغة أو سحر الجمال كما في وصف الرسول سلى الله عليه وسلم لوقع الكلام الأدبي في النفوس(( إن من البيان لسحرا )
الباب الثاني
الفصل الرابع
وظيفة الأدب
ما يزال دارسو الأدب مختلفين في تحديد وظيفة الأدب على مر العصور مستلهمين آراءهم من خلال طبيعة العصر وتنوع القضايا التي يطرحها وتعدد المشارب الثقافية والمعرفية التي ينهل منها الأديب ، ويحق لنا منذ البداية أن نطرح السؤال التالي :
ما المنفعة التي نجنيها من الأدب ؟
وبالتالي ما الوظيفة التي يؤديها تجاه الحياة ؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤال يجدر بنا أن نشير إلى عدة حقائق تتعلق بالأدب والحياة والإنسان.
1_ طبيعة الأدب تنتج عن استعماله كما أن استعمال الأدب ينتج عن طبيعته كما
قال (رينيه ويليك و أوستن وارين ) .
2_ الأدب ذو طبيعة خالدة لأنه ليس من المخلفات البالية .
3 _ الحقيقة خارج الأدب هي الحقيقة نفسها داخل الأدب.
4_ ليست الحقيقة من اختصاص المفكرين المنهجيين .
لقد مثل الأدب منذ أقدم العصور على المستويات العالمية الحياة الدينية والعقلية الاجتماعية والسياسية بتصويره الفني للقضايا التي عاشها الإنسان في كل عصر والتي عبر عنها أدباؤه شعرا أو نثرا . ولقد تغيرت المفاهيم المتعلقة بوظيفة الأدب عبر عصور التاريخ ؛ ففي زمن من الأزمان لم يكن هناك أي تفريق بين الأدب و التاريخ و الفلسفة فقد كان الشعر ديوان العرب يجمع أخبارهم ووقائعهم وهمومهم و آلامهم وآمالهم حتى إنه يمكننا القول :
إن هذا الأدب قد أدى وظيفته بشكل دقيق فقد كان الشاعر الجاهلي لسان قبيلته
يدافع عنها ويرفع مكانتها بين القبائل الأخرى ، ولم تـتغير هذه الصورة للشاعر
في العصور التالية بشكل كبير ، فهذا أبو فراس الحمداني يحدد وظيفة الأدب من خلال قوله :
يدافع عن أعراضكم بلسانه ويضرب عنكم بالحسام المهند
ولو عدنا إلى النثر العباسي على سبيل المثال ، لوجدنا الكاتب الفذ أبا عثمان عمرو بن بحر الجاحظ يمهد في تأليف أكثر من كتاب دفاعا عن العرب و العروبة كقضية أملتها شعوبية العناصر الفارسية الداخلة في خضم الحضارة العربية الإسلامية الجديدة وما كتاباه ( البيان و التبيين) و ( البخلاء) سوى صورتين واقعيتين دافع بهما عن أصالة العرب أمام هذه الهجمات التي تحاول النيل منه .
لقد أرسى القرآن الكريم بشكل فعلي وظيفة الأدب من خلال دعوته الشعراء إلى الالتزام بقضايا الإنسان الخالدة المتمثلة بالدفاع عن المظلومين .وإذا كان بعض النقاد يحس بالعجز المرعب أمام ما يطلبه البعض من وظائف نفعية للأدب حيث يطالبون الأدب بالتدخل من أجل إيجاد حلول لأزمات الديمقراطية والجوع و القهر والعدالة فإن شعورهم هذا ناتج عن عدم فهمهم لماهية الأدب الذي يعتبر طائرا ذا جناحين هما النفعية والجمال . لقد تحدث أفلاطون في مدينته الفاضلة عن المشاجرة التي وقعت بين الشعراء و الفلاسفة واعتبر الشعراء عناصر غير مرغوب بها بل أصر على ضرورة عدم تعلم الناشئة للشعر لأنه على حد قوله مفسد ووظيفته هدامة .
لقد كثر الحديث عن (عدم وجود غاية للأدب ) على اعتبار أن الأدب عامة و الشعر خاصة تسلية لا غاية لها إلا اللعب أو أن الأدب صوت صاف على صورة زخرفة لا شأن لعالم الانفعالات البشرية بها . لقد أكد على ذلك الفيلسوف المثالي (كنت) ومع أنه يمكن اعتبار بعض الأشعار والقصص و الروايات لا غاية لها إلا اللعب بالألفاظ وإظهار البراعة في الصياغة إلا أنه لا يمكننا أن نطبق ذلك على كل ما قيل في الأدب .
إن الأدب كما يقول أصحاب علماء النهضة يمتع ويعلم والشعر عذب ومفيد كما
يقول ( هوراس) ولكن عذوبته وفائدته تنتج عن القدرة على إجادة استعماله و لقد أصر (اليوت) على تنوع الأشياء التي تعلمها أنواع من الشعر في أوقات متعددة وليس من الصحة بمكان القول: إن الشعر يستطيع أن يحل محل الفلسفة والدين كما يقول (أرنولد ) ومن السخف أن نقول : إن الشعر يستطيع أن يحل محل الدين وأنى له ذلك فلكل واحد منهما وظيفة يختص بها .
لقد شدد أصحاب الاتجاهات المعاصرة على فائدة الأدب وخطره انطلاقا من أن الأدب يوصل المعرفة لأنه شكل من أشكالها يمنحنا إلماما بخصوصيات لا تدخل في نطاق العلم والفلسفة إذ بإمكان الروائي أن يعلمنا الكثير عن الطبيعة البشرية والسلوك البشري أكثر من علماء النفس لأن الرواية تكشف عن الحياة الباطنية للشخصيات بشكل دقيق ، والروايات العظيمة مراجع لعلماء النفس يستمدون منها الكثير من القضايا النفسية ، وما الدراسات التي خرج بها فرويد عن ( النفس والشعور واللاشعور والوعيو اللاوعي) إلا نتيجة اطلاعه على الأدب المعايش له إن الأدب يجعلنا ندرك ما نرى ، ونتخيل ما سبق أن عرفناه . فهو تحقيق لمعطى و استبصار فني لكينونة مستقبلية وقع ما يشابهها في الماضي . والشاعر بين الأدباء عراف قومه ومتنبئ بقضايا أمته فالفن إحساس وشعور بالمسؤولية يكرس القيم الصالحة للحياة . وهذا ما أشار إليه الشاعر خالد الشواف في قصيدته القلم حين قال :
لا تحسبوه يراعا قد من قصب هذا فم وفؤاد ناطق ويـــد
ومشعل لسواد الشعب مشتعل لا كوكب في سواد الفرد يتقد
ولعل الإنسانية لم تنس قط ما ذكره أرسطو فالمعركة التي نشبت حول المسـرح ولا تزال حتى اليوم ناشبة هي : أوظيفة المسرح نفسية فحسب أم له رسالة أخلاقية اجتماعية قومية يؤديها ؟ واذا كان أرسطو يشير إلى (( تطهير النفس من شهواتها )) . فإنه من الواجب علينا أن نشير إلى أن لكل عمل أدبي وظيفة خاصة به تتناسب مع ما يطرحه صاحب العمل الأدبي بالإضافة للوظيفة الجمالية لهذا العمل، فالأدب لا يحقق وظيفته الحياتية إلا من خلال وظيفته الجمالية ، لأن الجمال جسر يعبر فوقه الإنسان إلى حاجاته و إذا كانت الوظيفة الجمالية وجه أول لوظيفة الأدب ، فإن ضرورته الحياتية هي الوجه الآخر له . إن تعبير الأدب عن حاجات الفرد ومشكلاته و المجتمع الذي يعيش فيه هو الثمرة التي تجعل من هذا الأدب أدب حياة لا أدب لهو وتسلية .
لقد أسهم الأدب والأدباء بشكل فذ في كثير من الثورات كالثورة الفرنسية والروسية والثورة العربية الكبرى وساعدوا في نشر الوعي بين الجماهير حتى إنه أصبح للأديب صوت خاص به يحسب له السلطان ألف حساب
الباب الثاني
الفصل الخامس
أهداف وغايات الأدب
الأدب كغيره من الفنون يعتمد على ركائز وأسس، وله أهداف وغايات تتبدل وتتغير بتبدل العلاقات الإنسانية و الاجتماعية و الاقتصادية و الفكرية و السياسية ذلك أن أي حديث عن غايات الأدب لابد و أن يأخذ في حسبانه نقطتين رئيسيتين الأولى : تبدي لنا تلازم طبيعة الأدب ووظيفته لأن استعمال الشعر ينتج من طبيعتة كما أشار إلى ذلك ( رينيه ويليك و أوستن وارين ) صاحبا نظرية الأدب والثانية : تشير إلى أن للأدب جانبين متلازمين تلازم الروح للجسد (الوظيفة الجمالية والغاية الحياتية ) ، لأن الأدب ضرورة حياتية تشبع في حياة الناس رغبات وحاجات ملحة لا تقل خطورة عن الحاجات المادية ، فالشعر عذب ومفيد ولكن ذلك لا يتأتي إلا لمن يجيدون استعماله ومن واجب الأديب أن يسهم في تنظيم وبرمجة العلاقات الإنسانية بكافة مستوياتها ليحقق التكافؤ و العدالة بصورتها المطلقة.
لقد طرح دارسو الأدب منذ القديم مسائل متعددة الجوانب حول وظائف وغايات الأدب وتبنوا نظرات مختلفة حول ذلك ومن بين تلك المسائل المطروحة .
هل الأدب كغيره من الفنون نوع من الترف ؟!
أوظيفة الأدب ذاتية أم موضوعية ؟ّ!
أيجب أن يكون الأدب فرديا أم جماعيا ؟!
أيفترض في الأدب أن يكون أدب جمال أم أدب حياة ؟ّ!
أيحسن أن يكون الأدب أدب شرح وعرض وإيضاح أم أدب دعوة وتوجيه إرشاد؟!
هل الأدب هروب وحياد أم هل هو رأي و التزام ؟!
وبادئ ذي بدء يجدر بنا أن نشير إلى أن الأدب بمفهومه الخاص لم ينشأ ولم يتكون إلا ليؤدي غايات ووظائف لهذا الإنسان الذي وجد نفسه مأزوما منذ وجوده على هذا الكوكب ويحسن بالأدب من خلال خدمته لصانعه أن يبقى أمينا لطبيعته ألا وهى الوظيفة الجمالية فالأدب استبصار فني و الأديب داعية مسؤول غايته إيصال الحقيقة والجمال إلى الآخرين ، لقد ولد الإنسان وفي ذاته نهم للجمال أيا كان نوعه أو شكله وارتبط به ارتباطا لا تفك عراه وأصبحت غاية الإنسان في بحثه المفيد يفتش عن الصورة الجميلة المشرقة .
لقد كان الشعر عند العرب سجلا للمشاهدات الاجتماعية والحربية والنفسية مما يدعونا إلى القول: إن الأدب لم ينشأ عند العرب إلا لضرورات حياتية و جمالية .
يقول (رينيه ويليك و أوستن وارين ) : بإمكان الروائي أن يعلمك عن الطبيعة
البشرية أكثر من عالم النفس ، و هذا يشير إلى ما قاله فرويد من أنه عرف النفس البشرية من خلال الأدب أكثر مما عرفها من خلال الواقع ؛ وتعتبر الروايات العظيمة مراجع لعلماء النفس وما قيل في شخصية ( هاملت ) بعد (شكسبير) أكثر
مما تحتمله هذه الشخصية التي غدت أسطورة من أساطير الأدب .
إن نفع الأدب هو نفع مقرون بالمتعة و إلا لما كان هناك فارق بين أنواع المعارف الإنسانية ولاختلط الدين بالفلسفة والأدب بالفكر حتى إنه يمكن للأدب أن يحمل في طياته بعض من الفلسفة و التاريخ ولكنه لا يكون أدبا حتى يحقق الغاية الجمالية إلى جانب الغاية الحياتية ؛ لأن الأدب جزء من فن الكلمة .
يقول أرسطو : غاية التراجيديا تطهير النفس بإثارة الخوف و الشفقة في نفوسنا وتخليصها مما هو مكبوت وقد قصر التطهير على التراجيدنا الإغريقية لأن محورها الأساسي الصراع بين الآلهة على زعمهم أو بين الآلهة والملوك، و الأمراء وأنصاف الآلهة أو بين قوى الكون المتضاربة.
وقد وسع مندور نظرية التطهير ولم يقصرها على الخوف والشفقة فقط بل أضاف إليها انفعالات ومشاعر أخرى مكبوته ، فالمأساة التي تعالج تجربة غرام عات تطهير للنفس من رغبة مكبوتة ، وقد تكون التجربة خالية حيث تصبح التجربة البشرية المعروضة في المسرحية أو القصيدة إدخارا لطاقة فعالية وتطهيرا للنفس من رغبة مكبوتة عند الكاتب أو القارئ على حد سواء .
يقول (إدغار آلا نبو) : الشعر أداة للتهذيب لأن الفنان إن لم يكن لديه غاية يستطيع أن يغدو هداما بمجرد التغني .
صحيح أنه عبر التاريخ تغيرت المفهومات المتعلقة بطبيعة الأدب ووظيفته إذ إنه مر زمن لم تفترق فيه الفلسفة عن الأدب و الدين وهذا عند الإغريق بشكل خاص ومع ذلك فقد بقي الأدب منمازا عن غيره من المعارف و لقد كان كهان العرب يستعملون لغة الأدب من أجل التأثير على نفوس الآخرين حتى أن مدّعي النبوة الكاذبين عندما عارضوا القرآن الكريم استخدموا الكلام كأدب له وقع و تأثير في المتلقي.
لقد أدرك الأدباء أنفسهم ومنهم الشعراء أن الأدب يحمل رسالة عظيمة غايتها المساهمة في تطوير الآخرين وما احتفال القبيلة العربية بمولد شاعر جديد إلا دلالة على أهمية الأدب عند الآخرين وضرورته .
إن الذهب الكلاسيكي في الأدب حين يتخذ الإنسان موضوعا لدراسته يحقق أهدافا في السلوك الفردي والاجتماعي لتهذيب الجنس البشري والرقي بمستواه الإنساني العام بينما تبدو الذاتية الفردية في الأدب الرومانسي ذلك أنه يتمثل في الشعر الغنائي بشكل خاص وهذا بدوره يشير إلى الصراع بين الذاتية الموضوعية .
يقول نزار قباني ( القصيدة عملية استشهاد على الورق وليست مجرد عملية للتطريب والتخدير والشعر عملية صدامية لأنه هو الناس وهو الشارع ووظيفة الشعر أن يحرض الإنسان على نفسه ولا شعر حقيقي دون تحريض والشاعر يجب أن يكون دائما في قلب المعركة في قلب التاريخ ) وهذا بدوره يفسر لنا عملية الصراع حول القيمة الجمالية والنفعية للأدب فلا يجب أن يفهم أنه لا قيمة نفعية للأدب ، فالأدب هو القدرة على صنع القيمة النفعية من خلال القيمة الجمالية والأديب الحق هو الذي يعبر عن النفس البشرية ( الذات والآخرين ) لأن هذه النفس تحفل بالموضوعات المتصلة بالمجتمع وهذا هو الالتزام بعينة إننا لا نوافق من لا يقتنع بالمتعة الجمالية للأدب ويدعو فقط إلى أدب يضحي بالذات في سبيل الغير. وهذا يعني أن الأدب قد يهدف إلى تصوير الواقع بكل ما فيه من خير وشر وأن هذا الأدب يجب أن يكون هادفا إلى تغليب عامل الخير والثقة بالإنسان وقدرته . ومن الغريب العجيب أن ( البرناسيه ) ترى في الشعر غاية في ذاته لا وسيلة للتعبير لأنها تريد أن تجعل الشعر فنا موضوعيا غايته نحت الجمال و استخراجه من الطبيعة وهذا يلغي وظيفة الشعر الحياتية التي هى خلق القيم وتهذيب النفس وتعليم الآخرين جوانب الحياة . إن ( لو كونت دي ليل) زعيم البرناسية لم يتمسك بهذه النظرية للشعر إلا بعد أن استوت له فلسفة خاصة في الحياة تسخر من ألم الإنسان وبكائه وترى أن (النرفانا) هي سبيل الخلاص لهذا الإنسان والأعجب من ذلك أن ( السريالية ) أو ( ما فوق الواقعية ) لم تعد ترى أن للأدب هدفا لا في ذاته ولا من أجل غيره و كأنها تريد أن تلغي دور الأدب كما ألغت دور الأخلاق في الحياة .
إن السرياليين بتحللهم من الماضي إنما يهتمون بما فوق الواقع( اللاوعي) المكبوت في داخل النفس البشرية ويحاولون إطلاقه وتسجيله فقط وكأن الأدب قد تحول إلى مصح نفسي .
صحيح أن الإنسان أحرز نجاحا ساحقا على مستوى الحضارة المادية وحقق أحلاما عظيمة ولكنه مازال مأزوما في حياته الروحية ، و باعتبار أن الأدب هو جزء من الروح فمن حقه أن يتغذى منها ومن واجبه أن يغذّيها فهو يغرف من معينها ويصب في بحرها .وحسبه صنيعا أنه كبقية الفنون أسهم في بناء الإنسانية وثبت دعائم الإنسان وجعله يلتصق بكوكبه ويعيش فيه آماله وآلامه فأحيانا كان الأدب ترفا للإنسان و أحيانا كان مسليا له وتارة كان عبثا ولعبا ولكنه في الأعم الأغلب كان سلاح الإنسان في مواجهة اخطبوط الحياة الفكري والاجتماعي و النفسي و السياسي ؛ فالثورة الفرنسية ضد آلام الباستيل مهدّ لها الكتاب و الشعراء وكذلك الثورة الروسية ولم يكن حسان بن ثابت و عبد الله بن رواحه وكعب بن مالك إلا كتائب مسلحة في شعرهم الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أوقع في المشركين من النبال .
إن الأدب الجدير بالحياة هو الأدب الذي يسهم في بناء أسس الحياة الصحيحة السلمية المعافاة من الأمراض ويهدم القيم الفاسد العفنة التي تقف عائقا أمام تحرر وتطور الإنسان والحياة . والأدب إن لم يكن نبراسا ومشعلا فأولى به ألا يكون .
الباب الثاني
الفصل السادس
هل للأدب قوانين تطور ؟
دلت وقائع الحياة على أن كل ما في هذا الكون من أشياء يمضي عبر تغير و تبدل و تطور وإن تحديد الصورة الواقعية للأشياء يكون تبعاً لسنن الكون التي جعلها الله تعالى فاعله في هذا الكون ؛ والإنسان فاعل ومنفعل على هذه الأرض يغير ويبدل ويطور أحياناً بحسب خبرته و قدرته على تسخير الطبيعة وتبديل العلاقات الاجتماعية ، وباعتبار الأدب قيماً تعكس علاقة ما (بين هذا الإنسان وعالمه الحياتي و الإجتماعي والكوني) ، فإن هذا الأدب متطور بتطور هذا الواقع ومتغير بتغيره مما يدل على أن الأدب مرآة لواقع محدد من جهة ومؤثر في هذا الواقع من جهة ، والأدب الحقيقي هو ما يجعل البرهة الإنسانية برهة تاريخية ، لأن الأدب الخالد ثمرة مميزة للمجتمع ذات دلالات إنسانية عامة يمنحها الخلود والبقاء والمتعة المستمرة وهذا التطور يحمل تراكم الخبرات الإنسانية وهو في الوقت نفسه مبدأ عام له قوانينه العلمية الشاملة وقوانين الأدب تعمل وفق قوانين أعم وأشمل مأخوذة من قوانين الوجود الإجتماعي لأن الأدب صورة من صور الوعي الاجتماعي المتمثل بالثقافة ، وتطوره محكوم بتطور أساسه الاجتماعي فلكل شيء تاريخ وتاريخية ظاهرة ، ولكن ما هي كيفية عمل القوانين وتطورها ؟
قد يكون التطور حركة عامة للظواهر والأحداث في الطبيعة و التاريخ و المجتمع والإنسان والأدب جزء من ذلك ، وفي المجال الكوني و الإنساني هناك أشياء تتطور وتتبدل لأن الأشياء في تغير وتطور من خلال التآلف أو التناقض أو التكامل وكل ظاهرة جديدة في الماديات والمعنويات ليست فقط نتيجة للتغيرات السابقة وإنما تحتوي في قلبها بذور تغيرات مستقبلية ضمن قوانين معينة قد نعرفها وقد نجهلها وقد جاء تطور الأدب في تاريخ الإنسان من خلال النمط الرمزي ثم الكلاسيكي ثم الرومانسية وإن الإنسان بالأدب استطاع أن يجسد حقائقه وطموحاته الحاضرة و المستقبلية و كما أن الأفكار تتطور و تتغير فإن الأدب يتطور بحسب ما تفرزه المبادلات الاجتماعية والحياتية ، فالمسرحية بدأت على رأي الكثيرين موقعه موزونة (شعرية) ثم تحولت إلى (نثرية) و كذلك الشعر بدأ موزوناً وها هو الآن يتحول إلى قصيدة النثر كما أن المقالة ولدت مع الصحافة و إن القصة قد تطورت باتجاه الرواية من جهة و باتجاه القصة القصيرة جداً التي قد تكون جملة قصيرة واحدة
الباب الثاني
الفصل السابع
التاريخ الأدبي
(نقد الأدب وتاريخه)
ليس هناك من شك أن فن النقد الأدبي قد سبق في الظهور للتاريخ الأدبي لأن صانع الأدب ناقد بحكم إتقانه لفنه الذي يكتبه سواء كان شعراً أم خطابة أو فناً اّخر؟ وقد كان شعراء العرب أنفسهم نقاداً بمستويات مختلفة وقد ضربت للنابغة الذبياني خيمة للنقد و الفصل بين الشعراء يحكم فيها بين شعراء الجاهلية في سوق عكاظ ، وإذا كان النقد ينشأ مع صانع الأدب ، فإن التاريخ الأدبي لا يكون إلا بعد أن يجتمع لكل أمة تراث أدبي يستحق أن يؤرخ مع العلم أن النقد الأدبي من أسس التاريخ الأدبي والأدب العربي والإسلامي بمعناه الحقيقي ليس فقط الشعر والنثر الفني بل يدخل ضمن ذلك المؤرخون والفلاسفة وعلماء الإجتماع وعلماء التشريع الإسلامي (علوم القرآن الكريم والحديث الشريف) في بعض فروعه ذلك أن تارخ الأدب جزء من التاريخ العام للأمة وخاضع لمناهج التاريخ بوجه عام مع بعض الفوارق الراجعة لطبيعة الأدب ذلك أن الأدب ماض مستمر في عمق الحاضر والمستقبل لأنه مؤلفات شعرية ونثرية تبقى حية لقدرتها المستمرة على إثارة العواطف والأفكار لدى الإنسان وضرورة من ضرورات الحياة عند الأمم و الشعوب المتحضرة لما تقوم به من تربية لملكات الذوق والإحساس الإنساني و هكذا تبدو مهمة الأدب في البحث عن (الخاص المتفرد )في تأطيره لخواص مدرسة أدبية أو ظاهر شعرية أو أديب متميز ذلك أن الماضي والحاضر هما ساقا الشخصية البشرية التي يكمن فيها الجوهر المفرد والأدب بحكم كونه مؤلفات ذات إثارة فكرية وعاطفية لا بد أن تتخلله المقومات الإنسانية التي تجعل مؤرخ الأدب يحكم على ما يدرسه من خلال تجربته الشخصية وانفعالاته اتجاه النصوص المدروسة على ضوء العقل ليستخلص منها ما يمكن أن يكون إحساساً مدفوعاً باتجاه فكرة ما أوقضية معينة
ويعد تاريخ الأدب من أعظم الأعمال التي يقوم بها الإنسان في محاولة نقل أفكار و عواطف ومشاعر ومواقف الأمة اتجاه أفرادها لتثبيت أعمدة بناء الأمة و الاستمرار في تماسكها من الماضي إلى الحاضر و حتى المستقبل وقد جرت العادة في كتابة تواريخ الأدب تبعاً للأسسس الزمنية حيث تقسم إلى عصور وقرون و حقب وفترات وقد تكون التقسيمات حسب فنون الأدب أو حسب عصور الذوق الأدبي أو حسب التيارات الأدبية والفنية وهذا ما لم يأخذ به كتاب تاريخ الأدب عندنا ، وبالإمكان أن ندرس نحن العرب والمسلمين الأدب من خلال فنونه كأن ندرس تاريخ قصائد الجهاد والانتصارات والمقاومة أو تاريخ قصائد الزهد أو تاريخ قصائد الرثاء والمديح والفخر والهجاء أوندرس تاريخنا الأدبي من خلال مذاهب التذوق لمذهب الصنعة والبديع منذ الجاهلية و حتى يومنا هذا أو مذهب الترسل أو مذهب عمود الشعر وقد يدرس مؤرخ الأدب التيارات الأدبية الفنية من خلال تيار الزهد والتصوف .
الباب الثاني
الفصل الثامن
الأدب والأخلاق والقيم
يحق لنا في دراسة الأدب أن نقول : إن كل ما له علاقة بالإنسان روحاً و نفساً و مجتمعاً وحياة هو من مقتضيات الدراسة الأدبية ؛ والأخلاق جزء مهم من نفس الإنسان بشكل عام وجزء من ذات الكاتب ونفسيته بشكل خاص و ما تزال الخلافات قائمة بين العلاقة بين الأدب والأخلاق وهل على الأديب أن يلتزم خدمة الأخلاق أم أنه يستطيع التحرر منها على اعتبار أن الأدب فن جميل خارج عن حدود الأخلاق ؟ وإذا كان على الأدب أن يخدم الأخلاق والقيم فكيف يكون ذلك عن طريق المباشرة أو الدعاية لها أو عن طريق علاج النفوس من الشر وتطهيرها منه مع أن الأدب يستطيع أن يحيل قبيح الواقع إلى جمال لأن الجمال وحده ليس مادة الأدب بل أصبح القبيح ذاته شيئاً يعمل فيه الكاتب قلمه كي يبرز صورة الجمال فيما هو عكسه كما في قصيدة بشارة الخوري (المسلول) التي مطلعها :(عيناه غارقتان في نفق)
و قد مج الكثير من الناس الدعوة للأدب بالطريقة المباشرة أو طريقة الوعظ لأن ذلك نتائجه غير مضمونة بل لابد من علاج النفس عن طريق قصة أو مسرحية أو مقالة أو خاطرة أو قصيدة إذ قلما يتعلم الإنسان من تجارب غيره والكاتب الجيد هو الذي يستطيع أن يهز المتلقي بما يقص من حوادث تخلق في النفس أثراً لا إرادياً يبقى في نفس المتلقي أكثر من الدعوة الصريحة .
وليس مذهب الفن للفن أو الأدب للأدب مضاد لمذهب الأدب الأخلاقي وما يسمونه بالأدب المكشوف فهذا جاء ليؤكد على أن الأخلاق يحميها الأدب كهدف رئيسي من أهداف الإنسان وأن الفن للفن مدرسة ظهرت كرد فعل على رومانتيكية الأدب التي اتخذت من الأدب وسيلة للتعبير عن المشاعر الشخصية والتي حولت الأدب إلى حرفات أنات شعورية ولا يعارض هذا المذهب أن يتقيد الأدب بالأخلاق وهذا ما أوقع الكثير من كتابنا في فخ (الخطأ) حيث هاجم الاشتراكيون مذهب الفن للفن ظانين أنه يحرف الأدب عن رسالته و غايته.
وإذا كان معنى الأدب الأخلاقي في وجود أهداف قيمة لهذا الأدب فإنه ليس معنى أن الفن للفن أن يخلو الأدب من موضوع فليس التفكير والعاطفة هما موضوعا الأدب وحده فهناك الحواس الأخرى والطبيعية التي يمكن أن تمد الأدب بموضوعات جديدة وهذا الأدب الأخلاقي هو أدب توجيه أكثر من كونه أدب تحليل كما هو في المنهج النفسي ومن المؤكد أن الأدب لا يمكن له أن يتجاهل مواصفات الأخلاق و القيم لأن الأدب الأخلاقي عمل جميل في ذاته يشق حجب الزمن و يمحو طلاءها حتى تنكشف الإنسانية في حقيقتها وليس هناك خلق لدى الأدباء المتشربون من النفاق الاجتماعي والسياسي والفكري ، والأديب بفطرته يحب أن يكون ذا أثر إيجابي في نفوس قرائه والأثر الإيجابي عمل أخلاقي مع أن الموضوعية حكم لا تستطيعه طبيعة الأدباء غالباً وما يميز الأدب عن غيره عنصر الإثارة وتخلص العلاقة بين الأدب والأخلاق بأن الاتجاه العام في الآداب يسير نحو فهم النفس البشرية و تحليلها و صنع الجمال في هذه النفس و تهذيبها .
الباب الثاني
الفصل التاسع
الأدب المحلي والقومي والعام
إذا كان الأدب يحتل المكانة المهمة في حياة الإنسان لأنه يعبر عن ذاته وتطلعاته ويؤطر حياته فإنه من الممكن أن نميز بين مصطلحات ثلاث تحدد مكانية هذا الأدب فهناك الأدب المحلي الذي يتحدث عن تطلعات شعب ضمن وطن من الأوطان أو بلد من البلدان على أنه يمثل عادات وأفكار وعواطف شعب يعيش ضمن بقعة معينة وهناك الأدب القومي الذي يمثل مجموعة شعوب ذات لغة واحدة وآمال وآلام مشتركة كما هو عند العرب والألمان والإنكليز والفرنسيين وهناك الأدب الإسلامي ويمثل الشعوب الإسلامية بما تحمله من رسالة خالدة في التوحيد والدعوة لنشر رسالة الإسلام وهناك الأدب العالمي الذي يجب أن يدرس على مساحة القارات الخمسة من خلال توحيد الآداب جميعها في تركيب عظيم تلعب فيه كل أمة دورها ضمن ائتلاف عالمي وإن كانت الفكرة شديدة البعد لأنه لا يوجد أمة من الأمم ترغب في التنازل عن شخصيتها وقد تكون عالمية الأدب متمثلة بالروائع الأدبية التي خلدها الزمن لنفاستها وقيمتها الفكرية والجمالية والفنية والنقدية والتربوية . أما الأدب العام فهو أدب يركز على الحركات والتجديدات في الأدب . ويدخل ضمن ذلك الأدب الفصيح والأدب الشفوي الذي كتب على مر العصور باللغة العربية الفصحى التي كانت وما تزال هي الحامل الوحيد للأدب أو الذي نقل شفاها على مر العصور والذي نجد أن هناك اهتماماً به ، وإذا كنا لا نختلف في كون الأدب المدون العظيم أرفع مستوى من الأدب الشفوي فإننا لا ننكر أن للأدب الشعبي تأثيراً ما يزال على مر العصور والأدب الشعبي تراثاً ما يزال صامداً منذ أقدم العصور وهو ليس تراثاً منهاراً كما يعتقد البعض .
وهناك أصل شعبي للعديد من الموضوعات الأدبية وهناك وفرة من الشواهد على المنشأ الاجتماعي للأدب الشعبي فالأغاني الشعبية وقصص الجن والخرافات هي جزء كبير منها وكذلك الشعر الشعبي وأغاني الشعراء ومن الجدير بالذكر أنه ليس هناك انقطاعاً على مر العصور بين الأدب الشعبي والشفوي والأدب الرفيع المكتوب .
الباب الثاني
الفصل العاشر
الأدب الموازن
الأدب الموازن أو ما يسميه البعض بالمقارن : هو الأدب القومي والإنساني في علاقاته التاريخية بغيرة من الآداب الأخرى وإن اصطلاح الأدب المقارن أو ما أحب أن أسميه الموازن مصطلح حساس قد لاقى نجاحاً كبيراً في الجامعات العربية والأجنبية فالمقارنة بين الآداب يندر أن تكون فكرية بحتة مركزة في تاريخ الأدب وقد غطى اصطلاح الأدب الموازن مجالات متميزة من الدراسة واعتنى كثيراً بدراسة الأدب الشعبي (الأدب الشفوي) وهجرته بين الشعوب كما واهتم بدراسة الصلة بين أدبين أو أكثر وتعود نشأة هذا الأدب في أوروبا وأمريكا كمنهج بحثي معرفي في مختلف العلوم والعلوم البحثية كعلم اللغة المقارن وعلم القانون المقارن وعلم الأحياء المقارن وفي لغتنا علم الفقه المقارن وعلم الأدب المقارن نتيجة التراكم المعرفي وتكاثر المعلومات وقد أخذ الشعور بأهمية المقارنة يلح في مجال الدراسات الأدبية زيادة في الوعي ومسعى لتحقيق الحرية الخاصة بكل أمة عبر التمايزات وامتدادا للنزعة الإنسانية التي يبحث عنها الأدباء والمؤرخون كما أن المقارنة تقوم على الاعتقاد بكلية الظاهرة الأدبية
وفي العالم العربي جاء الاهتمام بالأدب المقارن ضمن الحركة النهضوية في مطلع هذا القرن لتعميق الصلة بين الثقافتين العربية والغربية ودخل الأدب المقارن في حيز الاهتمام الأكاديمي وتعزيز الاهتمام بالأدب الوطني ذلك أن الآداب في مختلف الأمم تتبادل فيما بينها علاقات التأثير والتأثر بالرغم من اختلاف اللغات التي كتبت بها ذلك لأن الأفكار والتعابير تتناظر وتتكافأ في معظم اللغات . وإذا كان مدلول الأدب المقارن تاريخي فإنه يدرس مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها المختلفة وصلاتها الكثيرة والمعقدة في ماضيها وحاضرها وما عندها من الصلات التاريخية من أثر وتأثير وتأثر وما تعلق منها بالأصول الفنية العامة للأجناس الأدبية أو التيارات الفكرية أو اتصلت بطبيعة الموضوعات والمواقف والأشخاص أو مست مسائل الصياغة الفنية والأفكار الجزلة في العمل الأدبي وكذلك يكشف الأدب المقارن عن جوانب تأثر الكتاب في الأدب القومي بالآداب العالمية ولا يعد من الأدب المقارن في شيء ما يعقد من موازنات بين كتاب من آداب مختلفة لم تقع بينهم صلات تاريخية حتى يؤثر أحدهم في الآخر نوعاً من التأثير أو يتأثر به كذلك ولا يعد من الأدب المقارن ما يساق من موازنات في داخل الأدب القومي الواحد سواء أكانت هناك صلات تاريخية بين النصوص المقارنة أم لا .
فالموازنة بين أبي تمام والبحتري تدخل في نطاق الأدب القومي الواحد يتخلى عنها مؤرخ الأدب المقارن ومقارنات الأدب العربي بالأدب الفارسي والتركي والآداب الغربية كثيرة تحتاج إلى بحوث مستقلة تعزز خصائص هذا الأدب وفعاليته وعدة الباحث في الأدب المقارن العلم بالحقائق التاريخية للعصر الذي يدرسه والمعرفة الدقيقة بالآداب المختلفة الذي هو سبيل البحث فيها وعلى دارس الأدب المقارن أن يقرأ النصوص المراد مقارنتها بلغاتها الأصلية كذلك عليه أن يكون ذا إلمام بالمراجع العامة وطريقة البحث في المسائل وبمظان مواضعها من الكتب التي يدرسها .
وأما ميدان البحث في الأدب المقارن فتكون في عوامل انتقال الأدب من لغة إلى لغة ودراسة الأجناس الأدبية والقوالب الأدبية التي تفرض بطبيعتها على المؤلف اتباع طريقة معينة ودراسة الموضوعات الأدبية وتأثير كاتب ما في أدب أمة أخرى ودراسة مصادر الكتاب والتيارات الفكرية.
الباب الثالث
اتجاه دراسة الأدب
الباب الثالث
الفصل الأول : الأدب والتجربة الأدبية
الباب الثالث
الفصل الثاني : الأدب والدراسة الأدبية
الباب الثالث
الفصل الثالث : اتجاه دراسة الأدب ( الاتجاه الخارجي)
1- المنهج النفسي في دراسة الأدب .
2-المنهج الاجتماعي في دراسة الأدب.
3-المنهج اللساني في دراسة الأدب.
4 ـالمنهج الأسطوري
5 ـ المنهج الأخلاقي
6 ـ المنهج الاعتقادي
7 ـ المنهج العلمي
8 ـ المنهج التاريخي
9 ـ المنهج اللغوي
10ـ المنهج الشكلي
11 ـ المنهج الشكلي
الباب الثالث
الفصل الرابع : اتجاه دراسة الأدب الاتجاه الداخلي في دراسة الأدب ، ويضم هذا الاتجاه دراسة
ا ـ المعنى
2 ـ العاطفة
3 ـ الخيال
4 ـ الأسلوب
5 ـ الموسيقى
الباب الثالث
الفصل الأول
الأدب والتجربة الأدبية
إذا كان الأدب أحد الفنون الإنسانية التي تسهم في الرقي بحياة الإنسان ورسم معاناته وكشف آفاقه ومعطياته والترفيه عن الأمة التي يعيشها بسبب المعاناة المادية اليومية فإنه وليد تجارب إنسانية تأخذ معطياتها من حياة الناس سواء أكانوا أدباء عاشوا تجاربهم الأدبية أو أناسا عرفهم الأدباء أو قرؤوا عنهم ومن هنا كانت التجربة الأدبية محكوم عليها بالصدق أو الكذب بحسب صدور التجربة عن شخص الأديب نفسه أو عن غيره من الناس.
ويعد مفهوم التجربة الأدبية من أعقد المفاهيم لأنه يحدد قيمة النص المدروس من قبل القارئ على الرغم أننا من غير المعقول أن نطالب الأديب أن يكون قد عاش كل التجارب التي يصوغها .
والحقيقة التي لا مراء فيها أن التجربة الأدبية التي يفرغها الأديب في نصه لا تقتصر على التجربة الشخصية وإنما تشمل مجموعة من التجارب التاريخية والاجتماعية والأسطورية والخيالية والشخصية .
فالتجربة الشخصية يستقيها الأديب مما يمر به من أحداث ومخاضات كتجربة المتنبي الشخصية التي رسمها في شعره والتجربة الاجتماعية يستقيها الأديب من محيطه الاجتماعي حين يتحدث عن الألم والبؤس والحرمان والظلم كتجربة المعري التي كانت رد فعل على المجتمع والتجربة التاريخية يستقيها الأديب من تاريخ البشر أفراداً وجماعات وشعوبا واً حما .
والتجربة الأسطورية يستقيها الأديب من التجارب الإنسانية البدائية وعلاقة الإنسان بالكون وقوى الطبيعة والتجربة الخيالية يستقيها الأديب من خياله حين يعجز عن تحقيق التجربة الشخصية . على أن لا تغفل أن الأديب نفسه وحسب مقدرته على امتلاك أدواته الأدبية يستطيع أن يرسم لنا تجربته وحتى التجربة الشخصية التي يرسمها أدبينا تستقي بعض جوانبها من الخيال لأن الأدب لا بد أن يعمل فيه الخيال حتى يكتسب صفة الجمال إن لكل تجربة يكتبها الأديب لوناً خاصاً وطعماً خاصاً وشكلاً خاصاً وهدفاً خاصاً وطريقةً خاصة .وهذا ما ندعوه بشخصية الأديب والبدعون في العالم شخصيات متباينه ومختلفه تأخذ أبعادها من واقع معين وتعيد صياغته من جديد بحيث تبرزه بشكل آخر فالمتنبي مثلاً كانت تجربته الأدبيه تجربه وجدانيه شخصية يبحث صاحبها عن سلطة ما وهي وإن مانت تغذي طموح الكثير من خلال عكس المتنبي لتجاربه التي هي جزء من تجارب الآخرين المتكررة إلا أنها تبقى حالة متفردة خاصة بالشاعر وتجربة المعري كانت تجربة فكرية فلسفية كونيه تسعى إلى حمل التناقضات الفكرية في صراع الإنسان صراع الضعيف مع القوي والمتلخصة بقوله لديك مذبوح (استصغفوك فوصفوك هلا وصفوا شبل الأسد ) وتجربة عمر الخيام تجربة كونية فكرية أقضت مضجعه بحيث جعلته يعيش حالة الضعف الإنساني أمام القدرة الإلهية المهيمنة ومأساة ( كافكا ) مأساة شخصية لأديب قتل نفسه بسبب عدم تكيفه مع المجتمع وتجربة ( سيرنانتس ) تجربة شخصية في ( الدون كيشوت) تدل على انفصام في عمق النفس الإنسانية بينما يتجربة الشاعر عبد الرحمن العشماوي والشاعر محمد إقبال تجربة اجتماعية فكرية دينية لأن كلا الشاعرين استطاع أن يعالج الكثير من القضايا العالقة في مجتمعه.
إن تجربة الشعراء الصعااليك في العصر الجاهلي والعصر الأموي والعباسي تدل دلالة عميقة على تفتح الوعي النوعي عند النخبة المنفردة إثر تعطيل قانون التكافل الاجتماعي واستلاب حق الإنسان لأخيه الإنسان كما وأن تجربة الشعراء العذريين لتعبر تعبيراً عميقاً على ردود الأفعال الصحيحة إزاء ظاهرة بناء علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان على أسس من الحاجات المادية والمبادلات المصلحية وأن وجود العميق الروحي في مبادلات هذا الحب لتبرز ظاهرة انزياح القيم في المجتمع الذي تعيشه تلك القدرية .
نحن إذن أمام تجارب عديده ومتنوعه عند الأدباء ولكل تجربة خصوصيتها وعموميتها بحسب نفسية الأديب وقيم المجتمع التي يتعامل بها وإنه من السخف بمكان أن نشير على سبيل المثال إلى وجود حب عذري في هذا الزمن الذي نعيشه لأننا نعيش حالة مبادلات مصلحية قائمة على المكاسب الماديه لا على القيم الروحية وما نطلبه من الأدباء أن يعمقوا المبادلات الروحية الحميمة حتى يسيروا بدفة المجتمع باتجاه الأسلم والأصح والأجود .
إن فلسفة التجارب الأدبية عند الأوربيين حديثاً سواء أكانت فردية أم مذهبية لا تعد أن تكون انعكاساً لتجارب المجتمع أفراداً وجماعات وما هذا الاستلاب باتجاه مسرح شكبير عند الجمهور لديهم إلا لما يحمله من حرارة مأساة الروح عند أبطال تلك المسرحيات .
ومما لا شك أن التجارب الأدبية تبقى التجارب النوعية التي يستثمرها المفكرون والأدباء والجمهور وما فعله فرويد لم يكن كما اعترف هو إلا بسبب إطلاقه على مفرزات الأدب واكتشافه لعلاقة التصرفات عند الفرد بما يمليه المجتمع وما يطمح إليه هذا الفرد .
الباب الثالث
الفصل الثاني
الأدب والدراسة الأدبية
ليس هناك شك أن هناك فرقاً بين الآدب والدراسة الأدبية لأنهما فعاليتان متمايزتان فالأدب فن والدراسة الأدبية نوع من المعرفة والتجميع وعلى الرغم من ادعاءات البعض أنه لا يمكننا فهم الأدب دون كتابته وممارسته فقد بقيت الدراسة الأدبية المدخل الفعال في فهم الأدب وإذا كانت عملية الإبداع ذات فائدة كبيرة لدارس الأدب فإنها تختلف عن الدراسة الأدبية ويمكن لنا أن ندرس الأدب بعد قراءته وتذوقه وتقديره من خلال قوانين تسهم في تفتيق عوامل الفرادة فيه مع التركيز على صعوبة معالجة الفن الأدبي معالجة فكرية بمناهج متطورة من العلوم الطبيعية بعملية تحويل بسيطة وذلك بمجاراة المثل العلمية العامة في الموضوعية واللاشخصانية واليقينية حيث يمكن أن تجمع وقائع محايدة تسهم في فهم النص المدروس وكذلك في السعي لتقليد مناهج العلوم الطبيعية من خلال دراسة الأصول والعوامل المسببة لظاهرة من الظواهر الأدبية وكذلك يمكن استخدام العلية العلمية لتفسير الظواهر الأدبية بإسناد العلل الفاصلة إلى الشروط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية من خلال الإحصاء ورسم الخرائط والخطوط البيانية كما ويمكن استعمال المفهومات البيولوجية في تتبع نمو الأدب،فقد يفلح الإحصاء في مناهج معينة لنقد النصوص أو لدراسة الأوزان وقد يفلح علم الأعصاب في فهم دوافع الأدب وحل الكثير من المشكلات الأدبية
وإذا كان للبحث الأدبي مناهجه الخاصة التي لا تتطابق مع العلوم الطبيعية فإن مناهج أساسية كالاستقراء والاستنتاج والتحليل والتركيب والمقارنة تبقى مشتركة بين أصناف المعرفة المنهجية ومنها الأدب وقد استطاع الفقه والتاريخ وعلم اللغة والفلسفة أن يستنبط مناهجه الصحيحة للبحث مع التركيز على وجود فرق في المناهج والأهداف بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية ونحن حين نريد أن ندلل على ذلك فإنه لابد من مواجهة مجموعة من التساؤلات من مثل: لماذا ندرس زهير بن أبي سلمى أو حسان بن ثابت رضي الله عنه أو المتنبي أوأبي تمام؟
ما نريده من الدراسة هو كشف ما تفرد به كل منهم أوما جعل منه شاعراً بهذه الصورة التي تطبع شخصيته مؤكدين على (مشكلة التفرد) و(مشكلة القيمة) وبالرغم من كل القوانين والدراسات المهتمة بالأدب فقد فشلت المحاولات الباحثة عن إيجاد قوانين عامة للأدب كما أنه لا يمكننا الادعاء بوجود قانون عام يحقق ذلك وغرض الدراسة الأدبيةهو مطابقة مناهج البحث على ما أبدعه الأديب ، وبوسعنا أن نطابق بين المنهج التاريخي والعلمي في تجميع الوقائع ووضع قوانين تاريخية بالغة الشمول بحيث نخضع الأدب للدراسة ولكن ليس بشكل رياضي على أن نفسح للتفرد مساحة تؤكد على الطبيعة الشخصية للفهم الأدبي وأن لكل عمل أدبي فرديته الخاصة فلا يوجد سوى متنبي واحد وأبي تمام واحد وخنساء واحدة فكل الكلمات في كل عمل أدبي هي في طبيعتها(عامة) وإن الشعر أشمل من التاريخ وأعمق فلسفة منه وليست مهمة الشعر أن يعدد أوصاف المحدودين بقدرما يفسر الظواهر الكونية والإنسانية وعلى كل منا أن يسلم أن كل عمل أدبي عام وخاص في وقت واحد فهو عام وفردي فلكل إنسان سماته الخاصة الفردية مع اشتراكه مع الآخرين في معظم صفاتهم وما محاولات التاريخ الأدبي والنقد الأدبي في تمييز (فردية كاتب أو فردية أثره) إلا لأن الأدب هو المعطي للإنسان بعض تميزه ، وكذلك تفعل الدراسة الأدبية في تفتيق فن القراءة للنص الأدبي والتي تتضمن الفهم والحساسية النقدية والتقييم وحتى يمكن لنا أن نفهم الأدب لابد أن نقوم بشرحه وتحليله وتصريحه وتقسيمه من خلال نقاط ارتكاز فالأدب مفهوم خاص ودراسته مفهوم آخر
آ-الدراسة الأدبية حاجة ملحة: لا يمكن للمتلقي أن يفهم الأدب على بعده الحقيقي حتى يخضع هذا الأدب للدراسة والتحليل وكون أن عبارة (لا يمكن أن يدرس الأدب على الإطلاق) كلام لا وزن له في واقع الأدب فالأدب من الفنون الجميلة التي ينطبق عليها قراءة الأدب وتذوقه وتحليله وتقديره على أساس من الخبرة الجمالية ومن هنا لا يمكن لنا التنكر لدراسة الأدب ولا غنى لنا عند ذلك لأن دراسة الأدب تاريخ عريق والأدب جزء من الموروث الثقافي للأمة ولا تحيا الأمة إلا بحفظ هذا الموروث من خلال تأطيره وتقسيمه وتوزيعه على وجدان يسهل استعمالها وتصنيفه واختيار ما يمكن حفظه ونقله ووضع أسس لهذا الاختيار
ب ـ طبيعة الدراسة الأدبية :
تعد الدراسة الأدبية شكل من أشكال المعرفة المنظمة الناجمة عن مواجهة النصوص الأدبية لاستيعاب التجربة الجمالية للنصوص من خلال أطر تنظمها يستمدها الدارس من المعرفة المتراكمة المتطورة إنسانياً للتعامل مع الأدب ومواجهة التجربة الإبداعية للنص الأدبي بأنواعه تختلف في طرقها وأسسها وغاياتها وتتنوع بتنوع هذه الطرق .
ج- أشكال الدراسة الأدبية:
للدراسة الأدبية أشكال متعددة:
1-تحقيق النصوص وغايته التأكد من صحة النص كنسبة مجموعة أشعار لشاعر (ما) وذلك بجمع مخطوطات ديوان شاعر ومطابقتها ومعرفة تاريخها والمفاضلة بينها والخروج بديوان منسوب لهذا الشاعر أو ذاك
2-التاريخ الأدبي ويستهدف معرفة نشأة جنس أدبي ما وتطوره عبر العصور
3-النقد الأدبي التطبيقي وغايته شرح النصوص وتحليلها وتفسيرها وموازنتها والحكم عليها
4-النقد الأدبي النظري وغايته دراسة النصوص المنتمية لجنس أدبي ما أو أمه ما في مكان ما وزمان ما للوصول لنظام أدبي ما ومعاييره ومقايسه والقيم التي تحكمه
5-البحث الأدبي وغايته رسم صورة لصاحب الأثر الأدبي (أصله-حياته-تكوينه الثقافي وبيئته وعصره وصلته وتأثيره فيه)
6-الدراسة الأدبية المقارنة وغايتها الكشف عن نقاط تماس نصوص أديب ما بنصوص أديب آخر وظروفه هذا التماس وأسبابه وما تركه من آثارسلبية أو إيجابية في الإنتاج الأدبي
د-صلات الدراسة الأدبية :
إذا كانت الدراسة الأدبية معرفة غايتها مواجهة تجربة الإبداع الأدبي فهي ذات صلة بنشاطات الإنسان وصلتها بالأدب من أوثق الصلات لأن الأدب هو موضوع الدراسة الأدبية ومادتها وغايتها وإن كنا بدراستنا نعرج على صاحب النص الأدبي وعصره وبيئته ومتلقيه.
وأما صلة الدراسة الأدبية بنشاطات الإنسان المعرفية فهي واقع وخيار ملح وكثيراً ما تغري العلوم الأدبية الدارس باستخدام مناهجها ومجاراة مثلها العلمية من يقينية وموضوعية ولا شخصانية ويمكن لنا معالجة الفن معالجة فكرية بمناهج متطورة من العلوم الطبيعية كإسناد العلل إلى الشروط الإنسانية واستخدام العلية العلمية لتفسير الظواهر الأدبية واستخدام الإحصاء ورسم الخرائط والخطوط البيانية والمفهومات البيولوجية وعلم النفس والاجتماع واللغويات .
الباب الثالث
الفصل الثالث
اتجاه دراسة الأدب
أولا : (الاتجاه الخارجي )
أسهم في دراسة الأدب بكافة جوانبه اتجاهان اثنان هما :
الاتجاه الخارجي في دراسة الأدب
والاتجاه الداخلي في دراسة الأدب
أولا
أما الاتجاه الخارجي في دراسة الأدب فيضم مجموعة من مناهج دراسة الأدب هي :
1-المنهج النفسي في دراسة الأدب .
2-المنهج الاجتماعي في دراسة الأدب.
3-المنهج اللساني في دراسة الأدب.
4 ـالمنهج الأسطوري
5 ـ المنهج الأخلاقي
6 ـ المنهج الاعتقادي
7 ـ المنهج العلمي
8 ـ المنهج التاريخي
9 ـ المنهج اللغوي
10ـ المنهج الشكلي
11 ـ المنهج التكاملي
على أنه ينبغي لنا ألا ننسى أن دراسة أي نص أدبي من الخارج لابدَّ أن تتضافر فيه آراء المناهج السابقة مجتمعة لأن الكاتب عندما يورِّث لنا نصه ، فإنما يصدر هذا النص عن إنسان له مكوناته ، ومفهوماته النفسية، والاجتماعية ولا بد َّ أن يستعمل اللغة نفسها في توصيف مفهوماته وتعليلها .
ـ 1 ـ
المنهج النفسي في دراسة الأدب
(( سيكولوجيا الأدب ))
تعد العلاقة شديدة الاتصال بين الأدب وعلم النفس . وحسب الأدب أن يكون واضعه ، ومتلقيه ، ومحرره إنساناً حتى يغري دارسه بدراسته.ويقدم علم النفس المفاتيح السحرية لدراس الأدب تجربة ، وإبداعاً ، وتحليلاً ؛ ولقد استُخدم المنهج النفسي في دراسة الأدب منذ القديم ، ومع أنه بقي غير كاف في توضيح جميع جوانب الأدب ،إلا أنه يظل مفيداً في الكشف عن غوامض ، وخبايا العمل ، وصاحبه .يقول الدكتور محمد مندور في كتابه (( في الأدب والنقد ))
((أما علاقة الأدب بالفرد فتدور حول الحاجات الإنسانية التي يمكن أن يشبعها كفن جميل ، وكأداة للتعبير عند الفرد ؛ وأهم مبحث هو تحليل حاسة الجمال عند البشر ، والبحث عن أصولها ، وأهدافها المختلفة ، والتمييز بين مفارقاتها ؛ فهناك الشيء الجميل ، أو اللطيف ، أو الجليل ، ومن حيث أن الأدب تعبير جمالي نفسي فعلى علم الجمال الأدبي أن يقف عند ـ نظرية انتقال المشاعر ـ كأن يحب الشاعر مثلاً ديار محبوبته من أجلها)). والشعراء العرب كثيراً ما كانوا يحبون ديار محبوباتهم لأنها تمثل هذه المحبوبة.
وما حبّ الديار شغفن قلبي ولكن حبّ من سكن الديارا
وما وصف الأطلال عند شعراء الجاهلية إلاّ نوعٌ من هذه النظرة ( انتقال المشاعر ) ؛ وإذا كان من اللزام على الدارس أن ينبش الكنوز المختبئة في بواطن الأدب ، فإن من المفيد له أن يمعن النظر في عملية الإبداع ، وفي المبدع نفسه ، والقوانين النفسية المتحكّمة بشخصيات العمل الأدبي ، وبالأدب نفسه ؛ وسنفصّل القول في هذه القضايا.
ففي دراسة عملية الإبداع ، وآليتها يمكن لنا أن نشير إلى نظرية الإلهام عند أفلاطون الذي يعتبر أن المقدرة الإبداعية عند الأديب هي( الحماسة أوالحـب )
–إيروس – ويرى أن مصدر هذا الإلهام هو الوحي الإلهي حيث تدفع (( ملهمات الشعر )) موضوعات الشاعر له وعلى هذا فإنه يمكن لملهمات الشعر أن تنزع العقل عن الشعراء وتستخدمهم كهاناً أو سحرة ملهمين .
وتقوم عمليّة الإلهام عنده على تذكرّ الإنسان لما رآه من صور ، وماهيّات في عالم المثل الذي كانت تحيا فيه النفس ، ومن ثمّ تقليد هذه الصور في عالم المحسوسات ، مما يجعل الشاعر يحسّ بالجزع ، والحزن الذي يعقبه شعور بالحماسة يدفع الشعر على شكل أغانٍ ، وأكثر الشعراء مدانون بأشعارهم الجميلة للحماسة ، ولنوع من الغييبوبة لا للفن ، وهم يشبهون على حد قول أفلاطون كهّان ( سيبلي ) الذين لا يرقصون إِلا إِذا خرجوا عن شعورهم ، وهذه الحالة تشبه حالة الوجد والشوق عند بعض فرق الصوفية في بلادنا والتي ترقص إِذا هي أتحدت بالغيب وتجاوزت الوجود على حدِّ وهم أصحابها و( هذه نظرة خاطئةٌ لأنها تخل بعقيدة الإنسان المسلم، وقد اتبع أصحاب المذهب الرومانسي طريق أفلاطون ، وترسّموا خطاه ، وصبغوه بلونٍ من التصّوف ، فعند (فكتور هيغو) :الشاعر ساحر يسمع ويردّد ما يتلقاه من عالم الغيب ، بينما يرى (شيلي) أن الشاعر ينقل للناس رسالة من عند الله تعالى .
لقد كانت نظرة الرومانسيين الأوروبيين للإِلهام تلتقي مع نظرتهم للطبيعة ، فكلامها هبة من الله تعالى .ويعتبر الإمام أبو حامد الغزالي أن الإلهام كالضوء من سراج الغيب يقع على قلب صافٍ لطيفٍ فارغ ؛ بينما يرى محي الدين بن عربي الصوفي المعروف بمذهب الحلول والاتحاد( وهو مذهب منحرف عن شريعة التوحيد ) أن الإلهَام ظاهرة ممكنة الحدوث لأيّ إنسان بشروطٍ هي :
1 ـ إيمان هذا الإنسان بقدرة القوة الخارقة(الله تعالى ) .
2 ـ كون الإنسان صافي الذهن .
3ـ استعداد الإنسان لإدراك لطائف المعرفة .
ولكنه أي ( ابن عربيّ ) كأفلاطون يرى أن الإلهام فيض يتلقاه الإنسان من خارج الذّات الإنسانية دون أن يعلل ذلك علميا.
ويعد ابن سينا الإلهام حدساً،أو إِشراقاً يتحصل في النفس، فتدرك الموجودات ، والمعقولات بما تستفيده من العقل الفعال. وقد يكون الإلهام رؤيا بينما يكون الحدس متفاوتاً بين الناس ولا يمكن التوصل للعقل الفعال إِلا بالاتصال بالله و ملائكته ؛ وقد اعتبر ابن سينا الإلهام طريقة لتحصيل المعرفة من العقل الفعّال وترى الاتجاهات الحديثة وعلى رأسها (ووردز وورث ) أن الشعر تعبير عن انفعال مستعاد بهدوء تظهر فيه غريزة إِظهار النفس (حبّ الظهور ) ، وهذه الغريزة الاجتماعية ناجمة عن الرغبة في التعاطف ، والتلذذ بإِنشاء شيء جديد (الشاعر كالطفل) ينشئ ليننفّسَ عن وجدانه الزائد . وهو أي : الإلهام تألُّق وانجذب عند (دي لاكروا ) و( فيليكس ) بينما يرى( ديكارت وبرغسون و اوستن وارين ) أن الإلهام عملية تأمّل لا شعوري ينتهي بالحدس .
ويبدو أن الفنان كما تزعم ( أديت ستويل ) يحتفظ روحياً ، ونفسياً برؤياه كما يحتفظ الطفل بمباهج الكون حين تبدو له. وهم يعتقدون ـ وهذ خطأٌ فادح بحق الوحي الإلهي المقدس ـ أن حالل الشاعر مع إلهامه ، كحال نبي الله موسى عليه السلام مع جبريل عليه السلام يرى الإِله من خلال العلّيقة المحترقة ؛ ويرى ( لامب ) أن الفنان يحلم في اليقظة بينما يرى (بول فاليري) أن الملهم تُستلب إِرادته فتنهال عليه الأفكار .وإِذا تجاوزنا (لامب ) إلى (بودلير ) نجد أن مبدأ الشعر عنده يعتمد على الطموح الإنساني إلى جمالٍ سامٍ يكمن بالحماسة ، وانخطاف الروح والإلهام عند (بالدوين ) : إِشراق ذهني يأتي مما وراء الطبيعة ، وهذا يخالف ما قاله (ادغار آلن بو ) من أن عملية الإلهام موجهة من الشعور، ويرى ( فرويد ) : أن الإلهام حالة اللاشعور – التسامي – بينما يعتبر تلميذه يونغ أن مصدر هذا الإلهام الإسقاط في اللاشعور الجمعي الذي تكوَّن ضمن بيئة معينة وتلقى مفاهيم مختلفة .
لقد تحدث أرسطو عن نظرية التطهير الذي تحدثه المأساة فينا ، وأشار إلى الإلهام ، ولكن يبقى أن نقول :
إِن الإلهام عملية معقدة لم يستطع الأدباء والشعراء ولا علماء النفس أن يجدوا لها التفسير النهائي وستبقى الآراء متضاربة ومختلفة حول ماهية الإلهام .فهو كالروح سر من أسرار الوجود يشع ولا نرى مصدر إشعاعه ، ويتحدث ولا نبصر فمه ، ويسري في عروقنا ولا نلمسه بأيدينا .
إِن التفسير الخرافي الذي تبنّاه شعراء العرب سابقاً يجعلنا نؤكد أن عملية الإلهام عملية معقدة ،وهذا ما جعلهم ينسبون الشعر لشياطينهم حتى أنهم جعلوا بعض هذه الشياطين ذكوراً وبعضها إناثاً وفي ذلك يقول الشاعر:
إني وكل شاعر من البشـــر شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
وقول الآخر
ولي صاحب من بني الشيصبان فطوراً أقول وطوراً هــــو
وقد بقيت التفسيرات الأدبية لمصدر الإلهام غامضة حتى جاء فرويد وتبنى نظرية جديدة في تفسير عملية الإلهام ؛ وما يميز نظرية فرويد هذه عن غيرها أن فرويد زعم أن أفعالنا تحفزها قوى نفسية لا نعرف الكثير عنها ، وأن هذه القوى الغامضة لا نستطيع التحكم بها إذ إنَّ مركز الثقل في الحياة النفسية الإنسانية هو اللاشعور ، ولا يمكن لنا أن نعرف هذا (اللاشعور ) إلا من خلال تأثيره اللاحق في حياتنا ، وبعد فوات الأوان ؛ فالعمليات الواعية تكون واعية لفترة قصيرة ترتدُّ بعدها إلى دائرة اللاوعي وهذا اللاوعي عالم محوط بالأسرار العميقة ، ويميز فرويد بين نوعين من اللاوعي نوع يمكن تحويله بسهولة وبشروط إنسانية إلى وعي ، ونوع يستحيل تحويله إلى وعي إلاّ بمعجزة كبيرة .
وقد أفسخ فرويد مجالاً للدافع الجنسي في اللاوعي الإنساني وهذا ما أُخذَ عليه وقد رفض ذلك تلميذاه ( يونغ وإدلر ) .
هذا وقد قسم فرويد المناطق النفسية إلى منطقة الـ( هو ) وهي مركز الثقل في حياتنا النفسية وخزّان الدافع الجنسي ومنبع الطاقات الحيوية فينا يحكم هذه المنطقة مبدأ اللذة وإِشباع الغريزة وهذه المنطقة تعادي وتكره المنطق ولا تعرف القيم الاجتماعية ولا الضوابط الخلقية تنطوي على دوافع متناقصة يمكن لها أن تتجاور دون مشكلة غايتها إِرضاء الغرائز، وهي مدمرّة في نهاية المطاف لا تهتم بسلامة الذات والآخرين .
ومنطقة الـ (أنا ) وتعتبر المنظم الأول لطاقات الـ (هو) والرقيب عليها تنظم الدوافع على نحو يسمح به الواقع، ويرضى به المجتمع حيث تجنّب الذات النهاية المدمرة فما يسمح به الواقع يلبى وما لا يسمح به يدفع به إلى أعماق الـ (هو) فإذا كان عسيراً تحول إلى (عقد ) ويعتبر الجزء الكبير من منطقة الأنا غير واعٍ ويسمى الجزء الواعي منه( العقل الواعي ) .
ويسند إلى (الأنا )دور الوسيط بين (اللاوعي ) و( العالم الخارجي )وبين الرغبات غير المحدودة التي تقّرها الظروف والشروط الواقعية . ومنطقة (الأنا الأعلى) وهي المنظم الثاني لمنطقة الـ (هو ) والحارس المتيقظ عليها خزَّان الأخلاق والمروءة والضمير الجزء الكبير منه غير واعٍ وهي قوة هامة يستنجد بها المجتمع لحماية نفسه من النزوات ، والرغبات والغرائز المدمرّة التي لا يستطيع الـ( أنا ) وحده تدبيرها ، أو كبحها أو لجمها يمارس عمله من خلال الـ ( أنا ) أو مباشرة يقف أمام اندفاع اللاوعي عندما لا يقره المجتمع ، وينمو من خلال تربية الأسرة والمربين وهو محكوم بمبدأ الأخلاق ومبدأ الثواب والعقاب، فإذا كان نشيطاً أدى إلى الإحساس بالذنب . هذا التقسيم الذي تبناه فرويد لاقى استحساناً من قبل الأدباء و دارسي الأدب ، و أسهم بشكل كبير في فهم عملية الإبداع ، ورغم أن فرويد حيي بأنه مكتشف اللاوعي في الاحتفال بعيد ميلاه السبعين إِلا أنه أشار إلى : أن الشعراء والفلاسفة هم مكتشفو اللاوعي ، وما كشفه فرويد هو المنهج العلمي لدراسة اللاوعي .
إِن علم النفس كما يقول رينيه ويليك و أوستن وارين في كتابهما (نظرية الأدب ) أسهم في الكشف عن عملية الإبداع , وفي نبش خبايا نفس المبدع وفي الكشف عن غوامض العمل الأدبي.
وفي دراسة نفسية الكاتب يبدو أن العبقرية لدى الكاتب / الشاعر / كانت تقرن بالجنون عند الإغريق ، وتنسب إلى شياطين الشعر في وادي عبقر عند العرب ، وأصبحت حديثاً تؤوَّل بالمدى الممتد من العصاب إلى الذهان ، فالشاعر رجل مجذوب عند البعض ، والموهبة تعويض عن نقص عند الكاتب على مبدأ كل ذي عاهة جبار، فقد كان أبو حيان التوحيدي أعور وابن سيدة اللغوي الأندلسي أعمى ، وكذلك بشار بن برد ، وأبو العلاء المعري ، وربيعة الرقي ، وطه حسين ، وعبد الله البردوني عميانا ؛ وكان بيتهوفن أصما ، وكتيس قصيراً ، وبروست عصابياً ، وبايرون أعرجا ،وبوب أحدبا ؛ فالكاتب عند فرويد عصابي عنيد يصون نفسه بوساطة العمل الأدبي من الانفجار ، وتثير نظرية الفن كعصاب التي تبناها الكثير من المفكرين مسألة علاقة المخيلة بالاعتقاد ، فالروائي يشبه الطفل الحالم الذي يحكي لنا الحكايات ، فيخلط عالم الواقع بتخيل من عالم آلامه وآماله ومخاوفه ؛ ويرى إليوت أن الفنان أكثر بدائية كما هو أكثر تمدناً من معاصرية وباعتبار أنّ الكاتب عضو في مجتمعه فهو أكثر الناس تمكناً في التعبير عن أحاسيسه رغم أنه ليس أكثر الناس إِحساساً ، ويوفرّ الكتَّاب والشعراء المادة الخصبة للمحلل النفسي لأن شخصيات أعمالهم تمثل أنموذجاً يمكن دراسته والحكم عليه . إِن / أوستن وارين / يعتبر الشاعر حالم يقظة يحظى بقبول المجتمع وبدلاً من أن يغير شخصيته ينمي خيالاته وينشرها .
يقول فرويد (الفنان في الأصل رجل تحول عن الواقع لأنه لم يستطع أن يتلائم مع مطلب نبذ الإشباع الغريزي ، فأطلق العنان لكامل رغباته ، ومطامحه الذاتية في حياة الخيال ثم وجد طريقاً للعودة من عالم الخيال إلى عالم الواقع وهو يصوغ نوعاً آخر من الواقع ـ العمل الأدبي ـ ) .
إِن الأديب إِنسان شفّاف مشرق الروح والفكر تتميز أعصابه بحساسية دقيقة تكتشف الواقع بكل أبعاده ومعانيه ، وتتحسس الصعوبات التي تتوضَّع في حياة الآخرين سواء أكانت فكرية أم اجتماعية أو فلسفية ؟ وهو في الوقت نفسه يعشق الجمال والكمال المطلق بفطرته التي وهبها الله له وباعتبار أن الصراع قائم بين ما هو واقع ( فعل _ فكر غير مرض ) وبين طموح الانسان لبلوغ الكمال المطلق ، فإن الأديب يرسم لنا صورة هذا الصراع ويفترض الحلول المشرقة لصورة الواقع المشّوهة. فصورة المرآة في الواقع أقل مكانة من صورتها في الأدب ، وكذلك صورة المعلم (كاد المعلم أن يكون رسولا ) إذاً لا يُقبل الواقع على ما هو عليه لأن شكل الكمال المطلق الموجود في خياله وفكره . وتدعونا دراسة نفسية الكاتب إلى الكشف عن القوانين النفسية التي تحكم الشخصيات التي يرسمها هؤلاء الكتاب في أعمالهم ذلك أن الإنسان هو محور الأدب ، وهذا ما يدعونا في قراءتنا لأي نص أن نجد نموذجاً لإنسان ما يحملنا على التفكير في الأسباب التي دعت هذا الأنموذج من الناس إلى التصرف على هذه الشاكلة أو تلك ./ فالدون كيشوت عند سير فانتس / قتل مجموعة من الأغنام وتصورها أعداء له ولما اكتشف أنها أغنام وليست بشرا قال : الحمد لله الذي مسخ أعدائي أغناماً ؛ وكذلك فعل الشاعر العربي (( الراعي النميري)) المصاب بلوثة في تفكيره مع كلب له ظناً منه أنه لص فقتله ، وكذلك أوديب تزوج أمه وقتل أباه ، وشهريار كان مولعاً بالزواج والقتل يتزوج كل ليلة امرأة ويقتلها في الصباح وشخصيات قصائد نزار قباني من النساء كانت من بنات الخيال لأن مأساة أخته وصال بقيت ماثلة أمام عينيه . وكثيراً ما يعكس الكاتب دوافعه النفسية على لسان شخصياته ، بل كثيراً ما تندفع الشخصيات بالحديث المختبئ في عمق وجدان الكاتب ذلك أن الكاتب عضو في مجتمع يستمد منه أفكاره وتؤثر فيه معطياته .
إن شخصيات قصة / أرزاق يا دنيا أرزاق / للكاتب السعودي علوي طه الصافي هي شخصيات من صميم المجتمع تحكمها دوافع نفسية راسبة في أعماق لا وعيهم فأعظم شخصية في هذه القصة تحكمها آلام القهر والصمت والفقر ؛ وأكثر ما يبعث التناقض في حياة هذه الشخصية أن المغنّي يجمع الملايين بينما الملايين لا يجدون إلا أوراق الشجر طعاماً لهم ، وكذلك شخصية الزوج السكير في قصة / شمس صغيرة / لزكريا تامر فهو حالم يقظه يتصور الخروف جنيَّاً يمكن أن يقدم له جراراً من الذهب التي وعده إياها ويمكن له بذلك أن يحل مشكلة الفقر التي تسيطر عليه وتسير حياته ، إنه رجل تحكمه ألـ (هو ) بما فيها من رغبات وغرائز .
وبناءً على ذلك يمكننا أن نجمل القول بأن علم النفس دخل في صميم الأدب ، وأصبح مسباراً فعالاً يسهم في الكشف عن جوانب العمل الأدبي وفي نبش ذات الكاتب وتوضيح اتجاهاته وهو ضرورة هامة من ضرورات الأدب
ـ 2 ـ
المنهج الاجتماعي في دراسة الأدب
يستمد الأدب جانبه الاجتماعي من كونه مؤسسة اجتماعية أداته اللغة التي هي نفسها من خلق المجتمع .فالأدب ينبثق من المجتمع ويكتب له ذلك أنه يمثل الحياة تمثيلاً حقيقياً والحياة هي الحقيقية الاجتماعية التي يمكن لنا استبارها من خلال الفكر و الأدب .
لقد كان الأدب العربي شعراً ونثراً يمثل الحياة الاجتماعية العربية أصدق تمثيل في جميع جوانبها ،فقد رسم لنا الأدب الجاهلي العادات والصور الاجتماعية بشكل واضح حتى إنه يمكن القول: إننا لم نتعرف على صور المجتمع العربي الجاهلي إلا من شعره ،والمتصفح لدواوين الشعراء الجاهليين يجد قيماً وأنماطاً من السلوك تتحدث عن الشجاعة والبطولة والكرم ونصرة المظلوم وحماية المرآة والثأر والانتقام وغيرها . مما جعلهم يقولون بحق (الشعر ديوان العرب ) وهذا ينقض ما زعمه الدكتور طه حسين في كتابه ( في الشعر الجاهلي ) من أن الشعر الجاهلي لا يمثل الحياة الجاهلية . وكذلك كان الأدب في عصر صدرالإسلام والعصر الراشدي والأموي والعباسي وأدب عصر الدول المتتابعة وبقية العصور، مع تطور في الموضوعات والأغراض والمضامين . لقد كان الشاعر العربي بصفته عضواً في مجتمعه منغمساً في وضعه الاجتماعي ويتلقى فيه نوعاً من الاعتراف ، لأنه يخاطب جمهور القبيلة .وفي المجتمع البدائي لا يمكن فصل الشعر عن اللهو والسحر والشعائر .
لقد كان للشعر الجاهلي كما يقول الدكتور عبد المجيد رزاقط ( بعض نشاط الإنسان الجاهلي في مواجهة الحياة ، فهو مرتبط بالدين والعمل والعلاقة بالآخر والمحيط ، ولعل ارتباطه بالدين والعمل هو الذي جعله نوعاً من الغناء فهو إنشاد وحداء وليس نظماً أو قولاً ) .
ويضيف الدكتور عبد المجيد قائلاً : ( لقد كان السائد لدى الشعراء الجاهليين أن الشعر يصدر عن وحي أو عن إلهام شياطين تسكن وادي عبقر) ، ومما قيل في هذا الصدد قول أحدهم :
وقافية عجت بليل روية تلقيت من جو السماء نزولها
وقول الآخر :
ولي صاحب من بني الشيصبان فطوراً أقول وطــوراً هوه
ومن ذلك ما يقوله امرؤ القيس :
تخبرني الجن أشعارها فما شئت من شعرهنَّ اصطفيت
أما عبد الله بن رواحة فقد كان يرى في الشعر أنه شيء يختلح في صدره فينطق به لسانه.
هذه النظرة إلى مصدر الإلهام الشعري – ايحاءات شياطين رغم سذاجتها تدل على مفاهيم اجتماعية زرعها المجتمع في فكر الشاعر ، فهي من صنع المجتمع وتعبر عن خلفيته الثقافية القائمة على التفسيرات الغيبية الخيالية المسطحة . إن الماركسيين رغم اعتمادهم على المحسوس والواقع في نظراتهم الفكرية إلا أنهم لا يدرسون الأدب وصلاته في المجتمع من خلال الواقع وما يفرزه من قضايا ومشاكل لأنهم يتخيلون مجتمع المستقبل الخالي من الطبقات ويقدِّمون للأدب نقداً تقويميا تقييميا قائما على معايير غير أدبية، ومعاييرهم إيديولوجية مصنوعة من بنتات خيالهم وهم بذلك لا يتصلون بالمجتمع المعاصر لهم بل بالمجتمع القائم في أفكارهم سواء تحقق أم لم يتحقق واقعياً ؟.
إن الأعمال الأدبية تمدنا بالوثائق الاجتماعية ، والأديب في هذه الأعمال ينقل لنا الحقيقة ضمن إطارها التاريخي الاجتماعي .
يقول دي بونالد ( الأدب تعبير عن المجتمع ) فهو يعكس الحياة بجميع صورها ويعبر عنها من جميع جوانبها ؛ والأصول الاجتماعية للأديب تمارس دوراً رئيسياً في المسائل التي يثيرها سواء أكان في مركزه الاجتماعي /كخادم للبلاط / أم في فراغه الاجتماعي حين يكون ممثلاً لصورة المجتمع التي ترتسم في أعماقه من خلال ممارساته وعلاقاته البسيطة والمعقدة ؟.
إن ولاء الأديب وعقيدته تمثلان المجتمع بأشكاله .سواء أكان ولاؤه حقيقياً ودفاعاً عن قضايا اجتماعية أم كان صورياً مدافعاً فيه عن البلاط دافناً لنظرته الحقيقية للوجه الآخر للمجتمع
إن جميع الأدباء على الإطلاق يستمدون تجاربهم من المجتمع متأثرين به ، وفي الوقت نفسه يفرغون هذه التجارب في المجتمع ويؤثرون فيه لأنهم يعيدون صنع هذه الصورة الاجتماعية بالشكل والوجه الذي يرغبون .
يعتقد ( توماس وارثون ) أول مؤرخ حقيقي للشعر الإنجليزي ( أن الأدب فضيلة تخصه وهي التسجيل المخلص لسمات العصر والحفاظ على أفضل تمثيل للأخلاق و أفضل تعبير عنها ) وكذلك كان الأدب العربي رصداً حقيقياً للحياة الاجتماعية العربية بكل أبعادها و أشكالها .
إِن الأدب كما يقول محمود أمين العالم ليس ألا موقفاً اجماعياً يحمل في طياته مضموناً ما ويعتبر العالم ( أن الثورة في الأدب هي تنمية الرؤية الموضوعية للواقع الإنساني وتوكيد لقيم الحرية والمساواة وإعلان إنسانية الإنسان وتنمية طاقاته المبدعة للمشاركة في تغيير الحياة وتجديدها ) إننا كما يقول عباس السعدي ( نفهم اجتماعية مضمون الأدب انطلاقاً من اقتناعنا باجتماعية الأديب ) و ( إن الأدب إبداع ذاتي فردي ، ولكن ذاتيته لا تنفي اجتماعيته ) .
ولطالما وقع البرجوازيين في مغالطة حين دعوا إلى / لا اجتماعية / للأدب زاعمين أن ذلك يلغي فردية الأديب مع أن الأدب البرجوازي هو أدب اجتماعي بمعنى من المعاني لأنه يكرِّس سيطرة طبقة على حساب طبقات أخرى .
إن صراع السلبي مع الإيجابي في الأدب هو صراع اجتماعي بين المرفوض والمقبول ، وهو مضمون اجتماعي يسعى الأديب إلى إبرازه وهذا لا يعني وضع الأدب ضمن خطوط مسيَّسة تلتزم الخطوط الواضحة لصراع الحياة ، فالأدب لايؤدي دوره الاجتماعي إلا حين يعكس بصدق الحياة في صلاتها وعلاقاتها الجوهرية ذلك أن الالتزام نفسه في الأدب ينبثق من الرؤية الاجتماعية والتاريخية
إن أية نظرة متفحصة للأدب بجميع أشكاله وقوالبه تعزز انتمائية هذا الأدب للمجتمع الذي عاش فيه بحيث لا تخرج هذه النظرة الأدبية فيه عن القضايا التي عاشها الأديب وتأثر بها ، وإن فهم الأديب المتعمق للحياة هو نوع من الإدراك الحقيقي لقوانين الحياة والمجتمع.
إن واقعية الأدب واجتماعيته تأتي من خلال انخراط الشاعر ، أو الكاتب في قضايا أمته الاجتماعية ولو أدى به ذلك إلى الصدام مع المفاهيم الاجتماعية فالأدب كما يقول نزار قباني : ( عملية صدامية .... عملية استشهاد على الورق ، والشعر هو الناس هو الشارع) ثم يضيف قائلاً : ( القصيدة ليست مجرد عملية تطريب ، أو تخدير يسمعها الإنسان العربي في أمسيته ثم يعود إلى حالته الأولى .... ...وظيفة الشعر أن يحرض الإنسان على نفسه ولا شعر حقيقي دون تحريض )
بينما يرى أدونيس أن ( مدى حركة الشاعر العربي محدوداةٌ جداً . محدودةٌ بالسطح الاجتماعي وبالسطح السياسي ) لأنه يعتقد أن ( الشعر نقيض للواقع المؤسس المجمَّد المباشر المبتذل المكرر الذي لا يساعد في الكشف عن حقيقة العالم أو عن أسرار الحياة الإنسانية ) .
والناظر إلى صفحات المجلات والجرائد كما يقول أدونيس ( يرى في معظمها دماء المثقفين تسيل من كل جهة أي أنك لن تجد فيها سوى الأهاجي والشتائم
والنقد الجارح والتشويه بمختلف أنواعه ) . وهذا يعني أن الأدباء والمثقفين بعيدون كل البعد عن المفرزات الاجتماعية العربية التي هي لب القضية الأدبية التي تستمد منها المعاناة والتجربة.
إن أي أدب لا ينتمي إلى معطيات مجتمعه محكوم عليه بالفشل سلفاً لأن مادة الأديب هي المجتمع منه يغرف وفيه يصب ، وحتى عند من ينظرون إلى الأدب نظرة حداثية نجد كما يقول الدكتور غالي شكري أن ( النخبة تختار جزيرة مهجورة حتى تتجنَّب شر القتال ) .
و(أي أدب يتجنَّب شر الصدام والقتال الاجتماعي ليس إلا أطراً وهمية ، بل هو هذر كلام لا طائل تحته لأن الأدب روحه المجتمع . وما تزال الفجوة كبيرة وخطيرة بين الحداثيات العربية والقاعدة العريضة من القراء الذين لم يعودوا يجدون المضامين الاجتماعية التي تتحدث عن قضاياهم العامة والخاصة ) .
إن مقولة منتغمري بلجيون : ( الكاتب داعية غير مسؤول ) . غير صحيحة لأن الأديب في حقيقة أمره داعية مسؤول عما يقوله، فهو يستمد من المجتمع معظم قضاياه حيث يقوم برفض أو تصويب أو تجديد قضايا تعيش واقع الإنسان وتبنِّي الكاتب لرأي ما أو نظرية ما إنما يكون من خلال قناعات قائمة على أسس عميقة يفهمها هذا الكاتب حق فهمها ويوضحها لقرائه من خلال شفافية أدبية واعية ولا يُحكم على مسؤولية الكاتب كما يقول إليوت إلا من (خلال النية المعلنة والتأثير التاريخي لهذه النية المعلنة ) . إن الأدب كما يقول مندور: ( ضرورة حياتية تشبع في حياة الناس حاجات ملحة لا تقل خطورة عن الحاجات المادية ) . ولذا كان من واجبات الأديب أن يسهم في تنظيم الإنتاج العام وتنمية الخير في حياة الناس وتحقيق العدالة لهم . لقد احتدم الصراع بين فردية الأدب واجتماعيته عند البعض ، وبين وظيفته الجمالية والحياتية ، وهل الأدب هروب وحياد أم هو رأي والتزام تجاه القضايا الاجتماعية ؟ لقد قاد هذا الصراع أصحاب الشعر الغنائي للنظر إلى الفن على أنه المعبر عن النفس البشرية وما حديث الأديب عن العالم الخارجي والطبيعة إلا لأنه يعكس قضايا معينة ويتلون بألوان مختلفة، ومع أنا نسلِّم أن أحد جوانب الأدب التعبير عن النفس البشرية ، فإننا نرى أن هذه النفس نفسها تحفل بالموضوعات الاجتماعية
ـ 3 ـ
المنهج اللساني في دراسة الأدب
المطلّع على تاريخ الأمم السابقة يجد أنه حافل بالدراسات اللسانية كما يقول الباحث اللساني الإنكليزي/ روبنز/ فقد استرعت الظاهرة اللغوية( صوتاً وتركيباً ودلالة ) انتباه الإنسان ، فالحضارة الهندية بحثت في مجال الصوتيات اللغوية منذ أربعة آلاف سنة على يد / بانيني / واليونان استفادوا من بحوث الإغريق اللغوية التي قدمها أفلاطون وأرسطو ، والمدرسة الرواقية ولا سيما في المجال الدلالي البلاغي كذلك . والصينيون واليابانيون أسهموا في هذه الدراسات على يد اللساني/هياكاوا / في كتابه اللسانيات الشرقية والعرب أسهموا في التحول الكبير في مسيرة التراث اللغوي العالمي بما خلّفوه من تراث لغوي يضم :
ـ كتب النحو والشروح التي تناولته (نحويّات ) .
ـ كتب التجويد وفق قراءة القرآن الكريم ( صوتيات ) .
ـ كتب البلاغة ( دلاليات ) .
ـ كتب الفلسفة والمنطق .
ـ كتب التفاسير القرآنية والنبوية .
ـ كتب دواوين العرب الشعرية والنثرية وشروحها .
ـ كتب الموسوعات المعرفيّة / الجاحظ – ابن حزم / .
ـ كتب المعاجم واللغة .
ـ كتب التاريخ .
وقد حفل التراث اللغوي العربي بركامٍ معرفيٍ تناثر في تاريخ الحضارة العربية ذلك أن العرب القدماء أرادوا تفسير الظاهرة اللغوية كما فسروا الظواهرالإنسانية والطبيعية الأخرى خدمة للنص القرآني . ومما يسترعي الانتباه حديثاً أن التطور قد شمل بحوث اللسانيات الحديثة التي أخذت تهتم بالأصوات اللغوية والتراكيب النحوية ، والدلالات والمعاني اللغوية ، وعلاقة اللغات البشرية بالعالم الفيزيائي من خلال دراسة عملية تستخدم المقاييس التالية ومن خلال ملاحظة الظواهر اللغوية والتجريبية ( الاستقراء المستمر ) ، وبناء نظريات لسانية كلية ، وضبط هذه النظريات ومن ثم ضبط الظواهر اللغوية واستعمال النماذج والعلائق الرياضية .وللسانيات فروع متعددة كل منها يختص بناحية جزئية . فاللسانيات النظرية : تبحث في النظريات اللغوية الحاضرة والماضية من خلال ( الصوتيات الفيزيولوجية النطقية ، والصوتيات الفيزيائية و الصوتيات السمعية الدماغية) والنحويات أو علم التراكيب المتضمن ( بناء الجملة – بناء الكلمة – التقديم والتأخير في العناصر اللغوية ) والدلاليات أو علم المعنى الذي يشمل (علم المعنى الخاص والعام وعلم بنية الدلالة في الدماغ وعلم التعرف على اللغة عندما تختزن في الدماغ ، وعلم فهم اللغة عندما تختزن في الدماغ مع فهمها وعلم المشترك والترادف .... ) واللسانيات الانثروبولوجية : التي تبحث في صلة اللغة بأصل الإنسان لأنها عضو فسيولوجي إنساني . واللسانيات التطبيقية : وتبحث في التطبيقات الوظيفية التربوية للغة من أجل تعليمها والمنهجية لتقنيات تعليم اللغة
( أصول تدريس مناهج تدريس ) .
واللسانيات الاجتماعية : وتبحث علاقة اللغة بالمجتمع لأن اللغة ظاهرة اجتماعية تتفق عليها الجماعات وتعكس عادات وتقاليد وثقافة اجتماعية .
واللسانيات البيولوجية : وتبحث في علاقة اللغة بالدماغ ومقارنتها بالبنية الإدراكية عند الحيوان والتطور اللغوي البيولوجي عند الأطفال .
واللسانيات الرياضية : وتبحث في اللغة كظاهرة حسابية مركبة صوتاً وتركيباً ودلالة ومنظمة بحيث يمكن وضعها في أطر رياضية لإثبات ماقاله/ تشومسكي / من أن اللغة آلة مولدة قادرة على توليد ما لا نهاية له من الرموز اللغوية بطرق محددة . وكذلك اللسانيات الحاسوبية : التي تستعمل الحاسب من أجل الدقة والسرعة في البحوث اللغوية والترجمة اللغوية ولقد استرعى انتباه دارسي الأدب استعمال اللغة من قبل اللسانيين وأدركوا أنه يمكن لهم أن يستفيدوا منها في مجال الدراسة الأدبية ؛ وإذا كان اللجوء إلى المنهج الاجتماعي والنفسي في مواجهة التجربة الإبداعية خارج عن طبيعة الأدب ، فإن الاستعانة باللسانيات يأتي من داخل الأدب بعد أن استطاعت هذه المباحث أن تحقق تطورات كبيرة في القرن العشرين، فالموضوع المدروس في هذا المنهج هو اللغة الإنسانية التي توظف في الأدب توظيفاً جمالياً . وأداة الدراسة هي لغة المفاهيم والمصطلحات ؛ فاللساني يستخدم اللغة في دراسة اللغة استخداماً خاصاً فيحلل ويركب ويشرح ويفسر ويحكم ويستقريء ويستنتج ويخرج بحقائق تتصل بجوانب اللغة لإقامة نظام يستوعب هذه الأشكال كلها ويجعل أمر وجودها ممكناً ضمن نظام لغوي ، ودارس الأدب لسانياً يشرح ويفسر ويحلل ويوازن لإقامة نظام أدبي يحكم إنتاج هذه النصوص أو ما يسمى بنظرية الأدب الداخلية أو الشعرية
وتبدو اتجاهات أصحاب المنهج اللساني في دراسة الأدب تسير في منحيين :
1- استلهام الأنموذج اللساني كلياً أو جزئياً على اعتبار أن الأدب شكل من أشكال الممارسة اللغوية المتميزة بسيادة الوظيفة الجمالية لاستخلاص النظام الذي يحكم النصوص الأدبية في فن من الفنون .وفي بحث ناقد الأدب عن النظام الأدبي الخاص بأدب أمة ما يفترض فيه أن يبدأ من دراسة الإنشاءات الأدبية الفردية / نصوص مختلفة / ثم يضعها تحت عناوين الأجناس الأدبية ثم يستنبط الأعراف والقوانين والمعايير والقيم والضوابط التي تحكم إنتاجها والتي تشكل النظام الأدبي / الشعري / ، ففي دراستا لمجموعة قصص لكاتب من الكتاب نكتشف النظام الأدبي الذي يحكم إنتاج القصة لديه وفي دراستنا لما أنتجه كتاب القصة في بلد من البلدان نكتشف النظام الأدبي الذي يحكم القصة في ذلك البلد .
ويمكن أن نأخذ مستوى من مستويات اللغة ونستلهمه جزئياً كاستلهام المستوى النحوي وتطبيقه على المسرح والقصة ( فالجملة في اللغة العربية تتألف من فعل وفاعل ومفعول به وظرف وجار ومجرور ومنصوبات ) ويمكن استلهام ذلك في المسرحية . فالعمل المسرحي هو الفعل والشخصية التي تؤدي هذا العمل هي الفاعل والشخصيات المتأثرة بالعمل هي المفعول به والمحتوى الزماني والمكاني هما ظرفا الزمان والمكان والحوافز والغايات هي المفعول لأجله والمؤكدات هي المفعول المطلق .
2- توظيف المصطلح اللساني في دراسة الأدب باعتبار أن الأدب فـــن لغوي
( إنشاء لغوي) ، فإنه بوسع دارس الأدب أن يستخدم المصطلح اللساني في وصفه لهذا الإنشاء بمستوياته المختلفة وأن يصغ توظيفاً أفضل لمختلف وجوه العمل الأدبي وأن يستخدم معطيات هذا التوظيف في تحديد ما يجعل الأدب أدباً بشكل عام أو يفسر جمالية وجه من وجوهه فدارس الأدب يستطيع أن يصف لسانياً المستويات التالية من العمل الأدبي :
( المستوى المعجمي _ الصوتي _ الوظيفي الصوتي _ الصرفي _ الدلالي _ النحوي _السياقي الإنشائي ) . يقول د. رضوان قضماني : ( الشعر ممارسة لغوية إبداعية تتم بقوانين أدبية اجتماعية تاريخية تقوم على التعامل مع منظومة اللغة نفسها لتجعل منها
منظومة إبداع ، وتتجلى عبقرية الشاعر في الإمساك بتلك القوانين التي تدير الكلام وتتحكم به والنظرة اللسانية إلى الشعر لا تفصل بين الدلال والمدلول ، أو بين الشكل والمادة أو بين العبارة والمحتوى بل ترى في الشعر عملاً تتحقق فيه وظائف اللغة الثلاث ( الوظيفة المرجعية _ والوظيفة الإيديولوجية _ والوظيفة الشعرية ) دون فصل لأن النص الشعري علاقة غير منفصمة كما يؤكد لوتمان ويضيف د . قضماني ( أن الوظيفة المرجعية ترتبط بالواقع والعلاقة مع الواقع مفتاح الدخول إلى الشعر والعلاقة اللسانية جزء من الواقع المادي والوظيفة الإيديولوجية إدراك واع لذلك الواقع وللعلاقة اللسانية دور إيديولوجي جلي فعندما تتحول العلاقة اللسانية / الخبز/ إلى رمز ديني تتحول إلى علامات إيديولوجية ) وبما أن اللغة هي الواقع المباشر للفكرة وأن العلاقة اللسانية هي اتحاد بين الدال والمدلول ، فإن الشعر هو اتحاد بين الدال والمدلول ( اللغة والفكرة ) اللتين تحققان الوظيفتين المرجعية والإيديولوجية وتلتقيان عند الوظيفة الشعرية .) .
إن توظيف المصطلح اللساني في دراسة الأدب تدفع بالدارس أن يفتح آفاقاً جديدة للإطلاع على جوانب النص الأدبي ، وتفتح أمام القارئ عوالم جديدة يكتشف من خلالها أفق تجربة الأديب الخاصة وآفاق تجارب الشخصيات التي أستلهمها هذا الأديب .
فالواقع الأدبي يشير إلى أن للغة أهمية عظيمة في فهم الأدب لأنها من مكوناته الأساسية وهي أداته التي من خلالها يمكن للأدب أن يرسم تجارب الحياة ، فاستعمال الأديب لصيغة الفعل المضارع في عمل أدبي ما له دلالة تتعلق بواقع العمل وشخصية الأديب وتختلف عن استعمال الفعل الماضي واستعمال ضمير المتكلم أو المخاطب أو الغائب له دلالة خاصة والإكثار من استعمال صيغة الحال أو الأسماء له دلالات معينة . وإنه لمن نافلة القول أن ندّعي أن دراسة الأدب لسانياً تكفي في فهم غوامض النص الأدبي .
ـ 4 ـ
المنهج الأسطوري
يتمحور هذا النوع من النقد حول دراسة الأسطورة وعلاقتها بالثقافة والأدب و استخدام الأدباء للكثير من الأساطير في محاولة لتجسيد أفكارهم من خلالها وإسقاط هذه الأساطير على صورهم الشعرية وأفكارهم العقلية وعواطفهم الحسية وعلاقة هذه الأساطير باللاوعي الجمالي كما أشار لذلك السويسري كارل يونغ والذي تستقر فيه الصورة البدائية أو النماذج العليا التي تمثل بدورها رواسب نفسية لتجارب الإنسان البدائي التي تعبر عنها الأساطير والأحلام والتخيلات الفردية والأعمال الأدبية لدى الإنسان المتحضر وقد نما هذا النوع من النماذج نظرياً و تطبيقياً بشكل كبير و يقوم هذا النقد على تحديد النموذج الأعلى بأنه نمط من السلوك أو العقل أو نوع من الشخصيات أو شكل من أشكال القص أو صورة أو رمز في الأدب و الأساطير والأحلام يعكس أشكالاً بدائية و عالمية تجد استجابة لدى القارئ كأساطير (الموت و البعث) و أسطورة تموز لدى البابليين و أدونيس لدى اليونانيين القدماء و الغول و العنقاء عند العرب و التي تنعكس بهيئات مختلفة و قد بدت في هذا المنهج شخصيات مختلفة تشكل انموذجاً للأساطير ( سيزيف أسطورة تمثل التعب والعذاب الإنساني المستمر ) ( زرقاء اليمامة شخصية تمثل القدرة على كشف المستقبل ) حيوانات ( كالأسد و النمر و الثعلب و الحية )تمثل الشجاعة والغدر والخيانة
أشياء ( كالوردة و الصليب و السيف ) تمثل النقاء والتضحية والقوة ، وقد تتماشى هذه النماذج مع الفصول الأربعة حيث تقابل( الكوميديا الربيع و الرومانس الصيف والمأساة الخريف والهجاء الشتاء ) وقد تستخدم الألوان لذلك كـ (الأحمر للدم والأصفر للموت والزهري للحب) و يقترب هذا النقد من (الأنثروبولوجيا) و(علم النفس) وهو يتوجه نحو الشكلانية في الأدب التي تقول باستقلال الأدب والبنيوية التي تبحث في المكونات الثابتة للخيال الثقافي و الأدبي و الإنساني .
ـ 5 ـ
المنهج الأخلاقي
إذا كانت غاية الأدب الجمال والمتعة الفنية فإن ذلك لا يمنع من ولوجه في مجالات الحياة كلها وتوصيفه كل ما يتعلق بالإنسان والأديب في هذه الحالة كيان متحرك بنفسه وعضو في مجتمعه وقد انقسم الناس في موقفهم من الأدب إلى قسمين قسم يرى أن الأدب جزء من حركة إنسانية تفعل في التغيير وقسم يرى أن هذا الأدب حركة جمالية بعيدة عن المصلحة الخاصة وقد كان الأدباء وإلى فترة وجيزة يرون فعاليات الأدب هي جزء من فعاليات الإنسان تخضع للقوانين و المبادئ التي تخضع لها التجارب الإنسانية وهذا الأدب يزودنا بالفضائل و يجنبنا الرذائل ويطرح نماذج تساعدنا في الابتعاد عن الأفعال الخاطئة فهو منهج أخلاقي لأن الأدب ظاهرة اجتماعية والإبداع الأدبي عمل اجتماعي يهدف إلى الإصلاح الديني والخلقي والاجتماعي أطر حديثاً بمدارس أدبية تستند إلى أساس فلسفي نابع من فطرة كلية الحياة
ـ 6 ـ
المنهج الاعتقادي
الاعتقاد في المفهوم الحياتي للإنسان هو المعتقد الذي يدين به الإنسان و يمارس حياته من خلاله و النصوص الأدبية التي يفرزها المبدعون تعبرعن اعتقاد أصحابها بقضية من القضايا سواء أكانت دينية أو وطنية أو عنصرية أو قومية أو إنسانية أو إلحادية أو إباحية أو غير ذلك ؟ والنقد الموجه لهذه النصوص تسيطر عليه آراء هذه المعتقدات التي استقرت هي أيضاً عند الناقدين وهذا النوع من مناهج النقد أشد تعرضاً لجرح أصحابه لاعتقاد الناس أن صاحب عقيدة ما من النقاد سيقف إلى جانب العقيدة التي يتبناها صاحب النص المدروس على اعتبار أن تجرد الإنسان من الأهواء صعب جداً و أنه في الوقت نفسه أن التجرد من الأهواء شرط أول وأخير للنقد وهو أساس النقد المنصف والناجح .
فإذا أردنا أن نحلل و ننقد أثراً أدبياً ما لابد لنا أن نبدي وجهة نظر بهذا الأثر و ما يحمله من هوى خاص به وهذا يستدعي إيقاظ الأهواء المماثلة أو المضادة عند الناقد والأديب كما نعرف من عناصره الأساسية الإثارة ولو كان هذا الأدب موضوعياً أو تصويراً أو غيرياً ومن هنا فليس بمستطاع ناقد الأدب عند الحكم على عمل أدبي أن يفصل بين مادة النص وطريقته الفنية وعلى الناقد و أنا أقول الناقد لأن عمله جزء من التاريخ الأدبي أن يستخدم معطيات النقد فيما يقوله ليبين لنا فيه أماكن تحول المشاعر والعاطفة وأماكن إسراف المبدع أو موضوعيته اتجاه القضية المطروحة في النص فالهوى كما هو معروف ضعف بشري لا ينجو منه أحد إلا ما ندر فهو ملازم للطبيعة البشرية وقد احتار النقاد بشخصيات كثيرة كالمعري في إيمانه وشكه والخيام في عربدته أو صوفيته وعليه فيمكن للناقد أن يدرس في نصوص الخيام (خمرة الروح و المادة) ويؤكد على أيهما غلب على فنه ويمكن للناقد أن يضيف لذلك التحليل النفسي لهذه الشخصية دامجاً بين معتقد الأديب ونفسيته والمهم ألا تفسد اعتقادات الناقد الخاصة وأحكامه على ما ينتقده والأمثلة كثيرة في تاريخنا الأدبي ومقارنة بسيطة بين شعرالشعراء الكفار من جهة وشعر الشعراء الإسلاميين من جهة أخرى يمكن للناقد أن يستثمره في إبراز صورة نجاح فكرة الإيمان أوالكفر وأسباب هذا النجاح و ذاك الفشل وأي معتقد هو الصحيح دون أن تدخل أهواء الناقد في حساب طرف من الأط
ـ 7 ـ
المنهج العلمي
لا يمكن لأحد من الناس أن ينكر اقتراض المعارف والعلوم بعضها من بعض واستعارة مصطلحاتها في عالم تتوسع فيه دائرة العلوم والمعارف والآداب وقد ظهر هذا النوع من المناهج إثر النهضة العلمية والفكرية والأدبية الكبيرة التي ظهرت في الأبحاث العلمية والطبية خاصة في علم الحياة صاحب ذلك أبحاث فلسفة العلوم ونظريات التطور وأصل الأجناس عند الحيوان والإنسان وتطبيق ذلك على العلوم الإنسانية والاجتماعية (الأخلاق – علم النفس- والأدب) وقد اقتبس نقاد الأدب ودارسوه بعض هذه العلوم ورأوا أنه من الممكن تطبيقها على الأدب فكتب بعضهم في تطور أنواع الأدب كتطور الشعر والقصة والمسرحية والمقالة والخاطرة والرسالة والخطابة والمقامة وإذا كان البعض يزعم أن هذا النوع من النقد لا يخلو من التعسف فإن هذا المنهج يساعد المناهج الأخرى في تفتيق أعماق النص الأدبي وإذا كان بالإمكان أن نستفيد من معطيات النظريات العلمية ومحاولات النقاد في تطبيقها في ساحة الأدب فإنه علينا ألا نسرف في الأخذ بحرفيتها في مجال الأدب وعلينا أن نأخذ بروح العلم لا بنظرياته حرفيا لأن روح العلم هي روح أخلاقية أذا تشبع بها الناقد أو دارس الأدب أو مؤرخه استطاع أن يكون مقتصدا في أحكامه موضوعيا فيها غير مبالغ ولا مسرف يتقصى الحقائق والتفاصيل ويبني حكمه على ما جمع من معلومات وثيقة ووظيفة الناقد ودارس الأدب والمؤرخ الأدبي أدراك المفارقات بين نظريات العلم وتمييز ما فيها من فائدة للأدب فقد حكم المنقاد المعاصرون على بعض الشعراء الصعاليك أنهم كانوا اشتراكيين لأنهم كانوا يأخذون من الأغنياء اختلاسا ويعطون للفقراء وهذا وإن كان فيه بعض الجور فإن روحه يدل على إنسانية بعض الشعراء الصعاليك .
ـ 8 ـ
المنهج التاريخي
إن التكدس الأدبي الذي يمر عليه زمن طويل يفرز لنا ظواهر أدبية متنوعة وفنون أدبية متشعبة و مدارس أدبية تفرزها ضرورات اجتماعية وإنسانية وعقدية و سياسية واقتصادية تشكل الخلفية الفكرية والعاطفية لكثيرمن المؤلفات وأنه لا بد عند دراسة الأدب وتأطيره وتأريحه من إبراز هذه الظواهر وأسبابها وعللها والنقد التاريخي هو الذي يفسر هذه الظواهر الأدبية و مؤلفات الكتاب و شخصياتهم لأنه يعنى بالفهم والتفهيم أكثر من عنايته بالحكم النقدي والمفاضلة النقدية و النقاد الذين يميلون إلى هذا النوع من النقد يؤمنون أن تفسير الظاهرة الأدبية يساعد القارئ في الحكم على أصحابها و كثيراً ما يتجه أصحاب هذا النوع من النقد إلى المؤلفات الثانوية في كل عصر لا إلى المؤلفات الرئيسية لأنهم يعتقدون أن أصحاب المؤلفات الثانوية مرآة صادقة لعصورهم مع لفت الانتباه إلى أنه يجب مع تفسير الظواهر الأدبية والمؤلفات والشخصيات معرفة الماضي لهم و الحاضر المحيط بهم و تحسس للآمال التي تجول في نفوسهم في تلك الأيام ومن تأثر بهم والمنهج التاريخي لأنه من يأخذ به يدرس المؤلف وما يحيط به من مؤلفات وكتاب وقضايا متعلقة بالإنسان ليكون حكمه صحيحاً و شاملاً بصرف النظر عن منهج الناقد الذاتي أو الموضوعي .
ـ 9 ـ
المنهج اللغوي
تعد اللغة المادة الأساسية للأدب وهي الثوب الذي تتزيا به الأفكار والعواطف والمشاعر وأكثر مايعانيه الأباء في صناعة نصوصهم القدرة على إخضاع الفكرة أو الإحساس والمشاعر والعواطف للألفاظ إذ يستقر الإبداع الأدبي في العبارة ويسكن في غاباتها ولو أننا فصلنا الفكر والمشاعر عن العبارات لنتهينا إلى موت العمل الأدبي ، فاللغة في أحد جوانبها وسيلة للتعبيرعن جانبي الإبداع الفني ، فاللفظ والمعنى هما شفرتا المقصفي الأدب كلاهما يقطع عندما تتحدثا بل هما جناح الطائر حين يريد أن يتنقل أو يتحرك من مكان إلى الآخر أو يحلق في سماء الحياة والإلمام باللغة إحساساً ومعرفة عقلية ونفسية وحياتية وكونية هو سر الإبداع وهبة الأسلوب ذلك أن للألفاظ كغيرها من المخلوقات أرواحاً يجب أن نتعرف على سرها ومعرفة علوم اللغة أساسي لصناعة النص الأدبي ولكنه ليس الفاصل في الحكم على النص ومن المفترض فينا أن نتجاوزها إلى المعرفة العاطفية والنفسية والإنسانية وتظهر هذه المقدرة في اللغة من خلال مقدرة الكاتب على الإحساس بهذه اللغة في استعمالاتها المختلفة كما أن النقد اللغوي يتطلب من الناقد معرفة تطور دلالات الألفاظ الحسية والمعنوية والعاطفية فدلالات الألفاظ المادية قد تكون ثابتة ولكن دلالاتها المعنوية والعاطفية متحولة من عصر إلى عصر والكتاب يجددون من وسائل أدائهم برجوعهم إلى المعاني الاشتقاقية للألفاظ ومن خصائص الناقد تمييزه بين المعاني الاشتقاقية والاصطلاحية من خلال قدرته على التنقل في هامش الحرية التي تتيحها له القدرة الإبداعية فالقواعد في الأدب أسس تتبع ولكنها ليست حرفية فقد يخرج الأديب على قواعد النحو أو البلاغة أو الأساليب المعروفة ولكن هذا الخروج إما أن يكون دون تكلف أو أن يكون مبرمجاً ولا يكون الخروج على المألوف في الأدب دائما إبداعاً والناقد الذي يريد أن يخدم نقده يحارب أسلوب الذاكرة في استخدام المصطلحات المحفوظة التي طال استعمالها حتى أصبحت ممجوجة حتى غدا صاحبها مصاباً بالكسل النقدي ولاتقاس ثروة اللغة بكثرة مفرداتها بقدر ما تقاس بثروتها الفكرية و العاطفية مع أنه لا يصح للناقد أوالكاتب أن يعتبر المادتين مبدأين مختلفين و ما يميز الكتابة الجيدة عن غيرها ما يمر فيها الفكر بالإحساس والإحساس بالفكر من خلال ما يقوم به الكاتب الفذ حيث يفكر بقلبه و يحس بعقله و الخطر المحدق بالكتابة هو جفاف الفكر وتناثر مزق العاطفة لأن التلوين العاطفي للفكرة لا يحتاج إلى تعبير خاص بل يأتي من طريق بناء الجملة تقريراً أو تعجباً أو استفهاماً ومن خلال استخدام أدوات الربط وبث الفكرة في الإحساس أمر مستطاع باستخدام منهج المنطق مع الانبتاه إلى أن للشعور منطقه و للعقل منطقه و وقلما يطمئن الكاتب إلى استنفاذ إحساسه أو أفكاره فالكتابة صفة وموهبة لأن في كل شاعر أو ناثر ناقد كامن فقد سود المتنبي الكثير من القصائد حتى عثر على شخصيته الشعرية فمقياس الجودة في صناعة النص الأدبي أن تكون صنعته محكمة إلى حد الخفاء بحيث تبدو طبيعية متمثلة في أسلوب (السهل الممتنع ) وبين موسيقى الألفاظ وموسيقى النفس فارق ولكن الكاتب الفذ من يستطيع مطابقة الفكرة لموسيقى النفس والألفاظ فمن مقتضيات المنهج اللغوي للنقد التفريق بين إيقاع النثر ووزن الشعر في مجال استعمال الألفاظ والمفردات في الأعمال الأدبية فالزمن الذي تستغرقه الجملة في نطقها هو ما يصطلح عليه بالكم وتردد ظاهر صوتية على مسافات زمنية متساوية ومتقابلة هو الإيقاع ففي النثر تتطابق الوحدات الإيقاعية مع الوحدات اللغوية وفي الشعر تتساوى هذه الوحدات الإيقاعية و يميز النقاد بين نوعين من الأساليب النثرية الأسلوب المتموج المتميز بطول الجملة والأسلوب المهشم المتميز بقصر الجملة والقرآن الكريم يحتوي على هذين النوعين فالسور المكية أسلوبها مهشم و السور المدينة أسلوبها مموج و التمييز بين الأساليب يعتمد على الموسيقى وأسلوب الخطابة غير أسلوب التقرير والانسجامات الصوتية في موسيقى الألفاظ أشبعها العرب دراسة من خلال علم التجويد والقراءات القرآنية(مخارج الحروف طرق النطق بها) إضافة إلى ارتباط المعاني المنبثقة من وقع الأصوات ووجوه استعمال الأفعال والأسماء المرتبطة بها .
ـ 10 ـ
المنهج الشكلي
يشكل علم الجمال حديثاً ركيزة مهمة من ركائز الأدب ويسهم في بلورة مدارس ومذاهب أدبية ترى في الجمال هدفاً أساسياً للأدب و من ضمن هذه المدارس المنهج الشكلي الذي مايزال خالياً من أي محتوى ومضمون وأن له قوانين خاصة لكمال العملية الأدبية تتميز عن القوانين الاجتماعية والأخلاقية التي تنأى بالأديب عن القيود وتكره كون الأدب وسيلة للدعاية ومركب للوعظ الخلقي المباشر لأنه ليس مهمة الأديب التعليم وإذا وجدنا ذلك فإنما يكون عرضاً و غير مقصود لأن الأدب أخلاقي دون أن يتقيد بالأخلاق وكل أدب نلمس رائحة الدعاية فيه يفقد صفته الأدبية وإذ لم تندمج الفنون الجميلة و منها الأدب بالأخلاق التي تمنح هذه الفنون السرور المستقل بذاته يصبح الفن بشكل عام ومنه الأدب أداة للتسلية ومن أهم أساسيات المذهب الشكلي
1 ـ التكامل: بحيث يكون هذا العمل الأدبي كلاً واحداً لا انقسام فيه يتألف من بداية ووسط و نهاية لأنه اتساق ذاتي لحياة مختلفة فهو منطقي من حيث بعده
2 ـ التناغم: الذي يحوي على تعليل للسبب الذي يجعل هذا العمل الأدبي على هذه الصورة أو تلك حتى يبقى هذا العمل الأدبي متماسكاً ومتناسب الأجزاءفيه كماً وكيفاً
3 ـ التألق : من حيث الصقل اللغوي والتوهج في الألفاظ كي تكون هذه الألفاظ ساحرة وتلك التراكيب مذهلة
4 ـ التشويق:من حيث الربط بين المشاعر لدى المبدع والمتلقي وهذا التشويق يثير فينا التوقع الحار بأن مجمل الشكل يتحرك بسرعة فائقة حتى يبلغ النهاية
ـ 11 ـ
المنهج التكاملي
لا شك أن النص الأدبي الذي جاء نتيجة قضية من القضايا تتداخل فيه أحيانا مجموعة قضايا نفسية ،وأخرى اجتماعية تحدد مفرزات هذا النص خاصة وأن الكثير من النقاد يعتبرون النص وحدة متكاملة كما هو الإنسان ولديه تصور محدد للإنسان فحواه : أن الكائن الحي نظام متكامل ووحدة متعددة الجوانب تعمل بصورة كلية تحقق انسجاما متآلفا بين أعضائه، وكل وظيفة تخضع في عملها لنظام الكل وتهدف للاحتفاظ بتوازنه، مثلما أن مجموعة الوظائف تعمل متفاوتة لتحقيق هذا التوازن؛ ولما كان الأدب نتاجا إنسانيا ، فمن الطبيعي أن ينظر إليه على أنه نظام متكامل، ودراسته من أكثر من جانب يفرض الكشف عن غناه وبذلك نكشف عن كل الجوانب المهمة في النص المدروس.
ولعل النهج التكاملي لا يعدّ نقدا تاريخيا خالصا ، ولا نقدا بلاغيا ضيقا ،ولا نقدا نفسيا محدودا ولا نقدا اجتماعيا خاصا ، بل إنه يركز على الشكل التعبيري للنص ، ودلالاته؛ ويهتم بالنسيج الأدبي ، ياعتباره قالبا للمعاني
ويمكن لهذا النقد أن ينشط إذا قيض له ناقد يؤطرله عناصره ، ويبرز ميزاته ، وقد اهتم بهذا النقد حديثا ( يوسف مراد ومصطفى سويف وسامي الدروبي وسلوى سامي الملا)وهو يوازي نقد مدرسة شيكاغو الأمريكية وشيخها ( ر.س كرين) . كما وأن الدكتور كمال زكي في كتابه النقد الأدبي الحديث حشر في زمرة هذا النقد نقاد من أمثال (المرصفي ـ طه حسين ـ أمين الخولي ـ فاروق خورشيدـ المازني ـ سهير القلماوي ـ عبد القادر القط ـ صلاح عبد الصبور ـ يوسف الشاروني )
الباب الثالث
الفصل الرابع
ثانيا : الاتجاه الداخلي في دراسة الأدب
ويضم هذا الاتجاه دراسة
ا ـ المعنى
2 ـ العاطفة
3 ـ الخيال
4 ـ الأسلوب
5 ـ الموسيقى
ـ 1 ـ
المعاني وأثرها في الأعمال الأدبية
لا تطلق كلمة أدب إلا على الأعمال التي تملك فكراً راقياً ومعنى سامياً ، وتقوم على أسس فنية وجمالية متميزة ، لأن قيمة العمل الأدبي تكبر بما فيه من معان عميقة وحقائق ثرّة مع أنه ليس بالضرورة أن يقدم العمل الأدبي حقائق مبتكرة ، كما في العلوم الإنسانية ؛ فنحن نقرأ كتاباً في التاريخ نعلم ما فيه من قبل ، ونستطيع قراءة قصيدة تتضمن حقائق معروفة.
إن أدباً كالذي خلفه المعري ( رسالة الغفران ) ( رسالة الملائكة ، رثاء الإنسانية ) ، أو المتنبي أو السياب أو الشابي يحمل بين جنباته معاني كثيرة ، وحقائق صحيحة وإن كان النقاد يرون أن المعاني الصحيحة والنظرة الصادقة ليست شرطاً للعمل الأدبي الجيد ، فأشعار أبي نواس ما جنة من حيث المعنى ، وكاذبة ، ولكنها تشكل أدباً ، والعرب تعتبر أن أعذب الشعر أكذبه .
والحقيقة التي لا مراء فيها أن الأدب المؤسس على حقائق غير صادقة ليس له قيمة كبيرة لأن عمق الإحساس وصدقه مقياس التمييز بين الأدب الرفيع والأدب المتواضع .
إن أكبر الشعراء من اتسعت تجاربه وتعمق علمه في الأشياء وازداد فهمه لحياة الناس ومعرفته لعقائدهم ونظراتهم للحياة . فالشعر ديوان العرب يحوي معارفهم وعلومهم وتجاربهم وأخبارهم ووقائعهم وعاداتهم وتقاليدهم ؛ فقد أفادنا المتنبي في أخبار ووقائع سيف الدولة أكثر مما أفادتنا كتب التاريخ ، وعلمنا شكسبير عن الحياة الإنسانية أكثر من الفلسفة . صحيح أن كتب الأدب غايتها اللذة في بعض جوانبها إلا أنها تزودنا بالأخبار والحقائق والمعاني في الجانب الآخر ذلك أن للمعاني قيمة كبيرة في الأعمال الأدبية عامة ؛ فقيمة الشعر تقاس بما فيه من معاني ترتكز عليها العواطف لأن الحقائق الصحيحة أساس للعواطف السامية التي تستمد حرارتها منها ، والشاعر الذي يرى الحياة( مجلس أنس وكأس شراب ونظرة أمرآة كحيلة )قد يكون إحساسه صادقاً ولكنه سطحي بعيد عن حقائق الكون والحياة .
يقول طرفة بن العبد :
ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى وجدك لم أحفل متى قام عودي
فمنهن سبقي العاذلات بشربـة كميت متى تعل بالماء تزبـد
فالمعاني الصحيحة تعطي مضمونا واقعيا ولكنه ليس هو كل الحقيقة التي ننشدها.
إن الأدب لا يصور الحياة كما هي بل يعيد صياغتها بعد أن يخضعها إلى شيء من التنقية والتصفية ويضيف لها من العواطف والخيال ما يتناسب معها وغاية الأدب نقل أثر الأشياء في نفس الأديب لا الإخبار عن الأشياء كما هي .
يميز مارون عبود في كتابه مجددون ومجترون وكتابه دمقس بين ضربين من الشعر هما : (الشعر الذي يولده العقل كشعر المعري والمتنبي ، والشعر الذي تولده النفس ويعبر عن خلجاتها كالشعر العذري،ويلاحظ عبود أن النقاد العرب اهتموا بالعقل لذلك حاموافي شعرهم حول المعاني ويرى أن حبَّ العرب للشعر القائم على المجهود العقلي هو الذي دفعهم إلى تفضيل المعري على أنه لا يبالي بشيء من الفن ) .
وقد أبدى هذا الناقد العربي الكبير كرهه للشعر المنطقي في نقده لديوان الشاعر والقاص / عبد السلام العجيلي / ( ليالي النجوم ) واعتبر أن المنطق أضر بشعره في حين أفاد نثره إفادة عظيمة لأن قارئ الشعر المنطقي لا يستطيع أن يعثر على شخصية صاحبه .
يقول البحتري :
كلفتمونا حدود منطقتكم والشعر يغني عن صدقه كذبه
والشعر المعتبر عند عبود ما اتحدث فيه الكلمة بالمعنى اتحاداً فنياً مقدساً لا تنفصم عراه .
لقد ولد الأدب من المعاناة ونتجت المعاناة عن التجربة التي هي أصلاً نوع من الحقيقة والمعرفة التي يتزود بها الإنسان من أجل أن يثبت جذوره في هذا الواقع . صحيح أن الأدب العربي معظمه لم يكن يرتكز على العقل ارتكازه على الوجدان إلا أنه كانت هناك شطحات تحدث فيها الشعراء عن حقائق الموت والكون والحياة ولقد تحدث الشعراء الجاهليون عن الموت وبدت تجاربهم من خلاله كبيرة وإن كانت نظراتهم له بسيطة وسطحية فهذا طرفة في معلقته يصور لنا الموت تصويراً فذاً حين يقول :
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى كالطول المرخي وتناياها باليد
وهذا زهير يصف الموت وصفاً بسيطاً يعبر به عن نظرة جاهلية ، وإن كان هذا الشاعر يعد من الشعراء الأحناف :
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمتـه ومن تخطئ يعــمر فيهرم
ولم تكن قصيدة الطلاسم لإيليا أبي ماضي إلا انعكاساً لحيرة الخيام في قضية الموت وإن فتحت آفاقاً جديدة في التفكير في جدلية الحياة والموت وعبارة ( لست أدري ) التي كررها الشاعر لا تعبر عن أنه لايؤمن بنهاية الإنسان في الوقوف أمام الله تعالى .
إن أهمية الأدب كفن من الفنون النافعة والمفيدة تأتي من كونه يحمل في نفعيته أهدافاً إنسانية ونشاطاً حيوياً ، وهذا يعني أن نفعيته هي ( ما يحمله هذا الأدب من حقائق ومعاني تسهم في دفع مسيرة الحياة الفردية والجماعية ) صحيح أن بعض النقاد العرب فصلوا بين الشعر والأخلاق وهذا من الخطأ الكبير ، فالشعر لبه الأخلاق ، إلا أن ذلك لا يعني ألا يحمل الأدب في ذاته حقائق وأفكاراً ومعاني ذات قيمة لأن الأدب كان في مرحلة من مراحله مختلطاً بالفلسفة والتاريخ والدين والسحر، بل كان المعبّر الرئيسي عن فكر الإنسان بجميع نواحيه ولو عدنا إلى نشوء المدارس الأدبية ابتداء من الكلاسيكية وانتهاء بما بعد الحداثة لوجدنا أن معظم هذه المدارس نشأ نتيجة خلافات حول وظيفة الأدب ودوره في الحياة وحول طبيعة الأدب وغاياته. أيستطيع هذا الأدب أن يحمل بين جناحيه معنى وفكراً وحقائق أم هو لذة فنية غايتها في ذاتها ؟؟!!.
لقد نقل الأدباء من خلال ما ورثوه لنا عصورهم بما تحمله من هموم وآلام وآمال وحقائق ومعاني وأفكار وعادات وتقاليد لم يستطع المؤرخون والفلاسفة ورجال الفكر أن ينقلوها لنا بالسمة نفسها التي فعلها الأدباء ويكفي الإنسان فخراً أنه يتعلم من الأدب كيف يكون إنساناً .
إن من يزعمون أن الأدب لعب غايته التسلية ، ومن يرون في الأدب أنه غاية في ذاته ( نظرية الفن للفن ) هم واهمون ، بل على أبصارهم غشاوة لأن الإنسان أوجد الأدب لينقل للآخرين من خلاله حقائق الكون والحياة والوجود .
ـ 2 ـ
العاطفة وأهميتها في العمل الأدبي
إذا كان الأدب مزيجاً من الحقائق والعواطف والخيال يخاطب العقل والوجدان ، فإن العاطفة تلعب دوراً هاماً في إظهار كينونته لأنها أبرز عناصر العمل الأدبي تدفع الأديب للعمل وتوجه إرادته؛ ولا يعد من الأدب ما لا يثير فينا العاطفة وهي العامل الوحيد المفرق بين الأدب والموسيقى صحيح أن الأدب والموسيقى يخاطبان العاطفة إلا أن الأدب يخاطبها معتمداً على حقائق علمية ومواد عقلية بينما الموسيقى لا تعتمد في خطابها للعاطفة على الحقائق العلمية فالفكرة لا تنفصل عن العاطفة في الشعر ومعظم شعرنا العربي غنائي وجداني عاطفي مع أنه ليس من الدقة أن نسمي الشعر عاطفة لأنها جزء منه تحرك ينابيع الإلهام فيه وهي الصورة الإيمائية غير البارزة التي ينم اللفظ والنغم عنها وتشف الصورة من خلالها ولا يصدر العمل الفني عن حالة هياج كما قيل بل تتبلور العاطفة بعد سكونها وتستحيل شعراً ، وقد يخلو الشعر من العاطفة ويبقى رفيعاً كشعر التصوير ووصف الطبيعة ولا يعدو الشعر أن يكون عاطفة وفناً في رأي مارون عبود .
يقول دعبل الخزاعي: ( من أراد المديح فبالرغبة ومن أراد الهجاء فالبغضاء ومن أراد التشبيب فبالشوق والعشق ومن أراد المعاتبة فبالاستبطاء ) ويروى عن بعض نقاد العرب أنه قال : ( أشعر الناس امرؤ القيس إذا غضب والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب والأعشى إذا طرب ) وأكثر ما يثير العاطفة شدة الشوق والعشق والفاجعة والغربة التي تثير الانفعالات في النفس وفقدان الشعر للعاطفة يجعله جافاً قليل الماء والرونق لا يبعث في النفس النشاط والحيوية والبهجة فقول لبيد بن ربيعة
ما عاتب الحر الكريم كنفسه والمرء يصلحه الجليس الصالح
يبين جودة المعنى والسبك ولكنه قليل الماء والرونق ، ويرى أحمد أمين أنه ( من المستحيل وجود قياس مضبوط للعواطف ) يحدد درجة حرارتها أو برودتها إذا جاز لنا التعبير ولا تقدر العواطف إلا بقوتها وحيويتها وبما تحركه في نفوسنا وقلوبنا من مشاعر لأن التجربة الشعرية تسهم في قوة العاطفة التي هي مفتاح النغم ، ويمكن لنا أن ندّعي أن قوة العاطفة تعتمد على قوة الأسلوب لأنه المحرض للأحاسيس والعنصر الفعال في وضوح المعاني ، ومتى استطاعت العاطفة البقاء في نفوسنا مدة أطول كانت مؤثرة التأثير الحقيقي . إن العاطفة تقاس بخصبها وتنوعها وغناها وبدرجة رفعتها وضعتها وبمدى استمرارها في النفوس ؛ ويعزو مارون عبود توفيق عمر أبي ريشة فيما يخرجه من شعر إلى أنه يتحدث عما يحسه في صميم قلبه وإلى أنه يؤمن بما يكتبه :
أمتي هل لك بـين الأمـم منـبــــر للسيـف أو للقلــم
أتلقاك وطـرفي مطـرق خجلاً من أمسك المنصرم
ومع أنه لا يمكن لنا أن نحدد للعاطفة لا حجماً ولا ثقلاً ولا مكاناً في النفس إلا أننا نحس ونشعر بآثارها ، فالمرء إذا أحب أحب بكل كيانه لا بحاسة واحدة وإِذا كره كره بكل كيانه لا بحاسة واحدة وإِن العاطفة تقدّر بما تخلفه في نفس المتلقي من حرارة أو فتور أو ثورة أو هدوء ، فقد تبلغ العاطفة ذروتها في بعض الأبياب وقد تنحط إلا الحضيض بحسب عمق انفعال الشاعر أو سطحيته ولا يمكن الجزم بصدق العاطفة أو كذبها بشكل مطلق لأنه ربما كان الشاعر متكسبا في مدحه و عاطفته قوية كشعر النابغة الذبياني في ملوك الغساسنة وكغزل جريرالذي أفرزه دون تجربة عشق حقيقي مثل قوله :
بان الخليط ولو طوعت ما بانا وقطعوا من حبال الحب أقرانا
وربما كان مبعث العاطفة الإعجاب الحقيقي كمدح زهير للحارث بن عوف وهرم بن سنان , ويبدو كذب العاطفة أحياناً من خلال معرفتنا حياة الشاعر وتجاربه و مذهبه في الحياة كغزل كثير عزة و مدائح المتنبي لكافور الإخشيدي :
أبا المسك ذا الوجه الذي كنت تائقاً إِليه وذا الوقت الذي كنت راجيا
إِذا كسب الناس المعـالي بالندى فإنك تعطي في نـداك المعا ليـا
بينما تصدق عاطفة الشاعر نفسه في هجائه لكافور لكرهه إياه مع العلم أن معاني الشاعر هنا ليست صحيحة ، ولا مقبولة لأنها تخالف حقائق الأديان كلهاوالناس سواسية كأسنان المشط كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
والعبد ليس لحـرِ صالح بأخ لو أنه في ثيـاب الحـرمولود
ما كنت أحسبني أبقي إلى زمن يسيء بي فيه وهو محمــود
ويحتاج الحكم على صدق العمل الأدبي إلى ملكة نقدية متمرسة مطلّعة على كثير من النصوص مميزة بدقة وحساسية تبرز مكنونات الأديب وعلاقاته الاجتماعية والشخصية والسياسية ، فالحكم على صدق العاطفة عند قيس بن ذريح سهل لأن الشاعر كان عذريا لم يعرف في حبه غير ليلى بينما الحكم على كذب العاطفة سهل عند عمر بن أبي ربيعة لأنه تنقل في علاقاته بين كثير من النساء ولم يبد همه إلا في اللهو واللعب والتسلية.
ويشير الدكتور محمد النويهي إلى أن صدق العاطفة يتمثل في الشروط التالية :
1 ـ أن تكون قد ألمت بالشاعر نفسه
2_ أن تكون حدة التصوير فيها ناشئة عن حدة الشعور وقوة الحساسية لا عن رغبة في المبالغة في التصوير
3_ ألا يخالف التصوير نواميس الكون والحقائق والسلوك الإنساني
4_ أن يكون من شأن صنعة الأديب أن تزيد العاطفة في النص جلاء وقرباً لا أن تقف أمام حقائق الكون حجاباً
وليس الشاعر المحدث أصدق عاطفة من الشاعر القديم كما يزعم البعض ، إن المشاعر العاطفية تتعدد في قصائد الشعراء وتنطلق من أحاسيس الشاعر وانفعالاته ومواقفه تجاه الحياة والكون والطبيعة والجمال والوطن والذات والغير؛ ومع أننا نرى الشاعر مشرق العاطفة في بعض المواقف إلا أننا في الوقت نفسه نجده يصدر عن عاطفة باهتة بسبب قربه أو بعده من الموضوع الذي يتحدث عنه وبسبب حساسيته الزائدة تجاه موقف من المواقف ، إن اعتبار العواطف معادلات كيميائية تسير وفق قوانين دقيقة أمر فيه كثير من التعسف والبعد عن إصابة الحقيقة لأن العاطفة شعور نلمح أثره ولا نجد له مكاناً في داخل الإنسان ويؤثر فينا ولا نلمسه ويحرك خطانا بالاتجاه الذي يريد دون أن نشعر .
و يقدر عنصر العاطفة بصحتها واعتدالها , ونعني بصحتها واعتدالها أن تكون الأسباب التي أثارتها واقعية وإن الإعجاب قد يثار من انعقاد الزهرة ثم تفتحها وهذا يعد عاطفة شعرية ،فإذا أردنا أن نقيّم عاطفة ما في قطعة أدبية تساءلنا : هل العاطفة التي تثيرها هذه القطعة قوية و صحيحة ؟ وهل هي قد بنيت عن أسباب صحيحة ؟ فإذا نحن استعرضنا مثلا عاطفة الحب عند مجنون ليلى ، وجدناها عاطفة مائعة نشأت من عاطفة مريضة , وهذا ما نلمحه في الكثير من شعر لزوميات أبي العلاء , فهو شعر متشائم حزين نشأ من عاطفة مريضة , فقد يصبُّ الشاعر غضبه على الدنيا وما فيها لأن إنسانا جنى على الأخلاق ، وهكذا كل شعر الغزل الممعن في وصف ما يلاقي المحب من الضنى , والذي يذوب رقة وحنانا , ليس ناشئا عن عاطفة صحيحة قوية ، والشاعر الجيد هو الذي يثير العواطف الصادقة والموضوعية .وتقدر العاطفة بقوتها وحيويتها , فإذا عرض علينا قطعة أدبية تساءلنا : هل حركت هذه القطعة عواطفنا وأهاجت شعورنا ؟ هل وسَّعت نظرنا وأحيت قلبنا ؟ إن كانت كذلك كانت أدبا رفيعا ومن المستحيل أن نجد قياسا عاما للعواطف المختلفة . فهناك عواطف حنان وعواطف جلال , وعواطف إعجاب , وعواطف كره واشمئزاز . ومن الصعب أن تقول : إن هذه العاطفة أقوى من تلك . وكذلك يختلف الناس باختلاف طبائعهم و أمزجتهم في العاطفة التي تهيجهم ، فإنسان تثيره عاطفة الحزن , وآخر عاطفة السرور , وثالث عاطفة الإعجاب ........ ولهذا من المستحيل وجود مقياس واحد مضبوط لنعرف أي العواطف هي الأقوى . وكثيرا ما يكون الكاتب أو الأديب مزودا بأسباب كثيرة من القوة كحسن التعبير وقوة الخيال , ثم هو يخفق لأنه يفتقر إلى قوة العاطفة . وكذلك قد يكون له عين تدرك الجمال وشعور رقيق وفكاهة حلوة , ولكن ليست له العاطفة القوية , فيخفق , بل كثيرا ما نجد له من قوة العاطفة ما يعوض نقصه في النواحي الأخرى . ولسنا نعني بالعاطفة القوية العاطفة الهدامة المعربدة الهائجة المضطربة , فقد تكون هذه مظاهر ضعف فيها ، وتعتمد قوة العاطفة على قوة الأسلوب , وسنجد أن لقوة الأسلوب مدخلا كبيرا في إثارة العواطف ووضوح المعاني . فالأديب قد يستطيع أن ينقل إلى سامعيه معانيه ولكن لا يستطيع أن ينقل عواطفه ومشاعره إلا بقوة الأسلوب . ويظهر أن هناك شعراء و أدباء قد ملئوا شعورا ومنحوا عواطف قوية , ولكنهم لم يمنحوا أسلوبا ينقلون به عواطفهم إلى سامعيهم وقارئيهم وسبب ذلك ضعف أسلوبهم . وتقاس العاطفة أيضا باستمرارها وثباتها , ولذلك معنيان الأول : بقاء أثرها في نفوس السامعين زمنا طويلا ,والثاني:أن تكون القطعة الأدبية شعورا متجانسا متسلسلا , وتقاس العواطف أيضا بخصبها وغناها وتنوعها , وقلما يوهب الأديب هذه الموهبة . فقد يشتهر الأديب ويعظم أمره وهو مع ذلك مفتقر إلى هذه الصفة . ونعني بها كثرة التجارب التي تجعل بمقدوره إذا تعرض لنوع من العاطفة أن يستوفي التعبير عنها , كما يستطيع أن ينوع في كتابته أو شعره فيمس مشاعر مختلفة وهو في كل منها غزير . وتقاس القطعة الأدبية أيضا بنوع العاطفة ودرجة رفعتها أو ضعتها , وهنا يعرض أمر كثر حوله الجدل , لأن القول بأن للعواطف درجات يستلزم أن هناك عواطف سامية وأخرى وضعية . و إذا قيل هذا القول فما المقياس ؟ أعني ما نوع العواطف التي نسميها سامية والتي نسميها وضيعة ؟ لم يتفق النقاد على الإجابة عن هذا السؤال , فهناك عواطف جليلة وأخرى هزأة . هناك أدب يثير شعورا أخلاقيا كالإعجاب بالبطولة واحتمال الآلام في سبيل أعمال جليلة , وهناك أدب يثير لذه حسية , كالميل إلى طعام والشراب , فالعاطفة التي تتصل بحياة الناس وسلوكهم أرقى من عواطف تثيرها لذة الحواس وحينئذ إذا أردنا نحن أن نقيّم قطعة أدبية تساءلنا : هل يثير فينا انفعالا وميلا إلى الحياة السامية , أولا ؟ فإذا لم يكن كذلك لم يكن أدبا راقيا .
والأحرف مرآة العاطفة فقد دلت الدراسات النفسية المعاصرة على الرابط والصلة الوثيقة بين الأحرف الفاعلة ودلا لاتها وبين عاطفة الشاعر فقد يكثر الشاعر من استخدام أحرف معينة بدافع لا شعوري فيدلنا دلالة غير مباشرة على نفسيته ومشاعره وأحاسيسه ، فحرف النون يدل على الطرب حزنا أو فرحا لقد رحل أحبة الشاعر وبات بعيدا عن منازلهم فبدت عاطفته تمتزج بالحزن :
بان الخليط ولو طوعت ما بانا وقطعوا من حبال الوصل أقرانا
حي المنازل إذ لا نبتغي بدلا بالدار دارا ولا الجيران جيرانا
ما كنت أول مشتاق أخا طرب هاجت له غدوات البين أحزانا
لقد استخدم حرف النون في البيت الأول أربع مرات و في البيت الثاني ست مرات و في البيت الثالث خمس مرات ، وتدل أحرف السين و الزاي و الصاد على الأسى و الحزن و الكآبة و خير ما يمثل لنا ذلك الشاعر البحتري حين وقف في إيوان كسرى أنوشروان في طريق عودته إلى الشام في أعقاب مقتل الخليفة العباسي المتوكل الذي كان يخلص له المدح فصور لنا في قصيدته الرائعة الهاجس النفسي الذي كان يعتريه والحزن والغم الذي تظطرم به نفسه
صنت نفسي عما يدنس نفسي و ترفعت عن جدا كل جبس
و تماسكت حين زعزعني الدهر التماسا منه لتعسي و نكسي
حضرت رحلي الهموم فوجهـ ت إلى أبـيض المدائن عنسي
أتسلى عن الحظوظ واســى لمحل من آل ساسان درس
فنحن نشعر بصدق عاطفة البحتري لأن مبعثها التجربة النفسية التي مر بها
واستطاع أن ينقلها لنا بأمانة من خلال التعبير بالحرف الموحي ذي الدلالة
على شجون نفسه وهمومها ، وأما القاف والكاف فهما حرفان يدلان على
القسوة والقوة كمافي قول عنترة
ومدجج كرة الكماة نزاله لا ممعن هربا ولا مستسلم
جادت له كفي بعاجل طعنة بمثقف صدق الكعوب مقوم
فشككت بالرمح الأصم ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرم
وهكذا يمكن أن نستشف نفسية الشاعر و عاطفته من خلال ما يكثره الشاعر من استخدام لحرف معين
ـ 3 ـ
الخيال وأثره في الأعمال الأدبية
يرى ( جان ستاروبنسكي ) في تحديده لمفهوم الخيال من كتابه النقد والأدب ( أن الخيال الأدبي ليس إلا فرعاً خاصاً لملكة نفسية عامة جداً لا ينفصل نشاطها عن نشاط الشعور وتشير لفظة ( خيال ) إلى العلاقة التي تصل فعل الكتابة الأدبية بالمعطيات الأساسية لوضع الإنسان وتسهم في إقامة رابطة ضرورية بين النظرة الأدبية وأوسع نظريات الشعور، فالخيال وارد في فعل الإدراك ويمتزج بأعمال الذاكرة ويفتح أمامنا أبعد الآفاق الممكنة ويرافق مشاريعنا وأمانينا ومخاوفنا ، فهو ملكة تستدعي الصور المسايرة لعالم الإدراك المباشر وغير المباشر ، وهو قدرة تساعدنا على الانفصال عن الواقع .
وقد يكون الخيال من قبيل ( الوهم واللهو والأحلام ) إذا ولى الوعي المتخيل ظهره للواقع المباشر، وإن أشهر أنواع الخيال وأقربها إلى الهذيان يحتفظ بصبغة واقعية ومن هنا فالأدب كله ما هو إلا ضرب من النشاط والخيال الذي يتألق في نطاق الصورة والرمز والأسطورة والحلم والهواجس ، ويعتبر الخيال الأدبي أحد أبعاد الأثر الأدبي وتشير لفظية (فانتازيا ) الإغريقية عند أفلاطون إلى مزيج من الإحساس والرأي وهي عند أرسطو حركة داخلية ناجمة عن الإحساس وعند الرواقيين يدمج الإحساس بالخيال فيعرب عن نشاط نفسي لا يعنى إلا بظواهر الأمور .
ولما كان الخيال ملكة متوسطة بين الحس والتفكير فهو لا يملك بداهة الإحساس المباشر كما لا يملك الانسجام المنطقي للمحاكمات العقلية المجردة .
فالخيال يأتي في مرتبة ثانية بعد الإحساس ويتفرغ عنه لكنه يسبق عمل التفكير الذي يسعى للإشراف عليه وإذا كان الفن على حد تعبير أفلاطون محاكاة للظاهر فإنه إذا : ينتج ظاهراً من مرتبة ثانية أو يبدع صورة للصورة إذ لا توجد محاكاة إلا بفضل الخيال ومن أجله وبسبب تلك العلاقة بين الخيال والفن اتهموا الفن وقالوا عنه : إن مجاله قاصر على الفتنة الخبيثة أو في أحسن الأحوال على اللهو الذي لا نفع فيه .
ويعتبر اللجوء للخيال هو الشرط اللازم لعملية التطهير في المأساة ، فالخيال يملك القدرة التي يملكها الواقع على إثارة أهوائنا والتأثير في جوارحنا .
والخيال على حد قول أرسطو حركة نفسية يولدها الإحساس إذ يفعل ، فإنه يُفرض على عقلنا كما لو ورد من الخارج وعلى ذلك فالخيال لا يزال مغموراً بالنور الذي يسطع من الأشياء الخارجية فقد اشتق اسم خيال ( فانتازيا ) من النور ( فاوس ) ولولا النور لما أمكنت رؤية الأشياء ومعنى ذلك أن الخيال يوفر لنا ضياء ثانياً .
وتشير لفظة فانتازيا عند ( لونجان ) اليوناني إلى الاندفاع العاطفي الذي ألم بالمؤلف ونقله للمستمع وبذلك يستطيع الشاعر أن يثير الإعجاب والدهشة فيكون الخيال الأداة التي تستخدمها المحاكاة حتى تبلغ الأوج .
وينسب ( لونجان ) ذلك التأثير بالصور الخيالية إلى فعل الحماس أو الهوى الذي اعتبره أفلاطون مصدراً من مصادر الإلهام ، وبذلك يكون أشبه بالعين الجسدية التي ترنو إلى حقائق فكرية تدركها بالحدس عن طريق الرمز والقصة الرمزية وعند (دانتي ) : الخيال ملكة متوسطة تزود بالصور التي يحتاج إليها حتى يعبر عن الأفكار المجردة . ولا يقنع الخيال بنقل الصور على نحو سلبي بل يملك قدرة فعالة كما أقر بذلك(توماس الأكويني ) فيكون تارة منبعاً من منابع الوهم وتارة ملكة مبدعة وهو يتوسط بين عالم الإحساس الأدنى والملأ الروحي الأعلى فيكون الشعر الملهم ثمرة من ثمرات الخيال الذي يغمره النور العلوي وحدود الخيال هي حدود الإبداع الشعري
وإذا تجاوزنا عصر النهضة إلى العصر الرومانسي حيث تحول الأدب من سيادة العقل إلى سلطان الخيال نجد أن للخيال الأدبي عمله فلولاه لما كانت المحسنات والزخارف ( مجاز ـ استعارة _ تشبيه ) وهي التي تبعث في الأسلوب الحياة والحركة والحيوية . صحيح أن المدرسة الكلاسيكية اعتمدت على هندسة القصيدة فكرياً وطلبت من الشاعر أن يضع النماذج الكبرى نصب عينيه حين ينظم قصيدته إلا أنها أهملت الابتكار وسعت نحو الكمال المعهود ولم يكن الإبداع سوى اكتشاف أفكار مناسبة مطابقة (لمقتضى الحال ) وإنه لا مهمة للخيال سوى تحسين الكلام ويرى ( فولتير و مارمونتيل ) : أن الخيال موهبة ثمينة وأن الإلهام أقصى درجاته . وترى الفلسفة الكلاسيكية أن الخيال هو الذي يبعث الروح في الإنتاج الأدبي وهو الخالق لمشاعر الحياة والحرارة التي هي عناصر إضافية وألوان عاطفية . ويرى (برونو ) الإيطالي أن الخيال هو مجموع الأحاسيس الداخلية ليس التقليد والمحاكاة هي مهمته فقط بل هو مصدر جميع الأحكام ومنبع للأشكال الأصلية والمبتكرة ومنطلق لكل إنتاج فكري . ويقول ( روبرت كلاين ) : إن الآراء التي اعتبرت الصورة ثوباً للفكرة أو جسمها الأول ملائمة لنظريات الخيال . ولا يجوز أن نعد الخيال بعداً ثانوياً من جملة العناصر العبقرية ولا تابعاً يسهم في العمل المشرتك الذي تقوم به سائر الملكات الإنسانية بل هو تعبير آخر عن العبقرية ذاتها . وهو كما يقول بودلير : سيد الملكات النفسية أو الكلمة الخلاقة .
لقد ترسم أتباع الحركة السريالية ممن يؤمن بالغيب والسحر آراء الرومانسيين في الخيال وجاءت آراؤهم في مظهر السخط أو الاستنكار رافضةً العقل الآلي رفضاً عاطفياً شديداً عندما راح يشيد صرح العلو أو يضع الطبيعة في صيغ فيزيائية و كيميائية .
إن الفلسفة الطبيعية التي انتشرت في القرن الثامن عشر ميلادي تسعى إلى تحويل العالم إلى ضرب من السحر و تأويله شعرياً . بينما ارتبط النشاط الخيالي عند الرمزيين بالأسطورة النرجسية ، ( حب الذات وتضخمها ) .
ويعتبر يونج ( أحد تلاميذ فرويد ) أن النشاط الخيالي هو اللذة الجنسية المنطوية على الخيال ويضيف السرياليون أن المخيلة أداة حيوية في علاقاتنا بالكون الغاية منها اكتشاف الأمور الخارقة وقلب الحياة إلى شعر والقيام بثورة دائمة في جميع ما يفعل .
إن الخيال : ملكة مألوفة شائعة بين الناس ترمي إلى إدراك الأشياء الدارجة خارج وضعها الراهن الذي تقع الحواس عليه . وهو ليس عملاً فكرياً محضاً بل هو مغامرة من مغامرات التصور ، لأنه الفعالية المنشئة لصور الأحلام والهلوسة وما يسميه فرويد (فانتازي ) ليس انعكاساً ذهنياً للعالم المدرك ولا فعل مشاركة ميتافيزيقية في أسرار الكون بل هي حركة مسرحية داخلية يبعثها ( الليبيدو ) الذي يجعل الخيال يغير من المعطيات الأساسية التي توفرها التجربة العاطفية تغييراً سحرياً عجيباً .
إن الإنتاج الأدبي حالة خاصة من حالات النشاط الخيالي ولقد أسند يونغ للخيال مهمة القوة الكونية ولم يعتبره نشاطاً عشوائياً بل اعتبره لغزاً من ألغاز العالم يطّلع عليه الإنسان في أحلامه والشاعر في شعره .
إن الخيال هو المصدر الذي يثير الصيرورة النفسية فنياً إثارة مباشرة فقد نشوّه حقيقة الحب إذا فصلناه عن واقعيته .
ولا يوجد خيال صرف ، بل لا يوجد خيال إلا سلوكاً يتغذى بالعواطف والأخلاق ويتجه اتجاهاً يتلاءم مع المعطيات الاجتماعية أو يخالفها .
إن الخيال عند الإيطالي ( آريوست ) يمتزج بوضع اجتماعي مركّب بينما ينشئ عند (روسو ) إطاراً وهمياً لمعقل حصين يلوذ به الفرد ويحدث نفسه به في حال من العزلة والإنفراد ويندس ّ الخيال عند ( زولا ) في محاولات الوصف الواقعي.
يقول مارون عبود في كتابه على المحك ص 94 : ( ما الشعر إلا حلم يقظة ، فالذي ليس له عين ترى وقلب يحس وإذن تسترق وعقل يحلم فهيهات أن يدخل مملكة الشعر). ( إن مخيلة الشاعر المبدع راديو يلتقط حديث عوالم الأثير وقريحته راديوم يشع نوراً خالداً . إن الشعر لا يكون بخلق الصور الغريبة البعيدة عن واقع الحياة لأنه كلما دنت الصورة الفنية من الواقع كانت أحب إلى القلوب وأقرب إليها ).
( إن المبدأ الرئيس المحدد للشعر هو المجار يضاف له الوزن ) وهما العنصران المهمان المتلاخمان في تكوين الشعر ( والمخيلة موضوع يخص كلا من علم النفس والدراسة الأدبية لأن كلمة صورة في علم النفس تعني إعادة إنتاج عقلية ، وذكرى لتجربة عاطفية أو إدراكية ) .
إن عزرا باوند يثير انتباهنا إلى أن الصورة هي تلك التي تقدم لنا عقدة فكرية وعاطفية في برهة من الزمن .ويقول القاضي الجرجاني في حديثه عن العناصر
الجمالية في الشعر :( التشبيه لمح صلة بين أمرين حسيين أو متخيلين في النفس مع تداخل يجعل السامع يحس بما أحس به المتكلم ) . وهذا يعني أن المقاربة في التشبيه دلالة فنية تقوّي المعنى المجرد الذي يتكلم عنه الشاعر بأن ينقله من الإحساس ومن الفكر إلى الحدس ؛ ويضيف الجرجاني : (إن الوصف والتشبيه في الشعر أكثر مكانة من المعنى وينصح بتجنب المبالغة وبالتقيد بمعطيات التجربة الحسية وإعطاء التعليل عند تبيين وجه الشبه لأن الصورة الشعرية قد تستكمل شرائط الحسن والجمال ولكنها لا تكون ذات وقع كصورة أخرى لا تستكمل شرائط الحسن وأوصاف الكمال وعناصر الجمال .
إِننا على حد قول الجرجاني حين نأخذ قطعة من ذهب ونصنع منها خاتما نهتم بالخاتم وتنسى مادته وهذا يعني أن للصور عنده أهمية كبيرة لأن المعنى يتوقف عليها.
ويعتبر الفارابي أن الأقاويل الشعرية كاذبة بالكل لا محالة لأنها قائمة على التخييل الذي له قيمة في الشعر كقيمة العلم في البرها ، فالتخيل في الشعر هو المحاكاة اللطيفة لشيء أو حدث وغايته التحفيز وليس الصدق أو التصديق فهو محاكاة المحاكاة كما أشار أرسطو . وقد ساير ابن سينا الفارابي في رأيه السالف الذكر وأضاف ((إن الكلام المتخيل تذعن له النفس فتنبسط عن أمور وتنقبض عن أمور ). وقد قالت العرب : أجمل الشعر أكذبه . ويشير حازم القرطاجي إلى أن الشعر بما فيه من محاكاة أو تخييل يؤدي إلى الإقناع . ويرى لونجينوس التدمري صديق أفلوطين ومستشار زنوبيا في مقالته سمو البلاغة أن صياغة الصور والمجازات ضرورة من ضرورات الشعر . وكثرة اعتماد الخيال عند الشاعر يدل على أن الشاعر يهتم بالصنعة أكثر من الصدق العاطفي، فشعر الرثاء قليل الصور ضحل الخيال غالباً و الخيال يكتسب من الواقع والمفاهيم والعادات والتقاليد المعاصرة أشياء تسهم في إبرازه كعنصر فعال ومهم في حركة العمل الأدبي . إن الخيال باعتباره آلة التصوير التي تصور الأشياء والأشخاص والمعاني فإن الشاعر والأديب من خلاله كما يقول رسكين يلتقط كل ما يقع تحت سمعه وبصره ثم يختزن الصور ويعود لاستخراجها في الأوقات الملائمة وتتفاوت قوة الخيال بين جمهور الأدباء بتفاوت قوة الذاكرة لديهم وهو أنواع :
1 ـ الخيال الخالق : وهو الذي يخلق العناصر الأولى التي تكتسب من التجارب صورا جديدة لا تتنافى في الحياة المعقولة وإلا أصبحت هذه الصور من قبيل الوهم .
2 ـ الخيال المؤلف : الذي يجمع صوراً ومناظر مختلفة قد تستدعي صوراً أخرى كقول ابن الرومي :
ما أنس لا أنس خبازاً مررت به يدحو الرقاقة مثل اللمح بالبصر
ما بين رؤيتها في كفة كـــرة وبين رؤيتها قـوراء كالقـمر
إلا بمقدار ما تنداح دائــرة في لجـة الماء يلقى فيه بالحجر
أو كقول الشاعر الأندلسي
وقانا لفحة الرمضــاء واد سقاه مضاعف الغيث العميـم
حللنا دوحـه فحنا علينــا حنو المرضات على الفطيـم
تروع حصاه حالية العذارى فتلمس جانب العقد النظـيـم
فقد ألف الشاعر بين امرأة شعرت كأن عقدها انتثر فتلمسته لتعرف حقيقة ذلك , وبين رجل يسير في واد جميل الحصا عذب المياه , حتى ليشك في هذا الحصا فيحسبه أحجارا كريمة والخيال
أو كقول أبي تمام
و إذا أراد الله نشر فضيلــة طويت أتاح لها لسان حســـود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود
فالشاعر شعر بشيء عند مهاجمة الحسود لفضيلة من الفضائل المحسود وشعر شعورا مماثلا لذلك عند احتراق عود الطيب فألف بينهما في هذين البيتين . والمعنى في هذين البيتين : أن لسان الحاسد يكشف فضائل المحسود كما تكشف النار عن رائحة العود الطيب عند الاحتراق . فقد قرن الشاعر بين أثر الفضيلة المحمود في الناس ورائحة العود الذكي , كما قرن بين لسان الحسود وبين النار التي تحرق .
3 ـ الخيال الموحي :وهو الخيال الذي يفيض على الصورة التي يراها صفات روحية تؤثر بالنفس .قال تعالى ( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وأزينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس ) . فالصورة القرآنية تلف الدنيا بجميع مظاهرها وزخارفها ولا تفصل وقائعها ولكنها تدعو الإنسان للتفكير بها وحسبك من الخيال أن تتصور كيف تكون الدنيا كالزرع المحصود. ومن ذلك قول ابن الشبل البغدادي في وصف الإنسان :
متصرف وله القضاء مصـرف ومكلـــــف وكأنه مختـار
طورا به تصبو الحظوظ وتارة حـــظ تحوك صوابه الأقدار
فتراه يؤخذ قلبه من صـــدره ويرد فيه وقد جرى المقـــدار
وقد يصف الخيال أثراً لشيء في النفس مثل أثرالعيون الحوراء في نفس جرير:
إن العـيون التي في طرفها حـور قتلننا ثـم لم يحيين قتلانـا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركانا
وقد يصف أجزاء الشيء كوصف نزار قباني لحركة العيون :
عيناك حمامتان دمشقيتان تطيران بين الجدار وبين الجدار
وقد يصف الخيال صفاء العيون بألفاظ موحية كقول السياب :
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
ولذلك فإن المناظر التي تعرض على الخيال أو العقل تبدو أجمل مما إذا عرضت على العين المجردة وكلما قوي خيالنا قويت لذاتنا .
يقول جميل بن معمر:
وإني لمشتاق إلى ريح جيبها كما اشتاق إدريس إلى جنة الخلد
ويقول مجنون ليلى :
لقد رسخت في القلب منك مودة كما رسخت في الراحتين الأصابع
ويقول المتنبي :
وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائـم
هذا وإن للخيال ارتباطاً كبيراً بالعواطف ، لأن العاطفة القوية تحتاج إلى خيال قوي والعاطفة المسرفة المبالغ فيها تذهب بالخيال مذاهب شتى كقول الشاعرأبي تمام :
لا تسقني ماء الملام فإنني صب قد استعذبت ماء بكائي
وكلما قوي خيالنا قويت لذاتنا , وقوة الخيال تصحب النواظر أبدا , وتكون عاملا بارزا في تفهيم الشيء و إيضاحه والاستنباط منه , على حين أن إطالة تصوير النظر للشيء , لا يجعله أكثر وضوحا , وإنما الذي يجعله أكثر وضوحا أن نأخذ الأشياء الأساسية فيه , ونترك للخيال المجال في إبراز قوة الموصوف الروحية ..... فإذا سمعت قول الشاعر يصف شمعة
و كأنها عمر الفتى والنار فيها كالأجل
أدركت عمل الخيال في تحريك الشعور .
وكذلك قول عنترة :
أراعي نجوم الليل وهي كأنها قوارير فيها زئبق يترقرق
إن أنواع الخيال السالفة الذكر لا تعمل منفصلة إذ لا بد أن يكون في كل عمل أدبي مسحة من هذه الأنواع لأن الخيال هو محور هذا العمل .
ـ 4 ـ
_ آ _
الأسلوب وأهميته في العمل الأدبي
ليست كلمة الأسلوب العنصر اللفظي الذي تتألف منه الكلمات والجمل والعبارات ، و كلمة الأسلوب, يستعملها العلماء ليدللوا بها على منهج من مناهج البحث العلمي و يستعملها الأدباء في الفن الأدبي قصصا أو جدلا أو تقريرا ، وفي العنصر اللفظي سهولة أو تعقيدا ، وفي إيراد الأفكار تنسيقا أو اضطرابا ، وفي طريقة التخييل جمالا أو تشويها ونبوا .... ولهذا كله كان إطلاقها على هذا العنصر اللفظي ضرورة اقتضاها التعليم أولا ؛ ولأن الأسلوب مظهر العناصر الأخرى ومعرضها ، فالأسلوب هو فن الكلام يكون قصصا أو حوارا ، تشبيها أو مجازا أو كناية ، تقريرا أو حكما و أمثالا . فهو يشمل الفن الأدبي الذي يتخذه الأديب وسيلة للإقناع والتأثير . والأسلوب عند أهل صناعة الشعر عبارة عن المنوال الذي تنسج فيه التركيب ، أو القالب الذي تفرغ فيه ، ولا يرجع إلى الكلام باعتبار إفادته كمال المعنى من خواص التركيب الذي هو وظيفة البلاغة والبيان ، ولا باعتبار الوزن كما استعمله العرب فيه الذي هو وظيفة العروض .
فهذه العلوم الثلاثة خارجة عن هذه الصناعة الشعرية . وإنما يرجع إلى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص . وتلك الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب وأشخاصها ويصيرها في الخيال كالقالب أو المنوال ، فإن لكل فن من الفنون الكلام أساليب تختص به ، وتوجد فيه على أنحاء مختلفة ، فسؤال الطلول في الشعر يكون بخطاب الطلول كقوله :
يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت فطال عليها سالف الأبد
ويكون باستدعاء الصحب للوقوف والسؤال كقوله :
قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وهذه القوالب كما تكون في المنظوم تكون في المنثور ، فإن العرب استعملوا كلامهم في كلا الفنين وجاؤوا به منفصلا في النوعين ، ففي الشعر في القطع الموزونة والقوافي المقيدة واستقلال الكلام في كل قطعة ، وفي المنثور يعتبرون الموازنة والتشابه بين القطع غالبا ، وقد يقيدونه بالأسجاع , وقد يرسلونه وكل واحدة من هذه معروفة في لسان العرب .
إن هناك فارقا بين الوجهين العملي والفني في تكوين الأسلوب الأدبي، فعلوم النحو والبلاغة والعروض تنفعنا على نحو أنها نظريات ترشدنا في إصلاح الكلام ومطابقته لقوانين النظم والنثر ، وقد يعرفها الإنسان ولا يحسن معها الإنشاء , أو ينشيء الكلام الصحيح . وأما صياغة الأسلوب الجميل فهي فن يعتمد على الطبع والتمرس بالكلام البليغ .
و الأسلوب في الأصل صورة ذهنية تتملىء بها النفس وتطبع الذوق ، من الدراسة ،والمرانة ، وقراءة الأدب الجميل . وعلى مثال هذه الصورة الذهبية تتألف العبارات اللفظية الظاهرة التي اعتدنا أن نسميها أسلوبا لأنها دليله ، وناحيته الناطقة الفصيحة . و هذه الصورة الذهنية التي هي الأصل الأول للأسلوب ليست معاني جزئية ،ولا جملا مستقلة ، بل طريقة من طرق التعبير يسلكها المتكلم ، كخطاب الطلل ، أو استدعاء الصحب للوقوف , والسؤال أو الدعاء له بالسقيا والبقاء كقول الشاعر :
أسقى طلولهم أجش هزيم وعدت عليهم نضرة ونعيم
أو بتسجيل المصيبة على الأكوان عند فقد شجاع كقوله :
منابت العشب لا حام ولا راع قضى الردى بطويل الرمح والباع
وهذه الفروق اللفظية والمعنوية بين المنظوم والمنثور من حيث الإسلوب تبدو جلية في امتياز النظم بالوزن والقافية واستقلال كل بيت بمعنى تام .. و الأسلوب منذ القدم كان يلحظ في معناه ناحية شكلية خاصة هي طريقة الأداء أو طريقة التعبير التي يسلكها الأديب لتصوير ما في نفسه أو لنقله إلى سواه بهذه العبارات اللغوية ، ولا يزال الأسلوب طريقة الكتابة ، أو طريقة الإنشاء ، أو طريقة اختيار الألفاظ وتأليفها للتعبير بها عن المعاني قصد الإيضاح أو التأثير ، أو ضرب من النظم والطريقة فيه . أما إذا أردنا أن يكون تعريف الأسلوب عاما يتناول العلوم والفنون فإنا نعرفه بأنه طريقة التعبير ,، لأن الفنون الأخرى لها طرائق في التعبير يعرفها الفنيون ، ويتخذون وسائلها أو عناصرها من الألحان والألوان والأحجار . وكذلك العلماء لهم رموزهم ومصطلحاتهم ومناهجهم في البحث والأداء .
ويعد الأسلوب من العناصر المهمة والواضحة الأثر في أي عمل أدبي ويعده البعض الممثل الوحيد لشخصية الكاتب والأديب على افتراض أن ( الأسلوب هو الرجل ) . فإن له جانبين لفظي : ويعني المذهب والاتجاه ، وسطر النخيل كما ورد في لسان العرب ومعنوي ويعني نقل الكلمات من معانيها الحسية إلى معانيها الأدبية والنفسية ويشير أحمد الشايب إلى ( إن الأسلوب معاني مرتبة قبل أن يكون ألفاظاً منسقة يتكون في العقل قبل أن ينطق به اللسان أو يجري به القلم )
وقد صارت كلمة الأسلوب في أيامنا مشتركاً بين البيئات المختلفة ، وقد استعملها العلماء في مناهج البحث العلمي واستعملها الأدباء في الفن الأدبي جدلاً أو قصصاً أو تقريراً وفي العنصر اللفظي سهولة وتعقيداً وفي إيراد الأفكار تنسيقاً و تبويباً أو اضطراباً وفي طريقة التخييل جمالاً ملائماً أو تشويهاً ونبواً . وقد يكون الأسلوب فناً من الكلام ويكون قصصاً أو حواراً ، تشبيهاً أو مجازاً أو كناية تقريراً أو حكماً أو أمثالاً وقد يشمل الفن الأدبي الذي يتخذه الأديب وسيلة للإقناع والتأثير متجاوزاً العنصر اللفظي ولكل أديب أسلوبه الخاص وقاموسه المستقل , فالمتنبي نلمح في معجمه الشعري ألفاظ الشجاعة والقوة والكرم والعلو والمعاناة الخاصة ونزار قباني نلمح في ألفاظه ما يختص بالمرأة وما يتعلق بها من شمائل وصفات نفسية وجسدية ، وأبو العلاء المعري نلمح في معجمه الشعري ما يرتبط بالتشاؤم ورفض العلاقات السائدة والتشكيك بجميع معطيات الحياة . ويرى عبد القاهر الجرجاني أن الأسلوب ضرب من النظم والطريقة في تأليف الكلمات ضمن سياق معين يؤدي غرضاً محدوداً . ويعده ابن خلدون المنوال الذي تنسج فيه التراكيب والقالب الذي يفرغ فيه المعنى وعند النقاد المعاصرين هو اللفظ الذي تتمثل فيه أفكار الأديب وانفعالاته ويرى بوفون الفرنسي أن ( الأسلوب هو الإنسان نفسه ) . وعرّفه بعضهم بأنه لباس الفكرة وثوبها الذي ترتديه ونحن إذ نبحث عن الأسلوب عند كاتب ما نجد طريقة التفكير ومستوى الانفعالات ونوع المزاج لأنه لكل أديب أسلوبه الخاص وتختلف الأساليب باختلاف الأغراض فالرثاء في شعرنا العربي اتجه اتجاهات شتى واتخذ أساليب متعددة ، فهو عند سعدى الشمردليه وابن الرومي فجائعي وعند الخنساء اتخذ صورة التفجع والديمومة وعند أبي تمام والبحتري والمتنبي رسم معالم البطولة في الفقيد بينما كان أسلوب الغزل يتجه في شعرنا نحو الحسية عند البعض والعذرية عند البعض الآخروالروحيةعندالصوفية. إن الأسلوب باعتباره العنصر الأهم في تمييز الأدب عن بقية فنون الكلمة وفي تحديده لقيمة الكلام يدعونا للوقوف في الصف الداعي إلى ضرورة دعوة الأدباء إلى التركيز على هذا العنصر لما له من الأثر في نفسية الآخرين . إن اختلاف أديب عن آخر محوره الأسلوب وكل مضمون لا يرتدي أسلوباً دقيقاً ليس له مكانة في عالم الأدب .
إن انصرافنا إلى الجانب الشكلي حين ذكرنا لكلمة أسلوب يدعونا إلى الحديث عن أركانة المتمثلة بالألفاظ والتراكيب
آ_ الألفاظ : هي المادة الخام المحددة للأدب والتي تسير به بالاتجاه للشكلية ويفترض بالألفاظ أن تتصف بما يلي :
1_ الملاءمة التامة للموضوع والمضمون .
2_ الإيحاء المعبر الذي يثير معاني كثيرة متشعبة في النص .
3_ الشاعرية الفياضة غير المنفّرة .
4_ الألفة والاقتراب من النفس .
5_ القوة والطرافة وعدم الامتهان بكثرة الاستعمال .
6_ السهولة والخفّة على السمع والجريان على اللسان بيسر .
7_ الرقة في المواطن التي يفترض فيها أن تكون رقيقة .
8_ وضوح الدلالة والتأثير البليغ النافذ بسرعة وسهولة للمتلقي .
9_ البعد عن الغرابة والحوشي .
10_ الجرس الموسيقي الخفيف الظل .
11_ الدقة في التعبير عن المعاني .
ب _ الجمل والتراكيب : وهي العمود الفقري للأسلوب الذي يحمل ثقل المعاني ويفترض فيها أن تكون :
1_ متوافقة مع معانيها .
2_ ملائمة للمقام الذي وضعت له .
3_ أن ترد طويلة في مجال التأمل .
4_ أو ترد قصيرة في المواقف الانفعالية .
5_ أن تكون واضحة جلية .
6_ أن تتلون بين الخبرية والإنشائية بحسب الموقف .
7_ أن تكون اسمية أو فعلية بحسب رؤية الأديب ما يعتمل في نفسه من انفعال .
ويؤثر بأسلوب الأديب عدة عوامل تجعل هذا الأسلوب يسير بالاتجاه الذي يتناسب معها على رأسها الموضوع أو الغرض الذي يحرك مشاعر الأديب ، فالغزل على سبيل المثال تناسبه ألفاظ الرقة في الوصف وألفاظ الحزن في العتاب والفخر تناسبه الجزالة وألفاظ البطولة ويؤثر في أسلوب الأديب ذوقه ومزاجه وطبيعته وثقافته وبيئته ، فالأديب الحضري يستعمل الألفاظ السهلة المأنوسة الناعمة المألوفة الرقيقة وقد كان للبيئة الصحراوية العربية أثر كبير في استعمال الشعراء العرب لألفاظ تدل على الخشونة بينما ساهمت الثقافة الفلسفية في التأثير على الشاعر أبي العلاء المعري في صبغ شعره بلون الفلسفة . إن حقيقة وصفنا للأسلوب بالجودة وحسن التناول يتطلب الوضوح لقصد الإفهام والقوة لقصد التأثير والجمال لقصد الإمتاع وبذلك يحقق الأسلوب الشروط اللازمة له وهذا ما يدعونا إلى الحديث عن ضرورة ارتكاز الأسلوب على البلاغة ، لأن الأساليب تتباين وتتنوع بتنوع الموضوعات والفنون الأدبية وأذواق الأدباء
ـ ب ـ
الأسلوب و أهميته في العمل الأدبي
سنقصر حديثنا هنا على أنواع الأسلوب من حيث الموضوع وسنغفل تقسيمات الأدباء الأخرى له من حيث الذوق ومن حيث الفنون الأدبية الأخرى
خصائص الأسلوب الأدبي :
1_ قد يتحدث عن موضوع غير قابل للحصر ومتشعب .
2_ لا يستخدم قياسات مادية وأرقاماً رياضية .
3_ يتناول الموضوع من زاوية الشعور والوجدان / حب ، كره / إعجاب .
4_ يعمل فيه الأديب خياله الخصب .
5_ يبعث في الموضوع الحياة بوساطة تشخيصية .
6_ يستخدم ألفاظاً معبرة قوية جزلة _ موحية دقيقة ... إلخ .
7_ يستخدم المحسنات البديعية / طباق _ جناس ـ تورية .. إلخ.
8_ يستخدم الإيجاز والإطناب والمساواة في الجمل .
9_ يستخدم العبارة المتماسكة الواضحة المعبرة الموحية .
10_ يستخدم العاطفة ويؤثر في نفوس الآخرين .
11_ يخوض في موضوعات تحتمل رأياً وشعوراً خاصاً .
12_ يكون الأسلوب الأدبي في الشعر والنثر .
13_ في الأسلوب الأدبي تكرار للفكرة في صور عدّة .
14_ يتفنن الكاتب فيه بأساليب القول .
15_ يعتمد الذوق والجمال الأدبي
خصائص الأسلوب العلمي :
1 _ يختار حقائق علمية لها حدود وحجوم .
2 _ ترتب الأفكار فيه ترتيباً معقولاً .
3 _ يستخدم الألفاظ الدقيقة الملائمة المناسبة .
4 _ يستخدم العبارات السهلة الكاشفة .
5 _ لا يستخدم زخارف لفظية .
6 _ لا يستخدم صوراً بيانية .
7 _ لا يستخدم الخيال .
8 _ لا يستخدم التفنن في تدبيج المقال .
9 _ لا يستخدم المجاز .
10_ يساوي بين اللفظ والمعنى .
11_ يعتمد الإيجاز وعدم الغموض والتعمية .
12_ لا يبتعد عن الغرض الأصلي .
13_ لا يستعمل الإطناب ( زيادة اللفظ على المعنى ) .
14_ يتوخى الحقيقة العلمية ويشرحها ليقررها في الأذهان .
15_ لا يستخدم العاطفة .
ـ 5 ـ
الموسيقى وضرورتها في الشعر
تعد الموسيقى من العناصر المهمة في الشعر العربي والأجنبي وتشكل بالإضافة إلى المجاز الركن الأساسي الثاني لما تقدمه من آفاق تبعث النشوة في نفوس القارئ .
يقول ابن طباطبا ( الشعر كلام منظوم بائن عن المنثور ) . ويقول قدامة بن جعفر ( الشعر كلام موزون مقفى ) ويعتبر الوزن في الشعر كالإيقاع في الموسيقى والروس يتصورون الشعر أنه نمط من التناغم المحكم بين الوزن والإيقاع العادي للكلام لأن الشعر في عرفهم ( عنف منظم ) ويرى مارون عبود في مجددون ومجترون : (أن الشعر موسيقى قبل كل شيء لها معنى إذا فقدته كانت ألحاناً لا تطرب ولا تهز نفس سامعه) وبفضّل هذا الناقد الشعر الموسيقي وإن خف معناه على الشعر الخالي من الموسيقى وأن رجحت كف معانيه ، ويرى مندور في كتابه النقد والنقاد المعاصرون ( الموسيقى أحدى مقومات الشعر الأساسية التي إذا فقدها فقد خاصية من خصائصه الكبرى التي تميزه عن النثر ) ويرى د.محمد النويهي في كتابه قضية الشعر الجديد أن ( الموسيقى الشعرية هي السمة الأولى التي تميز الشعر عن النثر) ويرى شوقي بغدادي (( أن الفوارق بين الشعر والنثر عديدة وليست الموسيقى إلا أحداها ) .
ويعتبر النقاد المعاصرون أن الموسيقى الشعرية تنطوي على عناصر :
1ـ الإيقاع : ومصدره تكرار التفعيلة في البيت الواحد حيث ينبعث عنها نغم متميز محدّ الزمن والبنية الصوتية ويأتي هذا الإيقاع من النطق المتكرر لهذا النغم وهو الضابط للوزن ووحدة الإيقاع الشعري هي التفعيلة عند العرب ، وهي البيت عند الإنكليز والمقطع الصوتي عند الفرنسيين . وهو ضرورة لا بد منها ولا يبلغ أقصى مداه دون وزن وقافية ويتفق رييتشاردز و عبود على أن ( الإيقاع نسيج من التوقعات والإشباعات والاختلافات والمفاجآت التي يحدثها تتابع المقاطع ) وهو (الحد الفاصل بين الشعر والنثر ) على حد قول د . أحمد بسام ساعي . فالعمل الأدبي في رأي رينيه ويليك و أوستن وارين سلسلة من الأصوات ينبعث عنها المعنى وهذه السلسلة أو الطبقة المتناسقة تقل أهميتها في بعض الأعمال وتزداد في أعمال أخرى وهي شرط مسبق وضروري للمعنى وتؤلف جزءاً هاماً من التأثير الجمالي في العديد من الأعمال الأدبية الفنية بما فيها من النثر المبهرج _ السجع . وليس الشعر إلا تنظيماً لنسق من الأصوات اللغوية . على أن مشكلة الإيقاع ليست مقتصرة على الأدب فهناك إيقاع للطبيعة ، وإيقاع للموسيقى وإيقاع للفنون التشكيلية ومن السهل أن نرى في النثر أنواعاً من الإيقاع / نظرية الأدب ص / يقول جبران خليل جبران في إحدى مقالاته
( أنا أبكي فتبتسم الطلول
واتضع فترتفع الأزهار ،
الغيمة والحقل عاشقان،
وأنا بينهما رسول مسعف ) .
ويرى محمد ياسر شرف في كتابته النثيرة والقصيدة المضادة (أن الإيقاع شرط لازم لإظهار التركيب الزمني الذي يبدعه الشاعر بألفاظ وتراكيب مميزة ... والاتصال بين الشعر والموسيقى في المجتمعات البدائية يكفي للتأكيد بأن للإيقاع أثراً ثلاثياً ممتعاً يتمثل في الجانب العقلي والجمالي والنفسي ...)
وقد تعرض / وودزورث / لهذه الآثار فرأى أن الأثر العقلي ناشئ عن التأكيد المستمر خلال مسير القصيدة ذلك أن هناك نظاماً ودقة وهدفاً في العمل الأدبي وأن الأثر الجمالي ينشأ من الإيقاع الذي يخلق جواً خاصاً من حالة التأمل الخيالي وهذه تضفي نوعاً من الوجود الممتلئ في حالة شبه واعية على الموضوع كله ، وإن الأثر النفسي يبدو إيقاعه في المشي والنوع والتنفس والنبض .
ويذهب / وودزورث / إلى أن إيقاع الضربة الشعرية يكون عادة أقل سرعة بقليل من إيقاع النبض و إن صح ذلك فالشعر هو لغة القلب )) .
وقد أدرك ذلك الخليل الفراهيدي من خلال مروره في سوق النحاسين حين قرن بين نظام الضرب المتناظر المتساوي بالمطارق على الأواني وبين تناسق التفعيلات وتناظرها في الأبيات الشعرية وحركة أقدامه ودقات قلبه فاستنبط هذا النظام الصوتي للشعر العربي .
2ـ الوزن : وهو مجموع تفعيلات البيت الواحد يقول ابن رشيق القيرواني : ( الوزن أعظم أركان الشعر وأولاها به خصوصية وهو مشتمل على القافية جالب لها ) ، ويرى النقد الحديث في الوزن وسيلة أداء مثلى للتعبير عن الانفعال الشعري تعجز عن لغة النثر . ولأن الشعر حقيقة إثارة وجدانية وتجربة شعورية يعبر عنها في صورة موحية فلا بد له من عنصر إضافي يؤدي مهمته بالإيحاء والتخيل وهذا العنصر هو الوزن وهو صميمي يمكنّ الشاعر من رسم انفعاله للآخرين ويفرض جواً نفسياً خاصاً على مستمعيه .
إن اللغة العارية عن الوزن قاصرة عن تصوير ما يعتمل في نفس الشاعر يقول ابن عبد ربه في العقد الفريد : ( زعمت الفلاسفة أن النغم فضل بقي من المنطق لم يقدر اللسان على استخراجه فاستخرجته الطبيعة بالألحان على الترجيع لا على التقطيع فلما ظهر عشقته النفس ) . ويقول أفلاطون : ( لا ينبغي أن نمنع النفس عن معاشقة بعضها بعضاً ، ألا ترى أهل الصناعات إذا خافوا الفتور ترنمو بالألحان) .
إن الوزن جزء من المحتوى الشعوري والفكري الذي ينطوي عليه الشعر وثمة رابطة تربط بين الوزن والإيقاع وبين قوة انفعال الشاعر وعمق إحساسه . ويرى النقاد أن هناك ائتلافا بين المعنى والوزن والقافية . ذلك أن بعض المعاني يحتاج إلى طول معالجة وعرض وشرح بعض الجزئيات للفكرة وهذا يستدعي انسياباً في الوزن وامتداداً في التفعيلات ، بينما بعض المعاني يتطلب خفة ورشاقة في الوزن وغنائية في النغم .
يقول سليمان البستاني في معرض حديثه عن أوزان الشعر : ( الطويل للفخر والحماسة لأنه يستوعب معاني كبيرة ومرتع للتشابه والاستعارات وسرد الحوادث وتدوين الأخبار ووصف الأحوال والبسيط يقرب من الطويل إلا إنه لا يلين لينه للتصرف في التراكيب والألفاظ ولا يتسع اتساعه للمعاني ، والكامل يصلح لكل نوع من الشعر وهو أجود في الخبر منه في الإنشاء والوافر ألين البحور يشتد إذا شددته ويرق إذا رققته ) .
إن كينونة الوزن كظاهرة تخلق الكلام منغما هي التي تميز شاعراً عن آخر بل هي التي تجعل هذا النوع من الكلام شعراً لأن نغمية الوزن تعطي اللغة حركة فاعلة في نفوس الآخرين ومتى صار الشعر صف كلام يكون النثر المرسل خيراً منه .
صحيح أن توافر الوزن في القصيدة ، شرط رئيس إلا أنها بالوزن وحده لا تسمى شعراً فلا بد من توافر الموهبة والسليقة و النضج في استفراغ مواقف الشاعر من الحياة .
3 ـ القافية ، وهي زاوية القصيدة وسرّ قوة البيت الشعري يحتاج لها المعنى كي يتم وذات تأثير كبير وعجيب في الموسيقى بالإضافة إلى جمالها الفني لأنها آخر ما يتبقى في ذهن السامع من البيت وقد أولاها العرب اهتماماً كبيراً بما أدركوه من تأثيرها القوي في العملية الشعرية .
يقول الحطيئة ( نقحوا القوافي فإنها حوافر خيل الشعر ) ويعتبر ائتلاف المعنى والقافية ضرورة من ضرورات الشعر لأن للقافية صلة بعاطفة الشاعر ومعانيه وقد تسهل القافية للشاعر قيادة النظم فتفتح مغالق القول وقد تصرف الشاعر عن غايته وتذهب به مذهباً لم يقصده والمطبوعون من الشعراء أقدر من غيرهم على اختيار القوافي والأوزان الملائمة للمعاني حيث تظهر قدرتهم على التعبير ويستطيعون رفد أشعارهم بعناصر جمالية على أنه ينبغي الالتفات إلى أن القافية ظاهرة بالغة التعقيد وظيفتها التطريب خاصة إذ باستطاعة المرء أن يميز الدرجة التي تشتبك بها القافية مع مجمل سياق القافية وإلى أي حد تبدو كلمات القوافي قد جاءت لملء الفراغ .
إن جدلية الوزن والقافية والمعنى والعاطفة تظهر لنا مدى أهمية القافية في البيت الشعري لأنها تقدم للسامع النشوة العميقة التي تحصلت للشاعر عند كتابته القصيدة وأكثر ما قرن النقاد بين الوزن والقافية وجعل الوزن منطوياً عليها كما يقول ابن رشيق .
4ـ النغم الداخلي للشعر : ويبدو في اختيار الشاعر لألفاظه التي تتجاور حروفها متعاونة منسجمة غير متباعدة المخارج لا يتعثر اللسان بنطقها (غير متشابكة الحروف ) من خلال تراكيب منسجمة موحية خفيفة الظل كقول أحدهم :
سود ذوائبها بيض ترائبها محض ضرائبها صيغت من الكرم
وقول الآخر :
عذيري فيك من لاح إذا ما شكوت الحب حرقني ملاما
فلا وأبيك ما ضيعت عهداً ولا فارقت في حبيك ذاما
ومما فسدت موسيقاه وأنغامه الداخلية قول أحدهم :
وقبر حرب بمكاني قفر وليس قرب قبر حرب قبر
وقول الملك الضليل :
( غدائره مستشرزات إلى العلى )
إن الشعر باعتباره تنظيم لنسق من الأصوات اللغوية يجعلنا نتبين النظرة الداعية إلى ضرورة وجود الموسيقى في الشعر على أنها عنصر صميمي من ركائز القصيدة لا عنصر ملحق وإضافي لأن الحد الفاصل بين الشعر والنثر هو الموسيقى وليست المحاولة الرومانتية والرمزية لمطابقة الشعر على الأغنية والموسيقى إلا لأن الموسيقى قد تواكبت في الظهور مع الشعر الغنائي وتعايشت معه كفن واحد عند الشعوب البدائية .
الباب الرابع
نظرة المعاصرين للأدب
الباب الرابع
الفصل الأول : الأدب ومذهب الفن للحياة
الباب الرابع
الفصل الثاني : الأدب ومذهب الفن للفن
الباب الرابع
الفصل الثالث : الأدب والاتجاه الاشتراكي
الباب الرابع
الفصل الرابع : الأدب والاتجاه الوجودي
الباب الرابع
الفصل الخامس : الأدب والاتجاه العبثي
الباب الرابع
الفصل السادس : الأدب والاتجاه الحداثي
الباب الرابع
الفصل السابع : الأدب والاتجاه الإسلامي
الباب الرابع
الفصل الثامن : الأدب والاتجاه القومي
الباب الرابع
الفصل الأول
الأدب ومذهب الفن للحياة
الأدب أحد الفنون التي لجأ إليها الإنسان للتعبير عما يختلج في نفسه من هموم ومشاعر وقضايا عايشها الإنسان على مر العصور
ونظراً لاختلاف وجهات نظر الناس تجاه الفنون والآداب وتغير هذه النظرات باختلاف العصور والأفكار والفلسفات فقد نشأ مذهب الفن للحياة كأحد وجهات النظر التي طرحت بسبب تغير فلسفات الحياة ونظرة الناس الفنية للحياة .
ويتميز هذا المذهب بسمات هامة هي
1 ـ تقديم المضمون على الصورة الخارجية .
2 ـ تسخير الأدب والفن لصالح قطاعات اجتماعية كـ(الحظ على الفضيلة) و(تعليم العمال مبادئ الدين في كفاحهم لاستخلاص حقوقهم .
3 ـ يعنى الأدب في هذا المذهب بتعاقده مع الغير .
4 ـ ولاء الأدب لفكرة واحدة يمكن للأديب من خلالها أن يقترب من الرؤية الشاملة .
5ـ ارتباط الأدب بين ذات الأديب ولا ذاته إذ يجب على هذا الأدب أن يجعل الأخلاق غايته لأن الأخلاق قاعدة الحياة وكل ما لا يخضع لها مصيره الفناء .
6 ـ الأدب رسالة اجتماعية عليها أن تسكن جراح المحزونين و آهاتهم .
7 ـ الأدب رسالة إنسانية يحملها الأديب و هو مسؤول عن أدائها .
8 ـ غاية الأدب والفن تحقيق الأخوة الإنسانية ونشر الديانة العالمية .
9 ـ الجمع بين الخير والجمال غاية الأدب والفن .
10ـ السمو بالنفس وتهذيب الأخلاق.
الباب الرابع
الفصل الثاني
الأدب ومذهب الفن للفن
وباعتبار أن الإنسان عايش فلسفات مختلفة في هذه الحياة فقد تنوعت أفكارة تجاه هذه الحياة ويعد مذهب الفن للفن مذهباً فنياً عكس صورة الفلسفات المتنوعة التي ترى أن الأديب هو صانع الكلمة الجميلة لأن من واجب الفلسفة و الثقافة التأملية نحو روح الإنسان التي يفترض أصلاً أن تكون هذه التأملية في الكون موصولة به من خلال التفكر والتدبر في آلاء الله الإنسانية والكونية ، وهذا المذهب الفني يتسم بسمات بارزة أهمها :
1 ـ هذا المذهب خال من الهدف لأنه جاء احتجاجا على الأدب الهادف
2 ـ هذا المذهب يجل الجمال حتى العظام لأنه ليس هناك أدب أخلاقي وأدب خال من للأخلاق إنما هناك أدب رائع السبك أو رديء السبك .
3-يطالب هذا المذهب الأديب الإحساس بالجمال
4- أن يبتعد الأديب عن القضايا الاجتماعية و الخلقية إلا إذا جاءت عرضاً
5- هذا المذهب هو تكافؤ بين المشاعر والانفعالات وبين الصور المتحركة في أعماق الأديب
6- الأديب إنسان يحب ويعبر عن حبه فهو ليس فيلسوفاً ولا واعظاً ولا أخلاقياً
7- الأديب فنان خلاق مطالب أن يوازي بين ما يشعر به وما ينتجه
8- الأدب في هذه النظرية متعة فقط
9- لا شأن للأدب والفن بالمنفعة
10- الأدب عند هذا المذهب طائر حر طليق لا عصفور مقيد عليه أن يحلق بأجنحته في عالم حر
11-الأديب في هذا المذهب إذا حقق حريته استطاع دعم الأخلاق وأن يعود بالخير على المجتمع
12- أفضلية الفن والأدب الجميل في أنه يستطيع أن يخلع الجمال على القبيح
13- المتعة و الجمال الفني في الأدب أساس أي عمل أدبي ومن المتعة و الجمال تستشف الأخلاقية والقبيحية وقد تفرعت السريالية عن هذا المذهب و جعلت العنصر الجوهري للشعر يكمن في الصورة المجردة التي هي من نتاج الخيال وعلى الشاعر في هذا الخيال أن يثق وأن يستسلم للإلهام بحيث يستقبل الصورة النابعة من وجدانه أكثر مما يحاول خلقها بفكرة المحض عن طريق الشعور .
ومن عيوب هذا المذهب
1 ـ اعتبارهم الأدب صورة تفيد المتعة واللذة
2 ـ أن عالم من الصورة المجردة الخالصة لا تستطيع أن تؤدي دوراً في عالم الفكر
3 ـ أن خيال الشاعر المعتمد على (الحلم و الطفولة) لا يؤدي دوراً في عالم العقل المتفتح والفكر المحض
4 ـ لا يستطيع الحلم أن يكون أدباً أو فناً
5 ـ نظرة هذا المذهب جردت الفن من مضمونه
6 ـ نظرة هذا المذهب فصلت بين الشكل والمضمون
7 ـ نظرة هذا المذهب عزلت مادة الفن عن صورته
8 ـ نظرة هذا المذهب فرقت بين الأدب والمجتمع والأخلاق
9 ـ يتشكل الخلق عند أصحاب هذا المذهب من غرق الأديب في الصورة التي تنمو وتترعرع على حساب المحتوى .
الباب الرابع
الفصل الثالث
الأدب والاتجاه الاشتراكي
الواقعية الاشتراكية مدرسة ظهرت إثر الفلسفة الماركسية التي تبلورت سنة ثمان وأربعين وثمان مئة وألف (1848) .
وقد كانت هذه المدرسة الأدبية حصيلة نظرة الماركسية الى الفن والأدب وهذه المدرسة تؤمن بالأدب والفنون التي تخدم الطبقات العاملة وتمجدها وتدعو إلى تركيز الأدب في أناشيد العرق والكدح وفي تمجيد الجماهير الكادحة والتبشير بأمجادها وجهادها ومستقبلها وفي الدعوة لقضاء حاجاتها ..
وهي لذلك تتهم كل أدب وفن رأس مالي متميع لا يخصص لهذه الموضوعات بإنه أدب يعيش بمعزل عن الجماهير الكادحة صاحب المصلحة العامة في قيادة الثورة
ومع ظهور الاشتراكية في العالم لم يعد الأدباء ينظرون إلى النتاج الأدبي كما كانوا ينظرون إليه من أنه وحي والهام مصدرهما عالم مثالي ..
إن البنى الفوقية الثقافة والفكر لا تنفصل عن البنى التحتية الاقتصاد وعلى هذا فإن كل ما ينبثق عن الخال هو انعكاس لعالم الحقيقة الوضعي لأن الوشط المادي هو الذي يقرر الأسلوب الفكري.
فالواقعية الاشتراكية تعتبرالأدب ابن الحياة يستمد جذوره وعوامل إبداعه من المرحلة الاجتماعية التي يعيش فيها0
ـ سمات الواقعية الاشتراكية :
تقول هذه المدرسة بأن الزمن كان فيه الفن سراً من أسرار الآلهة والذي كان يلقي شعلته في صدر المختارين من الناس وهذا الزمن قد ولى ...
فقد مضى الزمن الذي كانت فيه الشياطين تهمس للشاعر بما ينبغي له ما يقول أولاً يقول وتلقفه الشعر جيداًَ كان أم رديئاً.
ويعتبر كتاب المدرسة أن قد الإنسان ومصيره في الأرض هما من صنع يديه وحكمته لا من صنع الفكر الغيبي .....
وهكذا راحت أشباح الغيب وهدوم السماء ترحل عن وجدان الشعراء ليكون الوجدان الواضح فيه لقضاية الإنسان في مجتمعه وعالمه .
وراحت عملية الابداع تتحول من كونها هبة مجانية معطاة الى أن تصبح تقنية أسلوبية واغية وصناعة الجمال في التعبير .
وما دام هناك أديب وشاعر وفنان فيجب على هؤلاء الالتزام بمشاركتهم بفكرهم وفنهم وشعورهم لقضايا قوة الوطنية والإنسانية وما تعاني طبقات مجتمعه من ألم وما تبني من أمال ....
وبهذا يكون شأن الشاعر عند الواقعيين الاشتراكيين شأن الناثر لأن الشعر هو الحقيقة في صورة من صور التأمل والشاعر يفكر وان يكن تفكيره في شكل صورة وهو لا يرهن على الحقيقة ولكنه يجلوها وبهذا يظهر للعيان ما لا يراه سواه .
والشاعر لا يصف الناس على ما يجب أن يكونوا عليه فحسب بل يصف واقعه أيضاً ومن خلال الواقع يستشرف المستقبل .
فالخيال لا يحمل في الشعر إذا كان كذباً او متجاوزاً المعقولية أما من ناحية الشكل والمضمون فيجب أن يكونا منسجمين بالوحدة الفكرية ليدلا على الجمال ذلك الجمال الذي ينمي لدى الناس متعة الفهم والأدراك ويدربهم على الاغتباط بتغيير الواقع..
ولكن بوجه عام تميل أساليب الواقعين الاشتراكيين الى الأبتعاد عن الجمال الشكلي منها كنا نرى كتاب الواقعية الاشتراكية يعيبون على الشعر المحايد الذي يستهتر بما يدور من معاني الصراع في سبيل اقرار الحرية ولذلك لأن الشعر الحق من وجهة نظر الواقعين الاشتراكيين هو الذي يرتبط بالكفاح لتحرير الشعوب فليس الشعر مقصوراً على حدود الذا الجمالية ولكنه يجب أن يخدم قضايا الإنسان...
وعلى هذا فان مضمون الشعر والفن هو المصلحة العامة وهي نفعية ولكنها نفعية أحلت القيم الاجتماعية محل القيم الفردية المضة..
ولن ثمة مفاهيم واضحة للواقعية الاشتراكية وهي :
آ ـ تعتمد الواقعية الاشتراكية على نظرة كاملة للحياة والأنسان نظره موضوعية لا تعتمد على الغيب ...من هنا نجد الايمان القوى بمقدره الانسان على التطور والأرتقاء والابداع.
2-وهي ترى أن الانسان كريم بمنزعه وله القدرة على البلوغ وليس ثمة قوانين في الطبعة تمنعه...إن النسان سيد نفسه في نطاق العلائق الاجتماعية .
ويضرب أصحاب النظرية مثالاً لأديب واقعي أشترلكي يؤمن بأن مشاكل الانسان ليست الغازا ولا مفروضة عليه من قوة خارقة وأن الانسان كريم العنصر نبيل في الطبيعة فان عمله سوف يأتي على هذا الشكل وينطق على هذه النمطية من التعبير.
فحين تتعرض شخصية من شخصياته القصصية إلى مشكلة أو تتعقد حياتها بعض التعقيد فلا يدغ شخصيته هذه تتنتحر أو تستسلم في يأس أو يجعل المصادفة تحل مشكلتها كما يفعل الأدب غير الواقعي الاشتراكي.
3- أدب الواقعية الاشتراكية أدب متفائل إلى أبعد الحدود فهو يرى من العكسي بشائر الحياة.إن الواقعية الاشتراكية تنطلق من نقطة ايمانها بالإنسان ككائن له حريته وفيه خير من تلك النقطة ينبعث التفاؤل.
4- تؤمن الواقعية الاشتراكية بالصلة الوثيقة بين الأدب والوطن الذي اتجه فهي ترتبط بالأرض ارتباطاً وثيقاً وتعالج قضايا الواقع المعاش.
وليس ثم تعارض وتناقض بين الواقع المحلي والانساني ان الأدب الأنساني هو أصدق الآداب وأكثرها واقعية وما دام الأديب يخلص لواقعه المحلي ويفتش في ثناياه عن شخصياته ووقائعه فان أدبه حافل بالروح الانسانية الصادقة بعيد عن التجريد والخيال ...
إن الصفة الانسانية هي بنت الواقع كلما كان الأدب أكثر واقعية كان أكثر أنسانية ويجدر التنمية هنا أن كتاب الاقعية الاشتراكية ركزوا على الصفة الأنسانية في الأدب ابتداْ من مكسيم غوركي إلى يورى بورييف.
ونرى الناقد كريجا توفسيكي يلخص أشكال هذه النزعة الانسانية في الأدب السوفياتي فيقول : لقد أصبح الأدب أكثر انسانية وأقل تصويرية وأوفر فلسفة وأغنا بالمشكلات...
وان نموذج المتشكك والقدمي والطفيلي والبيرقراطي والسوقي والفودي والانتهازي هي نماذج مناهضة للأنسانية ولكنها موجحودة تصويرها تحت ضوء واقعي هو عمل انساني كبير يقوم به الكاتب.
5-تنادي الواقعية الشتراكية بوحدة المحتوى الشكل وحدة عضوية..أكثر الاعمال الأدبية أصاله ونجاحا هي التي حافظت على الوحد العضوية .
لهذا نرى أن الواقعية الاشتراكية تنما على الشكليين فارغة من أي منفعة.
6- تؤمن الواقعية الاشتراكية بالفكرة وتؤمن بأن الآداب لابد أن يكون معبراً عن فكرة ما... بمعنى أنه لا بد أن يقف موقفا من الحياة . وهذا الوقوف لا يظهر في العمل الفني والأدبي الناجح كعنصر دخيل بل يندمج اندماجاً كلياً في صميم العمل الأدبي.
7- ان الأدب بصورة عامة عند الواقعيين الاشتراكيين نوع من العمل لا يمكن أن تنقطع صلته بالتجارب والأعمال الأخرى التي يؤديها الأديب في حياته فهو مرتبط بها أيا أررتباط وهو يعكس نشاطاته الاجتماعية وموضعه من المعركة.
وعلى الرغم من أن مصطلح الواقعية الاشتراكية لقي قولاً واسعا في الأوساط الأدبية إلا أن دلالته ظلت مضظربة ..فهو يطلق على الرائع الجيد من الأدب ثم يطلق في الوقت نفسه على المؤلفات الدعاوية الفارغة المؤلفة في عهد ستالين.
صحيح أن ميدان الواقعية الاشتراكية لا يقتصر على الواقع الموضوعي والعالم الخارج وعلى اقتطاع بعض سمات هذا الواقع وتقديمها على أن المعبرة عنه وهذا ما يسميه جورج لوكاتش بالواقعية العامية ـ بل يشمل كذلك ناتية الفرد الإنساني . ولكن رغم ذلك يظل مصطلح الواقعية الاشتراكية غير محدد تماماً .ثم أن النظره الفنية للواقعية الاشتراكية لم تتحق الشيئ الكثير عملياً ...وما زال الأديب الاشتراكي موزعاً بين التزامه العام اتجاه المبادئ الاشتراكية بين الالتزام المباشر الذي تلح عليه معظم الأنظمة الرسمية والمؤسسات الحزبية .
ونستطيع أن نقول أن الأدب الاشتراكي موزع بين الالتزاميين اثنين ..التزامه بمؤسسته الحزبية ولتزامه بالمبادئ الاشتراكية العامة
ولكننا في الوقت نفسه نستطيع أن نذهب مذهب أرنست فيشير في كتابه(ضروة الفن) من أن الالتزام في الواقعية الاشتراكية ليس إلا دليل عمل أو أسلوب يفسح المجال للفنان بالرؤية العميقة المنسجمة مع الرؤية الفردية .
ولكن هذه الحرية (حرية الأدب الاشتراكي) ضمن حدود الالتزام الماركسي اللينيني لم يكن لها صدى عملي ... فقد شدد المسؤولون على محاسبة الفنانين والأدباء لا سيما في الفترة الستالينية.
ونستطيع أن نقول أيضاً أنع نتيجة لتشديد الواقعيين الاشتراكيين على مسألة المحتى والمضمون والأبتعاد عن الجمال الأسلوبي الشكلي دخل العديد من الأعمال المسرفة في السطحية والبساطة مجال الأدب حتى أنه يصعب علينا أن نعتبرها انتاجاً فنين اصيلاً. ويثير النقاد مسألة وأخرى في طريق الواقعية الاشتراكية وهي أن هذه المدرسة هي حصيلة النظرة الماركسية السياسية والاجتماعية. ..ويخلصون من ذلك إلى أن ربط الأدب في السياسة والحركة الاجتماعية يعني ربطه بقيم غير ثابتة وحرمانه من فرصة الخلود ..ولكننا يمكن أن نعزو فساد هذه النظرة لسطحية معرفتها وأدراكها لأن الحركة الأدبية عبر مسيرتها المجتمعية.
أن الواقعية الاشتراكية أعطت لربط الأدب بالحركة المجتمعية بعداً جديداً له منطقه0 أن الأدب ظاهرة اجتماعية و انتاج الأدب عملية اجتماعية ...
والاديب لايكتب الا ليوصل مايكتبه الى الناس ... فاذا كانت العملية الأدبية محصورة في نفس الأديب فلماذا يكتب ولماذا ينشر ما كتبه 0
ان الاديب عندما يكتب يعبر عن واقع اجتماعي لطبقه في زمن معين وهوكذلك يتجه الى مخاطبه قطاع اجتماعي معين 0
ويبدو الواقعية الاشتراكية في فترتها الاولى وقعت في مشكلة التوافق بين وظيفة الادب الهادف وبين مقتضيات الفن والجمال أو كل ما يدخل في باب صورة الأدب وشكله 0
واذا كان المفكر الاشتراكي الانكليزي جون ستراتشي في بحثه عن " الأدب والمادية الجدلية " قد حاول أن يجد حلاَََ لهذه المعضلة فإنه لم يوفق و انتهى الى التفرقة بين نوعين من الأدب : أحدهما هو الأدب الجمالي أو الفني 0
ولكننا من جهة أخرى نرى أن الناقد الاشتراكي جورج لوكاتش في كتابه " دراسات قي الواقعية وفق بالجمع بين وظيفتين الأدب وبين جماليته .. من هنا رأيتاه يصر على دينامية الواقعية الأشتراكية وحيويتها .
والحق يقال : ان نظرية جورج لوكاتش في الجمال ما تزال حتى الآن أحدث تعبير عن الماركسية في هذا المجال .
2
الباب الرابع
الفصل الرابع
الأدب والاتجاه الوجودي
الوجودبة مدرسة تمثل ظاهرة فكرية فلسفية انبعثت في أواخر القرن التاسع عشر .. وهي تمثل مرحلة الانحسار البورجوازي في أوربا .
وهذه الفلسفة كانت من بين عدة فلسفات منها الوضعية و الذرائعية "البراغماتية "والماركسية والخيبة .
وهذه الفلسفة ليست حصيلة الانحسار البورجوازية المتراجع فحسب بل هي تكرس له وقد شككت هذه الفلسفة بكل ما هو تراث سالف للانسانية لا سيما التراث الروحي من تلك الحضارة الانسانية.
وقد ناقضت الفلسفة الوجودية كل الفلسفات السلفية التي كانت تضع المثالية أمام أعينها وقد وضعت مبدأ انطلقت منه في تفسير الظواهر وهو "انا موجود فأنا أفكر " تدعي هذه الفلسفة أنها قامت لتنشل الانسان من ضلالات الماضي ولتجعله يشكك بالاله... ليكون سيد نفسه في هذا الوجود .
ان الحرية التي تطلقها الوجودية للانسان انما هي حريته الآن وفي هذا الواقع دون الخضوع الى توارث هذه الحرية .
والوجودية عندما تطرح الحرية ترد فيها بنتيجة خطيرة للإنسان وهي مسؤوليته تجاه أعماله 00 فاذا كنت حرا فأنت مسؤول بالضرورة 0
ـ سمات الوجودية ومبادؤها :
هذا الطرح الفلسفي والفكري للوجودية أثر على الأدب والفن وجعل الأديب والفنان أمام ثالوث مفروض وهو "الحرية والمسؤولية والالتزام " 0
ونتيجة لذلك فقد جعلت الوجودية التعبير عن القضايا الاجتماعية والاخلاقية في الدرجة الأولى 00 ويأتي في المرتبة الثانية الناحية الجمالية والفنية 0
من هنا كان للأدب في نظر الوجوديين بعدان : بعد انساني هدفي وهو الخلفية الفكرية لدلالات الأدب والفن 000 وبعد جمالي مرتبط بالظاهرة الفنية والأسلوب وتقنية الأداء0
وتمني الوجودية من هذه الحرية أن الأديب أي أديب هو إنسان ذو موقف فكري من الوجود أي ذو معاناة 000 وهو فنان في قدرته التعبيرية عن ذلك الموقف أي ذو طاقة خلاقة على سكب معاناته الانسانية في أشكال فنية من جمالية الأداء والتعبير0
من هنا فالأديب أديب مسؤول في عمله الابداعي عن هوية معاناته وعن بعدها الانساني والمجتمعي والكوني 000 أي عن شمولية لتلك المعاناة وعمقها الانساني والتاريخي كما هو مسؤول تماما وبالقدر نفسه عن جماليّة أسلوبه وتعبيره 000
وعلى هذا فأن الوجودية ترفض الاتجاه الأدبي الذي لم تتخط المعاناة فيه حدود الاهتمامات الفردية الضيقة 0 لأنها ترى أن الأدب يتصف برؤيا شمولية للإنسان والعالم وذلك من أجل تفسير الموجود وأعادة تشكيله انطلاقا من امكانات التقدم الانساني في التاريخ وحركته 0
ولكن ماهي نظرة الوجوديين الى الأدب في كونه أدبا ملتزما بعد أن تجاوز المرحلتين السابقتين الحرية والمسؤولية ؟؟ 00
أن أبا الوجودية "جان بول سارتر " وضح فكرة الالتزام في الأدب من خلال دفاعه عن حرية الانسان وكرامته 0
ولكن هذا كلفة لأن يفصل بين ما هو نثري وبين ما هو شعري 0000 أن سارتر يقرر أن الأدب لابد أن يكون ملتزما ولكنه يرى أن الالتزام في الأدب لا يعني أن نفرض الالتزام على سائر الفنون 000 وذلك لأن الفنون ليست على سوية واحدة 00 فهي مختلفة في الصورة والمادة 0
ويميز سارتر بين النثر والشعر فيقول :أن مجال الدلالات هو النثر أما الشعرفهو كالرسم والنحت والموسيقى لا شأن له بالدلالات من هنا فأن سارتر لم يطالب الشاعر بأن يكون ملتزما0
أن الكلمات هي التي تستعمل الشعر 000 أما النثر فهو الذي يستعمل الكلمات على حد قول سارتر0
أن الإنسان المتكلم الناثر يمضي الى ما وراء الكلملت والالفاظ 00 أما الشاعر فأنه يقف أمامها 000
ولكن سارتر لا يعدم الدلالة في اللفظ الشعري بل أنها في نظرة لم تمد الهدف البعيد المنشود الذي يرمي الى التعالي الانساني 000
أن النثر في نظر سارتر نفعي في جوهرة 000 أما الشعر فهو منزه عن المنفعة أن الكاتب يهجرالحلم المستحيلي 00 ليصور المجتمع والحياة الانسانية تصويرا حياديا
أن الإنسان هو الكائن الذي لايستطيع أي كائن أن يحتفظ أزاءه بالحياة وهو أيضا الكائن الذي لاينظر الى طرف إلا يبدله 0
وهذا الكاتب يعلم أن الألفاظ "مسدسات مشحونة بالرصاص " فاذا تكلم فقد أطلق هذا الرصاص 00 ولقد كان في وسعه أن يصمت 00 وأماو أنه قد اختارأن يطلق الرصاص فيجب أن يطلقه رجل 00 أن يصوبه الى أهداف لا أن يطلقه كما يطلق من قبل طفل على غير هدى مغمضا عينيه مكنفيا من الاطلاق بلذة سماع الانفجار أن الكاتب قد اختار أن يكشف العالم والإنسان خاصة لسائر الناس حتى يتحمل هؤلاء الناس أمام الشيء الذي عراه الكاتب على هذا النحو مسؤوليتهم كاملة 0 وظيفة الكاتب أن يكشف الكون للناس حتى لايستطيع أحد أن يتتصل من مسؤوليته فالكاتب لايصور الضعيف والمنحل لذاتهما كما يفعل أميل زولا الذي يرى أن الشرير بالوراثة على حد تعبير المدرسة بل أن الكاتب الوجودي عندما يصف ضعيفا يقول أن الضعيف مسؤول عن ضعفه فالانسان الفاسد ليس فاسدا الا لأنه كون نفسه على هذه الحالة من الفساد بتصرفاته وأعماله 0000
الواقع أننا نستطيع أن نوجه للمدرسة الوجودية سهمين نقديين لا واحد 0 فمن وجهة نظر نقدية واقعية اشتراكية نقول أن تزيف الوعي الطبقي من خلال تصويرها لفكرة انسداد أفق أمام هذه الطبقات انسداد أفق الألم والندم والحسرة واليأس 0 فرواية "سيزيف " لألبير كامو تمثل ما تحدثنا عنه من انغلاق الآفاق المستقبلية أمام الإنسان 000 وبهذا تعرض هذا الإنسان للضياع والتشتت 000
ثم ان الوجودية من وجهه النظر الواقعية الاشتراكية تفضل بين االشعر وبين النثر فالوجود لم يقولوا بالتزام الشاعر بل الزموا به الناثر لاأنهما مختلفان في طبيعة التعبير عن تجاربهما الأديب كما تقول المدرسة. وهنال نقاط لا مجال لحصرها انتقدت فيها الواقعية الاشتراكية جان بول مارتر ولا يخفى عنا أن سارتر بالذات كان قطبا نت أقطاب الشيوعية ثم مالبث أن تحول هذا القطب الى انسان معاد للشيوعية وأفكارها. ان الوجود تخلف أكبر القلق والهجران واليأس في نفس الوجودى ما دام هذا الوجودى غير مرتبط أو مستند الى قيم أخلاقية واجتماعية وروحية.
فالتخلص من القيم المتوارثة تجعل الانسان الوجودى يعيش في غربة كونية من الهجران والشعور بالوحدة واليأس.
ثم ان مطالبه الكاتب أن يعبر عن رأيه في مشكلات الانسانية وأن يدخل معركة الحزية لا تستخرج حتما من ظرفه ككاتب ولا من رسالته ككاتب كما يذهب سازتر وانما هي تطرح على مستوى آخر هو مستوى واجبة كانسان مزود بأداه فذة لا يملكها ساثر الناس وهي القلم ومزود بنقود فكرى يجعل صوته مسموعاً ويجعل لدعوته قوة فيساهم في نصرة الحرية الانسانية والكرامة الانسانية نصرة ذات نجع لا يملك أن يحققه غيره من الأفراد الماديين...
فشتان بين أن تقول هذا وبين أن نذهب الى أن الكاتب انما خلق لينخرط في مشكلات عصره فأذا أحجم عن هذا كان يتخلى عن الرسالة التي خلق لها انما رسالة الفنان أن يرى وأن يعبر ومن الممكن أن يكون الجانب الذي يراه ويغير عنه هو الجانب الذي من شأن التعبير عنه أن يكون اهابة للناس أن يثوروا وأن يعملوا على تحقيق عالم أفضل ولكن من الممكن أيضاً أن يكون الجانب الذي يراه ويعبر عنه غير هذا.
ونحن نعتقد أنه في هذه الحالة وحتى حين يتناول اهتمامه أمورا لا تمت الى مشكلة الحرية بأنه صلة مباشرة انما يساعد بمجرد التعبير عن رؤية صادقة أن يفتح الأعين لا على رؤية ما رأه فحسب بل على الرؤية جملة أن يكسب قراءه مالكة الرؤية على وجه العموم لاوأن يمكنهم من الاتصال بجوانب من الواقع لم يقف هو عليها فهو بهذا يخدم مشكلة الحرية نفسها رغم أنه لم يلامسها من قريب أو بعيد يخدمها خدمة غير مباشرة فأنما المهم اذن أن يكون صادقا في الرؤية صادقاً في التعبير أيا كان الموضوع الذي تلبث عليع بصره وتناوله بالتعبير أثره.
الباب الرابع
الفصل الخامس
الأدب والاتجاه الحداثي
عايش الأدب من خلال الحربين العالميين الأولى والثانية شؤالاً ملحاً يتمحور هو كيف ننشئ مجتمعاًحديثاً في عالم حديث وأخذ الأدباء يبحثون عن جواب هذا السؤال من خلال فلسفات وأفكار تلبي حاجتهم وتحت ضغظ أزمة حضارة مادية يبحث الإنسان من خلالها عن وجوده الإنساني والمادي.
وفي خضم البحث عن جواب ذلك السؤال كانت الحداثة فكرة ترد في بعض الأدباء ممن يسعون إلى المخرج بين الثقافات فتحولت الحداثة من مفهوم عام إلى مذهب أدبي فكري ينتقد نقائض الحضارة ويؤمن من تفوق العقل والقدرة على التغلب على جميع المشكلات من خلال محاربة الجهل والتخلف والجهود في النظم والمؤسسات وتحطيم القيود اللغوية والفنية في الأدب وممارسة أقصى ما نستطيع في التشكيل للتعبيرعن شهرة الإبداع وغرام الاكتشاف في كل تجربة جديدة من خلال ثقافة معلبة عن طريق وسائل الإعلام ونجاح تجاري لبعض أنواع الكتابة المسماة (حداثية ) لأنها تنتهك الحرمات (الدين واللعنة والعادات) وتنحدر بالأدب للسوقية وتعتمد الغموض والتمرد على كل شيئ و تقديس الحرية الفردية والدخول إلى عالم يريد أن يصنعه أو يغيره.
وقد تفق الكثير من الأدباء على نجاح الحداثة بعد أن اكتمل نضجها في أعقاب الحرب العالمية الأولى وتفرع منها مدارس جديدة كالسريالية والتعبيرية وقد أكد أصحاب الحداثة على أنها تعني التجريب الستمر والتعبير عنهم فكري ومغامرة في المجهول بعيداً عن صياغة الأفكار المعروفة سابقاً لمجرد الصياغة ومهاجمة الأشكال الأدبية السائدة والمؤسسات القائمة فهيا على حد قرار أصحابها ثورة النخبة من الجانب الإيديولوجي وهكذا تعطي الحداثة من منظور أصحابها للأدب قيمته التنبؤية الكثيفة فإذا رسخت قدمها قتلت نفسها لأنها تصبح قواعد متعارفة وتقليداً قديماً.
الباب الرابع
الفصل السادس
الأدب والاتجاه الإسلامي
الباب الرابع
الفصل السابع
الأدب والاتجاه القومي
الباب الخامس
ميزات أدبية
الباب الخامس
الفصل الأول :
الصدق والصدق الأدبي
الباب الخامس :
الفصل الثاني : السرقات الأدبية
الباب الخامس
الفصل الأول
الصدق والصدق الأدبي
كيف يستطيع قارئ الأدب أن يميز بين صادقه وكاذبة ؟.ومزيفه وأصيله ؟ وعمق عقيدة الأديب وسطحيتها وولاؤه للحقيقة أو المال والجاه والمنصب وغير ذلك من مغريات الدنيا .
الوسيلة الوحيدة للمبتدئ هي أن يمارس القراءة الطويلة مهتديا بهدي من يطمئن إليهم من المعلمين والنقاد ممن عرف عنهم نضج الذوق وسلامة الحكم . يرشدونه إلى القطع الأدبية التي اطمأن معظم الدارسين إلى صدقها , وإلى الأخرى التي اتفق ذوو الذوق السليم على دمغها بالكذب . ويشرحون له بأقصى ما يسعهم من شرح خصائص الصدق الفني وسماته وعلامات الكذب الفني , وأماراته ومن إطالته القراءة والنظر في هذه وتلك قد ينتهي إلى تنمية الملكة النقدية المميزة . وإن كان من المستحيل أن ينتهي في أي مثال معين إلى الرأي القاطع الملزم الذي يحسم كل خلاف
ولكي يتصف الأديب بالصدق لا بد أن تتوافر له الشروط الأربعة التالية :
1 ) أن تكون عاطفته متلبسة بما ألم به ,
2 ـ أن تكون عقيدته التي تبناها عقيدة مؤكدة الموضوع الذي يتناوله .
3 ـ أن تكون حدة تصويره ناشئة عن حدة الشعور
4 ـ أن تكون قوة الحساسية عنده عن رغبة في وصف حقيقة شعوره لا عن رغبة في المبالغة والتهويل .
5 ـ ألا يخالف تصويره النواميس العامة للكون
6 ـ ألا يناقض حقيقة السلوك الإنساني فيما نخبره من البشر في تجاربهم ومواقفهم .
7 ـ أن تكون من شأن شاعريته أن تزيد عاطفته جلاء وقربا
8 ـ ألا تقف العاطفة حجابا أمام الشاعرية .
ولعل المتلقي بعد ذلك ينتهي إلى تذوق قضية الصدق الأدبي
وانظر إلى هذه الأبيات الرائعة الجمال وتمعن بها تجدها بعيدة عن الصدق الأدبي لأتها لم تصدر عن الحب حقيقي بالرغم من جرسها وبراعة صنعتها , فصنعتها تبهر قارءها بمجرد مهارتها اللفظية , وتصرفه عن تأمل العاطفة والانفعال بها . والشاعر لا يلجأ إلى هذا العبث والزخرفة إلا حين لا تكون لديه عاطفة صادقة يريد نقلها إلى قارئة إدارة حارة مخلصة :
أزورهم وسواد الليل يشفع لي وأنثني وبياض الصبح يغري بي
.............................
فأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت وردا وعضت على العناب بالبرد
...................................
الله في الخلق من صب ومن عاني تفنى القلوب ويبقى قلبك الجانـي
صوني جمالك عنا إننا بشـــر من التراب وهذا الحسن روحاني
...........................................
أما الأبيات التالية للشاعر عمر بن أبي ربيعة فإنك حين تقرؤها تجد أنها صدرت عن عاطفة حب صادقة , وأن قائلها قد عانى حقا ما يدعيه من لوعة وحسرة وندم وما فيها من تجويد اللفظ وترقيق النغم , وترجيع الرنة , وتكرار اسم المحبوبة تكرارا رائعا لم يأت إلا ليزيد العاطفة قربا إلينا وينقلها نقلا حيا نابضا
أمن آل نعم أنت غاد فمبكـر غداة غــد أم رائح فمهجــــر
تهيم إلى نعم فلا الشمل جامع ولا الحبل موصول ولا القلب مقصر
ولا قرب نعم إن دنت لك نافع ولا نأيها يسلي ، ولا أنت تصبــــر
أما بيت النابغة في الاعتذار من النابغة فقد صدر عن خوف ورهبة حقيقيين من الملك المخاطب والتشبيه فيه تشبيه صادق . من شأنه أن يضاعف قدرتنا على تمثل عاطفته والاهتزاز بنظيرها:
فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
أما بيت أبي نواس في الرشيد فلم يصدر عن شعور صادق , والتشبيه فيه مهوش مهول يخالف نواميس الوجود التي لا نرضى عن مخالفتها . وصاحبة قد أورده ليبهر ويدهش انفعالا أحس به :
و أخفت أهل الشرك حتى إنه لتخافك النطف التي لم تخلق
ونحن لا نقبل البيت التالي في وصف نحول بشار :
إن في بردي جسما ناحلا لو توكأت عليه لا نهدم
وكذلك نرفض قول المتنبي :
كفى بجسمي نحولا إنني رجل لولا مخاطبتي إياك لم ترني
ونرفض أيضا قول أحدهم :
ذبت من الشوق فلو زج بي في مقــلة النائم لم ينتبه
وكان لي فيما مضى خاتم فالآن لو شئت تمنطقت به
ونرى حقيقة الصدق في تصوير ابن الرومي طفله وهو يحتضر :
ألــح عليه النزف حتي أحاله إلى صفرة الجادي عن حمترة الورد
وظل على الأيدي تساقط نفسه ويذوي كما يذوي القضيب من الرند
فالتشبيهات عند ابن الرومي صادقة لم يؤت بها لغرض التلاعب والتظرف و إظهار المهارة البلاغية بل جاء بها الشاعر لتزيد من توضيح المنظر المرسوم وتقريب العاطفة الموصوفة , عاطفة الجزع العظيم على ولده . كما نرفض التهويلات التي يفيض بها الكثير من شعر الرثاء , والتي يصور فيها أصحابها الكون وقد أصابه الخلل والاضطراب فتزلزلت الجبال واهتزت الأفلاك وهوت النجوم والشهب نرفضها لا لأنها نواميس الطبيعة فحسب , بل لأنها تعبرعن غفلة أصحابها عن اللذع الحقيقي للموت . كما في هذه الأبيات الكاذبة :
رمى السلطان الليث والليث خادر ورب ضعيف نافذ الرميات
فأودى به ختلا فمال إلى الثرى ومالت له الأجرام منحرفات
وشاعت تعازي الشهب باللمع بينها عن النير الهاوي إلى الفلوات
وهكذا فإن الصدق هو المعبار الحقيقي في تقبل الأشعار والتقرب من نصوص الشاعر
الباب الخامس
الفصل الثاني
السرقات الأدبية
نظراً لجمود الشعر العربي وعدم تحوله عن الموضوعات والمعاني القديمة وعدم اتجاه الشعراء اتجاهاً فلسفياً أو علمياً في بعض العصور وسريان فكرة أن الأسلوب هو المعول عليه في الأدب فقد جمد الشعر وتوقف الشعراء عن البحث عن موضوعات جديدة واتجه الشعراء للتحوير والسرقات الأدبية على اعتبار أنها داء قديم وعيب عتيق ولكنها ضرورة من ضرورات الشعر في ذلك الوقت وقد قسم النقاد السرقات إلى قسمين
1-سرقات مستحبة: يتجه فيها الشاعر إلى إضافة أشياء جديدة للعبارة أو الصورة.
2-سرقات منكرة :يتجه فيها الشاعر إلى إضافة أشياء جديدة للمسروق حيث اتجه الأدباء والشعراء إلى أسلوب الاقتباس والتضمين من القرآن الكريم والحديث الشريف وقصائد الشعراء ومحكم الأمثال والحكم ولفقوا الكثير من الخواطر والأفكار ، وبخاصة منذ ظهور أبي تمام وقيام الخصومة حوله ، وتتناول مسألة السرقات الأدبية من أهم ما تسعى الدراسات الأدبية إلى معرفته للاطلاع على أصالة كل شاعر أو كاتب , ومبلغ دينه نحو من سبقه أو عاصره من الشعراء والكتاب . وهي مسألة خطيرة لأنها شغلت النقاد من العرب أكثر مما شغلتهم أية مسألة أخرى ، وإن دراسة السرقات الأدبية دراسة منهجية لم تظهر إلا عندما ظهر أبو تمام و قامت خصومة عنيفة حوله ، و لقد اتخذت سلاحا قويا للتجريح . ونحن نعلم أنه قد كتبت عدة كتب لإخراج سرقات أبي تمام وسرقات البحتري ، وكان المؤلفون متعصبين لأبي تمام ومذهب البديع أو البحتري وعمود الشعر ، أي منقسمين إلى أنصار الحديث وأنصار القديم ؛ ولأنه عندما قال أصحاب أبي تمام : إن شاعرهم قد اخترع مذهبا جديدا وأصبح إماما فيه ، لم يجد خصوم هذا المذهب سبيلا إلى رد ذلك إلا ادعاء خيرا من أن يبحثوا للشاعر عن سرقاته ليدلوا على أنه لم يجدد شيئا , وإنما أخذ عن السابقين ثم بالغ وأفرط , وبهذا حدثنا الآمدي نفسه عندما قال: (إنه لم يتتبع سرقات البحتري بالاهتمام نفسه الذي تتبع به سرقات أبي تمام ، لأن أحدا لم يدع أن الشاعر البحتري رأس مذهب جديد).وأكبر دليل على دراسة السرقات دراسة منهجية أنه قد نشأت عن تلك الخصومة استعمال اللفظ ( السرقات )، إذ استعمل النقاد المجردون عن الهوى ألفاظا أخرى ( كالأخذ ) ، و (السلخ). وأما لفظة ( السرقات ) فقد ذاعت وسط الخصومة حول أبي تمام بين أنصار القديم وأنصار الحديث، فكتب عبد الله بن المعتز ( سرقات الشعراء ) و أحمد بن أبي طاهر و أحمد بن عمار في سرقات أبي تمام و كتب بشر بن تميم في سرقات البحتري من أبي تمام , ومهلهل بن يموت في سرقات أبي نواس ,وتناول الآمدي نفسه تلك المشكلة في (الموازنة ) وظهر المتنبي وقامت حوله خصومة جديدة فحاول أعداؤه تجريحه بإظهار سرقاته أيضا ولقد كان لنشأة تلك الدراسات وسط الخصومات أثر سيئ في توجيهها , فرأيناها قبل كل شيء تسعى إلى تجريح الشعراء ، ولهذا لم تستقم المبادئ التي اتخذت فيصلا فيها كما أنهم لم يفرقوا بين السرقة وغيرها . و من الواجب أن نميز بين عدة أشياء في أخذ الشعراء عن بعضهم , فهناك :
الاستحياء : وهو أن يأتي الشاعر أو الكاتب بمعان جديدة تستدعيها مطالعاته فيما كتب غيره . وهناك استعارة الهياكل : كأن يأخذ الشاعر أو الكاتب موضوع قصيدته أو قصته عن أسطورة شعبية أو خبر تاريخي وينفث الحياة في الهيكل حتى ليكاد يخلقه من العدم .وهناك التأثر : وهو أن يأخذ شاعر أو كاتب بمذهب غيره في الفن أو الأسلوب . ولقد يكون هذا التأثر تتلمذا كما قد يكون عن غير وعي وإنما النقد هو الذي يكشف عنه . وهناك السرقات . وهذه لا تطلق اليوم إلا على أخذ جمل أو أفكار أصلية وانتحالها بنصها دون الإشارة إلى مأخذها . وهذا قليل الحدوث في العصر الحديث ولم يفرق النقاد العرب في دراستهم للسرقات بين هذه الأنواع وإنما راحوا يردون أبيات الشاعر الذي يريدون تجريحه إلى أبيات تشبهها شبها قريبا أو بعيدا في المعنى أو في اللفظ أو فيهما معا . بل لقد افتنوا في ذلك فردوا الكثير من الشعر إلى جمل نثرية من القرآن و الحديث وأقوال السابقين واللاحقين من خطباء وحكماء . واستقصوا ذلك أبعد استقصاء حتى تمحلوا في إظهار سرقات مستترة يدعونها , ثم يجهدون أنفسهم في الافتنان للتدليل عليها , وساعدهم على ذلك خضوع الشعر العربي للتقاليد الشعرية المتوارثة , وانحصار أغراضه ومعانيه , وطرق أدائه . وأما الآمدي فلا يرى في المعاني المشتركة أنها سرقة , وعنده أن ذلك لا يكون إلا في البديع المخترع الذي يختص به الشاعر فالاتفاق ليس بسرقة لأن هذا الكلام موجود في عادات الناس ومعروف في معاني كلامهم وجار كالمثل على ألسنتهم في التقاليد الشعرية وفي الأقوال السائرة واختلاف الغرض ينفى السرقة عند الآمدي , وإن كان جنس المعنيين واحدا
الباب السادس
الأجناس و الأنواع
الفنون الأدبية
الباب السادس
الفصل الأول :الشعر والنثروالأدب
الباب السادس
الفصل الثاني : الشــعـــر
الباب السادس
الفصل الثالث : الخطابة
الباب السادس
الفصل الرابع : الحكمة
الباب السادس
الفصل الخامس :الرسالة
الباب السادس
الفصل السادس: المناظرة
الباب السادس
الفصل السابع: الوصايا
الباب السادس
الفصل الثامن :سجع الكهان
الباب السادس
الفصل التاسع:السيرة
الباب السادس
الفصل العاشر: الروايات
الباب السادس
الفصل الحادي عشر : التوقيعات
الباب السادس
الفصل الثاني عشر : الوصف
الباب السادس
الفصل الثالث عشر: المقامة
الباب السادس
الفصل الرابع عشر : القصة
الباب السادس
الفصل الخامس عشر : المسرحية
الباب السادس
الفصل السادس عشر :الموعظة التقوية
الباب السادس
الفصل السابع عشر : السيناريو والحوار
الباب السادس
الفصل الثامن عشر : المقالة
الباب السادس
الفصل العشرون : الخاطرة
الباب السادس
الفصل الحادي و العشرون :
الباب السادس
الفصل الثاني والعشرون : التقارير واللوائح
الباب السادس
الفصل الثالث و العشرون: المحاظر والتقارير
الباب السادس
الفصل الرابع والعشرون:المقابلة الشفوية والكتابية
توطئة
يبدو أن كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع تجسد علاقتها الجمالية بالعالم في أنواع أدبية بعينها تلائم قدرة البشر على عالمهم الطبيعي في هذه المرحلة وطبيعة نظامهم الاجتماعي فيها وبذلك تكون حركة الحياة العملية والفكرية والشعورية المحفز لوجود مسارب يعبر بها المبدع عن موقفه وشعوره اتجاه القضايا المختلفة وبذلك يكون الذي يحدد الفنون والأنواع المنتشرة في مرحلة من المراحل الحاجات النفسية والشعورية والروحية والعملية والمثل الجمالية والفكرية والعلاقات الاجتماعية ، فالأنواع الأدبية محكومة تنشأة وتطورا بوضع تاريخي اجتماعي محدد ومحكومة في طبيعتها وطاقاتها ووظيفتها بالوفاء بحاجات اجتماعية معينة يحددها الوضع التاريخي الاجتماعي الذي أنتج هذه الأنواع الأدبية وقد أثر في نظرية الأنواع الأدبية فلسفات وعلوم وقوانين التطور في عالم الأحياء والنبات والتي لها ما يماثلها في عالم الأدب ، و النوع الأدبي ينشأ ويتطور وينقرض كما هو الحال في النوع البيولوجي وإن كان البعض يعتقد أن الأدب والأنواع الأدبية ظاهرة مسيرة بقوانينها الذاتية وهي قوانين لغوية لأن الأدب فن لغوي يمثل نشاطاً إنسانياً يعكس حركة واقع تاريخي اجتماعي محدد عكساً خاصاً ويؤسس النقاد المواقف الفنية الثلاثة ( الموقف الغنائي –الموقف الملحمي – الموقف الدرامي ) على ثلاث وظائف يرونها للغة (التعبير – التمثيل- النداء) ويعلقون كل وظيفة بضمير ينوب عن ذات ( التعبير يتعلق بضمير المتكلم – التمثيل يتعلق بضمير الغائب – النداء يتعلق بضمير المخاطب) ، ثم يجعلون من وظيفة التعبير مفسراً للموقف الغنائي ومن وظيفة التمثيل مفسراً للموقف الملحمي ومن وظيفة النداء مفسراً للموقف الدرامي وتوفر هذه الأبعاد للغة (البعد التعبيري – البعد التمثيلي –البعد الندائي والادعائي ) في الصياغة الأدبية وقد كان الشعر يكتب رجزاً ثم تحول إلى قصيد وكانت الملحمة تكتب شعراً ثم أخذت تجمع بين الشعر والنثر وتطور مضمونها بحيث تخلصت من الأساطير الوثنية القديمة وإن ظلت أصولها محتفظة بطابع القصص البطولي الخارج عن المألوف في بطولات البشر ثم تحولت إلى قصة نثرية واقعية
وقيل إن بعض الفنون الأدبية كانت عند نشأتها الأولى موحدة ثم تشعبت حسب حاجات البشر النفسية والجمالية والتعبيرية كذلك تغيرت أسماء بعض الفنون الأدبية بعد تغير مضمونها وقالبها الفني .
الباب السادس
الفصل الأول
الشعر والنثر
حكاية الشعر والنثر هي حكاية الإنسان على الأرض
خصائص الشعر والنثر
أكد الدارسون على تقسيم الأدب إلى شعر ونثر
1-الشعر ويتميز
أ-بالموسيقى
ب-أسلوب التعبير الشعري
ج ـ المضمون الشعري
د ـ الملكة النفسية
هـ - الإكسير الإحيائي
و-استعمال الألفاظ في سياق إيجابي
ل - ربط الحقائق بالوجدان
الباب السادس
الفصل الثاني
أولا : الشــعـــر
آ ـ شعر الرجز : الرجز طريقة شعرية مختلفة عن طريقة القصيد ، اتخذها مجموعة من الشعراء مركبا ذلولا لنقل عواطفهم ومشاعرهم تجاه الحياة والمجتمع ، وهذا الشعر يقوم من حيث شكله على نقطتين : اتخاذ وزن بحر الرجز أساسا له والذي يتكون من ست تفعيلات في البت الشعري الواحد قائما على تكرار تفعيلة ( مستفعلن ) كما أنه يراعي التصريع ، وقد تكون قافية كل بيت مختلفة عن قافية البيت الذي يليه ، وقد تكون للأبيات قافية واحدة ، ويعد العجاج وابنه رؤبة أول من حوّل شعر الرجز من البيئة الشعبية إلى البيئة المثقفة بحيث أصبح رجزهما يحتج به في اللغة والأدب بعد أن كان هذاالرجز فنا شعبيا يتناوله العامة في مجالسهم و من ذلك ما قاله العجاج :
أقلّي اللوم عاذل والعتابن وقولي إن أصبت لقد أصابن
وقد كان الرجز في أصله ينظم ارتجالا ويعد الأغلب العجلي أول من أطاله وجعله كالقصيد ، كما أن شعراء الأراجيز تناولوا الأغراض الشعرية كالهجاء ، المديح ، الفخر ... ونهجوا أحيانا نهج القصائد العربية كالوقوف على الأطلال والرحلة إلى الممدوح ،
يقول أبو النجم العجلي يصف فهودا لعبد الملك بن مروان في موقعة صيد :
إنا نزلنا خير منزلات بين الحميرات المباركات
في لحم وحش وحباريات وإن أردنا الصيد واللذات
جاء مطيعا لمطاو عات عُلّمن أو قد كن عالمات
ومن الأراجيز التي كتبت للتندر والدعابة ما قاله أبو النجم العجلي موصيا ابنته عند زواجها واصفا الزوجة والحماة في موقف الحشر طالبا منها أن لا تتوانى في الخصام :
أوصيت مــن برّة قلبا مرّا بالكلب خيرا والحماة شرا
لا تسأمي ضربا لها وجرّا حتى ترى حلو الحياة مرّا
وإن كستك ذهبــا ودرّا والحي عميّهم بشر ّطرّا
وقد امتدح علي بن عبد العزيز الجرجاني في كتابه : ( الوساطة بين المتنبي وخصومه ) تعريب الرجّاز للكلمات الفارسية والحبشية كاستعمال كلمة ( البردجا) واستعمال (تسجا ) بمعنى التفّ . وقد أصبحت الأرجوزة في نهاية المطاف نصا أدبيا يعتمد عليه النحاة واللغويون في شواهدهم .
ب ـ شعر القصيد :
كانت كلمة عمود الشعر في العصر الجاهلي تعني القصائد الجاهلية التي تمضي على خطة محددة ولاسيما المعلقات التي تنهج نهجاً خاصاً في بنائها كالوقوف على الأطلال وبكاء الديار ومناجاتها والتحسر والحزن عـلى رحيل الأحباب ومن ثم الانتقال للغرض الذي يمثل لب القصيدة كوصف النـاقة والفرس والصيد والمديح والفخر و الغزل ، فإذا ما خالف الشاعر هذه السنة عــد خارجاً على عمود الشعر؛ أما حديثاً فقد أصبح معنى عمود الشعر معنى أعـــم وأوسع بحيث أصبح يدل على الطريقة التي سارت عليها القصيدة العربية خلال التاريخ وتقوم على وحدة البيت والوزن والقافية بحيث يكون البيت مؤلفا مــن شطرين متساويين وكل بيت من أبيات القصيده له قافية مساوية لقوافي الأبـيات جميعها إذ تكون القصيدة مبنية على روي واحد يمثله حرف من حروف العربية المعروفة من خلال ستة عشر بحراً ، وقد عبر النقاد عن ذلك بتوصيف هذه الخطة تحت اسم مضامين القصيدة الجاهلية ، وبصرف النظــرعـن اختلاف النقاد حـول طفـولة الشعر الجاهلي أو وصول هـذا الشعر إلينا خالياً من العيوب ، فإن القصيدة الجاهلية التـي وصلت إلينا كانت متقنة الصنـع تتبـع أسلـوباً متميزاً وتنحو طريقاً متعارفاً عليها . وهذه القصيدة التي تولدت لدى الشعراء الجاهليين أتبعت في سيرها ومضمونها خطة تتمثل في :
1 ـ المقدمة الطللية :
تكاد معظم القصائد الجاهلية تبدأ مطالعها بالوقوف على الأطلال لما لذلك من علوقٍ فــي النفس إذا أن الأطلال : هي الديار التي هجـرهـا الأحبة ، و أقاموا فـي مكان آخر تمثل ما لدى الشاعر مـن تطلعات و أحاسيس تتعلق بالمرأة و النفوس كمـا يقـول ابن قتيبة محبة للغزل ، ولايكاد يخلو أحدٌ مـن أن يكون متعلقاً بالغزل أو مرتبطاً به ولذلك اعتمده الشعراء لاستمالة آذان المتلقين وقـد علل النقاد الظاهرة الطللية عنـد العـرب بمسألة الانهـدام الحضــاري الذي أصاب الجزيرة العــربية فأصبحت دياراً خربة بعد أن كانت حضارة معمورة ومن هنا بكى الشعراء على أيام التألق وأصبح ذلك عادة عند الشـعراء ، وهـو يشبه الحديث عـن بنات الأولمب عند اليونان .
يقول امرؤ القيس في مطلع معلقته متحدثاً عن أطلال محبوبته :
قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ بسقط اللوى بين الدخول فحومل فتوضح فالمقراةَ لم يعف رسمها لما نسجتهه مـــن جنوب وشمأل
وقوفاً بها صحبي علــى مطيهم يقـولـون : لاتهلك أسىً وتجمـل
ويقول زهير بن أبي سلمى في مطلع معلقته : أمن أمِّ أومن دمنة لم تكلمــي بحـومانــة الـدّراج فالمتثلـم
وقفت بها من بعد عشرين حِجة فلأياً عرفت الدار بعــد توهـم
فلما عرفت الدار قلت لربعهــا ألا عمّ صباحاً أيها الربع واسلمِ
ويقول النابغة الذبياني :
يا دارمية بالعلياء فالسنــد أقوت وطال عليها سالف الأبــد
وقفت فيها أصيلاً كي أسائلها عيّت جواباً وما بالربع مـن أحـد
2 ـ وصف مشاهد التحمل والارتحال :
وفي هـذا القسم تحدث الشعراء الجاهليون عن انعكاس أثر هـذا الرحيل الذي ارتبط بالأطلال والذي يزخر بالحبِّ والحزن والحنين بحيث نرى الشعراء يصفون رحلة النساء على الهوادج والجمال ، وما لذلك من أثرٍ في نفوسهم ،
يقول زهير بن أبي سلمى :
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن تحملّن بالعلياء من فوق جرثـم علون بأنماطٍ عتـــاقٍ وكِلّـة ورادٍ حواشيها مشاكهة الـدم
بكرن بكوراً واستحرن بسحـرةٍ فهن ووادي الرَّسّ كاليد للفـم
ويقول عنترة في وصف الراحلة : إن كنت أزمعت الفراق فإنما زمــت ركابكم بليلٍ مظلــمِ ما راعني إلا حمولة أهلهــا وسط الديار تسف حب الخمخم
فيها اثنتان وأربعون حلـوبة سوداً كحامية الغراب الأسحـم
ويقول الشاعر بشر بن أبي حازم : ألا بان الخليط ولـم يزاروا وقلبك في الظعائن مستعـار أسائل صاحبي ولقد أراني بصيراً بالظعائنِ حيـث ساروا
3 ـ وصف المحاسن :
حيث يتحدث الشعراء في هذا القسم عن وصف محاسن المرأة وجمالها الجسدي والمعنوي ، يقول الأعشى :
غراء فرعاء مصقول عوارضها تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل
ويقول النابغة الذبياني: نظـرت بمقلةِ شادنٍ متربّب أحـوى أحم المقلتين مُقَلــَّدِ
صفراء كالسّيراء أُكملَ خلقها كالغصنِ في غلوائه المتـــأوّد
4ـ وصف الرحلة والراحلة والطريق :
وقد تضمن ذلك رسم صورة الفرس والناقة اللتين هما وسائل النقل في ذلك العصر. وقد وفر الشعراء لهذه الوسائل صفات الصلابة والقوة والفخامة والشدة والصبر وهما الصديقان الحميمان للشاعر في سفره.
يقول امرؤ القيس في وصف الفرس :
وقد أغتدي والطير في وكناتها بمنجردٍ قيـد الأوابــدِ هيكـلِ
مكرٍّ مفٍّر مقبلٍ مدبرٍ معــاً كجلمود صخرٍ حطّه السيل من علِ
إذاً : فحصان الشاعر يتميز بصفات مختلفة عن صفات مثيله فهو يستطيع في لحظة واحدة أن يتحرك حركات مختلفة بين الإدبار والإقبال إضافة إلى أنه منتخب الصفات وكأني به يريد أن يقول : إن حصانه يشبه طائرة الأباتشي:
له أيطلا ظبـــي وساقا نعامـــة وإرخاء سرحان وتقريب تتفلِ
ويقول طرفة في وصف ناقته :
وإني لأمضي الهمَّ عند احتضاره بعوجاء مرقالٍ ، تروح وتغتدي
أمونٍ كألواح الإران نصأتُهـا على لاحبٍ كأنه ظهرُ برجـدِِِ
5 ـ الغرض الذي كتبت من أجله القصيدة :
وقد يكون هذا العرض مدحاً أو حكمة أو فخراً بنفسٍ أو قبيلةٍ ، يقول زهير بن أبي سلمى في الحكمة :
ومـن يك ذا فضل فيبخل بفضله على قومه يستغن عنــه ويذمم
ومهما تكن عند امرىء من خليقة وان خالها تخفى على الناس تعلم
ويقول عمرو بن كلثوم في معلقته مفتخرا بقبيلته :
ملأنا البرّ حتى ضاق عنّا ووجه البحر نملؤه سفينا
إذا بلغ الفطام لنا صبي تخرّ له الجبابر ساجدينا
كما ويطلق مصطلح عمود الشعر العربي عند النقادالقدامى على الميزان والمعيار الرصين للشعر وقد تعارف العرب على أجزاء هذه النظرية واعتبروا أن الشعراء الذين حققوا عناصر هذه النظرية هم الشعراء المجيدون وقد ساهم في بلورة هذه النظرية نقاد : كـ ( الآمدي ، والقاضي الجرجاني ، والمرزوقي ).
وتتألف هذه النظرية من
شرف المعنى وصحته : ومعياره عرض هذا المعنى على العقل الصحيح والفهم الثاقب ، فإذا قبله كان المعنى شريفاً:
أماويّ إن المال غادٍ ورائـــح ولا يبقى من المال إلا الأحاديث والذكر
2- جزالة اللفظ واستقامته:ومعياره الطبع والرواية والاستعمال ،كقول امرىء القيس:
وقدأغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكـــل
3-الإصابة في الوصف: ومعياره الذكاء وحسن التمييز ، كقول امرئ القيس :
كأن قلوب الطير رطباً ويابساً لدى وكرها العناب وبحشف البالي
4-المقاربة في التشبيه : ومعياره الفطنة وحسن التقدير من خلال اشتراك المشبه والمشبه به في الصفة ( وجه الاستشهاد ) كقول الأعشى :
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل
ـ غزارة البديهة : ومعياره سرعة استجابة الشاعر لموقف من المواقف
6- كثـرة الأمثال السائرة والأبيات الشاردة :
ومعياره الأمثال السائـرة واستعمال الناس لهذه الأبيات المتضمنة لها ، أما معيار الأبيات الشاردة هواستشهاد أهل النقد والشعر بهذه الأبيات ، من قول حسان بن ثابت :
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم جسم البغال وأحلام العصــافير
وقول طرفة بن العبد :
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى لكالطول المرخى وثنياه باليد
وقد زاد المرزوقي على عناصر الشعر ثلاثة .
7- التحام أجزاء النظم وائتلافها على تخير من لذيذ الوزن : ومعياره الطبع واللسان بحيث لايتعثرالطبع بأبنيته ، قال طرفه :
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه خشاش ٌكرأس الحيــة المتـوقــد
8- مناسبة المستعار منه للمستعار له : وهــو ما سميناه المقاربة فــي التشبيه : ومعياره الذهـن والفطنة ، ومثاله قول امرىء القيس:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي
9- مشاركة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية : ومعياره كثرة مراس الشاعروطول الدربة، والمدارسة لديه بحيث يجعل الألفاظ مقسمة على رتب المعاني ، ويجعل الأحسن مـن الألفاظ للأحسن من المعاني بحيث تكون القافية كالموعود المنتظر الذي يتشوق الإنسان للقائه .ومثاله قول الشاعر:
وعدت وكأن الخلف منك سجيةً مواعد عرقوب أخاه بيثرب
الشعر التقليدي
يراد بالشكل التقليدي كل شعر أعقب بدايات النهضة العربية الحديثة /1798/م من خلال محاكات أنماط الشعر القديم وأحيائه هذه النزوع لإحياء القديم وبعثه يعد في حينه موقفاً حضارياً جمع الوجدان الجماعي ضد المد الاستعماري الفكري تزعم هذا التيار البارودي على أساس فلسفي يقوم على الموضوعية و العقلية والحسية عن طريق الحدس والاستشراق والعقل والاستنتاج العقلي والحس و الإثنينية والرؤية السالبة ومحدودية القدرات وتقوم نظرية الشعر في هذه المرحلة على محاكات النماذج السابقة التي لا تعدد مهمتها الأخلاق والترفيه حيث يكون الشعر قيمة لغوية ومهارة لسانية وصيغ بيانية حيث الأرتباط بين الأساس النظري للشعر وبين طبيعة الخيال ارتباط وثيق وأن الصلة ثقة بين الخيال والعقل والكلمة هذا هي الوحدة الأولى للغة التي هي مجموعة ذرات كل نرة فيها تحمل دلالة مفردة ومعنى محدداً والمعنى الكلي هو مجموع الدلالات الجزئية لمعاني المفردات وغرض اللغة توصيل أفكار من الشاعر المتلقي.
الشعر الرومانسي
وهو لفظ اطلق على شعر فرد أو مدرسة أو جماعة ويعني الحرية والغربة والعودة للطبيعة وترتبط الرومنسية بالقلب والخيال وقد ارتبطت الرومنسية بغنائية الشعر العربي القديم والنظرية المعرفة الرومنسية تقوم إدماج الداخل بالخارج حيث يصد منها الموقف الرومنسي القائم الهرب والاغتراب والفراروأن الإنسان يعيش ويفهم بالعقل والحس والفريزة والعطف والبداهة والخيال والتفكير وقد ربط الرومنسيون الشعر بالموسيقى.
واعتبروا الذات الشاعرية تلعب دوراً فاعلاًفي مجال العين الباطنية للشعر إذا لشعر وجدان (تعبير)وهذا التعبير موجي مهمته إبراز قيم الحق والجمال.
أما الخيال في هذا النوع مفهوم مرتبط بالإحساس واللعب والمتعة التي تتأخذ طابع الحلم والهوس والهاجسة والشرود والأنماط الوهمية حيث ترتبط الأشكال البلاغية بالداخل ولها وظائف عامة تنتقل من الحواس الداخلية و التشبيه بلاغياً يوضح حال ويشرح عاطفه.
ج ـ ـ الشعر الحر(شعر التفعيلة):الشعر الحديث
نوع جديد من الشعر بعضه موزون وبعضه غير موزون وبعضه الآخر نثر لا وزن له حيث تتداخل النشاطات الإنسانية ويؤثر بعضها في بعض ويصعب الفصل بينهما وفي هذا الاتجاه تتحول الفكرة في هذا الشعر إلى خطة أو برنامج عمل يقوم على الانسحاب من المجتمع من جهة والاندماج فيه مرة أخرى والشعر هذا ليس تعبير عن وجدان كتابي ولا تعبير الشخصية ولا تعبير عن العصر يوهر (خلق) فريد مبتكر على غير مثال منشأة داخلي خارجي يعتمد الغموض والصعوبة وله طبيعة خاصة من حيث التشكيل الموسيقي والصوري وهو حديث المتهرج وغناء المتغني ينساق بما يشبه الرواي ويبنى بناءً سردياً تعرض فيه المادة الباطنة ومنسابة من خلال علاقات داخلية تقوم على التوازن والتنظيم الدينامي لأنه خرب من نمو له بداية وتطور وأكتمال حيث تتشكل نماذج الشعر الحر لدى كل شاعر كلاً متكاملاً وبناءً متماسكاً واحداً وتصبح القصيدة تركيبة نفسية منتهية تقوم على التركيز والتخصص مع رفض العلاقة مع القيم وتزويد المتلقي بتوع خاص من المعرفة والخيال في هذا النوع رؤيا فاحصة لأنه إدراك يتيح لصاحبه النفاذ إلى باطن الحياة وأزاحة النقاب عن باطن الحياة وعن الحقيقة بموقف بلاغي يقوم على المعادل الموضوعي أو البديل الذي يكون التوازن بين المرموز وما يروز إليه ويجعل الكلمة أقرب إلى التصور من الأشارة وأصبحت هذه الكلمة (رمزاً خاصاً) وسيلة وغاية من خلال تدفق تلقائي للمشاعر.
إذا كان الأدب مظهر من مظاهر الحياة يتجدد بتجدد العصور والأيام فإن معركة القديم والجديد فيه مستمرة وستستمر والشعر كفن مهم في كتاب الأدب دخل هذا الصراع وقد نشأ هذا اللون من الشعر (الحديث ) في أدبنا منذ بداية القرن العشرين وإن شبت ناره بعد الخمسينات من القرن السابق على يد شعراء شباب في العراق (السياب – نازك الملائكة ) وغيرهما ولا يمكن تسميته بالشعر الحر كما شاع على أقلام و ألسنة الأدباء وأفضل ما يطلق عليه هو (شعر التفعيلة)لأن الفنون غير المقيدة تعني الفوضى و الركاكة و الابتذال فالحرية غير الممنهجة هي عدو الفن وقدرأى الكثير من الشعراء من خلال اطلاعهم على الشعر الأوروبي من منابعه أو من خلال الترجمة أنه يمكن لهم الكتابة على طريقة هذا الشعر وطرح عمود الشعر، فكتبوا الكثير من القصائد التي تميزت من حيث الشكل بميزات بارزة أهمها
1-الأوزان الجديدة التي تعتمد على(التفعيلة) الركيزة الأساس في بناء القصيدة وزناً هذه التفعيلة لا تزيح قيد أغلةعن البحر الخليلي ولكنها تتوزع في السطر الشعري بحسب تموجات الفكرة بين تفعيلات تكثر وتقل بحسب هذه الإحساس متحررة من الرتابة ومن الأشطر المتساوية والروي الواحد من خلال تناغم مطلق وانسجام تام
2-وحدة القصيدة بعكس قصيدة العمود التي ترى في كل بيت عالماً قائماً بذاته مستقلاً بمعناه له شطران متساويان وقافية وروية ومضمون فكري ولغوي كامل ومستقل تشبيهاً له بالبيت المستقبل القائم على الدعائم والأسس التي تغنيه عن سواه
فالقصيدة الحديثة حريصة على أن تشكل موضوعاً واحداً تبدأ شرارته في ذهن الشاعر ثم تتوقد خاطرة مفكرة تصب في قصيدة لا يخرج عنها ولا يحيد بحيث تتحول من بذرة إلى شجرة وارفة الظلال
3-المقطع أوالجملة الموسيقية فلا نعود لنسمع نغمة البيت المستقل بل نغمة الجملة أو نغمة المقطع
4-تلوين القافية وتنويعها دون الاستغتاء عنها بحيث تكون هذه القافية خيطاً من الخيوط الموسيقية التي تدفق بها القصيدة والتي تشد النص كله بخيط حرير ناعم دقيق يكون مرة ضربة ومرة ضربتين ومرة عدة ضربات.
وتميزت هذه القصائد التفعيلية من حيث المضمون:
1-الرؤية الجديدة التي تخرج بمضمون الشعر من نظرة سطحية تؤدى بعبارة جميلة معنى مألوفا لدى الجميع خالية من الصورة والإيحاء والرؤية الجديدة وذات رنة موسيقية تداعب الأذن والذوق إلى إيحاء بالأشياء دون التصريح بها أو مباشرتها والتلميح بها دون الإشارة إليها ووصف العيون عند جرير والسياب خير دليل على ذلك
2-الرمز والإيحاء بحيث لاتكون المعاني على قدر الألفاظ بل أصبحت هذه الألفاظ توحي بمعان كثيرة تفجر طاقات غزيرة تجر ورائها ظلالاً وألواناً وتحمل أكثر من دلالة وأكثر من فهم وتفسير فاللفظة أصبحت رمزاً لأشياء متعددة مفتاحاً لجو كامل يزخر بالدلالات والأفكار فالرمز يفجر في الألفاظ طاقات لاتحملها اللغة المباشرة للشعر .
3-الغموض الغلالي الذي يقود إلى أعماق النص والغوص على الأفكار والصور والتغلغل في المجهول لاصطياد الجديد غير المألوف وارتياد الآفاق التي لم يعرفها الخيال من قبل، أما إذا تحول الغموض إلى تعقيد لا طائل تحته وإغراب لأجل الإغراب فهذا يصبح من عيوب القصيدة التي تتحول من غمامة بيضاء ممطرة إلى غمامة سوداء كالحة تبرق وترعد دون أن تحمل قطرة ماء
4-المضمون الإنساني الواعد من خلال مخاطبة الإنسان وحمل همومه وتطلعاته ومشاطرته أفراحه وأتراحه ومرافقة مسيرة كده وشقائه وكفاحه الإنساني
5-المضمون العربي التغيري في كفاح الشعوب العربية من أجل تحقيق أهدافها في العيش النبيل والكرامة الموفورة واسترداد الحقوق المغتصبة لهذه الشعوب وبناء حياة حرة كريمة بعيدة عن الذات والعبودية والاستغلال وحمل رسالة مقدسة.
إن الحداثة الشعرية بمفهومها الحقيقي هي(معاصرة للحياة)قبل كل شيء تعيش مشكلات العصر وأفكاره وإيقاعه من خلال معاناة وقلق ورفض للواقع الرديء ويغلب على الحداثة إحساس التمزق والفجيعة والمأساة سواء أكان هذا الشعر تغييراً أم فردياً أوغيبياً ؟ فالحداثة نظرة واعدة تقوم على الاتصال والانفصال عن التراث لا تقدس الماضي الشعري فتقف عنده بل تصطفي منه وتضيف إليه وتصوغه صياغة جديدة وقد تخلقه خلقاً جديداً
والحداثة نظرة جمالية للشعر لاتؤمن بالقواعد الثابتة والنماذج السالفة بل تبحث عن أشكال وأساليب وطرق جديدة إنها تبحث عن المدهش الغريب وحتى يصبح الجديد جميلاً لابد أن يخضع لقواعد الفن والصناعة من خلال دمج الجميل بالغريب وبالعمل الفني الدؤوب
مرتكزات الحداثة الشعرية:
ترتكز الحداثة الشعرية في مفهومها المعاصرعلى :
1-الصورة بما تحمله من دلالات متألقة في نوعها ووظيفتها وارتباطها بعناصر القصيدة الأخرى وكشفها عن عالم الشاعر الداخلي والقصيدة الحداثية تستخدم الصورة بأنواعها الرمزية التي تتداخل فيها معطيات الحواس والشحنة البلاغية واللقطات الحسية لجزيئات الواقع للتعبير عن معان وأفكار وحالات نفسية وأجواء كونية وومضات نفسية بحيث تصبح هذه الصورة طريقة في التعبير وليس زينة مقصودها لذاتها بشكل مكثف بعيد عن المعقولية على أن يحمل طرفا التشبيه علاقة معقولة وقد أصبحت الصورة الشعرية تعتمد على الإيحاء بحيث توقظ في النفس تداعيات مبهمة رجراجة
2-الرمز: قد تشكل الصورة رمزاً وقد تجتمع في النص لتشكل رمزاً قد تكون معادلاً حسابياً للمرموز له وقد لاتكون ذلك وهذا الرمز يشق عن المعاني التي تسكن ذات الشاعر وقد تكون الصور الشعرية الجزئية واضحة الصلة بالمعاني وإذا فقد الرمز وضوح الرؤية ووضوح الصورة الجزئية أصبح غامضاً معتماً
3-الأسطورة:التي هي في الأصل حادثة غير واقعية يستلمها العقل الشعبي وتغدو جزءاً من مكوناته والتي يستخدمها الشعراء استخداماً سريعاً في أثناء القصيدة على أنها رمز كبقية الموز التي تغني النص أو استخداماً تكون فيه موضوع كاملا يدعى الوحدة العضوية وهذه الوحدة العضوية تفترض التنوع لاالتناقض وتفترض التركيب لاالتكرار
أنماط بناء القصيدة الحديثة :
1-نمط يقوم على التراكم بحيث يتراكم المقطع والمقطع كما هو في تراكم البيت والبيت والقصيدة في هذه الحالة بناء منفتح يمكن له أن تزار فيه مقاطع جديدة ويستغنى فيه عن مقاطع موجودة في النص ويمكن للمقطع الواحد أن يستقل بنفسه عن غيره.
2-نمط اتحاد المضمون بالشكل اتحاداً وثيقاً حسب قدرات الشاعر الفنية وحسب طريقة التناول ومن هذا النمط ما يقوم على النمو والحركة(نمو الحدث أو الحالة النفسية أو الفكرة وحركتها) كقصيدة المومس العمياء للسياب
3- نمط ينطوي فيه المضمون في الشكل ويصبح جزءاً منه بحيث يصعب التمييز بين الشكل والمضمون وبين الموضوع وصياغة الموضوع وهنا تقول القصيدة كل شيء دفعة واحدة وتصور موقفاً كلياً من الكون والمجتمع والإنسان من خلال رؤية الشاعركقصيدة أنشودة المطر للسياب
لغة الشعر الحديث:
تطلبت مطامح الشعر الحديث في بعده عن المباشرة والتقرير والفكر المجرد طريقة جديدة تناسب طموحه تمثلت في(الحسية) من خلال الاستخدام الكثيف والجديد للصور أم في استخدام المفردات الحسية فلغة هذا الشعر هي لغة الحس والجسد المعبر عن الحلم الكوني أو الإنساني أو النفسي أو الواقعي والشاعر الحديث يعود باللغة إلى بداياتها الأولى عندما كانت تعبر باللفظ الحسي عن المجردات ويتعامل مع هذه اللغة بجرأة وبقصد بعيداً عن عبودية التقليد كاشفاً بعض مافيها من أبعاد وألوان وظلال وإيحاءات وهمسات ولمحات وإشارات مزيحاً الستار عن طاقات خبيئة وإمكانات دفينة لأن اللغة ليست شيئاً جاهزاً بل هي في تجدد مستمر فاللفظة لها معنى معجمي ولكن الشاعر يشحنها بمعان جديدة ويقارب بينها وبين أختها على نحو غريب ضمن رصيد شعوري أو فكري أو فني.
ولغة الشعر الحديث تعتمد على طول العبارة وحركتها وتدفق أجزائها بأسلوب العطف حيناً وبغير العطف أحياناً وازدحامها بالأفعال تارة وخلوها من هذه الأفعال تارة أخرى.
إيقاع الشعر الحديث:
جاءت تجربة الشعر الحديث ثورة على الأوزان الخليلية كما يدعي أصحابه تاركاً إياها إلى اعتماد التفعيلية كريزة موسيقية له حيث يكرر الشاعر التفعيلة الواحدة عدداً من المرات تختلف من سطر إلى سطر تبعاً للدفقة الشعورية حيث يؤلف مايمكن أن يسمى بالجملة الموسيقية بدلاً من البيت المفرد .
وإيقاع الشعر الحديث لايتقيد بنسق معين للقوافي التي تتوالى وتتراوح وتتباعد دون نظام ظاهر تتلاشى أمامه النزعة الخطابية والتقريرية والمباشرة .
الأسطورة هي القصيدة شكلاً ومضموناً مادة وهيكلاً وكل ذلك من أجل خلق الجو الشعري المناسب
بناء القصيدة الحديثة :
يميز القصيدة الحديثة عن غيرهامن القصائد أنها بناء متكامل تتألف جميع أجزائه في وحدة عضوية تشبه صورة الكائن الحي الذي يتكون من أجزاء مختلفة تقوم بوظائف مختلفة وتتعاون جميعها لحفظ حياة هذا الكائن ويفترض أن يكون بين أجزاء القصيدة الحديثة من التلاحم والتقارب مايمكن للعقل أن يألفه
القصيدة هي تجربة كاتبها حين يعيد قراءتها
يقول الدكتور عز الدين إسماعيل في التفسير النفسي للأدب :((إننا في حدود الإطار الموسيقي للشعر قد نميل إلى القصيدة شكلها القديم عندما نكون مثاليين في نظرتنا الجمالية ، حسيين في تذوق الجمال ، وقد نميل إلى الشكل الجديد عندما نأخذ بفلسفة جمالية تؤمن بقيمة الواقع النفساني في الفن والحياة على السواء*)).
إن الشعر باعتباره طريقة من طرائق التعبير النفسي عن التجارب الإنسانية بجميع أبعاده يُعد الأسلوب الأمثل لنقل أفكار المبدعين إلى أُناس آخرين في حركة مدارها الإنسان فالحديث عن الشعر هو الحديث عن الإنسان نفسهُ منذ أن علم الله آم أسماء المسميات إلى يومنا هذا.
واللغة هي الفن وهي جسر التواصل بين الشاعر والناس، وهي المحطة التي يستريح فيها الإنسان من هموم زمانهِ ليحمل من خلال هذه الاستراحة شحنة جديدة لمواصلة مسيرة الحياة .
ولقد حاول النقاد والشعراء منذ عصور سحيقة تحديد مفهوم الشعر وطبيعتهُ ودراسة التجارب الإنسانية لتحديد غايتهُ وأهدافهُ وتطوير أساليبهُ ومناحيهِ وتحسينها .
فها هو الناقد ستوفر يحدد لنا خصائص الشعر التي استطاعَ استنباطها من تجارب الشعراء قائلاً :" إن خصائص الشعر ((اللغة)) تلك الوسيلة التي يمتلكها الشاعر نفسهُ والتي يعبر بها عن تجاربه وهي التي تحدد قاموسهُ الشعري الخاص بهِ وتجعلهُ يمتاز عن غيرهِ من الشعراء حيث يستخدم الإيحاء والرمز والإسقاط التاريخي ويتقمص الأساطير القديمة ليصل إلى العمق فالقصيدة لا تكون عميقة إلا إذا سبرت أغوار النفس الإنسانية")).
إن الشعر الذي لا يملك قضية يدرسها ويوليها أهمية بالغة من حيث كونها ترتبط بقضايا مجموعة من الناس هو شعر لا يملك خصائص مميزة فالألفاظ القاموسية يستعملها جميع الناس ولكن الشاعر الحق هو الذي يصطفي ويختار وينتقي الألفاظ المحسوسة الشفّافة التي تمتلك القدرة على الحركة والحياة عند تعبيرها عن عواطف وأفكار وأحاسيس ومعاناة الشاعر نفسهُ ومن هُنا كان رأي الجاحظ الفذ في أن المعاني الشعرية ملقية على الطرقات يعرفها البدوي والحضري والشاعر والإنسان العادي وأن الأديب والشاعر الحق هو الذي ينقلها لنا بصور وتعابير وألفاظ مميزة تمتلك مشاعرنا وتأسر أنفسنا .
إن الشاعر هو الذي يستطيع من خلال قصائده أن يخلق نظاما صوتيا يخدم أغراض موضوعية الذي يريد أن ينقلهُ لنا هذا النظام الصوتي بأبعاده الشفافة وهو يختلف عن الوزن الشعري لأن الوزن الشعري قالب جاهز تدخل فيهِ الألفاظ طوعاً أو قصراً بينما الإيقاع الصوتي روح لا نلمسها بحواسنا بقدر ما هي تتحرك في مشاعرنا . والشاعر بعكس الناثر الذي يهتم بنقل المعنى لنا بالدرجة الأولى ضارباً عرض الحائط بالشكل المتمثل بالألفاظ والعبارات والتي ينقلها لنا الشاعر لا شعورياً باهتمام بالغ لا يقل عن اهتمامه بنقل المعنى والمضمون.
كل هذه الخصائص تجعل الشاعر يرسم لنا مشاعرهُ (( قصيدته)) من خلال معالجة موضوعية معتمداً لغة ذات مستوى فني ليلمس قضية ذات أهمية كبيرة قاصداً العمق والإيجاز ومن خلال تعقيد لا شعوري .
وإن هذه الخصائص أيضاً تجعل الشاعر حينما يطرق موضوعاً ((ما)) إنساناً تنبئيا مستشرقاً ومشيراً إلى ما يمكن أن يقع في المستقبل ، فالشاعر يولّد لنا الأفكار الحرّة الحيّة النابضة بالحركة من خلال إيحاءات وإرشادات تحملنا على فهم قضايا العصر ومشكلاتهِ .
لقد حدد لنا الكاتب العربي ((الأصمعي)) من خلال كتابهِ ((فحولة الشعراء)) مواقف ثلاثة هامة من الشعر بعد أن ذكر شروط الشاعر الفحل عندهُ والمتمثلة (( بجاهلية هذا الشاعر وبمعارضته لغيره وبلغتهِ الصافية النقية وبكثرة قصائده الشعرية )).
يقول الأصمعي: ((إنّ هناك فاصلاً بين الشعرِ والأخلاق وإن الشعر إن دخل في أبواب الخير لان وضعف .وإن الفحولة صفة عزيزة في الشعراء)).بحيث لا يصنف الشاعر عندهُ في طبقة الفحول إلا إذا كانت صفة الشعر هي الغالبة عندهُ فالشاعر الذي يتصف بصفة أو صفات أخرى مع صنعتهِ الشعرية لا يصنف عندهُ في كتاب الفحولة مضافاً إلى ذلك اهتمام الشاعر بالتشبيه الذي يضفي على الشعر ثوباً من القدرة والصنعة.
إن الشعر قد تطور ونما وتأثر وأثر في غيرهِ واكتسب واكسب غيرهُ أشياء بحكم صلتهِ بالحياة والفنون الأخرى ، وقد حاول الشعراء منذ القديم رسم انفعالاتهم ومعاناتهم بأشكال فنية متباينة جاهدين من خلال ذلك إيصال تجاربهم بصورة مثلى تتناسب مع طبيعة العصر ومقتضيات الحياة وتفاعل مع الفنون وإن أقدم التجارب الشعرية العربية التي وصلتنا عن أسلافنا كانت تجارب امرئ القيس وعنترة والحارث بن حلزّة وزهير والنابغة وطفيل والمهلهل...
وإن هذه التجارب كتبت ضمن إيقاعات موسيقية حددها لنا الخليل بن أحمد الفراهيدي فيما بعد ((ببحور الشعر)) وهذه الإيقاعات الموسيقية برغم صدورها العفوي عن شعرائنا استطاعت أن تستوعب جميع تجارب الشعراء المتمثلة ((بالمديح والهجاء والفخر والنسب والغزل والوصف)).
ولما تطورت العقلية العربية بفضل تلاقحها مع الأفكار الفارسية والهندية والرومية واتسعت جوانب الحياة وتبدلت أشكالها في دمشق وبغداد وطليطلة وحلب وغرناطة والقاهرة أخذ الشعراء يفكرون بأشكال جديدة لرسم تجاربهم الشعرية بل ألحت عليهم ظروف الحياة ومعطيات العصر للتفكير بذلك.
فكان أبو العتاهية كما يقول أكبر من عروض الخليل في ابتكاره لأوزانها التي تربو على مائة وثمانين وزناً وكانت فنون القوما والمواليا...الخ...
وقد بقيت هذه الإيقاعات الموسيقية ورقة نقدية متداولة بين الشعراء يرسمون فيها معاناتهم ولكن بقوة أحياناً وبضعف أحياناً أخرى حتى أوائل العصر الحديث حيث تغيرت معظم المفاهيم والأفكار وتبدلت النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتباينت أشكال الحياة وازداد عمق الأنواع الأدبية ، وأصبح كما يقال من العسير جداً تفريغ شحنة عواطف وأفكار الشعراء ضمن تلك القوالب وعلى الطريقة الموروثة في تسلسل ((نهج القصيدة العربية وعمودها الشعري )) كما حدده نقادنا القدامى كابن قتيبة والآمدي وقدامه بن جعفر والجرجاني وغيرهم مما دفع الشعراء أن يبحثوا عن طرق وأساليب جديدة متأثرين بما ورد إليهم من آداب الأمم الأخرى وخاصة الأدب الفرنسي والإنكليزي والروسي .
ولقد نشأ من خلال ما نشأ طريقة جديدة في التعبير الشعري عن مشاكل الحياة هي طريقة (( الشعر الحديث أو المرسل الحر)) كما يسومنهُ وقد كانت بداية هذا اللون من الشعر عند العرب من خلال شعراء المهجر على يد أمين الريحاني الذي أخذهُ من ((والت ويت مان)) الأمريكي في ديوانهِ أوراق العشب الذي تحدث فيه عن معاناة الطبقات الدنيا في المجتمع الأمريكي .
وبذلك يكون الريحاني أسبق إلى هذا اللون من نازك الملائكة وبدر شاكر السياب .وقد سماه الريحاني بالشعر المطلق أو الحر أو الشعر الجديد، حيث أشار إلى أن هذا اللون من الشعر يخرج في شكله عن الأوزان الشعرية العربية القسريّة ويتخلص من القواعد السلفية الحرفية.
ومن الجدير بالإشارة أن الشاعر فريد وجدي ، وعلى أحمد باكثير ، وعبد الرحمن شكري كانوا أسبق من نازك الملائكة إلى هذا اللون ، وعلى أية حال نستطيع القول إن هذا اللون من الشعر لم يخرج عن الإيقاعات الموسيقية الخليلية من حيث اعتباره ( وحدة التفعيلية ) أصلاً في كتابته . بل ألغى عملية التناظر في عدد هذه التفعيلات في كل بيت من الشعر.
فالإيقاع التناظري الخليلي يجعل البيت الشعري مؤلفاً من وحدات موسيقية مقسمة على شطري هذا البيت بشكل متوازن معتمدا قافية القصيدة التي ترتكز على حرف يتكرر في نهاية كل بيت بعكس الشعر المرسل المعتمد على جمل موسيقية متباينة في كل سطر من الشعر ، فعدد التفعيلات يختلف في هذا الشعر من سطر إلى سطر بالإضافة إلى أن القافية لم تعد عنصراً هاماً في القصيدة .
وقد أسهب الشعراء في كتابة هذا النوع من الشعر بدراية وبغير دراية ضاربين عرض الحائط بالمورثات السفلية جملة وتفصيلاً . بل حاملين عليها ، ومعتبرين إياها حكاية أكل عليه الدهر وشرب ولم تعد هذه المورثات كما يزعمون تصلح لقضايا ومشاكل عصرنا الحاضر.
لم يحتفل شعراء عصرنا الحاضر بهذا اللون الجديد من الشعر كحل بديل عن المورثات السلفية الخليلية ، بل أصبح البعض منهم يميل إلى تجديد أسلوب التعبير والارتقاء بمستوى تجاربهم الشعرية من خلال نوع آخر أطلقوا عليه اسم ((قصيدة النثر.أو النثيرة )). مغفلين الموسيقى الشعرية القائمة على {وحد التفعيلة} ومكتفين بالتزام قواعد النحو والإعراب مدّعين أن هذا النوع له جذوره في لغتنا من خلال ((سجع الكهان الجاهلين)) الذي يعتبرصورة فنية في صياغة المفردات وخاصة عند ((عزّى سلمه وسطيح الذئبي وابن مصعب الأنصاري)) وعند بعض مدّعي النبوة ((كمسيلة الكذاب وسجاح)) ومما روي من سجاح ( عزّى ):
(( والأرض والسماء.
والعقاب والصعقاء.
واقعة ببقعاء.
لقد نفر المجد ، بني الكشراء ))
وقد ظن البعض أن هذا النوع من الكتابة سهل القياد ، لا يعتمد تعقيدات السلف فأوغلوا في ولوجه زاعمين أن مستقبل الشعر سينتهي لا محال إلى هذا النوع من خلال تطور الأنواع الأدبية .
وهم بذلك يجمعون الحجج والبراهين لدعم هذا الرأي وتثبيتهُ . ((فالقصيدة النثرية )) تعتمد عندهم على اختيار الصورة المميزة ، واصطفاء الألفاظ الحساسة المناسبة مبتعدين عن حشو الكلام رافضين الوزن الشعري باعتباره جزءاً ملحقاً لا عنصر أصلياً مفرغين تجاربهم بحساسية مرهفة وخيال متوقد لكي يسيطروا على انتباه وشعور المستمع والمتلقي لهذا الشعر ، إن الأدب بشكل عام والشعر بشكل خاص لا يمكن أن نعتبره إلا كياناً مستقلاً له حدوده وأبعاده وله كيفيته في الوجود
وإنهُ لو ألقينا سؤالاً عن ماهية الأدب ((القصيدة الشعرية)) وأين يمكن أن يوجد ؟ وما هو العمل الفني ذو الطبيعة الفنية ؟ لوجدنا أجوبة كثيرة قد تكون متوافقة وقد تكون متباينة وقد يناقض بعضها البعض وقد يكمل بعضها بعضاً .
ولقد سمعنا منذ القديم أن الشعر ((صنعة وحذق)) يستطيع من خلالها الشاعر صياغة الكلمات بحسب الموضوع الذي يريد لمسه وهو بذلك (صاحب مهنة) موادها الأولية الكلمات . وقد اتضحت هذه التجربة في أدبنا القديم عند شعراء الصنعة ، وأصحاب (الحوليات) الذي أطلق عليهم اسم ((عبيد الشعر)) ((بشامة بن الغدير، أوس بن حجر ، زهير بن أبي سلمى ، كعب بن زهير ، الحطيئة )). وقد توج عملهم فيما بعد الشاعر أبو تمام . لقد تضاربت الآراء حول ماهية القصيدة . فمن قائل: إن القصيدة هي الأصوات التي ينشدها القارئ ، وإن هذا الانتشار هو الذي يحدد طبيعة القصيدة ومن قائل : إن القصيدة هي تجربة القارئ فهي ليست شيئاً خارجاً عن العمليات العقلية الجارية في ذهنه. ومن قائل : إن القصيدة هي تجربة كاتبها حين يعيد قراءتها ، وإنهُ من الحق أن الشعراء يتأثرون بالواقع النقدي المعايش لهم وبصيغة النقدية ولكن من الحق أيضاً أن نقول : إن الصيغ النقدية قد لا تكون دقيقة في تحديد صفات انجازهم الخلق الشعري الفعلي ، وإن هؤلاء الشعراء حين يكتبون لا يضعون نصب أعينهم المفاهيم النقدية ، بل يتأثرون بها شعورياً .
إن التجربة الشعرية لا تقاس بمقدرتها على تنظيم حوافزنا وأن الشعر الجيد لا يمكن أن نعرّفهُ ( بالرعشة) التي يثيرها فينا ، كما أن المأساة لا تقاس بكمية الدموع التي يسفكها المشاهدون عند رؤيتها ولا تقاس الملهاة بعدد ضحكات المشاهدين .
إن التجربة الشعرية هي الكائن الحي الذي بتمخضه الشاعر ويلده ولادة طبيعية لا قسرية يحمل في طياتهِ عوالم وأفكار وعواطف وأحاسيس تتوافق مع نظيراتها في نفوسنا إن هذه التجربة هي التجربة هي الحياة التي نعيشها ولا نستطيع التعبير عنها كما عبر عنها الشاعر نفسه فهي الكلمة الحية التي تخرج من القلب وتدخل في القلب لا تعتمد الزيف ولا الهراء ولا تلهث وراء سراب غير موجود إنها بتعبيرها عن الحقيقة داخل نفوسنا أو خارجها كالسمكة التي إن خرجت من الماء فقدت الحياة إنها النسمة الهادئة التي تحمل إلينا الطمأنينة والوداعة بالإضافة إلى ما تحملهُ من حاجة في نفوسنا إلى التفنن إنها ضوء القمر الساطع الوديع الجميل الذي نحتاجهُ ليضيء دروبنا المظلمة مع تلذذنا بمتعة النظر إليه إن الشعر ليس ضرباً من الكلام غايتهُ التسلية والدعابة ، وإذا كنا نعتبر أن المعايير السلفية للقصيدة الشعرية تقوم على وحدة الوزن والقافية من حيث الشكل وعلى إتباع نهج القصيدة وعمود الشعر من حيث المضمون ، فإننا نستطيع القول أن قصيدة التفعيلة لم تعد ترضى بهذه الأسس السلفية رغم أنه لا يمكننا وسم هذه الأساليب القديمة وإدانتها واعتبارها فجعة ذلك أنها استطاعت استيعاب تجارب ومشاكل ذلك العصر.
إن قصيدة التفعيلة أخذت تعتمد القيم الفنية التي أصبحت الحاجة ملحة إليها عندما تريد فهم أو تحليل أي عمل شعري . هذا العمل الذي لم يعد سلسلة من الأصوات ينبعث منها المعنى أو مجموعة من الرموز والإيحاءات والأساطير التي نجتثها من هنا وهناك.
د ـ شعر الملاحم
ه ـ الشعر القصصي
هو نوع من الشعر يحمل في طيانه قصة من القصص تعرض كالشاعر أو أحد غيره وهي قديمة في الشعر العربي كقصة الخطيئة الشعرية
وطاو ثلاثأ عاصب البطن مرمل ببيداء لم يعرف لها ساكن رسما
أو قصة الشاعر و الذئب التي كتبها الفرزدق ومن ذلك كثير من قصص كليلة ودمنه حولها الشعراء الى قصائد شعرية وكذلك كل ما كتبه الشعراء على لسان الطير و الحيوان وكذلك كثير الشعراء عروة من حزام قصته مع عفراء (عروة وعفراء) وهي تتحدث عن حبه الفوري لها والقصة الشعرية تحتاج إلى تقنية خاصة و أدوات بارعة.
الباب السادس
الفصل الثالث
الخـطابـــة
أولا ـ تعريف الخطبة وعناصرها وخاتمتها
تعريفها: قطعة نثرية ذات طول متوسط يعالج فيها كاتبها من جهة نظره موضوعا من موضوعات الحياة الاجتماعية أو السياسية أو العسكرية .......و فن مخاطبة الناس ومشافهتهم جاء من أجل إقناعهم بأفكار يريدون توصيلها لهم واستمالة قلوبهم وعقولهم من خلال الأدلة الموضوعية المقنعة لأن الخطبة الماهرة الحادقة تلهب مشاعر السامعين أو تهدئها وتسيطر على عواطف الناس سروراً أو حزناً ثورة أو سكينة
عناصر الخطبة :
تتألف العناصر التي تشكل هيكل الخطبة من :
1-المقدمة :
توطئة ذات صلة بموضوع يحدد مضمون الخطبة وتعد المقدمة تمهيدا للأفكار التي سيقدمها الخطيب في خطبته والقضايا التي سيعالجها ومن خلالها يلفت نظر الحضور إلى أهمية الموضوع بأسلوب مشوق يثير اهتمامهم ليتوجهوا إليه بأذهانهم وأسماعهم ، ويصغوا إلى ما يلقى عليهم ، وتكون المقدمة متقنة التعبير محكمة النسج قوية الإلقاء لتترك أثرا فعالا في تنبيه وعي الجمهور والسيطرة على أذهان الحضور ومشاعرهم ليحقق حسن الإقبال عليه و لا بد أن يراعى فيها الإيجاز غير المخل
2-المضمون:
ويشمل الموضوع الذي يرغب الخطيب معالجته و هذا يقتضي أن يحدد أفكاره مسبقا، ويرتبها ترتيبا موضوعيا دقيقا ومترابطا و يراعي فيها وضوح معانيها ليسهل على السامع فهمها ، وإذا كان الموضوع يتصل بنقض
شبهات فعليه و الحالة هذه أن يعرض هذه الشبهات و يشير إلى خطورتها و أثرها الشرير
3-خاتمة الخطبة:
وبها ينهي الخطيب موضوع الخطبة فيؤكد أهمية ما طرح من أفكار و الخطبة التي لا خاتمة لها تترك الحاضرين في حيرة و تساؤل هل انتهى الموضوع أم لا؟
ثانيا ـ أنـــواع الخطابـــة
تتنوع الخطابة بتنوع الموضوعات التي تتحدث عنها ومن هذه الموضوعات
أ ـ الخطابة الدينية
الخطابة الدينية نوع مميز تتوجه الخطبة فبه إلى عقول وقلوب الناس لتبقى معلقة بمحبة رب العالمين ويختلف أسلوب الخطابة الدينية عن أسلوب الخطابة السياسية والاجتماعية والوطنية وغير ذلكمن أنواع الخطابة من حيث الأداء والموضوعات ، وإن كان هناك قاسم مشترك في الأسلوب اللغوي والعام ، وخطيب الجمعة ليس محاضرا فالخطبة تختلف عن المحاضرة في الأسلوب والأداء حتى لو التقت معها في الموضوع . الخطابة في الإسلام إحدى أدوات الاتصال مع جماهير المسلمين وهي من أبرز وسائل الدعوة إلى الله لذلك شرعت في الجمعة والعيدين والكسوف والخسوف والاستسقاء وفي الحج وفي المعارك الحربية والمناسبات الطارئة وانطلاقاً من أهمية الخطابة الدينية ودورها الفعال في بناء المجتمع يجب ألا تتحول إلى مهنة للمعاش حيث تفقد في هذه الحالة دورها الفعال في البناء ويصبح الخطيب موظفاً دينياً أكثر منه مربياً وموجهاً ومعلماً وبذلك يكون قد أوسد الأمر لغير أهله وهذا من علامات الساعة ولا يعني ذلك ألا يتقاضى الخطيب أجراً على عمله فهذا جائز شرعاً كما هو معلوم ولكن لا تتحول الخطابة إلى مهنة معاش في شعوره وفي واقع عمله ومما يجدر ذكره أن كثيراً من الخطباء الآن في أمس الحاجة إلى تحقيق المقومات الأساسية للخطابة الناجحة كالموهبة والعلم واللغة والجرأة وطلاقة اللسان والحكمة والتقوى والإخلاص فإذا جمع الخطيب في شخصيته هذه المقومات فهو أهل للخطابة وبوسعه عندئذ أن يساهم مساهمة فعالة في بناء المجتمع المؤمن الصالح وأما فيما يتعلق بأداء الخطبة فإن الخطيب الناجح هو الذي يستوفي الموضوع الذي يتناوله بعد تحضيره مؤيداً بالشواهد الشرعية متحرياً صحة الأحاديث النبوية الشريفة وما يرويه من قصص وغيرها ولا بد أن يكون نقله للآيات القرآنية الكريمة دقيقاً مع الإشارة إلى رقم الآية واسم السورة ويوضح أفكاره بأسلوب جيد السبك مفهوم العبارة ويحذر من إطالة الخطبة كي لا يمل الحضور وليكن معتدلاً في حماسه وانفعاله ولا يتجاوز الحد المطلوب في الخطابة حتى لا يفقد زمام السيطرة على كلامه فيضر من حيث يجب أن ينفع ولا يعني هذا أن تكون خطبته باردة المشاعر وكأنه يقرأ نشرة أخبار ولا يبالغ في التقريع والتوبيخ لأصحاب المخالفات الشرعية فيخرجهم من الدين ولا يتساهل في أمر المعاصي فيصور الكبائر وكأنها من صغائر الذنوب والأفضل أن يغلب الترغيب على الترهيب ويبتعد عن التجريح حتى لا ينفر الناس منه وإذا أراد أن يلفت النظر إلى مخالفات يرتكبها أشخاص يعرفهم فليقل كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا دون أن يسمي أحداً منهم أو يشير إليه ولا يتهجم على مبادئ الآخرين وعقائدهم فهذا ينافي حكمة الدعوة إلى الله التي تعلمناها من كتاب الله وسنة رسوله قال تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) وبما أن الخطيب من الدعاة إلى الله تعالى فعليه أن يلتزم بالحكمة والموعظة الحسنة في إطار دعوته كما قال تعالى(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)
ومما يقلل من تحصيل الفائدة العلمية من الخطبة علو صوت الخطيب إلى حد الصراخ فيخيل للسامع كأنه في مشاجرة
وينبغي على الخطيب ألا يكثر من البكاء خلال الخطبة بغية التأثير في نفوس المستمعين أو لتفاعله مع الموضوع الذي يتناوله الخطيب وبالتالي تفقد الخطبة فاعليتها لدى الحضور وتضيع معظم الفائدة المرجوة منها .
إن المكانة المرموقة التي يتبوأها الخطيب بين الناس تنطلق من مهمة موقع الخطابة التي يقوم بها وهي المساهمة في بناء المجتمع الصالح على أسس الإيمان بالله ورسوله وهذا يعني أن رسالته لا تنحصر بموقفه الخطابي أمام المصلين حين يقدم خطبة الجمعة بل هي أوسع من ذلك بكثير إنه يقوم بحمل الراية التي حملها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل مسؤوليتها المسلمين عامة وعلماء الإسلام خاصة وأكدها في حجة الوداع( اللهم هل بلغت اللهم فاشهد) ونطق بها القرآن الكريم (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) الزخرف44
ومن خلال هذا الموقع يبقى الخطيب محط أنظار أبناء مجتمعه الذي يعيش بين ظهرانيه ومعقد الأمل في توعيتهم وتفهيمهم أمور دينهم فيعلمهم ما جهلوا من أحكام ويذكرهم ما نسوا من فرائض وواجبات ويعظهم إن أخلوا بالالتزام أو قست قلوبهم فضعف الوازع في نفوسهم فيأخذ بأيديهم إلى ضلال التقوى وليوقظ في أحاسيسهم الخوف من الله تعالى ويجعل جاهداً بحكمته ووعيه على رد الضال برفق إلى جادة الإيمان ويصلح ذات بينهم إذا عبث الشيطان بعلاقاتهم الاجتماعية وصلاتهم الأخوية فيأمرهم بصلة الأرحام وحسن الجوار والتحلي بمكارم الأخلاق ويذكرهم بأيام الله واستمرار القيام بأداء حق العبودية والعبادة لله رب العالمين خير قيام إن مهام الخطيب متعددة الجوانب وهي أمانة ثقيلة الأعباء فإن أدى الخطيب هذه المهام كما أمر الله ورسوله حقق الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة وحظي برفقة إمام الخطباء وسيدهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وسلفه الصالح رضوان الله عليهم يوم يقوم الناس لرب العالمين وإن كانت الأخرى فيا لها من خسارة ما بعدها خسارة ولا يخفي على الخطيب أن أداءه هذه الأمانة العظمى تقتضي منه أن يتحلى بباقة من الخصال الحميدة فإن كانت فيه فهذا من فضل الله ورحمته عليه وتوفيقه له وإن هو قصر في تحصيلها أو في اكتساب بعضها أو غفل عن ذلك فما عليه إلا أن يسعى جاهداً للتخلق بها من خلال مزيد من القربات ومجاهدة النفس ومراقبتها ومحاسبتها باستمرار وحملها على التحلي بأخلاق القرآن الكريم متأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً )الذي كان خلقه القرآن الكريم كما جاء في السنة الشريفة
أسلوب الخطابة الدينية
معنى الأسلوب :
الأسلوب لغة:الطريق، وفي الخطابة و الكتابة : هو الطريقة التي يعتمدها الخطيب أو الكاتب في نقل أفكاره وعرضها وللأسلوب جانبان:الأسلوب العام و هو طريقة أداء الأفكار و المعاني و المعارف.و يشمل جميع الوسائل التعبيرية التي يختارها الخطيب ، و الأسلوب اللفظي وهو مجموعة الألفاظ والتراكيب والجمل التي يستخدمها الخطيب في التعبير عن أفكاره و آرائه و مشاعره و يخاطب من خلاله الجمهور.
إن أسلوب الخطب إذا تميز بوضوحه و جماله و قوته يترك بالغ الأثر في نفوس المستمعين فيحرك مشاعرهم و يدفعهم إلى فهم ما يلقى إليهم من معارف.
أما إذا فقد الأسلوب هذه الميزة فقد فقد بغيابها تأثيره في النفوس و استيلائه على القلوب والمشاعر، وحلت السآمة في نفوس المستمعين والنفورمن الخطبة و الخطيب.
خصائص أسلوب الخطابة الدينية:
تتميز الخطابة الدينية عن غيرها من الخطابة الاجتماعية والسياسية إذ لا بد فيها من خصائص تجعلها قريبة من نفوس المتلقين حتى ترقق قلوبهم وتستميلها من أجل تمثل أحكام الشرع ومحبة الله تعالى ومحبة الناس وهوايتهم للخير
1-لما كان الأسلوب الخطابي يتميز عن بقية أساليب الكلام بكثرة الجمل الإنشائية والألفاظ المؤثرة والكلمات الموحية المؤججة للمشاعر والمرققة للقلوب والهازة للنفوس فلا بد للخطيب من الغاية بانتقاء كلماته المعبرة وسيكها في تراكيب وجمل تؤدي الغرض المنشور الذي يشد السامع إليه ويوصل الفكرة المبتغاة إلى قلبه وعقله وهذا الاختيار للكلمات يرفع قيمة الخطبة ويزيدها جمالاً ويكسوها حسناً وبهاءً من خلال كونها مأنوسة واضحة ذات جرس موسيقي مناسب للأفكار ومعبر عنها بعيدة عن الغرابة والتعقيد والتقعير .
فإذا كان الموضوع يتحدث عن الإيمان اختار الخطيب ألفاظاً معبرة بموسيقاها عن طمأنينة القلب وسمو الروح واستقامة الجوارح وإذا كان الموضوع يتحدث عن الجهاد اختار الخطيب ألفاظاً معبرة عن الحماسة والشجاعة والعزيمة وإذا اختار الخطيب موضوعاً يتحدث عن الحزن اختار ألفاظاً موحية بجرسها الموسيقي بمعاني الحزن والتحسر والألم والفراق والأسى والمصيبة والفاجعة
2-والخطبة البارعة يبتعد فيها الخطيب عن الألفاظ الركيكة والعامية والمبتذلة حتى لا يفقد الأسلوب رونقه وجماله وتأثيره في النفوس
3-وإن من أخطر العيوب في الخطبة(اللحن) و(التكرار) في الألفاظ والأفكار والجمل
4- وعلى الخطبة أن تكون تراكيبها قوية متماسكة محققة للمعنى المقصود وسليمة من الضعف والتفكك خالية من التكلف والسجع
5-تلوين أسلوب عرض الخطبة حيث تتغير ضروب التعبير من استفهام وأمر ونهي وتعجب لتنبيه لأذهان واستقطاب الأسماع والأخذ بمجامع القلوب والتأثير في النفوس.
ميزات أسلوب الخطبة:
ويفترض أن يتميز أسلوب الخطبة(أي خطبة) بمايلي
1-الوضوح في الأفكار والمعاني
2-الجمال في العرض والمناقشة
3-القوة في الأداء
4-ترك بالغ الأثر في نفوس المتلقين فكراً
5-القدرة على الاستيلاء على مشاعر المتلقين
ب ـ الخطابة السياسية:
1 ـ خطب الجماهير
2 ـ خطب المناسبات الوطنية والقومي
ج - خطب التهنئة :
د - خطب التعزية :
ثالثا ـ الخطبة بين الارتجال والتدوين :
تنوعت الخطب من حيث إعدادها إلى ( خطب مدونة وخطب مرتجلة )
الخطب المرتجلة : وهي التي يلقيها صاححبها مباشرة دون تحضير
ولهذه الخطبة المرتجلة محاسن ومساوئ
أ ـ محاسنها:من محاسن الخطب المرتجلة
1 ـ تحقيق الاتصال بين الخطيب والحضور
2 ـ منح الخطيب حرية أوسع في معالجة القضايا التي يتناولها
ويشترط لنجاح الخطبة أن يقوم الخطيب بتحضيرها مسبقاً فيحدد الأفكار التي سيتناولها مع الشواهد اللازمة والمناسبة
ب ـ مساؤها:ومنوساوىءالخطب المرتجلة
1 ـ حالات الإرتاج التي قد يتعرض لها الخطيب فيضرب كلامه ولا يتمكن من متابعة خطبته
2 ـ وقوع الخطيب في شرك التكرار أو الإطناب الممل أو الإيجاز أو عدم السيطرة على الوقت أو إطالة الخطبة مما يؤدي إلى ملل المصلين وحرصهم على وصول الخطيب إلى ختام خطبته
وفي هذه الحالة تفقد الخطبة أهم أغراضها وهي تفاعل الجمهور وفهمه للموضوع ولا يأمن خطيب الارتجال من
3 ـ ركاكة التعبير وعدم ترتيب الأفكار وترابطها
4 ـ الخروج على الموضوع أو الاستطراد الذي يضيع معه المستمع
غير أن معظم هذه السلبيات المذكورة تنجم عن عدم التحضير الجيد المسبق للخطبة .
الخطبة المدونة:وهي الخطبة التي يكتبها صاحبها قبل إلقائها
أ ـ محاسنها:
1 ـ الدقة التعبيرية
2 ـ ضبط الأفكار والزمن
ب ـ مساوؤها
1 ـ ضعف الصلة بين جمهور المستمعين والخطيب
2 ـ تقييد حرية الخطيب في الكلام
والخطب المكتوبة غير محببة ولا مرغوبة لدى المستمعين ويستدل البعض بها على ضعف الخطيب وضحالة ثقافته لذلك نجد معظم الخطباء الدينيين يتجنبون الخطب المكتوبة حفاظاً على مكانتهم في الخطابة .
والحق يقال إن الخطبة المرتجلة إذا تهيأ لها الإعداد الجيد المسبق من تحديد الأفكار وضبط الزمن وتخير الألفاظ المؤثرة هي بالتأكيد أفضل من الخطبة المكتوبة وأعظم منها أثراً في النفوس وأكثر فائدة .
رابعا ـ خصائص الخطبة الناجحة
يجب على الخطيب الناجح أن يوفر لخطبته كل عوامل النجاح والتأثير على المتلقى
أبرز خصائص نجاح الخطبة:
1 ـ اختيار الموضوع المناسب لواقع الحضور ومستواه الثقافي
2 - تحديد الأفكار الأساسية للخطبة وما يتفرع عنها .
3- إغناء الموضوع بالشواهد المناسبة مع ربط الشاهد بفكرته
4- التحضير الجيد المسبق وهذا يساعد على استيعاب الموضوع الذي يتناوله والإحاطة به
5- يجب أن تكون لغة الخطيب واضحة فصيحة بعيدة عن الابتذال والتقعر والتكلف في الكلام و غريب الألفاظ
6 ـ إيصال الفكرة إلى المتلقي .
7- استخدام وسطية الصوت بين الجمهوري والخافت فتكون طبقات الصوت وإيقاعه مناسبة لفواصل الكلام ومواقف الأفكار
8- وسطية الانفعال فلا يشتد به الحماس فيخرجه عن طوره واتزانه في الخطبة فيعلو صراخه من غير ضرورة فلا يفقه الحاضرون ما يقول ولا يسيطر عليه البرود فتتحول الخطبة إلى درس وعظ وإرشاد فتفقد الجاذبية وعنصر التأثير في نفوس المستمعين
9- اتصال الخطيب بجمهوره بجعل الأنظار مشدودة إليه وكأن الناس على رؤوسهم الطير.
10- تجنب الإطالة المملة والقصر المخل
11- تجنب الاستطراد في الأفكار والتحكم في استطراده في حدود ما يتطلبه الموضوع.
خامسا ـ شخصية الخطيب:
الخطيب هو الذي يقف أمام جمهور من الناس يتحدث إليهم في موضوع محدد بنبرة خطابية وبهيئة مخصوصة متقيداً بعناصر الخطبة وأسلوبها ، وليس كل من تحدث أمام جمع من الناس قل أو كثر يعتبر خطيباً فهناك المحاضر فهناك المعلم والمدرس والمحامي الذي يرافع أمام القضاء في قضية ما وهؤلاء جميعاً ليسوا خطباء ،
أما الخطيب الديني فله خصوصية مميزة عن بقية الخطباء الآخرين غير الدينيين لكنه يشترك معهم في معظم الصفات
سادسا ـ مزايا الخطيب الديني الناجح :
آ- مزايا الطبع والفطرة :
1- الموهبة الفطرية الخطيب الموفق هو الذي حباه الله من فضله قدرة على أداء الخطبة دون تكلف فينساب الكلام على لسانه عفو الخاطر دون عناء ولكنه يحتاج إلى تدريب وممارسة الخطابة ليشحذ مقدرته الخطابية ويقويها ويهذبها وأما إذا فقد المرء استعداده الفطري للخطابة فإن أداءه الخطابي سيكون دون المستوى المطلوب لأنه في هذه الحالة لا يبلغ مستوى من كانت الخطابة لديه موهبة فطرية مغروسة في طبعه حتى لو تدرب ومارس الخطابة فنجاح الخطبة وقوة تأثيرها تتوقف على الاستعداد الفطري عند الخطيب وهذا لا يعني أن نقلل من شأن الدربة ونغفل عن مكانتها ودورها في نجاح الخطيب فهي تساعده على القيام بمهمة الخطبة في المستوى المتوسط على أكثر تقدير لكنها لا ترقى به إلى مقام الخطباء المبدعين الذين يقصدهم الناس من أماكن بعيدة ليستمعوا لها ويشار إليهم بالبنان .
2- الفصاحة وقوة البيان: فلغة الخطيب الفصيحة وقوة بيانه تعدان من أبرز صفات الخطيب الناجح لأن الكلمات ستكون طوع لسانه والعبارات وفق إرادته ينزلها الموقع الذي يريد في خطابه إن مثل هذا الخطيب قادر على التأثير في النفوس وإلهاب المشاعر وشد الانتباه إليه ولقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال له( يعجبني جمالك) قال: وما جمال الرجل يا رسول الله ؟قال : ( لسانه)
3- الشجاعة الأدبية: تعتبر الشجاعة الأدبية عنواناً لقوة الشخصية لدى الخطيب ولها أثر كبير في سيطرة الخطيب على قلوب السامعين والتأثير في نفوسهم ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في ميدان قوة الشخصية لمن أراد أن يتبوأ أعلى مراتب الخطابة قال سيدنا علي رضي الله عنه في وصف الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام( من رآه بديهة هابه ومن عاشره خلطة أحبه) وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب خشعت له القلوب وذرفت من كلامه العيون ورحم الله أحمد شوقي حيث قال :
وإذا خطبت فللمنابر هزة تعرو الندي وللقلوب بكاء
ومن مظاهر قوة الشخصية عند الخطيب تجنب رذيل القول وسوء الفعل والحذر من كثرة المزاح لأنها مسقطة للهيبة فيرى الناس في الخطيب شخصية هزلية فلا يتأثرون بكلامه ولا ينتفعون من خطابه
ب- التحلي بمكارم الأخلاق:
الخطيب في نظر الناس من أعظم المربين ومن كان هذا شأنه لا بد أن يتحلى بأدب الحديث ويتمسك بمكارم الأخلاق لأن حسن الخلق من أهم الصفات النبيلة التي يجب على الخطيب أن يتحلى بها ليكون قريباً من قلوب الناس ونفوسهم فيستجيبون لحديثه ويتأثرون بكلامه وبخلقه المحمود ويتمكن من زرع الثقة في نفوس سامعيه فيحبونه لأنه في نظر أبناء مجتمعه نموذج للقدوة الصالحة فإذا أمرهم بمعروف ائتمر به إذا نهاهم عن منكر كان منتهياً عنه أصلاً وبذلك تتجسد أخلاقه الحميدة في أفعاله وأقواله وسائر أحواله فيفرض بذلك على الناس احترامه أما إذا كان الخطيب سيء الأخلاق فاسد السلوك ملطخاً برذائل الأقوال والأفعال قبيح الصفات فمهما أوتي من البيان والفهم والفصاحة فسوف يفشل في التأثير في قلوب مستمعيه حتى لو أصغوا إليه فهم لا يثقون به لأن أقواله في واد وأفعاله في واد آخر وينقض فعله قوله لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد من فقدان الثقة بالخطيب بل يتعداه إلى الإساءة إلى الإسلام نفسه فيشوه صورته النقية بسوء فعله عند حديثي العهد بالإسلام من الأحاديث أو عامة الناس الذين لم يصل عندهم الوعي الإسلامي إلى مستوى يميزون فيه بين الخطيب والإسلام لذلك أنكرت الآيات البينات أشد النكير على هذه الفئة من الخطباء والدعاة الذين لم يجعلوا من أنفسهم قدوة حسنة يقدمونها للناس قال تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) وقال تعالى (يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)
وقد بينت الأحاديث سوء المصير في الآخرة لأمثال هؤلاء الخطباء فقد جاء في حديث الإسراء والمعراج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في رحلته على أناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقال(يا أخي يا جبريل من هؤلاء قال خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون) ، وجاء في الصحيحين عن أسامة بن زيد قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون يا فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه)ولا شك أن هذا التصرف السيء من الخطيب مخل بالإخلاص وقد حرم نفسه من ثناء الله على المخلص لأنه خرج من زمرتهم قال تعالى(إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً)
وللإخلاص أثر فعال في توجيه النفس البشرية نحو الخير والعبودية لله وحده والخطيب الذي يتحلى بالإخلاص يؤتيه الله قوة تأثيرية مميزة يستطيع بها أن يترك بالغ الأثر في نفوس الجمهور لأن كلامه من القلب وما خرج من القلب يصل إلى القلب ويمكن للخطيب أو الداعية أن يؤثر في أشد القلوب قسوة فيضيء في جنباتها نور الإيمان والخير فيخرجها من الظلمات إلى النور ولقد تمكن سلفنا الصالح بقدوتهم الحسنة وإخلاصهم أن يفتحوا القلوب قبل البلدان وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال هام هو: ما الذي يجعل الخطيب ينحرف هذا الانحراف المشين الذي أشرنا إليه من الخلل في الإخلاص والسلوك ؟ والجواب لا شك أن للشيطان دوراً كبيراً ومن قرأ كتاب (تلبيس إبليس) يدرك كيف الشيطان في شركه أبرز العلماء وأشهر الخطباء فقد يزين للخطيب المنافع المادية الكثيرة فيرتكب المحظور ويأكل المال الحرام أو يزين بدافع الشهرة وحب الظهور فيقع في الغيبة والنميمة أو الوشاية ولا يهمه الضرر الذي يلحقه بأخ له فيسيطر عليه أسوأ مبدأ شرير وهو الغاية تبرر الوسيلة
واجب الخطيب أثناء إلقائه خطبته
1- أن يكون جيد الإلقاء
2- أن يكون صوته جهورياً
3 ـ عدم الخجل والخوف من مواجهة الجمهور
4 ـ أن يتحلى بالشجاعة والجرأة الأدبية
5- أن يتمكن من توزيع طبقات الصوت أثناء إلقائه ، فالنبرة الحماسية لها موقفها وأسلوبها ومعانيها والنبرة المتوسطة لها دورها في الكلام ومواقفها الملائمة لها
6 ـ أن يبدأ خطبته هادئاً واضح الكلام ثم يرفع من وتيرة صوته شيئاً فشيئاً ويعود إلى هدوئه خلال الخطبة
7 ـ سلامة النطق وفصاحة الكلام بمراعة لفظ الحروف وإخراجها من مخارجها بشكل دقيق
8 ـ تجنب الأخطاء النحوية والأغلاط اللغوية وأن يتقن قواعد النحو مع ضبط عين الكلمة وفائها حتى لا يقع في عيوب الألفاظ
9- مراعاة الخطيب للمعاني والوقوف في المواطن المناسبة فلا يقف وقوفاً مفاجئاً ولا يستمر في الحديث لأن التوقف المفاجئ يبتر الكلام فتفقد الخطبة فائدتها وتأثيرها في السامعين
10 ـ سرعة البديهة في أجوبة الخطيب إذا سئل وهو على المنبر فإنه يزيد من مكانته في نفوس الجمهور.
11- تأجج حماس الخطيب ، فإذا بردت عاطفة الخطيب وفترت مشاعره خبت شعلة تأثيره وذلك لتجديد نشاط السامعين وتنبيه أذهانهم
12 ـ يجب أن تتناسب حماسة الخطيب مع أفكار خطبته وتنسجم مع معانيها وأفكارها
وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم يقول : (بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ويقول(أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى وهدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) ثم يقول : ( أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالاً فلأهله ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي) رواه مسلم ،
مظهر الخطيب في هيئته وملابسه وسمته:
حث الإسلام على الاهتمام بالمظهر بشكل عام لأن الإسلام هو دين الحضارة والأناقة فلا عجب أن يطلب من أتباعه أن يكونوا كالشامة بين الناس نظافة وترتيباً وحسن مظهر خاصة في مجتمع الناس : قال تعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد) وكان صلى الله عليه وسلم يوجه أصحابه خاصة والمسلمين عامة على مدار الزمن إلى التأنق باللباس وكل ما من شأنه أن يرفع من شخصية المسلم فلما رأى رجلاً ثائر الرأس قال ( أما وجد هذا ما يسكن به شعره وكان صلى الله به وسلم يتعطر فإذا مر بمكان يعرف أنه مر صلى الله عليه وسلم من هذا المكان من رائحة العطر الفواحة وإذا جاء وفد زائر ينظر في المرآة ويسوي شعره ولحيته فعن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان ينظر بالمرآة وهو محرم فهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين عامة فيحسن بالخطيب أن يكون حسن المظهر وباعتبار أن الخطيب يقف موقف الوعظ والإرشاد والتعليم أو على منبر الخطابة فهو محط أنظار جمع من الناس ينظرون إليه ويسمعون حديثه فعليه أن يظهر بمظهر لائق لمثله مرتدياً ثوباً يدل على الوقار مسرحاً لحيته كي يزداد وقاراً ورفعة في نفوس الناس ورد في سيره الإمام مالك أنه خرج إلى مجلس العلم يغتسل ويتطيب ويلبس ثوباً جديداً نظيفاً ومعه عود الطيب بيخر به مجلسه وقد ورد في كتاب زاد المعاد لابن قيم الجوزية عن ملابس الرسول صلى الله علية وسلم كانت له عمامة تسمى : السحاب كساها علياً وكان يلبسها ويلبس تحتها القلنسوة وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة ويلبس العمامة بغير قلنسوة وكان إذا اعتمَ أرخى عمامته بين كتفيه كما رواه مسلم في صحيحه عن عمر بن حريث قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه) وفي صحيح مسلم أيضاً عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء ويستحب لبس البياض من الثياب لما رواه أبو داود والترمذي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم )
سابعا ـ وقفة الخطيب على المنبر :
ينبغي للخطيب أن يقف على المنبر وقفة وقار فيسلم على الحضور عند صعوده بتحية الإسلام ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ولا يكثر من الالتفات يميناً وشمالاً أو يكثر من الحركة والإشارة بيده لأن كثرة الحركة يغير لزوم تخل بوقار الخطيب ولا يعني أن يقف دون حراك كالتمثيل بل يتحرك بهدوء ويشير بيده حسب ما يقتضي حال الموقف وأن يكون مرتاحاً في وقفته ولا يبدأ الكلام حتى تهدأ نفسه وتسكن جوارحه وتتهيأ أسماع الحضور لاستقبال ما يلقى عليهم من مواعظ
ثامنا ـ ثقافة الخطيب :
يتمتع الخطيب بمكانة علمية مرموقة في نظر المجتمع الذي يعيش فيه وفي مجال الإشارد والتوجيه يتبوأ موقفاً رفيعاً يعد في نظر الناس من حوله موسوعة علمية لا يعجزه جواب عن أي سؤال يخطر على بال خاصة على نطاق العلوم الشرعية والفكر الإسلامي والسيرة النبوية الشريفة والتاريخ ولاشك أن هذه الثقة التي يمنحها المجتمع للخطيب أمر إيجابي يساعده على أداء مهمته التوجيهية بنجاح وعلى الخطيب والحالة هذه ألا يخيب ظن أبناء المجتمع فيه فيعمل جاهداً على تحصيل العلوم والمعارف المتنوعة ليحافظ على مكانته المرموقة عندهم وإن أهم ما يجب على الخطيب أن يفعله هو بناء شخصيته العلمية فيسعى جاهداًُ لتنويع ثقافته وتوسيع دائرة معارفه وذلك بالاطلاع الدائم على شتى أنواع العلوم والمعارف ما سلف منها وما هو موجود فيطلع على كل جديد وهذا يساعده على إغناء أي موضوع يتناوله فإذا تناول في إحدى خطبه بدعة الإلحاد وإنكار وجود الله والطعن في الدين يستطيع أن يرد على المفترين بموضوعية ويثبت لهم وجود الله بالأدلة العقلية المنطقية والأدلة العلمية التي يعتبرونها أوثق الأدلة مما يجعلها إذا كانوا غير معاندين يندمون ويتراجعون عن غيهم وضلالهم فيفيئون إلى ظلال الإيمان وينعمون برحمة الله الواسعة فيسعدون في الدنيا والآخرة وهذا لا يتأتى للخطيب إلا إذا كان مطلعاً ومتفهماً لأدلة الإعجاز العلمي في القراّن الكريم والسنة النبوية الشريفة ومن المحتم على الخطيب أن يضع في أولويات تحصيله العلمي فهم القراّن الكريم وتدبر آياته وإتقان تلاوته وليكن على يد أحد العلماء المتخصصين وبإشرافه وأن يحفظ أقصى ما يستطيع من سور القرآن الكريم وآياته مع الأحدايث النبوية الشريفة ويلم بعلم المنطق ويستوعب ما في علم النفس والاجتماع من معلومات ونظريات تساعده على نجاح خطبته وكلما كان الخطيب واسع العلم كثير المعرفة كان نفعه أكبر وعطاؤه أعظم وغزارة العلم والمعرفة تمد الخطيب بقوة الثقة بنفسه والاستمرار في حديث دون تردد أو حرج والخطيب الناجح يحافظ على المستوى العالي لخطبته وهذا يتطلب منه عدم الانقطاع عن طلب العلم لأن عجلة العلم لا تتوقف مادامت الحياة باقية فالخطيب إذن يحتاج إلى العلوم واكتساب المعارف الجديدة ولا يتحقق ذلك إلا بالمطالعة المستمرة وحضور مجالس العلماء والأخذ عنهم ومتابعة المطالعة في المراجع والمصنفات الكبرى التي أودع فيها كبار العلماء خلاصة علمهم وعصارة تفكيرهم في الماضي والحاضر ولا بأس أن يكون معه دفتر وقلم يدون كل فكرة تعجبه أو رأي يرتاح إليه أو حكمة قيمة أو حادثة فيها عبرة وعظة .
أثر ثقافة الخطيب في نجاحه :
إذا اتسعت معارف الخطيب وتنوعت ثقافته كان تأثير كلامه في نفوس سامعيه قوياً من جهة ومن جهة أخرى يشعر الحضور بالفائدة فيزداد حرصهم على سماعه ومتابعة خطبه فيأخذون منه الأحكام الفقهية الدقيقة لثقتهم بعلمه وصحيح الأحاديث النبوية الشريفة لتأكدهم من فهمه لها ويجدونه متقناً لتلاوة القرآن الكريم ضابطاً لحفظه لا يلحن في قراءته
وإذا تناول موضوعاً يتصل بقضايا الساعة التي لها علاقة بمستقبل الإسلام وشؤون المسلمين تلقاه عميق الفهم يوثق أفكاره بالأخبار والشواهد من التاريخ والأحداث المعاصرة مما يدل على دقة اطلاعه ومواكبته للقضايا الدولية ورصده للمؤامرات الشريرة التي تحاك ضد الإسلام والمسلمين في أروقة الدول الاستعمارية الكبرى التي تنفذ بدورها مخططات الصهيونية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي لذا تراه يقرأ الصحف والمجلات الأسبوعية والشهرية واليومية ويتابع الندوات وبرامج وحوارات المحطات الفضائية العربية والأجنبية ولا يعدم الخطيب الناجح الأسلوب الأدبي فتشرق خطبته بسحر البيان وجمال التعبير مما يزيد فصاحته بياناً ووضوحاً فتصل إلى أذهان المستمعين بسهولة ويسر مقرونة بالإعجاب والارتياح .
تاسعا ـ خصال الخطيب الناجح :
1- أولاها الحلم : فالحلم سيد الأخلاق وهو من الخصال الحميدة التي يحبها الله ورسوله روى الإمام مسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله علية وسلم قال : لأشج عبد القيس (إن فيك لخصلتين يحبها الله الحلم والأناة ) فلابد للخطيب أن يكون واسع الصدر يتحمل جهالة الجاهلين ويتقبل النقد انطلاقاً من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم (المؤمن مرآة أخيه ) والأثر المشهور عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رحم الله أمرأ أهدى إلى عيوبي فإذا وجهت للخطيب ملاحظة إلى خطبته سواء كانت هذه الملاحظة تتصل بالأفكار أو الأسلوب أو طول الخطبة أو قصرها أو نحو ذلك من الملاحظات التي تتصل بالخطبة فعليه أن تتقبلها فإذا كنت صحيحة عاد إلى الحق والحق أحق أن يتبع وإن كانت غير موضوعية ناقش صاحب الملاحظة وأقنعه بصواب خطبته دون تعصب أو انفعال لأن الخطيب إنسان غير معصوم فيهما علت رتبته في الخطابة ومهما كان علمه غزيراً وحكمياً وفصيحاً فهو معرض للخطأ فبعودته إلى الحق وحسن تلقيه للنقد وسمو خلقه في تقبله يعطي قدوة حسنه بالحلم والخلق الحسن
2-التواضع خلق مطلوب من كل مسلم عامة ومن الخطيب خاصة فلا يتعالى بعلمه أو يتباهى بجودة خطبته وحسن إلقائه أو بمهابة الناس له وتوقيرهم لشخصه بل يختلط بجميع أبناء مجتمعه ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم ويسعى في حل مشاكلهم وإصلاح ذات بينهم فهو الأب والأخ والمربي والمتواضع مرفوع الدرجة عند الله والناس إن كان مؤمناً صادقا ًروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه) والتواضع لا يعني أن يتخلى الخطيب عن رزانته ووقاره فهذا من اتزان الشخصية وهو أمر لا بد منه
عاشرا ـ الخطيب وقضايا الناس : عند تدخل الخطيب في خصومات الناس وخلافاتهم عليه أن يأخذ دور المصلح وليس دور القاضي وذلك أحفظ لمكانته إلا إذا كان الظلم بيناً فيردع الظالم بالنصح والتخويف من الله لأنه إن سلك مسلك القاضي أوقع نفسه في حرج مع الناس فللقضاء اختصاصه وللإصلاح مجاله حتى في مجال القضاء يكون الإصلاح هو الهدف فقد جاء في رسالة القضاء التي أرسلها الخليفة الفاروق إلى أبي موسى الأشعري بقوله ( رد الخصوم كي يصطلحوا ) وبذلك يكسب ثقة مجتمعه مما يساعده على أداء رسالته الربانية والاستمرار في طلب العلم هو منهج العلماء ( وقل ربي زدني علماً )فلا بد للخطيب أن يسلك سبيله كيف لا وهو العرض بأية ساعة لمسألة فقهية أو سؤال في التفسير أو الحدث أو نحو ذلك ناهيك عن موضوعات الخطيب التي تحتاج إلى تحضير وبحث فكم من خطباء يفشلون في مهمتهم و يتململ السامع من تكرارهم وسطحية أفكارهم وضحالة علمهم فترى مساجدهم تشكو من قلة عدد المصلين بينما تجد مساجد أخرى مكتظة بالمصلين وما ذاك إلا لأن الخطيب يتعلم وينقب ويبحث ويسهر فهو يؤدي أمانة الدعوة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومما يرفع مكانة الخطيب عند المسلمين زهده في أموالهم ومتاعهم بعزة نفس ازهد بما في أيدي الناس يحببك الناس فلا ينبغي للخطيب أن يعيش أسير الولائم إذ من المؤسف أن بعض الشيوخ لا يعطي صورة حسنة عن عفة النفس حتى أصبح الناس يتندرون في أرفع مستوى من ذلك ومما يتصل بمهمة الخطيب ألا يتعصب لرأي أو طريقة أو مذهب اختاره فالإسلام أوسع من أن نحده بما نختاره من آراء ومناهج فقد يسأل شخص سؤالاً عن مسألة لا يجد الخطيب جوابها في مذهبه فليعطه الجواب من مذهب آخر لأن المذاهب الإسلامية كلها من مشكاة واحدة وأما عن مظهر الخطيب فلا بد أن يلحظه وأن يظهر بمظهر لائق بمكانته العلمية الدينية قال تعالى:(يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد)
ولأعراف والسنة النبوية الشريفة حافلة بالتوجيهات في مجال النظافة وحسن المظهر عن البراء بن عازب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعاً وقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئاً قط أحسن منه متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الإمام مسلم (إن الله جميل ويحب الجمال)
الباب السادس
الفصل الثالث
المقامـة تعريفها وعناصرهاوخصائصها
أولا: تعريفها:
1 ـ التعريف اللغـوي: الأصل في المقامة أنها اسم مكان من أقام، ثم أطلقت على المجلس، فقيل: مقامات الناس، أي مجالسهم التي يتحدثون فيها ويتسامرون.
قال زهير:
وفيهم مقامات حسان وجوهها وأندية ينتابها القول والفعل
ثم أصبحت تطلق على الحديث الذي يدور في مجالس السمر من باب المجاز المرسل.
2 ـ التعريف الاصطلاحي: أما المقامات في اصطلاح الأدباء فهي حكايات قصيرة، تشتمل كل واحدة منها على حادثة لبطل المقامات، يرويها عنه راوٍ معين، ويغلب على أسلوبها السجع والبديع، وتنتهي بمواعظ أو طرف وملح.
أي إنها حكاية قصيرة، تقوم على الحوار بين بطل المقامات وراويها.
والمقامات تعتبر من البذور الأولى للقصة عند العرب، وإن لم تتحقق فيها كل الشروط الفنية للقصة.
ويقال إن المقامة تعني المجلس، والسادة، ويقال للجماعة من الناس يجتمعون في مجلس مقامه كذلك، ومقامات الناس: مجالسهم.
وقد استعمل لبيد بن ربيعة بمعنى الجماعة من الناس وذلك إذ يقول:
ومقــامةٍ غُلْبِ الرقــاب كأنهــم ** جِــنٌّ لدى باب الحصير قيام
….....(وغلب الرقاب تعني ا لغلاظ الرقاب والأعناق)
واستعملها زهير بن أبي سلمى بمعنى السادة في قوله:
وفيهم مقامات حسان وجوههم وأندية ينتابها القول والفعل
ذلك كان مفهوم "المقامة" في الجاهلية، ثم تطور هذا المفهوم حتى أصبحت تعني "الأحدوثة من الكلام" . يقول القلقشندي: "وسميت الأحدوثة من الكلام مقامة، كأنها تذكر في مجلس واحد يجتمع فيه الجماعة من الناس لسماعها"
ثانيا ـ عناصر المقامة :
1 ـ المقدمة
2 ـ الموضوع
3 ـ العقدة
4 ـ الحل
ثالثا ـ خصائص المقامـة :تتميز المقامة بما يلي
1 ـ أسلوب المقامات مملوء بالصناعة اللفظية من (جناس وطباق والتزام تام بالسجع).
2 ـ تغلب على ألفاظها الغرابة.
3ـ مليئة بالقصص والحكم والمواعظ.
4 ـ يختار كاتب المقامات لمقاماته بطلاً تدور حوادث المقامات حوله، وراوية يروي تلك الأحداث. فبطل مقامات بديع الزمان الهمداني أبو الفتح الإسكندري، وراويها عيسى بن هشام. وبطل مقامات الحريري أبو زيد السروجي، وراويها الحارث بن همام وهكذا.
5 ـ للمقامات فائدة تعليمية، فعندما يحفظها شداة الأدب فإنها تزودهم بذخيرة لغوية مفيدة.
6 ـ يدور أغلبها على الاحتيال والطواف بالبلدان لجلب الرزق.
رابعا ـ تاريخ المقامات
يقال: إن أول من أنشأ المقامات في الأدب العربي هو العالم اللغوي أبو بكر بن دريد (المتوفى عام 321 هـ)، فقد كتب أربعين مقامة كانت هي الأصل لفن المقامات، ولكن مقاماته غير معروفة لنا. ثم جاء بعده العالم اللغوي أحمد بن فارس (المتوفى عام 395 هـ)، فكتب عدداً من المقامات أيضاً. ثم جاء بعده بديع الزمان الهمذاني، وكتب مقاماته المشهورة، وقد تأثر فيها بابن فارس حيث درس عليه. ويعتبر بديع الزمان الرائد الحقيقي للمقامات في الأدب العربي، ثم جاء بعده كتاب كثيرون ، أشهرهم أبو محمد القاسم بن على الحريرى صاحب المقامات المشهورة بمقامات الحريري،ثم كثر كتاب المقامات كالزمخشري العالم اللغوي المفسر، وقد سمى مقاماته (أطواق الذهب)، وابن الاشتركوني السرقسطي الأندلسي (توفي عام 538 هـ)، صاحب المقامات السرقسطية، وبطلها المنذر بن حمام، وراويها السائب بن تمام، ومقامات الإِمام السيوطي. وفي العصر الحديث أنشأ محمد المويلحي حديث عيسى بن هشام، وناصيف اليازجى "مجمع البحرين"…
وقد قال بعض الباحثين: إن المقامات قد انتقلت إلى الأدب العربي من الأدب الفارسي. وهذا الرأي غير سليم، فإن المقامات فن عربي النشأة، ؛ فالأدب الفارسي متأثر في مقاماته بالأدب العربي
الباب السادس
الفصل الرابع
الرسائل
أولا ـ تعريف الترسل :
هو مخاطبة الغائب بلسان القلم حبا وشوقا واعتذارا وشكرا ونصيحة ومشورة وعتابا وشكوى وعيادة وتهاني و لتعازيا وتأبينا و تنصلا والتبرؤ........
ثانبا ـ عناصر الرسالة:
ثالثا : أنواع الرسائل:
1- رسائل الشوق: وهي رسائل تخاطب شخصاً غائباً عنك بلغة العواطف وتتحدث عن موضوعات مختلفة ويشترط فيها أن تنزل الألفاظ والمعاني على قدر المرسل والمرسل إليه فلا تقدم رفيع الكلام لخسيس الناس ولا تعطي خسيس الكلام لرفيع الناس مستعذبة الكلام حسنة الأوضاع تكسو الكلام رونقاً وإشراقاً وجودة سليمة المعاني سلسة الألفاظ وقعها حسن عند سامعها ومثالها رسالة أبي منصور الثعالبي النيسابوري ت/429/ه
ورسالة إبراهيم اليازجي ت-1324-و ورسالة أبي بكر الخوارزمي ت383ه ورسالة وفاء أفندي محمد ت/1319ه/
2- رسائل التعارف قبل اللقاء: وهي رسائل تتحدث عن تعارف بين اثنبن أو اثنتين على شخصية كل واحد منهما قبل لقائهما ويشترط فيها أن تحصر مفرداتها وجملها وأسلوبها في تزيين حب اللقاء بين الشخصين ومن هذا النوع من الرسائل ما كتبه الثعالبي المتوفي ت /429/ه وما كتبه الشيخ حمزة فتح الله ت/1336/ه وماكتبه الشيخ طه محمود ت/1325/ه وماكتبه الفاضل السيد محمد البيلاوي وما كتبه الشيخ عبد الكريم سلمان ت/1336/ه وما كتبه أحمد الهاشمي صاحب(جواهر الأدب)
3-رسائل الهدايا: وهي رسائل ترسل من شخص إلى شخص مع هدية تقدم له في مناسبات الأعياد كرسالة سعيد بن حميد ت/105/ه يوم النيروز وما كتبه حفنني بك ناصف ت(1337ه – 1919م)
وما كتبه الشيخ أحمد مفتاح ت-1329ه وما كتبه أحمد الهاشمي إلى سعد باشا زغلول حين أهداه كتابه (جواهر الأدب)
4- رسائل الاستعطاف والاعتذار: وهي رسائل تدعو شخصيات متميزة أن تعفو عن ذئب أو وشاية أو خطأ كرسالة الثعالبي ت /429 / ه وما كتبه عبد الله بن معاوية ت/ 134/ه وما كتبه بدر الدين بن حبيب الحلبي ت/799 ه وما كتبته زبيدة زوجة الرشيد ت216ه إلى المأمون ورد المأمون عليها واستعطاف أم جعفر بن يحيى الرشيد لأجل يحيى زوجها واستعطاف إبراهيم بن المهدي للمأمون واستعطاف إسحق بن العباس للمأمون واستعطاف الفضل بن الربيع للمأمون واستعطاف تميم بن جميل للمعتصم واستعطاف رجل من أهل الشام للمنصور واستعطاف روح بن زنباع معاوية واستعطاف ابن الرومي للقاسم بن عبيد الله واستعطاف للخوارزمي واعتذاره لأبي علي البصير
5- رسائل الطلب وحسن التقاضي: وهي رسائل تختص بطلب حاجة ما من واحد من الناس أو مقاضاته كرسالة عبد الله بن سليمان أبو العيناء ت/282/ه
وما كتبه المرحوم عبد الخالق باشا ثروت وما كتبه المرحوم أحمد بك رأفت وما كتبه الفاضل عبد العزيز بك محمد وما كتبه حسن أفندي توفيق العدل ت بلندن/1322/ه
6- رسائل الشكر: وهي رسائل تهتم بالمنة وشكر من قدم مالاً أو معروفاً لأحد من الناس كرسالة الثعالبي ت/429/ه وما كتبه الحسن بن وهب ت/482/ه وما كتبه الأمير أبو الفضل الميكال ت/436/ه وما كنبه الشيخ محمد عبده يشكر المرحوم حافظ إبراهيم تعريبه لقصة البؤساء
7- رسائل النصح والمشورة: وهي رسائل تسدي برأي لأخ أو صديق أو حاكم وتقدم نصيحة لهم كرسالة بديع الزمان الهمذاني ت/398/ه ورسالة للإمام علي بن أبي طالب ت/40/ه وما كتبه عبد الله النديم ت/1314/ه وما كتبه الشيخ محمد عبده ت/1333/ه
8- رسائل الملامة والعتاب: وهي رسائل يلوم فيها الأصدقاء بعضهم البعض أو يعتبون عليهم في قضية من القضايا ومن ذلك ما كتبه بديع الزمان الهمذاني ت/397/ه وما كتبه د الحافظ ت/255/ه وما كتبه عبد الله بن معاوية ت/80/ه وما كتبه عبد العزيز جاويش وما كتبه معاوية لابنه يريد يؤنبه ويعاتبه
9- رسائل الشكوى: وهي رسائل يشتكي فيها أصحابها من ظلم الزمان أو الحكام أو الظالمين ومن ذلك ما كتبه أبو الفضل الميكالي ت/436/ه وما كتبه عبد الحميد بن يحيى المفتول/132/ه وما كتبه الشيخ محمد عبده وهو مسجون بسبب الحوادث العرابية .
10- رسائل العيادة: وهي رسائل تخاطب المرضى الذين ينتظرون الشفاء لمن يراسلونه ومن ذلك رسالة ابن الرومي ت/284/ه
11- رسائل التهاني: بميلاد أولاد أو نجاح أو تقلد منصب كرسالة الثعالبي ت/429/ه بميلاد الأولاد ورسالة بديع الزمان الهمذاني ت/398/ه إلى الداوردي يهنئه بمولود وما كتبه الشيخ حمزة فتح الله ت/1335/ه وما كتبه محمود بك أبو النصر.
12-رسائل التعازي والتأبين: وهي رسائل كتبت في تعزية بموت صديق أو عزيز كرسالة الثعالبي المتوفي/429/ه ورسالة تأبين الأحنف بن قيس
13- رسائل الردود : كتبادل الرسائل بين حفني بك ناصف والشيخ علي الليثي
14- رسائل الوصايا والشفاعات: وهي رسائل توصي حاكماً لأحد عماله أو قادة جيشه في الاهتمام بقضية من القضايا كرسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب في غزوة الفرس ووصاياه الأخرى للقادة وعمال الصدقات والقضاة ورسالة عمر إلى بعض قواده ورسالة بديع الزمان الهمذاني ت/398/ه إلى ابن أخته ووصية أبي سعيد المغربي /967/ه لابنه وقد أراد السفر ووصية بعض نساء العرب لبناتها أو أبنائها
15- رسائل التنصل والتبرؤ: من تهمة أو قضية من القضايا كرسالة ابن الرومي ت/284/ه إلى القاسم بن عبيد الله وما كتبه ابن العميد ت/360/ه
16- رسائل متنوعة في المحبة والإخاء والبخل وغير ذلك من الرسائل العلمية والأدبية .
الباب السادس
الفصل الخامس
المناظرات
أولا: تعريف المناظرة :
المناظرة:محاججة خاصة بين متضادين من الناس أو الطبيعة أو الحيوان أو الطيور و ملاسنة كلامية أو كتابية بين خصمين متضادين أو متباريين بحيث تظهر خواصهما و بحيث يأتي كل من الخصمين بالحجج والبراهين التي ترفع قدره وتحط من مقام خصمه ليميل السامع عنه إليه من أجل نصرة نفسه
ثانيا : كيف تصاغ المناظرة :
تصاغ المعاني والمراجعات الخاصة بالمناظرة صوغاً حسناً بسمات محكم ليزيد نشاط السامع كمناظرة النعمان بن المنذر وكسرى أنوشوران في شأن العرب ومناظرات المهدي ومشاوراته لأهل بيته في حرب خراسان ومناظرة السيف والقلم لزين الدين عمر بن الوردي ت /749/ه ومناظرة للاّمدي بين صاحب أبي تمام وصاحب البحتري ومناظرة بين فصول العام لابن حبيب الحلبي ت/401/ه ومناظرة بين الجمل والحصان للمقدسي المتوفي /875/ه ومناظرة بين الهواء والماء وبين البر والبحر ومناظرة بين الأرض والسماء ومناظرة بين الليل والنهار
ثالثا : شروط المناظرة :
و للمناظرة ثلاثة شروط:
1 ـ أن يجمع بين خصمين متضادين متباينين في صفاتهما بحث تظهر خواصهما
2 ـ أن يأتي كل من الخصمين في مناضرته حجج تفنيد مزاعم قرنه بأدلة من شأنها أن ترفع قدره وتحط من مقام الخصم بحيث يميل بالسامع عنه إليه
3 ـ أن تصاغ من المعاني والمراجعات صوغآ حسنآ وترتب على سياق محكم يزيد بذلك نشاط السامع وتنمي فيه الرغبة حل المشكلة.
الباب السادس
الفصل السادس
الوصايا
أولا : تعريف الوصية:
قول حكيم صادر عن مجرب يوجه إلى من يحب لينتفع به، وهي من ألوان النثر التي عرفها العرب في الجاهلية، وهـي قطعة نثرية تشبه الخطبة تحمل في طياتها تجربة من التجارب تقال علـى شكل حكم ونصائح قد تكون من أب إلى أبنائه ، أو من أم إلى ابنتها ، أو مـن زعيم إلى أفراد قبيلته ، كوصية أمامة بنت الحارث ابنتها أم إياس عند زواجها . وتلتقي الوصايا بالحكم والأمثال لتضمنها كثيراً من تلك الأقوال الموجزة النابعة من التجربة، حتى لكأن الوصايا أحياناً قائمة على جملة من الحكم والأقوال المأثورة.وتروي هذه الوصايا عادة على أ لسنة طوائف من الحكماء والمعمرين، الذين عرفوا بكثرة تجاربهم وخبرتهم في الحياة، من أمثال: ذي الإصبع العدواني، وزهير بن جناب الكلبي، وعامر بن الظرب العدواني، وحصن بن حذيفة الفزاري. ومن النساء: أمامة بنت الحارث. ويغلب على الظن أن هذه الوصايا جميعاً رويت بالمعنى، ولكنها لا تخلو من بعض العبارات الأصلية المحفوظة، ولاسيما في الوصايا القصيرة. وتقدم الوصايا صورة عن هذا الفن النثري، لأن من رووها أو حفظوها قد راعوا أصولها وتقاليدها.
وقد تعددت الوصايا في العصر الجاهلي وتنوعت أغراضها على وفق الحدث المرتبط بها. واختلفت عن غيرها من صنوف الأدب، لأنها كانت نابعة من تجارب الإنسان وخبرته في الحياة. فالموصي يضع في وصيته عصارة فكره وخلاصة تجاربه في الحياة. فنراه يأتي في وصيته بجمل قصيرة مركزةتحمل أبلغ المعاني، وأسمى القيم
وما وصل إلينا من تلك الوصايا بعضه موجه إلى الأبناء والبنات، وبعضه الآخر موجه إلى أفراد من القبيلة. أما من حيث الموضوع والمضمون؛ فيمكن تقسيم الوصايا إلى :
ثانيا : أنواع الوصايا
1-وصاياالملوك إلى أولياءالعهدأومن يقوم مقامهم.
2-وصاياالحكماء إلى أبنائهم وأبناءالعشيرة وغيرهم.
3-وصاياالآباء للأبناء وأبناء الأبناء.
4-وصاياالهداء(الزواج)..
5-وصاياالسفروالمسافرين.
6-وصاياالحرب.
7 _ وصايا دينية :
8 _ وصايا اجتماعية: كالوصايا المتعلقة بالزواج، والمال، والصداقة، والعناية بالخيل وإكرامها، ومكارم الأخلاق كتهذيب اللسان، وتربية النفس، والحث على الصدق، والبذل والجود... ومن شواهدها وصية ذي الإصبع العدواني - لما احتضر - لابنه أسيد.
9 _ وصايا سياسية: تكون بين الراعي والرعية، والدعوة إلى الحرب، والدعوة إلى السلم والتحذير من التنازع.
10 _ ـوصايا الزواج :
11_ وصايا السراق واللصوص
12 _ وصايا الآباء للأبناء
والطابع العام للوصايا هو الأسلوب المرسل، ا لذي يترك فيه الموصى نفسه على سجيتها، دون تنميق أو زخرفة، مؤثراً وضوح العبارات، ورشاقة التراكيب، وقصر الجمل بما يحقق المناسبة بين المعنى واللفظ وطبيعة المقام الذي تقال فيه الوصية.
ثالثا : أجزاء الوصية :
تتألف الوصية من
أ- المقدمة: وفيها تمهيد وتهيئة لقبولها.
ب- الموضوع: وفيه عرض للأفكار في وضوح وإقناع هاديء للموصى له.
ﺠ - الخاتمة: وفيها إجمال موجز لهدف الوصية.
ولقد رأينا ذلك في (وصية أمامة بنت الحارث لابنتها عند زواجها(
رابعا _ خصائص أسلوب الوصية:
تتميز الوصية عن غيرها من فنون النثر بما يلي:
أ- وضوح الألفاظ ,وضوحا تاما من غير إبهام.
ب- قصر الجمل وإيجازها بحيث تؤدي المعنى بشكل موجز.
ﺠ- الإطناب بالتكرار والترادف والتعليل حين يحتاج الموقف للشرح.
د- تنوع الأسلوب بين الخبر والإنشاء.
ﻫ- الإقناع بترتيب الأفكار وتفصيلها وبيان أسبابها.
و- التنغيم الداخلي والإيقاع الموسيقي الجميل
وقد تجلي كل ذلك في وصية أمامة لابنتها
والفرق بين الوصيةوالخطبة أن الخطبة هي فن مخاطبة الناس جميعا لاستمالتهم وإقناعه أما الوصية فهي قول حكيم لإنسان مجرب يوصي به من يحب لينتفع به في حياته.
وتمتاز الوصايا في العصر الجاهلي بجمالها ، وتناسب جملها ورقتها .
ومن خلال استقراء الوصايا في العصر الجاهلي نجد أن صاحب كتاب "جمهرة وصايا العرب قسمها إلى ستة أ نواع وهي:
الباب السادس
الفصل السابع
سجع الكهان
أولا : تعريف سجع الكهان
هو فن من فنون النثريعتمد على الجمـل المترادفة والمتوازنة والمتزاوجـة يستخدمه الكاهن الذي يدعي معرفة الغيب في قضية من القضايا التي تعترض فردا أوجماعة تلجأ إليه ويزعم هذا الكاهن أنه ينطق باسم الآلهة ، وأن الجن مسخرة له يحركها كيفما أراد وقد ذم القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف الذهاب الى الكهان ونفى القرآن الكريم صفة الكهانة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن أشهر المتكهنين فـي الجاهلية : سطيح الذئبي،والمأمـور الحارثـي ،و خنافـر الحميري ،و عـوف بن ربيعــة الأسدي ، ومسلمة الخزاعي . وشق الأنماري، وسلمة بن أبي حيّة، المشهور باسم عُزّى سلمة، وعوف الأسدي، .بل كان فيهم نساء كاهنات أيضاً، من أمثال: فاطمة الخثعمية، وطريفة اليمينية، وزبراء. والكهّان عند العرب الجاهليين طائفة ذات قداسة دينية، وسلطان كبير لدى القبائل، شأنهم شأن الحكام في المنافرات. وكانوا يزعمون الاطلاع على الغيب، وأن لكل منهم رئيّاً - أي صاحباً من الجن - يعرف الكاهن عن طريقه ما سيكون من أمور. وكان الناس يتوافدون على هؤلاء الكُهّان من مختلف الجهات فيحكمونهم في منازعاتهم، ويستشيرونهم في أمورهم الخاصة وما يزمعونه من أعمال، أو ما يرونه في منامهم من أحلام. وكانوا يستخدمون في أحكامهم وأقوالهم ضرباً من النثر المسجوع عرفوا به، ويلاحظ في ن صوص الكهان أنها تحمل طابع التكلف الشديد في سجعها ولهذا لا يطمأن إليها كلها، فربما شاب بعضها الوضع والنحل، وربما كان بعضها محفوظاً صحيحاً، لقصره وإيجازه.
ثانيا : خصائص أسلوب سجع الكهان
ومن خصائص أسجاع الكهان أنها
1 ـ كلام عام،
2 ـ لا يرشد السامع إلى حقائق جلية،
3 ـ يضع السامع في الغموض والإبهام،
4 ـ اصطناع السجع، والإيماء، وقصر الجمل لإلهاء السامع عن تتبع ما يلقى إليه من الأخبار الغريبة،
5 ـ جعل السامع في حالة نفسية مضطربة تساعد الكاهن على الوصول إلى ما يريد، بكل سهولة ويسر،
6 ـ يكون المخاطب، بتلك الإشارات الغامضة، والألفاظ المبهمة، والأقسام المؤكدة، والأسجاع المنمقة، مستعداً لقبول كل ما يقال له، بلا جدال أو اعتراض، وتأويل ما يسمعه بحسب حالته ومدى فهمه.
الباب السادس
الفصل الثامن
السيرة التاريخية والأدبية
إذا كانت السيرة الأدبية هي دراسة لشخصية رجل مبدع أو عبقري في تطوره الخلقي والفطري والعاطفي فإنها تقدم لنا مواداً مهمة من أجل دراسة الأدب عملاً أدبياً ونفساً مبدعة فالسيرة تشرح وتنير جوانب الإنتاج الفعلي للمبدع وتحول مركز الاهتمام إلى الشخصية الإنسانية وتقدم مادة العلم الذي ينشأ في المستقبل .
والسيرة نوع أدبي قديم وهي جزء من علم تدوين التاريخ الفردي للأشخاص المبدعين ويمكن القول إن أية حياة مهما كانت عادية ستكون جذابة ورائعة إذا كتبت بصدق فكاتب السيرة هو مؤرخ يفسر وثائقه ووسائله وتقاريره عن الشخصية المترجم لها وكتاب السيرة غالباً ما يقدمون معلوماتهم حسب التسلسل التاريخي مع الاصطفاء واعتماد التلميح أو التصريح وتواجه كتاب السيرة الأدبية مشاكل متنوعة منها
كم يحق لكاتب السيرة أن يستخدم مضمون الأعمال الأدبية لغرضه؟وما هي نتائج السيرة الأدبية ومدى ملاءمتها لفهم الأعمال الأدبية ذاتها؟ وما تسجيلنا لميلاد المبدع وزواجه وعلاقاته وانفعالاته إلا نوعاً من السيرة يمكن استخدامها في دراسة شخصية هذا المبدع في تاريخ الأدب .
أولا : تعريف السيرة
فن أدبي يصور الكاتب حياة شخصية
ثانيا : أنواع السيرة : وهي ثلاثة أنواع :
1-سيرة تاريخية : ترسم حياة شخصية متميزة عبر التاريخ
2-سيرة ذاتية : ترسم فيها الكاتب حياته الذاتية
3-سيرة أدبية : وتسمى حياة أديب من الأدباء
ثالثا : مقدمات السيرة : للسيرة مقدمات مميزة أدخلتها في ميدان الأدب وعلى رأسها
1-الطاقة الأدبية التي يبثها الأديب في موضوعه
2-القيم الفنية التي يضمنها الأديب تعبيره
3-قدرة وبراعة الكاتب الفنية
رابعا : مدارس السيرة :
1-مدرسة التحليل الدقيق والتشريح الدقيق وهي مدرسة أكاديمية
2-مدرسة تؤمن بما قاله القدماء وتعيد ما كتب من قبل وهي مدرسة قديمة إنشاؤها مقلد وحاستها مفتعلة
3-مدرسة تتبع الحياة الشخصية وتكاملها وهي مدرسة تتحمل السيرة الأدبية وتعني بالجانب الإنساني
4-مدرسة رسم الصور النفسية من خلال عرض الخصائص البارزة والحوادث المختارة دون أن يرسم الشخصية من كل جوانبها وفي جميع ملابساتها
5-مدرسة سرد الحوادث والتعليق عليها ومناقشة الآراء فيها وهي مدرسة قد تحيل السيرة إلى تاريخية جامدة
6-مدرسة المنهج التاريخي من خلال العناية بالظروف المحيطة وهي مدرسة تقرب السيرة إلى سيرة تاريخية
7-مدرسة الاستعراض التصويري حيث يرسم الكاتب ملامح االشخصية ويستعرض بعض الحوادث مصوراً انفعالاتها واستجاباتها الشعورية من خلال عمل معقد
خامسا : واجبات كاتب السيرة :
1-أن تكون واعياً لفنه
2-أن يطلع على العلوم المساعد في فهم الشخصية (علم النفس- الطب- التاريخ–الجغرافيا- البيئية- الجنس- الزمان)
3-أن يلم بطبيعة المجتمع وبنشأته وقيمه وتقاليده
سادسا : الفرق بين السيرة والقصة
سادسا : فوارق السيرة عن القصة :
تختلف السيرة عن القصة
1-السيرة لا تعتمد على الخيال
2-القصيدة تعتمد على الخيال
3-السيرة تشد كاتبها إلى الوقائع
4-القصة يدخل صاحبها خيالات مصطنعة
5-السيرة تعتمد على الأمانة في تسجيل الأحداث
6-القصة لا تعتمد على الأمانة في تسجيل الأحداث
سابعا : أنواع السيرة :
تنوعت السيرة بين التاريخ والذات والأدب وأهم أنواعها
أ-السيرة التاريخية : تعد السيرة التاريخية سجلاً للأحداث والوقائع ووعاء يصب فيه الكاتب الأعمال المتميزة التي صدرت عن عظماء الناس وقد انقسمت إلى قسمين قسم يتحدث فيه الكاتب عن شخصية لم يعاصرها وقسم يتحدث فيه الكاتب عن شخصية عاصرها ولنجاح هذا النوع من السير لابد من توافر الشروط التالية
1 ـ الوثائق والحقائق الكافية
2 ـ دراسة هذه الوثائق بدقة وذكاء
3 ـ تتبع حياة بطل السيرة من خلال صراع البطل مع واقعه
4 ـ أن يبرز الكاتب في السيرة النمو النفسي وتطور شخصية البطل
5 ـ التجرد من الأهواء .
وتعد سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أعظم السير في التاريخ الإنساني إلى اليوم .
ب-السيرة الذاتية: وهي سيرة تعتمد على تصوير الشخص لنفسه من خلال الاستعراض التصويري ورسم ملامح الشخصية من خلال استعراض بعض الحوادث وتصوير انفعالاتها واستجاباتها الشعورية ضمن إطار عمل أدبي رائع وللسير الأدبية أهداف :
1-الاعتراف الصريح
2-إبراز قدرة الكاتب الفنية
3-تزويد المتلقي بخصائص حياة الأدباء
ج-السيرة الأدبية: برزت السيرة الأدبية بعيدة عن العمق والتحليل ولها فوائد كثيرة في عالم الأدب فهي
1-تزويد القارئ بمعلومات عن الأديب وبيئته وعلاقاته وآماله وآلامه ونجاحه وإخفاقه
2-ترسم هذه السيرة صورة واضحة للأديب وأدبه
3-تثير في القارئ اللذة في معرفة الحوادث التي تمر بالأديب
4-تبث روح العطف على الأديب المتحدث عن سيرته
5-تنمي الثقافة الأدبية عند القارئ
د ـ السيرة الفنية :
هـ ـ السيرة السياسية :
ثامنا : عوامل نجاح السيرة الأدبية
ومن عوامل نجاح السيرة الأدبية:
آ-تناول شخصيات متميزة فارقة
ب-أن يقف كاتب السيرة في سيرته موقف المفسر المكتشف
ج-مراعاة حركة التطور والنمو في البناء
د-رسم صورة متدرجة مكتملة للشخصية المدروسة
الباب السادس
الفصل التاسع
القصة والأقصوصة والرواية
أولا : القصة سحر الواقع والخيال
لقد أصبح الإنسان منذ خلقه الله تعالى وأسكنه في جنته ثم أنزله إلى الأرض مع زوجته حواء قصة الكون التي أبرزت صراعه مع تحديات الحياة والطبيعة كما وأن قصة صراع الإنسان مع أخيه الإنسان استهوت أرواح وأفكار الآخرين فبرزت القصة كفن يحكي به الآباء للأبناء ما مر بحياتهم من تبدلات وتعقيدات وصراعات وأظهرت القصة القديمة فناً ساذجاً بسيطاً عادياً مثل وعياً قاصراً عن استجابات الحضارة وبرزت مغامرات رجال لهم أحلام خارقة وأسطورية انبثقت من الواقع وطارت على أجنحة الخيارات تعوض الرغبات المحبطة ولكن العصر الحديث بتطوراته العلمية حول الحديث عن الأحلام الأسطورية إلى سبر الواقع وتبدلاته الاجتماعية ونشأ وعي جديد ينظر إلى الواقع بعين موضوعية اقتضى شكلاً جمالياً جديداً يصور الواقع بأسلوب فني جديد يبرز الاختيارات وينسق بين الأحداث ويربط بعضها ربطاً منطقياً حيث يرسم الإنسان قصصاً فنياً من خلال علاقته بالواقع ويقيم لعناصر القصة بناءً فنياً حديثاً يعتمد على قواعد وأصول.
ثانيا : تعريف القصة:
حكاية لتجربة إنسانية يجسد فيها الكاتب فكرة تضيء سلوك الإنسان وعلاقته بالمجتمع والواقع والكون والحياة يقوم فيها القاص بتأدية ذلك من خلال سرد الحوادث وأحاديث الأشخاص الذين يتميزون بطبائع متباينة في ظروف معينة
ثانيا : تعريف القصة :
هي حادثة أو مجموعة أحداث قليلة يؤديها شخص أو أكثر تتداخل فيها الشخصية الرئيسة بأشخاص ثانويين قلائل يضيء فيها الكاتب جانباً محدوداً من شخصية البطل لايساعد على إظهار تطور الشخصية أو تكاملها في تفاعلها الخصب مع الحياة وهي متوسطة في طول العمل القصصي وتشعبه ويشترط فيها أن تكون نثرية تعرض صورة من الحياة الواقعية ولا سيما خلجات النفس الإنسانية وعواطفها ولها في محضرتنا نصيب كبير.
ثالثا : الفرق بين القصة القديمة والحديثة
الفرق بين القصة القديمة والحديثة في الأحداث
آ-القصة القديمة:
1-تختار الأحداث الطريفة والغريبة
2-تعتمد على الطرافة والغرابة في التشويق
3-تسرد فيها الأحداث سرداً عفوياً يتخلى عن الترابط السيبي ويكثر فيه الاستقرار
ب-القصة الحديثة:
1-تأخذ الأحداث من الحياة العادية الواقعية
2-تختار من الأحداث ما يعبر عن فكرة الكاتب ويكشف العالم الداخلي للبطل
3-يضع الكاتب الأحداث في نسق فني منسق ومترابط
الفرق بين القصة القديمة والحديثة في الشخصيات:
آ-القصة القديمة
1-الشخصية مطية لعرض الأحداث الغريبة والعجيبة
2-تخرج الشخصيات من حجمها الإنساني تحمل قدرات خارقة
3-تلبس الشخصيات المثل العليا المطلقة في الشجاعة والجرأة والحيلة
4-تستغني الشخصيات عن التحليل وكشف الدوافع والأحداث
ب-القصة الحديثة:
1-يختار الكاتب الشخصيات من الحياة العادية
2-سمات هذه الشخصيات وطبائعهم مألوفة
3-يحلل الكاتب هذه الشخصيات ويكشف تفاعلها مع الحياة والبيئة من خلال طبائعها الخاصة
في الحوار
الفرق بين القصة القديمة والحديثة في الحوار:
آ-القصة القديمة:
1-الحوار هنا كلام عادي
2-يرتبط الحوار بالحادثة والشخصية ارتباطاً ساذجاً
3-لا يؤدي الحوار دوراً فنياً
4-الحوار يبرز سمات هائمة للشخصيات
5-لايكشف الحوار العمق الداخلي للشخصيات
6-لايساعد الحوار في تطور الحوادث وتعقيدها
ب-القصة الحديثة:
1-الحوار هنا كلام متشابه
2-الحوار يرتبط بالحوادث والشخصيات ارتباطاً متشابكاً
3-يؤدي الحوار دوراً فنياً
4-الحوار يساعد على رسم الشخصيات
5-يكشف الحوار ملامح طباع الشخصيات
6-يساعد الحوار في تطوير الحوادث وتعقيدها
رابعا :أنواع القصة:
1 ـ القصة المثل : وهو قصة صغيرة مختلفة تروى على لسان الحيوان أو الجماد وترمى ألى هدف خلقى من مثل ما روى ابن المقفع في كليلة ودمنة أو ابن الهاربة في الصادح و الباغم أوابنعرب شاه (901)هجري في كتابه فاكهة الخلفاء أو(لافونتين)الفرنسي في أمثاله المشهورة وقد يحئ الثل نثراً ويجئ شعراً وقد نظم الشاعر شوقى بعض هذا الأمثال للتعليم.
2 ـ قصة الخرافة : وتختلف عن المثل في أنها تحكى عن مخلوقات صغيرة لطيفة تساعد الناس الطيبين أو الأولاد المساكين وقد تروى أعمال الجن والسحرة ولكنها تختص بالأعمال الجميلة التي تسدى لبنى الإنسان من هذا القوى الخارقة مثل حكاية (ساندرلا)و(عقلة الصباع)وكثير من القصص الموجودة في ألف ليلة وليلة وليس الغرض من هذه الخرافات الموعظة ولكن مداعبة الخيال والتسلية وهي محببة للأطفال وقد ذكرنا آنفاً علة هذا.
3ـ الحكاية : وهي حادثة او حوادث حقيقية أو متخيلة لا تلتزم فيها القواعد الفنية للقصة بل يقصها الإنسان كما يعن له وهذا النوع كثير الانتشار يتداوله الناس في حياتهم المعتادة فيروون حكايات كثيرة عما رأوا وما سمعوا وقد يتخيل بعضهم الحكاية أو يختلقها لغرض يريده و تعتبر الحكاية العامود الفقري لكل قصة فنية أو رواية .
4ـ الأقصوصة : هي قصة قصيرة تصور حادثة خاصة أو موقفاً معيناً أو حالة شعورية وهي نوعان:
آ-أقصوصة حدث:تحمل معنى أنساني أو فعل غريب يصدر عن أحد الأشخاص يعرضه الكاتب ويكشف فيه مفارقات طبائع الإنسان وتناقضات الحياة والمجتمع .
ب-أقصوصة صور:حيث يقل شأن الحدث وحركته فيها حيث يركز الكاتب على التصوير القصصي الذي يكشف جو البيئة أو الحياة وما يثير في روح البطل من مشاعر .وهي قصة تصور جانباًمن الحياة يركز فيها الكاتب فكرة فلا يسترد ولا يزيد عن المقصود ويشمل موضوعها كل نواحى الحياة الإنسانية.
5- القصة القصيرة جداً(ق ق ج)
أو ما يسمى (شورت ستوري) وهي مجموعة كلمات قليلة تعبر بشكل مركز عن حادثة أو عبرة أو مشهد
6ــ الرواية : هي قصة طويلة تتناول حقبة مديدة من حياة البشر تتعدد فيها الأشخاص وتتنوع طبائعهم حيث يتشعب العمل القصصي إلى أحداث كثيرة تتداخل في أحداث الحياة العامة وتتشابك وتتكشف خلالها طبيعة علاقات الأشخاص بالناس والحياة والبيئة والعوامل المتحكمة في مصير الشخصيات وهي خيالية منضومة أو منثورة بعيدة عن الحياة الواقعية أو هي القصة الخيالية المليئة بالعجائب والغرائب ذات الأسلوب الإبداعي والخيال الجامح التي تروي قصص الفرسان والأبطال وعجائب العلم وغرائب البحار وسنتعرض لها بالذكر بعد قليل هذه هي أهم صور القصة كما يعرفها الأدب الغربي اليوم.
خامسا-عناصر القصة الفنية :
تقوم القصة بشكل عام على مجموعة عناصر هي
أـ الفكرة (الموضوع) وتمثل معنى التجربة الإنسانية التي يعيشها الكاتب أو أحد شخصياته من خلال رؤية خاصة وتنشأ الفكرة لدى القاص بومضة من موقف أو حدث إنساني مهم من وجهة نظر القاص يختزنه في لا وعيه ثم يعود إلى اجترارة من جديد ليتحول في معمله الداخلي إلى كلمات ينزلها على الورق مجسدة في أشخاص وأحداث ومواقف على شكل عمل فني فالفكرة القصصية تصير في القصة حياة محسوسة ومعاشة يؤدي الكاتب معناها بسلوك الأشخاص ومواقفهم ومجرى الأحداث دون تقرير ومباشرة
2ـ العمل القصصي (الحدث والحبكة)
وهو جملة الأحداث التي تقدمها القصة في سياقها الفني والتي ترتب ترتيباً فنياً ينتهي إلى نتيجة معينة وتدور هذه الأحداث حول موضوع عام من تجارب الإنسان في صراعه مع الحياة
ومصدر موضوع القصة :
1-أشخاص يواجهون مشكلات من واقع التجربة ويقومون بأحداث تجري على منطق الحياة
2-أماكن يعيش الناس فيها
3-الخيال الذي يبدع أحوالاً على شاكلة مافي الحياة.
وتتوجه الحبكة التي تمثل ما يقوم به الكاتب من اختيار للأحداث وتنسيقها ووضعها في نسيج فني يهيء مقدمة تبتدئ منها القصة وثم تتحرك الأحداث وتتطوروتشتبك وتتأزم ثم تقود للإنفراج والحل وتتألف كل حبكة من (بداية -وسط -نهاية ) (مقدمة –عقدة -حل )
طرق بناء الحكبة
للحكبة طرق بناء متنوعة تختلف باختلاف أجزائها وهذه الطرق
1-الطريقة التقليدية : حيث يسير بها العمل القصصي سببياً أوزمنياً من البداية إلى الوسط إلى النهاية يمثلها رواية توفيق الحكيم (عودة الروح)
2-الطريقة الحديثة :التي تنطلق من الوسط (أزمة تطبق على البطل وتمزق روحه فينفصل عن الواقع وينفجر لاوعيه بالتداعيات والذكريات والأحلام التي تأتي عبرها البداية فتفسر الأزمة وتدفعها إلى النهاية يمثلها أقصوصة (ثلج اذخر الليل )لزكريا تامر
3-طريقة الخطف خلفاُ تنطلق من النهاية من موقف مثير إلى البداية تعرض الأحداث والظروف التي أدت إلى هذا الموقف وتمثيلها رواية يوسف السباعي (نحن لا نزرع الشوك )
4-طريقة رؤية الحدث من خلال مجموعة من الشخصيات كما في رواية (ميرامار) لنجيب محفوظ،
أشكال عرض الأحداث في الحبكة
ولعرض الأحداث في الحبكة أشكال
1-شكل السرو المباشر يرصد الكاتب سلوك أشخاصه ويتحدث عنهم بضمير الغائب كما يصنع المؤرخ يمثلها رواية (زينب) لمحمد حسين هيكل
2-شكل الترجمة الذاتية حيث يتقمص الكاتب شخصية البطل ويتكلم بلسانه (ضمير المتكلم )ويمثلها رواية (من أجل ولدي) لعبد الحليم عبد الله
و للحبكة نوعان :
حبكة محكمة
تقوم على حوادث مترابطة متلاحمة تسير على خط واحد متدرج متشابكة شيئاً فشيئاً حتى تبلغ الذروة ثم تنحدر إلى الحل وقد تتغير الخيوط مع تعدد الشخصيات ولكنها تعود لتلتقي في نقطة واحدة كما في رواية السراب لنجيب محفوظ
وحبكة مفككة
يورد القاص من خلالها أحداث متعددة غير مترابطة برابط السببية فهي حوادث ومواقف وشخصيات متفرقة لاتجمع بينها إلا أنها تجري في مكان واحد أو زمان واحد كرواية زقاق المدق لنجيب محفوظ
3-شكل الرسائل والمذكرات : حيث يعرض الكاتب والأحداث عبر الرسائل و المذكرات التي يكتبها البطل ويؤلف مجموعها جملة العمل القصيص يمثلها رواية (يوميات نائب في الأرياق )لتوفيق الحكيم
4-شكل تصوير البطل من داخله ومن خلال تصوراته وأحلامه وذكرياته حيث يغوص الكاتب في وجدان البطل ويرصد ما اختزن فيه من أحداث نفسية ثم يفتح القاص نافذة فنية في لاوعي البطل يجري منها تياراً من التداعيات عبر الأحلام والحوار الداخلي وفي هذا النوع يتلاشى الزمان وتغيب ملامح المكان ويجري العمل القصصي بلا منطق عقلي حيث يحكم الأحداث منطق اللاشعور الذي يعقد هذه الأحداث فتغرق في الذاتية والغموض ويمثلها رواية(ثرثرة فوق النيل) لنجيب محفوظ
3 ـ الشخصيات:
الشخصية القصصية هي إنسان يصنعه خيال الكاتب الفني ويركب ملامحه النفسية والجسمية والإجتماعية من عناصر يستمدها من أشخاص واقعيين وقد يختار جانباً من حياته ويقدمه لتركيب هذه الشخصية التي يصنعها كما ولابد للكاتب أن يستوعب أبعاد الشخصية التي يريد عرضها وأن يكون قادراً على تصوير الأعمال التي يمكن أن تقوم بها في الظروف المختلفة فيترك الحرية الفنية للشخصية كي يتحرك بمنطق طبيعتها وظروفها وطبيعة العمل القصصي فإذا أثقل القاص أبطاله وشخصياته بآراء وأفكارغير ملائمةأصبح عمله ممجوجاً والقاص الناجح يعنى برسم شخصياته من خلال إضاءة عالمها الداخلي وتحليل تفاعلها مع الظروف وكشف الدوافع الإجتماعية والطبيعية المتحكمة بسلوك هذه الشخصيات وهناك طريقتان لرسم الشخصيات
الطريقة التحليلية: حيث يستخدم القاص وسائل مباشرة لإضاءة نفس البطل من خلال شرح ردود أفعاله النفسية وأفكاره وانفعالاته تجاه أحداث الحياة
الطريقة التمثيلية: حيث يستخدم القاص وسائل غير مباشرة إذ يكشف البطل حقيقته النفسية من خلال اعترافاته وتصرفاته وأحاديثه وقد تتحدث الشخصيات الأخرى في القصة عن شخصية البطل فيتعرف عليها القارئ وقد يستخدم الكاتب الطريقين في عرض تجربته القصصية كما في قصة (من أجل ولدي) لعبد الحليم عبدالله
وشخصيات العمل القصصي منها البسيط المسطحة الذي يمثل صفة واحدة أو لوناً واحداً أو عاطفة واحدة من أول القصة إلى نهايتها مثل شخصية السيد رضوان والشيخ درويش في رواية زقاق المدق ومنها المقعد النامي المتفاعل مع الأحداث التي تظهر أغلب جوانب طباعها مثل شخصية عباس الحلو في زقاق المدق وأحمد عاكف في خان الخليلي
4 ـ البيئة وهي الوسط الإجتماعي أو الطبيعي الذي يعيش فيه أشخاص القصة تتجاذبهم أحداث الحياة وتضطرب بهم بحيث يقومون بأعمال تتأثر بظروف هذا الوسط وهذه البيئة نوعان الأول طبيعي وجغرافي ومافيه من مؤثرات تكيف حياة الإنسان وطبعه وتحدد سبل معاشه وترسم خطوط شخصياته وطبعه فاللبيئة البحرية مؤثراتها الخاصة في مصير الأشخاص المتعلقة حياتهم بالبحر كما في رواية (الشراع والعاصفة) لحياة المدينة وللبيئة البدوية تأثيرها في الشخصيات كما في شخصيات قصص عبد السلام العجيلي
والنوع الثاني اجتماعي يتناول المسكن والأسرة والحرفة والطبقة الاجتماعية والتربية التي تتلقاها الشخصيات والعلاقات الإنسانية مع الآخرين بحيث يمكن الاستدلال على الشخصية من المسكن ويمثل ذلك رواية (بين القصرين) لنجيب محفوظ ومن هنا على القاص معرفة بيئة عمله القصصي حتى يحسن تصويرها وتحريك أبطاله في محيطها
5 ـ التعبير الفني:
لكل قصة طريقة تعبيرية تؤدى من خلالها وأهم هذه الطرق
1-طريقة السرد:
وهي طريقة يعتمدها الكاتب في إجراء الأحداث التي تقوم بها الشخصيات بلغة سهلة خفيفة واضحة ملائمة للمعاني وتلاوينها فإذا ماحمل القاص شخصياته لغة غير لغة القصة كلفة المقالة الأدبية فشلت قصصهم كما حدث عند طه حسن ومحمود تيمور أما توفيق الحكيم ويوسف إدريس فقد كانت لغتهم سهلة وفي السرد طريقتان طريقة مباشرة تسرد الحوادث من الخارج بضمير الغائب وطريقة السرد الذاتي بضمير المتكلم
2-طريقة الوصف:
وهي طريقة تعتمد على رسم مشاهد للمواقف وجوانب البيئة التي تجري فيها ووصف الحالات النفسية التي تعتري الشخصيات وتصوير هيآتهم وهم يعملون ويصطرعون ويجب أن يأتي الوصف في قصد وفي مجاله المناسب ويفترض فيه أن يكون مركزاً معبراً يهيء لجو لحركة الأحداث وموضحاً أبعادها النفسية ويجب أن يكون الوصف من خلال حواس الشخصياتحيث يرى الكاتب الأشياء بأعين شخصياته ويسمع الأصوات بآذانهم ويلمسها بأيديهم فيمتزج الوصف بالعمل القصصي ويصبح عنصراً محركاً للأحداث
3-طريقة الحوار:
وهي طريقة تعتمد على ما يدور من كلام على ألسنة الشخصيات فيما تفرضه المواقف والأحداث وذلك لإضاءة جوانب من سير الأحداث وتوضيح الدوافع لها أو ردود الأفعال الناجمة عنها ويفترض في الحوار أن يرتبط بالشخصيات ارتباطاً عفوياً دون أن يفرض عليها فرضاً فيفصل القاص بين لغته ولغة أبطاله ولا يدخل بينهما كما ويجب ألا يجعل الكتاب أبطالهم ينطقون كلاماً أكبر من عقولهم أو لغة عامية لا تفهم إلا في البيئة المحلية .
الأقصوصة أو القصة القصيرة
تختلف القصة عن الرواية في هيكلها العام وأوجه الاختلاف هي :
لا توجد فيها شخصيات لا تقتضيها الضرورة الملحة والنتائج الفنية للقصة.
العمل في القصة القصيرة يتم في أقصر وقت ممكن دون أن يضحي بتأثير العالي للقصة.
المناظر القصة لا تتغير .
هناك فكرة واحدة أو عاطفة واحدة تقدمها القصة القصيرة وتضغط عليها وتسلط كل أشعتها ثمة حتى تبرز.
لا توجد كلمة غير ضرورية في القصة بحيث إذا حذفت منها كلمة اختل المعنى.
هنالك تجربة واحدة اختيرت للمعالجة بدلا من التجارب الكثيرة التي تمر على المرء في الحياة .
ليس هيكلها معقداً ولا العقدة متداخلة في عقد غيرها.
تقرأ عادة في زمن وجيز حتى يحصل التأشير المطلوب.
الفقرة الأولى _ بل الجملة الأولى_ لها معنى خاص ومغزى في ما يتعلق بالقصة إذ تبعث الأهتمام وتجذبه.
تنتهي القصة حينما تنتهي الغاية منها.
نهاية القصة منسجمة مع أولها لا تبسط أو تنشر في الابتداء كزهرة في كمها.
نتبع القصة القصيرة عادة الوحدات الضرورية في المأساة الكلاسيكية الوقت والمكان والعمل وعلى هذا فالضغط شديد وقت واحد ومكان واحد وعمل واحد.
لا يمكن الإضافة للقصة القصيرة المتقنة من غير إخلال بها ولا يمكن حذف أي جزء منها دون إفسادها.
نقص القصة بسرعة دون أن نضحي بالاهتمام والغاية في سبيل الإيجاز.
ومع أن القصة القصيرة تشترط ثلاث عناصر : البيئة والعمل والأشخاص فأحدها فقط هو موضع الاهتمام في كل قصة .
ولما كان الحركة في القصة القصبرة سريعة جداً وجب أن تدل الفقرة الأولى على أي عناصر القصة الثلاثة سيكون موضع اهتمام الكاتب : البيئة أو العمل أو الشخصيات.
وفي القصة التي تهتم بالشخصيات يحصر الأهتمام في شخصيات غربية غير مألوفة بينما لا ينسا المولف البيئة أو العمل ولكن يجعل للشخصية المضهر الأول وفي القصة التي تهتم البيئة يهتم بالمكان بينما يرسم العمل والشخصية رسماً خفيفاً وفي قصة العمل يغطى هذا عاى كل شيئ .
كيف تنشأ القصة الطويلة الواقعية؟ :
فقد اشتراطوا فيها (1) أن تكون نثراً(2)وألا تقل عن خمسين ألف كلمة وقد تصل إلى أربعة ملايين كلمة كقصة بلزاك مهزلة إنسانية وإن جعلها قصصاً مستقلة كل قصة في جزء ولكنها متتابعة (3) وللقصة كلها عنوان ويصح أن يكون فيها حوار ولكنه يختلف عن حوار المسرحية باُنه حوار وصفي (4) ويجب أن يستشف موضوع القصة من عنوانها وينبئ عن ركن من أركانها : إما الشخصيات أو الحوار أو البيئة مثل ((قصة إحساس وشعور )) لجان أوستن و يوسف أندرورز))لفيلدنج ((سخريات الحياة لتوماس هاردى)) .
وفي مقابل هذا الإطار الخارجي للقصة يوجد هيكلها الداخلي و الكلام عليه يتناول :
أولاًـ البيئة : وللبيئة الزمنية والمكانية والظروف التي حدثت فيها حوادث القصة أهمية خاصة لانها تبعث الاهتمام في القارئ وتحدد له الحوادث وتساعده على إيهامه بما سيحدث فتبعث عنده اللذة وتعين على وحدة القصة وجمالها و الناحية الإنسانية فيها.
زمان القصة :
وقد يكون سنة تقليدا للملاحم التي كتبت في عصر النهضة وقد يكون كما هو الأغلب جيلاًمن الزمن تستكمل فيه حياة البطل وعلى العكس من هذه القصة الصغيرة فهي تتناول ناحية من عمره وعلى كل فمتوسط الزمن الذي تحدث فيه القصة أطول من المسرحية والقصة القصيرة (الأقصوصة )لأن المسرحية يحدد لها زمن لا يزيد عن أربع وعشرين ساعة وهذا لا يتأتى في القصة بحال ما وليس من الضروري أن يعين المؤلف الأيام و الليالي والفصول التي تقع فيها الحوادث وإن كان النهار عادة هو زمنها المصطلح عليه بيد أن روايات البطولة تتخذ من الليل مسرحاً لحوادثها وكذلك روايات الغرام فالليل للأولين برهبته و ظلامه و خفاياه يزيد في إظهار بطولتهم وللآخرين زمان التفكير والإحساس و الآهات .
وقد يكون لتغير الزمان الفجائي أثر بالغ في القصة و قد ديون لأظهار الموازنة بين الحادثة والزمان كأن يموت البطل في يوم أحد صحو _ وهذا طبعاً حدث كبير في أوربا ولا سيما أيام الشتاء _ وقد تظلم السماء وترعد وتسح المطر سحاُ مشاركة في المصاب بموت بطل الرواية ..
أما المكان :
فلم تخضع القصة أبداً للوحدة المكانية كما خضعت المسرحية والقصة القصيرة وإذا نظرنا إلى الرواية الخيالية وجدناها تتعدى الأمكنة ولا تتقيد بها فقد تهيئ أمكنة مثالية لا وجود لها بالواقع فهناك روايات اختار المؤلف مكان حوادثها جوف الأرض كرواية ستيفنسن (جوف الأرض ) أو النجوم أو الجنة أو جزراً لا مسمى لها في بحار لا وجود لها في بحار بعيدة مجهولة ..
أما القصة الواقعية فتختار الأمكنة ذات المشكلات الأجتماعية مثل لندن في روايات دكنز وباريس في قصص بلزاك وفي غالب الأحيان تعقد الموازنة بين حياة المدينة المعقدة وحياة الريف البسبيطة ..
أما الأمكنة الصغيرة فتختلف كذلك بحسب القصة ففي الرواية الخيالية نرى قصر الأمير أو صومعة الراهب أو الحصون الأقطاعية بحجراتها المسكونة بالجان مكانا للرواية وقد جابت الرواية الخيالية البحار و القفار و الجبال و الغابات ...
وقد استخدمت القصة الأجتماعية السجن ووكر اللصوص وحانات الشراب واستخدمت كذلك المنزل والمكتب و المسرح وقاعة المحكمةوالحدائق والشوارع إن المجتمع الحديث يأكل و ينام و تزوج و يتزاور و يتعبد و يموت في المنزل ولهذا جنح الكتاب الواقعيون إلى اتخاذ عناوين قصصهم من الأمكنة مثل حانوت العاديات (لدكنز)والبيت الصغير في النجتون وكايينة العام سام (لمسز ستو ) ..
أما ظروف القصة :
فتختلف باختلاف مدارسها الأدبية فمدرسة زولا مثلاً تحقر التجارب الإنسانية مهما عظمت إذا قيست بأعمال الطبيعة وكثير من كتاب القصة ينزعون نزعة تصوفية و بعضهم يخضع عمل الإنسان وتصرفاته مهما حقري القوانين خلقية مثل ((جورج أليت))
وفي الرواية التاريخية تذكر أحوال المجتمع إذ ذاك من سياسة ودين واقتصاد وغير ذلك وقد تتناول ظروف القصة النفسية أحد الشخصيات وللجو طبعا مكانة ممتازة في القصة الأدبية بتغيره أو انسجامه مع حوادثها و كثيراً ما يكون لليالي القمرية ومناظرها الفتانة مكانة عظيمة في الروايات الغرامية ومن المألوف أن يتقدم التعريف بالبيئة من زمان ومكان وظروف في الفصلين الأولين على ألا يكون ذلك وصفاً بحتاً وإلامل القارئ بل يتقدم ذلك ممزوجا بالحوادث وهي بعد في أولها قبل أن تتعقد وتشتبك ...
الحكاية :
أهم عنصر من عناصر القصة هو (الحكاية ) إنها قديمة جداً ترجع إلى إنسان الغابات والكهوف حيث كان المستمعون البدائيون يكتفون بهز رءوسهم وهم متحلقون حول الناربادية عايهم علامات الإعياء من صراع الحيوانات المتوحشة كالماموث وغيره ولا يحفز على اليقظة إلاالتلهف والتشوق لمعرفة نهاية القصة وما الذي حدث بعد ؟ فإذا تكهنوا بما سيحدث غلبهم النوم أو قتلوا الراوي.
إن ما حدث لشهر زاد وما اختراعته من التعلق و التشويق لحفظ حياتها حين بدأت تسرد على شهريار حكاياتها لأكبر دليل على أهمية هذا العنصر في القصة لقد كان العلاج الوحيد للتأثير على المستند الظالم .
وعلى الرغم من أن شهر زاد كانت قصاصة كبيرة رائعة في وصفها متسامحة في أحكامها خالقة في حوادثها ممتازة في أخلاقها وواضحة في رسم شخصياتها متخصصة في معلوماتها حول ئلاث عواصم شرقية بيد أنها لم تعتمد على أي واحدة من هذه الصفات في أنقاذ حياتها من زوجها المتعنت لقد عاشت لأنها استطاعت أن تجعل الملك أن تجعل الملك متلهفاً مشتاقاً لمعرفة ماذا سيحدث بعد ذلك.
وحينما تبزغ الشمس تقف في حديثا دون أن تتم الجملة وتقول : ((وهنا أدرك شهر زاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح )) أننا جميعاًَ مثل شهريار كلنا يريد أن يعرف ما سيحدث بعد أنه شيئ عام لدى جميع البشر.
ولهذا كان العمود الفقري في كل قصة هو الحكاية . وبعضنا لا يود أن يعرف سواها .
ولكن ما الحكاية ؟ الحكاية هي سلسلة من الحوادث مرتبة ترتيب زمنيا طبيعياً كمجئ الغداء بعد الإفطار والثلاثاء بعد الاثنين .
إن للحكاية فائدة وفيها خطأ فائدتها أن تجعل المستمعين متلهفين على معرفة ما سيحدث بعد وقد تجعلهم لا يودون معرفة ما سيحدث بعد وهذا هو النقد الذي يوجه إلى الحكاية .
إنها أدنا وأبسط أنواع الأدب ولكنها أعظم عامل مشترك في هذا الكائن المعقد المعروف بالقصة أننا أن فصلنا الحكاية من كل ما يحيط بها في القصة وجعلناها عارية نراها رديئة وسخيفة ولكننا نتعلم منها كثيراً.
وإذا وازنا بين الحكاية والحياة وجدنا الحياة كذلك في العادة تجرى في ترتيب زمني سواء في أقوالنا أو أفعالنا ولكن بجانب الزمن هناك كذلك ما يسمى (بالقيمة) لا تقاس بالدقائق والساعات ولكن بأهميتها إننا إذا نظرنا إلى الماضي لا نجده منبسطاً ولكن تلال وقمم وكذلك إذا نظرنا إلى المستقبل لا نجده متسلسلاً فالماضي والمستقبل لا يهتمان بالزمن لأنا الحياة العادية في الواقع مكونة من حياتين : حياة زمنية وحياة ذات قيمة .
إن الحكاية تسرد الحياة الزمنية أما القصة بأكملها إذا كانت قصة جيدة فإنها تتضمن كذالك عنصر القيمة أو الأهمية في هذه الحياة .
إن الولاء للعنصر الزمني في القصة ضرورة لا مجيد عنها فلا قصة من غير زمن على كاتب القصة أن يهتم بعنصر الزمن وإلا كان غير مفهوم ويسير على ضلالة.
في كل قصة (ساعة) تذكر بالزمن وقد لا تعجب القصاص ولكنها ضرورية حتى لا يرى أحد الأشخاص في مكان ما وهو في نفس الوقت موجود في مكان آخر.
إن أساس القصة هو الحكاية والحكاية سرد للحوادث في نظام زمني مخصوص.
ويلي ذلك البحث في التعقيد ولا بد في أية رواية متينة البناء من عقدة أما ضرورتها فلأن العقل يميل دوماً إلى ربط الحوادث بعضها ببعض وتكون هذه العقدة مثالية لأن الخيال هو الموهبة العقلية الوحيدة التي تستطيع أن تقوم بهذا الربط وبخاصة في أية سلسلة من التجارب الفردية أو الاجتماعية يتطلب العقل أو يحاول تحويل التفصيلات المبعثرة المضطربة إلى مجموعة ذات مغزى واحد.
والعقدة عادة تتكون من خيط رئيسي من الحوادث وبعض الخيوط الثانوية تجدل كلها معاً وكل خيط من هذه يتألف من عدة حوادث تمهد لما بعدها وتكون سبباً لها وأحياناً تبتدئ القصة عكسية فتبتدئ بالنتيجة وترجع إلى الحوادث وقد نجد ما يقطع هذه السلسلة من الحوادث ولكنها في آخر الأمر تصل إلى أوجها .
ولكن ما العقدة ؟
العقدة هي موضوع القصة والطريقة التي تسير عليها وتتابع الأحداث ليس مجرد جمع حوادث بل سلسلة لها صفة خاصة تشترك فيها كل الجزئيات وتسير وفق خطة موضوعة متسبب بعضها من بعض ومترتب بعضها على بعض .
فإذا قلت : إن الملك مات ثم ماتت الملكة كان هذا حكاية ولكن إذا قلت : أن الملك مات ثم حزنت الملكة عليه فماتت على أثره أو قلت : ثم ماتت الملكة على أثره ولم يدر أحد لماذا حتى أكتشف فيما بعد إنها حزنت عليه فماتت كان ذلك من التعقيد.
في الحكاية نسأل : ثم ماذا حدث بعد ذلك ؟ وفي التعقيد نسئل : لماذا حدث هذا ؟ .
وذلك هو الفرق بين الحكاية والتعقيد كلاهما مجموعة من الحوادث ولكن الحوادث في التعقيد متصلة بينها صلة ورابط سببية وأن اشتراكا في الترتيب الزمني ولذلك تسمى العقدة أحياناً الحبكة القصصية. ولعمل العقدة يسئل المؤلف نفسه : هل يريد أن يكتب الحوادث مفصلة ؟ هل ستقع حوادثها في زمن طويل ؟ هل ستكون فيها شخصيات كثيرة ؟ أو العكس من هذا ؟ ولا بد أن تكون لديه الخطة كاملة قبل البدء في الكتابة حتى لا يدخل في القصة ما يقطع وحدتها وانسجامها واطرادها :
وقد وصف (ستيرن) القصصى الإنكليزي في القرن الثامن عشر فن القصة فحصرها في مهارة الكاتب في الاسطراد بحيث لا يعوق هذا الاسطراد تطور الحوادث وسيرها بل يسير الاسطراد ولتقم بحوادث القصة جنباً إلى جنب رغم ما يبدو في هذا القول من تناقض فيكون الكاتب مثلا بصدد شخص يحي عنه ثم يعترض الحكاية سخص آخر أو حادثة فينحرف الكاتب إلى هذا الطارئ الجديد على شرط إلا يسهو عمن كان يحكى عنه بل يتذكره بلمحات بارعة آنا بعد آن بحيث تزيد صورته في ذعن القارئ وضوحاً ورسوخاً حتى يعود إلى حكايته من جديد بعد فراغه من استطراده الطارئ.
الشخصيات :
ثم يلي هذا الكلام عن شخصيات القصة ويختلف عددهم تبعاً لنوع القصة فالاجتماعات قد تكون معرضاً للشخصيات المتباينة حالاتهم فيكثر الأشخاص نوع ما بينما يقل عدد الأشخاص كثيراً في الرواية النفسية حتى يتمكن المؤلف من تحليلها ولا بد أن يكونوا من صميم الحياة ويستحقون الدراسة والمعرفة ولا يصح أن يكونوا دمىً خلقها خيال الكاتب وتصوره وإذا ظهرت شخصية ماك فيجب إلا يصدر عنها ما يناقض حالتها تلك سواء أراد المؤلف ذلك ام لم يرده وعلى هذا فل الشخصيات هي التي تحدد خطة القصة وقد توجد شخصية رئيسية في القصة توحد بين شخصياتها الآخرى بين حوادثها مثل ((دافيد كوبر فيلد)) لدكنز و روبنسن كروزو أو قسيس و يكفيليد أو ((تس)) وقد تكون هنالك شخصيتان يعني بها الكاتب ويكثر ذلك في قصص الغرام ولكن إحدى الشخصيتين تتغلب على الآخرى.
وتصر المدرسة الواقعية على أن يدع المؤلف الشخصيات تفصح عن نفسها وأن يقف سلبياً بالنسبة لها جميعاً ولكن كلما تتحقق هذه النظرية فالمؤلف لا يستطيع بحال ما أن يسوى بين الشخصيات المختلفة في حبه لهم وعنايته بهم وقد يأدي هذا الموقف السلبي إلى أظهار الكاتب بمظهر المعادي لبعض الشخصيات كما تفعل ((جورج أليت)) والواقع أن الوؤلف لا يمكن أن يتجرد من أحساساته فهو يحب ببعض الشخصيات ويكره بعضها.
وفي الروايات التاريخية لا بد من دراسة وافية للمجتمع والعصر حتى تكون الشخصيات قريبة من الحقيقة بقدر الأمكان وقد رأينا ما فعل ((سكوت)) وما رأى النقاد فيه.
مجموع القصة يشبه إلى حد ما المسرحية تمهيد للشخصيات وأغراء ثم الصعود بالحوادث وتحرج وهبوط ثم حل لها وهكذا القصة نستفيد من الحوادث والبيئة لتظهر الشخصيات ومن المفاجأة والتشويق لنحافظ على الأهتمام والعقدة قد تكون موزعة في نواحي القصة بحيث يعجزك أن تضع عليها أصبعك في أي مكن منها القصة كلها بحوادثها وأشخاصها يجب أن تهيئ للعقدة بحيث تدفعها إلى الأمام حتى تصل بها إلى غايتها والعقدة المنتازة هي التي تجمع الخيوط كلها وتربطها بالخطة العامة مع أن لهذه الخيوط من الحوادث عقدها الصغيرة ولكنها كلها تهيئ للعقدة الرئيسية للقصة.
الحل:وأخيراً يأتي الحل ولكل قصة حل حتى وأن كانت عقدتها واهية أو غير موجودة ولا عبرة بما يقوله بعض النقاد الواقعيين بأن حل المشكلات لا يحدث .
الباب السادس
الفصل العاشر
المسرحية
أولاـ تعريف المسرحية:
نص أدبي ؛يصب في حوار ويقسم على مشاهد يحكي به الكاتب قصة جادة أو هازلة يلقيه الممثلون على جمهور من الناس في زمن معلوم في ضوء أو حركة وأنغام مجالها العمق الإنساني متجنبة الخوارق
العمل المسرحي : هو الذي يجري على خشبة المسرح من قيام وقعود وحركة وسكون وكلام وصمت من خلال العراك الناشب بين الوسائل والحوائل التي تتنازع حادثا من الحوادث فالوسائل تعمل لوقوع العمل والحوائل تعمل لمنعه
ثانيا ـ صفات العمل المسرحي :
يتصف العمل المسرحي بالصفات التالية
1- أن يكون مربيا يحول ذهن المشاهد من ضد إلى ضد تبعا لتصرف الأفراد وتقلب الظروف وتفقد المسرحية جاذبيتها إذا أوحى العمل المسرحي بحل وحيد يدل عليه المنطق ويتنبأ به المشاهد
2_ الوحدة في الأجزاء التي يتركب منها العمل الروائي بحادث واحد يوجده بطل العمل أو يمنعه حيث يجعل بطل العمل في خطر واحد لا يختلف من البداية إلى النهاية وقد أضاف البعض لوحدة العمل وحدة الزمان والمكان إذ تعني وحدة المكان وقوع العمل في مكان واحد لا يتعداه ( مدينة – غرفة ) وتعني وحدة الزمان عدم استغراق العمل المسرحي أكثر من أربع وعشرين ساعة أو ست وثلاثين ساعة والكتاب المحدثون قد تركوا وحدة الزمان والمكان
3_ السرعة : إذ لا تتحمل المسرحية التطويل والتفصيل والاستطراد
4_التوجه بالعمل إلى الذهن لا إلى الحواس حتى لا تتحول المسرحية إلى حركات جسدية
ثالثا ـ أجزاء العمل المسرحي:
1_ العرض :وهي فكرة عامة عن العمل الروائي يقدمها الكاتب لتهيئة الأذهان إلى الحدث وتشويق النفوس إلى المتأخر وتعريف الظروف والأمكنة والأشخاص ويقدم ذلك الممثلون لمشاهد بشكل طبيعي بين الغموض والوضوح
2_ التعقيد : حيث تتشابك فيه الظروف والوقائع والمنافع والمنازع و الأخلاق التي تعترض طريق البطل وينشأ عن اشتباكها الشك والتطلع و فروغ الصبر لتقوى جاذبيتها وهو جسم الرواية وروح العمل لأنه صدى لأصوات الحياة
3_الحل :وهو نهاية الرواية حيث تنحل العقدة بزوال الخطر أو تحقيق الهدف أو حلول مصيبة
4_الشخصية المسرحية :وهي مصدر كل شيء في المسرح وأخطر عناصرها وتحمل ثلاث مقومات
أ ـ الجسدي القائم على الجنس الذي تنتسب إليه الشخصية والسن والطول والوزن ولون الشعر والعينين الكيان والبشرة والمظهر والصحة والمرض ...
ب ـ الكيان الاجتماعي ويعني الطبقة الاجتماعية التي تنتسب إليها الشخصية ونوع عملها وتعليمها وحياتها ونشاطها و هوايتها وعاداتها
ج ـ الكيان النفسي وهو ثمرة الكيان الجسدي والاجتماعي بحيث يكون مزاج الشخصية المسرحية وهذه الشخصية نوعان :
1ـ مجموعة أساسية تلتقي عنده خيوط العمل المسرحي ( البطل ) يجب أن تكون شخصية لا تعرف المساومة أو أنصاف الحلول
2ـ ثانوية أو معارضة تكبح جماح الشخصية المحورية وتكون ندا لها
هـ - الصراع المسرحي وهو مصدر الجاذبية والتشويق في المسرحية ويكون بين البطل وقرينه أو بين البطل ونفسه
وأصنافه:
1-الصراع الساكن
2-الواثب
3-الصاعد المتدرج في بطء
4-المرهق الدال على ما ينتظر حدوثه
والصراع الناجح ما كان مزيجا بين (الصاعد و المرهق)
و _الحوار المسرحي : أداة المسرح التي تبرهن على الفكرة الأساسية وتكسف عن الشخصية ويمضي بها الصراع ولكي يكون الحوار ناجحا لابد أن يكون الكاتب مطلعا على شخوصته اطلاعا عميقاً وعلى الكاتب أن يلتزم حدود شخوصه المرسومة فلا يجعلها تتكلم بما لا يتلاءم معها إضافة إلى أنه يجب أن يكون مركزا موجزا مطابقا الشخصية سهل الفهم حيادي ثيهعن موقعا داخليا يرتفع عن مستوى الأحداث العادية
رابعا:ـ أنواع المسرحية :
1 _ المأساة : تمثيل أمر جلل جدي يبعث في النفس الرعب والإعجاب والرحمة بشخصيات نبيلة وهوى رفيع وينتهي بالفاجعة غرضه إصلاح النفوس وإثارة الرهبة والإعجاب بالصنيع الجميل
2- الملهاة: تمثيل حادث من الحياة العامة يثير الضحك واللهو موضوعه الجهة الوضيعة من حياة الناس وعاداتهم ووقائعهم من خلال خطأ حقيقي أو لدعائي لا ضرر منه
3_ الدراما: هي مسرحية تخلط بين المأساة والملهاة وتظهر الموضوع الجدي في المعرض الفكاهة ويساوي بين الملوك والسوقة وتمتزج فيه البسمات بالعبرات
4_ المسرحية الغنائية :مسرحية شعرية تؤدى عن طريق الغناء والإنشاد وتأتي بالحوار الكلامي وتقبل الخوارق والأشباح توقع على أنغام الموسيقى وتعنى بالزينة قوامها الموسيقى والغناء والمناظر
5-المأساة اليونانية ومن صفاتها :
أ- وحدة الموضوع
ب- وحدة الزمان والمكان
ح- فصل الأنواع
وأما وحدة الموضوع فالمقصود بها أن تجري المسرحية على فكرة واحدة كيلا تتشتت وتتمزق، وأن يمضي كل الوقت المخصص للمسرحية في إظهار تلك الفكرة ومعالجتها ودرسها حتى تتوضح وتنضج في أذهان المشاهدين
وأما وحدة الزمان والمكان فالمقصود بهما أن تجري أحداث المسرحية في زمن غير متطاول لا يتجاوز أربعا وعشرين ساعة، ومكان واحد لا يتعدد، ولذالك كانت المأساة اليونانية بسيطة التركيب، ولا تعقيد فيها ولا تشتت
وأما فصل الأنواع فيقصد به ألا يتخلل المأساة شيء من الملهاة، كما لا يتخلل الملهاة شيء من المأساة، فتكون المسرحية مأساة كلها، أو ملهاة كلها
6_المأساة الرومانية : وبعد اكتمال المأساة اليونانية وظهور الرومان نشأت المسرحية الرومانية، وهي دون المأساة اليونانية في الروعة والجمال والإتقان امتلأت بالمناظر الوحشية والفظائع
7_ المسرحية الاتباعية الفرنسية : توقفت المسرحية وجمدت قليلا بعد ولادتها، ومرت أعصر قبل أن تعود إلى الحياة وذلك حين هيأ الفرنسيون أنفسهم للتلمذة على الرومان ثم اليونان ونهض الناقد الفرنسي (بوالو)
يؤلف كتاب ( فن الشعر ) على غرار كتاب (فن الشعر ) لأرسطو، وبذلك تأسس المذهب الإتباعي (الكلاسيكي ) ومن يومئذ والمسرح الفرنسي منتعش منتشر
-يمتاز المسرح الاتباعي الفرنسي بهذه الخصائص :
أـ العناية باللغة والتعبير الأدبي عناية بالغة
ب ـ الاقتصار على الشعر وحده في كتابة المسرحيات
ج ـ المحافظة الصارمة على قانون الوحدات الثلاث : الموضوع والزمان و المكان
د ـ قلة عدد شخوص المسرحية
هـ ـ قلة العناية باللباس والمناظر و الموسيقى
ومن أساطين المسرحيين الإتباعيين في فرنسا :كورني وراسين وموليير0
8 ـ المسرحية الإبداعية : قامت المسرحية الإبداعية بعد الإتباعية وبعد أن اجتاح المذهب الإبداعي في الأدب والفن سلفه الاتباعي اجتياحا عنيفا .
الفروق بين المسرحيتين الاتباعية والإبداعية
أ - المسرحية الاتباعية مستمدة – إلا ما ندرـ من تاريخ الإغريق ،واللاتين ،و المسرحية الإبداعية تستمد من التاريخ المعاصر بلا حرج
ب - لا تخلط المسرحية الاتباعية بين الجد والهزل، والمسرحية الإبداعية سمحت بذلك
ج - حافظت المسرحية الاتباعية على وحدتي الزمان والمكان ولم تفعل ذلك المسرحية الإبداعية
د- طابع المسرحية الاتباعية إنساني عام وطابع المسرحية الإبداعية قومي محلي .
هـ - أبطال المسرحية الاتباعية ملوك وأمراء وقادة عظام ، وأبطال المسرحية الإبداعية شخوص من الناس كافة .
و- حوار المسرحية الاتباعية منظوم شعرا وهو في الإبداعية شعر أو نثر .
ثانيا- الملهاة : كان حديثنا الماضي محصورا في المأساة ، ولكن المسرحية ملهاة أيضا ومنذ القديم انقسم المسرح إلى جاد وهازل، وفي المذهب الاتباعي ملهاة وفي المذهب الإبداعي ملهاة وقد سمح الاتِباعيون بأن يكون أبطال الملهاة ناسا من العامة، ولكنهم أصروا على أن يكون الحوار شعراً ، وتحرك الإبداعيون –كعاداتهم –تحركاً أكثر، و جاؤوا بما سموه (الكوميديا الدامعة ) وهي مسرحية فيها الضحك والبكاء معاً
ثالثا - المسرحية الواقعية : انتهت أمور المسرحية الإبداعية في القرن التاسع عشر إلى المسرحية الواقعية. وهي مسرحية تعرض قصةً من الحياة والمجتمع تجري حقاً وصدقا في الحياة والمجتمع، من غير خيال ٍ واسع، وعواطف سارحة، وألفاظٍ مزدانة، وجمل مرتلة، ومواقف مثالية رائعة ومن روادها وأعلامها المسرحي النرويجي (هنريك إبسن ) صاحب مسرحية (بيت الدمية)
رابعا :المسرحية الرمزية:
نشأ المذهب الرمزي في الشعر ثم انتقل إلى المسرح والمسرحية الرمزية ثائرة على كل نظام سابق
ومن ميزاتها :
1-الغموض : فالرمزيون مولعون بالضباب، والإلهام،و الظلال .
2- الحوار: فيها أجل من القصة وهي هنا تقترب من جو المأساة اليونانية .
3- لا مكان ولا زمان واضحين في المسرحية الرمزية.
خامسا - مسرحية اللا معقول أو مسرحية العبث : هي مسرحية نشأت مع نشوء مذهب (اللامعقول ) في الأدب بعد الحرب العالمية الثانية، وهي لا فصول لها ولا زمان ولا مكان، وشخوصها يتكلمون عن أشياء قد يحققها المشاهدون وقد لا يحققونها، والرمز البعيد فيها ملموس ويراد به التعبير عن (لا معقولية ) العصر بأدب لامعقول أيضاً. ومن أشهر مسرحيات هذا النوع مسرحية ( الكراسي ) ليونسكو ، ومسرحية (في انتظار غودو) لبيكيت.
سادسا - المسرحية الواقعة الجديدة : مع انتشار الاشتراكية وبروز معطياتها في الفكر والنضال ضد المستغلين نشأ المذهب الأخير في الأدب ، مذهب الواقعية الجديدة، ومس المسرح منه ، ونجم مسرحيون صبوا كل ما يحسون ويعتقدون في قوالب هذا المذهب الذي تمرد على القوالب كلها، واتخذ من العلم الاشتراكي ومن أن الإنسان قادر على تغيير ظروفه سبيله الكبير إلى الصواب والتحرير. من أساطين المسرحيين على هذا المذهب الشاعر الألماني المعروف (برتولد بريخت )
خامسا : مصادر المادة المسرحية
استقى كتاب المسرح مضامين مسرحياتهم من مصادر متنوعة هي
1-الحياة المعاصرة للكتاب والزاخرة بالكثير من القصص ذات الطابع المأساوي أو طابع الملهاة
2-القصص الشعبي وخاصة (ألف ليلة وليلة )
3- التاريخ العام الجاهلي أو الإسلامي أو الإنساني
4-الأساطير الشعبية المفعمة بالخيارات والغرابة
5-الترجمات العربية للكثير من القصص في الحضارات الأخرى
سادسا : لغة المسرح
اختلف الكتاب والنقاد والجمهور حول اللغة التي يجب أن تكتب فيها المسرحية بين العربية الفصحى والعامية المحلية واللغة الثالثة الوسط بين الفصحى والعامية وقد جنح بعض الكتاب إلى ضرورة ترك الكاتب يكتب مسرحية باللغة التي يراها مناسبة لنصه .
الباب السادس
الفصل الحادي عشر
المقالة
تعريفها وعناصرها
أ ـ تعريف المقالة: قطعة نثرية ذات طول متوسط يعالج فيها كاتبها من جهة نظره موضوعا من موضوعات العلم أو الأدب أو الاجتماع أو السياسة ..........
ب ـ عناصر المقالة (المادة ـ والأسلوب ـ والخطة).
1 ـ المادة:وهي جملة الحقائق والمعلومات التي يريد كاتب المقالة تقديمها إلى القارئ ، ومن شروط المادة الجيدة في المقالة صحتها وصدقها و ،وغزارتها وجدتها حيث تغني عقل القارئ فتقدم له الجديد النافع من الأفكار والمعارف والحقائق التي تقوم المقالة عليها ويشترط بمادة المقالة أن تكون بريئة من الغلط والتناقض مقنعة من حيث التأثير والطرافة والجدة والفائدة .
2ـ الأسلوب:وهو طريقة التعبير التي يختارها الكاتب ، وطريقة إيراد الأفكار وترتيبها وتنسيقها وعرضها ، حيث يأخذ بيد القارئ ويمشي به من فكرة إلى أخرى وفق تسلسل منطقي مقنع مريح.
وأساليب الكتاب يختلف بعضها عن بعض ، وطرائقهم التعبيرية تتنوع ، ولكن أسلوب المقالة لا بد أن يتصف بالسهولة والوضوح والبعد عن التكلف والغموض.
3ـ الخطة:وهي التي تبرز واضحة في المقالة الموضوعية (علمية أو اجتماعية أو فكرية ) فتعطيها شكل المقالة وقالبها ، وقد تتحرر المقالة الأدبية من الخطة فلا تلتزمها . وتقوم الخطة على المقدمة والعرض والخاتمة ؛ أما المقدمة فهي فاتحة المقالة ، بها يمهد الكاتب الطريق أمام موضوعه ، إذ يقدم طائفة من المسلمات أو البدهيات تتصل بالموضوع وتعين القارئ على التهيؤ له . ومن خصائص المقدمة الناجحة أن تكون موجزة مكثفة ، وأن تكون قصيرة فلا تطول كيلا تطغى على العرض الذي هو لب المقالة وغايتها . وأما العرض فهو جوهر المقالة ، وفيه يقدم الكاتب آراءه وأفكاره إلى جانب الأدلة والبراهين التي يحتاج إليها في إقناع القارئ ، وقد يشفع كل ذلك بالأمثلة والشواهد . ومن صفات العرض الناجح حسن التسلسل ، وبراعة الترتيب ، ولطف الانتقال وتأتي الخاتمة بعد العرض تلخيصا موجزا بارعا لما جاء في العرض وتأكيدا لما ورد في أثنائه من آراء وموقف . إذا لا جديد في الخاتمة ، لأن مهمتها التذكير بما سبق و تثبيته في ذهن القارئ.
ج ـ أنواع المقالة:
بعد أن ازدهرت المقالة وانتشرت ، وبعد أن احتلت مكان الصّدارة بين سائر أجناس الكتابة راح كتّابها يتناولون فيها موضوعات شتّى يصعب حصرها،,فما من جانب من جوانب الثقافة الإنسانية إلاّ تصدّت له المقالة ، وما من ميدان من ميادين المعرفة إلا خاضته وعالجت شأنا من شؤونه ، كذلك صارت مطيّة أعراض خلجات النفس وخواطر الوجدان وتأملات الفكر،,وهكذا تشعبت المقالة أنواعا عديدة تبعا لمضمونها ، فكان منها المقالة العلمية والأدبية و التاريخية و السياسية وغير ذلك . وسنقتصر القول على أهم أنواعها:
1 ـ المقالة السياسية
وتتحدث عن موضوعات سياسية كالبحث في نظام الحكم وسياسة الدول وهي تقترب من المقالة العلمية دقةً والاجتماعية اتساعاً وشواهداً وتقترب من الخطة الحماسية إن تحدثت عن جهاد الشعوب وانتشرت كثيراً في الصحف والإذاعات والتلفزيونات وأهم سماتها
ـ سرعة الأسلوب الذي يقفز على الفكر قفزاً
ـ قوة الأسلوب من خلال التكثيف
ـ جدة الأسلوب وجراءته
4 ـ قوة الأديب في حسن استخدامه للتعبير عن فكرته كلمة وجملة وصورة أدبية
2 ـ المقالة العلمية
تبحث المقالة العلمية في الموضوعات العلمية بهدف تسهيل العلوم لفهم الناس ولإطلاعهم على حقائق هذه العلوم.
وتمتاز بأن موضوعها علميّ يتصل بحقائق العلوم و قضاياه ، وبأنها ترمي إلى تبسيط هذه الحقائق و تقريبها إلى القارئ، , فقد تغني مقالة علمية واحدة عن قراءة كتاب ، وقد يجد فيها القارئ ما يسدّ حاجته إلى التزوّد بالمعارف والعلوم.
أما أسلوبها فيمتاز بدقة العبارة ووضوحها وإيجازها وسهولتها وبعدها عن التعقيد والتكلّف وخلوّها من الصنعة والزخرف.
وكاتب المقالة العلمية ينحّي ذاته فيما يكتب ، فلا انفعال ولا خيال.إذ غايته إيصال الحقائق ومخاطبه العقل،لا إثارة الوجدان وتحريك العواطف،فهي في الوقت نفسه مقالة موضوعيّة. وفي هذه المقالة تبرز الخطة أوضح ما تكون ،فإذا أنت أمام مقدمة وعرض وخاتمة لها حدودها البارزة للعيان.
وتتصف هذه المقالة:
أ ـ بدقة التعبير
ب ـ بمنطقية العرض
ج- بسرعة وصولها إلى ذهن القارئ
د- غايتها مخاطبة العقل
و- موضوعها كافة العلوم
3 ـ المقالة الأدبية
وهي أكثر أنواع المقالات الأدبية ذيوعا وشيوعا ، وتمتاز بأنها ذاتية وليست موضوعية يصدر فيها الكاتب عن نفسه ، ويعبر بها عن مكنون وجدانه ، فتتلون بتلون المشاعر والانفعالات.
أضف إلى ذلك أنّها تعتمد الخيال ، أما أسلوبها فجميل العبارة حسن السبك مختار اللفظ موشح بألوان الصنعة ، وتحتل هذه المقالة المنزلة الأولى لما يبثه فيها الكاتب من عواطف ومشاعر وكاتبها إما شاعر أو أديب مرهف الحس يتحدث عن كل ما يعانيه ويشعر به ومن سماتها:
1 ـ أنها مفعمة بأحاسيس ومشاعر الكاتب
2 ـ متخمة بخيالاته
3 ـ تتخلل سطورها شخصية الكاتب
4 ـ أسلوبها أدبي محض
5 ـ تجافبها عن منهج المقالة ذات العناصرالثلاث (المقدمة –العرض - الخاتمة)
وما يزال شأن هذا النوع من المقالة عالياً في عصرنا تسيطر على الصحف والمجلات والإذاعة والتلفاز والشبكة العنكبوتية تحمل إلى التاس الوعي والمعرفة والخيرعرّفت الناس على مكانة الإنسان في مجتمعه ومكانة الأمة بين الأمم الأخرى وسلحت الناس بالوعي ومنهج العمل وبينت للناس مسيرة الألم الإنساني وسبل كفاحه على مر العصور ووحدت الرأي العام لهم فارتقى المستوى الثقافي والمعرفي والأدبي والسياسي عند الناس وهيأت للناس قراءة الكتاب وتوزعت بين مقالة منظورة مشاهدة في التلفاز ومسموعة في الإذاعة ومقروءة في الصحف وقد جمعت الشبكة العنكبوتية الأنواع الثلاثة .
4 ـ المقالة الاجتماعية
وهي مقالة موضوعها اجتماعي حياتي يتصل بقضايا المجتمع وشؤون حياة الناس وقد تقترب من المقالة العلمية إذا راحت تعالج قضيّة من قضايا الجتمع على أنها علم من علوم الاجتماع كالجريمة أو الزواج أو التربية و التعليم ،, وقد تقترب من المقالة الأدبية إذا نظر كاتبها إلى الموضوع الاجتماعي نظرة ذاتية تمسّ الموضوع مسا هيّنا رقيقا دون تعميق واستقصاد فيرقّ فيها الأسلوب ، وتلين فيها العبارة . وتمتاز هذه المقالة بأنها ذات طابع نقدي إصلاحي، وبأنها تكثر من ضرب الأمثلة وإيراد الشواهد . أما أسلوبها فسهل واضح مبسّط قريب المتناول. وتختص بالموضوعات الاجتماعية وتقارب المقالة العلمية في بحثها بعلم اجتماعي وتباعدها في بحث أمور الناس ومعاشهم وتتصف هذه المقالة:
1 ـ سعة أفق موضوعاتها
2 ـ وفرة الشواهد والأمثال
3 ـ شيوع النقد فيها
4 ـ بروز المنهج الإصلاحي على غيره
5 ـ أسلوبها فطري سهل
الباب السادس
الفصل الثاني عشر
الخاطرة
أولا : تعريف الخاطرة :
وهي مقالة ضئيلة الحجم ذات موضوع حياتي ، يتناوله الكاتب بيسر وخفّة دون تعمق أو تحليل . وهكذا تصطبع الخاطرة بالصبغة الذاتية ، فتحمل ملامح من شخصية كاتبها ، وتتلون بألوان مزاجه وانفعالته. وقد تعتمد السخرية و التهكّم فتزاداد أسرا وجاذبية . أما أسلوبها فسهل سائغ ملون يمتاز بالرشاقة والطلاوة.
وقد شاعت الخاطرة تبعا لطابع السرعة في الحياة ، وانتشرت حتى تمكّنت من زوايا الصحف والمجلات، فصار القراء يترقبونها باهتمام بالغ.
ثانيا : أنواع الخاطرة
وقد سماه أصحابها بتسميات متعددة :
1 ـ العمود الصحفي : ويحتل الطرف الآخر من الصفحة ويتحدث عن
2 ـ دبابيس:
3ـ على موعد :
ثالثا : من كتابها:
من كتّابها رشاد رشدي ، وصدق إسماعيل ، وزكريا تامر ، ومحمدالماغوط، ونزار قباني ،وغادة السمّان..
الباب السادس
الفصل الثالث عشر
الروايات
آـ تعريف الروايات :
هي ذكر قرار أو فعل حدث أو أمكنا حدوثهما
ب ـ خواص من الروايات :
1 ـ الإيضاح : ويكون بتقديم فرش للحديث
2 ـ ترطئة للخبر يقرب مأخذ الرواية وبمراعاة الترتيب الطبيعي في إراد ظروف الخبر ما لم يكن للراوي غرض ليتجاوز هذا النظام بالعدول عن كثرة الايتطرادات في أنشاء الحديث لأن ذلك يصرف العقل عن سياق الرواية ويذهب برونقها.
3 ـ الإيجاز : وهو حذف حشو فضول الكلام مع انتقاء أخص الظروف وأنسبها للغاية.
4 ـ الأطناب : وهو زيادة الفظ على المعنى إذا دعا إليه فقد من الحال.
5 ـ الإمكان : وهو ترشيح الرواية للقبول في ذهن السامع.
6 ـ التلطف : وهو أن يبلغ الكاتب كنه القلوب ويأخذ بمجامع اللب.
7 ـ التنقل : من حال إلى حال لأن النفس جبلت على محبت التحول وطبعت على 8 ـ إيثار التنقل .
ج ـ أجزاء الرواية :
للرواية ثلاثة أجزاء :
1 ـ الصدر : توطئة للواقع بحيث يقن السامع على أسماء الأشخاص وطباعهم وعلى مكان الواقع وسوابق العمل.
2 ـ العقدة : الجزء الذي تدور على محوره الرواية حيث تتقابل فيه على الأشخاص وتشتبك الأحوال وتضطرم في النفس لداع الشوق للوقوف على عاقبة الأمر ثم يتم 3 الأنتقال من الرجاء إلى الخوف ومن الفرح للحزن.
3 ـ الختام : حيث تفك الإرية فتنال النفوس مرامها ويكون فجائيآ مرتبطآ بما قبله ترضى النفوس وترتاح القلوب.
الباب السادس
الفصل الرابع عشر
الموعظة التقوية
أولا : تعريف الموعظة:
لم يوفر الإنسان أي نوع أو جنس من الكلام إلا ولجه في سبيل توصيل الإصلاحات الاجتماعية والدينية إلى أخيه الإنسان في كل عصر يحدث فيه تكون اجتماعي وإنساني وقد أوصل الإنسان مواعظة ونصائحه من خلال مختلف الأجناس الأدبية وقد تحولت الموعظة الاجتماعية إلى جنس أدبي متميز اجتماعيآ في الجاهلية ودينيآ بعد ظهور الدعوة الإسلامية وحتى يومنا هذا وقد كثر الاتجاه إلى الموعظة دينيآ بعد أن أدرك الناس أن أسلحة الكون وتصحيح سبل الانحراف والقضاء على الشر هو تهذيب النفوس والمواعظ التي تقفل مقلها في تغير طريق الإنسان كما وأن رأس أولويات الإسلام الدعوة إلى الهدى بالحكمة والموعظة الحسنة التي بدأها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ومازالت مستمرة حتى يومناهذاوالموعظة هي مجموعة من الإرشادات والنصائح التي تقدمها المواعظ على شكل نظري أو بداخلها في سيات موقف من المواقف تعرض لها الرسول صلى اللع عليه وسلم أو أصحابته الكرام أو من تبعهم وقد يكون تلاوة اّية قراّنية أو حديثآ نبويآ والتعليق عليها وأخذ العبرة أو الفظة والحكمة عنها وباب المواعظ عريض في أدبنا الحديث وإن لم يلتفت إليه من أرخوا للأداب العربي القديم والحديث وقد كان القراّن الكريم قد استخدم الطبيعة كموعظة للإنسان تجعله ينكر في ما حوله من مظاهر الطبيعة (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار....الخ) الموعظة بالحكمة (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك)
الباب السادس
الفصل الخامس عشر
السيناريوـ الحوار
الباب السادس
الفصل السادس عشر
التوقعيات
أولا : تعريف التوقيعات
هي قطعة نثرية تكون على شكل رسالة قصيرة أو كلمة وحيزة ترسل لشخص أو لجماعة من أصحاب المكانة السياسية أوالأدبية يوجز فيها مرسلها ما يريد توصيله من فكرة أو حكمة أو قضية بحيث يستوعب المرسل إليه ما يريد المرسل.
ثانيا : شروط التوقيعات:
ومن شروطها :
1 ـ الإيجاز.
2 ـ البلوغ(بلاغة ما يرسل).
3 ـ الحكمة الستخلصة من ذلك.
الباب السابع
المذاهب الأدبية
الباب السابع
الفصل الأول: مفهوم المذاهب الأدبية
الباب السابع
الفصل الثاني :مذاهب العرب في صناعة الأدب
الباب السابع
الفصل الثالث :المذاهب الأدبية المستوردة
الباب السابع
الفصل الأول
مفهوم المذاهب الأدبية
المذاهب و المدارس والتيارات والاتجاهات الأدبية
أ- تعريف المذهب الأدبي : المذهب جملة من الاتجاهات التعبيرية المبنية على أسس ومبادئ أخلاقية وفلسفية وجمالية متلاحقة ، ولّدتها حوادث التاريخ ووجهتها حالات نفسية وشعورية ، وهذا المذهب هو جهود جيلٍ من الأدباء والمبدعين والنقاد.
ب ـ المدارس الأدبية:
المدارس الأدبية رؤى جمالية وفكرية وشعورية جاءت استجابة لحاجات اجتماعية إنسانية ضمن واقع تاريخي اجتماعي محدد فهي جزء من بناء ثقافي عام يعبر عن مرحلة اجتماعية من مراحل تطور المجتمع مستجيبة في مضمون نتاجها الأدبي للمثل العليا الفكرية والروحية والشعورية في مرحلتها الاجتماعية مستعينة بطرائق التعبير والأداء والخبرة الجمالية والذوقية لتلك المرحلة وتعكس هذه المدارس علاقة الإنسان بعالمه و يواكب كل مدرسة أدبية فكر أدبي (نظرية أدبية) تفسر نظرياً النشاط الأدبي المتميز من نشاطات الإنسان الأخرى وهكذا فقد عبرت المدارس الأدبية عن تطلعات الإنسان وقد كانت المدرسة الكلاسيكية هي المعبرة عن المجتمعات العبودية والإقطاعية وكانت الرومانسية المعبرة عن المجتمعات الرأسمالية والبرجوازية وعكست توهج الذات الإنسانية وفرحها الواعي بالحياة و حضورها الفذ في العالم وفي أزمة المجتمع الطبقي .
لكن الرومانسية فقدت طاقتها الغنائية وانتهت إلى اتجاهات رمزية وطبيعية وسريانية ووجودية ولا عقلية وعبثية وتحول الأديب من معبر عن عالم خارجي أو عالم داخلي إلى خلق جديد لا صلة له بالعالمين الخارجي والداخلي
وهذه المدارس التي تصوغ الحاجات الجمالية والمثل الفني الأعلى لوضع تاريخي محدد ولنظام اجتماعي ومرحلة كاملة من مراحل تطوره أما جميع النظرات الأخرى فهي تيارات واتجاهات لأن الكلاسيكية تستند إلى نظرية االمحاكاة و الرومانسية إلى نظرية التعبير واالواقعية إلى نظرية الإنعكاس التاريخ الأدبي.
ج ـ التيارات الأدبية : هي تأيرات أدبية باتجاه شاعر أو قاص أو أديبوأخذ يعض رؤاه ومزجها بمذهب الأديب
الباب السابع
الفصل الثاني
مذاهب العرب في صناعة الأدب
لا شك أن الأدب بشكل عام والشعر بشكل خاص فيض إنساني تشترك فيه عدة فعاليات تنطلق من العقل والنفس وردود الأفعال تجاه الكثير من القضايا الحياتية و قد سلك الأدباء العرب مسالك عدة في التعبير عما يفيض بهذه النفس من أهمها :
1ـ المذهب الفطري : الذي سيطر على كثير من الأدباء والشعراء وما يزال هذا المذهب يحرك بواعث الشعر عند الكثير من الشعراء ويتميز هذا المذهب بالتعبير بشكل الفطري عن قضايا الكون والحياة والإنسان دون التقيد بقوانين الصنعة أو التصنع أو التصنيع وما هذه الجمالية التي تسيطر على الشعر الجاهلي إلا لفطرته
صحيح أن الشعر صناعة لا تصنّع وأن هذه الصناعة قائمة على أسس وركائز وقوانين وأدوات ولكن ذلك لا يعني تكبيل هذه الصناعة بقيود مكبلة له بمحسنات بديعية ترصع جسم النص الأدبي أما ما يأتي من محسنات تمثل فطرية الشاعر والكاتب فلا بأس بها ولقد كان معظم شعراء المعلقات قد صدرت قصائدهم عن فطرية خالية من التزيين المصطنع .
2 ـ مذهب الصنعة : أخذت القضايا الجديدة التي طرأت على الحياة على مر العصور تؤثر فيه تأثيرات عميقة ذلك أن معالم الحياة قد أخذت تخرج الشعر والأدب عن فطريته حيث لم يدع الأدباء يتركون العنان لقصائدهم كي تمضي على سجية الشاعر وفطريته بل أخذوا بعد ذلك يتدخلون في تذويق النص وتحسينه كي يخرج بأحسن حلة وقد قادهم ذلك إلى إدخال الأدب إلى مصنع الصياغة صحيح أن مدرسة عبيد الشعر التي عاشت في العصر الجاهلي والإسلامي والأموي كانت تهتم بتحسين الشعر وجعله يدخل في باب الصناعة إلى أنه بقيت فطرية الشعر الصادرة عن نفس منبسطة هي الغالية .
وقد أخذ الأدباء في العصور التالية وبعد تحضر المجتمع وأدبائه على الرغم من كون قسم منهم من الفرس أخذوا يكتبون الشعر مصورا بين ما يجول في نفوسهم من قضايا وأحاسيس من خلال نماذج وضعت قصائد الشعر القديم نصب أعينهم مضيفين إليها معاني وصور جديدة شكلت هذا اللون من الشعر الحديث المعاصر وقد بقي المديح في الشعر أقرب إلى القديم نموذجاً من الغزل وقد كان الشعراء يجددون و يستفيدون من القديم و يضيقون له ولا يكتب أصحاب الصنعة الشعر إلا إذا حفظوا اّلاف الأبيات الشعرية ونظروا في قصائد الجاهليين والإسلاميين ومحاكاة شعرهم وقد وضحت لنا كتب الأدب مدى أخذ العباسين من الشعر السابق لهم والاستفادة منه واستغلاله .
ولقد بقي هؤلاء الشعراء يحافظون على التقاليد الفنية الوروثة ويلونون معاينهم تلويناً واسعاً بفضل ثقافتهم الجديدة .وأدخل شعراء آخرون الصنعة في الرثاء وبعض الحكمة و العظة وأحاسيسهم النفسية كمرثية أبي العتاهية لصديق له
وقد كنت أغدو إلى نصره فقد صرت أغدو إلى قبره
فتى لم يمل الندى ســـاعة على عسره كان أو يسـره
فصار عليٌ إلى ربــــه وكان عليٌ فتى قبـــره
أما الجماء فقد تحول من نقائض طويلة إلى ضرب قصير يشبه الأمثال الفارسية يقول حما د عجرد في بشارمن برد
نهاره أخبث من ليلـه و يومه أخبث من أمســـه
و ليس بالمتلع عن غيه حتى يوارى في ثرى رمسه
وتطور فن الفخر من ذاتي وقبلي إلى فخر شعوبي مع بقاء الفخر القبلي أسوأ ما قاله الشعراء ومخالفته للفطرة والدين ونعف عن ذكر شواهد الشعر من ذلك وكذلك تحول بعض الغزل من إعجاب بمفاتن المرأة المعنوية والجسدية إلى دعوة للتهتك والخلاعة وانتهاز الفرص لاقتناص الشاعر كما عند بشار الشاغر الخليع الفاجر والذي نعف أيضاً عن ذكر شواهد من شعره وكما وتحولوا عن عذرية الشعر إلى التجديد وقد حصل التجديد من حيث المضمون وكذلك الشكل باستخدامهم أوزان جديدة و استعمالهم الأوزان المجزوءة والمخمس والمزدوج وتحول أسلوب الشعراء من الأسلوب القديم إلى أسلوب المولدين هذا الأسلوب الشفاف الذي يعتني بالثروة اللغوية تبعاً للعناية بالثروة الفكرية واستثارة الوجدان لعرض المعاني النادرة والأحاسيس الدقيقة وهو أسلوب غير ركيك ولامتبذل سهل ممتنع نقي وقد تعب الشعراء كثيراً في صناعة هذا النوع من الشعر (معناً وصياغة وأخيلة وصوراً) مع تمسكهم بالصياغة العربية الفنية وابتكار أساليب تزخر بالحيوية والفكر العميق والحس الدقيق مع نظام موسيقي رشيق وقد قال بشار بن برد:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
فصاغه سلم الخاسر
من راقب الناس مات عماً وفاز باللذة الجسور
وهكذا ارتقى الشعر بفضل هذه الصنعة التي لم تكن موغلة في تمحن المعاني والصور والأخيلة.
3-مذهب التصنيع: علا مذهب الذوق والزخرف والزينة على مظاهر الحياة العباسية في البناء واللباس والفنون والآداب فكانت العمارات والفرش متصنعة ولم يكن الشعراء بعيدين عن هذا الجو من التصنيع والزخرف بحكم منادمتهم للخلفاء والأمراء والوزراء وقد توفرت الأموال للشعراء جراء الكسب من مديح الخلفاء فعاشوا حياة التصنيع ونقلوا هذا التصنيع إلى قنعهم الشعري القصصي وكان القابي ومنصور النمري ومسلم بن الوليد من أوائل من أدخل التصنيع في الشعر بفعل تأثير الفرس الذين يعبرون باللون وإن كان البديع هو فن عربي قديم قدم الشعر ولكن لم يكن يستعمل إلا عرضاً لا يتجاوز بيتين من قصيدة طويلة
4-مذهب التصنع : برزت ظاهرة التصنع في الشعر بعد فترة مل الشعراء فيها من التصنيع فقد انطبعت الحياة الجديدة بطابع التصنع كثيراً أثر على الحياة الفنية والأدبية والشعرية حيث كثرت الألقاب مع وجود الخواء في الداخل ، فالدولة تضعف وتكثر الألقاب والأدب يتحول إلى خواء من حيث المضمون وتطلق عليه وعلى أصحابه ألقاب لا طائل تحتها وقد سيطر على العقل طريقة في تناول الآراء والأفكار تعنى بالتصنع حيث قام الكثير من الأدباء بتعقيد تعبيراتهم كأن تقرأ كتاباً( رسالة) من أوله إلى آخره كما يقرأ من آخره إلى أوله أو خطاب ليس فيه همزة أو لام أوراء وعد ذلك من القدرة البلاغية بمكان عال حتى استحال الأدب عموماً والشعر خصوصاً تأريخا وأحادي وألفاً ولم تسلم موسيقى الشعر من ذلك التكلف والتعقيد كلزوميات المعري وفصوله وغاياته وتقييد قوافيه وأسجاعه بحرفين أو ثلاثة وهذه القيود لا تزيد الشعر طرافة فبديع أبي تمام وبديع ابن المعتز وصبغة للتشبيه لم يرتقيا بالشعر وجاء تفنن الشعراء بالطباق غير منسجم وكذلك عزف الشعراء عن التشخيص والتجسيم وأكثروا من التشبيهات والاستعارات كما في بيت الوأواء الدمشقي
فأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت ورداً وعضت على العناب بالبرد
أو قول المتنبي
بدت قمراً ومالت خوط بات وفاحت عنبراً ورنت غزال
وقد استعان صفي الدين الجلي بسبعين كتاباً في بديعيته حتى كتبها ، وبذلك قد استبان لنا أن ألوان التضيع العقلي لا تستساغ ولا تتحول إلى فن كما أن الاعتماد على الفلسفة والتصنع لحكم الحكماء لم يزد الشعر إلا تقرباً عن أدواته وأهدافه وغاياته كما عند المتنبي في حكمته والمعري في فلسفته ثم مالبث الشعر أن هجر الفلسفه وأصبح ألفاظاً مقحقحمةً يفتقر إلى الفكر والثقافة دون موازنه بين جمال التعبير و التصوير وحسن التفكير وكزالك لم يستخدم الأدباء والشعراء الثقافة العلمية بينما أكثروا من مصطلحات العلوم وافتتنوا في..... و التي لم تزد الشعر جمالاً ولا تفكيراً ونتيجة وجود حواجز بين العلم و التفكير الفني تحول شعر الشعراء إلى شعوذات خيالية تعبر عن هلوسات مختلفة
كقول المتنبي
كفى بجسمي نحولاً إنني رجل لولا مخاطبتي إياك لم ترني
وبذالك صار الشعر مبالغات لا ترقى به إلى وجدان بل تحوله إلى السقوط في التصورات
5-مذهب عمود الشعر : وهذا المزهب انطوى على منهج مميز بركائر هامة هي المقدمة الطللية وتعني وصف مشاهد التحمل والارتحال ووصف المحاسن ووصف الرحلة والراحلة والطريق و الغرض الذي كتبت من أجله القصيدة وتتألف هذه النظرية من شرف المعنى وصحته ومعياره عرض المعنى على العقل الصحيح والفهم الثاقب ، فإذا قبله كان المعنى شريفاً:
أماويّ إن المال غادٍ ورائـــح ولا يبقى من المال إلا الأحاديث والذكر وجزالة اللفظ واستقامته:ومعياره الطبع والرواية والاستعمال ،كقول امرىء القيس:
وقدأغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكـــل
والإصابة في الوصف: ومعياره الذكاء وحسن التمييز، كقول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطباً ويابساً لدى وكرها العناب وبحشف البالي
والمقاربة في التشبيه : ومعياره الفطنة وحسن التقدير من خلال اشتراك المشبه والمشبه به في الصفة ( وجه الاستشهاد ) كقول الأعشى :
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل
و غزارة البديهة : ومعياره سرعة استجابة الشاعر لموقف من المواقف
و كثـرة الأمثال السائرة والأبيات الشاردة : ومعياره الأمثال السائـرة واستعمال الناس لهذه الأبيات المتضمنة لها ، أما معيار الأبيات الشاردة هواستشهاد أهل النقد والشعر بهذه الأبيات ، من قول حسان بن ثابت :
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم جسم البغال وأحلام العصــافير
وقول طرفة بن العبد :
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى لكالطول المرخى وثنياه باليد
وقد زاد المرزوقي على عناصر الشعرالتحام أجزاء النظم وائتلافها على تخير من لذيذ الوزن : ومعياره الطبع واللسان بحيث لايتعثرالطبع بأبنيته ، قال طرفه :
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه خشاش ٌكرأس الحيــة المتـوقــد
و مناسبة المستعار منه للمستعار له : وهــو ما سميناه المقاربة فــي التشبيه ومعياره الذهـن والفطنة ، ومثاله قول امرىء القيس:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي
ومشاركة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية : ومعياره كثرة مراس الشاعروطول الدربة، والمدارسة لديه بحيث يجعل الألفاظ مقسمة على رتب المعاني ، ويجعل الأحسن مـن الألفاظ للأحسن من المعاني بحيث تكون القافية كالموعود المنتظر الذي يتشوق الإنسان للقائه .ومثاله قول الشاعر:
وعدت وكأن الخلف منك سجيةً مواعد عرقوب أخاه بيثرب
6- مذهب البديع : وقد عمقه ابن المعتز و أبو تمام
الباب السابع
الفصل الثالث
أنواع المذاهب الأدبية الحديثة
1 ـ المذهب الاتباعي
2 ـ المذهب الإبداعي
3 ـ المذهب الرمزي
4 ـ المذهب الواقعي
5 ـ الواقعية الجديدة
1 ـ المذهب الاتباعي :
نشأت الاتباعية كتيار أدبي عربي في مرحلة استيقاظ الشعور القومي وأفول الاستعمار ومن خلال الثورة على اللغة التركية التي أصبحت لغة رسمية بديلة عن العربية وقد حاكت الاتباعية العربية نظيرتها الغربية القدماء واعتمدت على الثقة بالعقل البشري والتزمت القواعد ومبادئ منتظمة، وقد كان البارودي زعيم هذه المدرسة اعتمد في معظم شعره على محاكاة القدماء من ذلك قوله :
فيا قوم هبّوا إنّما العمر فرصةٌ وفي الدهر طرقٌ جمّةٌ ومنافعُ
أصبراً على مسِّ الهوان وأنتم عديد الحصى: إني إلى الله راجعُ
وقد اعتمد الاتباعيون كحافظ إبراهيم وأحمد شوقي واسماعيل صبري ومحمد عبد المطلب وخليل مطران في بناء قصائدهم على الجزالة في الألفاظ والمتانة في التركيب والإشراق في الديباجة والعودة إلى المعاني القديمة والأساليب السابقة.
ومن سمات الاتباعية العامة :
أ ـ محاكاة الطبيعة الإنسانية ( الاهتمام بالإنسان العام لا الفرد)
ب ـ محاكاة القدماء باقتباس موضوعاتهم وأسالسيهم
ج ـ الثقة بالعقل البشري بحسث يكون العقل الطريق الهادي للجمال
د ـ الانضباط بالقواعدوالالتزام بالضوابط التي أشهرها:
1 ـ جودة الصياغة اللغوية
2 ـ نصاعة التعبير
3 ـ عدم التكلف والزخرفة اللفظية
4 ـ الاقتصاد باستخدام الألفاظ ( البلاغة في الإيجاز )
5 ـ الوضوح في الأفكار
6 ـ الوضوح في المعاني
7 ـ الذوق واللياقة (الاتباعية أدب موجه للإنسان المهذب )
8 ـ مشاكلة الواقع
9 ـ إقصاء عواطف الأديب الخاصة ليتحدث أشخاصه
10 ـ فصل الأنواع الأدبية ك أتبل الأنواع ( الملحمة ثم ّ المأساة ثم ّالملهاة ثم ّالقصيدة الغنائية)
11ـ في المسرح ( اتباع فواعد المسح الثلاث ) : ( وحدة الزمان والمكان والموضوع )
2 ـ المذهب الإبداعي:
وهو مذهب جاء كرد فعل على الاتباعية في الإحساس والتفكير والتعبير وقد رفع الإبداعيون شعار تمجيد الفرد والألم والطبيعة واعتبروا أن الأدب هو خلق جديد للحياة وإبداع لها ، وأن أداة الأدب القلب والإحساس والخيال، وقد انتقل هذا
الأدب إلينا عن طريق الترجمات والبعثات الفكرية، وأسهم عبد الرحمن شكري المازني والعقاد في إبراز الثقافة الألمانية والفرنسية والانكليزية ، وقد أدرك أصحاب مدرسة (أبولو) جوهر الإبداعية وعلى رأسهم أحمد زكي وأبو شادي .
وأسهم أيضاً في إظهار هذه الإبداعية أصحاب الرابطة القلمية جبران خليل جبران ، وقد مجدّت الرابطة القلمية ظاهرة العودة إلى الطبيعة وامتلأت بالكآبة والألم والنفور من حياة المدينة والثورة على العادات والتقاليد وقد ست شرعية الحب.
وثارت على الشكل واهتمت بالمضمون ، وحطمت القوالب اللغوية الصلبة ، وبرز من شعراء المرحلة الشابي وإلياس أبو شبكة وأنور العطار ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري.
وأهم خصائص المذهب الإبداعس :
1ـ الفردية
2 ـ الغنائية في الشعر
3 ـ تمجيد الألم
4 ـ تمجيد الطبيعة
5 ـ للأدي رسالة تتمثل في بناء مجتمع جديد
6 ـ الابداع الفني الأدبي خلق للحياة وابداع لها
يقول إيليا أبو ماضي موضحاً سمات هذا المذهب:
السحب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفين
والشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبين
والبحر ساجٍ صامتٌ فيه خشوع الزاهدين
لكنّما عيناك باهتتان في الأفق البعيد
سلمى بماذا تفكرين ؟
سلمى بماذا تحلمين؟
3 ـ المذهب الرمزي:
الرمزية مذهب أدبي نشأ كرد فعل على الإبداعية وتدين هذه الرمزية بنشأتها لعوامل فلسفية وأصحابها مثاليون لأنهم لا يثفون بالعلمولا بقدرته غلىكشف العجيب والمجهول وقد نشأ هذا المذهب معتمداً على فلسفة مثالية تعتقد أن العلم لا يرى إلاّ الظواهر الخارجية والمحسوسة من الأشياء بينما الفلسفة تدرك حقيقتها ، وإن حقيقة الإنسان تكمن في منطقة اللاشعور التي ترى أنها المحرك الأساسي للسلوك والأفعال ، ومن هنا كان همُّ الأدباء والغوص في أعماق الطبيعة البشرية والاندفاع وراء الجمال الغيبي ، وقد اعتبر أصحاب هذا المذهب أن الشعر إيحاء وليس تعبيراً ، وأن الإبهام هو مفتاح الأعماق والأحلام ، وأن هذه اللغة لابّد أن تمنح حيوية جديدة باعطاء كلماتها معان جديدة كالانطلاق من الدمع الطاهر إلى الدمع الأسود وقد استعمل أدباؤنا هذا الرمز على نطاق واسع
مبادىء الرمزية :
1 ـ الشعر إيحاء بالواقع وليس تعبيرا عنه
2 ـ الشعر إلهام
3 ـ الشعر الموحي شعر مبهم
4 ـ الشعر هو المفتاح الذهبي لمغاليق الحلم
5 ـ الشعر موسيقا
6 ـ لبشعر تجديد للغة ( مفردات نحمل معاني جديدة )
7 ـ الشعر رمز يعطي ظلال وألوان قيّمة ورمزية وتعبيرية كبيرة
ومن هؤلاء خليل حاوي- أدونيس- صلاح عبد الصبور- محمود درويش- بدر شاكر السياب- أحمد عبد المعطي حجازي.
يقول خليل حاوي في قصيدة الناي والريح وهما رمز الاستقرار والعنف:
بيني وبين الباب أقلامٌ ومحبرةٌ
صدى متأفف
(كوم) من الورق العتيق
هم العبور
وخطوة أو خطوتان
إلى يقين الباب
ثم إلى الطريق
4 ـ المذهب الواقعي:
الأدب الواقعي أدب جماعي لا شخصي يشير لمشاكل الحياة بدقة وموضوعية تقترن بالحتمية والجبرية تنفي حرية الإرادة والاختيارويندرج في الرواية الواقعية التيار الاجتماعيوالتيار الريفيولم تتأثر المسرحية بالواقعية وقد نشأت هذه المدرسة على أعقاب انتشار الآلة واستبداد أصحاب الصانع بالعمال ورأت أن مهمة هذا الأدب هي خلق الواقع بصورة ممكنة التحقق بحيث يكون الأديب مؤثراً في عصره ، لا مراقبا ثورياً في تفكيره وقد اهتمت هذه المدرسة بالجماهير الفاعلة . وبنت رؤيتها على الاشتراكية
وقد تحكمت عوامل أربعة في نشأتها
أ ـ الثورة على الإبداعية
2 ـ التقدم العلمي
3 ـ إخفاق ثورات الديمقراطية
4ـ انتشارالأفكار الشتراكية
ويعد مكسيم غوركي مؤسس هذه المدرسة وقد تأثر بها أدباؤنا كالبياتي والسياب وسميع القاسم ومحمود درويش وسليمان العيسى . يقول وصفي القرنفلي في وصف ثورة الجماهير:
فقراؤنا قد حطموا حكم القناعة واستفاقوا
الجوع ليس من السماء فمن إذاً؟
وهنا أفاقوا......ومضوا فمن متسوّلين
على الرصيف ، لثائرين
الجوع.....صنع الناهبين الشعب، صنع الأثرياء.......
5 ـ الواقعية الجديدة:
نشأت الواقعية في الأدب منذ القديم وهي قديمة قدم الإنسان ، ولكنها كمذهب أدبي برزت مع الثورات الاشتراكية والديمقراطية والحركات القومية وانتصاراتها في العالم وهي تختلف عن الواقعية القديمة
* محتوى الواقعية الجديدة : لا تفرض الواقعية الجديدة على الأديب موضوعات محددة تنقل بأمانةمن خلال تصوير الواقع وجوانبه البناءة من خلال إبراز دور الشعب في صنع التاريخ وتمجيد العمل وخلق قبم مادية وثقافية جديدةمع عدم نفي الموضوعات العاطفية بل تربطها بجذورها الاجتماعية ( النضال ـ العمل )
* شكل الواقعيةالجديدة : العمل الأدبي في الواقعية الجديدة وحدة عضوية لا ينفصل فيها الشكل عن المضمون وقيمة العمل الأدبي فيها بدلالته الاجتماعيةوما يحدثه من أثر في وعي الجماهير لأن الأدب الهادف ما جمع بين عمق المحتوى وجمال الصياغة
أ ـ أوجه الاتفاق بين الواقعية القديمة والجديدة
1 ـ كلاهما يصور واقع الناس كما هو
2 ـ تصوير يؤس العالم أجمع
ب ـ أوجه الاختلاف بين الواقعية القديمة والجديدة
أ ـ الواقعية القديمة ب ـ الواقعية القديمة
1ـ تؤمن بالجبرية 1 ـ تؤمن بحرية الإرادة
2 ـ الواقع معطى ثابت نهائي 2 ـ الواقع قابل للتغيير
3 ـ ترى الواقع في ماضيه 3 ـ ترى الواقع في مستقبله
4 ـ تصور البؤس كما هو 4 ـ ترى البؤس وتدعو للثورة عليه
5 ـ هي رؤية غير محددة للعالم 5 ـ رؤسة محددة للعالم
6 ـ تفرض شكلا مقيدا للأدب 6 ـ تسندعي أشكالا مفتوحة للأدب
الباب الثامن
النقد الأدبي
الباب الثامن
الفصل الأول : ماهية النقد
الباب الثامن
الفصل الثاني : حدود النقد الأدبي
1 ـ النقد والأدب
2 ـ النقد والتاريخ
3 ـ النقد والفكر
4ـ النقد وعلم النفس
5ـ النقد وعلم الجمال
الباب الثامن
الفصل الثالث :وظائف النقد وأهدافه
1 ـ الوظيفة الأولى:الشرح والتفسير والتعليل
2 ـ الوظيفة الثانية:التعليل
3 ـ الوظيفة الثالثة:التقييم
4 ـ الوظيفة الرابعة:توجيه الأدب والأدباء
5ـ الوظيفة الخامسة: سمات الأدباء
6 ـ الوظيفة السادسة:مكانة العمل الأدبي
7ـ الوظيفة السابعة:تأثير العمل الأدبي
8 ـ الوظيفة الثامنة:المقارنة
الباب الثامن
الفصل الأول
ماهية النقد
1 ـ تعريف النقد الأدبي :
النقد الأدبي : فن دراسة الأعمال الأدبية دراسة تقوم على التحليل والشرح والتفسيروالتقويم والتقييم ، لتذوق هذه النصوص تذوقا سليما ، والحكم لها أو عليها بموضوعية وإنصاف.
2 ـ ما هو النقد ؟
استعملت اللغة العربية لفظ (النقد) لمعان ٍ مختلفة :
الأول : تمييز الجيد من الردىء ، قالوا : نقدت الدراهم وانتقدتها : أخرجت
منها الزيف وميزت جيدها من رديئها، ومنه : التـنقاد والانتقاد ، وهو تمييز
الدراهم وإخراج الزائف منها .
والثاني : العيب والانتقاص . قالت العرب : نقدته الحية إذا لدغته ، ونقدت
رأسه بأصبعي إذا ضربته , ونقدت الجوزة أنقدها إذا ضربتها . وفي حديث أبي
الدرداء : إن نقدت الناس نقدوك ، ومعناه إن عبتهم وجرحتهم قابلوك بمثل
صنيعك .
واستعمل الأدباء العرب كلمة النقد بالاستعمالين السابقين لنقد الكلام( شعره ونثره)
على السواء ، وبدأ ظهور ذلك كفن مستقل في القرن الثالث الهجري على وجه التقريب ، ويقول البحتري عن أبي العباس ثعلب : ما رأيته ناقدا للشعر، ولا مميزا
للألفاظ ، ورد عليه آخر فقال : أما نقده وتمييزه ، فهذه صناعة أخرى ، ولكنه
أعرف الناس بإعرابه وغريبه . وقدألّف قـُدامة كتابيه " نقد الشعر " , و "نقد النثر " . وألّف ابن رشيق " العمدة في صناعة الشعر ونقده " ؛ وسارالنقاد العرب في نقدهم على كل من الاستعمالين السابقين :استعملوه في القديم والحديث على معنى التحليل والشرح والتمييز والحكم ، فالنقد عندهم دراسة الأشياء وتفسيرها وتحليلها وموازنتها بغيرها من المشابهة لها ، أوالمقابلة ، ثم الحكم عليها ببيان قيمتها ودرجتها ، وأكثرالذين كتبوا في النقد العربي مشوا على هذا المعنى ، واستعملوه كذلك بمعنى العيب والمؤاخذة والتَّخطئة ، فألـّف المرزباني الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء " ، ويريد بالعلماء النقاد .ولايزال النقد مستعملا بهذا المعنى حتى اليوم عند بعض النقاد المعاصرين ، ويقابله التقريظ ، فهو المدح والإعجاب ، من قرظ الجلد إذا دبغه ، وذلك إنما يكون للتحسين والتزيين .
- ويعرّف المحدثون النقد – بناء على المعنى الأول في الاستعمال اللغوي –
فيقولون : إنه التقدير الصحيح لأي أثر فني ، وبيان قيمته في ذاته ودرجته
بالنسبة إلى سواه . فكلمة النقد تعني في مفهومها الدقيق " الحـُكم " ، وهومفهوم نلحظه في كل استعمالات الكلمة حتى في أشدها عموما . والنقد الأدبي في أدق معانيه هو: فن دراسة الأساليب وتمييزها ، على أن نفهم لفظة الأسلوب بمعناه الواسع ، وهو منحى الكاتب العالم وطريقته في التأليف والتعبيروالتفكير والإحساس على السواء .
ويختلف متذوقون الأدب في نظرتهم للأعمال الأدبية وحكمهم عليها باختلاف الأسس لتي يعتمدون عليها في نقدهم ,والقواعد التي يتبعونها في إصدار الأحكام
فهو علم وصفي ، يتضمن أصولاً وقواعد نقدية تطبق على النص الأدبي عند تقويمه بعد تحليله وتفسيره ، ثم يكون الحكم له بالجودة ، أو الحكم عليه بالرداءة .
والنقد الأدبي يفيد الأديب قبل الشروع في عمله - أي قبل بدء الكتابة - إذ كلما كانت ثقافة الأديب النقدية واسعة واعية تجنب الوقوع في الأخطاء ، وكذلك يفيده بعد الانتهاء من كتابة النص ، وذلك عند مراجعته ، وتمحيصه .
ولهذا فالنقد الأدبي يجمع بين روح العلم وروح الفن ، فهو مع وجود أسس نقدية دقيقة لكل عنصر من عنصر العمل الأدبي إلا أنه يمتاز بالمرونة ، كما يخضع إلى حد كبير للذوق الخاص للقارئ أو الناقد ومن هنا قالوا النقد علم يجمع بين الذاتية والموضوعية ، ويسهم النقد في رقي الحياة الأدبية ، وتوجيه دفة الحياة الأدبية وتنمية الذوق الأدبي العام ، مما يؤدي إلي ارتفاع مكانة الأدب الجيد . فهو حارس أمين على الحياة الأدبية ، يتولي رعاية قيم الأمة وثوابتها ومبادئها . فيقف ضد الأدب الذي فيه تجاوز لهذه القيم ، سواء الدينية أو الأخلاقية ، أو الوطنية للأمة . وهو المعيار الذي تختار به شروط النصوص الأدبية المطلوبة .
وتقويم الأعمال الأدبية والنقد الأدبي تحول فكري لأنه تحول عن موضوع النتاج أو الأثر الأدبي نفسه , إلى كل ما يحيط بالموضوع , مع التركيز على تفاصيل مثل : ظروف الخلق الأدبي , السيرة الذاتية والحس الأدبي المتضمن في النتاج .
الباب الثامن
الفصل الثاني
حدود النقد الأدبي
يقول/رينيه ويليك /و/أوستن وارين /في كتابيهما نظرية الأدب (0000ضمن الإطارالناسب لدراستنا يغدو من أهم الأمور أن نميز بين نظرية الأدب و النقد والتاريخ ثم هناك تمييز أبعد بين دراسة المبادئ والمعايير الأدبية وإن كانت مستقلة فهي مرتبطة بفننون أخرى كالأدب و الفكر والتاريخ وعلم النفس والجمال وعلم الاجتماع والفنون الجميلة) ويمكن أن نشير إلى علائق للنقد من خلال :
1 ـ النقد والأدب :
لا شك أن جدلية العلاقة قائمة بين النقد والأدب لأن كليهما مؤثر في الآخر ومتأثر به فلولا الأدب لما كان النقد ولولا النقد لما تطور الأدب . لقد نشأ النقد وتطور في رحاب الأدب ولكنه استقل عنه وأصبح فعالية متميزة بفضل تطور العلوم والأدب ولذلك كان من الطبيعي كما يقول مندور في كتابة في الأدب والنقد (أن يكون خالق الأدب ناقداً ومن المعلوم أن شعراء العرب الجاهلية كان معظمهم نقاداً وقد ضربت للنابغة الذبياني خيمة يحكم فيها بين الشعراء في سوق عكاظ ، كما كان أول نقاد اليونان أرستيوفان شاعراً روائياً وقد خصص رواية بأكملها لنقد شعراء التراجيديا الثلاثة (أشيل ـ سوفوكل ـ يوربيد) وهي رواية الضفادع.
ويضيف الدكتور حسام الخطيب في كتابه تطور الأدب الأوربي (وكل إنتاج أدبي حتى لو كان ارتجالياً أو على السليقة لا بدّ أن يستند إلى جملة من البادئ النقدية ظاهرة كانت أم ضامرة ؟ وإن التطور الذي أصاب إنتاج الأدباء العظام قبل ظهور النقد الأدبي إنما يرجع إلى الملكة النقدية التي يفترض المرء وجودها عند الأدباء ولا سيما الأدباء المنقحين ومما لاشك فيه أن النقد العربي لم يعتمد في أسسه على خليفة فكرية أو خلفية فلسفية في القديم بل بقي نظرات تنطلق من الحديث عن الأسس الجمالية للعمل الأدبي ولم تخرج عن نظريتي عمود الشعر ومنهج القصيدة العربية ونستطيع الجزم بعض نقدنا متأثر بتقسيمات أرسطو الشكلية وليس كتابا نقد الشعر ونقد النشر لقامة بن جعفر إلا دليلاً على ذلك بينما نجد أن النقد الأدبي تطور ونما عند الأوربيين على يد الفلاسفة والأدباء (أرسطو وكانت وهربت سبنسر ) وما المدارس الأدبية إلا جملة من المقاس النقدية للادب في أحد وجوهها. لقد كتب الأدباء العرب المحدثون كتباً في النقد وحاولوا إسناده إلى أسس فكرية حديثة وأسهم (نعيمة والعقاد والمازني ومحمد مندور وما رون عبود ونازك الملائكة )في تطور فعالية النقد الأدبي ووضع مناهج ومذاهب نقدية عكست صورة العصر وكان الدكتور محمد مندور أكثر هؤلاء فعالية وتأثيراً وإن بقي منهجه في النقد يعتمد على الذوق أكثر من غيره بينما أسهم (إليوت وكولردج وماثييوآرنولد )في تطور الاتجاهات النقدية الأوربية.
إن كون النقد الوليد الشرعي المميز للأدب لا بدّ أن تكون مقاييسه نابعة من فهم هذا الأدب ووضع الصيغ المناسبة للذوق الأدبي في كل عصر من العصور وإذا كان للأدب من فضيلة فإنما هي كونه أفرز النقد كفن وعلم وجعله منهجاً مستقلاً.
2 ـ النقد والتاريخ الأدبي
يستلهم تاريخ الأدب خطوطه العامة من منهج التاريخ العام القائم على الموضوعية ونبذ الذاتية بينما يتصل النقد الأدبي بذوق الناقد وثقافته وتجربته وذاتيته ويعتبر النقد الأدبي أسبق في الظهور من التاريخ الأدبي لأن الأخير لا يكون إلا بعد أن يتكون لدى الامة رصيد من التمييز الأدبي والنقد ؛ ولا يمكن للناقد الأدبي إلا أن يكون ملماً بتاريخ الأدب (والناقد الجاهل بالتاريخ الأدبي يعرض نفسه لمنزلق خطير ) كما يقول د. حسام الخطيب في تطور الأدب الأوربي ( والمؤرخ الأدبي يفترض فيه أن يكون ملماً بأحكام النقد حتى يستطيع أن يميز بين شاعر وشاعر وإلا كان سلبياً في اختياره لقد أثبت كل من آرخ لحركة الشعر العربي أن لديه قدرة على النقد وأن للنقد صلة وثيقية بالتاريخ الادبي وما كتب الأغاني للاصبهاني والشعر والشعراء لا بن قتيبة والعقد الفريد لا بن عبد ربه والذخيرة في محاسن الجزيرة لا بن بسام إلا دلالة على الذوق الأدبي النقدي الذي يمتلكه أصحاب هذه المؤلفات وليست كتب( طبقات الشعراء بن سلام والموازنة بين الطائيين للآمدي) إلا دلالة على إلمام هؤلاء النقاد بتاريخ الأدب العربي ناهيك عما تفرزه المطابع من كتب حديثة تتحدث عن هذين المجالين.
إن المحاولات الحديثة الداعية إلى عزل التاريخ الأدبي عن النقد محاولات ذات أثر سيئ على التاريخ الأدبي والنقد إذ أن المزاوجة بينهما ضرورة حتمية ملحة لأن كلاً منهما بحاجة للآخر.
صحيح أن كتباً مثل( تاريخ الأدب العربي لحنا الفاخوري وبروكلمان وبلاشير وشوقي ضيف وجرجي زيدان ) وغيرهم لم تعد تهتم بأسس نقدية كاهتمامها بتاريخ حياة الشاعر وبعض نبذ عن فنه وشخصيته إلا أنه لايمكن لنا أن نغفل أن لهؤلاء المؤلفين ملكة نقدية ما في اختيارهم لهؤلاء الشعراء . لقد أثبت النقد أنه مهما استقل فإنه يرتبط بالتاريخ الأدبي والعكس صحيح.
3 ـ النقد والفكر :
نشأ الفن أولاً والأدب بشكل خاص والشعر بشكل متميز عنه تعبيراً عن نوازع ومشاء وعواطف الانسان ولم يكن الادب إلا انعكاساً لنفس وروح الانسان الداخلية ولكن بتطور الانسان عقلياً كيفية الهموم التي تنتاب الانسان وأصبح على الأديب في حديثه عن مشاعره وعواطفه يتكئ على أفكاره ويدعم شعوره بالحب والكره تجاه قضية ما بحجج عقلية فكرية لقد اهتم نقاد العرب القدامى بالجانب الجمالي للادب ولم يناقشوا مسائل فكرية بشكل أو بآخر باستثناء بعض الفلتات التي ظهرت على يد المعري وإن كان هنال من مناقشات لقضايا فكرية أو كونية فإنما نابع ذلك من الفطرة والتجارب الشخصية لا من خلال الخلفية الفكرية النظرية.
وحتى المتنبي في أحسن الحالات كانت حكمه مزيجاً من التجارب وبعض القراءات الفلسفية لأفكر اليونان ولم تكن أفكاره لتشكل نظرية فلسفية تميز هذا الشاعر عن غيره ولم يستطيع العرب في العصر العباسي تشكيل نظرية نقدية قائمة على خلفية فكرية رغم اطلاعهم على الفكر النقدي اليوناني وفي العصر الحديث حاول النقاد العرب الخروج بالنقد إلى آفاق الفكر وإخضاع المعايير النقدية إلى أسس فكرية فكان العقاد ونعيمة ومارون عبود والمازني ومحمد مندور وبرزت اتجاهات نقدية حديثة تلتقط أحكامها من خلال المدارس الأدبية الأروبية وتأثيرتها على الادب العربي أما عند الأوربيين فقد ارتبط النقد الاروبي بالفلسفة ارتباطً كبيراً وكان أرسطو أول من أرسى قواعد النقد الادبي وقد ازداد ارتباط النقد الأدبي بالفلسفة حديثاً بعد أن تطورت وتعمقت نظرات الانسان الى الحياة والكون وأصبح هذا النقد نشاطاً فكرياً في أحد جوانبه تستمد قيمة وآراؤه من النظرية الفلسفية.
إن الحديث عن الوجودية والسريانية كمذاهب أدبية لا بد أن يسوقنا للحديث عن الأسس الفلسفية لهذه النظريات التي وجدت بسبب ظروف اجتماعية وفكرية سيطرت على العالم بعد الحرب العالمية الثانية ومعظم أدباء أوربا لهم نظراتهم الخاصة الى الانسان والمجتمع وقد ظهر اتجاهان نقديان متناقصان حول علاقة الفكر بالنقد :
ـ اتجاه ينكر تطابق الأدب والفلسفة حيث يرى إليوت أنه لا شكسيبير ولا دانتي قاما بتفكير منطقي.
ـ واتجاه آخر يرى ضرورة معالجة علاقة الانسان بالكون والحياة من خلا الأدب بالإضافة الى المناهج الفلسفية ويعبر الوجوديون أول من عرضوا فلسفتهم من خلال الادب ويمكن القول ان الدراسات الحديثة تعتمد بشكل كبير على الرموز والمصطلحات الفنية والعلمية والفلسفية والتاريخية والجمالية فقد شاعت مصطلحات نقدية مأخوذة من الفكر (كالجنس الأدبي والمحاكاة) والجزء والكل والواحدة العضوية والنمو الهارموني والشكلية والخلفية) .
إن مساهمات الأدباء في تطور الاتجاهات النقدية يسوقنا الى ملاحظة هامة تتعلق بالتفاوت العظيم بين الأدباء في مقدرتهم على استخدام الأفكار ودمجها من خلال النسيج الادبي وتحويلها من مادة أولية الى قضية أدبية.
أن الناقد المهيأ تهيئة معرفية بمختلف العلوم يستطيع أن يدخل الى صميم الدب ويبرز القيمة الأدبية والفلسفية والجمالية لقد حاول العقاد أن يكون شاعراً مفكراً ولكنه فشل في إخضاع شعره للفكر بينما نجح أبو القاسم الشابي في إلباس شعره ثوباً فلسفياً فكرياً.
إن فجائية الموت والحياة في شعر السيات (المومس العمياء ـ السندباد ـ حفار القبور) يقودنا الى فلسفة فكرية كونية تجريبية استقاها السياب من خلال دراسته للادب الاوربي الحديث ومن خلال تجاربه الخاصة إن الادب لا يمكن له الاستغناء عن الفكر ولكنه في الوقت نفسه لا يستطيع أن يلبسه لبوساً تاماً وكل أدب يخلو من الفكر أدب ساذج لا قيمة له في حياة الآخرين.
4 ـ النقد وعلم النفس :
تعد العلاقة بين النقد وعلم النفس علاقة وثيقة الصلة لأن علم النفس هو أقرب العلوم الى الأدب موضوعه الانسان فقد سبر الدباء أعماق النفس الانسانيه قبل علماء النفس مع أن علم النفس يمكن له أن يقدم الكثير للناقذ الادبي من خلال مهمته النقديه (توجيه الأدب والأدباء) إن علم النفس يدرس الظواهر العامة للنفس الانسانيه ويهتم بدراسة القوانين العامة المتحكمة بأعماق الانسانيه الداخلية وكما يقول د. حسام الخطيب في كتابه تطور الادب الأوربي ص397 ((وفي حالة الأدباء الذين سيطرت عليهم نزعات فكرية غريبة يساعدنا علم النفس كثيراً في وضع إنتاجهم في الموضع الذي يستحقه )).
ويضيف الدكتور حسام الخطيب في المصدر السابق ص397 ((و بالاضافة الى ما يمكن أن تقدمه الدراسة النفسية للكاتب من مساندته على فهم طبيعة أدبه تساعدنا الدراسة النفسية لعملية الإبداع ذاتها في تفسير كثير من النقاط الفنية الغامضة وتعليل بعض الظواهر المحرية في إنتاجا الادباء وربما تساعدنا في فهم التفاوت الفني بين عمل وآخر لكاتب واحد )).إن الشخصيات /أوديب _هاملت / في مسرحيات شكسبير تشكل شرائح مهمة لدارس الادب من الوجهة النفسية أن لوثة كشخصية دونكيشوت تبعث في النفس الحيرة و الإعجاب و السخرية و إن لوثة كلوثة أبي حية النمري مؤشر على ما يعانيه الشاعر كانسان فكرياً و اجتماعياً.
إن كون الادب يكتبه انسان للآخرين لابد أن يشير إلى مختلف الظواهر النفسية و الصحية والمرضية عند المنتج و المتلقي وبالتالي لابد للناقل أن يلم بمعطيات و مصطلحات علم النفس ليكون أكثر قدرة على فهم نفسية الشخصيات في النص المدروس أو شخصية الكاتب إن تطير ابن الرومي وقلق كافكا وحيرة المتنبي وزهد أبي العتاهية و مجون أبي نواص ظواهر تستحق الدراسة وإن علاقة فلسفة وعلم النفس بالادب تشير إلى ظهور تياراً متناقضين الأول يدعو الى ضرورة معالجة وجود الانسان وعلاقته بالكون و بالإله عن طريق الخلق الادبي على اعتبار أن الأدب شكل من أشكال الفلسفة. والثاني يرفض أي تطابق بين الأدب والفلسفة ويعتبر أن الافكار في الشعر غالباً ما تكون زائفة . لقد أصبح الأقبال على علم النفس نوعاً من الهواس لدى ناقدي الادب حتى إنه يمكن القول إن الناقد الذي لا خبرة له في علم النفس ناقد قاصر في فهم الإبداع و المبدعين .
5 ـ النقد وعلم الجمال :
ذهب أفلاطون الى أن كل جمال حسي أو عقلي أو خلقي يرد الى المثال الأزلي الخالد أي الى الجمال المطلق بينما ذهب أرسطو الى أن الجمال يكون في تناسق التكوين و اعتبره أسمى من الحقيقة رغم أن فلاسفة العصر الحديث يفرقون بين الجمال من جهة والحق والخير من جهة أخرى فالحق نتوصل إليه عن طريق الأدلة العقلية أما الجمال فلا غرض له وأنما هو ضرب من الإحساس أطلق عليه (بومجارين) الاستطيقا وقد تساءل كل من /كانت وهيجل وشوبنهور وجويو كروتشه / عن الجمال ؟! وعن الشعور الذي يتولد إزاءه؟! وتوصل كانت الى أن الجمال يرجع الى الصورة وليس للمضمون دون ارتباط بالغاية الخلقية والاجتماعية بينما أشار هيجل الى أن الفن أنما هو أدرك الروح الحسي للمثل الأعلى للجمال في صورة المختلفة ويتمثل في المضمون والمادة واعتبر شوبنهور أن الحياة أرادة وفكرة وأن الفن يخلصنا من الأرادة إذ يسمو بالعقل الى مرتبة التأمل في الحقيقة تأملاً غير أرادي ومدار شعورنا بصور الحياة الثلاث (العاطفة ـ العقل ـ الأرادة ) بينما ذهب كروتشه الى أن الحجمال يأتي من الصورة الحدسية (البصرية) للمعرفة التي عمادها الخيال كما أشار الى ذلك شوقي ضيف في كتابه النقد الأدبي ص 77ـ 80 وهذا يعني أن الجمال بكينونته صفة عزيزة يلمسها الفرد من خلال الكون والطبيعة والحياة وهو مرتيط بوجد الانسان والعقل وأن كنا نجده في غريزة الحيوان والطير والنبات أن الشعور بالجمال شعور واحد عند جميع الناس وإن كان البعض لا يستطيع فلسفة ذلك الشعور فهو لا يقترن بذواتنا وأنما يرجع الى صفات في الشيئ الجميل نفسه ولطالمة اختلف الفلسفة في تحديد مفهوم الجمال واعتبره البعض الأخر مطلقاً وهو يختلف من عصر الى عصر ومن جيل الى جيل واعتبره بعض الفلاسفة ذاتياً يتعلق بالذات وعتبره قسم أخر موضوعياً ولسنا ممن يشك بأن الجمال مطلق ونسبي وذاتي وموضوعي بحسب المتذوق وبحسب المنظور اليه وبحسب الحالة المزاجية والسن والعمر وبحسب البيئة والحضارة والتذوق والثقافة .
فقد يلتقي الجميل مع ما هو عقلي وقد يلتقي مع ما هو حسي وقد يتوجه الى المثل والقيم وقد يكون الجمال مستقلاً بذاته وهو مرتبط عند كثير من الناس بالمتعة والمنفعة ولقد كان من الشذوذ بمكان عند نيرون أن يرى الجمال هو يشتعل بروما بينما كان يراه هولاكو في اصطباغ ماء دجلة باللون الأزرق :
إن أول عنصر جمالي في هذه الطبيعة هو الانسان الذي يعد المثل الأعلى للجمال وسحر الجمال الآتي من الإنسان يرتبط بالمنفعة والوظيفة فكل جزء من أجزاء الإنسان له وظيفة جمالية ووظيفة حياتية (ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين ) لقد حدد الرسول العربي محمد (ص) مفهوم الجمال عندما سأله بعضهم عن الكبر ((إن أحدنا يحب أن يرى ثوبه نظيفاً ونعله نظيفاً فأجابه إن الله جميل يحب الجمال )) وكان يشير الى أن النظافة جزء من الجمال وأن الجمال مطلق صحيح أن عناصر الجمال متغيرة في الفنون والأدب إلا أن الجمال بذاته ثابت ثبات العقل لإنه ميزان العدل والحق والخير والمتعة والمنفعة والتشوق والخيال .
إن شعورنا بجمال الأشياء يتناسب طرداً مع منفعة هذه الأشياء لنا وحتى في صورة المرأة العنصر الأكثر جمالاً في الطبيعة تقترن عناصر الجمال عندها بالمنفعة والمتعة وإلا لما تميزت الذكورة عن الأنوثة.
أن ما يراها الرجل في المرأة من عناصر جمالية مخالف لما تراه المرأة في الرجل من عناصر جمالية فلخشونة عند الرجل محببة بالمرأة كعنصر جمالي بينما النعومة العنصر الأكثر جمالاً عند المرأة من وجهة نظر الرجل إن عناصر الجمال عند الأطفال تختلف عنها عند الشباب والشيوخ وهي تختلف عند الذكور عما هي عليه عند الانوثة وتكون في بيئة ما مختلفة عن بيئة أخرى .
ولعل فريد ويونغ نتيجة تأثرهم بالمواصفات الاجتماعية والنفسية قد فسروا الجمال على أنه إشباع لرغبات مكبوبة عند الفرد من خلال لا شعوره الفردي والجمعي وهذا ما حدا بالأدباء والنقاد المختصين أن يروا الفن مرتبطاً بالجمال والغاية أحياناً والجمال المحض أحياناً أخرى .
ولم تكن نظرية الفن للفن إلا تعبيراً عن ذلك لقد ارتبط الجمال بالنقد على مر العصور ارتباطاً كبيراً حتى لكأن النقد هو الجمال بذاته.
وليست عملية النقد إلا رصداً لعناصر الجمال في العمل الأدبي شكلاً ومضموناً ليست محاولات النقاد في وضع قواعد للادب الى نوعاً من رصد عناصر الجمال في هذه النصوص الأدبية وفي تقديري إن الوصل الى الجمال المطلق هو الغاية التي يبحث عنها الفرد في مسيرة حياته القصيرة _الطويلة على المستويين الفردي و الجماعي :
لقد قضى النقاد العرب ردحا طويلاً من الزمن في وضع العناصر الجمالية التي تبرز العمل الأدبي في أجمل صورة وليست نظرية عمود الشعر ونهج القصيدة العربية الموروثة إلاتعبيراً عن ذلك البحث ولم تكن علوم البلاغة العربية ((بيان البديع )) إلا بحثاً عن عناصر الجمال أن لكل لغة خاصية مستقلة في فلسفة الجمال اللغوية .((ان فلسفة الجمال عند نقاد العر بحاجة الى دراسة مستفيضة )) وأن الشعور الجمالي يقودنا الى نظرية ربط الجمال بعناصر الجمال من خلال القيم والمفاهيم والعادات والتقاليد والمعايير والمواصفات الاجتماعية وليس للجمال وجود مستقل معزول عن وظائف الحياة وكل ما نراه جميلاً لذاته وهو ليس كذلك وإنما لعجزنا عن أدراك غايته الحياتية و الجمالية. إن سعي موسى نبي الله لرؤية الحضرة الإلهية وهو بحث عن مطلق الجمال بمجمل أبعاده ((ربي أرني أنظر إليك))مع ذلك فاغايته الوصول الى شاطئ الأمان والتخلص من براثن الخوف.
أن تجارب الأدباء تشير الى انهم في بحثهم عن الحياة يبحثون عن الجال لان مفهوم الجمال والقبح في النقد الأدبي تابع لوجهات نظر مختلفة ذلك أن هاذين المفهومين ذوا طبيعة مرنة وإن الحكم بالجمال والقبح في ميدان النقد ينصب على شعور الفنان والعمل الفني . أن نظرة أفلاطون للجمال على انه مطلق في المجال الخارجي ونسبي في الأشياء لا يعني أن ما ليس جميلاً يكون قبيحاً بالضرورة لان هناك مرحلة يخلو فيها الشيئ من كلا الوصفين وقد أتضح ذلك قيمجال النقد ((في المقاربة و التشبيه)) التي اشار اليها الجرجاني في العناصر الجمالية للشعر تعني وجود تناسب موضوعي جمالي بين المشبه والمشبه به وهذا يعني أن للعناصر الجمالية شروطاً في نجاح التشبيه يفترض أن تتوافر فيه وعلى الرغم من أن أفلاطون قد ربط الجمال بالخير إلا أن ذلك لا يعني أن ما ليس خيراً هو قبيح أن السؤال الكبير الذي يطرحه النقد بشك ملح وفي كل عصر من العصور كيف تشتطيع أن نفهم الجمال من خلال العمل الأدبي ؟ وقبل أن نجيب عن هذا السؤال يجدر بنا أن نشير الى أن التوافق بين الجمال العمل الفني وروح المتلقي هو العنصر الأهم في فهم الجمال فالجمال كما يقول أفالطون ((يتركب من النظام في الاشياء الكثيرة ))كما أن يكون في العناصر الميتافيزيقية التي يشملها النظام يتساءل أوغسطين : ((هل هذا جميل لأن مرض أم أن مرض لأن جميل؟؟)) وهذا يقودنا الى المقولة التالية : (أن هذا يرضي لأن جميل وهو جميل لأن أجزاءه تتشابه وينظمها انسجام واحد) وعلى أية حال فإن قضية هل هذا جميل لأنه مرض أم أنه مرض لأنه جميل؟ قضية سو فسطائية كقضية الغة عند الطفل هل هي قبل المعرفة أم المعرفة قبلها وهي كقضية أيهما أسبق الدجاجة أم البيضة أن أدراك الجمال بافعل أو بالحس يقودنا الى فكرة الجمال الحر والجمال بالتبعية فالأول لا يتضمن أي مفهوم لما ينبغي أن يكون عليه الشيئ أما الثاني فيتضمن ذلك ويضمن مطابقة الشيئ له إن الكلمة كما يقول مخائيل نعيعة في الغربال هي معجزة الإنسان الكبرى التي تؤلف عوالم تعج بالحياة والحركة وتموج بشتى الأحاسيس والأفكار والألوان .. وهي عدة الأديب يخلق منها قصة أو قصيدة أو مقالة.. وعندما يحدثنا ناقد عن أثر أدبي إنما يبين لنا مدا التجاوب بينه وبين الكاتب فنقده إما انشراح واما امتعاض وما أكثر ما يمتعض ناقد حيث ينشرح الآخر وبالعكس ولا عجب في ذلك فالكلمة هي عدة الكاتب مثلما هي ((عدة الناقد)) إن الجمال عنصر مهم من عناصر النقد الأدبي فالأدب لا يكون أدباً أولاً إلا إذا حقق شروط الجمال ومهمة النقد هي تقسي عناصر القبح والجمال في هذا النص الأدبي ان أي اختلال في تحقيق النصالأدبي لعناصر الجمال يعني عدم وجود نص أدبي حق .
وبالتالي عدم وجود نقد أدبي لأن النقد الأدبي مرتبط بوجود الجمال في النص المفقود.
الباب الثامن
الفصل الثالث
وظائف النقد الأدبي وأهدافه
إذا كان النقد الأدبي أحد الأجناس الأدبية التي نشأت في رحاب الأدب، فإن محوره الأدب ، وفي دراسته للأدب فلا بد أن يكون له وطائف خاصة به تتمثل وظائف النقد و أهدافه إذا كان النقد أحد الاجناس الأدبية التي نشأت في رحاب الأدب فإن محوره لا بد أن يكون هذا الأدب بأجناسه المختلفة وإن كان الشعر محوره الأول وباعتبار أن هذا الفن الأدبي قد نما وتطور بفعل عوامل متعددة فإنه أصبح فعاليةمتميزة لها أهداف وغايات ووظائف.يقول محمد مندور : ((يقولون إن النقد تفسير وتقييم وتوجيه وبتفاوت الاهتمام والعناية باحدى هذه الوظائف الثلاث يتميز ما نسميه اليوم بالدراسة الأدبية أوالتاريخ للأدب عما نسميه بالنقد الأدبي بمعناه الفني ))ويرى الدكتور عبد النبي اصطيف ((للنقد وظيفة اجتماعية أو فائدة اجتماعية و مهما كانت انعكاسات هذه الفائدة على صاحبها فإنها لا يمكن أن تكون فردية إن النقد عندما يمارس الممارسة الحقة السليمة يغدو القيم على الثمين والجليل و السامي من المجتمع لأنه يمثل البحث عن هامش الأفضل و الأحسن و الأجدى و الأكثر إنسانية ))وقد فهم ميخائيل نعيمة هذه الوظيفة الحيوية في المجتمع و أشار إليها في كتابه الغربال. ويضيف الدكتور عبد النبي اصطيف ((إن النقد أنشاء موجة إلى الآخر فليس ثمة من يزعم أنه يكتب نقداً لنفسه إنه يكتب ليقرأه الآخرين ويتحولوا بالتالي إلى ما يعتقد بأنه الصحيح والسليم والجميل والسامي و المفيد في الانتاج الأدبي ومن ثم في الحياة ))ويعتقد الدكتور حسام الخطيب في كتابه ((محاضرات في تطور الأدب الأوربي)) ص381 ومن خلال تعريف النقد الأدبي أنه ((تتعدد الفعاليات التي يتطلبها النقد الأدبي الشرح _التعليل _التقويم ))و يضيف قائلاً إن النقد لا يعتمد على شرح النصوص وتقويمها كما يفهم الناس عادة من كلمة نقد بل تتعدى وظيفته تلك إلى تناول طبيعة الأدب ووظيفته ووصف الأنواع الأدبية ونشأتها وتطورها وغير ذلك من المسائل التي تدخل تحت عنوان نظرية الأدب أو التصور النظري للأدب ويضيف الدكتور حسام الخطيب في المصدر السابق ص381 (( فالشرح والتقويم غير ممكنين بدون التاريخ الأدبي ، وإلا فكيف نهتدي إلى وجود الأعمال الأدبية و علاقة كل منها بالآخر وبالمثل ليس من الحكمة كتابة تاريخ أدبي دون منهج لإصدار الأحكام والتقويم وإلا فكيف يتم اختيار الأعمال الأدبية وتصنيفها ثم انه لا وجود لمنهج سليم في الشرح أو التقويم دون الحد الأدنى من التصور الضمني أو الوعي لطبيعة الأدب)) إن الحديث عن وظائف النقد وغاياته يتطلب منا الكشف عن كل عملية قام بها الفلاسفة و علماء النفس و علماء الجبال والأدباء و الشعراء و المنظرون للأدب ومن ثم الوصول إلى مجموعة أهداف رئيسية أضطلع النقد بها.ويمكن أن ندرس من خلال التعريف الذي وضعه الدكتور حسام الخطيب في كتابه تطور الأدب الأوربي حين قال : ((النقد الأدبي فعالية فكرية ذوقية تستطيع بواسطتها فهم المسائل الأدبية وتفسير الأعمال الأدبية وتحليلها وإصدار أحكام مناسبة بشأنها )) وقد أشار النقاد إلى مجموعة وظائف للنقد وهي
الوظيفة الأولى: (الشرح والتفسيروالتحليل) : لإظهار سبب اختلاف الأدب والأدباء في البيئة العصر الجنس البشري والشرح والتفسير هما الخطوة الأولى لاستجلاء غوامض هذا العمل وإيضاح مصادره و خصائصه الفنية و أن تفسيرات النقاد المختلفة للأعمال الأدبية تعتبر مشاركة قوية في خلق تلك الأعمال الأدبية تعتبر مشاركة قوية في خلق تلك الأعمال ة إثرائها بمفاهيم و معاني جديدة ((و أن شيئاً لم يؤثر في الآداب القديمة مثلما أثرت فيها الثقافات الحديثة ))فشخصية مجنون ليلى يراها بعض النقاد شخصية شاب نزلت به محنة الجنون لعدم وصوله إلى ما يرغب بينما يراه نقاد آخرون بأنه سليم العقل و الأعصاب و لا تقف مهمة التفسير عند الجانب الموضعي للأعمال الأدبية بل تمتد إلى تفسير الظواهر و الاتجاهات والخصائص التي يتميز بها أدب لغة عن أدب لغة أخرى و أدب أديب آخروقد حدد الناقد الفرنسي ((هيبوليت))ثلاثة عناصر تساهم في أظهار سبب اختلاف الأدب و الأدباءهي :
آ_البيئة : والتي تساهم في تفسير التائيرات النفسية التي تحدث البيئة الصحراوية أو الجبلية أو الساحلية أو الزراعية في نفس الأديب و قصة الشاعر البدوي /علي بن الجهم الذي زار بغداد ومدح الخليفة معروفة وذلك عندما قال له
أنت كالكلب في الحفاظ على الود وكالتيس في قراع الخطوب
فلم أمتعظ الخليفة من هذا المدح الممثل للبيئة الصحراوية طلب مقدم الشاعر من الخليفة إمهاله حتى يعتاد حياة الحضر فلما لانت نفس الشاعر قال قصيدته المشهورة التي مطلعها :
عيون المها بين الرصافة و الجسـر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
ب_العصر : ويعني ظهور آداب مختلفة تبعا ًلنشاط الحياة الأقتصادية و الدينية و الأجتماعية فآداب العصور القديمة ظهرت في ظل الديانات الوثنية وآداب العصور الوسطى ظهرت في ظل الديانات السماوية .
ج_الجنس البشري : و يعني أن لكل جنس بشري خصائص معينة مميزة تظهر و تنعكس في أدب هذا الجنس .
الوظيفة الثانية : التعليل :
يقول /ت.س إليوت / ((ان عظمة الأدب لا يمكن أن تحدد بالمعايير الأدبية وحده أدب )) هذا يعني أن لنشوء المذاهب الأدبية في تفسير الأدب أهمية كبيرة جداً ومهمة الناقد ربط التجارب الأدبية بمناهج حياتية لها صلة بتطورالفكر عند الأنسان.
فالمنهج الاسطوري أبرزالانماط الأسطورية المتكررة في الانتاج الأدبي بصرف النظر عن الشكل الذي تتخذه في كل زمان وبيئة وهذا يوحي لنا كما يقول د0حسام الخطيب في كتابه تطور الأدب الأوربي ص 384 : (أن مؤلفي الأعمال الأدبية ليسوا وحدهم مبدعي انتاجهم بل العقل الجماعي للجنس البشري يظل شريكاً غير منظور في كل ما تتمخض عنه قرائحهم )0
والمنهج الأجتماعي ساهم في ربط الانتاج الأدبي بالظروف الاجتماعية وهذا ما يظهر في فن الرواية كجنس أدبي اعتمد فيه الروائيونعلى أبراز التناقضات الاجتماعية التي تطفو على السطح أو تختفي وراء تصرفات الكثير من شخصيات الروايات0
إن شخصيات قصص زكريا تامر تبدو كشرائح اجتماعية لها خصائصها المستقلة المتميزة والمنهج النفسي كسف أمامنا سبل فهم عملية الخلق الفني وأساليب ومناهج القراء في تطور المضامين المتميزة في شعرهم وكشف عن أعماق اللاشعور داخل النفسية الإنسانية0
والمنهج الأخلاقي قرن بين مجال التجربة الأدبية والمصير الغيبي للإنسان واعتبر حركات الإنسان مربوطة بمصائر ترسمها الاقدار0
الوظيفة الثالثة التقييم : وترتبط هذه الوظيفة باختلاف النقاد حول الأهمية التي يجب أو يوليها دارس الأدب لكل من الشكل والمضمون رغم أنهما يشكلان وحدة متماسكة للعمل الأدبي وإن فصل النقاد بينهما كضرورة تحليلية ليس وراءه الا فهم وتحليل وتقييم هذا الأدب 0يقول د0محمد مندور في كتابه الأدب وفنونه ص 144 :((إن مضمون العمل الأدبي وهدفه يوجه الأيب نحو اختيار المبادئ الفنية الأكثر مواتاة لرسم تلك الصورة ))0إن تقييم أي عمل أدبي يجب أن يضع في حسبانه القاييس الدقيقة التي تحدد الخصائص المعنوية والجمالية وتضع هذا العمل في مستواه اللائق بين الأعمال وتحدد مكانة الأديب بين أقرانه 00وقد نتج عن خلاف النقاد حول ضرورة الفصل بين الشكل والمضمون في العملية النقدية ظهور مذاهب أدبية قائمة على تغليب الشكل على المضمون وظهور أنصار مذهب الفن للحياة فالجمال ليس غاية في ذاته فحسب بل وسيلة في تحقيق الأهداف البشرية والإنسانية ويعلل النقاد وذلك مستشهدين بقول أفلاطون ((لو صيغت الحقيقة امرأة لأحبها جميع الناس )) وهذا الاهتمام بالمضمون نشأ نتيجة التغييرنظرات
الدارسين لوظيفة الأدب على هدى المناهج الحديثة التي برزت من خلال الفلسفات الحديثة والتقييم للعمل الأدبي من الناحية الفنية وبيان قيمته " الموضوعية " على قدر الإمكان " ذلك لأن الذاتية في تقدير العمل الأدبي هي أساس الموضوعية , فليس من السهل على الناقد أن يتجرد من ذوقه الخاص الذي يعطي جمالاً لنقده دون إسراف في إبداء ذاتيته لئلا يطغى على النص ظلم الناقد وعدم منهجيته الواضحة , وإنما يجب أن يتخذ من ذاتيته تلك أساساً لحكم موضوعي .
الوظيفة الرابعة
تعيين مكان العمل الأدبي في خط سير الأدب , أي في عالم الأدب الذي ينتمي إليه , وتحديد مقدار ما أضافه هذا الأدب إلى الثراث الأدبي , في لغته خاصة , وفي عالم الأدب كله بصفة عامة
الوظيفة الخامسة:
تحديد مدى تأثر العمل الأدبي بالبيئة التي ظهر فيها :, ومدى تأثيره فيها , فمن المهم أن يعرف الناقد ماذا أخذ الأديب من البيئة , وماالذي أعطاها , وبهذا تُحدد عبقرية الأديب وإبداعه ومدى استجابته العادية للبيئة .
الوظيفة السادسة:
التعرف على سمات الأديب من خلال عمله الأدبي : والتعرف على خصائصه الشعورية والتعبيرية والنفسية التي تضافرت لإنتاج أدبه .
الوظيفة السابعة:
المقارنة : وهي ربط العمل الفني بالتراث الذي ينتمي إليه ، وكشف موضعه من هذا التراث وقد جنح النقد الأدبي إلى التركيز على عمليتي التحليل والتفسير نتيجة التأثير الطاغي للبنيوية وما في حكمها، فضلا عن نظريات التأويل والاستقبال، فقد ركزت الأولى على التفسير بينما ركزّت الثانية على عمليات التلقي ومتغيراتها والعوامل المؤثرة فيها، وكانت النتيجة حدوث إهمال للجانب الثالث الذي يتكون منه النقد الأدبي في عملياته المتفاعلة المتكاملة التي يؤدي فيها التحليل إلى التفسير الذي يمكن أن يتحول إلى عامل مؤثر في التحليل، قد يدفع إلى إعادة النظر فيه، أو يكون نتيجة مباشرة له. وترتب على ذلك إغفال عنصر التقييم الذي يحدد قيمة العمل الأدبي في ذاته من ناحية، وبالقياس إلى غيره من ناحية أخرى وكان إغفال عنصر التقييم عاملا في نوع من فوضى القيم الأدبية، واختلاطها بقيم غير أدبية في أحيان كثيرة. ويبدو أن عددا من النقاد استسهلوا الأمر وبدلا من مواجهة العمل وصاحبه بقيمة العمل التي لا تنفصل عن تحليله وتفسيره، تم السكوت على الحكم بالقيمة إيثارا للسلامة، وتجنبا لغضبة هذا الأديب أو ذاك، أو حرجا من أصحاب الأعمال الضعيفة. وكانت هذه النتيجة بمثابة تخل من الناقد عن دوره الهام في أن يكون حكما بين المبدع والقارئ من ناحية، وعونا للقارئ على التمييز بين الأصيل والزائف من ناحية مقابلة. وكان ذلك يعني تخليا من النقد عن أصل معناه اللغوي، حين اشتق النقد من كشف العملة الزائفة من الصحيحة، وقد وصلت المعاجم اللغوية بين الأصل الاشتقاقي للنقد “وتنقاد الصياريف” تشبيها للناقد بمن يميز العملة السليمة الصحيحة عن العملة الرديئة.
ولأن أحوالنا الأدبية قد وصلت إلى اختلاط القيم في الحياة كلها، فقد كان من الطبيعي أن يعالج النقد قصوره المتمثل في التمييز بين الأعمال الأدبية الأصيلة والأعمال غير الأصيلة، وقد زادت الحاجة إلى هذا التمييز مع شيوع الأدب السوقي الرخيص
إذا كانت هنالك صفة مشتركة بين سائر الأبحاث النقدية، فإنها تتجلى في وقوفها على منهج معين. ومن ثم، فإن محاولة وضع المناهج هو الشيئ الذي يجعلنا نفرق - مثلا - بين ناقد وآخر. ذلك أن المنهج هو، أولا وقبل كل شئ، الحيز الرئيسي الذي ينطلق منه كل تأمل حول قيمة المعرفة. وهذا ما يجعل الاتجاه الحالي للنقد ينطوي على مؤشرات ومقولات فكرية دامغة تكشف عن ابتكارات ومكتشفات علمية تحدد الظروف الملائمة للمنطق والإبداع، وتنير السبيل أمام نقاد الماضي أنفسهم عن طريق التأكيد على أن ما تبقى من أعمالهم لا يتجاوز بعض المقترحات والتصورات التي حاولت أن تطرح نفسها كمنهج.
الوظيفةالثامنة:
توجيه الأدب والأدباء : وتعتبرهذه الوظيفة من أهم الوظائف وأكثرها حساسية في عملية النقد الأدبي فالتفسير والتعليل والتقييم تتضمن نوعاٌ من التوجيه للأدباء بينما يعتبرها البعض الآخر تقييداٌ للمواهب 0لقد ظهرت عبرالأزمنة نظرات نقدية قامت بتوجيهالأدباء نحو اتجاهات أدبية جديدة فالوجودية اختط أسسها لنا /سارتر/والسريالية أشرع آفاقها /بريتون/والرومانسية وجهها /فيكتور هيجو /والكلاسيكية ساهم في نشأتها /بوالو/0 إن محاربة النقاد مناهج السطحية والانحلال والهروب والإغراق في الشكلية والدعوة إلى تبني أهداف إنسانية واجتماعية وخلقية هو نوع من التوجيه ذلك أن للنقاد دورهم في توجيه مسيرة الأدب وهم إن صدقوا مع أنفسهم كانوا كالنجوم المضيئة في دروب الأدباء0
الباب الثامن
الفصل الرابع
أنواع النقد الأدبي
ا ـ النقد الجمالي والتأثرى :
ب- النقد الموضوعي :
ج ـ النقد المذهبي
د ـ النقد الاعتقادي
هـ ـ النقد التاريخي
و ـ النقد الأدبي الصحافي
زـ النقد العلمي
هـ ـ النقد اللغوي
هـ ـ النقد الفني
أ: النقد الجمالي والتأثرى : وهو الذي يقوم على الذوق الخاص ، ويعتمد على التجربة الشخصية ، ولايعتمد على المنهج الموضوعي
يسمى هذا النقد جمالياً لانه يركز على جمال الصياغة ويعده أساساً لخلود العمل الأدبي كما اسلفنا ، ويغلبه على المضمون ولاسيما في الشعر الذي قد يخلو من المعاني الدقيقة ويقتصر على الإيحاء بحالات نفسية وعلى مجرد التصوير الفني ، أما الفنون الأدبية الأخرى كالقصة والمسرحية فلا بد من أن تحمل مضموناً أو تجربة بشرية والناقد لا يستطيع أن يحكم على شكلها وحده بمعزل عن ذلك المضمون أو تلك التجربة ويتعرض هذا المنهج الجمالي لتجربح شديد فهو حين يجعل جمال الشكل وحدة مقياساً لجودة الأدب إنما يفرغ الأدب من محتواه ويفصله عن المجتمع ويعود به الى مذهب (الفن للفن ) وهو المذهب الذي يرى أن غاية الأدب هو الجمال : جمال الشكل ولا يسأل بعد ذلك عن مضمون الأدب وأهدافه وارتباطه وصحته أو فساده ورقية أوانحطاطة فكل ما في الحياة يصح في نظر هذا المذهب أن يكون موضوعاً للأدب إذا صيغ صياغة جميلة وليس هنال أدب أخلاقي وأدب غير أخلاقي وإنما هناك أدب جميل وأدب غير جميل ويسمى هذا النقد تأثرياً أيضاً، أولاً لأن التأثر أو الذوق الشخصي فيه هو السبيل إلى الإحساس بمواطن الجمال في الأدب وإدراكها والحكم عليها، وثانياً لان الناقد يضيف إلى الكاتب الذي يحلله الكثير من تأثراته العاطفية والفكرية والفنية بحيث يخلقه خلقاً جديداً إذا: سيان أن نحس ونفكر ونعبر بمناسبة كتاب أو مناسبة حادثة أو إنسان وذلك واضح في النماذج البشرية والنفاد يهاجمون هذا المنهج التأثرى أيضاً لاعتماده الذوق والاحساس الفرديين وهما مضللان متقلبان متحولان تبعاً للأفراد بل لحالاتهم النفسية ثم إن القارئ لا ينتظر من الناقد أن يعطيه انطباعاته وتأثراته بقدار ما ينتظر منه أن يقدم صورة واضحة صحيحة دقبقة عن العمل الأدبي تساعده على الفهم والذوق.
و يركز على جمال الصياغة ويعده أساساً لخلود العمل الأدبي ويغلبه على المضمون ويعتمد الذوق الذاتي في معرفة مواطن الجمال
ـ ب ـ النقد الموضوعي
وهو الذي يركن إلى أصول مرعية وقواعد عقلية مقررة يعتمد عليها في الحكم ، كطريقة قـُدامة في كتابه " نقد الشعر والنقد الموضوعي هو النقد الذي يقول : إن الأصل في كل نقد هو تطبيق أصول مرعية وقواعد عقلية لا تترك مجالاً لذوق شخصي ، أو تحكم فردى وليس معنى النقد الموضوعي، أن تطبق هذه القواعد تطبق آليا ، والعبرة بإستخدام هذه القواعد وهنا تظهر المقدرة الشخصية وهكذا يدخل العنصر الشخصي في النقد المسمى الموضوعي كما أن العنصر العقلي الذي لا بد منه لدعم الذوق يكون الجانب الموضوعي في النقد الذاتي .
فهذا النقد يبدأ بالتأثر والتذوق وهي مرحلة أساسية لا بد منها ولكنه يحاول أن ينحي بعد ذلك العنصر الذاتي ما أمكن ليغلب العنصر العقلي الموضوعي في التعليم والتقويم والتفسير وفي طريقة العرض وفي الأسلوب اللفظي ومع اعتماد هذا النوع من النقد على الاستقصاء والاتزان والاقتصاد في الأحكام والخذر في إطلاقها إلا أن هذا الاعتماد لا يمكن أن يلغي شخصية الناقد، فالناقد إنسان له مثله الجمالية والإنسانية والاجتماعية التي لا بد أن تتسلل الى أحكامه وتفسيراته مهما تغلف نقده بغلاف الموضوعية والتجرد .
ـ ج ـ النقد (المذهبي )
النقد الواقعي الاشتراكي: وهو النقد الذي يقوم على الأفكار الاشتراكية ويستخدم منهجها الفكري والفني للنظر في الأدب وكلمة (ايد يولوجية) تعني مجموع الافكار والمشاعر كما تعني المنهج الفكري والنظري ويعرف مندور النقد الايديولوجي بقوله : (وهو يقوم على منهج محدد وظيفته اجتماعية محددة للأدب والفن ويصدر الناقد في نقده عن عقيدة أو على الأصح عن هذا المنهج الفكري والفني الذي يقتنعه ) ويمكن أن نعد هذا النقد امتداد للنقد الموضوع وتطويرا له والفرق بينهما هو : أن النقد الايديولوجي يكشف عن تأثر الناقد بالتفكير الاشتراكي ولا سيما في مجال التوجيه النظري ، أما في مجال التطبيق فلا يكاد يتخذ طابعاً متميزاً كل التميز وقد وصف مندور الاتصال والتشابه بين مراحله النقدية الثلاث فقال :
(حافظت على القيم الإنسانية العامة والقيم الجمالية ولكن المسألة أصبحت موازنة بين مختلف القيم وأحياناً أعطي المضمون أولوية في التقيم) .
وظائف النقد المذهبي:
1 ـ التفسير :
أي تفسير الظاهرات والأعمال الأدبية وإيضاح مصادرها وأهدافها وخصائصها الفنية مساعدة لعامة القراء على فهمها وإدراك مراميها القريبة وفي هذه الوظيفة يعد النقد عملية خلاقية قد تضيف إلى العمل الأدبي أو الفني قيما جديدة لم تخطر للمؤلف على بال وإن لم تكن مقحمة عليه
2 ـ التقويم :
الوظيفة الثانية للنقد الايديولوجي هي : تقوم العمل الأدبي في مضمونه وشكله وأنه وإن يكن المضمون والشكل يكونان في العمل الأدبي وحدة متماسكة وينعكس كل الآخر ويؤثر فيه ويحدده أحياناً كثيرة إلا أن العملية النقدية تفصل بينهما كضرورة من ضرورات التحليل ، ولتقويم المضمون ينظر الناقد في التجارب الأدبية ومصادرها ووجهات النظر التي يصبها الكتاب فيها والأهداف التي يسعون إليها "فهذا المنهج يرى أن الادب والفن لم يبقيا مجرد تسلية ، أو هروب من الحياة ومشكلاتها وقضاياها ومعاركها وأن الأديب يجب ألا يعيش في المجتمع ككأئن طفيلي أو شاذ أو جبان أو سلبي باك أو مهرج ممسوخ .
وهو عندما يعرض للمصادر التي يستقي منها الاديب موضوعاته قد يفضل التجربة الحية على التجربة التاريخية وبخاصة إذا لم تصلح وعاء لمشكلة معاصرة تشغل الأديب أو تشغل مجتمعه وأنسانيته الراهنة والنقد الايديولوجي لا يتكفي بالنظر في الموضوع بل يتجاوزه إلى المضمون أي الى ما يفرغه فيه الأديب الفنان من أفكار وأحساسيس ، فالموضوع الواحد قد يكتب فيه أديبان مختلفان مفهومين متناقضين تبعاً لاختلاف نظرة كل منهما إليه طريقة معالجته له ويرى المنهج الايديولوجي بحق أن ما كان يسمى في أواخر القرن الماضي بالفن للفن .لم يبق له مكان في عصرنا الحاضر الذي تصطرع فيه معارك الحياة وفلسفاتها المتناقضة وأن الأدب والفن قد أصبحا للحياة ولتطويرها الدائم نحو ما هو أفضل وأكثر سعادة للبشر ويرى النقد الايولوجي كذلك أنه قد أصبح من الممكن أن يظل الأدب والفن مجرد صدى للحياة بل يجب أن يصبحا قائدين لها . فقد انقضى الزمن الذي كان ينظر فيه إلى الأدباء والفنانين على أنهم طائفة من الفرديين الآبقين الشذاذ أو المنطويين على أنفسهم أو املجترين لأحلامهم و آمالهم الخاصة أو الباكين لضياعهم وخيبة آمالهم في الحياة وحان الحين لكي يلتزم الادباء و الفنانون بمعارك شعوبهم وقضايا عصرهم ومصير الإنسانية كلها هذا النص الذي كتبه مندور يظهر بجلاء أن مقاييس تقويم الأدب الملتزم والأدب الهادف أساسية في النقد . فكلما كان الأدب هادفاً أو ملزماً أو واقعيا ًكبرت قيمته ومفاهيم الواقعية و الالتزام والأدب الهادف أصبحت مترادفة أو متقاربة في المعنى ، فالادب الواقعي من الذي يتخذ مضمونه من حياة عامة الشعب ومشكلاته ويؤمن بقدرة الإنسان في التغلب على الشر لأن الشر ليس أصيلاً في الإنسان وإنما هو حدث عارض ولدته ظروف الحياة وأنماط التركيب الاجتماعي .أما الادب الملتزم أو الالتزام فهو اصطلاح يعني أن الاديب يجب عليه الالتزام بمسؤوليته كاملة إزاء قضايا الإنسان والمجتمع والعصر أملا في مزيد من التقدم و السعادة و الرخاء وقريب من هذا المفهوم الأ؟دب الهادف وهو سعي الى تطوير المجتع و الحياة نحو هدف أو أهداف أكثر تقدما ما أمكن الوصول اليه
3 ـ التوجيه :
الوظيفة الثالثة للنقد الايديولوجي هي توجيه الادباء والفنانين في غير تعسف ولا إملاء ولكن في حدود التبصير بقيم العصر وحاجات البشر ومطالبهم وما ينتظرونه من الأدباء والفنانين وفي مجال التوجيه نشير إلى ثلاث قضايا :
آ ـ وظيفة الأدب ـ أن للأدب وظيفة اجتماعية فهو إما أن يكؤكد وبعمق المفاهيم التي تبناها المجتمع وأما أن يكون أداة قيادة وتوعية وتحضيض وفي كلتا الحالتين ينبع الأدب من الواقع ويستمد مادته منه ثم يصوغها صياغة فنية محركة للوعي والوجدان ومساعدة على التطور والتقدم ويقول مندور : إن الأدب انعكاس لواقع الحياة وتطورها ولكنه ليس انعكاساً سلبياً بل انعكاساً إجابياً فهو يرتد ثانية إلى الحياة ليحث خطاها ويدفعها نحو مزيد من التطور والتقدم وبذلك يأخذ من الحياة ثم يعطيها أكثر مما أخذ وهذا هو المفهوم الجدلي (الديالكتيكي ) للفلسفة الاشتراكية بالنسبة إلى الأدب فهو يجعل الفكر قوة فعالة نحو التطور والتقدم لا مجرد انعكاس آلي لذلك التطور ولا تتخذ الفنون الأدبية طابعاً واحداً في أدائها لدورها الاجتماعي فأدب القصة والمسرحية يسلك في رأي مندور مسلك الواقعية النقدية أي نقد الواقع الفاسد وهذا النقد يبث الوعي الفاسد ويضع خميرة الثورة في النفوس أما الشعر فهو في الأغلب الذي يعلن الثورة صراحة .
ب ـ حرية الأديب ـ أن للنقد الايديولوجي وظيفة توجيه الأدباء نحو الأدب الواقعي الهادف القائد الملتزم وهذا التوجيه يلقي معارضة من الأدباء الذين يرون في محاولة توجيه النقد والنقاد لهم وجهة إنسانية أو فنية معينة اعتداء على حريتهم وتعويقاً لانطلاق طاقاتهم ويرد مندور على ذلك فيعين أن للحرية معنى محسوساً تاريخياً وحرية الفنان مرتبطة بحرية وطنه وأمته وليس من الحرية في شيء الترويج في هذه الفترات القاسية من حياة الوطن لمذاهب الفن للفن الرومانسية الهاربة والانحلال في الأدب ولكن في الوقت نفسه ليس من الفن في شيء نكبت ذاتية الأديب كبتا يحول أدبه باسم التوجيه إلى دعاية سياسية.
د_ النقد الاعتقادي : وهو النقد الذي تتحكم فيه عقائد وآراء خاصة عند
الناقد , وهو يحمل في طياته معنى التعصب والميل إلى نزعة خاصة , وكلما
تحرّر الناقد في نقده من آرائه ومعتقداته الشخصية كان تقديمه عادلا وأكثر
إنصافاوصدقاوتحرياللحقيقة,إذ أن تجرّدالناقدمن هواه وآرائه شرط أساسي لسلامة أحكامه النقدية من الجور .
ه _ ـ النقد التاريخي : وهو النقد الذي يحاول تفسير الظواهر الأدبية بالحكم والمفاضلة .. وتفسير الظواهرالأدبيةأوالمؤلفات أو شخصيات الكتـّاب ، يتطلـّب معرفة بالماضي السابق لهم ، ومعرفة بالحاضر الذي أثـّر فيهم .
و ـ النقد الأدبي الصحافي:
ينبغي التمييز بدءا، بين النقد الأدبي العلمي أو الأكاديمي والنقد الأدبي الذي يمارس في الصحافة الثقافية، سواء في الصحف أو في المجلات. فهذان النقدان يختلف أحدهما عن الآخر اختلاف الغاية والوسيلة لئلا أقول المنهج. لكنهما يفيدان بعضهما من بعض ويلتقيان في مسار واحد هدفه ترسيخ العلاقة بين الأدب والقارئ أو المتلقي. النقد في الصحافة لا يستطيع أن يقوم بمنأى عن النقد العلمي ولو اختلف عنه كثير الاختلاف. فالنقد فعل واحد، لكنه يأخذ سبيلين مختلفين يفترضهما واقع الفعل النقدي نفسه. في هذا المنحى
لا بد للنقد الأدبي الصحافي من أن يتكئ على معايير النقد )العلمي( أو الأكاديمي وعلى مفاهيمهما ومناهجهما ومعطياتهما ولكن من غير أن يصبح صنوهما، أي نقدا صارما ومنهجيا وعلميا. هذا النقد الذي يمارس ما يشبه الوظيفة الإعلامية واليومية يختلف في جوهره عنه أما النقد الصحافي فمجاله الصحيفة أو المجلة. وظيفة النقد الصحافي إذن تختلف كثيرا عن وظيفة النقد العلمي. لكن النقد الصحافي لا يستطيع أن يؤدي عمله على خير وجه إن لم يرتكز على النقد العلمي. والناقد الصحافي الذي لا يأتي على دراسة النقد العلمي يظل دون مستوى فعل النقد. هذا ما يجب الاعتراف به. وباتت مقولات أربع هي: التبسيط، التكيف، الاختيار والاستخلاص هي أشبه بالشروط أو المقاييس التي يحتكم إليها النقد الصحافي. وهناك وصف للنقد الصحافي أوردته )الموسوعة( الفرنسية المعروفة بالانسيكلوبيديا: )أن يكون بسيطا واضحا وسهلا، وعليه أن يتحاشى أي تكلف في الفصاحة والتبحر(. هكذا نفهم أن على النقد الصحافي ألا يغفل عن القارئ وألا يتكبر عليه مستعرضا ثقافته ومنهجيته، بل عليه أن يأخذ في الاعتبار أن القارئ المجهول أحيانا ليس متخصصا في النقد الأدبي، وأنه يريد أن يهتدي إلى رواية يقرأها أو كتاب يقتنيه. القارئ هو الهدف الأول الذي يتجه النقد الصحافي إليه. النقد هنا لا يكون مجرد نقد للنقد، أو فعلا يمارسه الناقد لمتعته الخاصة أو لإشباع نزعته العلمية والتجريبية. طبعا يجب ألا يغيب الحضور الذاتي للناقد وكذلك ذائقته الخاصة، ولكن يجب ألا تطغى مثل هذه الأمور على العمل النقدي. في الصحافة يستحيل أن يتحول النقد فنا قائما بذاته وأن يحل محل الكتابة نفسها. وهذا ما بات يحصل كثيرا في ميدان النقد المابعد - حداثي. هذا على رغم أن رولان بارت يصر على وصف الناقد بـ )الكاتب(، معتبرا إياه )شخصية جديدة(، هي في مرتبة خاصة بين الكاتب الذي يؤلف والصحافي الذي يدبج المعلومات في الصحافة. هذه التفاتة مهمة تمنح الناقد حجمه، والصحافي حجمه وكأن الواحد منهما يحتاج إلى الآخر. الصحافي يوفر المعلومات ويتابع الإصدارات والناقد ينطلق منها ليبني أعماله التحليلية. لم تعد الحركة الأدبية قادرة على أن تقوم من دون الاتكاء على الصحافة الأدبية، مثلما هي غير قادرة على القيام أيضا من دون حركة نقدية تقابلها وترافقها. الصحافة الأدبية حاجة ملحة في عصرنا، عصر الاستهلاك والسرعة. يريد المثقف والكاتب والناقد أن يدركوا ما يحصل في عالم النشر ولا يجدون أمامهم سوى الصحافة الأدبية أو الثقافية تلبي حاجاتهم. بل هم يريدون أن يطلعوا على الجديد في عالم الرواية والشعر والمسرح وسواها لكي يكونوا على بينة مما يحدث في عالم النشر. هذا جزء من الدور الذي تضطلع به الصحافة الثقافية. لكن هناك أمورا أخرى تقوم بها وأولها هو النقد، نقد الروايات والمجموعات الشعرية والمفاهيم والمقولات، والنقد هنا أو على هذا المستوى يجب أن يكون بنّاء وواعيا الدور الذي يؤديه ومحترما العمل الذي هو على المحك. ولطالما قرأنا في الصحافة - ونقرأ - مقالات مهمة، عميقة وصائبة ومحللة لكن طبعا من دون إطالة. وبعض هذه المقالات يستحيل مرجعا يحتفظ به. وكم من مقالات صحافية لفتت أنظار النقاد إلى أعمال كان ليغض النظر عنها، بل كم من مقالات ذكّرت النقاد بشخصيات أدبية مجهولة.
لعل أجمل ما يمكن وصف الصحافة الأدبية به هو أنها أشبه بالجسر الذي يربط بين الأدب والذاكرة، بين الأديب والقارئ، بين العمل الأدبي والإعلام. قد يكون جزء من عمل هذه الصحافة ترويجيا لكن الترويج هنا يكتسب معنى إيجابيا. إنه الترويج للكتب التي تستحق الترويج. ولولا هذه الصحافة لما راجت كتب كثيرة تستحق الترويج. ولكن من ناحية أخرى تستطيع هذه الصحافة أن تروج كتبا لا تستحق الترويج، والأمثلة كثيرة. وإن لم تكن المقالات النقدية قابلة لأن تكون مرجعا في أحيان، فإن مهمتها هي أن تؤرخ لحركة النشر وأن توثق الإصدارات. هذه وظيفة مهمة جدا تقع على عاتق الصحافة الثقافية أو الأدبية. إنها تؤرخ اللحظة لتجعل من اللحظات قائمة تاريخية لا بد من العودة إليها لرصد حركة التأليف والنشر. فالصحافة هذه تؤرخ الحركة الأدبية لحظة تلو لحظة عبر تناولها الكتب الصادرة نقدا أو إعلاما، وعبر رصدها المشاريع الأدبية ومعالجة مشكلات النشر، عطفا على محاورتها الكتاب، روائيين وشعراء ونقادا، وتتحول بعض الحوارات مراجع مهمة لفهم الكاتب وللاطلاع على أسرار إبداعه وعلى خفايا صنيعه. وثمة ناحية أخرى يجب الأخذ بها وهي أن الصفحات الأدبية تكون في أحيان منابر مفتوحة أمام نصوص الأدباء والشعراء فتقدم صورة واضحة عن الإنجاز الأدبي القائم في العالم العربي. بل إن نشر هذه النصوص يبدو أشبه بالحوار بين الكتاب أنفسهم عبر قراءة نصوصهم. ومن الأدوار المهمة التي يؤديها النقد الأدبي في الصحافة هو ربطه الأدب بالحياة، فالعلاقة بين الناقد الصحافي والقارئ هي علاقة حية فيها شيء من )التواطؤ( المضمر وكأن الواحد على معرفة بالآخر، على خلاف النقد العلمي أو الأكاديمي الذي غالبا ما يُحصر في حيز ضيق.
ز_ـ النقد العلمي: يؤدي هذا النقد وظيفة أشد رصانة ومنهجية. وما يجب الانتباه إليه أن النقد العلمي مكانه الكتاب أو الدراسة، وقارئ الكتاب هو حتما يختلف عن قارئ الجريدة. وبالتالي فإن الخطابين النقديين يعيان مفهوم القارئ الذي قد يكون واحدا في حالات كثيرة، لكن قراءته للنقد في الصحيفة سيكون مختلفا عن قراءته للكتب النقدية .والناقدالعربي المعاصر ،ينبغي أن تكون له ثقافته الفنية ، واتجاهه الفلسفي ، ومـُثـُله الحضارية ،وقيمه الخلقية على سواء ، وأن يطبـّقها على الأعمال الأدبية في حرّية وشجاعة , فيزن ما في عمل الأديب من مقومات فنية , وما يضم من أفكار صائبة مضللة, سليمة أو زائفة منحرفة ، أو بمعنى آخر لابد للناقد من تقييم المضمون أوالمحتوى في العمل الأدبي والمضمون عنصر جوهري والأديب الهازل ، ليس كالأديب الجاد الذي يتناول حقيقة من الحقائق النفسية النبيلة ، أو تجربة من التجارب الناضجة ، أو فكرة من الأفكار الحية العميقة . فلو أبيح للأديب أن يقول ما يشاء ، فينبغي أن يباح للناقد أن يعقـب على مضمونه قيـّماً أو تافهاً ، سليماً أو شاذّاً ، وإلا كنا منحازين عن معنى النقد وعلينا أن نعطي الناقد كل الحق في التحدث عن فن العمل الأدبي ، ومحتواه ، واتجاهه الفلسفي أو الاجتماعي وأن نلح في ذلك إلحاحا شديدا . وبهذه المواقف الفنية والفلسفية والاجتماعية التي تتفق مع أيديولوجيتنا العربية ، ومع القيم الخلقية العربية ، ومع الروح الإنساني الساعي إلى المتعة الجمالية ، يمكن أن نجني من الأعمال الأدبية الثمرة الطيبة الشهية لخيرا لإنسـان العربي والمجتمع العربي . والناقد العربي في تقويمه لا يجوز أن يتقمـّص مذهبا فنيـّاً وينحصر فيه بذاته ، ولا أيديولوجية شرقية أو غربية ، بل عليه أن ينطلق مستقلا في هذا التقويم ومستفيدا من أحدث النظريات الفنية فائدة توجيهية , فله أن يرجع إلى التاريخ ليعرف البيئة التي نما فيها العمل الأدبي وترعرع، وله أن يرجع إلى السيكولوجية ليعرف صحة الشخوص ويفهم نوازعها فهما عميقا ، وله أن يرجع إلى الحالة الاجتماعية ليعرف آثارها في الأعمال الأدبية ، وله أن يـُقوِّم العمل بما يتفق مع الثقافة الرفيعة كل هذه النواحي تلقى أضواءً على الأعمال الأدبية،وإمكان تقويمها على أن المقياس التاريخي والاجتماعي في تقويم الأعمال الأدبية هو خطوة نحو إنارته , وإن كان ليس مقياسا كافيا ، ولكنه عامل مفيد للنقد إذا استخدام كوسيلة أو كعنصر للتقويم .فليس بين نقادنا اختلاف ، فالفريق الأول الذي يلتزم الفنية , و الفريق الثاني الذي يضم إلى الفنية قيمة المحتوى ، ينتفع كل منهما بالآخر ، ويمكن تقاربهما إذا قدرنا أن أعمالنا الأدبية يجب أن ينظر إليها نظرة فنية في ضوء الأيديولوجية الجديدة التي تعتنقها ، وفي ضوء التقدّم الذي نصبوا إليه على أنه لا يجوز لنا أن نجري وراء مدرسة ولا مذهب شرقي أو غربي ، بل يمكننا أن ننتفع بجميع المذاهب لإبداع نقدمستقلأصيل . إن النقد الأدبي هو فن شخصي ، فن يعتمد على الثقافة والبصيرة النفاذة ,وعلى النزاهة ، وعلى الذكاء الحاد ، أكثر مما يعتمد على المذهبية ، وإن النقاد البصراء هم قلة موهوبة ، تعلو موهبتهم إلى درجة النبوغ بل العقربية ، وإن هؤلاء الموهوبين قد يصلون إلى حكم أكثر نفاذا وحكمة من الذين يسبحون بالقواعد والأصول الفنية , ومن الذين يضعون المضمون في القمة ، وليست الأصول ولا قيم المضامين بأكثر أهمية للناقد من الموهبة , والفطنة , والنزاهة ، فإذا ثارت مناوشة بين أصحاب المذاهب ، فإنما هي مناوشة لن تفيد النقد كثيرا ولا قليلا ، إنما يجني النقد والأدب - على سواء - ثمرات نافعة إذا عَمـِلَ النقاد - مدرّسيين وأحرارا ً- في الحقل الأدبي في محبة وتسامح وتواضع على خير الأدب ، وإعلاء شأن الموهوبين من الأدباء : شعراء ، أوقصاصين ، أو مسرحيين ، أو روائيين , أو مؤلفين ،.
ح _النقد الفقهي أواللغوي:
منهج النقد السائد في الآداب العربية القديمة هو " المنهج الفقهي أواللغوي " الذي يعتمد على تحليل النص ودراسته ، من حيث البلاغة ، وقواعدالعربية ، والنحو والصرف ، واللغة والعـَروض ، وبيان ما بين معناه ومعاني السابقين والمعاصرين من تشابه أو احتذاء .. وتقسيم النص إلى جمل أو أبيات ، والتحدث عن كل جملة أو بيت على أنه وحدة فنية مستقلة بذاتها ، وقد سار على ذلك ابن سلام ، والجاحظ ، وابن قتيبة ، والمبرد ، وابن المعتز،والآمدي ، والجرجاني .. ولكن قـُدامة بن جعفر يسير في تحديد النقد على التحدث عن عناصر الأدب عنصرا عنصرا , من معنى ولفظ وسواهما ، ويشرح أسباب الجودة أو القـُبْح في كل ، مع القرب من المذهب الفقهي في النقد ، ويحتذيه في ذلك أبو هلال وابن رشيق .. أما عبدالقاهر الجرجاني فقد نحا في النقد مَنـْحَى التحليل الأدبي القريب من المنج الفقهي ، وتحدث عن صلة البلاغة بالنفس والعاطفة والخيال حديثا قويا مستفيضا . ولا تزال هذه الاتجاهات القديمة هي أظهر ما يغلب على أدبائنا اليوم ، ويتسم أغلب النقد المعاصر بسماتها .. وهي تغفل التجربة الشعرية والصياغةالفنية والقيم الشعرية والأثر الأدبي جملة وصلته بصاحبه ومدى توفيقه في أداء المشاعر الخفية والعواطف الدقيقة .. ولا تزال آراء نقادنا القدامى والمعاصرين غامضة مجملة ولا يزال الاختلاف بينهما كبيرا والحكم الأدبي متفاوتا ، لأنها آراء لا تقوم على قواعد محدّدة .. ومن ثم فإن هذا المذهب الفقهي الواضح في النقد العربي عجز , ولا يزال عاجزا عن الوفاء بحق الثقافة الأدبية العالية ، وإنارة السبيل أمام دارسي الأدب ونقـّاده .
ط _ النقد الفني : وقد ساد في أوربا منهج جديد في النقد ، سماه أنصاره " المذهب الفني " ، وعماده الحكم على النص الأدبي من حيث روحه وموسيقاه وأصالته وعناصره وصدقه وتجربته الشعرية . وقد دعا إلى هذا المذهب الفني في النقد واحتذاه جماعة من المجدّدين في أدبنا المعاصر ، ومن أوائلهم : شكري ، ومطران , وأبو شادي ، وقد حكم العقاد والمازني على شعر شوقي وحافظ متأثرين به ، كما حكم السحرتي على مطران والشابي على ضوئه . وهو منهج أصيل لا نجد له أثرا في نقدنا العربي القديم إلاّ في ومضات قليلة , نلمسها عند القاضي الجرجاني ، وعبدالقاهر وقد رأى سيـّد قطب في كتابه " النقد الأدبي " أن هذا المنهج الفني هو الذي ساد الآداب العربية القديمة ، وهو رأي لا يعتمد على فهم عميق لروح هذا النقدالأدبي في لغتنا العربية ، كما رأى أن مذاهب النقد ثلاثة : المنهج الفني,والمنهج التاريخي ، والمنهج النفسي , وهذا خلاف تقسيمنا الذي نسير عليه ،والذي فصّل الكلام فيه السحرتي الناقد المشهور في كتابه " الشعر المعاصرعلى ضوء النقد الحديث " .. ويرى سيد قطب أن المنهج الكامل في النقد هواجتماع هذه المناهج الثلاثة التي عدَّدَها في منهج واحد سماه المنهج التكاملي . هذا ويرى مندور أن مناهج النقد هي : المنهج التأثري - والموضوعي - والاعتقادي - والعلمي - والتاريخي - واللغوي . وسادت نزعة جديدة في النقد سـُمّيت : " النزعة الواقعية ، أو المنهج الواقعي " ، وأساس هذه النزعة هو النظر إلى موضوع الأثر الأدبي ، فإن كانبينه وبين الحياة والمجتمع صلة فهو أثر أدبي قيـّم تجب العناية به والإشادة بمنزلته ، وإن كان لا يعالج شأنا ً من شئون الحياة والمجتمع والناس فهو أثر أدبي يجب أن يموت وأن يختفي .. فإن عالج الأدب الموضوعات الإنسانية العالية الخالدة كان أقرب إلى الخلود الأدبي ، وسنتحدّث عن هذا المذهب بتفصيل فيما بعد .وحول هذا المذهب الواقعي يدور " مندور " ، وكذلك " هيكل " في تعريف الأدب بأنه فن جميل غايته تبليغ الناس رسالة ما فى الحياة من حقّ وجمال .وأرى أن الجمع بين المناهج الثلاثة " الفقهي ، والفني ، والواقعي " في النقد يؤدي بنا إلى أحكام أصدق وآراء أشمل في الحكم على الأدب والشعروالآثار والنصوص المختلفة ، وفهم الخصائص والمميزات والسمات لكل أديب وشاعر ، والعوامل المؤثرة في الأدب ، وصلة القديم بالحديث ، والحديث بالقديم ، وبذلك ننتقل إلى مرحلة جديدة في النقد ، قد تصل بنا إلى "النضـج الفنـّي الكامـل " وإلى نهضة أدبية شاملة , وإلى ازدهار في نقدنا
المعاصر .
الباب الثامن
الفصل السادس
تقنيات النقد الأدبي الحديث
النقد الحديث هو : استعمال منظّم للتقنيات غير الأدبية ولضروب المعرفة _ غير الأدبية أيضا – في سبيل الحصول على بصيرة نافذة للادب " ويقصد بالتقنيانت غير الأدبية تلك العلوم التي تمّ تطويرها في القرن العشرين مما جعلها مرجعا للنقد الحديث وسندا للوصول الى آفاق نقدية مستحدثة .
1 _ العلوم الاجتماعية :
طرحت نظريات اجتماعية واقتصادية كان لها أثر كبير على المفكرين ، أهمها النظرية المادية الجدلية التي أثرت على فكر جيل من الادباء والنقاد وتأسست مدرسة فكرية تحمل اسم " مدرسة النقد الاجتماعي الماركسي " .
2 _ التحليل النفسي:
توصل " فرويد " إلى مناهج علمية تحليلية تدرس الفكر البشري عن طريق تحليل الأحلام إلى رموز بصرية . وقد تأثر نقاد الفن والادب بمنهجه ، واتضح ذلك في أعمالهم النقدية . ولكن الأكثر شيوعا واستعمالا هو طروحات " يونغ " ( تلميذ فرويد ) المختصة باللاشعور الجمعي وأصوله التاريخية . وتأسست مدرسة نقدية اسمها " مدرسة التحليل النفسي والنقد النفسي " .
3 _ العلوم اللغوية :
الدراسات الحديثة استحدثت مفهوما جديدا هو أن " اللغة طريقة لإدراك العالم المحيط بنا ودور الغة هنا لا يؤثر على تفكيرنا بحد ذاته ، أي على جوهره بل على آليته " وهذه الأنظمة أوجدها لغويون مثل العالم الفرنسي " سوسير " و " بياجيه " التي تجاوزت مفعولها على اللغة والإنتاج الأدبي لتطبقه على جميع مجالات الثقافة من العلوم والفنون , وقد نشأت المدرسة الشكلية على هذا الأساس وتسمى " مدرسة النقد الشكلي البنيوي " , و" مدرسة النقد الظاهراتي " .
4 ـ العلوم الطبيعية والإحيائية :
طرحت نظريات أثبتت أهميتها في مسار الفكر الحديث مثل " نظرية التطور الدارونية " و " النظرية النسبية " لانشتاين ( التي ناقضت المفاهيم المطلقة) ونظريات في فيزيائية أخرى مثل " المجال " والمقصود به مجالات الطاقة التي غيرت فهم المادة من مبدأ كونها مجموعة أجزاء صغيرة ( مفهوم تحليلي ) ، إلى مبدأ : " ساحات طاقة تنعقد وتنفصم فيها في نقاط خاصة كأمواج البحر في تكوينها وانفراطها ،وهي فكرة البنيوية كما يطرحها روجيه جارودي في كتابه " ماركسية القرن العشرين
5 _ الفلسفة :
من الواضح أن تطور العلوم أعلاه قد ساعد أو أثر في ظهور دراسات فلسفية حديثة قد تعتمد في منابعها الأولى على مناهج الفلسفة القديمة التي سبقت الميلاد وبعده ولكن بتوجهات فكرية حديثة ورؤى تساعد على قراءة النتاج الأدبي بمفهوم حديث . إذا كانت كلمة النقد تعني في مفهومها الدقيق ( الحُـكم ) ، وكان "النقد الأدبي " هو إصدار حكم على الآثار الأدبية ، فإن الأدب الإنشائي يخالف الأدب النقدي الذي هو من الأدب الوصفي ، فالإنشائي هو تفسير للحياة في صور مختلفة من الفن الأدبي , والأدب النقدي هو تفسير لهذا ولصور الفن التي يوضع فيها ، وكما يأخذ الأدب من الطبيعة والحياة فإن النقد كذلك ياخذ منهما عن طريق غير مباشر ، ولذلك يقول الناقد " وليم واطسون " عن الشعراء وقد اعتبرت هؤلاء كجزء من عظمة الطبيعة " . وإذا كان في الإمكان الرجوع إلى المصدر الأول وهو الطبيعة دون الرجوع إلى تفسير لها أي إلى النقد ، فإن النقد يوحي ويشجع وينير السبيل ، ويلهم
الأدباء أنفسهم اتجاهات جديدة ، وللنقد قيمته الذاتية في أنه تعبير عن الناقد نفسه ، عن شخصيته وفكره ومذهبه ومنهجه .
إن وظيفة النقد الأدبي هي في تقويم العمل الأدبي من الناحية الفنية .وبيان قيمته الموضوعية ، وقيمته التعبيرية والشعورية ، وتوضيح منزلته وآثاره في الأدب .يرى " سانت بيف " أن وظيفة الأدب هي النفاذ إلى ذات المؤلف لتستشف روحه من وراء عباراته بحيث يفهمه قـُرَّاءه ؛ وفي ذلك يضع الناقد نفسه موضع الكاتب فالنقد على حد تعبيره يعلم الآخرين كيف يقرؤون ، ولذلك كان على النقد أن يتجاوز القيم الجمالية العامة إلى بيان العمل الأدبي للقارئ لمساعدته على فهمه وتذوقه ، وذلك عن طريق فحص طبيعته وعرض ما فيه من قيم .ويُعرِّف " سانت بيف " الشعر بأنه التعبير الجميل عن شعور صادق . ويحمل " وردزورث " على النقد ويعدّه عبثا ، لأن المقدرة على النقد أحط من المقدرة على الإنشاء . ومن قبل حمل " أفلاطون " على الشعر وعابه بأنه تقليد للتقليد .ولا شك أن ذلك أمر لا يوافقه عليه ناقد آخر ، فإن النقد يوجه ويثري الأدب
, ويعلي من منزلته في الحياة ، ولا غنى للحياة ولا للأدب ولا الأدباء عنه هو الذي يخلق المناهج والمذاهب الأدبية ، ويقوّم أعمال الأدباء ، ويوصي باختيار النماذج الجيدة من الأدب ومحاكاتها ، ويغرس حب الجيد منه في نفوس الدارسين والناشئين ويُعـَوِّدهم على مثل هذا الجيد منه .والنقد عند " كولردج " ليس هو اكتشاف مدى التزام العمل الأدبي بقواعد شكلية معينة ، بل في كشف مدى انسجام العمل مع ذات الناقد . ومهمة الأديب هو تجسيد تجربته في رموز ، وعلى الناقد أن يتحقق فيما إذا كان الشاعر قد اقتصر على ترجمة أفكاره إلى لغة الشعر أم أنه قد نجح في تجسيد هذه الأفكار في رموز تعادلها تماما بحيث يتعذر انفصال إحداها عن الأخرى .ويروي " باوند " الأمريكي أن الشعر خَلـْق لا تعبير ، وعملية الخلق هي عملية واعية في الدرجة الأولى ، فهي عملية تحكم ، وليست عملية إلهام . ويقول : إن أعظم أمراض النقد هو الاندفاع بحثا عن شخص الفنان في العمل الفني ، ويناظره في الفشل النظر إلى العمل في ذاته .. ومن الموهبة واستيعاب التراث يصبح الإنسان شاعرا ، فلا بد لذلك منهما ، وفي هذا يتفق "باوند " مع " إليوت .ووظيفة النقد عند " باوند " هي فحص العمل الفني من الداخل ، من حيث علاقته بذاته ، دون أي شيء خارج عليه , سواء كان ذلك مُمـَثلا في حياة الأدب أوالمجتمع أو العصر.
الباب الثامن
الفصل السابع
المدارس النقدية الحديثة لدراسة الأدب
قد ظهرت مدارس عديدة لدراسة النتاج الادبي أو الفني تعتمد على الأسس الفلسفية الحديثة , غير تلك الأسس الفلسفية القديمة ، بل مدارس حديثة هي أساس مناهج النقد الحديث وهي :
1- ـ مدرسة النقد الشكلي والبنيوي:
2- ـ مدرسة النقد البراغماتي ( الوظيفي )
3- ـ مدرسة النقد الظاهرات والوجودي
4- مدرسة التحليل والنقد النفسي
5- ـ مدرسة النقد الاجتماعي والماركسي
6- مدرسة النقد القيمي
الباب الثامن
التحليل الأدبي
الباب الثامن
الفصل الأول : مجمل الخطة في التحليل الأدبي
الباب الثامن
الفصل الثاني : مراحل دراسة النصوص الأدبية
الباب الثامن
الفصل الثالث : الدراسة الجمالية للنص الأدبي
مقدمة
مغزى التحليل الأدبي:
الباب الثامن
الفصل الأول
مجمل الخطة في التحليل الأدبي
بحث أفكار الأديب ومعانيه :
أ - تحديد الأفكار .
ب- شرح المعاني
بحث الناحية العاطفية والشعرية والانفعالات النفسية .
صدق العاطفة أو كذبها ، قوتها أو ضعفها ، حرارتها أو خمودها .
المشاعر العامة من خلال اجتماع العواطف ، وبيان ما فيها من التفاؤل أو التشاؤم ، وعلاقتها بنفسية صاحب النص
الانفعالية النفسية :
البواعث الباطنية والحوافز الظاهرية التي حثت صاحب النص على وضعه ،واقتران هذه البواعث والحوافز بأخرى لها علاقة بها .
الصلة بين الأديب والنص والبيئة والزمان :
العلاقة بين الأديب والنص وأثره فيه ومقدار هذا الأثر قوة أو ضعفا .
العلاقة بين النص والبيئة .
العلاقة بين النص والعصر .
دراسة الأساليب :
الألفاظ وحروفها ، التراكيب وألفاظها ، معجم الأديب اللغوي .الألفاظ بين الحقيقة والرمز والمجاز .
الموسيقى الأسلوبية :
في الشعر : موسيقى الحروف والألفاظ والتراكيب والانشطار وأوزان والقوافي .
في النشر : موسيقى الحروف والألفاظ والتراكيب والفقرات والمقاطع والأسجاع.
بحث المذهب النفسي في النص الأدبي :
دراسة الصور والأخيلة .
صور تقليدية مقتبسة أو مسروقة .
صور مبتكرة جديدة مطبوعة بطابع ذاتي .
مظاهر الطبع والصنعة والتصنيع في النص نوع المذهب الفني الملتزم .
دراسة المذهب الفني
تقييم النص : قيمة بالنسبة للأدب العربي .
قيمته بالنسبة للأدب الإنساني .
الباب الثامن
الفصل الثاني
مراحل دراسة النصوص الأدبية
التحليل الأدبي :هو موجز الدراسة الأدبية بشكل عام ، وهناك أمور خاصة ، وهناك أمور عامة معروفة لدى الشارحين والدراسين على حد سواء .
المرحلة الأولى:
نعرض فيها لدراسة أفكار الشاعر ومعانيه ومبانيه ، فنستهل ذلك بتبيان الأفكار ثم توضيح المعاني
ليس من السهل إن نحدد المعاني وان نشرح الأفكار ، لان الأفكار والمعاني إنما هي المضمون الذي يهمنا في النص الأدبي .
وقد تتداخل الأفكار ، وقد يصعب تحديد الفكرة في النص شعريا كان أو نثريا ، وهذا التداخل يرجع إلى المؤلف نفسه ، لأنه لا يسير وفق خطة معينة .
وكما إن الأفكار والمعاني تتداخل ، وقد يصعب تحديدها وفصلها ، فان الأغراض الشعرية تتداخل عند الشاعر أيضا ، وفي هذه الحالة يكون من الصعب علينا دراسة كل غرض على حدة . انه لمن العسير مثلا دراسة النسيب بمفرده عندما يكون متداخلا ومقرونا بالخمريات ، لان هذا يؤدي إلى تعقيد المعنى وتداخل الأفكار .
فالتداخل في الأفكار يرجع إلى أمرين : إلى طبيعة النص أولا ، والى طبيعة الشاعر ثانيا ، وفي هذه الحالة نغلب دائما الفكرة التي تطغى على النص من حيث المعاني .
إما فيما يتعلق بالمعاني ، فعلينا أولا إن نعبر عن هذه المعاني ، وان نعرضها عرضا سريعا دون تطويل ممل أو إجمال مخل ، وفي هذه الحالة نكون قد أدينا المعنى المراد ، سواء كان المعنى في النثر أم في الشعر دون زيادة أو نقصان .
وهذا فيما يتعلق بدراسة نص الشاعر : أفكاره ومعانيه . ونلخص هذا في شرح المعاني وتحديد الأفكار .
المرحلة الثانية :
إما المرحلة الثانية التي نقف عندها قليلا ، فهي بحث الناحية العاطفية والشعورية وتحليلها ، وفي بحث هذه الناحية لا بد لنا من إن نهتم بما يلي :
نبدأ بالعاطفة : نص بدون عاطفة لا قيمة له ,ونص مجرد عن الشعور الإنساني لا قيمة له ,ذلك لأن العاطفة والشعور يعطيان أهمية كبرى للنص ,إذ يبعث فيه الحرارة والانفعال .
ماذا نتبين في العاطفة ؟ وما هي الأمور التي يجب أن ندرسها من خلال ذلك ؟
ندرس صدق العاطفة أو كذبها , ندرس قوتها أو ضعفها , ندرس حرارتها أو خمودها ,ونحاول أن نتبين الانفعال العاطفي وتدرجه بين معاني النص وأفكاره .في بعض الأبيات نجد العاطفة متقيدة عند الشاعر حيث تبلغ قيمتها ,وسرعان ما تخمد هذه العاطفة لأسباب نفسية تعود من جديد إلى الاتقاد .
لا بد إذن من هذه العاطفة لكي نستطيع أن نقيم هذا النص الذي أمامنا سواء كان شعريا أم نثريا, ومن خلال العاطفة نحاول أن نعرض للمشاعر العامة ,فنتساءل هل نجد في هذه العاطفة أو المشاعر التفاؤل أو التشاؤم ؟
قد نجد شاعرا من طبعه التشاؤم ,وقد نجد آخر من طبعه التفاؤل ,وعندئذ لا لنا من أن نلحظ نفحات من هذا التفاؤل , نفحات ضاحكة تطغى على النص , وبالمقابل نجد سحائب من هذا التشاؤم تطبع النص وصاحبه , فتغلف أفكاره وتغلل معانيه .
ننتقل بعد ذلك إلى بحث الانفعالات النفسية , وإن كانت تبدو لأول وهلة جزءا من العاطفة , فنبحث في البواعث الداخلية التي حثت صاحب النص على كتابة هذا النص .
نجد مثلا شاعرا من الشعراء مرت به حادثة عابرة ,فكونت في أعماق نفسه انفعالات معينة ,وقد تكون هذه البواعث آنية ,وقد تكون بواعث كامنة في اللاشعور وذات صلة بأحوال الإنسان في ماضيه القريب أو البعيد .
قد يفكر منذ زمن طويل في نظم قصيدة أو تأليف كتاب , فهناك إذا دوافع جديدة ,حتى الأديب على كتابة النص الشعري أو النثري . إذا هناك عالم باطني تتصارع فيه كثير من الحوافز والبواعث التي لا تجد متنفسا لها إلا في هذه اللحظة الآنية التي جمعت ما في باطنه , وأخرجته إلى المستوى الشعوري عند الإنسان , وقد تقترن هذه الحوافز الباطنية بعوامل أخرى لا علاقة للشاعر بها .
إن أعظم الدواوين و أكمل الأعمال الأدبية هي التي ظهرت استجابة لاقتران البواعث الباطنية والنفسية , والتي اقترنت بالعوامل الخارجية .
المرحلة الثالثة :
الصلة بين الأديب والنص والبيئة :
التعريف بالنص والأديب .
بيان أهمية النص .
أسباب وضع النص
ما هي علاقة هذا النص بحياة صاحبه ؟ وهل استطاع أن يعبر عن مراحل حياته ؟ فلا لنا إذن من هذه الدراسة والتعمق فيها لقوة ارتباطها بالنص عند دراسته قد لا يظهر للشاعر أي وجود في نصه ,أو قد لا يظهر له وجود بارز يطغي على النص , فيطبعه المميز .
ننتقل الآن بعد أن شرحنا المراحل الثلاث السابقة إلى عنصر هام و واضح
المرحلة الرابعة :
الأسلوب ودراسته :
في بحث الأسلوب ودراسته لابد لنا من أن نعرض ما يلي :
نبحث الألفاظ والتراكيب . فما هي الأمور التي ندرسها في الألفاظ ؟
طبيعة هذه الألفاظ وما نسميه معجم الشاعر الشعري أو معجم الناثر النثري .
نوع هذه الألفاظ – هل تتميز بالوضوح أو بالغموض ؟هل تتميز بالسهولة أم التعقيد ؟ بالانسجام أم التصنيع ؟ هل تتمتع هذه الألفاظ بقدرة الإيحاء الذاتي أو الجرس الموسيقي ؟بعد هذا ننتقل إلى التراكيب نفسها .
هل أجد في هذه التراكيب صورة عن خصائص الأديب ومدى علاقة هذه التراكيب بألفاظها ؟بالطبع هناك ائتلاف الجملة ,فلكل شاعر أسلوبه الخاص في نظام شعره , وبقدر ما تكون التراكيب ذات طابع ذاتي بقدر ما نجد ذاتية الأديب .
الصور و الأخيلة : تختلف باختلاف البيئة والزمان , لأن البيئة هي المكان الذي يجول فيه خيال الشاعر ,فيأخذ منه , وهنا نحاول أن نجلي هذه الصورة وأن نتمثل هذه الأخيلة .
ننتقل بعد الدراسة المفصلة للصورة ومدى علاقتها بالبيئة من جهة وشخصية الشاعر من جهة أخرى إلى تبين طبيعة الأسلوب في ألفاظه وتراكيبه وصوره و أخيلته . بعد هذا أحاول أن أتبين حقا إذا كان الأديب قد جنح في أسلوبه إلى التقرير , أي تقرير الأشياء معبرأ عنها باهتماماته الحقيقة أو أنه لجأ إلى الرمز و الإيحاء .
وهنا لا بد لنا من أن نحاول توضيح طبيعة بعض الألفاظ أو بعض التراكيب التي مرت معنا في هذا النص .
دراسة الموسيقى في النص : وهي قضية هامة في دراسة النص الأدبي شعرا كان أم نثرا , ونحاول في دراستنا أن نتبين هذه الموسيقى من خلال الحروف , فالألفاظ , فالتراكيب , فالأوزان , فالجمل المسجعة فالقوافي المتناسبة .إن الموسيقى ليست في الأوزان والقوافي فقط , وإنما تبدأ من الكلمة لتنتهي بالقافية وبحرف الروي .
المرحلة الخامسة : دراسة المذهب الفني في النص الأدبي :
فنحن نعرف أن للعصر الجاهلي مذهبا , والعصر الإسلامي والعباسي كل منهما بمذهب خاص به , وفي كل عر نجد مذاهب أدبية مستجدة . وهنا في بحثنا للمذهب الفني للشاعر لا بد لنا من دراسة الصور والأخيلة في الأسلوب لكي نقيم الصور والأخيلة . هل هي جديدة ؟ وهل تكتسب طابعا ذاتيا ؟ وهل الصور تقليدية أم جديدة مبتكرة ؟ ندرس المذهب الفني , ونوضح مقدار الطبع وأثر الصنعة في النص .
ثم نقرر نوع هذا المذهب ومقدار التزام الشاعر .
وأخيرا تأتي المرحلة الختامية , وهي مرحلة الحكم على النص بكامله – أي القيمة الأدبية للنص – أي وضع هذا النص في مكانه المناسب بالنسبة للأدب العالمي والإنساني .
هل نرى في النص بعض التألقات الذاتية والإنسانية التي يمكن أن ترفعه إلى مرتبة الأدب العالمي ,وتضعه في مصاف الأدباء الخالدين ؟
الباب الثامن
الفصل الثالث
الدراسة الجمالية للنص الأدبي
تتضمن الدراسة الجمالية لنص من النصوص خطوات خاصة تختلف عن الدراسة الأدبية بشكلها المعهود ويمكن إتباع الخطوات التالية في دراسة النص جماليا"
1ـ عرض الأثر الأدبي المراد دراسته
2ـ تفحص أفكار الثر الأدبي و مقارباتها مع أفكار و نصوص أخرى
3 ـ تفحص الأسس الحركية للأثر لأدبي
4 ـ تذوق وجمالية لأسس الحركية لهذا الأثر الأدبي والتفريق بين الجمال
الحسي الواقعي وبين الجمال المعنوي من خلال المعاكسة بين الواقع وبين الخيال
من الوصية التعبيرية الجمالية
5 ـ بيان القيم التعبيرية الجمالية للأشر الأدبي والقصة الشعرية ـ الحركةـ المسرحية> الهمس الواعدـ الصخب المجلجل >
6 ـ استبا ر العاطفة بين الواقع والخيال
7 ـ تفتيق الجمال الفني بين رؤى الماضي وخيال المستقبل
الباب العاشر
العصور الأدبية
1 ـ العصر الجاهلي : وهي الفترة الزمنية التي كانت قبل الإسلام.
2 ـ عصر صدر الإسلام ويمتد من موت الرسول صلى الله عليه وسلم إلى موت الخليفة الراشدي علي بن أبي طالب
3 ـ عصر الخلفاء الراشدين : من ظهور الإسلام إلى آخر دولة الخلفاء الراشدين وقيام الدولة الأموية (40هـ - 660م)
4 ـ العصر الأموي: (41هـ - 661م) إلى (132هـ - 750م)
وهناك من يعد العصر الإسلامي من ظهور الإسلام إلى أواخر الدولة الأموية ثم يقسم ذلك من ظهور الإسلام إلى أواخر دولة الخلفاء الراشدين ويطلق عليه عصر صدر الإسلام ثم يسمى العصر الذي يليه العصر الأموي .
5 ـ العصر العباسي :
هناك من يقسمه إلى قسمين :
أ ـ العصر العباسي الأول :يمتد من 132هـ إلى - 247هـ أي من 750م – 861م . أي من وفاة الخليفة العباسي العاشر المتوكل على الله (جعفر بن محمد المعتصم) الذي حاول نقل عاصمته إلى دمشق غير أنه عاد إلى سامراء حيث اغتاله القادة الأتراك بالاشتراك مع ابنه الأكبر المنتصر، وكان موته انحطاط للدولة العباسية .
ب ـ العصر العباسي الثاني : يمتد من سنة 247هـ إلى - 656هـ أي من861 م - 1258م أي من وفاة الخليفة العباسي السابع والثلاثين المصتعصم (عبد الله بن منصور المستنصر) وهو آخر الخلفاء العباسيين في بغداد الذي عجز عن صد الزحف المغولي بقيادة هولاكو الذي قتله بعد أن احتل بغداد وأعمل السيف برقاب أهلها وقضى على مكتبتها .
وهناك من يقسم هذا العصر إلى ثلاثة أقسام هي :
- العصر العباسي الأول 132هـ - 750م – 247هـ -861م
- العصر العباسي الثاني : 247هـ - 861م – 334هـ - 945م
وذلك بعد أن دخل البويهيون بغداد في هذا العام في خلافة المطيع لله (الفضل بن المقتدر) وهو الخليفة الثالث والعشرون الذي غدا ألعوبة في أيديهم .
- العصر العباسي الثالث : 334هـ / 945م – 656هـ /1258م
ومن المؤرخين من يقسم هذا العصر إلى قسمين :
العصر البويهي 334هـ /945م – 447هـ /1055م
العصر السلجوقي: 447هـ/1055م – 656هـ/ 1258م
العصر المغولي أو العصر التتري : يبدأ من سنة 656هـ /1258م – 1213هـ /1798م أي إلى بداية الحملة الفرنسية على مصر .
6 ـ العصر الحديث : يبدأ من 1223هـ /1798م إلى يومنا هذا ، وهناك من المؤرخين من يلجأ إلى تقسيم العصور الأدبية إلى ثلاثة حقب هي :
الأدب القديم : يبدأ من أقدم العصور الجاهلية إلى آخر العصر الأموي أي إلى سنة : 132هـ / 750م .
الأدب المحدث : ويبدأ م مطلع القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا .
ويذهب بعض المؤرخين إلى تقسيم هذه العصور إلى أقسام نظراً لطول فترة العصر وهي :
العصر الجاهلي .
عصر المخضرمين أو صدر الإسلام وذلك من أول الإسلام إلى آخر دولة الخلفاء الراشدين وقيام الدولة الأموية 40هـ / 660م.
العصر الأموي: 41هـ /661م – 132هـ /750م
العصر العباسي : 132هـ / 750م – 656هـ /1258م
ويقسم إلى الحقب التالية :
الحقبة الأولى: حقبة بغداد 132هـ /750م – 334هـ /945م
الحقبة الثانية: حقبة الدويلات 334هـ/945م – 447هـ/ 1055م
الحقبة الثالثة : حقبة السلاجقة 447هـ/1055م – 656هـ /1258م وهناك من يقسم هذا العصر إلى عصرين :
العصر العباسي الأول : يبدأ بقيام الدولة العباسية سنة 132هـ - 334م
العصر العباسي الثاني: يبدأ بقيام الدولة البويهية سنة 334هـ - 2945م/ 656هـ - 1258م أي بدخول التتار بغداد
6 ـ العصر الأندلسي: يقسم إلى الحقب التالية :
حقبة الولاة : تبدأ بدخول المسلمين الأندلس سنة 98هـ - 716م إلى 138هـ- 755م أي إلى قيام دولة الأمويين هناك.
حقبة ملوك بني أمية وملوك الطوائف: تبدأ سنة 138هـ/755م حتى 484هـ/1091م إلى عصر المرابطين والموحدين .
حقبة المرابطين والموحدين : تبدأ سنة 484هـ/ 1091م حتى 630هـ/1232م أي إلى قيام دولة بني الأحمر .
حقبة دولة بني الأحمر : تبدأ سنة 630هـ /1232م – 897هـ /1491م حين طرد المسلمون من الأندلس .
7 ـ عصر الدول المتتابعة
8 ـ العصر التركي :يبدأ سنة 656هـ/ 1258م- 1213هـ 1798م أي إلى بداية الحملة الفرنسية على مصر .
9 ـ العصر الحديث : يبدأ من سنة 1213هـ - 1798م إلى اليوم
10 ـ العصر المعاصر