الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

موسوعة تاريخ الأدب والنقد والحكمة العربية والإسلامية بقلم:حسين علي الهنداوي

تاريخ النشر : 2013-08-12
الأدب والنقد والحكمة العربية
في عصر ما قبل الإسلام
حسين علي الهنداوي
المجلد الثاني
مسجلة في
مكتبة الأسد الوطنية/ دمشق
مكتبة الفهد الوطنية / الرياض
مكتبة الإسكندرية / مصر العربية






الأدب والنقد والحكمة العربية
في عصر ما قبل الإسلام





بسم الله الرحمن الرحيم



الباب الأول
وشائجية المكان والإنسان واللغــة







الباب الأول
الفصل الأول
العمق التاريخي للعرب


ليست هناك نصوص تتوغــل فــي التاريخ ، بحيث تشير إلــى أكثر من قبيلة ، جرهم التــي جاورتها السيدة هاجر وابنها اسماعيل عليه السلام في وادي القرى في مكة ، بحيث تكلمت اللغة العربية وتعلم اسماعيل عليه السلام هذه اللغة من هذه القبيلة . ويظهر أن المعنى الحقيقي للفظ " عرب " هو صحراء ، وقد كان أهل التاريخ القديم يقصدون بالأعراب أهل البادية في القسم الشمالي من جزيرة العرب وشرقي وادي النيل في البقعة الممتدة بين الفرات في الشرق والنيل في الغرب؛ وينقسم العرب إلى قسمين عظيمين أو طبقتين كبيرتين الطبقة الأولى ، هي العرب البائدة ، ويريدون بها القبائل التي هلكت ودرست آثارها وانقطعت أخبارها ، وهى عندهم تسع (عاد، وثمود ، وطسم ، وجديس ، وأميم ، وعبيل ، وجرهم ، وحاسم ، وعمليق) ، وأشهرها الأربعة الأول ، ويسمونها العاربة ؛ أما الطبقة الثانية ، فهي العرب المتعربة أو المستعربة،وهم أبناء إسماعيل بن إبراهيم ،ويذهب بعضهم إلى تقسيم العرب إلى عاربة وبائدة وهم (عاد وطسم وثمود وجديس )، وتسمى قحطان عرباً متعربة ، وعدنان عرباً مستعربة ؛ وقد كان موطن شعب قحطان بلاد اليمن ، وهو ينسب إلى قحطان بن عابر بن شالح الذي يقال إنه أول من ملك أرض اليمن ولبس التاج وأطلق على نسل قحطان اليمنيين أو القحطانيين ، بينما أطلق على نسل إسماعيل بن إبراهيم العدنانيين أو النزاريين ، وصار هذان اللفظان يرادفان عرب الجنوب وعرب الشمال . وخلف قحطان ـ جد أعراب الجنوب - ابنه يعرب الذي يقال إنه أول من أتخذ العربية لساناً ولقبه الشعراء " رب الفصاحة " ، قال بعضهم
فما مثل قحطان السماحة والندى ولا كابنــه رب الفصاحة يعرب.
ومن هنا أطلق على القحطانيين العرب المتعربة ، أما العدنانيون فيقال لهم العرب المستعربة ، ، وهم جمهور العرب البدو والحضر الذين يسكنون أواسط جزيرة العرب وبلاد الحجاز إلى بادية الشام. وكان أهل الجنوب يعيشون عيشة قرار ، أما أهل الشمال فغلبت عليهم البداوة والارتحال .ولقد سبق عرب الجنوب عرب الشمال في إنشاء حضارة خاصة ، بينما كان معظم الشماليين يعيشون في بيوتهم التقليدية المصنوعة من الشعر ، ويتنقلون من مكان إلى آخر طلباً للعيش والحياة ، ولم يظهر عرب الشمال على المسرح العالمي إلا بظهور الإسلام الذي تعتبر أرضهم مهده الأول وكان العداء مستحكماً بين العدنانيين والقحطانيين منذ القدم حتى أن كلاً منهم اتخذ لنفسه شعاراً في الحرب يخالف الآخر ، فأتخذ المضريون العمائم الحمر والرايات الحمر ، واتخذ أهل اليمن العمائم الصفر والرايات الصفر . ولا شك أن الحصول على وثائق حقيقية وكاملة حول التاريخ القديم للأمم السابقة عسير جدا ، ولكنا لو رحنا نستجلي مقاربات حول تاريخ هذه الأمم لوجدنا أن هناك حقائق يمكن الاستناد إليها في فهم شذرات من مسيرة هذه الشعوب والمستقرىء لصفحات التاريخ يرى أن الوثائق القديمة المكتوبة والمنقوشة حول العـرب قــد أوردت أخبـارا قليلة بمـا لا يتجاوز القرن التاسع قبل الميلاد في الحديث عن الحميريين والسبئيين والمعنيين ، وقد تفرع عـن هؤلاء شعـــوب سكنت بلاد الشمــال والعــراق وشمــال أفريقيا كالاكاديين والبابليين والآراميين والفينيقيين والآشوريين والسومريين وقــد كانت هــذه الشعــوب تشترك بجـــذور المفردات والضمائر والأسماء والأعداد وأعضاء الجسم وتسمى كل هؤلاء بالشعوب السامية . وأقدم نص آشوري تحدث عن كلمة عرب كان أيام الملك شلمنصر الثالث ويعني:العرب يساوي البداوة أو المشيخة . وفي الآثار البابلية وردت كلمة " ماتوا أدبي " وتساوي الأعراب أو البادية.وعند اليونان تحدث هيروديت عن العرب وبلادهم التي تضم البادية وطور سيناء . وفي اللغة العربية المعتمدة علـى النصوص العربية ، وردت كلمة أعرب بمعنى أعراب ، فقد دلت كلمة عرب على المعاني التالية : عرب : ظهر وبان ووضح . الإعراب :الإفصاح والإبانة . العربي : شعير أبيض .العرب : النشاط والماء الكثير والصافي سواء أكان من النهر أم من البئر . وفي القرآن الكريم :المرأة العروب : المتحببة إلى زوجها ووردت كلمة عربي إحدى عشرة مرة ( 11) نعتا للغة القرآنية ، وللرسول محمد عليه السلام ولم تتعدَ هذه الكلمة نقطة التبدي .


الباب الأول
الفصل الثاني
القيم الإيجابية والسلبية للعرب الجاهليين

لا ينفك الإنسان منذ أن سكن الأرض وهو يبحث عن استقراره المتعلق بوجود قيم خيرة سامية يحقق من خلالها وجوده الحق ، ولكن مسيرة الإنسان المتعثرة جعلته بفضل مصالحه يتخذ القيم السلبية مطية له ، وبذلك نشأ الصراع بين قيم الخير والشر وما يزال هذاالصراع قائما إلى يومنا هذا ، والعرب كغيرهم من الأقوام عايشوا صراع القيم وتناوبت حياتهم بين بحث عن قيم الخير وجنوح إلى قيم الشر، فتقاسمتهم قيم الخير وقيم الشر تبعا للحالة البيئية التي عاشوهاوبالرغم مما ظهر في شعر الجاهليمن من قيم سلبية فرضتهاظروف الحياة والبيئة،فإن صورة الإنسان العربي تبقى متجلية فيها مشرقة تنزع إلى المثل الساميةوتتعلق بالحق والخير والحفاظ على العهود ، والتضحية في سبيل الآخرين؛ ذلك أن القيمة مفهوم اجنماعي لما يعد مرغوبا فيه من الناس، من الأهداف ومعايير الحكم، ولا شك في أن مجموعة القيم التي يؤمن بها فرد من الأفراد وجماعة من الجماعات تكوّن نظرة هذا الفرد أو تلك الجماعة في الحياة، والقيم قد تكون صريحة حين ينص عليها أو يشار إليها بوضوح، وقد تكون ضمنية يستدل عليها من سلوك الأفراد أو الجماعات؛ فالقيم السلبية هي كل مفهوم غير مرغوب فيه من الناس أو سلوك مرفوض من الشرائع السماوية أو من الناحية الاجتماعية؛ ويتجلى في الشعر الجاهلي الصراع بين القيم الايجابية والسلبية....بين صوت العاطفة المندفعة ونداء العقل المتزن في الحرب والسلم، والثأر والتسامح، والثورة على الظلم والاستسلام للأقوياء، ومقاومة النفوذ الأجنبي وغير ذلك .
وقد تمتّع هؤلاء العرب بمجموعة من القيم الإيجابية ، كالمروءة ، والوفاء ، والعزة ، والنبل ، والكرم والشجاعة ، والبطولة ، كما سيطرت عليهم قيم سلبية تتمثل في التعصب القبلي ، والاعتماد في الرزق على الإغارة ، وحيازة ميراث المرأة مالا ونفسا،والوأدوالثأر والخلف في العهود وشرب الخمرة ولعب الميسر والقمار والذبح على النصب وعبادة الأوثان ، وجميعها تنطلق من البيئة الصحراوية التي تفرض ما يتناسب مع واقعها . فقد كان عنترة مثلأ يجمع بين القيم الإيجابية والقيم السلبية في حياته ومعاملته، فهو يحترم جاراته ولا يتلصلص عليهنّ،ولا يختلس النظر إليهنّ ، وهذه قيمة إيجابية بينما تجده في الجهة الأخرى لايخجل من شرب الخمرة إذ يعتبرها من مقتضيات الرجولة والشهامة
سَمْحٌ مُخَالَقَتي إِذا لَمْ أُظْلَمِ أَثْنِي عَلَيَّ بما عَلِمْتِ فَإِنَّني
مُرٌّ مَذَاقَتُهُ كَطَعْمِ الْعَلْقَمِ وَإِذَا ظُلِمْتُ فَإِنَّ ظُلْمِي بَاسِلٌ
رَكَدَ الَهواجِرُ بالَمشُوفِ الُمْعَلمِ ولَقَدْ شَرِبْتُ مِنَ الُمدَامةِ بِعدمَا
قُرِنَت بأَزْهَرَ في الشَّمالِ مُفَدَّمِ بِزُجَاجَةٍ صَفْرَاءَ ذَاتِ أَسِرَّةٍ
مَالي وعِرْضِي وافِرٌ لَمْ يُكْلَمِ فَإِذا شَرِبْتُ فإِنَّنِي مُسْتَهْلِكٌ
وكما عَلِمْتِ شَمَائِلي وتَكَرُّمي وإِذا صَحوْتُ فَما أَقَصِّر عن نَدًى
وهذا طرفة بن العبد يعد الخمرة والتمتع بالمراة من صفات الرجولة والفتوة مع أن ذلك من القيم السلبية التي تحربها القيم الإسلامية والحضارات المتمدنة ، ويقرن مع هذه القيم السلبية قيمةإغاثة الصريخ وهي قيمة إيجابية تدل على مدى ما بلغ العرب من التعاون الإنساني .
وَجدِّكَ لم أَحفِلْ مَتى قامَ عُوْدي ولَولا ثَلاثٌ هُنَّ من عيشةِ الْفَتى
كُمَيْتٍ متى ما تُعْلَ باَلماءِ تُزْبِدِ فَمِنْهُنّ سَبْقِي الْعاذِلاتِ بِشَربَةٍ
كَسِيدِ الْغَضا نَبّهْتَهُ الُمتَوَرِّدِ وَكَرِّي إِذَا نادَى اُلمضافُ مُحَنَّباً
بِبَهْكَنَةٍ تَحْتَ الخِباءِ الُمعَمَّدِ وَتقصيرُ يوم الدَّجنِ والدجنُ مُعجِبٌ
ولو رحنا نستعرض ما للجاهليين من قيم متنافرة لاحتجنا إلى بحث مستقل ، ولكننا ستحط بنا طائرة القيم الإيجابية في مطار زهير بن أبي سلمى الشعري الذي جعل من القيم الإيجابية ديدنه الحياتي ومنهج دعوته للخير والصلح والتآلف بين القبائل وذلك لعلاقته التجذرة بالحنيفية السمحاء التي كان عليها أبونا ابرهيم الخليل عليه السلام:
46 ثَمانِينَ حَولاً لا أَبا لَكِ يَسأمِ سَئِمْتُ تَكالِيفَ الحَيَاةِ وَمَنْ يَعِشْ
47 وَلكِنَّني عن عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ وَأَعْلَمُ مَا فِي الْيَوْمِ وَالأَمْسِ قَبْلَهُ
48 تُمِتْهُ وَمِنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ رَأَيْتُ الَمنايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَن تُصِبْ
49 يُضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ وَيُوطَأْ بِمَنْسِمِ وَمَنْ لم يُصانِعْ في أْمُورٍ كَثِيرَةٍ
50 يَفِرْهُ وَمَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ وَمَنْ يَجْعلِ المعْروفَ مِن دُونِ عِرْضِهِ
51 على قَوْمِهِ يُسْتَعْنَ عنْهُ وَيُذْمَمِ وَمَنْ يَكُ ذا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بفَضلِهِ
52 إِلى مُطْمَئِنِّ الْبِرِّ لا يَتَجَمْجمِ وَمَنْ يُوفِ لا يُذْمَمْ وَمن يُهدَ قلبُهُ
53 وَإِنْ يَرْقَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الَمنَايَا يَنَلْنَهُ
54 يَكُنْ حَمْدُهُ ذَمّاً عَلَيْهِ وَيَنْدَمِ وَمَنْ يَجْعَلِ الَمعْرُوفَ في غَيْرِ أَهْلِهِ
55 يُطيعُ الْعَواِلي رُكِّبَتْ كلَّ لَهْذَمِ وَمَن يَعْضِ أَطْرَافَ الزِّجاج فإِنَّهُ
56 يُهَدَّمْ وَمَنْ لا يَظلمِ الْنّاسَ يُظَلمِ وَ ‍مَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاِحهِ
57 وَمَنْ لَمْ يُكَرِّمْ نَفْسَهُ لم يكَرَّمِ وَمَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسِبْ عدُوَّا صَدِيقَهُ
58 وَإِنْ خَالَها تَخْفَى على النّاسِ تُعْلَمِ وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِىءِ مِنْ خْلِيقَةٍ
59 زِيَادَتُهُ أَوْ نَقْصُهُ فِي التَّكَلّمِ وكائنْ تَرَى من صامِتٍ لَكَ مُعْجِبٍ
60 فلَمْ يَبْقَ إِلا صورَةُ اللَّحْمِ والدَّمِ لسانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فؤَادُهُ
61 وَإِنَّ الْفَتَى بَعْدَ الْسَّفَاهَةِ يَحْلُمِ وَإِنَّ سَفَاهَ الْشَّيْخِ لا حِلْمَ بَعْدَهُ
62 وَمَنْ أَكْثَرَ التّسآلَ يَوماً سَيُحْرَمِ سأَلْنا فَأَعْطَيْتُمْ وَعُدْنَا فَعُدْتُمْ





الباب الأول
الفصل الثالث
صورة العرب في المصادر
الدينية والتاريخية
1 – ورد ذكر العرب في القرآن الكريم من خلال وصف القرآن بأنه عربي،وبوصف قبائل الأعراب المنافقة :
قال تعالى : " إنا جعلناه قرأنا عربيا لعلكم تعقلون " .
2 – وورد ذكرالعرب في الحديث النبوي الشريف ، قال صلى الله عليه وسلم : أحبوا العرب لثلاث : "لأني عربي ، والقرآن عربي ، وكلام أهل الجنة عربي ".
3 – وورد ذكر العرب في الأدب الجاهلي من خلال كتب : "
أ ـ الأصمعيات لعب الملك بن قريب الأصمعي وهي مختارات شعرية فيها شعراء من العصر الجاهلي
ب ـ المفضليات للمفضل الضبي وهي مختارات شعرية فيها شعراء من العصر الجاهلي
ج ـ المعلقاتأو المذهبات وهي سبع قصائد أو عشر كانت تعلق على أستار الكعبة المشرفة
د ـ كتاب الحماسةللشجري
هـ ـ كتاب الحماسةللبحتري
و ـ كتاب الحماسةلأبي تمام
و ـ دواوين الشعراء الجاهليين " .
4 – وورد ذكرالعرب في
أ ـ كتب اللغة والمعاجم
ب ـ كتاب فقه اللغة للثعالبي
ج ـ كتاب المخصص لابن سيده ،
د ـ لسان العرب لابن منظور
ه ـ والقاموس المحيط للفيروز ابادي " .
5 – وورد ذكرالعرب في كتب التاريخ والأدب والجغرافيا :
أ ـ كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة
ب ـ كتابالأغاني للأصفهاني "
وغير ذلك من الكتب التي تحدّثت عن أخبار العرب.








الباب الأول
الفصل الرابع
جغرافية شبه الجزيرة العربية وثرواتها

تقع شبه الجزيرة العربية بينجنوب غرب قارة آسيا بين البحر الأحمر الأحمر غربا وبحر العرب جنوبا ، وخليج عمان والخليج العربي شرقا، مندمجة ببلاد الشام والعراق شمالا بمساحة ( 3 ) مليون كيلو متر مربع
تقسم شبه الجزيرة العربية بحسب تضاريسها إلى:
1 – بلاد اليمن : وتضم حضرموت وعمان وصنعاء وظفار ومأرب .
2 – الحجاز : وتضم مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف .
3 – تهامة : وتقع بين اليمن والحجاز .
4 – نجد : وتضم ما سمي بمنطقة القصيم .
5 – اليمامة : صحراء بين نجد والبحرين .
وتحتوي الجزيرة العربية على مجموعة هائلة من الثروات الباطنية هي :
البترول ، الذهب ، الفضة ، الحديد ، الرصاص ، النحاس ، الغاز .
ومجموعة من النباتات : النخيل ، التين ، الزيتون ، الرمان ، الحنظل ، الآس ، الدوم ، الطرفاء ، الأثل ، الشيح ، القبصوم ، العنب ، الطلح .
وعدد هائل من الحيوان : الجمــل ، الحصان ، الحمار ، البغــل ، الشاء ، الكلب ، القط ، الظباء ، الحمر الوحشية ، الوعــل ، الأرنب ، القنفـذ ، الضب ، اليربوع ، الجراد ، الفهـد ، الضبع ، الذئب ، النسر ، العقاب ، الصقـر ، الحباري ، الهدهـد ، الغـراب ، الحمــام ، اليمـام ، بالإضافة إلــى الحشرات والحيات والعقارب – سمك القرش.
وأهم المدن فيها مكة المكرمة وهي مدينة قديمة ذات ثقل ديني منذ بدء الحياة الكونية ف بنى فيها
آدم عليه السلام أبو البشر جمعيا الكعبة المسرفة وكذلك ابراهيم عليه السلام أعاد بناءها وزارها الأنبياء جميعا، والمدينة المنورة حرسها الله والتي اتخذها النبي محمد صلى الله عليه وسلم عاصمة الدولة الإسلامية ، والطائف وهي مصيف أهل مكة المكرمة وغيرها من المدن






الباب الأول
الفصل الخامس
أقسام العرب بحسب سكناهم

يقسم العرب بحسب سكناهم إلى:
أ – العرب البائدة : ( عاد ، ثمود، طسم ، جديس ، كيسان ) .
ب – العرب الباقية : وهم ( القحطانيون والعدنانيون ). وقد وصفت العرب البائدة بالعرب الخلص ، بينما وصفت العرب الباقية بالمستعربة .
وتقسم العرب الباقية إلى قسمين :
1– عرب الشمال : وقد كانوا أصفى أنسابا،وأقل اختلاطا بالفرس والروم وحياتهم بدوية . وكان موطن عدنان مكة المكرمة وما جاورها من أرض الحجاز وتهامة ، وقد تشعبت بطون هذا الفرع من نزار بن معد بن عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام، ثم هاجرت بعض هذه البطون إلى مواطن الخصب والكلأ.. فـنـزلـت ربـيـعة شرقاً ، وأقامت عبد القيس في البحرين ، وحذيفة في اليمامة ، وأقامت سائر بكر بن وائل ما بين البحرين واليمامة ، وعبرت تغلب الفرات فأقامت في أرض الجزيرة بين دجلة والفرات ، وسكنت تميم في بادية البصرة؛وأما فرع مضر بن معد بن عدنان، فقد نزلت منه سُليم بالقرب من المدينة وأقـامـت ثـقـيـف فـي الطائف ، واستوطنت سائر هوازن شرقي مكة المكرمة ، وسكنت أسد شرقي تيماء إلى غربي الكوفة ، وسكنت ذبيان بالقرب من تيماء إلى حوران ، وبقيت معيشة هذه القبائل صحراوية بدوية ، ولم تهيء لهم هذه الحياة الاستقرار إلا فـي بعض الواحات في الحجاز.. ويظهر أن عرب الشمال لم ينجحوا في وحدة سـيـاسـيـة قـبـل الميلاد ، فطبيعة بلادهم تدفعهم إلى التشتت والتفرق
2– عرب الجنوب : استوطن عرب الجنوب اليمن وما جاورها وقد أكثروا من الاختلاط بالفرس والروم وبالأفارقة والهنود ، وكانوا أبرع مــن عــرب الشمال فــي الصناعة والتجارة ، وقـد هاجرت قبائلهم بعد انهيار مأرب عام (120ق.م) فـسكنت الأزد المدينة ، وكان منها الأوس والخزرج ، ومنهم من نزل على ماء غسان في الشام وأسسوا إمارة الغساسنة الموالية للروم ، أما لخم فقد سكنت الحيرة ، واصطفتهم فارس إلى جوارها وبقي في اليمن كثير من قبائل حمي وكندة وغيرهم.
ويلاحظ أن قبائلهم المهاجرة اختارت غالباً جوار الأمم المتحضرة ويذكر المؤرخون أن عرب الجنوب كانت لهم قدم راسخة في عمارة القصور والهياكل وتشييد السدود وكانوا يؤلهون الكواكب والنجوم ، وهذه عادة جاهلية جاء الإسلام وحاربها ، وقضى عليها
وأثبتت الرحلات التي استقصت الجزيرة العربية أن خلف صحارى بلاد العرب الجنوبية توجد أراض زراعية ، كانت في القديم وطناً لحضارة رفيعة ،أكدت أن جودة مناخ اليمن وخصوبة تربته وغناها أغرت الإسكندر الأكبر بفتحه ، غير أنه أرجأ هذا الفتح إلى ما بعد عودته من حملة الهند ، ولكن المنية عاجلته في بابل فلم يحقق عزمه ، ولو أن فريقاً أخر من العلماء المحدثين يرى أن ما نسب إلى اليمن من غنى وفير وخصب قوى مبالغ فيها ، وأن معظم الحاصلات التي كان يظن أن بلاد العرب مصدرها في العصور القديمة ، إنما كان يجلبها العرب والمصريون وكانوا يحتكرون التجارة في البحر الأحمر من الهند وسواحل أفريقية الشرقية ، وأ نهم كانوا يخفون هذا عن جيرانهم حتى لا يزاحموهم في الحصول عليها من هذا الأنحاء ،اصْطُلِح على تسمية سكان هذه المنطقة باسم القحطانيين أو اليمنيين أو السبئيين أو الحميريين تغليبا أو عرب الجنوب ، ويعنى بهم الذين ينتمون أصلا إلى اليمن الواقع يمين مكة وهو الإقليم الذي وجدت فيه الآثار القديمة التي تشير إلى الدول الأربع وشعوبها وهم : المعنييون والقتبانيون والحضرميون والسبئيون . ولو أن الأماكن التي وجدت فيها الآثار العربية الجنوبية تمتد إلى ما وراء الحدود الجغرافية لبلاد اليمن ؛ فقد وجدت آثار جنوبية في أقصى الجهة الشمالية لبلاد العرب ، أى في بلاد مدين القديمة ، وأنه في الألف الثانى قبل الميلاد مهّدت بلاد اليمن (بسبب كثرة الأمطار ، وخصب الأرض ، وصلاحيتها للزراعة ) السبيل لظهور مدنية خلفت وراءها آثاراً ذات مبان ضخمة ونقوش عديدة ، وأن قربها من البحر وموقعها الفذ جعل منها محطاً هاماً لتبادل سلع كثيرة ذات قيمة عالية ، ويبدو أن الدولة المعينية كانت تضم في فترة من تاريخها عدداً من الأقطار العربية الجنوبية ، ولو لفترة محدودة من الزمن ، كحضرموت ودادان ،لأن بعض ملوكها كانوا يحملون لقب ملوك معين وحضرموت ، وسنجد هذه الدولة مضافة أحياناً إلى ملك السبئيين أو القتبانيين ، وقتبان دولة جنوبية لاشك في قيامها لكنها أكثر دول الجنوب غموضاً ، لا يعرف أحد من ملوكها ولا متى قامت على التأكيد ، ومن المؤرخين من يعتقد أن تاريخها كان معاصراً لمعين أو سبأ أو لهما معاً .أما السبئيون فكانوا أول عرب تخطوا عتبة الحضارة ، فقد ورد لفظ سبأ في نقش معيني مراداً به قبيلة بدوية كانت تسطو على الطريق التجاري الممتد بين بلاد العرب الجنوبية ومعان الواقعة في الشمال ، وعلى القوافل المعينية المتجهة إلى مصر .
ويمتد العصر السبئي من 950 إلى 115 ق. م/ وقد ورث السبئيون ممالك أقربائهم الأقدمين ، وأقاموا أنفسهم سادة على بلاد العرب الجنوبية ، واعتمادا على النقوش فإن تاريخ سبأ ينقسم إلى مرحلتين ، واحدة كان الحاكم فيها يجمع بين السلطتين الدينية والزمنية ويسمى ( مكرب ) ، والثانية اقتصر فيها على السلطة الزمنية وكان يحمل لقب ملك . ومن بين ملوك سبأ الذين تكشّفت عنهم الوثائق اثنان يستحقان مزيداً من الاهتمام ، وهما (سموهو عليا ينب وابنه يطعى أمر بين ) ، فهما اللذان بنيا سد مأرب بين أعوام 650 و 630 ق. م/ ، ويرجح أن الأخير هو الذي قضى على دولة المعنيين وهزم آخر ملوكها . والهمداني ومن بعده المسعودي وأبو الفرج الأصفهاني وياقوت يعتبرون أن بانى السد هو لقمان بن عاد ، وهو شخصية نصف أسطورية ضائعة في ضباب التاريخ . وقد تهدم السد في 449 ـ 450 ق م ، ويفهم من النقوش أنه أصيب بتلف مرتين ـ وربما أكثر ـ من جراء الفيضان ، وكان يعاد ترميمه في كل مرة ، ولكن الانهيار النهائي حدث عام 120 أو 115 ق . م ، أي قبل الهجرة النبوية الشريفة بسبعة قرون ونصف تقريباً،.وقد أشار الأعشى إلى سد مأرب في قوله :
وفي ذاك للمؤتسى أسوة ومأربُ عضَّ عليها العـرِمْ
رخام بنته لهــم حمير إذا جـاء موّاره لمَ يرـِمْ
فأروى الزروعَ وأعنابها على سـعة ماؤها إذ قِسمْ
فصاروا أيادي ما يقدرو ....................ن منه على طعم طفل فُطمْ
ويعزو المؤرخون القدامى ، ويظاهرهم المحدثون ، تدهور الدولة السبئية ‘إلى انهيار السد ، والواقع أن انهياره كان نتيجة التدهور وقمته ولم يكن سببه ،وعلى أنقاض سبأ قامت دولة الحميريين ، وعادت لها السيادة على الطرق التجارية ، لازدياد النفوذ الروماني في مصر وضعف دولة البطالسة ، وعمَّرت هذه الدولة نحواً ًمن 640 عاماً ، يقسمها المؤرخون اعتماداً على ألقاب الملوك على قسمين : حمير الأولى ، وامتد حكمها من 115 ق. م إلى 300 م ، وحمير الثانية وحكمت من 300 م إلى 525 م . وكانت عاصمة كل من الدولتين مدينة ريدان ، وقد شُهرتْ فيما بعد باسم ظفار ، وتقع إلى الجنوب الغربي من صنعاء ، وعُرفتْ دولة حمير الثانية عند العرب باسم دولة التبايعة .
في نهاية العصر الحميري الأول ابتدأت قوة عرب الجنوب تنزل من عليائها ، ولكنها لم تلبث أن استجمعت قواها من عام 300 م ، وضمّت إليها القيائل المجاورة من بدو وحضر ، فأخضعت حضرموت وكل بلاد اليمن ، وبها بدأ عهد الدولة الحميرية الثانية ، وأصبح لقب الملك الحميري " ملك سبأ وذو ريدان وحضر موت ويمنات وعربهم في الجبال وفي تهامة " ، وتعرف عند العرب باسم دولة التبايعة ويمتاز هذا العصر الحميري الثاني بدخول المسيحية واليهودية جنوب الجزيرة العربية ومحاولتها زحزحة الديانة الوثنية فيها والتي جاء الإسلام فاجتثّ وثنيتها .
وفي منتصف القرن الرابع الميلادي غزا الأحباش بلاد اليمن ، بتشجيع من إمبراطور الروم قسطنديوس الثاني ، لكنهم لم يلبثوا فيها غير فترة قصيرة من 340 إلى 378 م ، ثم تمكنت حمير من طردهم واستردت لقبها الطويل واحتفظت به حتى عام 525 م ، حين عاد الأحباش إلى غزوها ثانية ،وكان قائد الانتصار في هذه المرة أبرهة" وأخبراً كان دور الفرس فغزوا اليمن ، وطردوا منها الحبش ، ووضعوا على عرشها عربياً له تاريخ هو سيف بن ذي يزن ، وقد قدمت عليه الوفود للتهنئة من شتى أنحاء الجزيرة ، ومن بينها وفد برياسة عبد المطلب (جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم) زعيم مكة المكرمة ، وقد أكرم سيف وفادته ، وخصه بعشرة أمثال ما أعطى الأخرين من هدايا .
وأشرقت شمس الإسلام ، وكان باذان والي الفرس على اليمن ، فاعتنق الإسلام عام 628 م ، العام السادس للهجرة ، وظل والياً عليه حتى 632 م، حين أصبحت اليمن جزءاً من الدولة الإسلامية ، وانتهى حكم فارس ، وانتهت في الوقت نفسه أهمية اليمن في مجرى التاريخ العربي الوسيط ، إذ احتل الحجاز مكانه حين رفع راية الإسلام الحنيف ، واستحوذ وحده ولأمد طويل ، على انتباه الرأي الدولي العام .
إن هجرة القبائل الجنوبية إلى الشمال من جراء جفاف الجوفين اليماني والحضرمي لا مجال للشك فيها ، وتدهور هذه البلاد بعد بلوغها في الحضارة شأوا ليس حادثاً شاذاً ، فقد كان عماد المنطقة الزراعة ، وعماد الزراعة الري والصرف ، فلما انهارت هذه تلاشت حضارتهم ، وكان لابد لهم من البحث عن مساكن جديدة ؛ ولا ينبغي أن نقف بالانهيار الحضاري عند المنطقة التي كانت تعتمد في إروائها على سد مأرب ، لأن منطقة حضرموت شاركتها المصير نفسه فيما يبدو، حيث نشاهد الآن بقايا منشآت الري القديمة ، تحمل طابع الإهمال ، ويبدو أانها تعرضت لما تعرّض له سد مآرب ، وبالتالي كان نصيب المنطقة الجفاف وهجرة السكان .








الباب الأول
الفصل السابع
أماكن سكنى القبائل العربية

لاشك أن قبائل العرب في العصر الجاهلي قد توزعت سكنى مختلف أجزاء الجزيرة العربية بحسب مستقر الحياة وحب السكنى ووجود الماء والكلأ ، وإن كان بعضها نزل الشام والعراق ومنطقة مابين النهرين ( دجلة والفرات )
فإلى الغرب من الجزيرة العربية تمتد سلسلة جبال السراة من الشمال إلى الجنوب ، والمنطقة المنخفضة غربي هذه الجبال تعرف ( بتهامة ) ومن مد نها مكة المكرمة وجدة والى الشرق من جبال السراة بلاد ( نجد )، وهي هضبة تمتد حتى إطراف العراق وبادية السماوة ، أما جبال السراة وما أطاف بها فيعرف بـ (الحجاز ) ومن مدنه ( يثرب وخيبر وتبوك و الطائف )، أما العروض فهي إلى الجنوب والى الشرق من نجد وتشمل بلاد اليمامة والبحرين وما والاها ، وأما اليمن فتشمل المناطق الجنوبية من بلاد العرب ( عدن – حضر موت ـ الشجر – مهرة – عمان ) ومن حواضرها ( صفاء – مأرب – عدن – نجران – ظفا – شبوه – شبام – مخا )
وقد نزلت الأزد البحرين ، ونزل آل جفنةبن عمر بن عامر بلاد الشام بعد أن انتزعوا ملكها من ( الضجاعمة)، وأسسوا دولة الغساسنة.
ونزل بنو ثعلبة بن عمرو( مزيقياء يثرب ) وهم قبائل الأوس والخزرج ، ثم نزل بنو عمران بن عمرو عمان ، وكذلكنزلت ( طيء ولخم وجذام وعاملة ) في الشام والعراق ، ومن لخم ( آل نصر بن ربيعة ) كان أمراء المنذرة في الحيرة؛ ونزل الحجاز ( خثعم وبجيلة ) ، وكان لقبيلة قضاعة منازل في تهامة وما بين الشام والحجاز . ونزلت قبائل (سعد و هزيم ) ومنها قبيلة عذرة وادي القرى، ونزلت قبيلة( بلي) بين تيماء ويثرب وأيلة ؛ ونزل بنو كلب وادي السماوة ودومة الجندل، وكذلك استقر الأشعريون تهامة اليمن وشمال زبيد وأقامت همذان شرقي بلاد اليمن شماليصنعاء
ويقال إن هجرات كثيرة حدثت في بلاد العرب أبرزها هجرة عدنانية وأخرى قحطانية :ويقال إن ( بختصر ) هاجم بلاد العرب وتصدى له عدنان على رأس جموع العرب ولم ينج من العرب حين خرَب بلادهم بختنصر إلا من اعتصم برؤوس الجبال والذين نزلوا بعد ذلك ( تهامة )
ويروي أنه قد نزلت تهامة والحجاز من القبائل العدنانية ( كنانة في تهامة) و(قريش في مكة) و(مزينة في جبال رضوى) و(نزلت قديس أرض الحجاز) و(نزلت عدوان وفهم سراة الحجاز )جاورتهم قبيلة هذيل وقد كان يشتي بنو عامر في نجد ويصيفون في الطائف إلا أن قبيلة ثقيف أجلتهم عنها ، ونزلت هوازن ما بين غور تهامة ووادي بيشه وناحية السراة وحنين و أوطاس ونزل الحجاز من القبائل القيسية ( بنو هلال – بنو سليم ) ونزل نجد من القبائل العدنانية ( بنو كعب بن ربيعة وغطفان وأسد) ونزل ( بنو ضبَة وعكل وتميم ما بين اليمامة وهجر) . ونزل (اليمامة من العدنانيين بنو باهلة و بنو نمير و بنو تميم )
ونزل ( الحجر ) بنو حنيفة ؛أما القبائل اليمنية فقد هاجرت إلى شمال بلاد العرب بسبب انهيار دولة سبأ





الباب الأول
الفصل الثامن
اللغة العَربيّة بين الشمال والجنوب


لم يستطع علماء اللغة أن يحسموا الخلاف بينهم حول كون اللغة عند الإنسان فطريةأو مكتسبة، كما أنهم لم يستطيعوا معرفه أن اللغات كانت لغة واحدة تفرع عنها لهجات تجاوبت مع البيئة والإنسان أم أن الله تعالى قد خص كل شعب من الشعوب بلغة خاصة به؟ ، وعلى كل حال فإنه لايعرف حتى يومنا هذا أصول هذه اللغات ، وفي حديثنا عن اللغة العربية فإن غالب القول أنها قد تفرعت عن اللغة السامية الأم التي لا نعرف أصلها ولا متى بدأ الإنسان التكلم بها ن فاللغات التي تكلم بها العرب كانت الأكادية والكنعانية والآرامية واليمنية القديمة والعربية الشمالية والحبشية السامية ، وهناك لغات أخرى ضاعت في مجاهل التاريخ . ومن العسير الآن أن نتخيل ما كانت عليه اللغة السامية الأصلية ومقدار كلماتها
وعلى المدى البعيد تطورت السامية لتصبح في الجنوب لغة تنطوي على لهجات عدّة ، ولتصبح في الشمال أخرى تتفرع عنها لهجات عديدة ، دون أن ينفصم ما بين اللغتين في الجنوب والشمال من عرى وعلاقة، ولو تصورنا الجزيرة العربية قبل الإسلام ـ وحتى الآن ـ لوجدناها تموج بوحدات مستقلة تتمثل في قبائلها العديدة ،
غير أنه من جانب آخر ، كانت هناك عوامل لقاء واحتكاك مصدرها التجارة والتجاور وتبادل المنافع والحج والأسواق والحروب والجدب ، إلى جانب نوع من اليقظة السياسية كان يعتمل لا شعوريا في نفوس سكان شبه الجزيرة ، فهيأ ذلك كله لواحدة من اللهجات تجمعت لها أسباب الغلبة لتتطور فتصبح لغة الحضارة لهؤلاء القوم ، وأن تذوب فيها اللهجات الأخرى وهي لهجة قريش التي أراد الله تعالى لها أن تكون لغة ٌرآنه الكريم ،
ومن الصعوبة بمكان أن نرسم حدوداً بين العربية الجنوبية والعربية الشمالية ، لأننا لسنا أمام لغتين من أصلين مختلفين جمعت بينهما مصادفات التاريخ ، بل إزاء لغات منبعثة من أصل واحد فرقت بينها ظروف اجتماعية معينة ،
وقد عثر في الشمال على ثقافتين : سامية جنوبية وأخرى سامية شمالية ، فهناك جنوبيون هاجروا إلى الشمال كما قلنا ، واستقروا فيه تدريجياً ، وتمثلوا ثقافتة حتى غلبت عليهم أخيراً ، ويظهر ذلك واضحاً فيما خلفوه لنا من نقوش وآثار ،ويمكن القول إن نفوذ الشعراء الأدبي والسياسي الذي كان كبيراً وغير محدود هو الذي أعطى اللغة الأدبية ، أو الفصحى في تعبيرنا الحديث طابعها النهائي وجعل منها المثال المحتذى ، والقصائد التي من الشعر الجاهلي ذات لغة واحدة رغم أن أصحابها يمثلون قبائل مختلفة ونواحي متعددة من شبه الجزيرة ، والملامح القبلية في شعرهم نادرة مما يؤكدها قولنا: إن الشعراء كانوا يتحدثون لهجة مكتسبة تخالف لغة المحادثة العادية .
ولقد كانت لهجات الشمال في القرون القريبة من الإسلام ذات سلطان واسع ، فكانت تبتلع اللهجات الجنوبية ابتلاعاً ، الواحدة تلو الأخرى ، وكان أن شملت معظم شبه الجزيرة العربية ، في حين أخذت اللهجات في بلاد اليمن لحريتها واستقلالها السياسي ، إذ كانت تئن تحت حكم الأحباش طوراً وتحت حكم الفرس طوراً آخر ، بينما كان هذا هو عصر النهضة الشمالية في الشمال . واللغات تتبع الحضارة صعوداً وانحطاطاً ،ولقد تقلص ظل اللهجات اليمنية وانفسح المجال أمام الشمالية ، كما تقلصت اللغات السامية الأخرى في سورية والعراق وأطراف الشام أمام اللغة العربية الشمالية التي كانت تفيض حيوية وقوة .
ولقد تم ذلك على نحو أسرع وأشد بين القبائل الشمالية من الجنوب العربي ، على حين أنها في داخل اليمن وأقصاه الجنوبي كانت تسير بخطى متواضعة ، حتى جاء الإسلام بدعوته لوحدانية الله تعالى ونبذ عبادة غيرالله وبأفكاره وثقافته وكتابه فأجهز على ما كان عالقاً بعد ببعض الألسنة من بقايا لغتهم الأولى ، ولم يفلت من هذا المصير إلا ثلاث لهجات ساعد انعزالها وانزواؤها على حمياتها من اللغة العربية فا حتفظت بشكلها القديم حتى عصرنا الحاضر ، وهي : (المهرية وتتكلم الآن في منطقة مَهَرةَ ، الواقعة شرقي حضر موت ، ولهجة ا لشحر وتسمى حِكلى ، وتتكلم بها القرى الضاربة في بلد مرياط من ناحية ظفار الحبوظى ، واللهجة السقرطية و تتكلمها جزيرة سقطرة والجزر المجاورة لها )، وقد بعدت هذه اللهجات عن أصولها ، بل وعن اللغات السامية جميعها لتأثرها الشديد بالغات التي احتكت بها .
واتخاذ أهل الجنوب لغة الشمال الأدبية الراقية والزاحفة ليس أمرً عسيراً ولا مستبعداً ولا وحيداً ، فقد كان في الجزيرة العربية يهود ، وكان هؤلاء اليهود وافدين ، جاءوا إلى يثرب في القرن الأول أو الثاني للميلاد ، وتكلموا العربية ، وشعروا بها في قصائد لا يرقى إليها الشك ، ولا ينكرها منصف ،
ويمكن القول إن لغة المحادثة الشمالية لم تكن عسيرة الفهم على غالب أهل اليمن في أواخر القرن السادس الميلادي ومطلع القرن السابع ، فلم يرد في أي من كتب التاريخ التي عرضت لمقابلة الرسول عليه السلام عام 631 / للوفود القادمة من الجنوب أن اليمنيين استعملوا في الحديث العربية الجنوبية ، وليس ثمة ما يشير إلى ذلك




الباب الأول
الفصل التاسع
الجاهلية ماهية وأبعاد

أولا :الجاهلية معنى ومدلول
" الجاهلية " مصطلح قرآني جاء على - صيغة " الفاعلية " -و لم يرد في استعمال العرب قبل نزول القرآن الكريم. فقد استخدموا الفعل " جَهِلَ "، وتصريفاته المختلفة، واستخدموا المصدر " الجهل " و " الجهالة "، ولكنهم لم يستخدموا صيغة " الفاعلية " (جاهلية)، ولا هم وصفوا أنفسهم ولا غيرهم بأنهم " جاهليون ". إنما جاء وصفهم بهذه الصفة في القرآن الكريم، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
و " الجاهلية " - كسائر المصطلحات القرآنية - لها معناها المحدّد، الذي يدخل بطبيعة الحال في إطار المعنى اللغوي العام، ولكنه يتّخذ دلالته المحدّدة من استخدام القرآن له، وتحديده لمعناه.إذ أن الجاهلية هي الحال التي كانت العرب عليها قبل الإسلام من الجهل بالله ورسله وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك نسبة إلى الجهل الذي هوالنزق والطيش وعدم العلم ،فالناس قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كانوا في جاهليةوفي ذلك يقول الشاعرعمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فهو يستخدم الجهل بمعنى: الطيش والتغافل عن الحق وعكسه الحِلْم.وفي ذلك يقول الشاعر الصمة القشيري مودعا نجدا:
بكت عيني اليسرى فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معاً!
فهو كذلك يستخدم الجهل بمعنى السلوك غير المنضبط بالضوابط اللائقة بمثله، من صبر وكتمان، وعدم إظهار للوعة والأسى وفرط الحزن.
أما في القرآن الكريم فاللفظ يرد في معنى خاص، أو في الحقيقة في معنيين محدّدين: إما الجهل بحقيقة الألوهية وخصائصها، وإما السلوك غير المنضبط بالضوابط الربانية، أي بعبارة أخرى: عدم اتباع ما أنزل الله تعالى في كتبه على لسان رسله.
وحين يقول سبحانه وتعالى: (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) [سورة آل عمران، الآية: 154]. فالذي يعيبه الله على هذه الطائفة هو تصور معين أن هناك من يمكن أن يُشارك الله سبحانه وتعالى في تدبير الأمر: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ) [سورة الفتح، الآية 26]. فالمقصود سلوك غير منضبط بالضوابط الربانية، التي تلزم الإنسان ألا يُقاتل إلا في سبيل الله، و وتطلب منه ألا يُقاتل حَمِيَّةً، ولا عَصبيّة، ولا لأمر يُغضب الله سبحانه وتعالى ، وحين يقول سبحانه وتعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [سورة المائدة، الآية 50]. فالأمر متعلق مباشرة باتباع غير ما أنزل الله من التشريع، الذي قال الله فيه: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [سورة المائدة، الآية 44
ذلك هو المعنى " الاصطلاحي " للجاهلية، الذي جاء في كتاب الله الكريم، والذي خلاصته الجهل بحقيقة الألوهية،والجهل بما يجب لله سبحانه وتعالى من إخلاص العبادة له وحده دون شريك.
ثانيا :مفهوم الجاهلية في الشعر الجاهلي:
قـد يـتـبـادر إلى الـذهـن أن الـعـصـر الجاهلي يشمل كل ما سبق الإسلام من حقب ، ولكن البحوث العلمية والتاريخية تظهر أن العصر الجاهلي الذي يتعلق بالأدب الجاهلي يعود إلى قرن ونصف قبل البعثة النبويةالشريفة ، والشعر العربي ربما يكون حـديـث الـمـيـلاد صغير السن ... وعلى العموم فإن الفترة الجاهلية التي تعنينا هي فترة ما قبل بعثة الرسول -عليه الصلاة والسلام- ، وهي لا تمتد أكثر من مائتي عام ، لأن ما وراء ذلك من الزمن يشوبه الغموض ولم يصل إلينا من الشعر الجاهلي قبل تلك الفترة شيء نطمئن إليه.. وفترة ما قبل الإسلام مباشرة هي الفترة التي ورثـنـا عـنـهـا الشعر الجاهلي... وهذا العصر هو الذي بزغت عيه شمس الإسلام ، والذي يظهر لنا أن الجاهلية كانت تعني الجهل لمعنى تجاوز الحق وعدم معرفته ، وتعني أ يضاً الحمية حمية الجاهلية بما فيها من ثأر وطيش وحمق وسفه وكبر.
وأصبحت تطلق على العصر السابق للإسلام مباشرة ، وكل ما فيه من وثنية وأخلاق قوامها الحمية واقتراف ما حرم الدين الحنيف من موبقات وهـي بـنـاء علـى ذلك تـعـنـي مفهوم الضلالات ، والسفه ، والطيش ، وتحكيم العادات والتقاليد ، بعيداًعن منهج الله تعالى
ثالثا : أقسام الجاهلية:
قسم المؤرخون الجاهلية إلى قسمين:
1ـ الجــــاهليـــة الأولى : وهى الجاهلية القديمة الضاربة في أعماق التاريخ والتي عرف من أصحابها العرب البائدة ، أو العرب الهالكة ، من عاد وثمود وطسم وجديس ، والعمالقة ، ومدين وعبد ضخم ، وأميم ، وجرهم الأولى والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم دون تحديد زمني والتي لانعرف عن شعرائها شيئا
2- الجاهلية الثانية :وهي الجاهلية القريبة من بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والتي سبقت ظهور الإسلام مباشرة ، فامتدت إلى ما يقرب من أربعة أو خمسة قرون ، والتي ينسب إليها وإلى ما قبلها بقليل العرب المستعربة سواء كانوا من القحطانيين سكان اليمن وجنوب شبه الجزيرة العربية كمعين وسبأ ، أم كانوا من عرب العدنانية أو عرب الشمال بتهامة والحجاز ونجد ، وما كان على مشارف بلاد فارس والعراق والشام ، هؤلاء العرب الذين عنهم أخذنا اللغة العربية شعراً ونثراً ، والذين فيهم تنزل القرآن الكريم ، ومن بين ظهرانيهم خرج الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم







الباب الثاني
الحياة العامة لدى الجاهليين










الباب الثاني
الفصل الأول
الحياة السياسية لدى الجاهليين

(الممالك العربية)
التي ظهرت قبل الإسلام

ـ أ ـ
الأنباط
( 150 ق. م -106 م )
يعد الأنباط من القبائل العربية التي استقرت جنوبي بلاد الشام ، وقد عملوا بالزراعة والتجارة ، وازدهرت دولتهم بسب تحكمهم بطرق التجارة بين بلاد الشام ومصر وشبه الجزيرة العربية .
أقام الأنباط عاصمتهم في منطقة جبلية يصعب الوصول إليها وأطلق عليها العرب اسم البتراء أو الرقيم وأطلق اليونانيون عليها اسم بيترا ( بمعنى الصخر) حيث نحتوا بيوتهم وأمكنة عملهم ومجالسهم ومعابدهم في الصخر ، مما أكسبهم خبرة في فن البناء والنحت . ومن أشهر مبانيهم المنحوتة : هيكل الخزنة والعديد من المعابد لآلهتهم التي جاء الإسلام حربا عليها. أنشأ الأنباط القلاع لحماية مزروعاتهم وطرقهم التجارية ، كما اشتهروا بصناعة الزجاج والفخار والأدوات النحاسية وتوسعت دولتهم وزاد نفوذها في زمن ملكها الحارث الثالث ، فامتدت إلى دمشق وشرقي الأردن وشمالي شبه الجزيرة العربية .وخاض الأنباط عدة معارك ضد الرومان وانتصروا عليهم ، وبات الرومان ينظرون إلى نمو دولة الأنباط نظرة قلق وخوف شديد ، فعمدوا إلى تحويل طريق التجارة عن البتراء وجعلوها تمر بالبحر الأحمر ، مما قلل من أهمية البتراء ، وفي عام / 106م / حاصرها الرومان واستولوا عليها ، حتى حررها العرب المسلمون .
ـ ب ـ
دولة تدمر
( 9 ق . م – 273 م )

نشأت تدمر وسط بادية الشام في موقع عسكري مميز بين الدولتين الدولة الفارسية والدولة الرومانية . وشكَّل أهلها دولة كبرى امتدت من النيل إلى الفرات . من أشهر ملوكهم أذينة الثاني الذي لقي مصرعه على يد الرومان الذين تخوفوا من طموحاته في بناء دولة عربية مستقلة ، فخلفته في الحكم زوجته زنوبيا التي حاربت الرومان وانتصرت عليهم في عدة معارك . استفاد التدمريون من موقع مدينتهم التجاري ، وأصبح لهم مراكز تجارية في الخليج العربي والأناضول وسواحل بلاد الشام ، حيث كانوا يتاجرون باللؤلؤ والحريروالألبسة والأواني الزجاجية ، وفرضوا الرسوم على مرور القوافل التجارية ضمن أراضيهم . وانعكس هذا الغنى على التدمريين ، حيث قاموا بسك النقود الخاصة بهم في عهد زنوبيا ، واهتموا ببناء مدينتهم وزينوها بالأعمدة ذات التيجان المزخرفة والتماثيل . ومن أثارهم : هيكل الشمس – الرواق الكبير – المدرج – بعض المدافن .
حاصر الرومان مدينة تدمر ودخلوها بالقوة عام 273 م ، وساقوا ملكتها زنوبيا أسيرة إلى روما ، حيث قضت هناك بقية عمرها
ـ ج ـ
مملكة الحضر ( عربايا )
( 85 – 241 م )
مدينة الحضر( عربايا) أقامتها قبائل عربية آشورية سنة ( 85 م ) بين نهري دجلة والفرات ، غربي مدينة آشورو ازدهرت مملكة الحضر اقتصادياً لموقعها الجغرافي بين دولتي الفرس والروم ، وسيطرتها على القوافل التجارية التي كانت تحمل الحرير والتوابل من الهند والصين ، وتعود محملة بالأخشاب والعطور والزيوت من بلاد الشام .
عبد سكان مملكة الحضر الشمس ، واعتبروها رمزاً للحياة والنور معتقدين بأنها تبعد عنهم الظلام والشرور ، حتى أطلقوا على مدينتهم اسم مدينة الشمس .
سميت دولتهم عربايا لأن حكامها أطلقوا على أنفسهم لقب ملوك العرب .
من ملوكها : رَوْد – نصر .
تركت مملكة الحضر آثاراً فنية رائعة في البناء والنحت ، منها : المعبد الكبير وتمثال السيدة آبّو . وقد حاولـــت الإمبراطورية الرومانية الاستيلاء على مملكة الحضر للسيطرة على طرق القوافل التجارية ، لكنها فشلت بسب متانة أسوارها ومقاومة فرسانها .
سقطت مملكة الحضر على يد الفرس سنة ( 241 م )
ـ د ـ
الغساسنه :
( 200 م – 612 م )

بعد انهيار سد مأرب في اليمن اضطرت القبائل العربية إلى الهجرة إلى أماكن جديدة تتوفر فيها شروط الحياة ، واستقر بعضهم في منطقة حوران ، وسموا بالغساسنة نسبة إلى عين غسان ،
أسس الغساسنة إمارة لهم بزعامة أميرهم جفنة بن عمرو واتخذوا من مدينة الجابية عاصمة سياسية ومن بصرى عاصمة دينية .
أقـــام الغساسنة علاقات وطيدة مع الإمبراطورية البيزنطية ، وخاضوا عدة معارك ضد المناذرة حلفاء الفرس ، وامتد نفوذهم إلى بادية الشام .
اهتم الغساسنة بالزراعة( حيث أقاموا الأقنية للري) وبالتجارة ( مستفيدين من موقعهم التجاري ) وشيدوا القصور والأديرة والقلاع منها : قصر المشتى ، دير قصر الحير الغربي ، قلعة الزرقاء .برعوا في الأدب والشعر ، ومن أ شهر شعرائهم : حسان بن ثابت والنابغة الذبياني .
تخوفت بيزنطة من خطر الغساسنة وطموحاتهم الواسعة فعمدوا إلى نشر الخلافات بين أمرائهم ، مما أفقدهم الكثير من الأهمية وظلوا على هذه الحال حتى التحرير العربي الإسلامي
ـ هـ ـ
المناذرة :
( 390 م – 633 م )

تأسيس الدولة :هاجرت قبيلة " لخم " العربية التي ينتسب إليها المناذرة من شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الرافدين بعد انهيار سد مأرب ، وأسست إمارة لها مركزها مدينة" الحيرة " . سميت " دولة المناذرة " لأن عدداً كبيراً من ملوكها حمل أسم المنذر
وقد عد َّ الفرس دولة المناذرة ولاية من ولايتهم ، ومنحوها سلطات واسعة ، واستعانوا بها في صد غارات الغساسنة وحلفائهم الروم البيزنطيين .
وعندما حاول النعمان بن المنذر ملك الحيرة توحيد القبائل العربية تمهيداً لاستقلالها عن دولة الفرس ، قام كسرى الفرس بحبسه حتى مات . تضامنت القبائل العربية ، وتصدت لجيش الفرس في معركة ذي قار عام 610 م ، وانتهت بانتصار العرب . وقد وصف الرسول العربي ( صلى الله عليه وسلم) هذا النصر بقوله : " هذا يوم انتصفت فيه العرب من العجم " .
ظلت السيطرة الفارسية قائمة في الحيرة إلى أن حررها العرب المسلمون .
ومن أبرز مظاهر حضارتهم الأدب والشعر والكتابة واهتمامهم بالطب .
اهتم المناذرة بالتجارة مما زاد في مواردهم المالية ، وبرعوا في صناعة الحرير والكتان والصوف والمنسوجات المطرزة بالذهب . كذلك اهتموا بالعمران ، فبنوا العديد من القصور مثل : الخَوَرِِِْنَق والسدير .
ـ و ـ
دولة معين
( 1200 ق . م – 650 م )
قامت دولة معين في المنطقة الواقعة بين حضر موت ونجران ، عاصمتها مدينة قرناو .
استولى المعينيون على معظم القسم الجنوبي من شبه جزيرة العرب ، وأصبحت حضر موت تحت سلطتهم ، كما مدُّوا نفوذهم نحو الشمال فوصلوا إلى معان .
اشتغل المعنييون بالزراعة والتجارة ، واتسعت تجارتهم مع البلاد المجاورة ، ووصلوا إلى الخليج العربي والبحر المتوسط ، واتصلوا بمصر .
وأقاموا على طرق التجارة محطات تجارية وحربية . وقد وُجدت نقوش معنيية في جنوبي فلسطين وعلى طول شط العرب ، وظهر من دراسة كتاباتهم الأثرية ما كانت عليه دولتهم من حضارة وتنظيم . كما شاد ملوكهم قصوراً فخمة .
تألَّف المجتمع المعيني من طبقتين هما : النبلاء والعبيد .
وكانت لغة المعنيين هي اللهجة العربية الجنوبية .
سقطت دولتهم على يد دولة سبأ
ـ ز ـ
مملكة سبأ
( 950 ق . م _ 115ق . م )

تقع مملكة سبأ في الزاوية الجنوبية الغربية من شبه الجزيرة العربية ( اليمن حالياً ) ، عاصمتها مأرب .
حكمها عدد من الملوك والملكات ، من أشهرهم الملكة بلقيس ، مما يدل على المكانة العالية للمرأة العربية فيها .
امتد نفوذ مملكة سبأ التجاري إلى مناطق واسعة من شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام .
أدت الفتن والحروب الداخلية إلى سوء الأحوال الاقتصادية ، وانتقال التجارة البحرية إلى أيدي الرومان واليونان ، وفقدان السيطرة على البحر الأحمر والسواحل الإفريقية التي كانت سوقاً لتجارتها .
كما أن الخلافات بين أفراد البيت الحاكم من أجل الاستيلاء على الحكم فتحت الطريق لتدخل الأحباش في شؤون المملكة ، حتى استطاعوا فيما بعد السيطرة على اليمن كلها .
اهتم السبئيون بالزراعة ، فشقوا الأقنية وبنوا ا لسدود ، وكان سد مأرب من أعاجيب العالم القديم كذلك اهتموا ببناء الأسوار حول مد نهم والمعابد لآلهتهم .
تكلم السبئيون لغة عربية متميزة ، وكانوا يكتبون بالخط المسند الذي شاع استعماله في شبه الجزيرة العربية .
ـ ح ـ
دولة حمير
( 115 ق م – 525 م )

سكن الحِمْيَريّون بلاد اليمن ، واتخذوا مدينة ظِفار عاصمة لهم ( كانت تدعى ريدان ) . أشهر ملوكهم يوسف ذو نواس ، الذي برز في عهده الصراع بين دولة فارس ودولة الروم ( بيزنطة ) من أجل السيطرة على الطرق التجارية البرية والبحرية .
استطاع الروم ( البيزنطيون ) عن طريق حلفائهم الأحباش احتلال اليمن والتحكم بتجارتها ،
إ لا أن اليمنيين قاوموا الأحباش بقيادة أحد أمرائهم المدعو سيف بن يزن الذي استعان بالفرس ، فأمدوه بجيش ساعد اليمنيين في طرد الأحباش من البلاد ، وثبتوا نفوذهم في البلاد حتى جاء الإسلام الحنيف فحرر اليمن وخلصها من النفوذ الفارسي .
كانت دولة حِمْير دولة محاربة ، إذ اهتم ملوكها بالناحية العسكرية ، فبنوا القلاع ، وشكلوا الجيوش النظامية . اهتموا بالثقافة إلى جانب اهتمامهم بالتجارة كأسلافهم ، إذ تكلموا اللغة العربية وكتبوا بالخط المسند .
اعتنى الحِمْيريون بالناحية العمرانية ، ومن أشهر آثارهم قصر غمدان ( المؤلف من عشرين طابقاً ، وواجهاته مزدانة بأحجار ملونة ) .
سك ملوك حِمْير نقوداً من الذهب والفضة .
ـ ط ـ
مملكة كند
( 250 – 450 م )

من القبائل التي كانت تسكن اليمن قبيلة كندة التي هاجرت شمالاً وانتشرت في بلاد نجد ، بسبب انهيار سد مأرب ، وتحول طرق التجارة عن اليمن .
أسست قبيلة كندة مملكة واسعة وسط شبه الجزيرة العربية ، واتخذت من مدينة الفاو عاصمة لها ، وبذلك أصبحت مركزاً تجارياً واقتصادياً هاماً بين بلاد اليمن وبلاد الشام وبلاد الرافدين . من أشهر ملوكها : الحارث بن عمرو .
تعدُّ مملكة كندة ذات أهمية كبرى في تاريخ العرب ، حيث كانت أول دولة عربية حاولت توحيد العرب في دولة واحدة تجمعهم وتنظم أمورهم .
اهتم ملوكها بالشعر والأدب ،
ومن أشهر شعرائهم : امرؤ القيس . لم يبق بعد امرئ القيس من ملوك كندة إلا أمراء ضعاف واستمر الأمر كذلك حتى ظهور الإسلام الحنيف وإخضاع شبه الجزيرة العربية للدين الجديد .





الباب الثاني
الفصل الثاني
الحياة الاجتماعية لدى الجاهليين

المجتمع العربي قبيل الإسلام
كان العرب قبيل الإسلام يخضعون لنظام القبيلة التي يرتبط أفرادها برابطة القرابة ( إذ إن أبناء القبيلة يعدّون أنفسهم منحدرين من جد واحد ) وأصبحت القبيلة أصل المجتمع العربي بشكل عام و كان أفراد القبيلة متساوين في الحقوق وأداء الواجبات ، و لا تمايز بينهم إلا بما يملكه كل فرد من أفراد القبيلة من الصفات الحميدة : كالشجاعة والكرم والوفاء ورجاحة العقل .
مكوّنات القبيلة قبيل الإسلام :
كانت القبيلة تتألف من :
1- أبناء القبيلة من العرب : وهم الأكثرية .
2- الموالي : الغرباء الضعاف الذين التجؤوا إلى القبيلة لحمايتهم ، فأخلصوا للقبيلة وأصبحوا من مواليها .
3 ـ الأرقاء : وهم العبيد الذين حصلت عليهم القبيلة عن طريق الأسر في الحروب أو الشراء . أدت ممارسة العرب للأعمال الاقتصادية إلى ظهور مستويات مختلفة في المأكل والملبس والمسكن ، وذلك بحسب ما يملكه الفرد من أموال ،وظهر بالتالي في المجتمع العربي طبقتان الأولى
طبقة غنية : تملك القوة وتنعم بالمال الوفير ،
والثانية طبقة فقيرة تملك جهدها العضلي كوسيلة لكسب رزقها والحفاظ على حياتها .
وحرص العربي منذ القديم على معرفة نسبه والتفاخر به ، وبما فعله أجداده ، وما قدموه من الشجاعة والكرم والوفاء . فعملت القبيلة على زيادة عدد أفرادها للدفاع عنها ، عن طريق الزواج المبكر وتعدد الزوجات ، وقد كان الفتى يختار زوجة كريمة لنفسه وكذلك الزوجة تختار فتى كريما فارسا شجاعا . وحرصت المرأة على حسن تربية أطفالها ، وتهيئة بناتها ليصبحن ربات بيوت صالحات ؛أما الرجل فقد كان يتمتع بسلطة واسعة على أفراد أسرته يدرب أولاده الذكور على ركوب الخيل والقتال ، لأن حماية القبيلة ستقع على كاهلهم في المستقبل ، وهذا ما جعل العرب يفضلون الذكور على الإناث وكان المجتمع في الجاهلية ينقسم إلى ثلاث طبقات اجتماعية
( أ )طبقة القبيـــل ،أو جمهور أبناء القبيلة الصرحاء ، وهم الذين يرتبطون فيما بينهم برابطة الدم ، وهم جمهور القبيلة ودعامتها ، وكانوا يهبون لتلبية نداء القبيلة والتضامن معها ظالمة كانت أم مظلومة ؟، والقبيلة نظير ذلك تسبغ عليهم حمايتها ، وتمنحهم حق التصرف كالإجارة ، ولكنها لا تبيح لهم الخروج على العرف والتقاليد، فإذا سلك الفرد سلوكاً شائناً يسيء إلى سمعة القبيلة ، ويجلب عليها العار ؛ نبذته القبيلة وأخرجته منها ، ويلجأ إلى الصحراء ويعيش على قائم سيفه وحد نصله ، ويصبح صعلوكاً من صعاليك العرب ، أو مغامراً ، ليتخلص من شقاء الفقر وذل الفاقة ، إذ كان أبىّ النفس ذا أنفة
( ب ) طبقة الموالى ، ويدخل فيها الخلعاء الذين خلعتهم قبائلهم وفصلتهم عنها وتبرأت منهم لجرائم ارتكبوها ، ثم دخلوا في قبيلة أخرى على أساس الموالاة بالجوار ، وكان الخلع يتم في الأسواق والمحافل ، كما يدخل فيها الصعاليك المغامرون ، ومن بين الصعاليك المشهورين ("تأبط شراً ، والسليك بن السلكة ، والشنفرى ، عروة بن الورد ) كما يدخل في طبقة الموالى أ يضاً العتقاء ، وكانوا في الأصل عبيداً ثم أعتقوا . وكان لهؤلاء الموالى سواء كانوا حلفاء أو عتقاء الحقوق القبيلة نفسها التي يوالونها وعليهم الواجبات نفسها ، ولكن رابطة الجوار كانت موقوتة ، فهي تبقى ببقاء الجار في كنف مجيره ، وتحل بخروجه ، وفى هذه الحالة يعلن المجير أنه في حل من حمايته . ولكن رابطة الحلف تبقى ، فهي رابطة قوية غير موقوتة ، وكانت هناك أحلاف فردية وأحلاف جماعية كأن تتحالف قبيلة مع قبيلة أخرى ، والحلف في هذه الحالة أشبه بمعاهدة . ويتم الحلف عن طريق المواثيق والعهود ، ومن أحلاف العرب : (حلف المطيبين وحلف الفضول وحلف الرباب وحلف الحُمس وحلف قريش والأحابيش )؛أما العتقاء فهم موالى أيضاً ، ويرتبط المعتق بسيده برابطة الولاء
(ج ) طبقة الرقيــق ، وكانت تؤلف طبقة كبيرة في المجتمع القبلي في الجاهلية . والرقيق إما أبيض أو أسود ، ومعظمهم يشترى في الأسواق ، وبعضهم يجلب من أسرى الحروب . وكان العدد الأعظم من الرقيق عبيداً سوداً يعرفون بالأحابيش ، يستقدمون من الحبشة أو السودان ، ولكن بعضهم كان من بين الأسرى في الحروب ، روماً كانوا أو فرساً ، وقد كان لنبي العرب محمد صلى الله عليه وسلم مولى روميا هو " صهيب الرومي " ، وموليان حبشيان هما " بلال بن رباح " و " وانجشة " ومولى فارسيا هو " سلمان الفارسي " ، ومولى نوبيا هو " يسار أو بشار " . وكان أبناء الإماء البيض من آباء العرب يعرفون بالهجناء ، أما أبناء الإماء السود فيطلقون عليهم أسم أغربة العرب ، ومن هؤلاء " عنترة بن شداد ، وكانت طبقة العبيد في المجتمع الجاهلي طبقة محرومة من الامتيازات، بل على العكس من ذلك كانت طبقة مثقلة بالواجبات نحو سادتها ، وكان يوكل إليهم بالأعمال التي يأنف العرب من القيام بها مثل الرعى والحدادة والحجامة والتجارة . وكان في إمكان العبد أن يعتق إذا قام بعمل خارق أو أدى خدمة عظيمة لسيده تبرر عتقه وتحريره كما فعل عنترة عندما حمى قومه سعيا للتحرر
الباب الثاني
الفصل الثالث
الحياة الإدارية والسياسية

ـ 1 ـ
عند البدو

قام المجتمع العربي في شبه الجزيرة العربية على أساس النظام القبلي حيث يتم اختيار شيخ القبيلة من أبنائها لمن توافرت فيه الصفات المطلوبة من شجاعة وكرم وحلم وعدل وحكمة ، ورضي مجلس القبيلة به .
يرأس القبيلة رئيس أو شيخ مسؤول عن حل مشكلات القبيلة ، وتنظيم علاقاتها مع القبائل الأخرى في الحرب والسلم ، تبعاً للأعراف والتقاليد المتبعة ، وبمشاورة مجلس القبيلة المؤلف من حكماء القبيلة .
قامت الصلات بين القبائل العربية على أساس القربى والتحالف ، أشهرهذه الأحلاف : حلف الفضول .
وقد أدت العصبية القبلية إلى حروب طويلة بين العرب سميت بأيام العرب أشهرها يوم : يوم داحس والغبراء ، يوم البسوس .

ـ 2 ـ
عند الحضر

عرف العرب في شبه الجزيرة العربية عددا" من الأنظمة السياسية قبيل الإسلام ،فقد ظهر على أطراف شبه جزيرتهم الشمالية والجنوبية عدد من الدول ذات النظام الملكي الوراثي ( مثل : الأنباط – حضر – حِمْير ).
قسًّمت المملكة فيه إلى ولايات ، يدير كلاً منها والٍ يعيَّن من قبل الملك ، وهو مسؤول عن ولايته ، يساعد الملك في إدارة شؤون مملكته مجلس استشاري يتألف من كبار القوم ،وقد لعبت كل من دولتي الفرس والروم دوراً كبيراً في بث روح التفرقة بين الممالك العربية مستفيدة من الخلافات القائمة بينها ( مثل الغساسنة والمناذرة ) وذلك خوفاً من قيام دولة عربية واحدة قوية مجاورة لها .
ومن أهم المدن العربية التي سكنها العرب قبل الإسلام (مكة – يثرب – الطائف)
فأما مكة فهي موطن قبيلة قريش التي تزعمت القبائل العربية فيها ، وتأتي أهميتها من وجودها قرب الكعبة ، وموقعها الهام على الطريق التجارية بين بلاد اليمن وبلاد الشام حيث كان العرب يقصدونها في موسم الحج للعبادة والتجارة وقد أوجد قصي بن كلاب جد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تنظيماً سياسياً وإدارياً في مكة، تجلى في وجود
(دار الندوة وهي بمثابة مجلس الشورى)
واللواء عقد لواء الحرب
والحجابة :خدمة الكعبة المشرفة
و السقاية إسقاء الحجيج الماء المحلى بالتمر
والرفادة : إطعام الحجاج .)
وأما المدينة المنورة التي كنت تسمى يثرب فتأتي بعد مكة في الأهمية ، ، وهي مدينة كثيرة العيون والآبار معتدلة الجو ، تعتمد على الزراعة ، سكنتها قبيلتان هما : الأوس والخزرج ،
وكان لكل منهما رئيس يدير أمور قبيلته ويرعى مصالحها، مع وجود ثلاث قبائل يهودية صغيرة ، كانت تلجأ إلى الدسائس لإشعال نار الفتنة بين القبيلتين العربيتين ( ولم تخمد هذه الفتنة إلا بعد دخولهم الإسلام ) ؛ثم الطائف وكانت بلداً زراعياً خصباً ، وجوّها لطيف .اتخذها أهل مكة المكرمة مَصِيْفاً لهم . ا تصف أهلها بالقوة والشجاعة والشدة في المعارك ، وفي طليعتهم قبيلة ثقيف التي عرفت في تاريخ العرب بالشجاعة .








الباب الثاني
الفصل الرابع
الحياة الدينية لدى الجاهليين

كان العرب قبيل الإسلام يعبدون بعض مظاهر الطبيعة كالكواكب خوفاًتقرباً منها ، ثم انتقلت إليهم عبادة الأصنام من بلاد الشام .وكانت أشهر وأكبر أصنامهم ( هُبل ) وهناك ( اللات ومناة والعزّى ) التي ورد ذكر بعضها في القرآن الكريم . وكان العرب يعدّونها وسيلة تقرَّبهم من الله تعالى .
وكانت مكة المركز الديني للعرب ، حيث وضعوا الأصنام حول الكعبة ليزورها في الأشهر الحرم ( ذو القعدة – ذو الحجة – المحرّم – رجب ) ، وقد تسربت إلى بعض أنحاء شبه الجزيرة العربية
لا سيما اليمن الديناتان السماويتان : اليهودية كما في خيبر ويثرب ، ثم المسيحية كما في قبيلة غسان التي عاشت في منطقة حوران .
وقد اتجه بعض عقلاء العرب إلى اعتناق المبادئ الدينية التي نادى بها النبي إبراهيم الخليل عليه السلام والتي تسمى (الحنيفية) وهي تدعو لعبادة إله واحد .
وأخيراً جاء الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام الذي أنهى عبادة الأصنام ، وأحل الرابطة الإسلامية بدلاً من العصبية القبلية




الباب الثاني
الفصل الخامس
الحياة الفكرية لدى الجاهليين

تمكنت قبيلة قريش من تقريب لهجات القبائل العربية وتوحيدها ، ساعدهم في ذلك تجمعهم حول الكعبة للعبادة ، و انتشرت اللغة العربية الفصحى مع ظهور الإسلام انتشاراً واسعاً،
و لعبت أسواق العرب دوراً هاماً بانتشار الخطابة والشعر ، وكانوا يجتمعون في سوق عكاظ وغيره من الأسواق التي كانت تقام للتجارة ، والتحكيم في الخصومات ، وإلقاء القصائد والخطب ومما امتازت الخطابة به قصر العبارة واحتوائها على الحكمة والموعظة ، واستخدمت الخطابة للدفاع عن القبيلة أو للإصلاح بين قبيلتين .ومن خطبائهم قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي. صوَّر ا لشعر حياة العرب وتاريخهم وعاداتهم وحروبهم ، وكان الشاعر يبدأ قصيدته بالوقوف على الأطلال وذكر الأحبة ، ثم يمدح أو يهجو أو يفتخر . كتبوا أجود قصائدهم بماء الذهب ، وعلقوها على أستر الكعبة وأطلقوا عليها اسم المعلقات(من أصحاب المعلقات : امرؤ القيس ، زهير بن أبي سلمى ، عنترة ابن شداد).
وتكونت لدى العرب معارف متنوعة نتيجة الحاجة والتجربة وطبيعة البلاد الجغرافية
فكانت لهم معرفة بهندسة البناء وعمارة المدن وأساليب الزراعة والري والصناعة ، وكل ما يتعلق بالتجارة من حساب ومكاييل ومقاييس و برعوا في علم الأنساب لمعرفة قبائلهم وأصولهم وصلات القربى فيما بينهم ، واهتموا بالقيافة لتتبع آثار أعدائهم ، أو من ضلَّ منهم في الصحراء . ولحاجاتهم للمطر عرفوا أوقات هطولها وأنواع السحب والرياح التي تسوقها ، وهذا ما سُمَّي بعلم الأنواء وتتبعوا مواقع النجوم وأعطوها أسماءها ، واهتدوا بها في لياليهم وأسفارهم (( كنجم القطب والثُّريا )) .
و كان لهم إلمام في الطب ، فعرفوا تضميد الجراح ، وإجراء العمليات الجراحية البسيطة ، والكي بالنار ، والتداوي بالأعشاب . وبرع منهم الحارث بن كَلَدة وابنه النضر، وزينب طبيبة بني أزد . ومن أهم معارفهم الطبية البيطرة ، إذ كان لهم خبرة واسعة بأمراض الخيل والإبل وطرائق معالجتها ، وقاوموا العدى بعزل الحيوانات المريضة عن السليمة .
عدَّ أبناء القبيلة الأرض التي يحلّون فيها ملكاَ لهم ، لذلك كانوا يأخذون أجوراً من القوافل التجارية التي تمر بأراضيهم مقابل حمايتها
أما الحضر فقد سكنوا في القرى والمدن ومن أهمها : مكة – يثرب – حائل – الطائف
وأقاموا في بيوت مصنوعة من الحجارة والطين أو اللَّبن وعملوا في الزراعة والصناعة والتجارة ،وكانت الزراعة تقتصر على المناطق الصالحة لها والتي تتوافر فيها المياه والمنُاخ الملائم ( نظراً لما تعانيه الزراعة من صعوبات داخل شبه الجزيرة العربية ) . ومن أهم المحاصيل الزراعية لديهم : نخيل التمر في الواحات ( واحات الهفوف والقطيف ) كما اهتم سكان المناطق الأكثر اعتدالاً في المناخ بزراعة الحبوب وإنشاء البساتين ، وتعدُّ مدينة الطائف من أهم المدن التي اشتهرت ببساتينها وزراعاتها المتنوعة .



الباب الثاني
الفصل السادس
الحياة الاقتصادية لدى الجاهليين
الرعي الزراعة التجارة والصناعة

الرعي :





الزراعة:





التجارة :
كانت التجارة العمل الرئيسي لسكان الحضر داخل الجزيرة العربية .
والتجارة نوعان : تجارة داخلية : تقوم على التبادل التجاري ضمن المدينة أو الدولة .
تجارة خارجية : تقوم على التبادل التجاري مع الدول الأخرى .
ومقوَّمات التجارةجعلها تحتاج إلى طرق للموصلات تنتقل عليها القوافل المحملة بالبضائع المختلفة
وقد أقام السكان داخل شبه الجزيرة العربية علاقات تجارية مع سواحل الخليج العربي واليمن وبلاد الشام ، وقد أشار القرآن الكريم إلى النشاط التجاري لقبيلة قريش في مكة المكرمة التي كانت تقوم برحلتين إحداهما في الشتاء إلى اليمن ، والأخرى في الصيف إلى بلاد الشام .ومواد التجارة عندهم : البخور ، العطور ، الأنسجة ، الأسلحة ، الأواني المصنوعة .
تجارةداخلية :كانت تقوم بيم المدن والقرى وداخل المدن نفسها حيثتحمل المواد التب بحتاجها الناس للبيع في أماكن مختلفة .
الصناعة: وأما الصناعة فلا تتعدى الأسلحة الحربية كالسبوف والرماح وآلات الافلاحة






لوحة فنية
الحياة العامة في العصر الجاهلي
سكن العربُ الجزيرةَ العربية منذ عهودٍ مُغرقةٍ في القدم، ولكنّ تاريخهم القديم مجهولٌ غير معروف، وأقدمُ ما نعرفه عن أخبارهم المؤكّدةِ ما أفادته النقوشُ المكشوفة حديثاً، التي يرتقي أقدمها إلى القرن التاسع قبل الميلاد، فتُقدِّم لنا معلوماتٍ عن نشوء حضارة عريقةٍ في اليمن، وعن قيام خمسِ ممالك ، أشهرها: مملكتا معين وسبأ، وهي حضارة "عربية صافية لم تأتِ العرب من الخارج، بل نمت وتطورت في الداخل، إذ كان لهم قوانينهم وأنظمتهم ودساتيرهم، وكانت لهم قدم راسخة في عمارة القصور والهياكل وتشييد السدود".
فلم يطلق على هذه الفترة اسم الجاهلية لتخلف في العلوم والمعارف بل سمّيت جاهلية لانتشار العصبية القبلية وما يترتب عليها من صراع وثأر وانقسام .
والمؤرخون يسمّون عرب اليمن بالعرب الجنوبيين أو القحطانيين، تمييزاً لهم من عرب الشمال أو العدنانيين الذين كانوا يسكنون الحجاز، وتمتد عشائرهم وقبائلهم إلى باديتي الشام والعراق. وعلى الرّغم من أن أغلب القبائل الشمالية بقيت تعيش حياة صحراوية بدوية لم يتهيأ لها الاستقرار بصورة دائمة، في ممالك ثمود والأنباط وتدمر تخرج عن هذا التعميم لتقدم لنا أمثلة على استقرار بعض المناطق حين تهيأ لها ذلك. على أن هذه المعلومات تتّصل كلّها بالعهود التي سبقت العصر الجاهلي. أما في هذا العصر فقد كان العرب قسمين : أهل الحضر والبدو: فأهل الحضر هم الذين كانوا يعيشون حياة مستقرة، ويشتغلون بالتجارة أو الزراعة أو الصناعة كسكّان اليمن، وإمارتي المناذرة والغساسنة، وبعضِ مدن الحجاز كمكّة والطائفِ ويثرب. والبدو هم الذين يسكنون البادية ، وهم أكثر سكّان الجزيرة، يعيشون حياة المطر، والرحلة إلى أماكنها مع حيواناتهم، وعليها اعتمادهم في مأكلهم وملبسهم وتنقّلهم المستمر، وكثيراً ما كانت أماكن الرعي، وآبار المياه والواحات أسباباً للقتال والغزو بين قبائل العرب المختلفة. إذا انتقلنا إلى حياتهم الاجتماعيّة نجد أنَّ القبيلةَ هي النواة الاجتماعية التي يتألف منها المجتمع في العصر الجاهلي، وغالباً ما تسمّى القبيلة باسم الأب كمُضر وربيعة – ونادراً ما تنتسب إلى الأم كحنيفة وبجيلة، وقد تعرف القبيلة بحادث معين كغسان (وهو اسم للماء الذي نزلت به هذه القبيلة في أول مرة). ونظراً لتحمس البدوي العربي للعصبية التي يرى فيها فلسفته في الحياة فقد برزت بعض المظاهر الاجتماعية السلبية من أمثال الثأر والتناحر والتعصّب سواء أصابت القبيلة أم أخطأت.
وقد صوّر دُريدُ بن الصمَّة ذلك في قوله:
وما أنا إلا من غُزّيَّةَ إنْ غَوَتْ غويّتُ، وإن تَرْشُدْ غُزّيَّةُ أرشُدِ
إلا أنّ ذلك لم يمنع من ظهور مجموعة القيم والمثل الأخلاقية بسبب ظروفهم المعاشية .
فالحياة الحربية جعلتهم شجعاناً ينجدون من يستغيث بهم، والجدب في البادية دفعهم إلى أن يكونوا في الجود والكرم المثل الأعلى، وكثرة التنقل جعلت العربي محبّاً للحرية، أبياً للضيم، مُعتزاً بنفسه.
أما المرأة فقد كان لها شأنها عظيماً في القبيلة حتى إن الشَّنفري يسمي أمّه ابنة الأحرار، اعتزازاً وافتخاراً بأمومتها. وكثيراً ما كان للمرأة دور فعال في الحروب، وعقد المعاهدات ومحاولات الصلح والسلام بين القبائل المتنازعة وكانت تستشار في الرأي وفي أمر زواجها.
أما الحياة السياسيّة في العصر الجاهلي فتتجلّى في ثلاثة مظاهر:
الحكومة القبيلة، ويعد شيخ القبيلة رأس الحكومة القبليّة، ويحكمها بالشورى، ويلجأ إلى التحكيم لفضّ المنازعات والخلافات التي تحدث بين القبائل، وقد يؤدي عدم الالتزام بالحكم أو العهود والمواثيق إلى تأزّم الوضع بين القبائل، ونشوب الحروب والمنازعات. والمظهر السياسي الثاني هو حكم المدن التجارية حيث تتركز سلطة الحكم بيد طبقة واحدة من التجار، أصحاب النفوذ المادي والمعنوي ومن أمثلته حكم قريش الذي يتجلّى فيه كل من النفوذ التجاري والاجتماعي والديني.
والمظهر الثالث هو وجود النفوذ الأجنبي: فقد كان الصراع السياسي حول الزعامة شديداً بين الإمبراطوريتين القديمتين: البيزنطيّة في الشام والساسانيّة في العراق، وقد أدى ذلك إلى وجود إمارات عربية متاخمة، لكل من هاتين الإمبراطوريتين، مثل إمارة المناذرة في الحيرة قرب الكوفة، الموالية للفرس، وإمارة الغساسنة في الشام التي كانت عوناً للروم على أعدائهم، وقد استطاع ذلك النزاع أن يزوّد العرب وخصوصاً في الحيرة والشام بثقافة حربية سياسية أكسبتهم تجارب كثيرة.
وإذا اطّلعنا على حياتهم العقلية ونعني بها مجموعة المعارف التي اكتسبوها نتيجة طبيعتهم الجغرافية وطرق حياتهم وانتقالهم من مكان إلى آخر، والظروف المعاشية التي كانت تحيط بهم وجدنا أنّ بعض القبائل العربية كالتبابعة (جمع تُبّع لقب ملوك اليمن) والمناذرة في الحيرة، والغساسنة في الشام كانوا على حظّ من المعرفة والثقافة، يدلّنا على ذلك ما وصلوا إليه من مهارة في بناء السدود، وحفر المجاري المائية، وتخطيط المدن وتنظيم الجيوش.
وأبرز معارفهم الأنواءُ فقد كان لهم إلمام بمهبِّ الرياح، وسقوط المطر، وحركة النّجوم وذلك نابع عن واقع حياتهم البدوية.
ولعرب السواحل معرفة بالملاحة البحرية، ولا ننسى المعارف الأخرى التي عرفها العرب بطريق التجربة والاتصال بالأمم المجاورة لهم كعلم الطب الذي اقتصر على الطرق البدوية البسيطة ، واستعمال العقاقير النباتية المتوافرة لديهم، والكّي بالنار.
ويُرى أن الحارث ان كلدة طبيب العرب في الجاهلية قد تعلم الطبَّ في بلاد الفرس، ومن أطباء العرب المشهورين ابن حذيم، وعنه تُروى الحكمة المشهورة: "البطنة بيتُ الداء والحمية رأسُ الدواء".
وفي اللغة العربية أسماءٌ لكثير من العلل والأمراض والأدوية النباتيّة ووصف لبعض الأعضاء في الإنسان والحيوان، تدل ولا ريب على مدى معرفة العرب بالطب وعلم الحياة. وتميّز العرب بالتاريخ والأخبار والأنساب إلى جانب الكهالة والعرافة بنتيجة بصرهم الثاقب وبصيرتهم المتفتّحة.
ونتناول أخيراً الحياة الدينية عند العرب، فقد دانت أكثريتهم بالوثنية وعبادة الأصنام والأوثان، مع اعتقادهم الكثير منهم بوجود إله واحد، وبأنَّ هذه الأصنام إنما وجدت لتقرِّبهم إلى الله زُلفى .
وكان فيهم من عبد الشمس والقمر، وبعضهم قال بآلهين: أحدهما للنُّور وهو مصدر الخير، والآخر للظلام وهو مصدر الشر، ومنهم من عاش لا يعرف إلهاً ولا ديناً.
على أن العرب قد تعرّفوا الديانتين السماويتين: اليهودية والنصرانية فانتشرت الأولى في اليمن وفي يثرب، والثانية في ربيعة وغسان وبين أهل الحيرة.
أما الكتابة فكان شأنها ضئيلاً عند العرب، لذلك كانت الرواية الشفهية هي المصدر المعين لحفظ التراث الفكري والعقلي للعرب حتى بعد الإسلام: وإلى زمن التنوين والكتابة الذي بدأ يتطوّر بسرعة حتى شاعت الكتابة في أواخر العصر الأموي وأوائل العصر العباسيّ، لكن هذا الحكم ليس مطلقاً، فقد وردت إشارات كثيرة في الشعر تشير إلى الكتابة والكتاب والقلم والصُّحف والدواة وغير ذلك من وسائل الكتابة المعروفة.







الباب الثالث
الأنساب والعصبية القبلية لدى الجاهليين







الباب الثالث
الفصل الأول
عصبية العرب ـ المعطى والشمول ـ

تعد العصبية القبلية من المظاهر المهمة عند العرب إذ هي تستولي على عقولهم ومشاعرهم وعواطفهم وبالتالي تسير معظم حياتهم لأنها الدافع لتصرفاتهم في الجاهلية والعصبية عند العرب نوعان
1ـ عصبية الدم ،وهى أساس القرابة في البيت الواحد ، ومصدر الترابط الوثيق بين أفراد القبيلة، والقبيلة في البادية دولة صغيرة ، تنطبق عليها مقومات الدولة ، باستثناء الأرض الثابتة التي تحدد منطقة نفوذها . فمن المعروف أن أهل الوبر لم تكن لهم أوطان ثابتة بسبب تنقلهم الدائم وراء مصدر الماء والعشب ، وكان ضيق أسباب الحياة في الصحراء حافزاً لهذه القبائل المتبدية على التنقل والتحرك ، كما كان سبباً في اعتزازهم بالعصبية التي أملتها الظروف الصعبة المحيطة بهم . وبفضل العصبية أمكن لهذه القبائل أن تدافع عن كيانها ، والتغلب على غيرها ، لتضمن لنفسها مورداً لحياتها ، ولذلك كانت حياة القبائل المتبدية صراعاً دائماً، والصراع هجوم ودفاع ، فالهجوم يتم بقصد الحصول على مزيد من الرزق ، والدفاع يقومون به للحفاظ على وجود القبيلة ؛ والدفاع والهجوم يتطلبان التكتل والدخول في أحلاف مع القبائل الأخرى . ولهذا أعتبر قانون القبيلة قانون الغاب ، وقوامه " الحق في جانب القوة "، فمن كان سيفه أمضى وأقوى كانت له الكلمة والغلبة وكان الحق في جانبه
2ـ عصبية الانتماء إلى أب بعيد أو جد مشترك من نسله تكونت القبيلة أو القبائل المنتمية إليه ، وهي عصبية تجمع أفراد القبيلة مهما بعد بينهم الدم وتجعلهم يدافعون عن أفراد القبيلة ولو لم يرتبطوا بدمائهم و تعتبر القبيلة الوحدة السياسية عند العرب في الجاهلية ، ذلك لأن القبيلة هي جماعة من الناس ينتمون إلى أصل واحد مشترك ، تجمعهم وحدة الجماعة وتربطهم رابطة العصبية للأهل والعشيرة ، ورابطة العصبية هي شعور التماسك والتضامن والاندماج بين من تربطهم رابطة الدم ، وهى على هذا النحو مصدر القوة السياسية والدفاعية التي تربط بين أفراد القبيلة لأن العصبية تدعو إلى نصرة الفرد لأفراد قبيلته ظالمين كانوا أم مظلومين ، وتقوم العصبية على النسب ، وقد نشأ النظام القبلي كضرورة اجتماعية ، وحيوية حتى يتنقل أبناؤه في جماعات وعشائر توفر لأفرادها الحماية والأمن.. ولم يقـتـصر وجـودهـا عـلـى الـبـادية بل تعداها إلى الحواضر على قلتها وتناثرها في الصحراء المترامية
ولقد كانت هيمنة القبيلة هي الأساس في البادية والحاضرة حيث إن هذه القبائل لم تفقد صورتها القبلية فقد ظل لكل منه منازلها الخاصة ومعاقلها الصغيرة ، وسيادتها وشؤونها الخاصة ، ومرد ذلك إلى أن رابطة القبيلة كانت أقوى من رابطة المدينة حتى أنه قد تؤدي الثارات بين قبيلة وقبيلة إلى انقسام المدينة على وحدة القبيلة التي كانت أمراً مـقـدسـاً تـرتـب علـيـه طائـفـة من التقاليد يحدد علاقة الأفراد مع بعضهم.. وعلاقة الأفراد بقبائلهم لأن القبيلة هي الـوحـدة الاجـتـمـاعـية التي عرفها المجتمع الجاهلي في البادية والمدن.. وكان أفراد القبيلة يؤلفون أسرة واحدة قائمة بذاتها لا اختلاط فيها ، متجانسة لا تباين بين أفرادها.. يعمل الجميع في سبيل هدف واحد وهو المحافظة عليها
وقـد آمـنـت القـبـيلة بوحدتـها وجعلت ذلك أمراً مقدساً ، ترتب عليه طائفة من التقاليد الاجتماعية ، تحـدد واجـبات الأفراد وحقوقهم وأساس هذه التقاليد هو العصبية ، التي تقضي أن يُنصر الفرد من قبل أفراد قبيلته ظالماً أومظلوما ولورجعنا إلى الشعر الجاهلي لوجدنا الكثير منه يصور لنا هذه العصبية دون الاحتكام إلى عقل مستنير ولا هدى أو بصيرة ، لأن التعصب لقبيلته يفوق كل اعتبار.
يقول دريد بن الصمة
أمرتهم أمـري بمـنـعـرج الـلـوى فلم يستبينوا الرشد إلى ضحى الغد
فلما عـصـوني كنت منهم وقد أرى غـوايتهم وأنني غيـر مـهــتد
وما أنـا إلا من غـزية إن غــوت غـويت وإن ترشد غزيــة أرشد
فالشاعر يرى رأي قبيلته غـزيـة ، بل يـتـنازل عن رأيه من أجل رأيها ، ولو كان خطأً.. فغيه وضلاله، وكذلك رشده مرتبط كله بعشيرته فإن ضلت ضل معها، وأمعن في ضلاله، وإن اهتدت اهتدى معها وأمعن في هداه.
و يعبر النابغة الذبياني عن المعنى نفسه بقوله :
حدبت علي بطون ضبة كلها إن ظالـمـاً فـيهم وإن مظلوماً
وعلى الـفـرد أن يحـتـرم رأي قبيلته فلا يخرج عليه ولا يكون سبباً في تمزيق وحدتها ، أو الإساءة إلى سمعتها بين القبائل أو تحميلها ما لا تطيق ، ولذلك اتخذت القبيلة حق الخلع أي الطرد لبعض أفـرادهــا إذا تمردوا على تقاليدها من قتل بعض أفرادها أو تعدد جرائره عليها أو سوء سلوكه من الناحية الخلقية حسب مفاهيمهم للأخلاق آنذاك ، ويعتبر الخلع أشد عقوبة توجه للفرد في المجتمع البدوي ، فجناية كل فرد من أفراد القبيلة جناية المجموع يعصبونها برأس سيد العشيرة ولهم عليه أن يتحمل تبعاتها وله عليهم أن يطيعوه فيما يأمرهم به ، وشيخ القبيلة يكون عادة شيخاً مجرباً هو سيدها له حـكـمـة وســداد رأي وسـعـة في الثروة.. وهو الذي يقودها في حروبها ويقسم غنائمها ، ويستقبل وفود القبائل الأخري ، ويـعـقــد الصـلـح والمحـالـفـات ويقيم الضيافات ، وسيادته رمزية وإذا بغى كان جزاؤه جزاء كليب التغلبي عندما بـغـى وطـغى على أحلافه من قبيلة بكر فقتلوه مما كان سبباً في نشوب حرب البسوس المشهورة.
ولا بد من توفر صفات في شيخ العشيرة وقائدها ، كالشجاعة والحسب والكرم والـنـجدة وحفظ الجوار وإعانة المعوز ولابد أن يتحمل أكبر قسط من جرائر القبيلة وما تدفـعــه من ديات ، وغالباً يرث الشيخ سيادته عن آبائه ، وإلى ذلك يشير معاوية بن مالك سيد بني كلاب وهو الملقب (بمعِّود الحكماء)حيث يقول
إني امـرؤ من عـصبة مشهورة حشد ، لهم مجد أشم تليـد
ألـفوا أبـاهم سيداً وأعـانهم رم وأعـمام لهم وجـدود
نعطي العشيرة حقـها وحقيقها فيها ، وتغفر ذنبها وتسود
وإذا تحملـنا العـشيرة ثقلها قمنا به ، وإذا تعود نعود
ويقول عبد الله بن عنمة وكان حليفاً لبني شيبان يرثي بسطام بن قيس سـيـد بنـي شيبان ويذكر أعلام رياسته وقيادته
لك المرباع منها والصـفايا وحكمك والنشيطة والفضول
والمرباع هو ربع الغنيمة كان الرئيس يأخذه في الجاهلية ، والصفايا جمع صـفـيـة وهي ما كان يصطفيه الرئيس لنفسه من خيار الغنيمة ، والنشيطة ما أصابه الجيش في طريقه قبل الـغـارة مـن فرس أو ناقـة، والفضول ما فضل فلم ينقسم نحو الإداوة والسكين والنوعان الأخيران قد سقطا في الإسلام.والاعتزاز بالأنساب والقوةجزء مهم من العصبية القبلية عند الجاهليين
ولقد آمـنت القبيلة بوحدة جنسها - أي وحدة الدم - فهم جنس ممتاز لا تفضلهم قبيلة أخرى ، وهـم يفـضلون كل القبائل آباؤهم أشرف آباء وأمهاتهم أكرم أمهات ، وهم أجدر الناس أن يكونوا خـير الـنـاس، ولـعـل هـذا مـا يـفـسر لنا تلك المنافرات التي امتلأت بها أخبار العصر الجاهلي ، وذلك الفخر الذي تدوي أصداؤه في قصائد شعرائه ، ولعل معلقة عمرو بن كلثوم خير ما يمثل الاعتزاز بالنسب ، والفخر بالآباء ، والأجداد حيث يقول


ورثت مهلهلاًوالخير منه زهــيراً نعم ذخر الذاخرين
وعتاباً وكلثوماً جميـعاً
بـهم نلـنا تراث الأكرمينا
ومنا قبله الساعي كليب فـأي المجـد إلا قد ولينـا
ثم يعتز بقوة قبيلته وعزتها وجبروتها فيقول:
ونحـن الحاكمون إذا أطـعـنا ونحن العازمـون إذا عُصـيـنا
ونحن الـتاركـون لما سخطنا ونـحن الآخذون لما رضيـنـا
وأنا المـنعمون إذا قـدرنـا وأنـا المهلكون إذا أتـيـنـا
وأنـا الشاربون المـاء صفواً ويـشرب غيرنا كدراً وطـينا
وإلى أن ينسى الشاعر نفسه ويتصور أنهم ملوك الدنيا المتصرفون الباطشون بلا رادع حيث يقول:
لنا الدنيا ومن أضحى عليها ونبطش حيث نبطش قادرينا
إذا ما الملك سام الناس خـسفـاً أبينا أن نقرَّ الخـسف فينا
والمـعـلـقـة كـلـهـا ضـجـيـج وصياح وهياج وإزباد يتجاوز حدود العقل إلا أنها الجاهلية المتغطرسة، انظر إليه حيث يقول:
إذا بـلـغ الفطام لـنا صـبي تخر له الجـبـابر ساجـدينا
مـلأنا البر حـتـى ضاق عنا وظـهر البـحـر نملؤه سفينا
ألا لا يـجـهلـن أحـد عـلـينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فالشاعر يفتخر بكثرة عدد عشيرته حتى ملأ أفرادها وجه الأرض وضاق البحر بسفنهم؟ وطفلهم إذا بلغ الفطام انحنى له الجبابرة سجوداً ومذلة.
والـشـواهـد كـثـيرة نختار منها بعض النماذج لإعطاء صورة واضحة عن جبروت الجاهلية وغطرستها.
أما المرقش الأكبر فيفتخر بكثرة عدد قومه من بني بكر بن وائل إذ يقول:

هـلا سألت بنا فوارس وائل فلنحن أسرعها إلى أعدائها
ولنحن أكثرها إذا عد الحصى ولنا فواضلها ومجدُ لوائها
ثم يفـتـخـر بـقـوة قـومـه في الحـروب ، فهم شعث الرؤوس وناديهم خير ناد وأشرفه فيقول
شعث مقادمنا نهبى مراجلنا نأســو بأمـوالـنا آثار أيدينا
الـمـطـعمون إذا هبت شآمية وخير ناد رآه الناس نادينا
فهم أصحاب حروب وقرى.
وهذا طرفة بن العبد يفتخر بقبيلته بكر ويتحدث عن كرمها وقوتها وحسبها إذ يقول :
1- ولـقـد تـعـلم بكر أنـنا آفـة الـجـزر مـسامـيـح يُسُر
2- ولـقد تـعــلـم بـكر أنـنا فاضلو الرأي وفـي الـروع وُقر
3- ولــقـد تـعـلـم بـكـر أنــنا صادقو البأس وفي المحفل غر
والشاعر لبيد بن ربيعة يفخر بأحساب قومه وشرفهم في معلقته ، فالمجد فيهم قد سنَّه آباؤهم وعلموهم إياه فتبعه صغارهم بعد كبارهم إذ يقول :
من معشر سنت لهم آباؤهم ولكل قوم سُنَّة وإمامها
فبنوا لنا بيتاً رفيعاً سمكه فسما إليـه كهلها وغلامها
وكانت كل قبيلة تؤلف وحدة مناوئة لكل القبائل الأخرى لذلك يحزن الشاعر ذو الإصبع العدواني على تفرق قومه بني عدوان واختلافهم بعد ائتلافهم واتحادهم فيقول :
عـذير الحي من هذوا من كانوا حيـــة الأرض
بـغـى بـعـضهم بعضاً فلم يُـرعُـوا على بعض
ومنهم كانت السادات والمــوفـون بـالـقـرض
وعدوان من قيس عيلان بن مضر بن نزار ، كانوا من أعز العرب وأكثرهم عدداً ثم وقع بأسهم بينهم فتفانوا.
إن الأنساب مهمة وأساسية في حياة العربي آمن بها إيماناً شديداً ، وصارت علماً عندهم إذا رأوا فيه ما يراه الناس في الوطن الآن ، والقبائل جميعها المتبدية منها والمتحضرة كانت تتحد في نظمها السياسية ، وهي نظم قبلية تشترك في تقاليد وأعراف وتتمسك بهما تمسكاً شديداً ، الرابط الوحيد بين أفرادها هو العصبية ، فيها يجد الفرد الأمن والسلامة في مجتمع لا يؤمن إلا بالقوة حيث لا دولة تحميه ، ولا سلطة يتحاكم إليها ،.
وكانت القبائل تعقد الأحـلاف مـع قـبـائـل أخـرى من أجل حروبهم ويضع أفراد القبيلة أنـفـسـهـم في خدمـتـهـا وخدمة حقوقها وعلى رأسـهـا حـق الأخذ بالثأر وكثيراً ما تتكرر الحروب والغارات وهي ما تسمى بأيام العرب... فكل قبيلة مستعدة دائماً للحرب والإغارة ، ولذلك كانت الشجاعة والفروسية مثلهم الأعلى.








الباب الثالث
الفصل الثاني
النظام القبلي والبناء القبلي

تعد القبيلة في العصور القديمة المرحلة الأولى من مراحل التنظيم السياسي والاجتماعي الذي لائم الطبيعة العربية في سكناها في الصحراء والبادية نظرا للجفاف الذي يسيطر عليها مع أن نمط المعيشة العربي لم يكن واحدا في جميع القبائل ؛ ثمة قبائل تعيش في القرى والمدن حياة مستقرة أدنى إلى التحضر بالقياس إلى القبائل المتبدية ( كقريش في مكة) و (الأوس والخزرج في المدينة) و (الغساسنة في الشام ) و ( آل نصر في الحيرة ) و ( بني حنيفة في الحجر واليمامة ) ؛ وثمة قبائل أخرى تعيش على البداوة وتنزل حيث تجد ( الماء والكلأ ) ، وقد كانت القبيلة في العصر الجاهلي وحده سياسة مستقلة قائمة بذاتها مع تمثيلها لوحدة اجتماعية لها نظمها و أعرافها وتقاليدها ومع عدم تكيف القبائل العربية مع بعضها في العيش فقد كانت تعيش تحت إمرة إمارة واحدة ولعل
النسابون قسموا المجتمع إلى نظام هرمي تمثله الشعب – القبيلة – العمارة – البطن – العشيرة – الفصيلة ) وهذا ما قصده القرآن الكريم في قوله في سورة الحجرات الآية ( 13 ) (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفو ا إن أكرمك عند الله أتقاكم)وقد قسمت القبيلة إلى طبقات (طبقة ممتازة ( الصرحاء ) ولها الصدارة والامتيازات وطبقة ( الموالي ) وهم موالي المنسب والجوار والدار وطبقة ( العبيد المسترقيّن ) ومصدرها الحروب )، ويزعم القبيلة شيخها الذي يشرف على مجلس قبلي يضم شيوخ البطوت مع تولي سيد القبيلة تصريف شؤونها وأمورها وهذه المشيخة تنقل بالوراثة إلى الأبناء وفي ذلك يقول بشامه بن الغدير :
وجدت أبي فيهم وجدي كليهما يطاع ويؤتى أمره وهو محبتي
فلم أتعمل للسيادة فيهـــم ولكن أتتني طائعا غير متعب
واختيار سيد القبيلة يكون بشروط وصفات لخصها لنا عامر بن الطفيل قائلاً
إني وان كنت ابن سيد عامر وفارسها المندوب في كل موكب
فما سودتني عامر عن وراثة أ بـى الله أن أسمو بأم ولا أب
ولكنني أحمي حماها وأتقـي أذاها وأرمي من رماها بمنكـب
ومن أهم هذه الصفات (سداد الرأي ورجاحة العقل .والحلم .ووفرة المال) .وقد أوصى قيس بن عاصم بنيه بالحرص على استصلاح المال منبهة للكريم وليس لفضله بنفسه .
إذا المرء أثرى ثم قال لقومــه أنا السيد المفضى إليه المعمم
ولم يعطهم خيرا أبوا أن يسودهم وهان عليهم رغمه وهو ظالم
وقد جمع حسان طائفة من صفات السيادة
وإنا لقوم ما نسود غادرا ولا ناكلا عند الحمالة زمـــلا
ولا مانعا للمال فيما ينوبه ولا عاجزا في الحـرب جباً مغفلا
نسود منا كل أشيب بارع أغـر تراه بالحلال مكلــــلا
وقد كانت الأحنف بن قيس إذا غضب غضب له من قومه مئة ألف سيف لا يسألونه فيما غضب ؛أما صلة القبائل بعضها ببعض فقد كانت تقوم أول ما تقوم على العداوة والغزو والنزاع المتصل هذا الغزو الذي يعد ضرورة حيوية ألجاتهم إليها قسوة طبيعتهم وقلة الخيرات وقلة أسباب الرزق وهي صورة من صور تنازع البقاء في تجمع فقير مجزأ تتنافس وحداته ،كذلك كانت كل قبيلة تعد الغزو من مفاخرها وفي ذلك تقول القطامي :
وكن إذا أغرن على قبيــل فأعوزهن نهب حيث كانا
أغرن من الضباب على حلال وضبة إنه من حـان حانا
وأحيانا على بكر أخينـــا إذا ما لم نجـد إلا أخـانا
وقد وصف قريط بن أنيف قبيلة بالضعف لعدم قدرتهاعلى رد حقه إليهحين قال :
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من ذهــل بن شيبانا
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهـم طـاروا إليه زراقات ووحــدانا
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
وأما الصلات السلمية بين القبائل فقد كانت تتمثل بالمصاهرة والنسب وإيواء المسافرين ليلا في القرى وإجارة الرجل في قبيلة أخرى لجناية جناها في قبيلة إضافة إلى حماية الجار المفخرة التي تعد عند الجاهليين من أعظم المفاخر مع عقد الأحلاف مع القبائل الأخرى خاصة إن كانت القبيلة صغيرة قليلة العدد وهناك أحلاف دائمة وأحلاف مؤقتة بين القبائل ومن أحلاف الدم المشهورة عند العرب (حلف لعقه الدم في قريش .ـ.حلف الفضول ـ.حلف البراجم .ـ حلف الحمس وهو حلف ذا طابع ديني .ـ حلف الحلة .ـ حلف الطلس) .




الباب الثالث
الفصل الثالث
الأشهر الحرم
وتقديس الجاهليين لها

لم تكن حياة الإنسان على الأرض سوى معركة مستورة مع أخيه الإنسان تتمحور حولأنانيته أحبانا ، ومصالحه الخاصة أحيانا أخرى ، وهو بطبيعة الحال أي : الإنسان بحاجة دائمة للقتال الذي تتخلله الراحةح والعرب كغيرهم لم يشذوا عن هذه القاعدة ، فقد كانت حياتهم صراعا مستمرا تتخلله راحة بسيطة ولذلك ألجأت ضرورات الحياة المشتركة قبائل العرب في العصر الجاهلي بعد إدراكها لمعنى استمرار القتال إلى إقرار ضرب من الموادعة يأذن لها أن تصيب حظا من الأمن والدعة ويتيح لها أن تنصرف إلى أداء مناسك الحج و إقامة الشعائر الوثنية المتصلة به , وإلى ابتياع ما تفتقر إليه من مأكل وملبس وغيرهما , وإلى افتداء الأسرى وأداء ديات القتلى , فكان من ذلك هذه الأشهر الحرم التي لا يحل فيها قتال و لا عدوان وقد أرجعت بعض المصادر إسباغ صفة القداسة على الأشهر الحرم وتحريم القتال فيها إلى دين إسماعيلبن ابراهيم عليهما السلام الذي كان عليه العرب قديما وعدة هذه الأشهر أربعة هي ( ذو العقدة ,وذو الحجة ,والمحرم ,ورجب .) وقد ذكروا أن العرب كانت تسمى رجبا (الأصم ) لأنهم كانوا لا يسمعون فيه قعقعة سلاح ولا صوت مستغيث , ويسمونه متصل الأسنة لأن العرب كانوا ينصلون فيه أسنتهم و يكفون عن القتال وقد جاء في بعض المصادر أن ثمة أناسا من طي و قضاعة وغيرهما كانت لا تقيم لهذه الأشهر حرمة ؛ وعلى أي حال كان تحريم القتال في هذه الأشهر من ضرورات الحياة المشتركة في المجتمع القبلي ، فإذا كان الشهر الحرام وضع الناس سلاحهم وقصدوا مكة لأداء شعائر الحج والطواف بالكعبة , وفي الأشهر الحرم أيضا تتصل القبائل بعضها ببعض سواء في المواسم والأسواق أو خارج نطاقها , لافتداء أسراها ودفع ديات القتلى , والتماسا للمصاهرة, ولاستثابة من منُُُُُُُُُ عليهم بالإطلاق من الأسر , ولنحو ذلك من دواعي اتصال القبائل بعضها ببعض جاء في بعض الأخبار أن عروة بن مرة ,أخا أبي خراش الهذلي ,أسره قوم ,فلما دخلت الأشهر الحرم مضى أبو خرا ش إليهم ودفع إليهم فكاك أخيه فاستنفذه من الأسر, وأن قيس ابن المنتفق العامري أسر في بعض المواقع فأتاه آسره في الشهر الحرام يستثيبه فأعطاه أبلا كثيرة وأن عتيبة بن الحارث بن شهاب أسر فاحتال في فك قيده وهرب في الشهر الحرام فأفلت من القوم بغير فداء .وقد ظلت لهذه الأشهر حرمتها بعد ظهور الدعوة الإسلامية,وحين عدا عبد الله بن جحش وأصحابه على عير لقريش في الشهر الحرام وقتلوا ابن الحضرمي غضب الرسول صلى الله عليه السلام وأبى أن يأخذ مما غنموا شيئا وكان انتهاك حرمة الشهر الحرام مما أخذته قريش على المسلمين حتى نزلت الآية :"(يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه , قل قتال فيه كبير ),.." فسري عن المسلمين وقبض الرسول حصته من الغنيمة.وإلى ذلك أضيفت حرمة وقداسة على بقعة معينة من بلاد العرب كانت القبائل تجتمع فيها لقضاء مناسك الحج هي مكة وما أطاف بها وكل من ضمه هذا الحرم كان آمنا أن يقتل أو يؤخذ ماله أو يعدى عليه , سواء كان ذلك في الأشهر الحرم أم في غيرها . وكانت قريش أذا أزادت قتل أسراها أخرجتهم إلى مكان يعرف بالتنعيم , خارج حدود الحرم , فقتلهم هناك. وكانت منزلة الحرم في نفوس العرب تفوق منزلة الأشهر الحرم.وقد أمنت قبيلة قريش على نفسها ومالها وتجارتها وكان لها من المنزلة في نفوس العرب ما ليس لغيرها بسبب نزولها الحرم وقيامها على أمور الكعبة . ولما جاء الإسلام أقر لمكة المكرمة حرمتها , إلا أن الرسول أدخل المدينة المنورة أيضا في نطاق التحريم فأصبحت لا يحمل بها سلاح ولا يقطع شجر .وكان من قبائل العرب من لم يعرف للأشهر الحرم ولا للحرم هذه الحرمة التي تحدثنا عنها كطي وبعض قضاعة وخثعم ,وقد عرف هؤلاء بالمحلين . وكانت قريش تضطر , في سبيل رعاية مصالحها التجارية , إلى اصطناع طائفة من رؤساء القبائل المحلة هذه بالمال , وأن تجعل لهم نصيبا من الربح كي لا يتعرضوا لقوافلها التجارية بسوء , وهذا ما عرف بالإيلاف. وكانت قريش تضطر كذلك إلى رد عادية ذؤبان العرب وصعاليكها و خلعائها الذين كانوا يخرجون على الأعراف السائدة في المجتمع القبلي ولا يرعون حرمة الحرم ولا الأشهر الحرم , وقد عرف هؤلاء أيضا بالمحلين , وكان من العرب من تطوع لقتالهم ودفع أذاهم ،على أن القبائل المحرمة نفسها لم تستطيع الحيلولة دون وقوع الشر فيما بينها خلال الأشهر الحرم,ولاسيما عند اجتماعهاواحتكاك بعضها ببعض في الأسواق , وفي سوق عكاظ خاصة , فكان من ذلك هذه الحروب التي قامت بين كنانة وقريش من جانب وقيس عيلان من جانب آخر , والتي عرفت بحروب الفجار لوقوعها في الأشهر الحرم , وقد شهد الرسول صلى الله عليه وسلم , وهو بعد غلام , بعض هذه الحروب (.
وكان العرب ربما ضاقوا بأن يتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا يغـزون فيها ولا يغير بعضهم على بعض , ولاسيما في السنين المجدبة , فكانوا يكتفون بتحريم شهري ذي العقدة وذي الحجة ,ويحلون القتال في المحرم , ويحرمون مكانه صفرا, وهذا ما عرف بالنسيء . وقد ذكروا أن أول من نسأ الشهور على العرب القلمس الكناني , ثم أصبح هذا الأمر في يد قبيلة بني كنانة بعده لا يتولاه سواها ،ولا ندري لم أفردت قبيلة كنانة بهذه الميزة , وربما كان ذلك مهمة الإشراف على شعائر الحج وغيرها من الأمور المتصلة بعقيدتهم , فيكون لبعضها الإفاضة ولإخرى السقاية وهلم جرا . وكان شعراء كنانة لا يزالون يفاخرون القبائل الأخرى بهذه الميزة التي انفردت بها عشيرتهم ،وحين جاء الإسلام كان النسيء من الأمور التي حرمها على الناس : (إن النسيء زيادة في الكفر , يضل به الذين كفروا , يحلونه عاما , ويحرمونه عاما ,ليواطئوا عدة ما حرم الله )،



الباب الثالث
الفصل الرابع
الأسـواق والمواسم الجاهلية


كان للعرب أسواق تجارية موسمية لبيع منتجاتهم وشراء حاجاتهم ، تقام خلال أيام محددة في السنةوكانت هذه الأسواق فرصة لعرض النتاجات الفكرية للأدباء والخطباء ووسيلة للتعارف فيما بينهم وتوحيد لهجاتهم المتعددة وفي ظل هذه الحرمة التي كانت للأشهر الحرم في نفوس العرب كانت تقوم في مواضع من بلاد العرب أسواق يختلف إليها الناس للامتيار وشراء ما يفتقرون إليه من مأكل وملبس وغيرهما . ومن الأسواق ما كان يقوم في غير الأشهر الحرم فيحتاج الناس عند غشيانها إلى أ حد يحميهم من عدوان القبائل التي يجوزون بديارها ،وذكر أ نها كانت تقام في أوقات متتابعة تأذن للعرب أن يختلفوا إليها إذا شاءوا وهذه الأسواق كان يختلف بعضها عن بعض سواء في صورة المبايعة فيها أو في أنواع العروض والسلع التي تباع فيها . والأسواق التي تقع في منطقة تتبع أحدى الدول أو أحدى القبائل كانت تفرض عليها المكوس ومن أشهر هذه الأسواق ( دومة الجندل ، وصحار ، ودبا ، والمشقر ، وحجز ، وذو المجاز ، ومجنة ، وعكاظ ) ، وكانت سوق عكاظ أشهر هذه الأسواق وأعظمها شانا في بلاد العرب ، وموعد قيامها مستهل ذي القعدة ، أو من منتصفه حتى مستهل ذي الحجة ، وموضعها بين نخلة والطائف ، وأرضها صحراء مستوية لا علم بها ولا جبل وارتباط هذه السوق بمواسم الحج يشعر بان لها طابعا دينيا إلى جانب صفتها التجارية . وكانت القبائل التي تفد إليها تؤدي فيها بعض الشعائر الوثنية ، وقد ذكر بعض من وصف موضع هذه السوق من المؤرخين أنه كان فيها عبيلات بيض تطيف بها العرب في جاهليتهم وينحرون عندها ووجد فيها بعضهم أنصابا وآثارا من دماء البدن كالارحال العظام ويظهر أن كل سوق كانت لطائفة من القبائل فسوق دومة الجندل لقبيلة كلب ، وسوق المشقر لتميم وعبد القيس ، وسوق عكاظ كانت تنزلها قبائل قريش وهوازن وغطفان وخزاعة والأحابيش وعضل وطوائف من أفناء العرب ، وموضع عكاظ لا يدخل في نطاق الحرم ، ومرد تحريم القتال فيها إلى أنها تقام في الأشهر الحرم ، ولهذا لم يكد يحتاج روادها إلى خفارة ، وكان لهذه السوق مكانة تجارية خاصة إذ أن ملوك الحيرة واليمن كانوا يبعثون إليها سلعهم لتباع فيها . ولم تكن فيها مكوس كبعض الأسواق الأخرى ولكن الملوك كانوا يجعلون لأشراف العرب نصيبا من أرباح تجارتهم فيها ،ومما جعل لهذه السوق منزلة ليست لغيرها من الأسواق أنها لم تكن سوقا تجارية فحسب وإنما أصبحت لها إغراض أخرى لا علاقة لها بالتجارة. فقد أدى اجتماع هذا العدد الضخم من قبائل العرب فيها في مواسم الحج إلى انتهاز العرب فرصة التقائها في مكان واحد على أمن وسلام لفض ما يكون بينها من ضرب لنزاع ، ولأداء ديات القتلى وافتداء الأسرى وأداء الإتاوات وإقرار الموادعات ونحو ذلك من الإغراض وكانت الحكومة في المنازعات وغيرها بعكاظ وقفا على حكام من بني تميم ، وكان آخرهم حين جاء الإسلام الأقرع بن حابس وتولي يني تيم أمر الحكومة بعكاظ. وفي سوق عكاظ أيضا كانت القبائل تشهر بمن يرتكبون خيانة أو يخرجون على الأعراف القبلية فكانت ترفع لهؤلاء راية غدر ليعرفهم الناس فينبذونهم ، أما من قام بمأثرة حميدة جديرة بالثناء فكانوا يرفعون له راية وفاء
وكذلك كان التقاء قبائل العرب على صعيد واحد مدعاة لوقوع التفاخر بينها في الاحساب والأنساب والمآثر ، ولسان كل قبيلة شعراؤها وخطباؤها. وكذلك كانت مناسبة لتباري الشعراء في قريضهم ، وإظهار براعتهم في النظم ، وكان ثمة حكام يلجا إليهم الشعراء ليحكموا بينهم . وقد ذكروا أن النابغة الذبياني كانت تضرب له قبة من أدم بعكاظ فيأتيه الشعراء فيعرضون عليه إشعارهم ويفاضل بينهم ،ومن هنا أخذت هذه السوق طابعها الأدبي الذي كاد يغلب عليها .
على أن اجتماع قبائل العرب في سوق عكاظ كان يتيح المجال لإدراك بعض الموتورين ثأرهم ، إذ يتربصون بغريمهم حتى إذا انقضت السوق تبعوه وقتلوه ، ولهذا كان فرسان القبائل الذين نطلبهم بعض القبائل بوتر ، إذا أموا سوق عكاظ تقنعوا لئلا يعرفوا فيتربص بهم غرماؤهم. وحين اجترأ طريف العنبري على تحدي غرمائه فسفر عن وجهة حين قدم عكاظ ، لحق به خصومه حتى أدركوه وقتلوه ، وحين جاء الإسلام ومصرت الأمصار اضمحل شان أكثر أسواق العرب القديمة وظهرت أسواق جديدة في الأمصار والمدن الإسلامية أشهرها سوق المربد بالبصرة .





الباب الثالث
الفصل الخامس
أثر العصبية القبلية في الشعر الجاهلي

عرفت العصبية القبلية بأن يدعو الرجل إلى نصرته عصبته على من يعاديهم ظالمين أو مظلومينولا تكون إلا لقراية الرجل وذوي رحمهوللقبيلة بأسرها إذ يشعر الرجل في القبيلة أنه مسؤول عن كل أفرادها لأنها مبنية على وحدة الدم
لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا
( ففي الجريرة تشترك العشيرة ) ولو اصطدمت العصبية القبلية بالعاطفة الزوجيةتكون الغلبة للعصبية القبلية ، فقد طلق حسان بن ثابت في الجاهلية زوجته عمرة الأوسية حين فخرت عليه بقومها ن وتتجلى مظاهر هذالعصبيةفي تماسك أبنائها الوثيق وتعاونهم على إثار مصلحتها
وما أنا إلا منةغزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية ترشد
وقد يطوي البدوي كشحا على الصغائنبينه وبين بني عمومته بسبب هذه العصبية ،
يقول المقنع الكندي :
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وعن هذه العصبية نشأت ظاهرة الثأر يقول دريد بن الصمة :
يغار علينا واترين فسشتفى بنا إن أصبنا أو نغير على وتر
ومن هنا تبدوا العصبية الفبلية ضيقة الحدودلأنها لا ترى في غيرها سوى أعداء يسلبون خيراتها ويسبون نساءها ويريدون السيطرة عليها
ولذلك لا يمكن للمرء أن يغفل موقف الشعراء الجاهليين من العصبية القبلية لأنها عاشت بدمائهم حياة تامة فقد تحمسوا لهذه العصبية وناضلوا من أجلها فهم لسان قبائلهم ووزراء إعلامها يدافعون عنها ويذودون عن حماها ومن هنا كانت منزلة الشعر عند العرب أعلى من منزلة الخطابة . فقد غلب على الشعر الجاهلي الطابع القبلي إذ نجد الشعراء الجاهليين يتغنون بمفاخر قبائلهم وهذا واجب على الشعراء تجاه القبيلة ولم نجد شاعرا جاهليا واحدا يقف من قبيلته موقف المتفرج فما أن ينتقص أحد ما من أحد أفراد قبيلته حتى يبرى الشاعر لسانه دفاعا عنه وتشهد مواسم الأسواق حضور الشعراء والخطباء للمنافحة عن شرف القبيلة والتغني بإخماد هذه القبيلة وكذلك تلتقي في مجالس الملوك وقد ردّ كثير من الشعراء عن أقوامهم عادية هؤلاء الملوك أو يشفعون لأسرى أقوامهم كما حصل في صنيع النابغة عند ملوك الغساسنة .
ولما أسر الحارث الغساني شأس بن عبده ورجالا من تميم أتاه علقة بين عبده أخو شأس مستشفعا وأنشده قصيدته المشهورة
طحابك قلب في الحسان طروب بعيد الشباب عصر حان مشيب
فأعجب به الحارث وأطلق سراح الأسرى، وكذلك رد عمرو بن حجر الغساني حين هدده النعمان بإبادة قومه لأنهم لم يحسنوا لقاءه ؛ أما النابغة فقد تهدد عمرو بن هند حين بلغه أنه يتأهب لغزو قومه بني ذبيان مستعينا بتغلب وفي ذلك يقول:من مبلغ عمرو بن هند أية ومن النصيحة كــثرة لإنذار
لا أعرفنك عارضا لرماحنا في جف تغلب واردي الأمدار
ومعظم الشعراء الجاهليين يؤثرون الدفاع عن قبائلهم والعدوان على غيرهم على المسالمة ويغلبون الحرب على المهادنة و الثأر على الدية فهم أبواق عدوان ودعاة شر ولم يعلم منهم إلا القليل ممن كان يدعو للصلح والسلم ( كزهير بن أبي سلمى) أكبر داعية سلام في العصر الجاهلي، ومن هنا كان التهاجي بين الشعراء يؤدي إلى وقائع دامية ،وكانت قريش تنكر على الشعراء التهاجي وتعاقبهم على ذلك فقد همت بقطع لسان ( ابن الزبعرى ) لهجائة بني قصي .








الباب الرابع
الأدب في العصر الجاهلي

(الشعـر)











الباب الرابع
الفصل الأول
كينونة الشعر الجاهلي

بٌعَدُّ الأدبُ أهمُ ما خلَّف أجدادُنا العربُ في العصر الذي سبق الإسلام، لأن ظروف الحياة العربيّة قبل الإسلام لم تتح لعرب الجزيرة – ما خلا اليمن حيث اذدهرت حضارة رائعة – أن يخلفوا لنا فنوناً أخرى تضاهي ما أعطت الأمم القديمة من بناء ونحت وتصوير.
والأدب الجاهلي الذي وصل إلينا شعرٌ ونثر، والشعر أقدم القسمين وأفضلهما. ذلك أن آداب الأمم جميعها إنما تبدأ بالشعر لأنه لغة العاطفة والوجدان، ولأنه يسهل حفظه ونقله بطريق الرواية الشفهية. أما النثر فهو لغة العقل والمنطق ، ولذلك يتطلب مستوىً من الحضارة كما رأينا.
إن ما وصل إلينا من الشعر الجاهلي قليل، ولكنّ هذا القليل يحتلّ مرتبة عالية في نضجه الفني، ويقدّم إلينا صورة صادقة عن الحياة العربية في ذلك العصر.
لذلك كان قولهم: ((الشعر ديوانُ العرب، وخزانةُ حكمتها، ومستنبط آدابها، ومستودع علومها))، صحيحاً كلَّ الصحة، دقيقاً كلَّ الدقة، لأنه الوثيقة الهامة النادرة التي نتعرّف فيها حياة أجدادنا وآلامهم وآمالهم ومكارمهم وحكمهم وأمثالهم. يضافُ إلى هذا أن هذا الشعر يمثلُ مرحلة متطوّرة من الناحية الفنية، وإذا بحثنا عن مصادر الشعر الجاهلي فإننا نجدُها متعدّدة ومتنوعةً، فمنها دواوينُ الشّعراء التي وصلت إلينا بعد أن قامت طائفة من العلماء الرّواة من أمثال أبي عمرو بن العلاء، وحماد الراوية ثم المفضل وخلف الأحمر، وهم الطبقة الأولى من العلماء الذين عرفتهم العربية في تاريخها الحافل. فتلقّوا تُراث الجاهلية، شعرها وأخبارَها وأنسابها، وصل إليهم بعضه مدوناً في دواوين كاملة، ضمّت تراث القبيلة كلّّه، أو شعرَ شاعرٍ فردٍ من شعرائها، ووصل إليهم بعضهُ مكتوباً في صحف متفرّقة، ثم وصل إليهم بعضه عن طريق الرواية الشفهية التي كان يتناقلها الخلف عن السلف. فحملوا الأمانة، ومضوا يجمعون ما تفرّق من هذا التراث مدقّقين ممحصين، حتى استقام لكلَّ منهم ما يتيقّن من صحته، فمضى يذيعه على تلامذته في حلقات دروسه، ثم جاءت الطبقة الثالثة من العلماء الرواة، وهكذا وصل إلينا دواوين الشعراء بعد أن بذل في جمعها وتصنيفها جهود علمية كثيرة.
ومن مصادر الشعر الجاهلي أيضاً المختارات، ولعلَّ أقدمَ ما وصلَ إلينا منها المفضليات للمفضل بن محمد الضبّي، وتحتوي على مئة وست وعشرين قصيدةً، لسبعة وستين شاعراً، منهم سبعة وأربعون شاعراً جاهلياً.
وتأتي الأصمعيات لعبد الملك الأصمعي، وتحتوي على اثنتين وتسعين قصيدة لواحدٍ وسبعين شاعراً منهم أربعة وأربعون جاهليّون.
وهناك نوع آخر من المختارات يختلف عن المفضليات والأصمعيات، وهذا النوع مجموعتان: حماسةُ أبي تمام وجمهرةً أشعار العرب وفيهما من الشعر الجاهلي وغيره.
أما الحماسة فقد أخذها أبو تمام من الكتب، وانتقاها من الدواوين والمجاميع وبنى اختيار ما فيها من الشعر على أبواب أولها شعر الحماسة.
وأما الجمهرة لمحمد بن أبي الخطاب فقد قسمها مؤلفها إلى سبعة أقسام، تضَّمنَ كلَّ قسم سبعة شعراء سمّاهم بأسمائهم في كل قسم، وقدّم للكتاب بمقدّمة مستفيضةٍ تناولت بعضَ الأخبار والأحكام. وحرص أن يقدّم المعلقاتِ كلَّها في أوّل أبواب الشعر.
والمعلّقات من أجود ما وصل إلينا من الشعر الجاهلي، وتسمى حيناً بالمسمطات والمقلدات والمذهبات.
وللعلماء في تفسير كلمة (مُعلقات) آراء مختلفة: منها أنها سُميت كذلك لأن العرب أعجبوا بها ((فكتبوها بماء الذهب على القباطي وعلقوها على أستار الكعبة)).
وينكر بعض العلماء القدماء والمحدثين هذا الرأي، ولا يقبلون به، ويرون أنها إنّما سمّيت بالمعلّقات لنفاستها أخذاً من كلمة (العلق) بمعنى النّفيس.
ويظنّ أنّ أول من رواها مجموعةً في ديوان خاص حمّاد الراوية ، وهي عنده سبع، وأصحابها: امرؤُ القيس، وزُهير، وطرفة، ولبيد، وعمرو بن كلثوم، والحارث بن حلّزة، وعنترةُ. أما المفضّل فالمعلقات عنده سبع أيضاً إلا أنه روى اثنتين للأعشى والنابغة، وأسقط قصيدتي الحارث وعنترة. وعدها التبريزي (المتوفى في أوائل القرن السادس) عشراً لأنه جمع بين روايتي حماد والمفضَل وأضاف قصيدة لعبيد الأبرص. ونظراً لأهمية هذه القصائد من النواحي اللغوية والنحوية والفنية، عني بها العلماء والنقاد، فجمعت وشرحت مراراً، وأشهرها في العصر الحديث (شرح المعلقات السَّبع للزوزني المتوفى سنة 486هـ ) وشرح القصائد العشر للتبريزي المتوفي سنة 502هـ).




الباب الرابع
الفصل الثاني
نشــأة الشعــر الجاهلي

إذا كان الأدب يمثـل التعبيــر عــن الحياة والكـون والنفس بلغـة فنية تعتمد البيـان والتصوير والإيحاء فإنّـه يقسم إلى قسمين : ( الشعر ـ النثر) ، ولسنا في صدد التفريق بين الجنسين الأدبيين بقدر ما نريد أن نتبين الطفولةالأولى للشـعرالجاهلـي الـذي وصل إلينا بصورة مكتملـة ، إذ أنّ القـارئ لقصـائد الشـعر الجاهلـي يرى صروحاً عظيمـة مكتملــة البنــاء . فالقصيدة الجاهلية بناء متماسك ، ونهج قويم يكشف عن عبقرية أ دبية لم يستطع أحد إلى يومنا هــذا أن يصـل إلـى موازاتها . وفـي بحثنا عن أوليات الشعرالجاهلي نجد أنّ أقدم نص وصل إلينا لا يتجاوز مئة وخمسـين عــاما أو مئتي عــام قبل مبعث النبــي صلــى الله عليـه وسلّم ، وإنّ أقدم هـــذه النصوص كان لامرىء القيس والمهلهـل بن ربيعـة ، وإن كانت عادة الوقـوف علـى الأطـلال أخذت مـن شـاعـر سـماه الشـعراء الجاهليـون باســم " ابن حـزام " ولكننا لا نجـد بيتا واحداً لهـذا الشاعر وقدأشـار إلــى ميلاد الشــعر ( الجاهلـــي ) الجاحــظ واعتبره ميلاداً حديثاً ، وما يزال النقاد يسـتغربون كون حـرب البسـوس هي البداية للشعرالجاهلي. ويعلل النقاد السـبب المباشرالمؤثر في عدم اكتشاف طفـولـة الشعر الجاهلي هــو الرواية الشفوية للأدب الجاهلـــي حيث تعرّض قسم كبيرمـن هـذا الشـــعرللنسيان والإهمـال كما أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قـد نهـى عـن رواية نوعين من الشعر:
1ـ الشعر الذي يحمل صفات الإقذاع .
2ـ الشعر الذي يحمل الفحش والإساءة الخلقية للمرأة .
كما أنّـه لا يمكن أن ننسى النكبات التي حدثت في الجزيرة المتمثلة بزحف الرمال ، وتفجـر البراكين التي رافقهـا تقهقـراقتصادي تراجعت خلالـه حركة الشعر وقد زعم بعض النقاد أنّ قصيدة عبيد بن الأبرص الأسدي التـي مطلعها
أقفرمن أهله ملحوب فالقطبيات فالذنوب
هــي قصيدة مضطربة الوزن وأنّها مـن أوليات الشعر إذ أنّ الشاعر بناها على وزن ( مخلّع البسيط ) (مستفعل/ فاعلن/ فعـول ).ولكن الرد على ذلك أنّ الشاعر له من القصائد ما يدلّ علـى براعته في ربط الوزن بالابيات الشعرية ، وزعم نقاد آخرون أنّ بدايات الشــعر العربــي هـي " الأراجيز " المتناغمة مع سير الابل : (مستفعـلن/ مستفعلن/ مستفعلن ). وهو وزن شعبيّ سماه الشعراء ( حمار الشعراء ) ، وزعم نقاد آخرون أنّ بدايات الشعر الجاهلـي هي الأدعية الدينية والابتهالات للآلهة التي كان يعبدها العرب ، ولكن ذلك ليس دقيقاً ؛ كما زعم قـوم أنّ بداية الشـعر الجاهلي حديثة وليس لدينا مـن الوثائق ما يدلّ علـى ذلك ، وما نعرفه أنّ العرب نسبوا الشعر إلى الشـياطين ، وأنّ بعضهم يفخر بأن ّشيطانه ذكر وليس أنثى :
إني وكل شاعر من البشر شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
وقد زعم قوم أنّ بعض أوزان الشعر العربي كوزن ( الرمل والمتقارب والخفيف ) ، قــد أخذ من الأوزان الفارسية وهو زعم غير صحيح ومع ذلك بقي سر طفولـة الشعرالجاهلي أو العربي مكتوماً. وقد علل النقاد عوامل ازدهار الشعر العربي في المئتي عام قبل الإسلام بما يلي:
الحروب التي دارت بين عرب الشمال وعرب الجنوب :( حرب البسوس- حرب داحس والغبراء – وقائع تغلب والمناذرة – ذي قار – حروب الأوس والخزرج ) .
2 - هجرة عرب الجنوب واختلاطهم بعرب الشمال .
3- وجود الأسواق التجارية والأدبية ، مثل:( عكاظ- ذي المجاز- ذي المجنّة) حيث كان الشعراء يتفاخرون بقبائلهم في تلك الأسواق.
4- تنافس القبائل في تقريب الشعراء والإغداق عليهم بالعطايا كما صنع الغساسنة مـع حسان بن ثابت ، والمناذرة مع النابغة الذبياني .
ـ سوء توزيع الثروةالاقتصادية واحتكارسادة القبائل لها، مما جعل بعض الشعراء يتكسبون بمدح هؤلاء الزعماء .
وفي الشعر الجاهلي قصائد منحولة نسبت إلى شعراء لم يقولوها من باب التنافس القبلي ، وزاد بعض الرواة أبياتا ضمن قصائد هي لشعراء غيرهم ، وقد أثار الدكتور" طه حسين" في كتابه " الأدب الجاهلي"الشك حول نسبة الكثيرمن الشــعرالجاهلـي إلى شعراء بأعينهم وقد تصدى له بعض الباحثين يردون أخطاءه التاريخية كما صنع " ناصر الدين الأسدي " في كتابه " مصادر الشعر الجاهلي وقيمتهاالتاريخية.



الباب الرابع
الفصل الثالث
أغراض الشعر الجاهلي

بقي الشعر الجاهلي أسير نزعات ورغبات وأهواء الإنسان في العصر الجاهلي ، يمثل نفسيـة هذا الإنسان وما يخالجها من عواطف وأحاسيس، ولذلك أطلق عليه مصطلح(الغنائية والوجدانية ) لأنّـه رافق المغنين والمنشدين، ولم يستقل عن الغناء إلا مع بداية الإسلام
يقول حسان بن ثابت: تغن بالشعر إما أنت قائلـه إنّ الغناء لهذا الشعر مضمار
وقد أطلق على الشعرالجاهلي ديوان العرب ، لأنّه يمثل حياتهم ويصورمآثرهم أدق تصوير ، فكان الشعر بمثابة الصحافة اليوم , حيث كان الشاعر الجاهلي صحفيّ قومه ، أو وزيرإعلام لقبيلته ينقل إلى الآخرين كل ما يتعلّق بمفاخر القوم وقد كتب الشعراء الجاهليون في الأغراض التالية :
1ـ الشعرالحماسي: وهوالشعر المتحدث عن تشجيع أفراد القبيلة لقتال العدو، وهـويمثل حقيقة الصراع القبلـي علـى أرض الجزيرة ، وما يحدث مـن وقائع بين تلك القبائل ، حيث يتطرق الشـاعر إلـى المثــل العليا المتمثلة بالشجاعة ، البطولـة ، وخوض معامـع المــوت واستهانـة الإنسان الجاهلـي بأعدائه . والمتصفح لقصائد الجاهليين يجد أنّ معظم قصائدهم تتطرق إلـى غرض الحماسة كما عنـد الشـاعرعبدالشارق عبد العزى في وصف معركة جرت بين قبيلتي جهينة و بهثة :
ردينة لـو رأيتِ غداةَ جئنـا علـى أضماتنا وقـــد اجتوينا
فأرسـلنا أبا عمــرو ربيئنا فقال : ألا أنعَموا بالقوم عيــنا
فناد َوا يالبهثــة إذ رأونـا فقلنا : احسني ضــرباً جهيـنا
فآبوا بالرماح مكسّـــراتٍ وأبنا بالســيوف قــد انحنينا
فباتوا بالصّعيد لهم أحــاحٌ ولو خفّـــت لنا الكلمى سَرَينا
ومن سمات الحماسة في الشعر الجاهلية (الحديث عن البطولة ـ وصف ضخامة العدو ـ الحديث عن الشجاعة ـ الاستهانة بالموت ـ الدفاع عن حُرم القبيلة ).
2ـ الفخـر: وهو ذكر محاسن الإنسان والاعتزاز بهذه المحاسن ، وهو نوعان .
الفخر الذاتي : ويتمحور حول المفتخر بنفسه مع المبالغة فيه أحياناً كأن يصور الشاعر نفسه بأنّه بطل شجاع قوي ، يتسم بالقيم الحسنة ، يغيث الملهوف ، ويعين صاحب الحاجة ويحمي المرأة .
يقول طرفة بن العبد في معلقته :
إذا القوم قالوا من فتىً خلتُ أنـني عنيت فلـم أكســـل ولـم أتبلّدِ
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونـه خشاش كــرأس الحيـة المتوقدِ
الفخر القبلي : وهوافتخار الشــاعر بصنائع قبيلته البطولية مع تعصبه لقبيلتة كما صنع الأعشى في الإشادة بأبطال قبيلته بكر عندما وقفوا في وجه كسرى في معركة ذي قار :
وجند كسرى غداة الحِنو صبَحهم منّا كتائب تزجي الموت فانصرفوا
وخيل بكر فـما تنفكّ تطحنـم حتى تولّوا وكاد اليـوم ينتصف
وبين الحماسة والفخر وشائج قربى لأنّ كلا الغرضين يبرز قيم الجاهلية وقد عبّر الصعاليك
الجاهليون عن رفضهم للفقر وافتخروا بصبرهم على الجوع كما قال الشنفرى :
وأستفُ تُرْبَ الأرض كي لا يرى له عليّ من الطول امرؤ متطوّل
3ـ الهجـاء: وغرضه التقليل مـن قيمة المهجو ومحاولة نزع القيم الايجابيـة عنـه ويعتمد على الصفات السلبية كالبخل والجبن والغدر والتقاعس عـن طلب الثأروالخيانة والفرار مـن الحرب وكان الشاعر الجاهلي الهجّاء يحصل على ما يريد اتقاء لشره ،
يقول زهير بن أبي سلمى في هجاء قوم من الأقوام :
وما أدري وسوف إخال أدري أقـوم آل حصن أم نســاء
ويقول حسّان بن ثابت مثل ذلك:
لا بأس بالقوم من طولٍ وعرض جسم البغال وأحلام العصافير
ولم يكن الشعر الجاهلي المعتمد على الهجاء فاحشاً كما فعل المتنبي مع فاتك الأسدي حيث قال :
ما أنصف القوم ضبهْ وأمّه الطرطبهْ
أو كما قال شعراء النقائض :
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم قالوا لأمهم بولي على النار
وقد أنكر النابغة الإفحاش في السباب والهجاء :
فإن يك عامر قد قال جهلاً فإنّ مظنة الجهـل السِّبـاب
فلا يذهبْ بلبْكَ طائشـات مـن الخيلاء ليس لهنّ بـاب
وقد يصل الهجاء بالشاعر أن يهجو نفسه أو والديه كما فعل الحطيئة
4 ـ ا لمدح : يعتبرالإنسان المـدح كظاهرة نفسية جزءا مهما من حياته ، وهــو بطبعه مفطورعلـى ذلك ، يحب مـن امتدحه ، ويبغض من هجاه وظاهرة المدح عندالشعراء الجاهليين بدأت مكافأة ومحبة وانتهت تكســباً وبحثاً عـن العطايا ، وإذا كان العربي نزّاعاً للأخلاق الحميدة ، والشمائل السامية ، فإنّه أعجب كشاعر بممدوحه لوجود صفات الشجاعة والرأي السديد والكرم والعفة وغير ذلك من الصفات المتناسبـة مع البيئة الجاهليـة ، وقد يتداخل المدح بالفخر حينما يثني الشاعر على فرسان القبيلة وأبطالها ، وربما تداخــل بالغزل حينما يريد الشاعر أن يصف أخلاق امرأة ما ، ولمّـا صارت ظاهرة المدح ظاهـرة تكسب ، قَدِم الشعراء على الملوك الذين قدّموا لهم الأعطيات ، وجعلوا مكانتهم مكانة سامية كما صنع الغساسنة والمناذرة مع النابغة وحسان والشعراء الآخرين ، وقد وصف مدح زهير بالصدق إذ لم يكن يمدح الرجل إلا بما فيه كما كان يقول عنه الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه
يقول زهير في مدح الحارث بن عوف وهرم بن سنان اللذين تحملا ديات القتلـــى بين عبس وذبيان في حربهم التي استمرت ما يقارب أربعين(40) عاما :
يميناً لنعم السـيدان وجدتما على كلّ حال من سحيل ومبرم
تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
وقـد كان مـدح الأعشى مختلفاً إذ أنّه كان متكسـباً بشعره على حـد اعترافاته كمـا قال لممدوحه قيس بن معد يكرب :
فجئتك ترتاد مـا خبروا ولولا الذي خبّروا لم ترنْ
فلا تحرمني بذاك الجزيلَ فإني امرؤ قبلكم لم أهـنْ
أما حسان بن ثابت في جاهليته ، فقد كان يأتي من المدينة المنورة إلى منطقة الخمان في حوران لمدح الغساسنة ، وقدأبرز صفاتهم العربية أيما إراز وذلك في قوله :
لله درُّ عصابــة نادمتهــم يوماً بجلّق فـي الزمان الأولِ
بيض الوجوه كريمة أحسابهم شمّ الأنوف من الطراز الأول
5 ـ الاعتـذار: وقدنشأ هذا الفن تحت ظلال المد يح وتفرع عنه ، واتخذ مـن صفات الممدوح مطية له، ويعد النابغة الذبياني المؤسس الأول لهذا الفن بعد خلافه مع النعمان بن المنذروقد روى في ذلك أنّ النابغة قد اطلع على عورة الملك النعمان ، ونظم بذلك قصيدة يعرّض فيها بصفات زوجة النعمان ، ومطلعها
سقط النصيف ولم ترد اسقاطه فتنــــاولته ، واتّقتنا باليد !
مما جعل النعمان ينقم على الشاعر ويهدر دمه فيفر النابغة بإرسال القصائد معتذراً إليه وقد
تميز الاعتذار بما يلي :
تداخل عاطفة الخوف والشكر والرجاء .
التلطف والتذلل والاسترحام .
إظهار الحرص على المودة .
يقول النابغة معتذراً :
فبت كأنـي ساورتني ضئيلـة من الرّقش في أنيابـها السمّ ناقع
فإنــك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع
وقـد كان الشاعر بشر بن أبي حازم قد اعتذر مـن أوس بن حارثة الطائي بعـد أن هجاه الأول وأهدر دمه فاعتذر الشاعر عندما وقع في يده أسيراً :
وإني لراج منك يا أوس نعمة وإني لأخرى منـك يا أوس راهب
فهل ينفعني اليوم إن قلت إنني سأشكر إن أنعمت والشكر واجب
6 ـ الرثاء: وهـو فن لا يختلف مـن المديح إلا بكون الممدوح ميتاً اللهم إلا أن ذكرصفات المرثي الحميدة تقترن بالحزن والأسى واللوعة على افتقاده، ولو رحنا نستعرض المراثي الجاهلية لوجدنا أن الشعراء قـد رثوا أشخاصاً يتميزون بالسيادة أو بالقرى ، فالخنساء قـد رثت أخاها صخرا حيث قالت :
وإنّ صخراً لتأتم الهداة بــه كأنـه علـمٌ فـي رأسـه نار
كما أنا نجد أبا ذؤيب الهذلي يرثي أولاده الذين فقدهم ، فيقول :
أمن المنون وريبها تتوجــع والدهر ليس بمعتب من يجزعُ
كما أن المهلهل قد رثى أخاه كليبا الذي قتله جساس المري في حرب البسوس حيث يقول:
دعـوتك يا كليب فلم تجبني وكيف يجيبنـي البلــدالقفارُ
سقاك الغيث إنك كنت غيثاً ويسراً حين يلتمس اليسـارُ
ويتسم الرثاء عند الجاهليين بما يلي :
التفجع على فقدان المرثي .
اتصاف المرثي بالبطولة كما في قول الخنساء" حمّال ألوية، هبّـاط أودية " ...
اتصافه بالقيادة كما في قول الخنساء " للجيش جرّار" .
اتصافه بالسيادة وقت الأمن : كما في قول الخنساء " وإن صخراً لوالينا وسيدنا " .
اتصافه بالكرم في أيام الشتاء . كما في قول الخنساء(وإن صخرا إذانشتو لنحار)
يقول دريد بن الصمة راثياً أخاه : لئن يك عبد الله خلا مكانه فما كان وقافاً ولا طائش اليد
أما رثاء الشعراء الصعاليك فقـد اتسم بالغضب والثورة وطلب الثأر كمـا صنـع الشاعر الصعلوك تأبط شراً :
إن بالشـعب الذي دون سلع لقتيـلاً دمــه مـا يطـلّ
خلّف العبء عليّ ثم ولّــى أنــا بالعبء لـه مسـتقل
ووراء الثأر مني ابن أخــت مصقع عقـــدته ما تحـل
7ـ الحكمة: استقلت الحكمة كغرض من أغراض الشعرالجاهلي وكانت نتيجة للتجربة والبيئة المحيطة ولـم تكن صادرة عــن فلسفة مستقلة إذ أن الموت والاعتبار به قـد أفرز ظاهرة الحكمـة عنـد الشــعراء ولذلك نجد أن الشـاعر زهير بن جناب الكلبـي يوصـي أولاده بعد أن طال عمره وصايا أبرزها : " الموت مع شىء من العزة والقوة أفضل من الحياة مع الضعف " .
والموت خـير للفتــــى فليــــهلكنْ وبــه بقيــة مــن أن يــرى الشيخ وقد يهــادى بالعشـــــية
يقول علقمة بن عَبَدَه :
والحمـد لا يشترى إلا لـه ثمن مما يضنُّ به الأقوام معلـومُ
والجـود نافيـة للمال مهلكـة والبخل باقٍ لأهليه ومذموم
ويقول طرفة بن العبد في وصف الموت :
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى لكالطول المرخى وثنياه باليد
ويقول زهير :
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطىء يعمّر فيهرم
وقد بلغت الحكمة في معلقته مبلغاً عظيماً فقد كانت فطرية بيئية متناسبة مع الحياة الجاهلية ولكنها مستقاة من الحنيفيةالسمحاء دين ابراهيم الخليل عليه السلام:
وأعلم علم اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غدٍ عمِ
8 ـ الغزل والنسيب: وهو الغرض الذي أكثر الشعراء من الحديث عنه نظراً لتعلقه بالمرأة وماتتصف به من محاسن ، والإنسان بطبعه يميل إلى المرأة أو العكس ، وقد اتسم الغزل والنسيب بما يلي :
وصف المفاتن الجسدية للمرأة .
وصف الخصال المعنوية .
التودد إليها .
بث العواطف نحوها .
الشكوى من هجرانها .
وقد اتخذ هذا الغزل عند الجاهليين صوراً متعددة :
أ ـ البكاء على الديار وذكر المرأة من خلال تلك "المطالع للمعلقات" كقول امرىء القيس:
قفا نبك من ذكر حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ب- صورة وصف الرحيل المتمثل بالنساء الراحلات ، يقول المثقب العبدي :
وهـن علـى الرجائـز واكنات قواتل كل أشجـــع مستكين
أرين محاسـناً وكنن أخـــرى من الأجيــاد والبشرَ المصـون
جـ ـ صورة وصف مفاتن المرأة الجسدية ، يقول الأعشى :
غراء فرعاء مصقولٌ عوارضها تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل
كأن مشيتها مـن بيت جارتها مر السحابة ، لا ريث ولا عجــلُ
د ـ وصف الصفات النفسية كالعفة والحياء ، يقول الأعشى :
ليست كمـن يكـره الجيران طلعتها و لا تراها بسـر الجار تختتل
والغزل الجاهلي مادي أحياناً وعفيف أحياناً أخرى وهما مدرستان انبثق عنهما الغزل العمري والغزل العذري ، يقول عنترة واصفاً شدة حبه لعبلة :
وقـد ذكرتك والرماح نواهــل مني وبيض الهنــد تقطر مـن دمـي
فوددتُ تقبيـل السـيوف لأنّهـا لمعــت كبـارق ثغــرك المُبَسِّـم
9ـ الوصف :
توزع غرض الوصف في الشعر الجاهلي في ثنايا قصائد الشعراء فكان وصفاً لما وقعت عليه عيون الشاعر وقد وصف هذا الشعر الجاهلي الناقة والفرس والأسد والليل وغير ذلك .
يقول عنترة يصف ناقته :
فوقفت فيها ناقتي وكأنها فدنٌ لأقضي حاجة المتلوم
ويقول امرؤ القيس في وصف الفرس :
مكـرّ مفـرّ مقبل مدبـرٍ معـاً كجلمود صخرٍ حطه السيل من علِ ِِ
كما أن الجاهليين وصفوا المرأة و وصفوا الطبيعة و وصفوا الحمرالوحشية ،
يقول الأعشى :
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت كما استعان بريح عشرقٌ زجلُ



الباب الرابع
الفصل الرابع
الشعر الجاهلي نسيج وجـداني


لا نأتي بجديد حين نزعم أن شعرنا العربي نشأ نشأة غنائية كغيره من أنواع الشعر الأخرى، فمن المعروف أن الموسيقى كانت ترتبط بالشعر منذ نشأته، فقد كان الشعراء يغنون أشعارهم. والأدلة على ذلك كثيرة، فالمهلهل أقدم شعراء العرب وأول من قصّد القصائد. كان يغني شعره، وكان علقمة بن عبدة الفحل يغني ملوك الغساسنة أشعار ،فالشعراء ما يزالون يترنمون بأشعارهم، وكأنهم لم يتركوا – في رأي عنترة – موضعاً للترنم والغناء إلا وترنموا به وعنوا فيه. ومهما يكن فإن الشعر ارتبط بالغناء في العصر الجاهلي، ولعلهم من أجل ذلك كانوا يعبرون عن نظمه وإلقائه بالإنشاد، بل إنا لنراهم يعبرون عنه بالتغني.
يقول حسان بن ثابت:
تغنَّ بالشعر إما كنتَ قائلهُ إن الغناء لهذا الشعر مضمارُ
ونحن لا نتقدم إلى أواخر العصر الجاهلي حتى نجد شاعراً مشهوراً يكثر من غناء شعره، وهو الأعشى الشاعر المعروف، وقد سمّي بصنّاجة العرب، وأكبر الظن أنه كان يوقع غناءه على الآلة الموسيقية المعروفة باسم الصّنج
وأكثر الشاعر الجاهلي من ذكر الغناء والقيان والأدوات الموسيقية المختلفة مما يدل على ارتباط ذلك كله بشعره .
كان الشعر الجاهلي يرتبط بالغناء، وكان الشاعر بغني أشعاره، ويظهر أن الغناء القديم لم يقف عند هذه الظاهرة البسيطة، فقد أخذ يتعقد وأخذت تظهر فيه الجوقات ولعل مما يثبت ذلك من بعض الوجوه ما يرويه الطبري والأغاني من أن هنداً بن عُتبة وجماعة من نساء قريش كنَّ يضربن على الدفوف في غزوة أحد، وكانت هند تغني في أثناء هذا العزف
إن تُقبلوا نُعانـقْ ونفـرش النّمـارقْ
أو تدبروا نفـارقْ فـراقَ غيرِ وامـقْ
وقد ذهب أبو العلاء إلى التعميم أكثر مما ينبغي، فإن الأوزان القصار عُرفت في العصر الجاهلي لا عند سكان المدر فقط بل عند سكان الوبر أيضاً، وبخاصة في أبواب الرثاء والغزل والحماسة والحُداء، أما الرثاء فقد شاع عند العرب القدماء إذ روى صاحب الأغاني أحاديث كثيرة عن الخنساء ونُواحها على أخيها صخر وأنها كانت تخرج إلى عُكاظ تنديمها، وذكر أن هنداً بنت عتبة كانت تحتذي على مثالها وتنوح أباها واقترن هذا النواح بضرب من الشعر القصير، لعل خير ما يمثله قطعة أم السُّليك:
طاف يبغي نجوةً من هلاكٍ فهلكْ
ليت شعري ضلّةً أيّ شيء قتلكْ
أمريضٌ لم تعـد أم عدوّ ختلـكْ
وأما الغزل فلعله أقرب موضوعات الشعر الجاهلي إلى الغناء ، وخير ما يمثله قطعة المنخَّل اليشكرى
ولقد دخلت على الفتا ة الخدر في اليـوم المطيـرِ
الكاعبِ الحسناء تـر فلُ في الدّمقس وفي الحـريرِ
واقترن هذا الغناء بضرب من الأشعار في الحرب ويوم الخصام، واقترن هذا الغناء بضرب من الأشعار القصيرة كقطعة الفند الزّمّاني في حرب البسوس إن صحّ أنها له، وهي من الهزج، إذ يقول فيها:
صفحنا عن بني ذُهـلٍ وقلنا القوم إخـوانُ
عسى الأيامُ أن يرجعـ نَ قوماً كالذي كانوا
وأما الحُذاء فيظهر أنه كان غناء شعبياً عاماً للعرب في العصر الجاهلي يغنون به إبلهم في مسيرهم ورحيلهم، واقترن به وزن خاص معروف هو وزن الرجز، ونحن نلاحظ أن هذا الوزن لم يكن خاصاً بالحداء، بل كان يستخدم أيضاً في السّقي من الآبار، كما كان يستخدم في الحماسة والحروب. وأما المنهوك فهو الذي ذهب منه أربعة أجزاء، ومن أمثلته قول دريد بن الصّمّة يوم هوازن:
يا ليتني فيها جذعُ أخُبُّ فيها وأضعْ
وليس من شك في أنه شعر، وغاية ما في الأمر أنه كان يقترن بضروب كثيرة من الغناء في الحماسة والحروب والسّقي من الآبار، كما كان يقترن بالحُداء، فكثر الحذف فيه وكثرت التجزئة والاضطراب. ومهما يكن فإن الشعر الجاهلي نشأ في ظروف غنائية، وتركتْ هذه الظروف آثاراً مختلفة فيه، بعضها نراه في قوافيه وتقطيعاته نراه في تلك الأوزان القصار التي أثرت عن العصر الجاهلي، والتي ليس من شك في أنها ظهرت تحت تأثير الغناء.







الباب الرابع
الفصل الخامس
ظاهرة الوقوف على الأطلال


للحياة في العصر الجاهلي مظاهر خاصة ،و مميزة له وهي مظاهر تفرضها طبيعة الحياة وعوامل البيئة خاصة وأن الصحراء العربية في الجزيرة مترامية الأطراف ولقد عاش العرب حياتهم هناك تبعا لتغير المظاهر الفاعلة في حياتهم
فعلى المستوى العام المتعلق بالمظاهر الكونية وتغيرات البيئة من براكين وزلازل وزحف للرمال وشح للأمطار وهدم للسدود وجفاف للوديان يجعل القبائل العربية تهاجر هجرة كاملة من مكان كما حصل مع هجرة بعض العرب من الجنوب إلى الشمال باتجاه الحجاز والشام وقد كان الغساسنة ا لذين سكنوا بصرى الشام ومنطقة الخمان إلى الشمال والغرب من محافظة درعا الحالية ، وعلى المستوى الخاص فقد كانت الكثير من القبائل تنتقل بين منطقة وأخرى تبعا للكلأ و الماء فقد تهجر القبيلة منطقة رعيها إلى منطقة أخرى يهطل فيها المطر وينبت فيها الكلأ وهذا ما كانت يحصل مع معظم الشعراء فقد عاد زهير بن أبي سلمى إلى ديار محبوبته بل زوجته بعد عشرين سنة هجرها فوجدها ديارا بالية وفي ذلك يقول :
بِحَوْمَانَةِ الدَّرَّاجِ فَالُمتَثَلّمِ أَمِنْ أُمِّ أَوْفَي دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ
مَرَاجِيعُ وَشْمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعْصَمِ وَدَارٌ لها بالرَّقْمتَيْنِ كأَنَّهَا
وَأَطْلاَؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ بِهَا الْعَيْنُ وَالأَرْآمُ يْمَشِينَ خِلْفَةً
فَلأْياً عَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ وَقَفْتُ بِهَا من بعْدَ عِشْرِينَ حِجَّةً
وَنُؤْياً كَجِذْمِ الْحوْضِ لم يتَثَلَّمِ أَثَافِي سُفْعًا فِي مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ
أَلا أنْعِمْ صَبَاحاً أَيُّهَا الرَّبْعُ وَاسْلَمِ فَلَمَّا عَرَفْتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِهَا
وقد بكى امرؤ القيس منزل أحبته في سقط اللوى والدخول وحومل ، وفي ذلك يقول :

بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْ مَلِ قَفَاَ نَبْكِ مِنْ ذِكُرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ
لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ فَتُوِضحَ فَاْلِمقْرَاةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُهَا
وقِيعانِها كَأَنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ تَرى بَعَرَ الآرْآمِ فِي عَرَضَاتِها
لَدَى سَمُراتِ الَحْيِّ نَاقِف حَنْظَلِ كَأَنِّي غَدَاةَ الْبَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا
يقُولُونَ: لا تَهلِكْ أَسىً وَتَجَمَّلِ وُقُوفاً بِهَا صَحْبي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ
فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ وإِنَّ شِفَائِي عَبْرَةٌ مُهْراقَةٌ
وكذلك وقف طرفة بن العبد وغيره من الشعراء على ديار أحبتهم المهدمة
تَلُوحُ كَبَاقي الْوَشْمِ في طَاهِرِ الْيَدِ لخِولة أَطْلالٌ بِيَرْقَةِ ثَهْمَدِ
يَقُولُونَ لا تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَلَّدِ وُقُوفاً بِهَا صَحْبي عَلَيَّ مطِيَّهُمْ
ويعزو بعض الباحثيين ظاهرة الوقوف على الأطلال إلى الانهدام الحضاري الذي حل بالجزيرة العربية وتشكل هذه الظاهرة انعكاس الحزن الذي رسمه هذا الانهدام الحضاري في نفوس الآخرين ، ولو رحنا نبحث عن الدوافع النفسية وراء ظاهرة الوقوف على الأطلال لعثرنا على الكثير من القضايا النفسية التي خلفتها هذه الظاهرة.

الباب الرابع
الفصل السادس
بـدايـات الشعـر الجـاهلي

يعد البحث في بدايات الشعر الجاهلي من القضايا الشائكة التي لا يمكن الوصول من خلالها إلى نقطة انطلاق لهذا الشعر بسبب عدم وجود وثا ئق تثبت ذلك مهما كان نوعها . ولكننا سنحاول أن نجد بعض علامات فارقة تشير إلى أن هذا الشعر لم تعرض له بداية تتجاوز عام / 300/بعد ميلاد السيد المسيح عليه السلام ولو أنا تجاوزنا عن تحديد المدة الزمنية الدقيقةلبدايات هذا الشعر نجد أن الشعر العربي قد وصل إلينا كامل النمو ومنذ زمن سحيق وإن كان الجاحظ قد حدد لنا عمر هذا الشعر واعتبر انه يرجع إلى أواسط القرن الرابع الميلادي وتعد قبيلة ( هذيل ) أشعر الناس حيا كما يقول حسان بن ثابت رضي الله تعالي عنه فقد وجد فيها أكثر من مئة وسبعين شاعرا /170/ كما أن الأمام الشافعي رضي الله تعالى عنه ساكن هذه القبيلة سبعة عشر عاما يتعلم بين أبنائها اللغة العربية ولعله لا يفوتنا أن نشير إلى أن هناك ديوانا مجموعة فيه شعراء قبيلة ( هذيل ) يصل عدد شعرائه إلى ثلاثين شاعرا ،وإذا كانت الروايات الشفوية قد أخفقت في نقل الكثير من شعر شعراء العرب فان قسما كبيرا من هذا الشعر قد تناقلته الأجيال وأن بين أيدي الدارسين شعر ترقى صحته إ لى ما قبل ظهور الإسلام بأربعمئة عام تقريبا فقد وجدت نصوص شعرية لشعراء جاهليين وجدوا في القرن الرابع الميلادي من أمثال ( جذ يمة الابرش ) وابن أخته ( عمرو بن عدي ) و (عمر بن عبد الجن التنوخي ) وإذا كان القرن الثالث الميلادي الذي يتخذ منطلقا لظهور الشعر الجاهلي المتكمل لفنيته هو القرن الذي شهد تأسيس دولة المناورة في الحيرة ، فإننا يجب أن نتذكر أن عاصمة هذه الدولة ( الحيرة ) شكلت وسطا ثقافيا بارزا جذب إليه أهل العلم والثقافة ومن بينهم الشعراء فقد وفدإليها كل من ( المرقش الأكبر ) وإخوة ( حرملة ) وكذلك ( المرقش الأصغر ) و ( عمرو بن قميئة ) و ( المتلمس ) و ( طرفة بن العبد ) و ( عبيد الله بن الأبرص ) و ( المثقب العبيدي ) و ( النابغة الذبياني )و ( المنخل البشكري ) و
( حنظلة الطائي ) و ( لبيد بن ربيعة ) و ( الربيع بن زياد العيسي ) و ( حسان بن ثابت ) و ( سلامة بن جندل ) ومع التذكير بان الحيرة كانت تضم مجموعة كبيرة من المعاهد والمدارس العلمية والفكرية والأدبية فإنه من اللافت للانتباه أن اختراع الخط العربي كان موطنة الحيرة وهذا يعني أن مجموعة كبيرة من الشعراء ظهرت في هذا العصر وشكلت لنا هذا الرصيد الغني من الشعر




الباب الرابع
الفصل السابع
مدرسة عبيد الشعر

لا يمكن للمرء أن يتجاوز اهتمام العرب بالشعر على مر العصور على اعتبار أنه الفن الذي مثل حياتهم منذ الجاهلية وحتى يومنا هذا ولقد كان الشعر في العصر الجاهلي ديوان العرب لما يحمله من وصف دقيق لحياتهم الإنسانية والاجتماعية والحياتية فهو فخر القبائل العربية وسلاحها في التمايز وهذا ما دفع شعراء كل قبيلة إلى تحسين صفة الشعر والخروج به بثوب جذاب وجميل لا يقدر أحد على مجاراته أو تحديه .
ولقد كان هناك مجموعة من الشعراء يحاولون في كل لحظة تحسين أدائهم الشعري وزخرفة هذا الثوب حين ظهوره أمام الناس وهذا ما جعل ديدن حياتهم العودة للقصيدة بعد ظهورها مرة ومرتين وثلاثة حتى يتمكنوا من إبرازها عروسا في أجمل حلة من ثيابها ومن هنا وقفوا حياتهم كلها على خدمة شرهم وتحسينه و سموا ( بعبيد الشعر ) وفعلا نجحوا في جعل شعرهم لوحات تعلق على أستار الكعبة المشرفة يفخر بها العرب .ومن الشعراء الذين حككوا الشعر(بشامة بن الغديرـ أوس بن حجر ـ زهير بن أبي سلمى ـ كعب بن زهير ـ الحطيئة ـ جميل بن معمر)
وإنك حين تراجع قصائدهم تجد هذه الميزة الفنية البارعة وقد كتب هؤلاء الشعراء قصائدهم الحوليةالتي كانوا يمضون سنة كاملة في بناء قصائدهم غايتهم من ذلك إنتاج قصائد ذات مستوى متميز من الشعر يذكره العرب في مجالسهم ويعدونه من أفخم ما جاء به أبناؤهم ويعد زهير بن أبي سلمى من أهم شعراء هذه الظاهرة ، فقد كان زهير يكتب بعض قصائده ويمضي عليها الحول حتى يكتمل بناؤها الشعري ومن هنا جاءت هذه القصائد غاية في المبنى والمعنى .
وقد أطلق على أصحاب هذه الطريقة (المدرسة الأوسية ) وهي مدرسة شعرية أستاذها الأول الشاعر الجاهلي أوس بن حجر وتلاميذ ها بشامة بن الغدير وزهير بن أبي سلمى و أولاده كعب وبجير وسلمى والشاعر الحطيئة وجميل بن معمر وهي مدرسة اعتمدت تأكيد الصياغة والشكل في بناء القصيدة العربية الجاهلية تحت أجنحة عمود الشعر العربي فكان شعراء هذه المدرسة يحككون شعرهم ولذلك سموا بالشعراء المحككين الذين يراجعون قصائدهم مرة بعد مرة حتى يزيلوا عنها كل ما يعلق بها من منفرات الذوق العربي الشعري ويؤكدون على إضافة كل ما يجعل هذه القصائد جميلة ويحسن قبولها لدى المتلقي وقد بقي شعراء هذه المدرسة موضع تقليد من قبل شعراء كثيرين جاؤوا من بعدهم وما يزال تأثير أسلوب هذه المدرسة يؤخذ به حتى يومنا هذا في طريقة أداء الشعراء لنهجهم الشعري .









الباب الرابع
الفصل الثامن
الرحلة الجاهلية أدبا متميزا

تمثل الرحلة الجاهلية في شعرنا العربي لوحات فنية صارخة فهي ترسم إمكانية الشاعر العربي الجاهلي في تطويع الكلمة ونقل صورة آخاذة لمكانة الراحلة في حياة العربي في العصر الجاهلي ففي شعرنا العربّي الجاهلي مجموعةكبيرةً من القصائد تتعدّدُ فيها الأغراضُ ، ويسلك فيها الشّعراء سبيلاً معروفة ، تبدأ كلُّ قصيدة من هذه القصائد بمقدّمةٍ قد تكون بكاءً في الديار ووقوفاً عليها،أوغزلاً بالمرأة وشوقا إليها، أو وصفاً لخيالها، أو تحسرا على الشباب وفزعا من الشَّيب ، أو حواراً يرسمُ فيه الشاعرُ لنفسه صورةَ الفتى العربيّ الذي يدفعُ بصدره المحن، وقد تكون وصفاً للظعائن هذه الظعائن التي تحمّلت ، يتخلّص الشاعر منها إلى ناقتهِ، فيرحلُها ضارباً في المفاوز معتسفاً الفلوات والقفار، ويصفُها وصفاً معنوياً وحسّياً ثم يمضي فيشبّهها بالثَّور الوحشي أو بحمار الوحش أو بالظَّليم، فإذا فرغ من قصّته وخرجَ من حِضْنِ الصحْراء العاري صار إلى غرضٍ آخر هو المديحُ أو الهجاء أو الفخر .. وربما تخلّص الشاعر من مقدّمته وانصرف إلى الظعائن يرقبها بطرفه وقلبه فينحدر معها حيث ينجد حين تنجُدُ ، ويغور حيث تغور، وييامِنُ ما تُيامِنُ من رمالٍ وجبال وآبار، ويياسرُ ما تياسره ... ويصف لنا شكلها، والطير التي تتبعُها، والأرضين التي تقطعها، وقد يلحق بها على ناقته فيقف على مقربة من الهوادج ينعت صواحبها ويجاذبهنّ أطراف الحديث،كما في قول زهير بن أبي سلمى
7 تَحَمَّلْنَ بالعَلْيَاءِ من فَوْقِ جُرْثُمِ تَبَصَّر خَلِيلي هَلْ تَرَى من ظَعائِنٍ
8 وكَمْ بِالقنانِ مِن مُحِلِّ وَمُحْرِمِ جَعَلْنَ الْقنانَ عَنْ يَمينٍ وَحَزْنَهُ
9 ورَادٍ حَوَاشِيهَا مُشَاكهةَ الدَّمِ عَلَوْنَ بأَنْماطٍ عِتَاقٍ وَكِلَّةٍ
10 عَلَيْهِنَّ دَلُّ النَّاعِمِ المتَنَعِّمِ وَوَرَّكْنَ فِي الْسُّوبانِ يَعْلُونَ مَتْنَهُ
11 فَهُنَّ وَوَادِى الرَّسِّ كاليَدِ لِلْفَمِ بَكًرْنَ بُكُوراً وَاسْتَحَزْنَ بِسُحْرةٍ
12 أَنِيقٌ لِعَيْنِ الْنَّاظِرِ الُمتَرَسِّمِ وَفيهِنَّ مَلْهَىً لَّلطِيفِ وَمَنْظَرٌ
13 نَزَلْنَ بهِ حَبُّ الْفَنَا لم يحَطمِ كَأَنَّ فتَاتَ الْعِهْنِ في كلِّ مَنْزِلٍ
14 وَضَعْنَ عِصِيّ الْحَاضِرِ الُمتَخَيِّمِ فَلَمَّا وَرَدْنَ الَماءَ زُرْقاً جِمَامُهُ
15 على كلِّ قَيْنيِّ قَشِيبٍ وَمُفْأَمِ ظَهَرْنَ مِنَ السُّوبانِ ثُمَّ جَزْعْنَهُ
وكما في قول طرفه بن العبد
11 بِعَوْجَاءَ مِرْقَالٍ تَرُوحُ وَتَغْتَدِي وَإِني لاُ مْضِي الَهمَّ عِنْدَ احْتِضَارِهِ
12 على لاحِبٍ كأَنّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ أَمونٍ كأَلْوَاحِ الإِرانِ نَصَأتُها
13 سَفَنجَةٌ تَبْري لأَزْعَرَ أَرْبَدِ جَمَاِليَّةٍ وَجْنَاءَ تَرْدي كَأنَّها
14 وَظيفاً وَظيفاً فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبَّرِ تُبارِي عِتَاقاً ناجِياتٍ وَأَتْبَعَتْ
15 حَدَائِقَ مَوْليَّ الاسِرَّةِ أَغْيَدِ تَرَبَّعَتِ الْقُفّيْنِ فِي الشَّوْلِ تَرْتَعِي
16 بذي خُصَلٍ رَوْعَاتِ أَكلَفَ مُلْبِدِ تَرِيعُ إِلىَ صَوْتِ الُمهِيبِ وَتَتَّقي
17 حِفا فيهِ شُكّا في العَسِيبِ بِمسْرَدِ كَأنَّ جنَاحَيْ مَضْرَ حيِّ تَكَنَّفَا
18 على حَشَفٍ كالشَّنّ ذاوٍ مُجَدَّدِ فَطَوْراً بهِ خَلْفَ الزّميلِ وَتَارَةً
19 كأنّهما بابا مُنيفٍ مُمَرَّدِ لها فَخِذَانِ أُكمِلَ النَّحْضُ فيهما
20 وَأجْرِنَةٌ لُزَّتْ بدَأْيٍ مُنَضَّدِ وَطَيِّ مُحالٍ كالَحنيّ خُلُوفُهُ
21 وَأَطْرَ قِسِيِّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤَبَّدِ كأنّ كِناسَيْ ضَالَةٍ يُكْنِفانِها
22 تَمُرُّ بِسَلْمَيْ داِلجٍ مُتَشَدِّدِ لها مِرْفَقَانِ أَفْتَلانِ كأنّها
23 لَتُكْتَنَفَنْ حتى تُشادَ بِقَرْمَدِ كقَنْطَرَةِ الرُّوِميّ أَقْسَمَ ربّها
24 بعيدةُ وَخْدِ الرّجْلِ مَوّارَةُ اليَدِ صُهابِيّةُ الْعُثْنُونِ مُو جَدَةُ الْقَرَا
25 لها عَضُداها في سَقيفٍ مُسَنَّدِ أُمِرَّتْ يَدَاها فَتْلَ شَزْرٍ وأُجْنِحَتْ
26 لها كتِفَاها في مُعالي مُصَعَّدِ جَنُوحٌ دِفَاقٌ عَنْدَلٌ ثمَّ أُفْرِعَتْ
27 مَوَارِدُ من خَلْقاءَ في ظهرِ قَرْدَدِ كأَنَّ عُلوبَ النَّسْعِ في دَأَيَاتِها
28 بَنائِقُ غَرِّ في قَميصٍ مُقَدَّدِ تَلاقَى وَأَحْياناً تَبينُ كأنّها
29 كسُكّانِ بُوِصيِّ بِدْجِلَةَ مُصْعِدِ وَأَتْلَغُ نَهَّاضٌ صَعَّدَتْ بِهِ
30 وَعى الُمْلَتقى منها إِلى حرْفِ مِبْرَدِ وَجُمْجُمَةٌ مِثْلُ الْعَلاةِ كأنّما
31 كسِبْتِ الْيَماني قَدُّهُ لم يُجَرَّدِ وَخَد كقِرْطاسِ الشّآمي ومِشْفَرٌ
32 بكهفَي حجَاجَي صَخْرَةٍ قلْتِ مَوْرِدِ وَعَيْنَانِ كالَماوِيَتَيْنِ اسْتَكَنّتا
33 كمِكْحَلَتَيْ مذعورَةٍ أُمِّ فَرْقَدِ طَحورانِ عُوّارَ الْقَذَى فَتَراهُما
34 لِهَجْسٍ خَفِيٍّ أَوْ لِصَوْتٍ مُنَدِّدِ وَصَادِفَتَا سَمْعِ التَّوَجُّسِ للسُّرى
35 كسامِعَتَيْ شاةٍ بحَوْمَلَ مُفْرَدِ مُوَلّلتانِ تَعْرِف الْعِتْقَ فيهِما
36 كمِرْداةِ صَخْرٍ في صَفِيحٍ مُصَمَّدِ وَأرْوَعُ نَبَّاضٌ أَحدُّ مُلَمْلمٌ
37 عَتيقٌ متى تَرْجُمْ به اْلأَرْضَ تَزْددِ وَأَعْلَمُ مَخْرُوتٌ من اْلأَنفِ مارِنٌ
38 مَخَافَةَ مَلْوِيِّ مِنَ الْقَدِّ مُحْصَدِ وَإِنْ شئتُ لم تُرْقِلْ وَإِنْ شئتُ أَرْقَلَتْ
39 وَعامَتْ بضَبْعَيها نجاءَا الخَفَيْدَدِ وَإِنْ شئتُ سلمى وَاسطَ الكورِ رَأسهَا
40 أَلا لَيْتَني أَفديكَ منها وَأفْتَدي على مِثْلِهَا أَمْضي إِذَا قالَ صاحبي،
41 مُصَاباً وَلَوْ أمْسَى على غيرِ مَرْصَدِ وَجاشَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ خَوفْاً وَخاَله
وهذا يعني أنّ الرحلة في القصيدة الجاهلية ضربان هما: رحلةُ الشاعر على ناقته ، ورحلةُ الظعائن.وقد تكون الرحلة على حصان يشكل في حياة الشاعر صداقة حميمة كما هو عند عنترة العبسي والشاعر امرىء القيس
يقول عنترة العبسي واصفا رحلته الحربية على حصانه المميز
65 يَتَذامَرُونَ كَرَرْتُ غيرَ مُذَّممِ لمّا رَأَيْتُ الْقوْمَ أَقْبَلَ جَمْعُهمْ
66 أَشْطانُ بئْرٍ في لَبَانٍ الادْهَمِ يَدُعونَ عَنْتَرَ وَالرِّماحُ كأنّها
67 وَلَبَانِهِ حتى تَسَرْ َبَل بالدَّمِ ما زِلْتُ أَرْمِيهمْ بثُغْرَةِ نَحْرِهِ
68 وشَكا إِلَيَّ بِعَبْرَةٍ وَتَحَمْحُمِ فازْوَرَّ مِنْ وَقْع الْقنَا بلَبَانِهِ
69 وَلَكَانَ لَوْ عَلِمَ الْكَلامَ مُكَلِّمِي لَوْ كانَ يَدْرِي مَا اُلمحاوَرَةُ أشْتَكَى
70 قِيلُ الْفَوارِسِ وَيكَ عَنتَرَ أَقْدِمِ ولَقَدْ شَفَى نَفْسي وَأَذْهَبَ سُقْمَهَا
71 من بينِ شَيْظَمَةٍ وَآخرَ شَيْظَمِ وَالَخيْلُ تَقْتَحِمُ الَخبَارَ عَوَابِساً
72 لُبِّي وَأَحْفِزُهُ بأَمْرٍ مُبْرَمِ ذُلُلٌ رِكابي حَيْثُ شِئْتُ مُشايعِي
73 لِلْحَرْبِ دَائِرَةٌ على ابْنَي ضَمْضَمِ وَلَقَدْ خَشِيتُ بأَنْ أَمُوتَ وَلمْ تَدُرْ
74 وَالْنَّاذِرَيْنِ إِذا لَمَ الْقَهُما دَمي الشَّاتِميْ عِرضِي وَلَمْ أَشْتِمْهُما
75 جَزَرَ السِّبَاعِ وَكُلِّ نَسْرٍ قَشْعَمِ إِنْ يَفْعَلا فَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَاهُمَا

وحيث يجعل امرؤ القيس من حصانه طائرة (أباتشي )تتحرك يمينا وشمالا أعلى وأسفل وقدام وخلف وقد تقف وتطلق قذائفها

بُمنْجَرِدٍ قَيْدِ الاوابِدِ هيْكلِ وَقَدْ أَغْتَدي والطَّيُر في وُكُناتِها
كجُلْمُودِ صَخْرٍ حطَّهُ السَّيْل من عَلِ مِكَر مِفَرِّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعاً
كما زَلَّتِ الصَّفْواءُ بالُمَتَنِّزلِ كُمَيْتٍ يَزِل الّلبْدُ عن حالِ مَتْنِهِ
إِذا جاشَ فيهِ حميُهُ غَليُ مِرْجَلِ على الذَّبْلِ جَيَّاشٍ كَأَنَّ اهتزامَهُ
أَثَرْنَ الْغُبارَ بالكَديدِ المرَكلِ مِسَحِّ إِذا ما السَّابحاتُ على الوَنَى
وَيُلْوي بأَثَوابِ الْعَنيفِ الُمثَقَّلِ يَزِلّ الْغُلامَ الخِفُّ عَنْ صَهَواتِهِ
تَتابُعُ كفّيْهِ بخيْطٍ مُوَصَّلِ دَريرٍ كَخُذْروفِ الْوَليدِ أمَرَّهُ
وَإِرْخاءُ سِرحانٍ وَتَقْرِيبُ تَتْفُلِ لَهُ أَيْطَلا ظَبْي وسَاقا نَعامةٍ
بضاف فُوَيْقَ الأَرْض ليس بأَعزَلِ ضليعٍ إِذا استَدْبَرْتَهُ سَدَّ فَرْجَهُ
مَدَاكَ عَروسٍ أَوْ صَلايَةَ حنظلِ كأنَّ على الَمتْنَينِ منهُ إِذا انْتَحَى
عُصارَةُ حِنَّاءٍ بشَيْبٍ مُرَجَّلِ كأنَّ دِماءَ الهادِياتِ بِنَحْرِهِ

ويمكن للمرء أن يعلّل انتشار ظاهرة الرحلة بلونيها في أدبنا العربيّ القديم،.. فطبيعة المجتمع البدوي القائمة على النُّقلة والرّعي وحماية مواطن الغيث، وما يتصل بذلك من حروب تقطعُ وشائح الدم والحلف والحبّ جعلت من الجاهليّ إنساناً عالقاً بالأرض في شؤون حياته، فكانت شؤونه الاجتماعية والاقتصادية مرهونة بالأرض، وبوحي منهما ربما رحل وانتجعَ، حالف أو خرج من الحلف، وغزا فصبّح الآخرين بالغارة الشّعواء، أو غُزي فصبّحتهُ الأحياءُ والقبائل ونهبتْ ماله وأوجعته فتكاً، وربّما طردته من أرض أو طردها منها، فارتحل، وربّما جادت السّماءُ فأخرف الناسُ، وربعوا في طُمأنينة وهدوءٍ أو ما يشبه الأسباب واشتجرت بينهم المودّة، فإذا نشّتِ الغدران وصوح المرعى، دعا بالناس داعي الرحيل، كما صاح فيهم من قبلُ صائحُ الفُرقة، زمّوا عيرهم، وتحملوا يطوون النّجود وقد خلفوا حيث كانوا بضعاً من قلوبهم، وأبعاضاً غالية من نفوسهم وأعمارهم ورُبما ضاقت الحال بالجاهلي أو عليه، وعزّت يدُ العون والمساعفة، أو هاجهُ الشوق وأثقله الحنين وشطّ مزارُ الحبيبِ، فرحل ناقتهُ إلى حيثُ يصيبُ حاجته أو يرجو أن يصيبَ حاجته، لا يثنيه البعدُ ولا يغولُه التّعب ..
كانت حياة الناس إذاً، مرتبطةً بالأرض، وكان هذا الارتباط يوجهها إلى حدّ بعيد، ويصبغها بلونه الخاص من اللقاء والاجتماع، إلى الفُرقة والقطيعة، وكان الأدب يصوغ هذه الوقائع بدقة وأمانة فيرسم أشكالها ويعين ملامحها، ويحدد طبيعتها ثم يلوّنها ويغنيها بلمسة الفنّ الساحرة.






الباب الرابع
الفصل التاسع
التوق إلى الوحدة والتحرير في الشعر الجاهلي


إذا كان الإنسان بطبعه تواقا للحرية متشوفا للعيش في ظلالها باذلا الغالي والنفيس من أجلها منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا، فإن الإنسان العربي لم يأل جهدا في العيش في هذه الحريه ، ولقدضحى من أجلها تضحيات لا مثيل لها، والمستقرىء لحياة العرب الجاهليين يكتشف صحة هذه الحقيقة وقد عبر الشعراء الجاهليون عن ذلك تعبيرا صريحا
ولقدكانت شبهُ الجزيرة العربية قوةً من القوى الكبرى في العالم القديم شاركت في بناء الحضارة الإنسانية، يقول فليبي: ((إن مشاركة عرب الجنوب في بناء الحضارة الإنسانية أمرٌ لا يمكن وصفه بالمغالاة، ولا مجال لإنكاره أيضاً، ويحسن بنا أن نذكر أنّ بلاد العربِ لبثت على أقل تقدير طوال ألفي عام سبقت ظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قوةً من القوى العظمى على الأرض، لها أعمالها التجارية والفكرية الهائلة، ثم غدت بعد ذلك من جديد قطب الرَّحى من إمبراطورية عالمية عُظمى، تم لها ذلك بوحي الإسلام وبباعثه، فحملت شعلة المعرفة حيّة، متوقدة، في عهود كان يغمر فيها الظلام أوروبا)).
ولفتة فيلبي إلى عرب الجنوب يجب ألا تجعلنا نغفل عما قام به عربُ الشّمال من أعمال، إذ كان لهم ملكٌ عظيمٌ وحضارة عريقةٌ منذ فجر التاريخ، فحضارة العرب في الشّمال، في تدمر وثمود وبطرة ((البتراء)) ، ونزول إبراهيمَ عليه السلام في مكّة المكرمة واتخاذها دار هجرة له، ودار مقام لابنه، كلّ هذه كانت مظاهر من هذه الحضارة العربية
وفي غمار العصور التاريخية القديمة، ظلت شبهُ الجزيرة العربية تعاصر آشور وبابل ومصر القديمة ثم استمرت قوة عظمى بعد انحلال هذه الممالك، وكانت تتحطّم عليها موجات الأمم المجاورة، ثم ترتدّ عنها كليلةُ عاجزةً.
ولذلك اشتهر العربُ بين الأممِ القديمة بأنّهم الأمةُ التي لم تُدنّس أرضها قدم غاز من الغزاة، ، حتى ليقول ديودور الصقلّي: (ولما كان العربُ القاطنون في هذه البلاد لا ينالون في حرب، فقد ظلّوا أحراراً أبداً، لايستبعدهم مستبدٌ، وأكثر من ذلك أنهم لا يقبلون قطّ رجلاً أجنبياً عنهم سيّداً، فلم يقدر على استعبادهم آشورُ الزمان القديم ولا ملوك ميديا وفارس، ومقدونيا، ومع أنّ هذه الأمم قد جرّدت عليهم جيوشاً جرّارة فإنها جميعاً عجزت عن إخضاعهم)). وهكذ فقد كانت الجزيرة العربية تقف سدا منيعا أمام كل الغزاة
وكان أول صَدام بين العرب وخلفاء الاسكندر شمال البتراء، فأخفق بطليموس في حملته عليها، ولم يكن حظُّ ابنه أفضل من حظّه فلما يئس الروم من التغلّب على الأنباط فكّروا في حربهم اقتصادياً فعملوا على فتح طريق البحر الأحمر لسفنهم لإضعاف تجارة الأنباط وطريقها الصّحراوي، لكنّ سفن التجار الرومان كانت تتعرّض لتهديد متواصلٍ يكفي لبقاء الطريق التجاري البّري ويسمح باستمرار الحياة في شبه الجزيرة العربية.
ومع بدءضعف البتراء ظهرت مدينة تدمر النبطية، وتصدت لمواجهة الفرس والروم وانتصرت عليهما أكثر من مرة، بقيادة أُذينةَ وزوجته زنوبيا، غير أنّ روما نجحت أخيراً في القضاء عليها، وتحوّلت الزعامة العربية إلى بني نصر في أرض الفراتين وعلى تخوم الصحراء ينافسون ملوك اليمن الجنوبيين فيضعف الطرفان بهذا التنافس، ويتيح للأحباش احتلال اليمن أول مرة .
ولقد سمح الفتحُ الحبشيُّ الأوّل لليمن بقيام حُكمٍ أجنبي، ووجدَ أبناءُ الأمة أنفسهم أمام ظاهرة جديدة في تاريخهم ، فكانت الثوراتُ على الحكم الأجنبيّ، والمتعاونين معه من العربِ، وأسفر هذا الصراع عن سقوط مملكة كنده ومقتل مليكها: حُجْر بن الحارث الكِندي والد الشاعر امرئ القيس المعروف ...
وتزعمت هذه الثورة ربيعةُ بقيادة كليب، فكانت انتصاراً لعرب الشمال، وتوحيداً للقبائل، إلا أن حُكم كُليب تحوّل إلى استبداد بمن يحكمهم كثيرا فكرههُ العربُ كُرهاً عنيفاً، ورأت بكرٌ أن تغلب تذهب بالمجد كله، فحالفت ملوك الحيرةَ. وكانت ثورة جسّاس البكري ومصرعُ كُليب وسقوطُ المملكة التغلبية الشابّة..
ومنذ ذلك اليوم غرقت جزيرة العرب في سيول من دماء أبنائها، واتجه ملوك الحيرة إلى تأريث الخلاف بين عرب الجزيرة لكي لاتنهض مرة ثانية تلك الوحدة التي هدّدتهم...
في خلال هذه المصيبة العظيمة ندب شعراءُ الجاهلية الوحدة ، وحاربوا الخلاف والانقسام وتفرّق الكلمة، ولم توجّه عداوة هؤلاء الشعراء إلى حُكمٍ بقدرِ ما واجهت إلى دولة الحيرة العربيّة، فاليقظة في جزيرة العرب كانت على صوتِ طبول الأحباش،.وقد ذهب كثير من هؤلاء الشعراء ضحايا لهذه ، فقُتلَ طُرفةُ بن العبد، وعبيد بن الأبرص، والمنخّل اليشكُري وعاش المتلمَّسُ طريداً في سبيل هذه الوحدة ..وشُغل العربُ بأنفسهم في داخل شبه الجزيرة وقد مزّقتهم الخلافاتُ القبلية والمذهبية وانحلّت دولهم فيها، ،ولكنا نجد النعمانُ الأخير ملك الحيرة يعطفُ على الوحدة التي عمل آباؤه على تفكيكها، ويمضي شاعرُ كالنابغة يطوف في الأرض يبغي جمع الكلمة ولم الشّعث، ويحاول أن يوفق بين الخصمين التقليدين وهم الغساسنة والمناذرة.ويشعر الفرس بخطر مطامح النّعمان، فيعملون على قتله، وهنا يشعر العرب جميعاً بما لم يشعروا به من قبل، وتجتمع كلمتهم في معركة ذي قار انتقاماً للنعمان والتي انتصف فيها العرب من الفرس،


الباب الرابع
الفصل العاشر
الصعلكة مفهوم اقتصادي جاهلي

تشكل الصعلكة في العصر الجاهلي ظاهرة شعرية لها شعراؤها وموضوعاتهم المميزة ، فقد كانت البيئة الجاهليةالتي نزلت فيها القبائل العربية غير متساوية في الخصب والجدب ؛ وكذلك كانت الثروة غير موزعة توزيعا عادلا بين القبائل وبين أفراد القبيلة الواحدة مما أفضى إلى وجود طبقتين متنافرتين :طبقة الأغنياء: وهي الطبقة التي استحوذت على الثروة المالية والثروة الحيوانية فكانت في موقع السيادة وطبقة الفقراء المعدمين ولعل هذا التناقض الصارخ جعل الفقراء يحترفون الغزو لاستخلاص أقواتهم ومعيشتهم وخضوعا لتلك الظروف الاقتصادية كون الصعاليك في الجاهلية ثلاث طبقات (طبقة الفقراء كعروة بن الوردوبعض القبائل الفقيرة مثل هذيل ) و( طبقة الخلغاء مثل حاجز الأسدي وقيس بن الحدادية) و ( وطبقة الأغربة السود مثل تأبط شرا والشنفرى والسليك بن السلكة) وقد جمع بينهم الجوع والضياع والتشرد والتمرد والثورة على المجتمع الجاهلي ، وهكذا فقد كان من من أسباب انتشار حركاتِ الصّعاليك في منطقةِ السرَّاةِ المحيطةِ بمكةَّ وفي قبيلة هُذيل وقوعَها على الطريق التجاري الذي يصل بين اليمن والشام .. مما جعلها ممراً للقوافلِ التجاريّة، وقُربها من مكّةَ المكرمة حيثُ تقامُ ثلاثُ أسواقٍ مشهورةٍ: هي عُكاظُ ومجنّةُ وذو المجاز، مما أتاح الفرصةَ المؤاتيةَ للغارة والغزو والسّلب، ولهذا السبب اضطرَّ التّجَار في مناطق هذه الأسواق إلى أن يتخفّرو بالقبائل القويّة التي تنزلُها. وكان لهذه الأسواقِ من ناحيةِ أخرى أثرٌ في حياةِ الصّعاليك، ففيها أو في بعضِها على الأقلّ، كانت تجري تجارةٌ رائجةٌ، هي تجارةُ الرقيق، وكانت هذه التجارةُ سبباً في نشأةِ طبقةِ الأغربةِ في المجتمع الجاهلّي التي أمدَّتْ حركة الصّعلكة بمجموعة كبيرةٍ من صعاليك العرب.وقد عرفتْ تلكَ الأسواقُ لوناً من النّشاط الاجتماعيّ كان له أثرٌ في حركة الصّعلكة، وهي ظاهرةُ .. الخلعِ، أي (تبرّؤ القبيلةِ من أحدِ أفرادها)، وكان الخلعُ يتّخذُ صورةَ إعلانٍ رسميّ يُذاعُ على الناسِ في المواسمِ والأسواقِ وهؤلاء الخُلعاءُ كانوا يمدّون حركةَ الصّعلكة أيضاً بمجموعةٍ كبيرةٍ من صعاليك العرب. ويشيرُ المؤرّخون إلى أهميّة مكة في النشاط التجاري آنذاك، فقد أصبح عربُ الحجازِ أصحابَ التّجارة بعدَ ضعفِ المماليك الحميريّة في اليمن، وأصبحتْ مكّةُ المكرمة قبلَ القرنِ الخامسِ الميلاديّ محطةً للقوافلِ تمرُّ بها وهي راجعةٌ من جنوب الجزيرةِ تحملُ بضائعَ الهند واليمن إلى سورية وفلسطين ومصر، وقد سيطر على أهل مكّة المكرمة روحُ تجاريّ نشط، فاشتعلت في نفسِ كلِّ منهم حُمّى تدفعه للعملِ والمالِ والمضاربات التّجارية، وقد أحدثّ هذا النشاطُ التجاريُّ نوعاً من الخلل في التوازن الاقتصاديّ، نشأت عنه طبقة من الصعاليك المعوزين ممن تخلّفوا عن القافلة، ونحّاهم التيارُ التجاريّ الجارفُ جانباً، وكان عددُ أفرادِ هذه الطبقة في مكّة المكرمة كبيراً جداً إذا قيس بعددِ أصحابِ الثروةِ فيها، وكان حقُّ التشريع محصوراً في أيدي الأغنياء، فكانوا يسنُّون من الشرائع ما كان يوافقُ مصلحتهم، ويستغلّون الفقراء الذين كانوا يعيشونَ في بيوتِ ومضارب حقيرةٍ في شِعابِ البلدة وأطرافها البعيدة. ويستدينون من أصحابِ المال برباً فاحشٍ، ولولا ذلك ما حمل القرآن الكريمُ على الرِّبا والمُرابين الذين كانوا يتلاعبون بالدُّيون بأن يؤخروا آجالها، ويقدّموها أو يضيفوا إليها. وكانت مكّةُ المكرمة في الجاهلية حرماً مقدّساً ((لاظُلمَ ولا بغي فيها)) نظراً لوجودِ الكعبة فيها، فهي مدينةُ لها نظامُها الاجتماعيّ، ولا تصلحُ أن تكون ميداناً لحركات الصعاليك المتمرّدين، ومن هنا لم يجدوا مفرّاً من الخروج منها إلى البادية الواسعةِ حيث فوضى الحياة، وحيثُ طوائفُ المتشرّدين وقطّاعُ الطُّرق وذؤبانُ الصّحراء، فإذا ما ضاقت بهم الحياةُ فإنّ طريق العودة إلى مكة المكرمة مُيسَّر، وأبوابُ البلدِ الحرامٍ مفتوحةٌ لكلِّ لاجئٍ أو خائفٍ أو طريدٍ (من دخلهُ كان آمناً ومن أحدث في غيره من البُلدان حدثاً ثم لجأ إليه فهو آمن إذا دخله). ومن هنا نستطيع أن نفهم السرَّ في كثرةِ الخلعاءِ، من شتّى القبائل فيها، واتخاذهم منها مركزاً يلتقون فيه آمنين على حياتهم من الطّلب. وإذا تركنا المدن التجارية ومضينا إلى البادية، وما يدور فيها من صراعٍ لنتبين موقف أهلها من هذا النشاط التجاري فإننا نجدُ موقفهم قد اختلف تبعاً لمواقعِ قبائلهم من حيثُ قربها من مراكز النّشاط التجاري وطرق القوافل أو بعدها عنها. فمن الطبيعي أن تشارك القبائل التي كانت تنزل على طول الطرق التجارية أو قريباً منها في هذا النشاط التجاري، فكان بعض أفراد هذه القبائل يعملون أدلاء لها نظيرَ أجرٍ يتقاضونه، وإلى جانب هؤلاء الأدلاء كانت القوافل التجاريةُ تحتاج إلى خفراء أو حُماةٍ يؤمنون سبيلها، ويذودون عنها وحوش الصّحراء ويدفعون عنها ذؤبان العربِ وصعاليكَ الأحياء وأصحابَ الغارات، ذلك لأنّ طرق القوافل كانت معرّضة لغزو القبائل، وسطو شذّاذ الطرق وقطاعها، وبخاصةٍ تلك المناطق التي لم تكن أرض مملكةٍ، وكان من غزّ فيها برزّ، تدين بشريعة القوة، ويسيطر عليها مذهب الحقّ للقوة. فإذا ما تركنا القبائل التي كانت تنزل على الطريق التجارية وتوغّلنا في البادية العربية بعيداً عن النشاط التجاري فإننا نجد ثمة صراعاً بين الفقر والغنى، والمجتمع البدوي يتكوّن من طبقتين اقتصاديتين أساسيتين: طبقة أصحاب الإبل وطبقة الصعاليك، وكانت ثروة الأفراد في المجتمع البدوي تقاس بمقدار ما يملكون من الإبل، وإلى جانب هذه الطبقة من أصحاب الإبل التي كانت نعمهُم تملأ الأرض وجدت طبقة من الصعاليك لا تكاد تملك شيئاً، أو كما يقول بعض شعرائها (تجرّ حبلاً ليس فيه بعير)، وكان حياتهم بائسة حتى ليُضطر بعضهم إلى قتل أولادهم خشية إملاق كما ذكر القرآن الكريم حين نها الجاهليين عن قتل أولادهم خوفا من الفقر( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ، نحن نرزقهم وإياكم). ومن هُنا لم يكن أمام هؤلاء البدو الفقراء إلاّ أن يعملوا للأغنياء في الرّعي وخدمة الإبل أو يعينون نساءَ الحيّ على حد تعبير عُروةّ بن الورد، فإذا رفضتْ نفوسُهم ممارسة هذه الأعمال وقعوا تحت الحيف.







الباب الرابع
الفصل الحادي عشر
وصف الطبيعة في الشعر الجاهلي


تعد الطبييعة من الموضوعات الهمة التي كتب فيها الأدباء على مر العصورذلك أن معظم أشعار الشعراء ومقالات البلغاء تهتم بالوصف كثيرا، والأدباء في العصر الجاهلي كتبوا في الطبيعة ، وأسهبوا في وصفها إسهابا أيما إسهاب سواء أكانت الطبيعة هي البيئة الصحراويةأم كانت الليل أو المطر أو الحيوانات والطيور أو كانت المرأة ؟؛ والشاعر الجاهلي عادة ما يصف كل ما يراه في أثناء رحلته الصحراوية من أودية أو مطرأو رياح أونهر، ذلك أن الشعر إلا أقله راجع إلى الوصف، وفي الشعرالجاهلي وصف دقيق للمرأة ولحياة حيوان الصحراء كالغزلان والخيول والجمال والنعام والبقر الحشي وقد برع امرؤ القيس فيالوصف بشكل عام وفي وصف الليل بشكل خاص وفي ذلك يقول:
عليَّ بأَنْواعِ الُهمُومِ ليبْتَلي وَليلٍ كمَوْجِ الْبَحْرِ أَرْخَى سُدو لَهُ
وَأَرْدَفَ أَعْجَازاً وَناءَ بكَلْكَلِ فَقلْتُ لَهُ لَّما تَمَطَّى بصُلْبِهِ
بصُبْحٍ وما الإِصْباحُ مِنكَ بأَمْثَل أَلا أَيُّها الَّليْلُ الطَّويلُ أَلا انْجَلي
بأَمْراسِ كتَّانٍ إِلى صُمِّ جندَلِ فيا لكَ مِن لَيْلٍ كأَنَّ نُجومَهُ

كما برع الشاعر زهير بن أبي سلمى في وصف الأطلال التي تمثل ذكريات الشاعر مع أم أوفي زوجته التي طلقها لعدم إنجابها الأولاد:

بِحَوْمَانَةِ الدَّرَّاجِ فَالُمتَثَلّمِ أَمِنْ أُمِّ أَوْفَي دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ
مَرَاجِيعُ وَشْمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعْصَمِ وَدَارٌ لها بالرَّقْمتَيْنِ كأَنَّهَا
وَأَطْلاَؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ بِهَا الْعَيْنُ وَالأَرْآمُ يْمَشِينَ خِلْفَةً
فَلأْياً عَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ وَقَفْتُ بِهَا من بعْدَ عِشْرِينَ حِجَّةً
وَنُؤْياً كَجِذْمِ الْحوْضِ لم يتَثَلَّمِ أَثَافِي سُفْعًا فِي مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ
أَلا أنْعِمْ صَبَاحاً أَيُّهَا الرَّبْعُ وَاسْلَمِ فَلَمَّا عَرَفْتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِهَا
أماوصف الحصان فقد كان مختلفا ما بين امرىء القيس وعنترة بن شداد لأن الحصان هو عدة الشاعر الجاهلي في رحلنه يقول عنترة:
يَتَذامَرُونَ كَرَرْتُ غيرَ مُذَّممِ لمّا رَأَيْتُ الْقوْمَ أَقْبَلَ جَمْعُهمْ
أَشْطانُ بئْرٍ في لَبَانٍ الادْهَمِ يَدُعونَ عَنْتَرَ وَالرِّماحُ كأنّها
وَلَبَانِهِ حتى تَسَرْ َبَل بالدَّمِ ما زِلْتُ أَرْمِيهمْ بثُغْرَةِ نَحْرِهِ
وشَكا إِلَيَّ بِعَبْرَةٍ وَتَحَمْحُمِ فازْوَرَّ مِنْ وَقْع الْقنَا بلَبَانِهِ
وَلَكَانَ لَوْ عَلِمَ الْكَلامَ مُكَلِّمِي لَوْ كانَ يَدْرِي مَا اُلمحاوَرَةُ أشْتَكَى

ويقول امرؤ القيس في صف حصانه قائلا :
بُمنْجَرِدٍ قَيْدِ الاوابِدِ هيْكلِ وَقَدْ أَغْتَدي والطَّيُر في وُكُناتِها
كجُلْمُودِ صَخْرٍ حطَّهُ السَّيْل من عَلِ مِكَر مِفَرِّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعاً
كما زَلَّتِ الصَّفْواءُ بالُمَتَنِّزلِ كُمَيْتٍ يَزِل الّلبْدُ عن حالِ مَتْنِهِ
إِذا جاشَ فيهِ حميُهُ غَليُ مِرْجَلِ على الذَّبْلِ جَيَّاشٍ كَأَنَّ اهتزامَهُ
أَثَرْنَ الْغُبارَ بالكَديدِ المرَكلِ مِسَحِّ إِذا ما السَّابحاتُ على الوَنَى
وَيُلْوي بأَثَوابِ الْعَنيفِ الُمثَقَّلِ يَزِلّ الْغُلامَ الخِفُّ عَنْ صَهَواتِهِ
تَتابُعُ كفّيْهِ بخيْطٍ مُوَصَّلِ دَريرٍ كَخُذْروفِ الْوَليدِ أمَرَّهُ
وَإِرْخاءُ سِرحانٍ وَتَقْرِيبُ تَتْفُلِ لَهُ أَيْطَلا ظَبْي وسَاقا نَعامةٍ
بضاف فُوَيْقَ الأَرْض ليس بأَعزَلِ ضليعٍ إِذا استَدْبَرْتَهُ سَدَّ فَرْجَهُ
مَدَاكَ عَروسٍ أَوْ صَلايَةَ حنظلِ كأنَّ على الَمتْنَينِ منهُ إِذا انْتَحَى
عُصارَةُ حِنَّاءٍ بشَيْبٍ مُرَجَّلِ كأنَّ دِماءَ الهادِياتِ بِنَحْرِهِ
ولم يكن الشاعر الجاهلي في هذا الوصف يفرض إرادته الفنية على الأحاسيس والأشياء التي يصفها ، بل كان يحاول نقلها إلى لوحاته نقلا أمينايبقي فيه على صورتها الحقيقية دون أن يدخل عليها تعديلا يمس جوهرها. ولذلك كان الشاعر الجاهي يستقي أخيلته من العالم الحسي المترامي الأطراف حوله، فإذا وصف الشاعر الجاهلي شيئا تمسك بالحسية في الوصف حيث يضيف للمعاني الحسية الحركة والحيوية ويدقق النظر في أجزائه، ويفصل فيها الحديث تفصيلا دقيقا وقد كان وصف طرفة لناقته في الصحراء التي تشبه السفينة في البحر وصفا متميزا حيث يقول :
بِعَوْجَاءَ مِرْقَالٍ تَرُوحُ وَتَغْتَدِي وَإِني لاُ مْضِي الَهمَّ عِنْدَ احْتِضَارِهِ
على لاحِبٍ كأَنّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ أَمونٍ كأَلْوَاحِ الإِرانِ نَصَأتُها
سَفَنجَةٌ تَبْري لأَزْعَرَ أَرْبَدِ جَمَاِليَّةٍ وَجْنَاءَ تَرْدي كَأنَّها
وَظيفاً وَظيفاً فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبَّرِ تُبارِي عِتَاقاً ناجِياتٍ وَأَتْبَعَتْ
حَدَائِقَ مَوْليَّ الاسِرَّةِ أَغْيَدِ تَرَبَّعَتِ الْقُفّيْنِ فِي الشَّوْلِ تَرْتَعِي
بذي خُصَلٍ رَوْعَاتِ أَكلَفَ مُلْبِدِ تَرِيعُ إِلىَ صَوْتِ الُمهِيبِ وَتَتَّقي
حِفا فيهِ شُكّا في العَسِيبِ بِمسْرَدِ كَأنَّ جنَاحَيْ مَضْرَ حيِّ تَكَنَّفَا
على حَشَفٍ كالشَّنّ ذاوٍ مُجَدَّدِ فَطَوْراً بهِ خَلْفَ الزّميلِ وَتَارَةً
كأنّهما بابا مُنيفٍ مُمَرَّدِ لها فَخِذَانِ أُكمِلَ النَّحْضُ فيهما
وَأجْرِنَةٌ لُزَّتْ بدَأْيٍ مُنَضَّدِ وَطَيِّ مُحالٍ كالَحنيّ خُلُوفُهُ
وَأَطْرَ قِسِيِّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤَبَّدِ كأنّ كِناسَيْ ضَالَةٍ يُكْنِفانِها
تَمُرُّ بِسَلْمَيْ داِلجٍ مُتَشَدِّدِ لها مِرْفَقَانِ أَفْتَلانِ كأنّها
لَتُكْتَنَفَنْ حتى تُشادَ بِقَرْمَدِ كقَنْطَرَةِ الرُّوِميّ أَقْسَمَ ربّها
بعيدةُ وَخْدِ الرّجْلِ مَوّارَةُ اليَدِ صُهابِيّةُ الْعُثْنُونِ مُو جَدَةُ الْقَرَا
لها عَضُداها في سَقيفٍ مُسَنَّدِ أُمِرَّتْ يَدَاها فَتْلَ شَزْرٍ وأُجْنِحَتْ
لها كتِفَاها في مُعالي مُصَعَّدِ جَنُوحٌ دِفَاقٌ عَنْدَلٌ ثمَّ أُفْرِعَتْ
مَوَارِدُ من خَلْقاءَ في ظهرِ قَرْدَدِ كأَنَّ عُلوبَ النَّسْعِ في دَأَيَاتِها
بَنائِقُ غَرِّ في قَميصٍ مُقَدَّدِ تَلاقَى وَأَحْياناً تَبينُ كأنّها








الباب الرابع
الفصل الثاني عشر
علاقة الشاعر الجاهلي بالطبيعة









الباب الرابع

الفصل الثالث عشر
صورة المرأة في الشعر الجاهلي

تعد المرأة في العصر الجاهلي أحد الركائز الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الجاهلي، وإن كان البعض من المؤرخين سابقا ، وعلى مرّ العصوروحتي يومنا عذا ينظر إليها على أنهاكانت مهانة ذليلة ، ليس لها قيمة عند الجاهليين مع العلم أن منزلتها كانت من منزلة أهلها وقومها وسنرى من خلال هذا الفصل مكانة المرأة من خلال الشعر الجاهلي ، ومكانتها في القبيلة والمجتمع ، وكيف كان يُنظرُ إليها ؟، والصور التي رُسِمَتْ لها في هذه البيئة .: وما دورُ المرأة في السلم والحرب ؟ أكان لها أثر قوي أم خافت ؟ أكانت تُعامَلُ معاملة الرقيق ؟ أَم كانت عَلِيَّة القدر ، ذات رأيٍ ومكانٍ مرموق ؟ .
هذا ولم يكن العرب في الشعر الجاهلي يعيشون في جزيرتهم في عزلةٍ عن العالم ، اتَّصلوا بالأُمم المُجاورة ، وغير المجاورة ، وشاركوا في الصراع السّياسي الدّائرِ بين الأمم ، فقد نَزَحَ إلى الجزيرة العربية الكثير من الناس من العراق وبلاد الشام ومصر ، وكانت بلادُهُم حافلةً بأشتات من الأمم ، وحكمَ الفُرسُ اليمن ، إلى أن أشرق الإسلام ، وكان الفرس يتزوَّجون بِنساء اليمن ، ولكنَّ اليمانيين لا يتزوَّجون بِنساء الفرس ، وفي ذلك يقول الشاعر :
على أنْ ينكحوا النّسوان منهم .... وألا ينكحوا في الفارسينا
والكثير عندما يذكر المرأة في العصر الجاهلي يتبادَرُ إلى ذهنهِ الوأد ، مع أنه كان الكثير من ذوي الشّرف والحسب والنّسب ، يُنْسَبون إلى أُمّهاتِهم . وهذا تكريمٌ للأُمِّ المنجبة ، وتمجيداً لها ، والإعلاء من قدرها .
ونلاحِظُ أنَّ المناذرة يُنسبون إلى أُمِّهم – ماء السّماء – وهي ماوية بنت عوف بن جَشَم،وانتسب الحارثُ الأعرج إلى أُمّه مارية ، وانتسبَ إليها الغساسنة .
يقول حسان بن ثابت في مدحِ جبلة بن الأيهم :
أولادُ جَفنةَ حول قبر أبيهم ...... قبر ابن ماريةالكريم المفضل
كما نعلمُ أن المُصاهرةَ تكونُ بسبب المرأة ، فقد احترمَ العرب نُسباءهم وأصهرتهم ، احتراماً لها . ولنسمعَ قول النابغة يُهدِّدُ عمرو بن هند :
نَجْزيكَ إنذاراً بما أنذرتنا ........ وذكرتَ عطف الودِّ والإصهار
ولا ضيرَ أن بعضهم كان يكرهُ بعض الصفات في المرأة ، وهذا لا يسري على جميع النِّساء ، فمن ذلك وصيّة أكثم بن صيفي التي يقول فيها (تَحاموا المرأة الحمقاء ، لأنها تَلِدُ الحَمْقى ، وولدها إلى ضياع ).
وكان واحِدُهم يَحُسُّ أنَّ الخسّة قد تأتي من الأم أو الخالة . فيقولُ أحدُهم :
فأدركنهُ خالاتهُ فَخَذَلْنَهُ ........ ألا إنّ عِرْقَ السوء لابدَّ مُدرِك
وقد يصيب المرأة الحيف والظُّلم حتى وإن أكرهت على العار، فهذا الحارث بن عمرو ، يُقَطِّعُ أوصال زوجتهِ ، لأنَها أُسِرَتْ وواقَعها آسِرُها عَنوةً . فيقول :
كُلُّ أنثى وإن بدا لك منها ......... آية الودِّ حُبّها خيتعور
إنَّ مَنْ غَرَّهُ النِّساء بـودٍّ ........ بعد هذا لجاهلٌ مغرور
على أنَّ للمرأة دوراً عظيماً في الحرب ، كما لها الدور العظيم في السلم . فهذا قيس بن الخطيم يقول :
أطاعت بنو عوف أميراً نهاهــم ..... عن السلم حتى كان أول راجب
أَوَيْتُ لعوف أن تقول نساؤهـم ....... ويرمين دفعـاً ليتنا لم نُحــارب
لعمر أبيك والأبنـاء تَـنْمـي ........لـنعم أخـت بنـي عـوارا
عَنَيْتُ بها فكيهـة حـين قامـت .... لِنَصْلِ السيف وانتزعوا الخمارا
من الخفرات لم تفضح أخـاهـا.......... ولـم ترفع لوالدهـا شنـارا
وإذا أردنا أن نتعرف إلى نظرة الشعراء إلى المرأة نجدهم عايشوها قيمة عظيمة تتمثل في الحب والهيام بل تحولت المرأة عندهم إلى هاجس يومي يعيشه الشاعر في كل لحظة ، و يتبين لنا هذا الحب للمرأة من خلال شعرامرىء القيس ،و زهير بن أبي سلمى ، وعنترة وغيرهم.
فهذا زهير يتذكر زوجته أم أوفى بعد عشرين سنة من طلاقها لأنها لم تنجب له الأطفال :
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم ........ بحومانة الدرّاج فالمتثلم ؟

على أن المرأة بقيت تواكب الفرسان في ساح الوغى ، تعمر نفوسهم بنشوة الجمال والحب وتثير نخوتهم إلى القراع والغلاب .
يقول عمرو بن كلثوم :
على آثارنا بيض حسان نحاذر أن تقسم أو تهونا .
وإذا أصغينا إلى الشاعر الجاهلي حاتم الطائي وهو يخاطب زوجته ماوية. نجده يفخر بجوده ونجدته وشهامته وعفته التي تهواها المرأة وتعتد باتصالها بمثله.ولنسمعه وهو يطالبها بأن تكف عن ملامته ، وتعذر هجره إياها ، فهو ما هجرها حقا ولكن سعى إلى المكرمات .
أماويَّ! قد طالَ التجنبُ والهجرُ...... وقـد عذرتني ، من طلابكـم العـذر
أماويَّ! إن المالَ غادٍ ورائـحٌ ...... ويبقى ، من المال ، الأحاديث والذكر
ولعل عنترة بن شداد العبسي ، أوضح دليل على أن المرأة هي الحب الذي يتذكره حتى في ساحات المعارك وبين قراع السيوف،
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبــارق ثغرك المتبسم

وهذا المنخل اليشكري يتغنى بفروسيته وبمكارمه وقدرته على الحب والوصال
ياهــند من لمتيم .......... ياهند ، للعاني الأسيـر !







ولقد كانت المرأة في الجاهلية لا يظهر منها إلا وجهها وأجزاء قليلة من جسمها، كما كانت مختبئة دائماً داخل خدرها، لا تخالط الرجال الغرباء.ويستدل على ذلك بقول امرئ القيس:
وبيضة خدر لا يرام خباؤها ............
وقول الأعشى :
لم تمش ميلا ولم تركب على جمل .... ولا ترى الشمس إلا دونها الكلل
(والكلل ستر ينصب على الهودج )
ويقول عنترة:
رفعوا القباب على وجوه أشرقت ......فيها فغيبها السّهى في الفرقد
(القبة: غرفة مستورة- السّهى: نجم ضئيل النور جدا- الفرقد: نجم القطب الشمالي ظاهر النور جدا) ،ومع أن ذكرالمرأة بصورة عامة في الغزل كان كثيرا إلا أنهم يكرهون تسميتها على الحقيقة أما ما يذكره الشعراء من أسماء للنساء فلم يكن إلا تمويها ، ويمكننا أن نستخلص أوصاف المرأة المحببة لقلوب الرجال في هذا العصر من خلال ما سطره الشعراء الجاهليون أشعار، فلقد أحبّ شعراء الجاهلية في المرأة القامة المعتدلة المائلة إلى الطول كقول عمرو بن كلثوم في معلقته :
(سمنت وطالت ........ تنوء بما ولينا .)
والبدانة حيث أفرط الجاهليّون في مدح هذه البدانة وأحبوا المرأة العظيمة الجسم.قال المراد بن المنقذ العدويّ
قطف المشي قريبات الخطى ............ بدّنا مثل الغمام المزمخر
( القطوف : البطيء أو البطيئة في السير- البادنة : السمينة- المزمخر: الكثير الصوت( الرعد ويكون عادة كثيفا ثقيلا بطيئا) ).
وكذلك أحب العرب في المرأة الشعر الطويل حالك السواد:، فطول شعر الأنثى وشدّة اسوداده من عناصر الجمال في المرأة الجاهليّة.
يقول أمرؤ القيس:
غذائرها مستشذرات إلى العلى ........ تضّل العقاص في مثنى ومرسل
(الغديرة: الخصلة من الشعر- مستشزرة: مفتولة- العقصة( بالكسر): العقدة في الشعر- المثنّى: الشعر المطوي بعضه على بعض- المرسل: الشعر المنسدل)
وكقوله
وفرع يزيّن المتن أسود فاحم ....... أثيث كقـنؤ النحلة المتعثكل
(الفرع: الشعر- المتن: الظهر- أثيث: كثيف- القنو: العذق الجاف الذي جرّد من تمره- المتعثكل: الذي يبرز منه أشياء كأنّها تتحرّك في الهواء.)
وأحب الجاهليون في المرأة الوجه الأبيض النقي الصافي المائل إلى السمرة أو الحمرة.
وعبّروا عن ذلك كلّه بكلمة "أدماء" والأدمة تعني السمرة .
قال زهير:
فأمّا ما فويق العقد منها ......... فمن أدماء مرتعها الكلاء
وأمّا المقلتان فمن مهاة ...........وللدرّ الملاحة والصفاء
(المها: بقر الوحش – الدرّ: اللؤلؤ)
كما وأن العرب أحبّوا اللون الذي يخالط بياضه شيء من الصفرة فيخرج لونه كلون القمر أو الدرّ ويسمى اللون"الأزهر" .
وقد مدح امرؤ القيس هذا اللون في معلقته :
كبكر المقاناة البياض بصفرة ..... غذاها نمير الماء غير المحلّل
(البكر: الفذّ الذي لم يسبق بمثله- المقاناة: الخلط- النمير: الصافي- المحلل: الماء الذي ينزل بقربه أقوام كثيرون فيصبح عكراً)
وفضل الشعراء في المرأة أيضا الخدّ الأملس الطويل: وقد أكثر الشعراء من وصف هذا الخدّ في شعرهم،أما العيون الواسعة الحوراء فهي أهم ميزة تمثل جمال المرأة عند العرب ، ولذلك فقد كانت العيون توصف بالسعة والنجل، وتستعار من بقر الوحش كقول امرىء القيس:
تصد وتبدي عن أسيل وتتقي ...... بناظرة من وحش وجرة مُطْفِلِ
(تصدّ: تنفر، تدير وجهها فيبدو خدّها أسيلا- وتتّقي: تحذر – وجرة: اسم مكان- مطفل: لها طفل، إذا كانت الظبية مطفلا كانت أشدّ شراسة في دفع المقتربين من جرائها)
وأحب الشعراء الأنف الأقنى :المرتفع وسط القصبة الضيّق المنخرين وعلى هذا قول "معن بن أوس" :
وأقنى كحدّ السيف يشرب قبلها............
(الأقنى: الذي يشبه القناة أو الرمح، المستقيم)
وتغنى الشعراء بالثغر المنوّر، والأسنان الناصعة، وا لشفتين السمراوين:
يقول امرؤ القيس في الثغر المنور والأسنان الناصعة:
بثغر كمثل الأقحوان منورّ .......... نقي الثنايا أشنب غير أثعل
(الأقحوان: نبات بريّ بتلاته بيض تشبه الأسنان وقلبه أصفر- منوّر :مزهر- أشنب: أبيض- أثعل: متراكب،بعضه فوق بعض). أمّا اللثة فمن قول طرفة نستدلّ أنّها شديدة الحمرة كالرمل الخالص، ولا يستحسن أن تكون متضخّمة:
سم عن ألمى كأنّ منوّرا ............ حرّ الرمل دعص له ندي
( ألمى : فم ذو شفتين سمراوين- تخلل حر الرمل : أسنانها نابتة في لثة حمراء صافية- الدعص : الجانب المكور من الرمل )
أمّا الشفاه فقد وصفت باللعس (الميل إلى السمرة) وسميت ( لمياء ) .
وفضلوا أ يضا العنق الطويل الأبيض ، واليد غير الموشومة، يقول عبيد بن الأبرص :
وإنّهاكمهاةالجوّناعمة ............تدني النصيفبكفّ غير موشومه
(المها: بقرة الوحش- النصيف:الغطاء)





الباب الرابع
الفصل الرابع عشر
الشعـراء الأحناف في الشعر الجاهلي

منذ بدء التاريخ أرسل الله تعالى الأنبياء والرسل لهداية الناس إلى طريق الحق والخير والعدل والمساواة ولكن البشرية على مر العصور كانت تتناسى هدي الأنبياء والرسل بفعل عامل الزمن والتقادم ونسيان الناس لمنهاج الحق وتحت ضغط الشهوات ووساوس النفس وقد كانت مسيرة الأنبياء ماضية.
ويعد سيدنا إبراهيم عليه السلام من الأنبياء ذوي العزم الذين تركت دعوتهم أثرا كبيرا في إصلاح المسيرة البشرية ومع ذلك فقد تنا ست الناس مسيرة الهدى ونسيت تعاليم سيدنا إبراهيم إلا بعضا من الذين تسموا بالأحناف والذين بقوا على منهاج سيدنا إبراهيم واستمروا حتى بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عام /672/ م وقد كان بعض من الشعراء العرب ممن سيقوا مجيء هذه البعثة ما زالوا يعتقدون بدين سيدنا إبراهيم ويسيرون على منهاجه ومن هؤلاء الشعراء ( زهير بن أبي سلمى – النابغة الذبياني – أمية بن أبي الصلت ) إضافة إلى بعض الشعراء الذين عرفوا منهج الشعراء الأحناف وتجاوبوا مع بعض مفاهيمه(وحدانية الله تعالى) ، ولم نلحظ فيما وصل إلينا من شعر الجاهليين ما يشير إلى طقوسهم الدينية أو التعصب للعبادة، على الرغم من أن هؤلاء الشعراء كانوا فئات، من مسيحيين ويهود وعبدة أوثان. ورغم هذه الفروق الدينية، التي عادة ما تفرق بين أفراد المجتمع في ذلك العصر، إلا أن الحروب التي كانت تنشب بينهم كانت في معظمها قبلية أو عرقية. ومما وصل إلينا إشارات عابرة إلى التوحيد جاءت في ثنايا قصائد بعض الشعراء الأحناف أو النصرانيين كورقة بن نوفل وعدي بن زيد. ولما ظهر الإسلام لم يرض كثير من العرب في مكة المكرمة بالرسالة المحمدية، فحاربوا محمدا صلى الله عليه وسلم بالسلاح كما حاربوه بالقول، إذ وظفوا بعض شعرائهم للطعن في رسالة الإسلام ونقد المسلمين، بدعوة الدفاع عن معتقداتهم الدينية والتي هي عبادة الأصنام.









الباب الرابع

الفصل الخامس عشر
قصيدة المدح في العصر الجاهلي


لم يكن المدح في العصر الجاهلي في معظمه تكسبا كما هو رائج عند الكثير من النقاد والدارسين إذ أن المدح الجاهلي في مجمله لم يكن إلا تعبيرا عن حب للآخرين وتقديرا لهم والثناء لأفعالهم كما هو عند زهير في مدحه للسدين المشهورين ( هرم بن سنان ) و ( الحارث بن عوف ) في ميميته المشهورة
يمينا لنعم السيدان وجدتهما على كل حال من سحيل ومبرم
تداركتما عبسا وذبيان بعدما تفانوا بينهم ثم دقوا عطر منشم
وإن أول ما يلفت النظر في قصا ئد المدح عند شعراء الجيل الأول من شعراء الجاهلية هو قلة هذه القصائد باستثناء ما قاله ( عمرو بن قميئة ) و ( المثقب العبدي ) فقد ظهر المدح في مظهر كبير ، ولم تتجاوز قصيدة المدح ثلاثة عشر بيتا وهي لا تعدو المناسبات و غالبا ما تركز على قيمة القوة والكرم وحسن الجوار والنسب والصفح عن المخطئ والبعد عن الغيبة ، وتقترب من الإخوانيات فالعرب لا تتكسب بالشعر وإنما يصنع أ حدهم ما يصنع فكاهة أو مكافأة عن يد لا يستطيع أداء حقها إلا بالشكر وقد عبر عن ذلك الشاعر قتاده بن سلمه الحنيفي حين قال:
أ بلغ قتاده غـير سائله منه الثواب وعاجـل الشكم
إني حمدتك للعشـيرة إذ جاءت إليك مـرقة العظـم
ألقوا إليك بكل أرملـة شعثاء تحمل منقع البــرم
ففتحت بابك للمـكارم حين تواصت الأبواب بالأزم
فسقى بلادك غير مفسدها صوب‘ الربيع وديمة تهمـي
وقصيدة المدح تحتفل بمديح الجماعة وحمدها ويعتبرها أ صحابها رسالة محبة للمدوح وهذه المحبة لا تعني الصدق التام لأن قصيدة المدح قد تكون اعتذارا لملك كما حصل عند النابغة مع النعمان بن المنذر
فإنك شمس والملوك كواكب إذا ظهرت لم يبد منهن كوكب
وقد تكون استعطافا كما صنع عبيد بن الأبرص مع ( حجر ) أمير كنده والد امرئ القيس الشاعر المعروف . ويبدو أن الاعتذار فرع من شجرة المدح لأنه يأخذ كل الصفات التي يضيفها الشاعر على ممدوحه والشيء اللافت للانتباه هو اقتران قصيدة المدح بظاهرة التكسب بالشعر بعد أن كان هذا الشعر يقال مكافأة أو حبا وقد شاركت إمارتا الغساسنة والحيرة في تغيير مضمون رسالة الشعر من المصالح القبلية إلى الكسب المادي أو لمصلحة الشاعر الخاصة وقد كان النابغة الذبياني وحسان بن ثابت في جاهليته يغدان المسيرإلى حورن مسكن الغساسنة طلبا لذلك الكسب المادي والمكانة المرموقة، كما أن الاعشى جعل الشعر ( حرفة ) يتكسب من خلالها . وقد كان كعب بن زهير رأس الشعراء المحافظين في مدائحهم وزعيمهم في فن بناء قصيدة المدح المحافظة حيث بقي على الرغم من إسلامه يتناول الموروث الجاهلي تناولا بارعا من خلال .
العودة للتراث والاصطفاء منه .
توليد المادة التراثية .
ضرب المادة التراثية ضربا جديدا .
والمراجع لمعظم قصائد المدح القريبة من فترة ما قبل مجيء الإسلام ونزول القرآن الكريم يدرك أن القصيدة الجاهلية وضعت نصب عينها غرض المدح بشكل واضح بحيث أصبحت أمة تسجد إمام الملوك والأمراء من أجل دريهمات معدودة
وقد تكسب إلى جانب النابغة والأعشى بالشعر زهير بن أبي سلمى مع هرم بن سنان والحارث بن عوف وإذا كان زهير شاعر المدح في البادية فان أمية بن أبي الصلت شاعر المديح في الحضر
ولقد مرت قصيدة المدح بدورين اثنين دور التأهيل ودور التجديد
فالدور الأول لم يكن فيه الشعراء ينشدون مكسبا ماديا من شعرهم
والدور الثاني انحرفت فيه قصيدة المدح نحو التكسب المادي ومن شعراء الدور الأول حاتم الطائي في مد يحه لبني بدر ودريد بن الصحة في مدح يزيد بن عبد المدان
قال حاتم الطائي يمدح (( بني بدر ))
إن كنت كارهـة معيشتنا هاتي فحلــي في بني بدر
جاورتهم زمن الفساد فنعم الحي في العوصـاء واليسر
فسقيت بالماء النمير ولم أترك أوا طس حمأة الجـفر
ودعيت في أولى الندي ولم ينظر إلي بأعيـــن خزر
الضاربين لدى أعنتهـم الطاعنين وخيلهم تجري
والخالطين نحيتهم بنضارهم وذوي الغنى منهم بذي الفقر
وقال دريد بن الصمة يمدح (( يزيد بن عبد المدان ))
منحت يزيد بن عبد المدان فأكرم به من فتى ممتــدح
إذا المدح زان فتى معشـر فان يزيد يزين المـــدح
حللت به دون أصحـابه فأورى زنادي لما قــدح
ورد النساء بأطهــارها ولو كان غيريزيد فضـح
وفك الرجال وكل امرئ إذا أصلح الله يوما صـلح
وقلت له بعد عتق النساء وفك الرجال ورد اللقـح
أجر لي فوارس من عامـر فأكرم بنفحته إذ نفــح
ومازلت أعرف في وجهه بوقت السؤال ظهور الفرح
رأيت أبا النضر في مذحج بمنزلة الفجر حين اتضــح
إذا قارعوا عنه لم يقرعوا وإن قدموه لكبش نطــح
وإن حضر الناس لم يخزهم وإن وزانوه بقرن رجــح
فذاك فتاها وذو فضلها وإن نابح بفخار نبـــح
أما شعراء الدور الثاني كالنابغة وزهير والأعش فقد اتخذت فيهم قصيدة المدح اتجاه التكسب من الحرفة وكذلك عند ( الأعشى ) ، ولا نستغرب أن نجد قصيدة المدح عند شعراء هذا الجيل وخاصة عند الأعشى تأخذ في منهج الفن المعقد الشديد التعقيد الدقيق الإحكام حيث افتتح شعراء هذا الجيل مدائههم بمقدمات مختلفة حيث تغزلوا في مقدمات هذه القصائد ووصفواالأطلال البالية وصوروا الظعائن المتحملة والطيف الطارق وتحد ثوا إليه وشكوا من الهموم وحوادث الأيام وتوجعوا من الشيب وأقبلوا على الحياة كما هو عند بشر بن حازم
أتعرف من هنيدة رسم دار بخرجي ذروة فإلى لــواها
ومنها منزل ببراق خبـت عفت حقبا وغيرها بــلاها
أرب على مغانيها ملــت هزيم ودقة حتى عفـــاها
وما أشجاك من إطلال هند وقد شطت لطيتها نــواها
وقد أضحت حبالكما رثاثا بطاء الوصل قد خلقت قواها
ليالي لا تطيش لها سهــام ولا ترنو لأسهم من رمـاها


أو في استهلالية زهير بن أبي سلمى في معلقته
أمن أم أوفى دمنة لم تكلــم بحومانة الدراج فالمتثلـــم
ديار لها بالرقمتين كأنهـــا مراجع وشم في نواشر معصم
بها العين والأرام يمشين خلفـة وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
وقفت بهامن بعد عشرين حجة فلأيا عرفت الدار بعد توهـم
أثافي سفعا في معرس مرجـل ونؤيا كحرض الجذم لم يتثلـم
وكذلك في مديحه النابغة للحارث الأصغر الغساني في تذكره لمغاني الأحباب التي هاجت شوقه الثائر
أهاجك من أسماء رسم المنازل بروضة نعمي فذات الأجــادل
أربت بها الأرواح حتى كأنما تهادين أعلى تربها بالمناخـــل
وكل ملث مكفـهر سحابـة كميش التوالي مرثعن الأسافـل
إذا رجفت فيه رحى مرجحنة تبعق ثجاج غزير الحوافـــل
عهدت بها حيا كراما فبدلت خناطيل آجال النعام الحوافــل
ترى كل ذيال يعارض ربربـا على كل رجاف من الرمل هائـل
يثرن الحصى حتى يباشرن بردة إذا الشمس مجت ريقها بالكلاكل
وكذلك قول الشاعر
صحا القلب عن سلمى واقصر باطله وعري أفراس الصبا ورواحله
وأقصر عما تعلمين وســــددت علي سوى قصد السبيل معادلة
وقال العذارى إنما أنت عمــــنا وكان الشباب كالخليط نزايلة
فأصبحن ما يعرفن إلا خليقـــي وإلا سواد الرأس والشيب شاملة
ومهما يكن من أمر فإن الشعراء وقفوا من مقدماتهم في قصيدة المدح مواقف متشابهة لا تتعدى إعلان خبر الرحيل ومماشاة الركب الراحل والوقوف عند معالم طريق الرحل ووصف الظعائن وذكر النساء والتحدث عنهن وموقف الشعراء من الظعائن المحتملة كما أن الأعشى وبشكل خاص قد اقترنت عنده قصيدة المدح بوصف الخمرة وما تصنعه به من ضائع وتبا لما تصنعه الخمرة من صنائع





الباب الخامس
خصائص الشعر الجاهلي





الباب الخامس
الفصل الأول
تطور الشعر من الرجزإلى القصيد








الباب الخامس

الفصل الثاني
الشعر الجاهلي مطبوع ومصنوع

استوى للشعر صناعته في العصر الجاهلي وتقعدت قواعده وأصبح له سلوكه الخاص الذي أقلق الشعراء في كثير من الأحيان حيث تتحد مسيرة القصائد. وقد كان عنترة يشكو من هذا الاتحاد. كما أن القصائد تتحد أساليبها ولغتها وتراكيبها، ومعانيها وصورها وأخيلتها، وكان زهير يشكو أيضاً من ذلك، فما يقال في بكاء الأطلال يتكرر عند الشعراء، وخاصة في وصف الأطلال والناقة والخيل، وقد تتبع النقاد هذا الجانب من صناعة الشعر العربي القديم، وهو جانب طريف يكشف لنا عن حقيقة الشعر الجاهلي وحقيقة صناعته، وأنها لم تكن مستودعاً للتجارب الفردية، بل كانت مقيدة بمصطلحات كثيرة لا في اللغة والنحو والعروض فقط، بل في الموضوع والمواد التي تكوّنه، وما يختاره الشاعر في صنع نماذجه من أدوات تصويرية أو أسلوبية أو معنوية.
هذه المصطلحات المختلفة التي كان يتقيد بها الشاعر الجاهلي تجعلنا نؤمن بأنه لم يكن حراً في صناعة شعره يصنعه كما يريد، بل يخضع لتقاليد تتناول ما يقوله وكيف يقوله
إذن : فالشعر الجاهلي ليس تعبيراً فنياً حراً، بل هو تعبير فني مقيد، يعبر عن الطبع والتكلف.
ومن شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولا (كاملاً) وزمناً طويلاً يردد فيها نظره ويجيل فيها عقله، ويقلب فيها رأيه، وكانوا يسمون تلك القصائد: الحوليات والمقّلدات والمنّقحات والمُحكمات ليصير قائلها فحلاً وشاعراً مُفلقاً" وكان زهير بن أبي سلمى يسمّي كبار قصائده الحوليات، ولذلك قال الخطيئة: خير الشعر الحولي المحكّك، وقال الأصمعي: زهير بن أبي سلمى والحُطيئة وأشباههما عبيد الشعر، وكذلك كل من جوّد في جميع شعره ووقف عند كل بيت قاله، وأعاد فيه النظر، حتى يخرج أبيات القصيدة كلها مستوية في الجودة. وكان يقال: إن الشعر قد كان استعبدهم واستفرغ مجهودهم حتى أدخلهم في باب التكلف وأصحاب الصنعة،
لقد وُجدت طائفة عند العرب كانت تكدُّ طبعها في عمل الشعر وصنعه، وكانت تقابلها طائفة أخرى لا تبلغ من التكلف غايتها، وهي طائفة المطبوعين كما يسميهم الأصمعي، ومن الشعر المتكلف والمطبوع. فالمتكلف هو الذي قوَّم شعره بالثِّقاف، ونقحه بطول التفتيش، وأعاد فيه النظر، كزهير والحطيئة. وإن هؤلاء المطبوعين لم يكونوا يلغون التكلف إلغاء. كما أن هؤلاء المتكلفين لم يكونوا يلغون الطبع إلغاء،
والمثل الفنية" المطلقة من غير قيود ولا حدود لا توجد في الشعر وقد وجدت هذه "الصنعة" أو وُجد هذا الجهد في نماذج الشاعر الجاهلي بحيث يمكن أن نقول: إن "الصنعة" أول مذهب يقابلنا في الشعر العربي، فهي توجد في جميع نماذجه القديمة، وإن كانت تتخذ شكلاً بسيطاً عند بعض الشعراء، بينما تتعقد تعقداً شديداً عند آخرين ممن يريدون أن يستوعبوا فهم مقدرات واسعة من الحذق والمهارة.
والحياة الأدبية في العصر الجاهلي لم تكن ساذجة بسيطة، فقد كانت معقدة ملتوية شديدة الالتواء، ولم تكن على هذا النحو من اليسر والسهولة الذي يجعل الشعراء يصدر عنهم شعرهم صدور الفطرة ، بل كانوا يتكلفون في شعرهم فنوناً من التكلف ً.
وقد كان الشعراء أنفسهم يلتزمون لوازم كثيرة في صناعة شعرهم، وكان الناس من حولهم يراقبونهم ويشجعونهم على التفوق والإجادة، وكأنما كان هناك ذوق عام يدعو الشعراء إلى التجويد والتحبير، ولعل مما يفسر ذلك أيضاً أنهم كانوا يسمون الشعراء بأسماء تصور مهارتهم وإجادتهم، فربيعة بن عدي كان يسمّى المهلهل لأنه أول من هلهل الشعر وأرقّه وكان طفيل الخيل يسمّى المحبّر لتزييته شعره، وكان النمر بن تولب يسمى في الجاهلية الكيس لحسن شعره. وكذلك سمّي النابغة باسمه لنبوغه في شعره، كما سمي المرقّش باسمه لتحسينه شعره وتنميقه، وسمي علقمة بالفحل، لجود أشعاره، وبجانب ذلك نجد أسماء أخرى مثل المثقّب والمنخّل والمتنخل والأفوه. وقد سموا القصائد بأسماء تصور هي الأخرى مبلغ تفوقهم وإجادتهم فسموها اليتيمة وسموها السموط وسموها الحوليات والمقلّدات والمنقّحات والمحكمات.
يقول كعب بن زهير يخاطب الشّماخ وأخاه مزرّداً
فمن للقوافي شانها من يحوكها
كفيتك لا تلقي من الناس واحداً
نُثقِّفها حتى تلين متوُنها
إذا ما ثوى كعبٌ وفوّز جرول
تنخلَّ منها مثلما نتنخّلُ
فيقصرُ عنها كل ما يُتمثَّلُ

فكعب وجرول أي الخطيئة يتنخلان شعرهما، ويأخذانه بالثقاف والتنقيح، ويجمعان له كل ما يمكن من وسائل التجويد والتحبير، وكذلك كان يصنع صنيعهما الشمّاخ ومزرد الذي ردّ على كعب قائلا:
فإن تخشبا أخشب وإن تتنخّلا وإن كنت أفتى منكما أتنخَّلِ
وهذا التنخل من عمل الشعراء جميعاً، فهم مشتركون في الإجادة ، ولعل ذلك ما جعل الحطيئة يقول:
الشعر صعبٌ وطويلٌ سُلّمه إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلّت به إلى الحضيض قمه يريـد أن يعربـه فيعجمـه
وليس من شك في أن الحُطيئة والشعراء من حوله كانوا يلقون عنتاً شديداً في رقي هذا السلم الذي كان يستلزم منهم جهداً فنياً خاصاً. حتى يستطيعوا أن يبلغوا الشأو الذي يريدونه.
الباب الخامس

الفصل الثالث
بنية القصيدة الجاهلية

ـ آ ـ مضامين القصيدة الجاهلية :

بصرف النظــرعـن اختلاف النقاد حـول طفـولة الشعر الجاهلي أو وصول هـذا الشعر إلينا خالياً من العيوب ، فإن القصيدة الجاهلية التـي وصلت إلينا كانت متقنة الصنـع تتبـع أسلـوباً متميزاً وتنحو طريقاً متعارفاً عليها . وهذه القصيدة التي تولدت لدى الشعراء الجاهليين أتبعت في سيرها ومضمونها خطة تتمثل في :
المقدمة الطللية :
تكاد معظم القصائد الجاهلية تبدأ مطالعها بالوقوف على الأطلال لما لذلك من علوقٍ فــي النفس إذا أن الأطلال : هي الديار التي هجـرهـا الأحبة ، و أقاموا فـي مكان آخر تمثل ما لدى الشاعر مـن تطلعات و أحاسيس تتعلق بالمرأة و النفوس كمـا يقـول ابن قتيبة محبة للغزل ، ولايكاد يخلو أحدٌ مـن أن يكون متعلقاً بالغزل أو مرتبطاً به ولذلك اعتمده الشعراء لاستمالة آذان المتلقين وقـد علل النقاد الظاهرة الطللية عنـد العـرب بمسألة الانهـدام الحضــاري الذي أصاب الجزيرة العــربية فأصبحت دياراً خربة بعد أن كانت حضارة معمورة ومن هنا بكى الشعراء على أيام التألق وأصبح ذلك عادة عند الشـعراء ، وهـو يشبه الحديث عـن بنات الأولمب عند اليونان .
يقول امرؤ القيس في مطلع معلقته متحدثاً عن أطلال محبوبته :
قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ بسقط اللوى بين الدخول فحومل فتوضح فالمقراةَ لم يعف رسمها لما نسجتهه مـــن جنوب وشمأل
وقوفاً بها صحبي علــى مطيهم يقـولـون : لاتهلك أسىً وتجمـل
ويقول زهير بن أبي سلمى في مطلع معلقته : أمن أمِّ أومن دمنة لم تكلمــي بحـومانــة الـدّراج فالمتثلـم
وقفت بها من بعد عشرين حِجة فلأياً عرفت الدار بعــد توهـم
فلما عرفت الدار قلت لربعهــا ألا عمّ صباحاً أيها الربع واسلمِ
ويقول النابغة الذبياني :
يا دارمية بالعلياء فالسنــد أقوت وطال عليها سالف الأبــد
وقفت فيها أصيلاً كي أسائلها عيّت جواباً وما بالربع مـن أحـد
2 ـ وصف مشاهد التحمل والارتحال :
وفي هـذا القسم تحدث الشعراء الجاهليون عن انعكاس أثر هـذا الرحيل الذي ارتبط بالأطلال والذي يزخر بالحبِّ والحزن والحنين بحيث نرى الشعراء يصفون رحلة النساء على الهوادج والجمال ، وما لذلك من أثرٍ في نفوسهم ،
يقول زهير بن أبي سلمى :
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن تحملّن بالعلياء من فوق جرثـم علون بأنماطٍ عتـــاقٍ وكِلّـة ورادٍ حواشيها مشاكهة الـدم
بكرن بكوراً واستحرن بسحـرةٍ فهن ووادي الرَّسّ كاليد للفـم
ويقول عنترة في وصف الراحلة : إن كنت أزمعت الفراق فإنما زمــت ركابكم بليلٍ مظلــمِ ما راعني إلا حمولة أهلهــا وسط الديار تسف حب الخمخم
فيها اثنتان وأربعون حلـوبة سوداً كحامية الغراب الأسحـم
ويقول الشاعر بشر بن أبي حازم : ألا بان الخليط ولـم يزاروا وقلبك في الظعائن مستعـار أسائل صاحبي ولقد أراني بصيراً بالظعائنِ حيـث ساروا
3 ـ وصف المحاسن :
يتحدث الشعراء في هذا القسم عن وصف محاسن المرأة وجمالها الجسدي والمعنوي ، يقول الأعشى :
غراء فرعاء مصقول عوارضها تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل
ويقول النابغة الذبياني: نظـرت بمقلةِ شادنٍ متربّب أحـوى أحم المقلتين مُقَلــَّدِ
صفراء كالسّيراء أُكملَ خلقها كالغصنِ في غلوائه المتـــأوّد
4ـ وصف الرحلة والراحلة والطريق :
وقد تضمن ذلك رسم صورة الفرس والناقة اللتين هما وسائل النقل في ذلك العصر. وقد وفر الشعراء لهذه الوسائل صفات الصلابة والقوة والفخامة والشدة والصبر وهما الصديقان الحميمان للشاعر في سفره.
يقول امرؤ القيس في وصف الفرس :
وقد أغتدي والطير في وكناتها بمنجردٍ قيـد الأوابــدِ هيكـلِ
مكرٍّ مفٍّر مقبلٍ مدبرٍ معــاً كجلمود صخرٍ حطّه السيل من علِ
إذاً : فحصان الشاعر يتميز بصفات مختلفة عن صفات مثيله فهو يستطيع في لحظة واحدة أن يتحرك حركات مختلفة بين الإدبار والإقبال إضافة إلى أنه منتخب الصفات وكأني به يريد أن يقول : إن حصانه يشبه طائرة الأباتشي:
له أيطلا ظبـــي وساقا نعامـــة وإرخاء سرحان وتقريب تتفلِ
ويقول طرفة في وصف ناقته :
وإني لأمضي الهمَّ عند احتضاره بعوجاء مرقالٍ ، تروح وتغتدي
أمونٍ كألواح الإران نصأتُهـا على لاحبٍ كأنه ظهرُ برجـدِِِ

5 ـ الغرض الذي كتبت من أجله القصيدة :
وقد يكون هذا العرض مدحاً أو حكمة أو فخراً بنفسٍ أو قبيلةٍ ، يقول زهير بن أبي سلمى في الحكمة :
ومـن يك ذا فضل فيبخل بفضله على قومه يستغن عنــه ويذمم
ومهما تكن عند امرىء من خليقة وان خالها تخفى على الناس تعلم
ويقول عمرو بن كلثوم في معلقته مفتخرا بقبيلته :
ملأنا البرّ حتى ضاق عنّا ووجه البحر نملؤه سفينا
إذا بلغ الفطام لنا صبي تخرّ له الجبابر ساجدينا






بنية القصيدة الجاهلية

ب ـ نظرية عمود الشعر العربي

يطلق مصطلح عمود الشعر العربي عند النقادالقدامى على الميزان والمعيار الرصين للشعر وقد تعارف العرب على أجزاء هذه النظرية واعتبروا أن الشعراء الذين حققوا عناصر هذه النظرية هم الشعراء المجيدون وقد ساهم في بلورة هذه النظرية نقاد : كـ ( الآمدي ، والقاضي الجرجاني ، والمرزوقي ).
وتتألف هذه النظرية من
شرف المعنى وصحته : ومعياره عرض هذا المعنى على العقل الصحيح والفهم الثاقب ، فإذا قبله كان المعنى شريفاً:
أماويّ إن المال غادٍ ورائـــح ولا يبقى من المال إلا الأحاديث والذكر
2- جزالة اللفظ واستقامته:ومعياره الطبع والرواية والاستعمال ،كقول امرىء القيس:
وقدأغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكـــل
3-الإصابة في الوصف: ومعياره الذكاء وحسن التمييز ، كقول امرئ القيس :
كأن قلوب الطير رطباً ويابساً لدى وكرها العناب وبحشف البالي
4-المقاربة في التشبيه : ومعياره الفطنة وحسن التقدير من خلال اشتراك المشبه والمشبه به في الصفة ( وجه الاستشهاد ) كقول الأعشى :
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل
ـ غزارة البديهة : ومعياره سرعة استجابة الشاعر لموقف من المواقف
6- كثـرة الأمثال السائرة والأبيات الشاردة : ومعياره الأمثال السائـرة واستعمال الناس لهذه الأبيات المتضمنة لها ، أما معيار الأبيات الشاردة هواستشهاد أهل النقد والشعر بهذه الأبيات ، من قول حسان بن ثابت :
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم جسم البغال وأحلام العصــافير
وقول طرفة بن العبد :
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى لكالطول المرخى وثنياه باليد
وقد زاد المرزوقي على عناصر الشعر ثلاثة .
7- التحام أجزاء النظم وائتلافها على تخير من لذيذ الوزن : ومعياره الطبع واللسان بحيث لايتعثرالطبع بأبنيته ، قال طرفه :
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه خشاش ٌكرأس الحيــة المتـوقــد
8- مناسبة المستعار منه للمستعار له : وهــو ما سميناه المقاربة فــي التشبيه ومعياره الذهـن والفطنة ، ومثاله قول امرىء القيس:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي
9- مشاركة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية : ومعياره كثرة مراس الشاعروطول الدربة، والمدارسة لديه بحيث يجعل الألفاظ مقسمة على رتب المعاني ، ويجعل الأحسن مـن الألفاظ للأحسن من المعاني بحيث تكون القافية كالموعود المنتظر الذي يتشوق الإنسان للقائه .ومثاله قول الشاعر:
وعدت وكأن الخلف منك سجيةً مواعد عرقوب أخاه بيثربٍ





الباب الخامس

الفصل الرابع
نسيج الشعر الجاهلي

الشعر صناعة تجتمع لها في كل لغة طائفة من المصطلحات والتقاليد، ما يزال النقاد منذ القديم يحاولون أن يصفوها بمقاييس. فكلمة شاعر عندنا معناها العالم والشعر معناه العلم ، والعلم يدخل في باب الصنائع. وتناثر في أشعار العرب القدماء ما يدل على أنهم كانوا يحسون بأن الشعر ضرب من الصناعات، فقد جعلوه كبرود التعصْب اليمانية وكالحلل والمعاطف والديباج والوشى. فهو يشبه صناعة الثياب، فقد روي أن عمر بن الخطاب قال: ((خير صناعات العرب أبيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته)). فالشعر صناعة معقدة تخضع لقواعد دقيقة صارمة في دقتها بحيث لا ينحرف عنها صنّاع الشعر إلا ليضيفوا إليها قواعد أخرى ما تزال تنمو مع نمو الشعر وتتطور مع تطوره.
يقول (جويدي): ((إن قصائد القرن السادس الميلادي الجديرة بالإعجاب تنبئ بأنها ثمرة صناعة طويلة)) ، فإن ما فيها من كثرة القواعد والأصول في لغتها ونحوها وتراكيبها وأوزانها يجعل الباحث يؤمن بأنه لم تستو لها تلك الصورة الجاهلية إلا بعد جهود عنيفة بذلها الشعراء في صناعتها. و ((موسيقى)) الشعر الجاهلي يفسر بعض هذه الجهود، حيث يلتزم الشاعر في جميع هذه الأبيات وزناً واحداً يرتبط بنغماته ، كما يلتزم حرفاً واحداً يتحد في نهاية هذه الأبيات يسمى الروىَّ ، ويدخله في (فن التصوير) ولعل ذلك ما جعل (جب) يقول: إن أدب العرب أدب روماتيكي ، ومن يرجع إلى امرئ القيس يلاحظ أنه يعنى بالتصوير في شعره إذ يقول:

مكرٌ مفرٌ مقبلٍ مدبر معاً
كُميتٍ يزلُّ اللِّبدُ عن حال متنه

كجلمود صخر حطَّه السيلُ من عَل
كما زلَّت الصَّفواءُ بالمتنزلِ

وقد كان الشاعر الجاهلي يحاول أن يوفّر في شعره كثيراً من ((القيم الصوتية والتصويرية))، وكان يلقى عناء شديداً في هذا التوفير، إذ نراه يتقيد بقيود كثيرة، لا تقف عند الموسيقى والتصوير، بل تتعدى ذلك إلى الموضوعات والألفاظ والمعاني،
ولذلك كان الشعراء يحرصون في كثير من مطولاتهم منذ العصر الجاهلي على أسلوب موروث فيها، إذ نراها تبتدئ عادة بوصف الأطلال وبكاء الدّمن، ثم تنتقل إلى وصف رحلات الشاعر في الصحراء. وحينئذ يصف نافته التي تملأ حسَّه ونفسه وصفاً دقيقاً فيه حذق ومهارة، ثم يخرج من ذلك إلى الموضوع المعين من مدح أو هجاء أو غيرهما. واستقرت تلك (الطريقة التقليدية) في الشعر العربي، وثبتت أصولها في مطولاته الكبرى على مر العصور.






الباب الخامس

الفصل الخامس
فنية الشعر الجاهلي

بلغ الشعر الجاهل من حيث الصنعة المتقنة مبلغا عظيما بحيث أصبحت النماذج الجاهلية من الشعر مبلغا سامقا لم يطاوله إلى يومنا هذا أي عصر من العصور، وما يزال النقاد حتى يومنا هذا يعجبون لهذه القدرة الفنية العظيمة عند هؤلاء الشعراء ولقد تميز الشعر الجاهلي بميزات كثيرة على رأسها

1 ـ ملابسة الطَّبع للصّنعة ملابسة تموّهها وتخفيها حتى لتغفل عنها العين البصيرة، بل ربّما خفيت وجوه هذه الصنعة حتى ظُنَّ أنّها غير موجودة وهذا موجود عند االحارث بن حلزة في قصيدته :
( لمن الديار عفون بالحبس آياتها كمهارق الفرس )

2 ـ تعلّق الشّعر بالحقيقة أو الواقعيّة: فهو يتعلَّقُ بالواقع تعلّقاً يجعلُ التشبية صورة منعكسة عن هذا الواقع انعكاساً أصيلاً، ويتركُ له من الدلالة وقوّة الأداء عن النَّفس مالا سبيل إلى التعبير عنهُ بسواه من أساليبِ التعبير، وهذا النحوُ من التشبيه نجدُه عند عنترة في تصويره المشهور للذُبابُ في الرّوضة:
وخلا الذُّباب بها فليس بارحٍ
هزجـاً يحـُكُّ ذراعـهُ بذراعـــهُ غرداً كفعل الشاربٍ المُترنِّمِ
فدحَ المُكِـبُّ علـى الزِّنـاد الأجـذَمِ
3 ـ رقةُ الإحساس بالحياة وقوةُ الشعور بالجمال : وهي تتمثَّل بأظهر وجوهها في التعلّق بوصف جمال المرأة وفي أصالةِ الإحساس بها، وبآثارها في نفس الشاعر وحياته، فالقصيدة الجاهلية مهما يكن غرضها تستفتح بالغزل، فمنهم من يبكي الدّيار الدارسة، ومنهم من يصفها ومنهم من يصف المرأة جسديّاً، ومنهم من يصف رحيل الأحبّة ، ومن ذلك استجلاء جمال الطبيعة بكل مظاهرها والتعريج على الصور الجميلة الواضحة الجمال. ولا شيء أبلغ من الدلالة على الإحساس بجمال الصُّبح من تلك اللمحة الخاطفة يلقبها علقمة بن عبدة في معرض الحديث عن إبله يوردها حين يقول:
أوردتُها وصدورُ العيس مسنفةٌ

تباشروا بعدما طال الوجيف بهم

بدت سوابقُ من أولاهُ تعرفها

والليلُ بالكوكبِ الدُرّيّ منجورُ

بالصُّبح لما بدّتْ منهُ تباشيرُ

وكبرهُ في سّوادِ الليلِ مستورُ

4 ـ الاعتدالُ في تناول الأمور، والاتزان في تقديرها، والسّلامة في الإحساس بها :وهذا بين في شعرهم الغزلي والوصفيّ، يتناولون مشاعرهم في قصد، دون غلوّ أو إفراط، وصفةُ الاعتدال غالبةُ على الشعر العربي الجاهلي، حتى أن ما خرج منه عنها أمكنَ عدّه وتتبّعه، وهو عدد ضئيل من الأبيات، فعابوا على المهلهل التزيُّد في شعره والمبالغة، وعندهم أنّ أكذب بيت قاله هو:
فلـولا الرّيـح أسـمع مـن بحَجـرْ صليـلّ البيـض تقـرعُ بالذكـور
وكان منزلهُ على شاطئ الفرات من أرض الشّام، وحجرُ هي ((اليمامة)) وقالوا هو أخطأ وكذب، فبينَ موضع الوقعة التي ذكرها وبين حجرِ مسافةُ بعيدة جداً وخذا عندي ليس بكذب بمعناه الحقيقي بل هو مبالغة من مبالغات الشعراء التي قال فيها القرآن الكريم ( ألم تر أنهم في كل واد يهيمونوأنهم يقولون ما لا يفعلون ) .
5 ـ: المحافظةُ والتقليدُ، وهي خلةُ من خلال النفس العربية امتدت آثارها إلى الشعر، فتركت عليه طابعاً قوياً لازمه من أقدم عصوره.. ومن أظهر مظاهر المحافظة التزامُ الشّعراء بالافتتاحية الغزلية، يأخذُه اللاّحقُ عن سابقيه، وليست هذه المحافظة بالتي تبلغُ من النّفس مبلغاً يُجمدُ بها عن التطور مع الحياة، ويحولُ بينها وبين مواجهة الحقائق الجديدة فيها، وإنّما هي خلَّة تقفُ بها النفسُ عند حدٍّ محمودٍ من التماسك والصُّمود، وإقامةِ الشخصيّة الفنيّة على أساس وثيق من الماضي العنيد وليست كل محافظة وتقليد مذمة كما يعتقد البعض،
6 ـ الإيجاز، وهو صفة من أبرز ما يتصّف به الشعر العربي بعامة، والجاهلّي بخاصة، من خلال قلّة اللفط مع تأديته للمعنى الغزير الكثير ، فالشاعر يكتفي بالبيت عن القصيدة، وباللفظة المعبِّرة عن العبارة، وقد أحسّ المتأخّرون بقيمة هذه الخّاصية إحساساً دفعهم إلى الغلو فيها حتى جعلوا البيت وحدهُ الشعر العربيّ، مع أن هذا لم يكن من شأن الشعر الجاهليّ ..
وما أطول القصّة التي تمثّل وراءَ هذين البيتين للحارث بن مضاض:
كأنْ لم يكنْ بين الحجون إلى الصّفا
بلــى، نحنُ كنّا أهلها فأبادنا
أنيسٌ ولم يسمرْ بمكَّة سامرُ
صروفُ الليالي والجدود العواثرُ

7 ـ المثاليّة والتسامي في تصوُّر الأمور وتصويرها، فالشاعرالجاهلي ينزع إلى اختيار الأجملِ والأكمل ((وليس ألصقَ بطباع العربيّ من الشّهامة والتضحية)) وأروعُ ما في هذه المثالية ذلك الإحساس العميقُ بالتقاربِ بين مظاهرِ الجمال في الوجود ..
جمالُ يقعُ في القلب، وجمالُ يقع على العين، وصورٌ تتباعد وتتقاربُ حتى يغدو الشيئان وكأنهما شيء واحد ...


الباب السادس
رموز الشعر الجاهلي







1 ـ امرؤ القيس
أ- نشأته وحياته : تذكر مصادر الأدب أنه كان في الجاهلية ستة عشر شاعراً تسموا باسم امرئ القيس ، والقيس فــي اللغة الصنم ، أما شاعرنا حندج بـن حجر ملك بنـي أسـد الملقـب بالملك الضليل أو بذي القروح ، فقد ولد عام اثنين وعشرين بعد المئة قبل الهجرة وتوفي عام اثنين وثمانين قبـل الهجرة أي ما يقارب من( 500-540 ) للميلاد ، وهـو مـن قبيلة كنـدة اليمنية ، أبـوه حجـر أحـد ملوك نجـد وأمـه فاطمة بنت ربيعة أخـت كليب ومهلهل التغلبيين .
عاش حياته لاهياً منصرفاً إلى الشراب والصيد والنساء وقد قتل أبوه وهو مخمور فقال قولته المشهورة : " اليوم خمر وغداً أمر ، ضيعني صغيراً ، وحمّلني دمه كبيراً ، لا صحو اليوم ولا سكر في غد" . ثم أنشد قائلا :
خليليّ لا في اليوم حمل لشارب ولا في غد إذ ذاك ما كان يشرب
وقد لجأ امرؤ القيس إلى قيصر الروم ومر في حوران من أجل استرجاع ملكه، فأنشد قصيدته المشهورة والتي منها:
فلمـا بدت حوران والآل دونهـا نظرت فلـم تنظـر بعينيك منظرا وعاد راجعا بالفشل فمرض بعد خروجه من القسطنطينية فأنشد بعدها قائلا :
أجارتنا إنّ المزار قريـب وإني مقيم مـا أقام عسيب
أجارتنا إنا غريبان ها هنا وكل غريب للغريب نسيب
ب- شخصيته : أسهم في تكوين شخصية الشاعر تربيته في بيت والده كملك ومجالسته عليّة القوم واطلاعه على خفايا أمور لم يطلع عليها من هم في سنه ، وأثر في تكوين هذه الشخصية عاملان أساسيان :
الأول : حياة اللهو والعبث التي عاشها الشاعر ، والتي تمثلت في معلقته التي يقول فيها :
أفاطـم مهـلاً بعض هـذا التـدلل وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
وإن كنت قـد ساء تك مني خليقـة فسلِ ثيابــي مـن ثيابك تنســل
وقد أفحش القول في هذه المعلقة بأبيات تنبىء عن فسق فاضح ، لا حاجة لذكرها
والثاني : مقتل أبيه ، الذي جعلـه ينهض مـن اللهو إلى طلب الثأر ولكن بنـي أسد الذين قتلوا والده لم يكترثوا لذلك فانطلق الشاعر يبحث عن وسا ئل النصرة وإن فشل في منتهاها ، يقول مفتخرا بعزيمته على أخذ الثأر :
فدع ذا وسل الهم عنك بجسرة ذ مول إذا صام النهار وهجّرا
عليها فتىً لم تحمل الأرض مثله أبـر ّبميثاقٍ وأوفـى و أ صبرا
وقد فلسف خيبة أمله بقوله :
وقـد طوفت فـي الآفاق حتـى رضيت مـن الغنيمة بالإياب
ج- جوانب شــعره : وقـد نظـم امرؤ القيس فـي معظم الأغراض الشــعرية ، ولكنــه تفرّد بالوصف والغزل والصيد .
1 ـ الوصف: امتلك الشاعر خيالاً واسعاً وثاقباً فـي الوصف واستطاع مـن خلال قصائده أن يصف لنا معظم مظاهـر الصحـراء المحيطة بـه ، وأكثر ما ظهـر وصفه في وصف الحصان حيث قال :
وقد أغتدي و الطير في وكناتها بمنجردٍ قيـد الأوابــد هيكل
مكـرٍّ، مفـرٍّّ، مقبلٍ ، مدبرٍ معاً كجلمودِ صخرٍ حطّه السيل من علِ
و في وصف الطير المصطادة في بعض الأعشاش :
كأن قلوب الطير رطباً و يابساً لدى وكرها العناب و الخشف البالي
و في وصف الليل حيث قال :
و ليلٍ كموج البحر أرخى سد وله علــيّ بأنواع الهمــوم لِيبتلــي
2 ـ الغزل عند امرىء القيس :
أجاد امرؤ القيس في وصف مغامراته و الحديث عن النساء إجادة كبيرة لأنه متفرغ لذلك فقد وصف الأطلال وصفاً بارعاً و تحدث عمّا تركته من أثرٍ في نفسه :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخـول فحـومـل
كما أنه يبدو معاتباً رقيقاً :
أغـرك منـي أن حبك قاتلي وإنك مهمـا تأمـري القلـب يفعـل
وهو محب لمفاتن المرأة أكثر من حبه للقيم المعنوية لديها، أو للقيم الخلقية التي دعا إليها الإسلام الحنيف :
إلى مثلها يرنو الحليم صبـــابة إذا ما أسبكرت بين درع ومجول
وتضحي فتيت المسك فوق فراشها نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل
3 ـ الحكم على شعر امرىء القيس :
يعد امرؤ القيس من شعراء الطبقة الأولى ، كما صنفه صاحب طبقات فحول الشعراء "ابن سلام" لتميزه بما يلي :
1ـ أول من عرفناة قال الشعر.
2ـ أول من بكى الدمن و وصف الديار .
3ـ أول من قيد الأوابد .
4 ـ خسف للشعراء عين الشعر على حد قول عمر بن الخطاب .
و ما يزال شعر امرىء القيس يقرأ إلى يومنا هذا و يدرس في الجامعات العربية و الأجنبية بعد ترجمته ، إذا أنه رائد من رواد الشعر العربي



معلقة امرىء القيس

1 بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْ مَلِ قَفَاَ نَبْكِ مِنْ ذِكُرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ
2 لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ فَتُوِضحَ فَاْلِمقْرَاةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُهَا
3 وقِيعانِها كَأَنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ تَرى بَعَرَ الآرْآمِ فِي عَرَضَاتِها
4 لَدَى سَمُراتِ الَحْيِّ نَاقِف حَنْظَلِ كَأَنِّي غَدَاةَ الْبَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا
5 يقُولُونَ: لا تَهلِكْ أَسىً وَتَجَمَّلِ وُقُوفاً بِهَا صَحْبي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ
6 فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ وإِنَّ شِفَائِي عَبْرَةٌ مُهْراقَةٌ
7 وَجَارَتِها أُمِّ الرِّبابِ بِمَأْسَلِ كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الْحَوْ يرِثِ قَبْلَها
8 نَسِيمَ الْصِّبَا جَاءَتْ بِرَيَّا الْقَرَنْفُلِ إِذَا قَامَتا تَضَوَّعَ المِسْكُ مِنْهُمَا
9 عَلى الْنَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِي محْمَليِ فَفَاضَتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ مِنِّي صَبَابَةً
10 وَلا سِيمَّا يَوْمٍ بِدَارَةِ جُلْجُلِ أَلا رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ
11 فَيَا عَجَباً مِنْ كُورِهَا الُمتَحَمَّلِ وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيِّتي
12 وَشَحْمٍ كهُدَّابِ الدِّمَقْسِ الُمَفَّتلِ فَظَلَّ الْعَذَارَى يَرْتِمَينَ بِلَحْمِهَا
13 فَقَالَتْ لَكَ الْوَيْلاتُ إِنَّكَ مُرْجِلي وَيَوْمَ دَخَلْتُ الْخِدْرِ خَدْرَ عُنَيْزَةٍ
14 عَقَرْتَ بَعيري يَا امْرأَ القَيْسِ فَانْزِلِ تَقُولُ وَقَدْ مَالَ الْغَبِيط بِنَامَعاً
15 وَلا تُبْعِدِيني مِنْ جَنَاكِ اُلْمعَلَّلِ فَقُلْتُ لَهَا سِيري وأرْخِي زِمَامَهُ
16 فَأَلهيْتُهَا عَنْ ذِي تَمائِمَ مُحْوِلِ فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ
17 بِشِقٍّ وَتحْتي شِقّها لم يُحَوَّلِ إِذا ما بَكى مَنْ خَلْفِها انْصَرَفَتْ لهُ
18 عَليَّ وَآلَتْ حَلْفَةً لم تَحَلَّلِ وَيَوْماً على ظَهْرِ الْكَثيبِ تَعَذَّرَتْ
19 وَإِن كنتِ قد أَزْمعْتِ صَرْمي فأَجْمِلي أَفاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هذا التَّدَلّلِ
20 وَأَنَّكِ مهما تأْمري الْقلبَ يَفْعَلِ أغَرَّكِ منِّي أن حبَّكِ قاتِلي
21 فسُلِّي ثيابي من ثيابِكِ تَنْسُلِ وَإِنْ تَكُ قد ساء تك مِني خَليقةٌ
22 بِسَهْمَيْكِ في أَعْشارِ قلْبٍ مُقَتَّلِ وَما ذَرَفَتْ عَيْناكِ إِلا لِتضرِبي
23 تَمتَّعْتُ من لَهْوٍ بها غيرَ مُعجَلِ وَبَيْضةِ خِدْرٍ لا يُرامُ خِباؤُها
24 علّي حِراصاً لَوْ يسرُّونَ مقتَلي تجاوَزتُ أَحْراساً إِلَيْها وَمَعْشراً
25 تَعَرُّضَ أَثْناءِ الْوِشاحِ الُمفَصَّلِ إِذا ما الثّرَيَّا في السَّماءِ تَعَرَّضَتْ
26 لدى السّترِ إِلا لِبْسَةَ الُمتَفَضِّلِ فجِئْتُ وقد نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثيابَها
27 وَما إِنْ أَرى عنكَ الغَوايةَ تَنْجلي فقالتْ: يَمينَ اللهِ مالكَ حِيلَةٌ
28 على أَثَرَيْنا ذَيْلَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ خَرَجْتُ بها أَمْشي تَجُرِّ وَراءنَا
29 بنا بطنُ خَبْتٍ ذي حِقافٍ عَقَنْقَلِ فلمَّا أَجَزْنا ساحَة الحيّ وَانْتَحَى
30 علّي هضِيمَ الْكَشْحِ رَيَّا الْمَخْلخَلِ هَصَرْتُ بِفَوْدَيْ رأْسِهاَ فَتمايَلَتْ
31 ترائبُها مَصْقولَةٌ كالسَّجَنْجَلِ مُهَفْهَفَةٌ بَيْضاءُ غيرُ مُفاضَةٍ
32 غذاها نَميرُ الماءِ غيرُ الُمحَلّلِ كَبَكْرِ الُمقاناةِ البَياضَ بَصُفْرَةٍ
33 بناظرَةٍ من وَحشِ وَجْرَةَ مُطَفِلِ تصُدّ وَتُبْدي عن أَسيلٍ وَتَتَّقي
34 إِذا هيَ نَصَّتْهُ وَلا بمُعَطَّلِ وجِيدٍ كجِيدِ الرّئْمِ ليْسَ بفاحشٍ
35 أَثِيثٍ كَقِنْوِ النّخلةِ الُمتَعَثْكِل وَفَرْعٍ يَزينُ اَلمتنَ أَسْودَ فاحِمٍ
36 تَضِلّ العِقاصُ في مُثَنَّى وَمُرْسَلِ غدائِرُه مُسْتَشْزِراتٌ إِلى العُلا
37 وَسآَقٍ كاْنبوبِ السَّقيّ الُمذَلَّلِ وكَشْحٍ لطيفٍ كالجديل مُخَصَّرٍ
38 نؤُومَ الضُّحى لم تَنْتُطِقْ عن تفضُّل وتضحي فتيتُ المِسكِ فوقَ فراشها
39 أَساريعُ ظْبيٍ أوْ مساويكُ إِسْحِلِ وَتَعْطو برَخْصٍ غيرِ شَئْن كأنهُ
40 مَنارَةُ مُمْسَى راهِبٍ مُتَبَتِّلِ تُضيءُ الظَّلامَ بالعِشاءِ كأَنَّها
41 إِذا ما اسبَكَرَّتْ بينَ درْعٍ ومجْوَلِ إِلى مِثْلِها يَرْنو الَحليمُ صَبابَةَ
42 وليسَ فُؤَادي عن هواكِ بُمنْسَلِ تَسَلَّتْ عَماياتُ الرِّجالِ عَنِ الصِّسبا
43 نصيحٍ على تَعذا لهِ غيرِ مُؤتَلِ أَلا رُبَّ خصْمٍ فيكِ أَلْوَى رَدَدْتُه
44 عليَّ بأَنْواعِ الُهمُومِ ليبْتَلي وَليلٍ كمَوْجِ الْبَحْرِ أَرْخَى سُدو لَهُ
45 وَأَرْدَفَ أَعْجَازاً وَناءَ بكَلْكَلِ فَقلْتُ لَهُ لَّما تَمَطَّى بصُلْبِهِ
46 بصُبْحٍ وما الإِصْباحُ مِنكَ بأَمْثَل أَلا أَيُّها الَّليْلُ الطَّويلُ أَلا انْجَلي
47 بأَمْراسِ كتَّانٍ إِلى صُمِّ جندَلِ فيا لكَ مِن لَيْلٍ كأَنَّ نُجومَهُ
48 على كاهِلٍ منِّي ذَلُولٍ مُرَحَّل وَقِرْبَةِ أَقْوامٍ جَعَلْتُ عِصَامَها
49 بهِ الذئبُ يَعوي كالَخليعِ الُمعَيَّلِ وَوَادٍ كجَوْفِ الْعَيرِ قَفْرٍ قطعْتُهُ
50 قليلُ ألْغِنى إِنْ كنتَ لَّما تَموَّلِ فقُلتُ لهُ لما عَوى: إِنَّ شأْنَنا
51 وَمَنْ يْحترِث حَرْثي وحَرْثَك يهزِل كِلانا إِذا ما نالَ شَيْئاً أَفاتَهُ
52 بُمنْجَرِدٍ قَيْدِ الاوابِدِ هيْكلِ وَقَدْ أَغْتَدي والطَّيُر في وُكُناتِها
53 كجُلْمُودِ صَخْرٍ حطَّهُ السَّيْل من عَلِ مِكَر مِفَرِّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعاً
54 كما زَلَّتِ الصَّفْواءُ بالُمَتَنِّزلِ كُمَيْتٍ يَزِل الّلبْدُ عن حالِ مَتْنِهِ
55 إِذا جاشَ فيهِ حميُهُ غَليُ مِرْجَلِ على الذَّبْلِ جَيَّاشٍ كَأَنَّ اهتزامَهُ
56 أَثَرْنَ الْغُبارَ بالكَديدِ المرَكلِ مِسَحِّ إِذا ما السَّابحاتُ على الوَنَى
57 وَيُلْوي بأَثَوابِ الْعَنيفِ الُمثَقَّلِ يَزِلّ الْغُلامَ الخِفُّ عَنْ صَهَواتِهِ
58 تَتابُعُ كفّيْهِ بخيْطٍ مُوَصَّلِ دَريرٍ كَخُذْروفِ الْوَليدِ أمَرَّهُ
59 وَإِرْخاءُ سِرحانٍ وَتَقْرِيبُ تَتْفُلِ لَهُ أَيْطَلا ظَبْي وسَاقا نَعامةٍ
60 بضاف فُوَيْقَ الأَرْض ليس بأَعزَلِ ضليعٍ إِذا استَدْبَرْتَهُ سَدَّ فَرْجَهُ
61 مَدَاكَ عَروسٍ أَوْ صَلايَةَ حنظلِ كأنَّ على الَمتْنَينِ منهُ إِذا انْتَحَى
62 عُصارَةُ حِنَّاءٍ بشَيْبٍ مُرَجَّلِ كأنَّ دِماءَ الهادِياتِ بِنَحْرِهِ
63 عَذارَى دَوارٍ في مُلاءٍ مُذَيّلِ فَعَنَّ لنا سِرْبٌ كأنَّ نِعاجَهُ
64 بِجِيدِ مُعَمِّ في الْعَشيرةِ مُخْوَلِ فأَدْبَرْنَ كالجِزْعِ المَفصَّل بَيْنَهُ
65 جَواحِرُها في صَرَّةٍ لم تُزَيَّلِ فأَلحَقَنا بالهادِياتِ ودُونَهُ
66 درَاكاً وَلَمْ يَنْضَحْ بِماءٍ فَيُغْسَلِ فَعادى عِداءً بَيْنَ ثوْرٍ وَنَعْجَةٍ
67 صَفِيفَ شِواءٍ أَوْ قَدِيرٍ مُعَجَّلِ فظَلَّ طُهاةُ اللّحْم من بَيْنِ مُنْضجِ
68 مَتَى مَا تَرَقَّ الْعَيْنُ فيهِ تَسَفّلِ وَرُحْنَا يَكادُ الطّرْفُ يَقْصُر دُونَهُ
69 وباتَ بِعَيْني قائِماً غَيْرَ مُرْسَلِ فَبَاتَ عَلَيْهِ سَرْجُهُ وَلِجامُهُ
70 كَلمْعِ الْيَدَيْنِ فِي حَبيِّ مُكلّلِ أَصَاحِ تَرَى بَرْقاً أُرِيكَ وَمِيضَهُ
71 أَمَالَ السَّلِيطَ بالذُّبَالِ الُمُفَتَّلِ يضِيءُ سَنَاهُ أَوْ مَصَابِيحُ راهِبٍ
72 وَبَيْنَ الْعُذَيْبِ بَعْدَ مَا مُتَأَمَّلي قَعَدْتُ لَهُ وَصُحْبَتي بَيْنَ ضَارِجٍ
73 وَأَيْسَرُهُ على الْسِّتَارِ فَيُذْبُلِ على قَطَن بالشَّيْم أيْمنُ صَوْتهِ
74 يَكُبُّ على الأذْقانِ دَوْجَ الكَنَهْبَلِ فَأَضْحَى يَسُحُّ الْماءَ حوْلَ كُتَفْيَهٍ
75 فَأَنْزَلَ منْه العُصْمَ من كلّ منزِلِ وَمَرَّ على الْقَنّانِ مِنْ نَفَيَانِهِ
76 وَلا أُطُماً إِلا مَشِيداً بِجَنْدَلِ وَتَيْماءَ لَمْ يَتْرُكْ بها جِذْعَ نَخْلَةٍ
77 كَبيرُ أْنَاسٍ فِي بِجَاد مُزَمَّلِ كَأَنَّ ثَبيراً فِي عَرانِينِ وَبْلهِ
78 من السَّيْلِ وَالأَغْثَاءِ فَلْكَهُ مِغْزلِ كَأَنَّ ذُرَى رَأْسِ الُمجَيْمِرِ غُدْوَةً
79 نزُولَ اليماني ذي العِيابِ المحمَّلِ وَألْقَى بصَحراءِ الْغَبيطِ بَعاعَهُ
80 صُبِحْنَ سُلافاً من رَحيقٍ مُفَلْفَلِ كَأَنَّ مَكاكّي الجِواءِ غُدَيَّةً
81 بِأَرْجَائِهِ الْقُصْوَى أَنَابِيشُ عُنْصُلِ كانَّ الْسِّباعَ فِيهِ غَرْقَى عَشِيَّةً

وقال امرؤ القيس عندما لحق بقصير يستعينه على استرداد ملكة والثار لأبيه :
سَمالكَ شَوقُ بَعْدَما كانَ اقْصَرا وحَلتْ سُليَمى بَطْنَ قوٍ فعَرْعَرا
كِنانيةٌ بانتْ وفي الصّدْر ِ وُدٌها مُجاورةً غَسّانَ والحي ََ يَعْمَرا
ِبعَيَْنيَّ ُظعْنُ الحيّ لما تحَمَّلوا لَدَى جانبِ الأفلاج ِ ِمنْ جَنْب تيمرا
فشَبهتهُُمْ في الآل ِلما تكمَشّوا حَدائقَ دَوْم ٍأو سَفِيناً مُقيَّرا
أو ِ المكْرَعات مِنٍْ نخيل ِابن يامًنٍ دُوَيْنَ الصَّفا اللائي يَلينَ المَشقرا
سَوامِقَ جَبّـارٍ أثيت فُروعُهُ وعاليْنَ قنْوانا مِنَ البُـسْر ِأحَمرا
حَمَتهُ بنو الرّبْداءِ من آل يامنٍ بأسيافِها حـتىّ أقـرَّ وأوقـَرا
وأرْضَى بني الرْبداءِ واغْتمَّ زَهوُة ُ وأكمامُهُ حتى إذا ما تهَصرَّا
أطافَتْ به جَيْلانُ عِنْدَ قِطاعِةِ ترَدَّدُ فيـهِ العـيْنُ حَتـّى تحَـيَّرا
كانَّ دمُي سَقفِ على َظهْر ِ مَرْمَر ِ كسـا مُزْبدَ السّاجوم ِوشْياً مُصَورَّاً
غَراِئرُ في كِنّ وصَون ٍوَنَعْمَةٍ يُـحَليْنَ يـاقوتاً وشَـذْراً مُـفَقرا
ورَيـحَ سناً في حُقّةِ حِْميرّيةٍ تُخَصُّ بمَفْروكٍ منَ المِـسْكِ أذْفَرا
وباناً وَأُلوياً منَ الِهْندِ ذاكياً ورَنـْداً وُلـبْنى والـكباءَ الـُمَقترا
غَلقْنَ برَهْن ٍمنْ حَبيبٍ به ادَّعتْ سُليْمى فأمْسى حَبلُها قدْ تبَترا
وكانَ لها في سا ِلف الدهر ِخُلة ّ يُسارِقُ بالطرْفِ الخِباءَ الُمستََّرا
إذا نالَ مِنْها نَظْرَة ًر ِيع قلبُه كما ذَعَرَتْ كأسُ الصَّبوح ِالمخَمَّرا
نََزيفٌ إذا قامتْ لوَجْهٍ تمايلتْ تُراشي الفُؤاد الرَّخْصَ إلا تخَتّرا
أأسَمْـاءُ أمْسى وُدُّهـا قـَدْ تـَغَيّرا سَنُبْدلُ إنْ أبدَلْتِ بالوُدِّ آخَرا
تذ َكـَّرْتُ أهلي الصَّالحينَ وقدْ أتتْ على خمَلى خُوصُ الركابِ وَأوْجَرا
فَلمّا بَدَتْ حَورانُ في الآل ِدُونَها نَظرْتَ فلم تَنْظرْ بعَيَْنَيْكَ مَنْظرا
تقَطعَ أسبابُ اللـُّبانَةِ والهوَى عَشِـيَّة َجاوَزنْا حَمـاة َ وشَـيْزَرا
بسـيْرٍ يضِجُّ العَـوْدُ منه يَمُنُّهُ أخو الجَهْدِ لا يُلْوي على مَنْ تعَذ َّر
ولم يُنْسِني ما قد لقيتُ ظعائناً وَخَمْلا لها كالقرِّ يوما ًمُخَدراً
كأثلٍ منْ الأعْراض ِمنْ دون بيشَةٍ ودُونَ الغُمَيْر ِعامداتٍ لغَضْوَرَا
فدعْ ذا وسلِّ الهمَّ عَنْكَ بجسْرَةٍ ذمول ٍ إذا صامَ النَّهـارُ وهجَّرا
ُتقطعُ غِيطاناً كأنَّ مُتونها إذا أ ْظهَرَتْ تُكسى مُلاءً مُنشَّرا
بَعيدةِ بَيْنَ المَنْكبَيْن كأنّها ترى عِنْدَ مَجْرى الضَفر ِهراً مُشَجَّرا
ُتطايرُ ُظرّانَ الحصى بمَناسِم ٍ صلابِ العُجى مَثلومُها غَيْرُ أَمْعَرا
كانَّ الحصى من خَلفِها وأمامَها إذا نجلته ُ رجْلها حَذفُ أعْسَرا
كأنَّ صَليلَ المرْو ِحـين ُتطيرُهُ صَلـيلُ زيـوفٍ ُينتقدْنَ ِبـعبَقرا
علسها فتى لم تحْمِل ِالأرْضُ مثلَهُ ابرَّ بمِيثاق ٍ وأوْفى وأصْبرا
هو المُنْزِلُ الألاّفِ منْ جوِّ ناعطٍ بني أسدٍ حزْناً منَ الأرض ِأوْعَرا
ولو شاء كان الغزْوُ مِنْ أرض ِحْمَير ٍ ولكنّهُ عمْداً إلى الرّوم ِ أنْفرا
بكى صاحي لما رأى الدَّرْبَ دونـَه ُ وأ ْيقنَ أنّا لاحـقان ِ بـِقيْصَرا
فقلتُ له ُ: لا تبـْكِ عَيْنـُك إنّما نحاولُ مُلكاً أوْ نَموتَ فنُعْذرا
واني زَعيمٌ إنْ رَجَعْتُ مُمَلكاً بسَيْر ترى منهُ الفرِانقَ أزْوَرا
على لاحبٍ لا يُهْتدى بمَناره ِ إذا سافهُ العَوْدُ النَّباطيُّ جَرْجَرا
على ُكلِّ مَقصوص ِالذنابى مُعاوِدٍ بَريدَ السُّري باللـيـْل ِمنْ خيْل ِبَرْبَرا
أقبَّ كـَسِرْحان ِ الغَضا مُتمَطر ٍ ترى الماءَ مِنْ أعطافهِ قـد تحَدّرا
إذا زُعْتهُ منْ جانبَيْهِ كِليْهما مَشَى الهَيْدَبى في دَفه ِ ثـُمّ فـرْفـرا
إذا قلتُ : روِّحْنا أرَنَّ فراِنقٌ على جَلعَـدٍ واهي الأباِجـل ِ أبـْترا
لـقدْ أنْكرتني بَعْلبَكُّ وَأهْلها ولابنُ جُرَيْج ٍفي قرى حِمْصَ أنكرَا
نشيمُ بُروقَ المُزْن ِأينَ مَصابُه ُ ولاشَيْءَ يَشْفي ِمنْكِ يابْنَة عَفْزَرا
من القاصرات الطرف لودب محول مِنَ الذرِّ فوْقَ الإتبِ مِنْها لأَثرا
لهُ الويلُ إنْ أمْسى ولا أمُّ هاشِم ٍ قر ِيبٌ ولا البَسْباسَة ُ بْنة ُ َيشْكرا
أرى أمَّ عَمْرو ٍدَمْعُها قد تحـدَّرا بكاءً على عمْرو ٍ وما كـانَ أصْبَرا
إذا نَحْنُ سِرْنا خَمْسَ عَشْرَة َ ليْلة ً وراءَ الحِسـاءِ مِنْ مَدافـِع قيـْصَرا
إذا قلتٌ : هذا صاحبٌ قد رضَيتـُهُ وَقرَّتْ به العَـيْنان ِ بُدِّلتُ آخَرا
كذلكَ جَدي ما أصاحِبُ صاحباً مِنَ الـّناس ِإلا خانني و تغَيَّرا
وكنّا أناساً قبْلَ غزوْةِ قرْمَل ٍ وَر ِثنا الغنِى والمجْدَ أكـْبَرَ أكـْبَرا
وماجَبُنَتْ خَيْلي ولكنْ َتذكَّرتْ مَرابطـَها منْ بَرْبَعِيصَ ومَيْـسَرا
ألارُبَّ يَوْم ٍصالح ٍقدْ شَهدْتهُ بتاذفَ ذات ِالتلِّ منْ فوْق ِ َطرْطرا
ولا مِثلَ يَوْم ٍفي قذارانَ ظلتهُ كأني وأصْحابي على قرْن ِ أعْفرا
وقد زادت بعض الروايات بعد هذا البيت :
فهَلْ أنا ماش ٍبَيْنَ شُوطٍ وحَيّهِ وهلْ أنا لاق ٍحيّ قيس ِ بن ِ شَمَّوا
وعَمْرَو بْنَ دَرْماءَ الهُمامَ إذا غدا بذي شُطبِ عَضْب ٍكِمشْيَةِ قسْوَرا
وكنتُ إذا ما خِفتُ يوماً ُظلامة ً فـإنّ لـها شِعبـاً ببـُلطةِ زَيـْمَرا
ِنيافاً تزلُّ الطيرُ عَنْ قذُفاته يَظلُّ الضّبابُ فوقهُ قـد تعصّرا
وفي شرح ابن النحاس لديوان امرئ القيس ان هذه الأبيات تروى لحاتم وقد زاد السكري في ديوان امرئ القيس الأبيات السالفة وزاد بعد الأول منها
تبََصَّرْ خَليلي هَلْ ترى ضَوءَ بارِق ٍ يُضيءُ الدُّجَى بالليل ِعن سَروِ حمْيَرا
أجارَ قسيسا فالطهاء فمسطحا وجوا فروَىّ نَخلَ قيس ِ بن ِ شمّرا
ونَشْرَبُ حتى نَحْسِبَ الخَيْلَ حَوْلنا ِنقاداً وحتى نَحْسبَ الجَوْنَ أشْقرا
سألنا فأعطيتمْ وعُدْنا فعُدْتمُ ومَنْ أكثر التسآلَ يوماً سَيُحْرمُ
وانفرد الزوزني بزيادة بيت آخر ، وهو :
ومن يجعل المعروف في غير أهله يكن حمده ذمّا عليه ويندم ِ






2 ـ النابغة الذبياني
آ ـ حياته و نشأته :
لم يستطع أن يحدد مؤرخو الأدب سنة ولادة النابغة و إن كانت وفاته في السنة الثامنة عشرة للهجرة حـوالي 604 م و قــد سمي بالنابغة لأن ذكائه برز بعـد سن الأربعين
و هـو زياد بن معاوية بـن جناب يكنى أبا أمامة "أبا غامة" باسم ابنته ، وقـد اشتهر بعـلاقتـه ببلاط المناذرة أولاً والغسـاسـنة ثانياً،فقــد كان يمـدح امراءهم كالنعمان بـن المنــذر، وعمـرو بـن الحــارث وقد حدثت بين الشاعر والمناذرة جفوة بسبب قصيدته المسـماة " المتجـردة" وإن كـان بعض الرواة يقولون إن هناك شكاً فـي نسبة هـذه القصيدة لهذا الشاعر ، ومـن ثم عادت العلاقة بين الشاعر والملك النعمان .
ب شخصيته:
امتلك النابغة خصائص جعلته ذا مكانـة متميزة بيـن أدباء عصره ، فهـو رجـــل يميل إلـــى الاتزان ويمتلك كياسة وحسن تصرف إضافة إلـى حصافة أدبية وفكرية جعلته صاحب مشورة في قضيتين هامتين : قضية اجتماعية وقضية أدبية .
القضية الاجتماعة : كونه كان سفيراً لقومه يمثلهـم فــي المناقشات و المعاهدات
القضية الأدبية: أ نـه كان ناقدا و صاحب مشورة في تصنيف الشعراء إذ كانت تنصب له خيمة في سوق عكاظ يحكم بها بين الشعراء .
يقـول النابغة محذراً قومه بعدم الاقتراب من الأرض التي قـد حماها الغساسنة في"وادي أقر" :
لقـد نهيت بنـي ذبيان عن أمر وعن تربعهم في كل أصفار
و قلت : يا قوم إن الليث منقبض على براثنه لوثبةِ الضـّاري
ج- شعره وأغراضه :كتب النابغة في معظم أغراض الشعر وأجاد إجادة كبيرة في غرضي المديح والاعتذار ، ويتصف شعر النابغة بالصفات التالية :
البراعة في القول .
حسن اختيار الألفاظ .
تنوع المعاني.
الصورة الفنية الجميلة
وقد اتضح ذلك في قوله :
كليني لهمٍ يا أميمة ناصـب وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكـب
تطاول حتى قلت ليس بمنقضٍ وليس الذي يرعـى النجوم بآيب
وقوله:
فإنك كالليل الذي هـو مدركـي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
ويقول:
فإنك شمس والملوك كواكـب إذا طلعت لـم يبد منهن كوكـب

د ـ المديح عـندالنابغة : برع النابغة في غرض المديح ونظم في هذا الغرض الكثير من قصائده وقد مدح النعمان بن المنذر وعمرو بن الحارث ومن ذلك قوله في مدح الغساسنة :
لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم من الجود والأحلام غير عوازب رقاق النعال ، طيب حجزاتهم يحيـون بالريحان يـوم السباسـب
ويقول أيضاً في مدح النعمان :
فما الفرات إذا هبَّ الرياح له ترمي أواذيّه العبرين بالزبـد
يوماً بأجـود منه سيب نافلةٍ ولا يحول عطاء اليوم دون غدِ

ه ـ الاعتذار عند النابغة :
يعـد النابغـة الذبياني المؤسس الأول لفـن الاعتذار إذ أنه برع في اعتذارياته للنعمان بعد القطيعة التي جرت بينهما وقد كان النابغة يقدم الاعتذار تلو الاعتذا ر ويدبّج القصائد ليرضى عنه النعمان بعدما أوقع الواشون بينهما ،
يقول النابغة في داليته :
فلا لعمـر الـذي مسّحـتُ كعبتـه ما هريق على الأنصاب من جســــد
ما قلت مـن سيّءٍ مما أتيت بــــه إذن فلا رفعت سوطــي إلــيّ يـدي
ويقول أيضاً :
أتاني - أبيت اللعن- أنك لمتني وتلك التي أهتم منهــا وأنصـب
فبتّ كأنّ العائدات فـرشن لـي هراساً ، به يعلـى فراشي ويقشب
أماغزل النابغة فيعتمد النسيب والوقوف على الأطلال،ولم ينسب للشاعر أنه كان متعلقاً بامرأة ما :
يا دار مية بالعلياء فالسنــد أقوت ، وطال عليها سالف الأمد
كليني لهمٍ يا أميمة ناصــب وليلٍ أقاسـيه بطيء الكـواكب







معلقة النابغة الذبياني

1 أقْوَتْ وطَالَ عليها سالفُ الأبَدِ يا دارَ مَيّةَ بالعَليْاءِ فالسَّنَد
2 عَيَّتْ جَوابًا وما بالرَّبعِ مِن أحَدِ وقفتُ فيها أُصَيلانًا أُسائِلُها
3 والنُّؤيُ كالحَوْضِ بالمَظلومَةِ الجَلَدِ إلاّ الأواريَّ لأيًا ما أُبَيّنُهَا
4 ضَرْبُ الوليدةِ بالمِسْحاة ِ في الثَّأَدِ رُدَّتْ عليَهِ أقاصيهِ ، ولَبَّدَهُ
5 ورَفَّعتْهُ إلى السَّجْفينِ فالنَّضَدِ خلَّتْ سَبيلَ أتيٍّ كانَ يَحبسُهُ
6 أخْنَى عَليها الذي أخْنَى على لُبَدِ أمسَتْ خَلاءً وأمسَى أهلُها احْتمَلُوا
7 وانْمِ القُتُودَ على عَيْرانةٍ أُجُدِ فعَدِّ عَمَّا ترَى إذْ لا ارتِجاعَ لهُ
8 له صَريفٌ صَريفَ القَعْوِ بالمَسَدِ مَقْذوفةٍ بدَخيس النَّحْضِ بازِلُها
9 يَومَ الجَليلِ على مُستأنِسٍ وحَدِ كأنَّ رَحْلي وقد زالَ النّهارُ بنا
10 طَاوِي المَصيرِ كَسِيفِ الصَّيقَلِ الفَرَدِ مِن وَحشِ وَجرةَ مَوشيٍّ أكارِِعهُ
11 تُزجي الشَّمالُ عليهِ جامِدَ البَرَدِ سَرتْ عليه مِن الجَوزاءِ سَاريةٌ
12 طَوْعَ الشَّوامتِ مِن خَوْفٍ ومِن صَرَدِ فَارتاعَ مِن صَوتِ كلابٍ فباتَ لهُ
13 طَعنَ المُعارِكِ عند المَحجَرِ النَّجُدِ وكانَ ضُمْرانُ مِنهُ حيثُ يُوزِعُهُ
14 طَعنَ المُبَيطِرِ إذ يَشفي مِن العَضَدِ شكَّ الفَريصةَ بالمِدْرَى فأنفَذَها
15 سَفُّودُ شَرْبٍ نَسُوهُ عِندَ مُفْتَأدِ كأنّهُ خارجًا من جَنبِ صَفْحَتَهِ
16 في حَالكِ اللَّوْنِ صدقٍ غَيرِ ذي أوَدِ فظَلَّ يَعجَمُ أعلَى الرَّوْقِ مُنقبضًا
17 ولا سَبيلَ إلى عَقلٍ ولا قَوَدِ لمَّا رأى واشقٌ إقعاصَ صاحبِهِ
18 وإنَّ مَوْلاكَ لم يَسْلمْ ولم يَصِدِ قالتْ له النفسُ : إنِّي لا أرَى طَمعًا
19 فضلاً على النَّاسِ في الأدنَى وفي البَعَدِ فَتلكَ تُبلِغُني النُّعمانَ أنَّ لهُ
20 ولا أُحاشِي مِن الأقْوَامِ من أحَدِ ولا أرَى فاعِلاً في النَّاسِ يُشبِهُهُ
21 قًُمْ في البريَّةِ فاحْدُدْها عنِ الفَنَدِ إلاّ سُليمانَ إذ قالَ الإلهُ لهُ
22 يَبْنُونَ تَدْمُرَ بالصُّفَّاحِ والعَمَدِ وخيِّسِ الجِنَّ إنّي قد أَذِنْتُ لهمْ
23 كما أطاعَكَ وادْلُلْهُ على الرَّشَّدِ فمَنْ أطاعَكََ فانفَعْهُ بطاعتهِ
24 تَنْهَى الظَّلومَ ولا تَقعُدْ على ضَمَدِ ومنْ عَصاكَ فعاقِبْهُ مُعاقَبَةً
25 سبقَ الجوادِ إذا اسْتَولَى على الأمَدِ إلاّ لِمثْلِك َ، أوْ مَنْ أنتَ سَابِقُهُ
26 منَ المَواهِبِ لا تُعْطَى على نَكَدِ أعطَى لفارِهَةٍ حُلوٍ توابِعُها
27 سَعْدانُ توضِحُ في أوْبارِها اللِّبَدِ الواهِبُ المائَةَ المعْكاءَ زيَّنَها
28 بَرْدُ الهَواجرِ كالغزلانِ بالجَردِ والراكضَاتِ ذُيولَ الرَّيْطِ فَنَّقَها
29 كالطَّيرِ تَنجو من الشُّؤْبوبِ ذي البَرَدِ والخَيلَ تَمزَغُ غربًا في أعِنَّتِها
30 مَشدودَةً برِحَالِ الحِيِرة ِ الجُدَدِ والأُدمُ قدْ خُيِّسَتْ فُتلاً مَرافِقُها
31 إلى حَمامِ شِراعٍ وَارِدِ الثَّمَدِ واحْكمْ كَحُكمِ فَتاة ِ الحيِّ إذْ نَظَرتْ
32 مِثلَ الزُّجاجَةِ لم تَكْحلْ من الرَّمَدِ يَحفُّهُ جانبًا نيقٍ وتُتْبِعُهُ
33 إلى حَمامَتِنا ونِصفُهُ فَقَدِ قالتْ ألا لَيْتَما هذا الحَمامُ لنا
34 تِسعًا وتِسعينَ لم تَنقُصْ ولم تَزِدِ فَحسَّبُوهُ فألْفَوْهُ كما حَسَبَتْ
35 وأسْرَعتْ حِسْبةً في ذلكَ العَدَدِ فَكمَّلتْ مائةً فيها حَمامتُها
36 وما هُريقَ على الأنْصابِ من جَسَدِ فلا لَعَمْرُ الذي مَسَّحتُ كَعبتَهُ
37 رُكْبانَ مكَّة َ بينَ الغَيْلِ والسَّعَدِ والمؤمنِ العائِذاتِ الطّيرَ تمسَحُها
38 إذًا فلا رَفَعَتْ سَوْطي إليَّ يَدِي ما إنْ أتيتُ بشَيءٍ أنتَ تَكْرهُهُ
39 كانَتْ مقالَتُهُمْ قَرْعًا على الكَبِدِ إلاّ مقالة َ أقوامٍ شَقيتُ بها
40 قَرَّتْ بها عَينُ منْ يأتيكَ بالفَنَدِ إذًا فَعاقبني ربِّي مُعاقبةً
41 طَارَتْ نَوافِذُهُ حَرًّا على كَبِدي هذا لأبرأَ مِنْ قَوْلٍ قُذِفْتُ بِهِ
42 ولا قَرارَ على زَأْرٍ منَ الأسَدِ أُنْبِئْتُ أنَّ أبا قابوسَ أوْعَدَني
43 وما أُثَمِّرُ من مالٍ ومنْ وَلَدِ مَهْلاً فِداءٌ لك الأقوامِ كُلّهُمُ
44 وإنْ تَأثَّفَكَ الأعداءُ بالرَّفَدِ لا تَقْذِفْني بِرُكْنٍ لا كَفاءَ لهُ
45 تَرمي أواذيُّهُ العبْرَينِ بالزَّبَدِ فما الفُراتُ إذا هَبَّ الرِّياحُ لهُ
46 فيهِ رِكامٌ من اليَنْبوتِ والخَضَدِ يَمُدُّهُ كلُّ وادٍ مُتْرَعٍ لَجِبٍ
47 بالخَيْزرانَةِ بَعدَ الأيْنِ والنَّجَدِ يظَلُّ مِن خَوفِهِ المَلاَّحُ مُعتَصِمًا
48 ولا يَحُولُ عَطاءُ اليومِ دونَ غَدِ يومًا بِأجْوَدَ منهُ سَيْبَ نافِلَةٍ
49 فلم أُعرِّض أبَيتَ اللّعنَ بالصَّفَدِ هذا الثَّناءُ فإنْ تَسمَعْ به حَسَنًا
50 فإنَّ صاحبَها مُشاركُ النَّكَدِ ها إنَّ ذي عِذرَة ٌ إلاَّ تكُنْ نَفَعَتْ






النابغة الذبياني :
قال يمدح النعمان بن المنذر ، ويعتذر إليه مما وشى عليه بنو قريع في أمر المتجردة :
يــا دار ميـة بالعلياء فالسـند أقوت وطـال عليها سالف الأبد
وقفت فيـها أصيلانا أسائلها عيت جوابا وما بالربع من احد
ها أن ذي عذرة إن لم تكن نفعت فـإن صاحبها مشـارك الكـند
قال يعتذر إلى النعمان أيضا:
عفا ذو حسى من فرتني فالفوارع فجنبا اريك فالتلاع الـدوافع
فمجتمع الأشراج غيـر رسمها مصايف مـرت بعدنا ومرابع
توهمت آيات لهـا فـعرفتها لستة أعوام و ذا العـام سـابع
رماد ككحل العين لأيا أبينه ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع
كان مجر الرامسات ذيولها عليه حصير نمقته الصوانع
على ظهر مبناة جديد سيورها يطوف بها وسط اللطيمة بائع
فكفكفت مني عبرة فرددتها على النحر منها مستهل ودامع
على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت ألما اصح والشيب وازع
وقد حال هم دون ذلك شاغل مكان الشغاف تبتغيه الأصابع
وعيد أبي قابوس في غير كنهه أتاني و دوني راكس فالضواجع
فبت كني ساورتني ضئيلة من الرقش في أنيابها السم ناقع
يسهد من ليل التمام سليمها لحلي النسـاء في يديه قـعاقع
تناذرها الراقون من سوء سمها تطلقه طورا و طورا تراجـع
أتاني أبيت اللعن انك لمتني وتلك التي تستك منها المسامع
مقالة أن قد قلت سوف أناله وذلك من تلقاء مـثلك رائـع
لعمري و ما عمري علي بهين لقد نطقت بطلا علي الأقارع
أقارع عوف لا أحاول غير وجوه قرود تبتغي مـن تجادع
أتاك امرؤ مستبطن لي بغضه لـه من عـدو مثل ذلـك شـافع
أتاك بقول هلهل النسج كاذب ولم يأت بالحق الذي هـو ناصع
أتاك بقول لم أكن لأقوله ولو كبـلت في سـاعدي الجوامع
حلفت فلم اترك لنفسك ريبة وهل يأثمن ذو أمية وهـو طائـع
بمصطحبات من لصاف وثبرة يـزن ألالا ســرهن الـتدافـع
سمامـا تباري الريـح خوصا عيونها لـهن رذايـا بـالطرق ودائـع
عليهن شعث عامدون لحجهم فهن كأطراف الحني خواضع
لكفتني ذنب امرئ وتركـته كذي العر يكـوي غيره وهو رائع
فان كنت لا ذو الضغن عني مكذب ولا حـلفي على البراءة نـافـع
ولا أنا مأمون بشيء أقوله وأنت بأمر لا محالـة واقـع
فانك كالليل الذي هـو مدركي وان خلت أن المنتأي عنك واسع
خطا طيف حجن في حبال متينة تـمد بهـا أيـد إليك نـوازع
أتوعد عبـدا لم يخنك أمانة وتترك عبـدا ظالما وهو ضالع
وأنت ربيع ينعش الناس سيبه وسيف أعيرته الـمنية قـاطع
أبى الله إلا عدله ووفـاءه فلا النـكر معروف ولا العرف ضائع
وتسقى إذا ما شئت غير مصرد بزوراء في حافاتها المسـك كانع



وقال أيضا يمدح عمرو بن الحارث الغساني :
كليني لهم با أميمة ناصب وليل أقاسية بطيء الكـواكب
تطاول حتى قلت ليـس بمنقض وليس الذي يرعى النجوم بآيب
وصدر أراح الليل عازب همه تضاعف فيه الحزن من كل جانب
على لعمرو نعمة بعد نعمة لوالده ليست بذات عقارب
حلفت يمينا غير ذي مثنوية ولا علم إلا حسن ظن بصاحب
لئن كان للقبرين قبر بجلق وقبر بصيداء الذي عند حارب
وللحارث الجفني سيد قومه ليلتمسن بالجيش دار المحارب
وثقت له بالنصر إذ قيل قد غزت كتائب من غسان غير أشائب
بنو عمه دنيا وعمرو بن عامر أولئك قوم باسهم غير كاذب
إذا ماغزوا في الجيش حلق فوقهم عصائب طير تهتدي بعصائب
يصاحبنهم حتى يغرن غارهم من الضاريات بالدماء الدوارب
تراهن خلف القوم خزرا عيونها جلوس الشيوخ في ثياب المرانب
جوانح قد أيقن أن قبيلة إذا ما التقى الجمعان أول غالب
لهن عليهم عادة قد عرفنها إذا عرض الخطي فوق الكواثب
على عارفات للطعان عوابس بـهن كلـوم بين دام و جـالب
إذا استنزلوا عنهن للطعن أرقلوا إلى الموت إرقال الجمال المصاعب
فـهم يتساقـون الـمنية بينهم بأيديهم بيـض رقـاق الـمضارب
يطير فضاضا بينها كل قونس ويتبعها منهم فراش الحواجب
و لا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكـتائب
تورثن من أزمان يوم حليمة إلى اليوم قد جربن كل التجارب
تقد السلوقي المضاعف نسجه وتوقد بالصفـاح نـار الـحباحب
بضرب يزيل الهام عن سكناته وطعن كإيزاغ المخاض الضوارب
لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم من الجود والأحلام غير عوازب
محلتهم ذات الإله ودينهم قويم فما يرجون غير العواقب
رقاق النعال طيب حجزاتهم يحيون بالريحان يـوم السباسب
تحييهم بيض الولائد بينهم واكسيه الإضريج فوق المشاجب
يصونون أجسادا قديما نعيمها بخالصة الأردان خضر المناكب
و لا يحسبون الخير لا شر بعده ولا يحسبون الشر ضربة لازب
حبوت بها غسان إذ كنت لاحقا بقومي وإذ أعيت علي مذاهبي




3 ـ الأعشى
(صناجة العرب)

أ ـ نشأته وحياته:
ولد الأعشى ميمون بن قيس من قبيلة بكر بن وائل فــي منطقة اليمامة ، وكني بأبي بصير أو الأعشى لضعف بصره ، وليس هناك معلومات دقيقة عـن نشأته أكثـر مـن كونـه كان أعرابياً بدوياً لا تختلف نشأته عن نشأة أي بدوي من أفراد القبيلة وقد كان الأعشى كثير التجول يمدح شيوخ العـرب وأشرافهم متكسباً في شعره ، يراعي مصالح قومه ويناصر قبيلته ، أدرك الإسلام ولكنه لم يسلم ومات قرب اليمامة في السنة السابعة بعد الهجرة (629) .م
ب ـ شخصيته:
عاش الأعشى شخصيته المعهودة بين الناس وعبّر من خلال شعره عن القضايا التي عاشها قومه دون أن يكون هناك أي عوائق في البيئة النفسية لهذه الشخصية حتى أن ضعف البصر لديه لم يؤثر فيه ولم يترك أي انعكاس سلبي علـى حياته فقـد بدأ حياته بمحبة اللهو والغناء وانكب على شرب الخمرة عفانا الله وإياكم منها ، ووصفها ولكنه لما أسنّ طرح الهوى وبحث عن الحكمة .
ج ـ شعره ومعلقته:
امتاز ميمون بن قيس بنظم القصائد الطوال وبتحدثه عن فنون الشعر( المدح،الهجاء ،الفخـر، ، الغزل ) ، وقـد كان مدحه مبالغاً فيه ، يسرف فــي وصف الممدوح بالشجاعة والكرم وقــوة الشكيمة ،
يقول الأعشى فـي مدح قيس بن معـد يكرب واصفاً إياه بالجرأة والشجاعة واقتحام الحــرب أعزلاً :
وإذا تجـيء كتيبـة ملمومـة خرساء يخشى الدارعون نزالها
كنت المقدّم غير لابس جُنّةً بالسيف تضرب معلماً أبطالهـا
أما هجاء الأعشى فهو سخرية وتهديد ، يقول هاجياً يزيد الشيباني ومهدداً إياه :
ألست منتهياً عـن نحت أثلتنا ولست ضائرها ما أطت الإبـل
كناطحٍ صخرةٍ يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه ا لوغل
أما فخر الأعشى فقد اتضحت معالمه في معركة (ذي قار) وهو يوم انتصر فيه العرب على الفرس وانتصفوا منهم :
وخيل بكرٍ فما تنفك تطحنهم حتى تولوا وكاد اليوم ينتصف
وقد برع الأعشى فـي وصف الرياض ، يقول في وصف صاحبته مشبهاً إياها بروضة خضراء :
ما روضة من رياض الحزن معشبة خضراء جاد عليها مسبل هطل
يوما ًبأطيب منها نشر رائـــحة ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل

ويعتبر شعر الأعشى من شعر الطبقة الأولى عند العرب إذ وصفه ابن سلام في طبقات فحول الشعراء في المرتبة الأولى ، وكان يونس بن حبيب راوية العرب إذ سئل من أشعر الناس قال"امرؤ القيس إذا ركب ، والنابغة إذا رهب ،وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب "
وقد قال المفضل الضبي : " من زعم أن أحداً أشعر من الأعشى فليس يعرف الشعر" .


معلقة الأعشى

ودع هريرة إن الركب مرتحل ... و هل تطيق وداعاً أيها الرجل
غراء فرعاء مصقولٌ عوارضها ... تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل
كأن مشيتها من بيت جارتها ... مر السحابة لا ريثٌ و لا عجل
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت ... كما استعان بريحٍ عشرقٌ زجل
ليست كمن يكره الجيران طلعتها ... و لا تراها لسر الجار تختتل
يكاد يصرعها لولا تشددها ... إذا تقوم إلى جاراتها الكسل
إذا تلاعب قرناً ساعةً فترت ... و ارتج منها ذنوب المتن و الكفل
صفر الوشاح و ملء الدرع بهكنةٌ ... إذا تأتى يكاد الخصر ينخزل
نعم الضجيع غداة الدجن يصرعها ... للذة المرء لا جافٍ و لا تفل
هركولةٌ ، فنقٌ ، درمٌ مرافقها ... كأن أخمصها بالشوك ينتعل
إذا تقوم يضوع المسك أصورةً ... و الزنبق الورد من أردانها شمل
ما روضةٌ من رياض الحزن معشبةٌ ... خضراء جاد عليها مسبلٌ هطل
يضاحك الشمس منها كوكبٌ شرقٌ ... مؤزرٌ بعميم النبت مكتهل
يوماً بأطيب منها نشر رائحةٍ ... و لا بأحسن منها إذ دنا الأصل
علقتها عرضاً و علقت رجلاً ... غيري و علق أخرى غيرها الرجل
و علقته فتاة ما يحاولها ... و من بني عمها ميت بها وهل
و علقتني أخيرى ما تلائمني ... فاجتمع الحب ، حبٌ كله تبل
فكلنا مغرمٌ يهذي بصاحبه ... ناءٍ و دانٍ و مخبولٌ و مختبل
صدت هريرة عنا ما تكلمنا ... جهلاً بأم خليدٍ حبل من تصل
أ أن رأت رجلاً أعشى أضر به ... ريب المنون و دهرٌ مفندٌ خبل
قالت هريرة لما جئت طالبها ... ويلي عليك و ويلي منك يا رجل
إما ترينا حفاةً لانعال لنا ... إنا كذلك ما نحفى و ننتعل
و قد أخالس رب البيت غفلته ... و قد يحاذر مني ثم ما يئل
وقد أقود الصبا يوماً فيتبعني ... وقد يصاحبني ذو الشرة الغزل
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني ... شاوٍ مشلٌ شلولٌ شلشلٌ شول
في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا ... أن هالكٌ كل من يحفى و ينتعل
نازعتهم قضب الريحان متكئاً ... و قهوةً مزةً راووقها خضل
لا يستفيقون منها و هي راهنةٌ ... إلا بهات و إن علوا و إن نهلوا
يسعى بها ذو زجاجاتٍ له نطفٌ ... مقلصٌ أسفل السربال معتمل
و مستجيبٍ تخال الصنج يسمعه ... إذا ترجع فيه القينة الفضل
الساحبات ذيول الريط آونةً ... و الرافعات على أعجازها العجل
من كل ذلك يومٌ قد لهوت به ... و في التجارب طول اللهو و الغزل
و بلدةٍ مثل ظهر الترس موحشةٍ ... للجن بالليل في حافاتها زجل
لا يتنمى لها بالقيظ يركبها ... إلا الذين لهم فيها أتوا مهل
جاوزتها بطليحٍ جسرةٍ سرحٍ ... في مرفقيها ـ إذا استعرضتها ـ فتل
بل هل ترى عارضاً قد بت أرمقه ... كأنما البرق في حافاته شعل
له ردافٌ و جوزٌ مفأمٌ عملٌ ... منطقٌ بسجال الماء متصل
لم يلهني اللهو عنه حين أرقبه ... و لا اللذاذة في كأس و لا شغل
فقلت للشرب في درنا و قد ثملوا ... شيموا و كيف يشيم الشارب الثمل
قالوا نمارٌ ، فبطن الخال جادهما ... فالعسجديةٌ فالأبلاء فالرجل
فالسفح يجري فخنزيرٌ فبرقته ... حتى تدافع منه الربو فالحبل
حتى تحمل منه الماء تكلفةً ... روض القطا فكثيب الغينة السهل
يسقي دياراً لها قد أصبحت غرضاً ... زوراً تجانف عنها القود و الرسل
أبلغ يزيد بني شيبان مألكةً ... أبا ثبيتٍ أما تنفك تأتكل
ألست منتهياً عن نحت أثلتنا ... و لست ضائرها ما أطت الإبل
كناطح صخرةً يوماً ليوهنها ... فلم يضرها و أوهن قرنه الوعل
تغري بنا رهط مسعودٍ و إخوته ... يوم للقاء فتردي ثم تعتزل
تلحم أبناء ذي الجدين إن غضبوا ... أرماحنا ثم تلقاهم و تعتزل
لا تقعدن وقد أكلتها خطباً ... تعوذ من شرها يوماً و تبتهل
سائل بني أسدٍ عنا فقد علموا ... أن سوف يأتيك من أبنائنا شكل
و اسأل قشيراً و عبد الله كلهم ... و اسأل ربيعة عنا كيف نفتعل
إنا نقاتلهم حتى نقتلهم ... عند اللقاء و إن جاروا و إن جهلوا
قد كان في آل كهفٍ إن هم احتربوا ... و الجاشرية من يسعى و ينتضل
لئن قتلتم عميداً لم يكن صدداً ... لنقتلن مثله منكم فنمتثل
لئن منيت بنا عن غب معركةٍ ... لا تلفنا عن دماء القوم ننتقل
لا تنتهون و لن ينهى ذوي شططٍ ... كالطعن يذهب فيه الزيت و الفتل
حتى يظل عميد القوم مرتفقاً ... يدفع بالراح عنه نسوةٌ عجل
أصابه هندوانٌي فأقصده ... أو ذابلٌ من رماح الخط معتدل
كلا زعمتم بأنا لا نقاتلكم ... إنا لأمثالكم يا قومنا قتل
نحن الفوارس يوم الحنو ضاحيةً ... جنبي فطيمة لا ميلٌ و لا عزل
قالوا الطعان فقلنا تلك عادتنا ... أو تنزلون فإنا معشرٌ نزل
قد نخضب العير في مكنون فائله ... و قد يشيط على أرماحنا البطل



4 ـ عمروبن كلثوم

أ ـ حياته ونشأته:
يعتقد أن عمرو بن كلثوم قـد ولد في مساكن الجزيرة السورية ، وهـو مـن بني مالك مـن قبيلة تغلب وهـي القبيلة المتعالية القوية التي قيل فيها لـو أبطأ الإسلام لأكلت بنو تغلب الناس.
وقـد ولد الشاعر في بداية القرن السادس وأصبح سيداً لقومه في الخامسة عشرة من عمره، ويعد من الشعراء الفرسان ، عاش ما يزيد على المئة عام ، وقد توفي حوالي الأربعين قبل الهجرة.
ب ـ شخصية عمرو:
أسهم في بناء شخصية عمرو بن كلثوم عاملان أساسيان :
بيت الملك والمجد والسؤدد الذي تربى في كنفه الشاعر .
قتله للملك عمرو بن هند في مجلس الملك نفسه عندما أراد أن يجعل من أم الشاعر ليلى بنت المهلهل خادمة لأمه .
وقد بدا عمرو بعد ذلك شاعراً فارساً عزيز الجانب .
ج ـ شعره ومعلقته :
نظم عمرو بن كلثوم في أغراض كثيرة من الشعر منها: ( الفخر ، الغزل ، ، الحكم ... )
ولم ينظم في المديح لمكانته من قومه ، يقول مفتخراً بنفسه :
ألا لا يجهلن أحـــد علينــا فنجهل فوق جهل الجاهلين
إذا بلغ الفطام لنا صبــــي تخــرّ لــه الجبابر ساجدين

ويقول :
ورثنا المجد قد علمت معدٌّ نطاعـن دونه حتـــى يبنيا
أما معلقة الشاعر فتعد من روائع الشعر العربي ،وقد كانت قبيلة تغلب تعظم هذه المعلقة والتي تعتبر من عيون الشعر العربي حتى أن العرب كانوا يعلقونها مع المعلقات على أستار الكعبة المشرفة
يعد شعر عمرو بن كلثوم حسن السبك ، واضح المعاني ، صافي الديباجة يصدر عن طبع غير متصنع وتبلغ معلقته مئة بيت مطلعها :
ألا هبي بصحنك وأصبحينا ولا تبقـي خمـور الأندرينا





معلقة عمرو بن كلثوم
أَلا هُبِّي بصَحْنِكِ فَاصْبَحينا وَلا تُبْقِي خُمورَ الأَندَرِينا 1
مُشَعْشَعَةً كانَّ الحُصَّ فيها إِذا ما الماءُ خالَطَها سَخِينا 2
تَجُورُ بذي اللُّبَانَةِ عَنْ هَوَاهُ إِذا مَا ذاقَها حَتَّى يَلِينا 3
تَرَى الّلحِزَ الشّحيحَ إِذا أُمِرَّتْ عَلَيْهِ لمِالِهِ فيها مُهينا 4
صَبَنْتِ الْكَأْسَ عَنّا أُمَّ عَمْرٍو وكانَ الْكَأْسُ مَجْراها الْيَمِينا 5
وَمَا شَرُّ الثّلاثَةِ أُمَّ عَمْروٍ بِصاحِبِكِ الّذِي لا تصْبَحِينا 6
وَكَأسٍ قَدْ شَرِبْتُ بِبَعْلَبَكِّ وَأُخْرَى في دِمَشْقَ وَقَاصِرِينا 7
وَإِنَّا سَوْفَ تُدْرِكُنا الَمنَايَا مُقَدَّرَةً لَنا وَمُقَدِّرِينا 8
قِفِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِينا نُخَبِّرْكِ الْيَقِينَ وَتُخْبِرِينا 9
قِفِي نَسْأَلْكِ هَلْ أَحْدَثْتِ صِرْماً لِوَ شْكِ الْبَيْنِ أَمْ خُنْتِ اْلأَمِينَا 10
بِيَوْمِ كَرِيهَةٍ ضَرْباً وَطَعْناً أَقَرَّ بِهِ مَواليكِ الْعُيُونا 11
وَإِنَّ غَداً وإِنَّ الْيَوْمَ رَهْنٌ وَبَعْدَ غَدٍ بِما لا تَعْلَمِينا 12
تُرِيكَ إِذا دَخَلْتَ عَلى خَلاءٍ وَقَدْ أَمِنَتْ عُيُونَ الْكَاشِحِينَا 13
ذِرَاعَي عَيْطَلٍ أَدْمَاءَ بَكْرٍ هِجَانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأ جَنِينَا 14
وَثَدْياً مِثْلَ حُقِّ الْعَاجِ رَخْصاً حَصَاناً مِنْ أَكُفِّ الّلامِسِينا 15
وَمَتْنَيْ لَدْنَةٍ سَمَقَتْ وَطَالَتْ رَوَادِفُها تَنُوءُ بِما وَلِينا 16
وَمَأْكَمةً يَضِيقُ الْبَابُ عَنْها وَكَشْحاً قَدْ جُنِنْتُ بِهِ جُنُونا 17
وَسَارِيَتَيْ بِلَنْطٍ أَوْ رُخامٍ يَرِنُّ خَشَاشُ حَلْيِهِما رَنِينا 18
فَما وَجَدْتْ كَوَجْدِي أُمُّ َسْقبٍ أَضَلَّتْهُ فَرَجَّعَتِ الَحنِينا 19
وَلا شَمْطَاءُ لَمْ يَتْرُكْ شَقاها لَها مِنْ تِسْعَةٍ إِلا جَنِينا 20
تَذَكَّرْتُ الصِّبَا وَاشْتَقْتُ لَمَّا رَأَيْتُ حُمُولَهَا أُصُلاً حُدِينا 21
فَأَعْرَضَتِ الْيَمامَةُ وَأشْمَخَرَّتْ كأَسْيَافٍ بِأَيْدِي مُصْلَتِينَا 22
أَبَا هِنْدٍ فَلا تَعْجَلْ عَلَيْنا وَأَنْظِرْنا نُخَبِّرْكَ الْيَقِينا 23
بأَنَّا نُورِدُ الرَّايَاتِ بِيضاً وَنُصْدِرُهُنَّ حُمْراً قَدْ رَوِينا 24
وَأَيَّامِ لَنَا عزِّ طِوَالٍ عَصَيْنا الَملْكَ فيهَا أَنْ نَدِينا 25
وَسَيِّدِ مَعْشَر قَدْ تَوَّجُوهُ بِتَاجِ الُملْكِ يَحْمِي الُمْحَجرِينا 26
تَرَكْنا الَخيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْهِ مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَها صُفُونا 27
وَأَنْزَلْنا الْبُيُوتَ بِذِي طُلُوحٍ إِلَى الشَّامَاتِ تَنْفِي الُموِعدِينا 28
وَقَدْ هَرَّتْ كلابُ الَحيِّ مِنَّا وَشَذَّ ْبنا قَتادَةَ مَنَ يَلِينا 29
مَتَى نَنْقُلْ إِلى قَوْمٍ رَحَانا يَكُونُوا فِي الِّلقَاءِ لَها طَحِينا 30
يَكُونُ ثِفَاُلهَا شَرْقِيَّ نَجْدٍ وَلَهْوَتُها قُضاعَةَ أَجْمَعينا 31
نَزَلْتُمْ مَنْزِلَ الأَضْيَافِ مِنَّا فَأعْجَلْنا الْقِرَى أَنْ تَشْتِمُونا 32
قَرَيْنَاكُمْ فَعَجَّلْنا قِرَاكُمْ قُبَيْلَ الصُّبْحِ مِرْدَاةً طَحُونا 33
نَعُمُّ أُنَاسَنا وَنَعِفُّ عَنْهُمْ وَنَحْمِلُ عَنْهُمُ مَا حَمَّلُونا 34
نُطَاعِنُ مَا تَراخَى النّاسُ عَنَّا وَنَضْرِبُ بِالسُّيُوفِ إِذَا غُشِينا 35
بِسُمْرٍ مِنْ قَنا الَخطِّيِّ لُدْنٍ ذَوَابِلَ أَوْ بِبِيضٍ يَخْتَلِينا 36
كأَنَّ جَمَاجِمَ الأَبطَالِ فِيها وَسُوقٌ بِالأَمَاعِزِ يَرْتَمِينا 37
نَشُقُّ بِهَا رُؤُوسَ الْقَوْمِ شَقا وَنَخْتَلِبُ الرِّقَابَ فَتَخْتَلينا 38
وَإِنُّ الضِّعْنَ بَعْدَ الْضِّعْنِ يَبْدُو عَلَيْكَ وَيُخْرِجُ الدَّاءَ الدَّفِينا 39
وَرِثْنا الَمجْدَ قَدْ عَلَمِتْ مَعَدٌّ نُطَاعِنُ دُونَهُ حَتَّى يَبِينا 40
وَنَحْنُ إِذا عِمادُ الْحَيِّ خَرَّتْ عَنِ الأَحْفَاضِ نَمْنَعُ مَنْ يَلينا 41
نَجُدُّ رُؤُوسَهُمْ فِي غَيْرِ بِرٍّ فَما يَدْرُونَ مَاذا يَتَّقُونا 42
كأَنَّ سُيُوفَنا مِنّا وَمِنْهُم مَخَارِيقٌ بِأَيْدِي لاعِبِينا 43
كانَّ ثِيابَنا مِنّا وَمِنْهُمُ خُضِبْنَ بِأُرْجُوانٍ أَوْ طُلِينا 44
إِذا ما عَيَّ بالإِسْنافِ حَيٌّ مِنَ الَهوْلِ الُمَشَّبهِ أَنْ يَكُونا 45
نَصَبْنا مِثْلَ رَهْوَةَ ذَاتَ حَدِّ مُحَافَظَةً وكُنّا الْسّابِقِينا 46
بِشُبَّانٍ يَرَوْنَ الْقَتْلَ مَجْداً وَشِيبٍ في الُحرُوبِ مُجَرَّبِينا 47
حُدَيَّا النّاسِ كُلّهِمُ جَمِيعاً مُقَارَعَةً بَنيهِمْ عَنْ بَنِينا 48
فَأَمَّا يَوْمَ خَشْيَتِنا عَلَيْهِمْ فَتُصْبِحُ خَيْلُنا عُصَباً نُبِينا 49
وَأَمَّا يَوْمَ لا نَخْشَى عَلَيْهِمْ فَنُمْعِنُ غَارَةً مُتَلَبِّبِينا 50
بِرَأْسٍ مِنْ بَني جُشَمِ بْنِ بَكْرٍ نَدُقُّ بِهِ السُّهُولَةَ وَالُحزُونَا 51
أَلا لا يَعْلَمُ الأَقْوامُ أَنَّا تَضَعْضعْنا وَأَنَّا قَدُ وَنِينا 52
أَلا لا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا فَنَجْهَلُ فَوْقَ جَهْلِ الَجاهِلِينا 53
بأيِّ مَشِيئَة عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ نَكُونُ لِقِيلِكُمْ فيها قَطينا 54
بأَيِّ مَشِيئَة عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ تُطيع بِنا الْوُشَاةَ وَتَزْدَرِينا 55
تَهَدَّدْنا وَأَوْعِدْنَا رُوَيْداً مَتى كُنّا لأُمِّكَ مَقْتَوِينا 56
فَإِنَّ قَنَاتَنا يا عَمْرُو أَعْيَتْ عَلى الأَعْدَاءِ قَبْلَكَ أَنْ تَلِينا 57
إِذا عَضَّ الثِّقافُ بها اشْمأَزَّتْ وَوَلَّتْهُ عَشَوْزَنَةً زَبُونا 58
عَشَوْزَنَةً إِذا انْقَلَبَتْ أَرَنَّتْ تَشُجُّ قَفَا الُمثَقِّفِ وَالَجبِينا 59
فَهَلْ حُدِّثْتَ في جُشَمِ بْنِ بَكْرٍ بِنَقْصٍ في خُطُوبِ الأَوَّلِينا 60
وَرِثْنا مَجْدَ عَلْقَمَةَ بنِ سَيْفٍ أَباحَ لَنَا حُصُونَ الَمجْدِ دِينا 61
وَرِثْتُ مُهَلْهِلاً وَالْخَيرَ مِنْهُ زُهَيْراً نِعْمَ ذُخْرِ الذّاخِرينا 62
وَعَتَّاباً وَكُلْثُوماً جَمِيعاً بِهِمْ نِلْنا تُراثَ الأكْرَمِينا 63
وَذا الْبُرَةِ الَّذِي حُدِّثْتَ عَنْهُ بِهِ نُحْمَى وَنَحْمِي الُمحْجَرينا 64
وَمِنَّا قَبْلَةُ الْسّاعِي كُلَيْبٌ فأيُّ الَمجْدِ إِلا قَدْ وَلِينا 65
مَتَى نَعْقِدْ قَرِينَتَنا بِحَبْلٍ تَجُذَّ الْحَبْلَ أَوْ تَقِصِ الْقَرِينا 66
وَنُوَجدُ نَحْنُ أَمْنَعَهُمْ ذِمَاراً وَأَوْفاهُمْ إِذا عَقَدُوا يَمينا 67
وَنَحْنُ غَداةَ أُوِقدَ في خَزَازَى رَفَدْنَا فَوْقَ رِفْدِ الرافِدِينا 68
وَنَحْنُ الَحابِسُونَ بِذِي أَرَاطَى تَسَفُّ الجِلّةُ الْخُورُ الدَّرِينا 69
وَنَحْنُ الْحَاِكُمونَ إِذا أُطِعْنا وَنَحْنُ الْعَازِمُونَ إِذا عُصِينا 70
وَنحْنُ التَّارِكُونَ لِما سَخِطْنا وَنَحْنُ الآخِذُونَ لِما رَضِينا 71
وَكُنَّا الأَيْمَنِينَ إِذا الْتَقَيْنا وَكاَنَ الأَيْسَرِينَ بَنُو أَبِينا 72
فَصَالُوا صَوْلَةً فِيمَنْ يَلِيهِمْ وَصُلْنا صَوْلَةً فيمَنْ يَلِينا 73
فآبُوا بالنِّهابِ وبالسَّبايا وَإِبْنا بالُمُلوكِ مُصَفَّدِينا 74
إِلَيْكُمْ يا بَني بَكْرٍ إِلَيْكُم أَلَمَّا تَعْرِفُوا مِنَّا الْيَقِينا 75
أَلَمَّا تَعْلَمُوا مِنّا وَمِنْكم كَتَائِبَ يَطَّعِنَّ وَيَرْتَمِينا 76
عَلَيْنا الْبَيْضُ وَالْيَلَبُ الْيَماني وَأَسْيَافٌ يَقُمْنَ وَيَنْحَنِينا 77
عَلَيْنا كُلُّ سَابِغَةٍ دِلاصٍ تَرَى فَوْقَ النِّطاقِ لها غُضونا 78
إِذا وُضِعَتْ عَنِ الأَبْطالِ يَوْماً رَأَيْتَ لَها جُلودَ الْقَوْمِ جُونا 79
كأَنَّ عُضُونَهُنَّ مُتُونُ غَدْر تُصَفِّقُهَا الرِّيَاحُ إِذا جَرَيْنا 80
وَتََحْمِلُنا غَداةَ الرَّوْعِ جُرْدٌ عُرِفْنَ لَنا نَقَائِذَ وَافْتُلِينا 81
وَرَدْنَ دَوَارِعاً وَخَرَجْنَ شُعْثاً كامثال الرِّصائِعِ قَدْ بَلِينا 82
وَرِثْناهُنَّ عَنْ آبَاءِ صِدْقٍ وَنُورِثُها إِذا مُتْنا بَنِيْنا 83
عَلى آثَارِنَا بِيضٌ حِسانٌ نُحَاذِرُ أَنْ تُقَسَّمَ أَوْ تَهونا 84
أَخذْن عَلى بُعُولَتِهِنَّ عَهْداً إِذَا لاقُوْا كَتَائِبَ مُعْلِمِينَا 85
لَيَسْتَلِبُنَّ أَفْرَاساً وَبِيضاً وَأَسْرَى فِي الْحَدِيدِ مُقَرَّنِيناً 86
تَرَانَا بَارِزِينَ وَكُلُّ حَيِّ قَدِ اتَّخَذُوا مَخَافَتَنا قَرِينا 87
إِذا مارُحْنَ يَمْشِينَ الُهوَيْنَى كَما اضْطَرَبَتْ مُتُونُ الشَّارِبِينا 88
يَقُتْنَ جِيادَنَا وَيَقُلْنَ لَسْتُمْ بُعُولَتَنَا إِذَا لَمْ تَمْنَعونا 89
ظَعائِنَ مِنْ بَني جشَمِ بِنِ بَكْرٍ خَلَطْنَ بِميسَمٍ حَسَباً وَدِينا 90
وَمَا مَنَعَ الْظَّعائِنَ مِثْلُ ضَرْبٍ تَرَى مِنْهُ الْسَّواعِدَ كالقُلِينا 91
كأَنَّا وَالْسُّيُوفُ مُسَلَّلاتٌ وَلَدْنا الْنَّاسَ طُرَّا أَجْمَعِينا 92
يُدَهْدُونَ الرُّؤُوسَ كما تُدَهْدِي حَزَاوِرَةٌ بأَبْطَحِهَا الْكُرِينا 93
وَقَدْ عَلِمَ الْقَبَائِلُ مِنْ مَعَدِّ إِذَا قُبَبٌ بِأَبْطَحِهَا بُنِينا 94
بِأَنّا الُمطْعِمُونَ إِذَا قَدَرْنَا وَأَنَّا الُمهْلِكُونَ إِذَا ابْتُلِينا 95
وَأَنَّا الَمانِعُونَ لِما أَرَدْنا وَأَنَّا الْنَّازِلُونَ بِحَيْثُ شِينا 96
وَأَنّا التَّارِكُونَ إِذَا سَخِطْنَا وَأَنّا الآخِذُونَ إِذَا رَضِينا 97
وَأَنّا الْعَاصِمُونَ إِذَا أُطِعْنْا وَأَنّا الْعازِمُونَ إِذَا عُصِينا 98
وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا الَماءَ صَفْواً وَيَشْرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِينا 99
أَلا أَبْلِغْ بَني الْطَّمَّاحِ عَنَّا وَدُعْمِيًّا فَكَيْفَ وَجَدْتُمونا 100
إِذَا مَا الَملْكُ سَامَ الْنَّاسَ خَسْفاً أَبَيْنا أَنْ نُقِرَّ الذُّلَّ فِينا 101
مَلاَنا الْبَرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّا وَمَاءَ الْبَحْرِ نَمَلؤُهُ سَفِينا 102
إِذا بَلَغَ الْفِطَامَ لَنا صَبِيٌّ تَخِرُّ لَهُ الْجَبابِرُ ساجِدِينا 103









5 ـ طرفة بن العبد

أ ـ حياته ونشأته :
ولد الشاعر طرفة بن العبد المسمى " عمرو بن العبد " في منطقة البحرين وقــد توفي والـده وهو طفل فكفله أعمامه ، وقضى طفولته راعياً للابل يميل إلـى البطالة واللهو وقول الشعر ، وقد هجا الملك عمرو بن هند فأضمر له السوء وحمّله رسالة إلى واليه في البحرين متضمنة قتل طرفة وفعلا قتله الوالي عام 62ق.هـ .
ب ـ شخصية طرفة بن العبد:
تميز طرفة بشخصية ذات أبعاد متوثبة إذ كان شاباً ذكياً طموحاً وإن عاش حياة التشرد والضياع ، ويبدو ذلك في قوله :
وما زال تشرابي الخمور ولذتي وبيعي وانفاقي طريفـي ومتلدي
إلى أن تحامتني العشيرة كلها وأفردت إفراد البعير المعبـــد
وقد كان الفارس الشجاع الذي يقف مدافعاً عن قبيلته وفي ذلك يقول :
إذا القوم قالوا : من فتى ؟ خلت أنني عنيت فلـم أكسل ولـم أتبلـد

ج ـ شعره ومعلقته :
يعد طرفة من الشعراء المقلين نظراً لحياته القصيرة ، فقد توفي فـي السادسة والعشرين مـن عمره وإن كان قد طرق موضوعات : الفخر ، الهجاء ، الوصف .
أعظم ما في معلقته حكمه الخالدة في الموت والحياة مع صغر سنه،
يقول مفتخراً بنفسه:
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه خشاش كـرأس الحية المتوقــد
ويقول في ذكر الموت :
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى لكالطولـي المرخى وثنياه باليـد
ويقول :
أرى العيش كنزاً ناقصا كل ليلة وما تنقص الأيام والدهــر ينفـد
ويقول واصفاً أطلال خولة :
لخــولة أطلال ببـرقـة ثهـمـد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
ويعد طرفة مـن الشعراء المطبوعين ومن شعراء الطبقة الأولى الذين ذكرهم ابن سلام فـي كتابــه .






معلقة طرفة بن العبد
1 تَلُوحُ كَبَاقي الْوَشْمِ في طَاهِرِ الْيَدِ لخِولة أَطْلالٌ بِيَرْقَةِ ثَهْمَدِ
2 يَقُولُونَ لا تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَلَّدِ وُقُوفاً بِهَا صَحْبي عَلَيَّ مطِيَّهُمْ
3 خَلا يا سَفِين بِالنَّوَاصِفِ مِنْ دَدِ كأنَّ حُدُوجَ الَمْالِكِيَّةِ غُدْوَةً
4 يَجُوز بُهَا الْمّلاحُ طَوراً وَيَهْتَدِي عَدُو لِيَّةٌ أَوْ مِنْ سَفِينِ ابْنِ يَامِنٍ
5 كما قَسَمَ التِّرْبَ الْمَفايِلُ باليَدِ يَشُقُّ حَبَابَ الَماءِ حَيْزُ ومُها بها
6 مُظَاهِرِ سُمْطَيْ لُؤْلؤٍ وَزَبَرْجَدِ وفِي الَحيِّ أَخْوَى يَنْفُضُ المرْ دَشادِنٌ
7 تَنَاوَلُ أَطْرَافَ الَبريرِ وَتَرْتَدِي خَذُولٌ تُراعي رَبْرَباً بِخَميلَةٍ
8 تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٍ لَهُ نَدِ وَتَبْسِمُ عَنْ أَلْمى كأَنَّ مُنَوّراً
9 أُسِفّ وَلَمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بإثْمدِ سَقَتْهُ إِيَاُة الشَّمْس إِلا لِثَاتِهِ
10 عَلَيْهِ نَقِيُّ اللَّوْنِ لَمْ يَتَخَدَّدِ وَوَجْهٌ كأنَّ الشَّمْسَ أَلفَتْ رِداءَهَا
11 بِعَوْجَاءَ مِرْقَالٍ تَرُوحُ وَتَغْتَدِي وَإِني لاُ مْضِي الَهمَّ عِنْدَ احْتِضَارِهِ
12 على لاحِبٍ كأَنّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ أَمونٍ كأَلْوَاحِ الإِرانِ نَصَأتُها
13 سَفَنجَةٌ تَبْري لأَزْعَرَ أَرْبَدِ جَمَاِليَّةٍ وَجْنَاءَ تَرْدي كَأنَّها
14 وَظيفاً وَظيفاً فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبَّرِ تُبارِي عِتَاقاً ناجِياتٍ وَأَتْبَعَتْ
15 حَدَائِقَ مَوْليَّ الاسِرَّةِ أَغْيَدِ تَرَبَّعَتِ الْقُفّيْنِ فِي الشَّوْلِ تَرْتَعِي
16 بذي خُصَلٍ رَوْعَاتِ أَكلَفَ مُلْبِدِ تَرِيعُ إِلىَ صَوْتِ الُمهِيبِ وَتَتَّقي
17 حِفا فيهِ شُكّا في العَسِيبِ بِمسْرَدِ كَأنَّ جنَاحَيْ مَضْرَ حيِّ تَكَنَّفَا
18 على حَشَفٍ كالشَّنّ ذاوٍ مُجَدَّدِ فَطَوْراً بهِ خَلْفَ الزّميلِ وَتَارَةً
19 كأنّهما بابا مُنيفٍ مُمَرَّدِ لها فَخِذَانِ أُكمِلَ النَّحْضُ فيهما
20 وَأجْرِنَةٌ لُزَّتْ بدَأْيٍ مُنَضَّدِ وَطَيِّ مُحالٍ كالَحنيّ خُلُوفُهُ
21 وَأَطْرَ قِسِيِّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤَبَّدِ كأنّ كِناسَيْ ضَالَةٍ يُكْنِفانِها
22 تَمُرُّ بِسَلْمَيْ داِلجٍ مُتَشَدِّدِ لها مِرْفَقَانِ أَفْتَلانِ كأنّها
23 لَتُكْتَنَفَنْ حتى تُشادَ بِقَرْمَدِ كقَنْطَرَةِ الرُّوِميّ أَقْسَمَ ربّها
24 بعيدةُ وَخْدِ الرّجْلِ مَوّارَةُ اليَدِ صُهابِيّةُ الْعُثْنُونِ مُو جَدَةُ الْقَرَا
25 لها عَضُداها في سَقيفٍ مُسَنَّدِ أُمِرَّتْ يَدَاها فَتْلَ شَزْرٍ وأُجْنِحَتْ
26 لها كتِفَاها في مُعالي مُصَعَّدِ جَنُوحٌ دِفَاقٌ عَنْدَلٌ ثمَّ أُفْرِعَتْ
27 مَوَارِدُ من خَلْقاءَ في ظهرِ قَرْدَدِ كأَنَّ عُلوبَ النَّسْعِ في دَأَيَاتِها
28 بَنائِقُ غَرِّ في قَميصٍ مُقَدَّدِ تَلاقَى وَأَحْياناً تَبينُ كأنّها
29 كسُكّانِ بُوِصيِّ بِدْجِلَةَ مُصْعِدِ وَأَتْلَغُ نَهَّاضٌ صَعَّدَتْ بِهِ
30 وَعى الُمْلَتقى منها إِلى حرْفِ مِبْرَدِ وَجُمْجُمَةٌ مِثْلُ الْعَلاةِ كأنّما
31 كسِبْتِ الْيَماني قَدُّهُ لم يُجَرَّدِ وَخَد كقِرْطاسِ الشّآمي ومِشْفَرٌ
32 بكهفَي حجَاجَي صَخْرَةٍ قلْتِ مَوْرِدِ وَعَيْنَانِ كالَماوِيَتَيْنِ اسْتَكَنّتا
33 كمِكْحَلَتَيْ مذعورَةٍ أُمِّ فَرْقَدِ طَحورانِ عُوّارَ الْقَذَى فَتَراهُما
34 لِهَجْسٍ خَفِيٍّ أَوْ لِصَوْتٍ مُنَدِّدِ وَصَادِفَتَا سَمْعِ التَّوَجُّسِ للسُّرى
35 كسامِعَتَيْ شاةٍ بحَوْمَلَ مُفْرَدِ مُوَلّلتانِ تَعْرِف الْعِتْقَ فيهِما
36 كمِرْداةِ صَخْرٍ في صَفِيحٍ مُصَمَّدِ وَأرْوَعُ نَبَّاضٌ أَحدُّ مُلَمْلمٌ
37 عَتيقٌ متى تَرْجُمْ به اْلأَرْضَ تَزْددِ وَأَعْلَمُ مَخْرُوتٌ من اْلأَنفِ مارِنٌ
38 مَخَافَةَ مَلْوِيِّ مِنَ الْقَدِّ مُحْصَدِ وَإِنْ شئتُ لم تُرْقِلْ وَإِنْ شئتُ أَرْقَلَتْ
39 وَعامَتْ بضَبْعَيها نجاءَا الخَفَيْدَدِ وَإِنْ شئتُ سلمى وَاسطَ الكورِ رَأسهَا
40 أَلا لَيْتَني أَفديكَ منها وَأفْتَدي على مِثْلِهَا أَمْضي إِذَا قالَ صاحبي،
41 مُصَاباً وَلَوْ أمْسَى على غيرِ مَرْصَدِ وَجاشَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ خَوفْاً وَخاَله
42 عُنِيتُ فلَم أَكْسَلْ وَلَمْ أَتَبَلَّدِ إِذَا الْقَوْمُ قالوا مَنْ فَتًىِ خلْتُ أَنَّني
43 وَقَدْ خَبَّ آلُ اْلأَمْعَزِ اُلمتوَقِّدَّ أَحلْتُ عَلَيْها بالقطيع فأجِذَمَت
44 تُرِي رَبَّهَا أَذيالَ سَحلٍ مَمددِ فَذالتْ كما ذالتْ وَليدَة مَجْلِسٍ
45 وَلكِنْ متى يَسْتَرْفِدِ الْقَوْمُ أَرْفِدِ وَلَسْتُ بِحَلاَّلِ التِّلاعِ مَخافَةً
46 وَإِنْ تَلْتَمِسْني في الَحْوَانِيتِ تَصْطَدِ فَإِنْ تَبْغِني في حَلْقَةِ القَوْمِ تلِقَني
47 إِلى ذِرْوَةِ البَيْتِ الشَّرِيفِ الُمصَمَّدِ وَإِنْ يَلْتَقِ الَحْيُّ الَجْمِيعُ تُلاِقني
48 تَرُوحُ عَليْنَا بينَ بُرْدٍ وَمَجْسَدِ نَدَامايَ بيضٌ كالنجوم وَقَيْنَةٌ
49 بِجَسِّ النَّدامَى بَضَّةُ اُلمتَجَردِ رَحيبٌ قِطَابُ الَجْيْبِ منْهَا رَقِيقةٌ
50 على رِسْلِها مَطْرُوقَةً لم تَشَدَّدِ إِذَا نَحْنُ قُلْنَا أَسْمعِينا انْبَرَتْ لَنَا
51 تَجاوُبَ أَظْآرٍ على رُبَعٍ رَدِ إِذَا رَجَعَتْ في صَوْتِهَا خِلْتَ صَوْتَها
52 وَبَيْعِي وَإِنْفَاقي طَريفي وَمُتْلَدِي وَمَا زالَ تَشْرابي الُخْمورَ وَلَذَّتي
53 وَأُفْرِدْتُ إِفْرَادَ الْبَعِيرِ الُمعَبَّدِ إِلى أَنْ تَحامَتْني الْعَشيرَةُ كُلّهَا
54 وَلا أَهْلُ هذاكَ الِّطرافِ الُممَددِ رَأَيتُ بَنِي غَبْراء لا يُنْكِرُونَني
55 فَدَعْني أبادِرْهَا بِمَا مَلَكَتْ يَدِي فإِنْ كنتَ لا تسْتطِيعُ دَفْعَ مَنِيَّتي
56 وَجدِّكَ لم أَحفِلْ مَتى قامَ عُوْدي ولَولا ثَلاثٌ هُنَّ من عيشةِ الْفَتى
57 كُمَيْتٍ متى ما تُعْلَ باَلماءِ تُزْبِدِ فَمِنْهُنّ سَبْقِي الْعاذِلاتِ بِشَربَةٍ
58 كَسِيدِ الْغَضا نَبّهْتَهُ الُمتَوَرِّدِ وَكَرِّي إِذَا نادَى اُلمضافُ مُحَنَّباً
59 بِبَهْكَنَةٍ تَحْتَ الخِباءِ الُمعَمَّدِ وَتقصيرُ يوم الدَّجنِ والدجنُ مُعجِبٌ
60 على عُشَرٍ أو خِروَعٍ لم يُخَضَّدِ كَأَنّ الْبُريَنَ وَالدَّماليجَ عُلِّقَتْ
61 سَتَعْلَمُ إِن مُتْنا غَداً أَيّنا الصدي كَرِيمٌ يروِّي نَفْسَهُ في حَيَاتِه
62 كقَبْرِ غوِيِّ في البطالَةِ مُفْسِدِ أَرَى قَبْرَ نَحّامٍ بَخَيلٍ بِمَاله
63 صَفَائحُ صُمِّ من صَفيحٍ مُنَضَّدِ تَرَىَ جشوَتَيْنِ من تُراب عَلَيْهمَا
64 عَقِيَلةَ مَالِ الْفَاِحشِ اُلمتَشَدِّدِ أَرى اَلموت يَعْتامُ الكِرَامَ ويَصْطفي
65 وَمَا تَنْقُصِ الأيَّامُ وَالدّهرُ يَنْفَدِ أرَى الْعَيْشَ كنزاً ناقصاً كلّ ليْلَةٍ
66 لكَالطَّوَلِ اُلمرْخَى وثِنْيَاهُ بِاليَدِ لَعَمْرُكَ إِنّ اَلموَتَ مَا أَخْطأَ الْفَتى
67 مَتَى أَدْنُ مِنْه يَنْأَ عَنِّي وَيَبْعُدِ فمالي أرَاني وَابْنَ عَمِّيَ مَالِكاً
68 كما لامني في الحيّ قُرْطُ بنُ مَعْبدِ يَلُومُ ومَا أَدْرِي عَلاَمَ يَلُوُمني
69 كأنَّا وَضَعنَاهُ إِلى رَمْسِ مُلْحَدِ وأَيْأَسَنيِ من كل خَيْرٍ طَلَبتُهُ
70 نَشَدْتُ فلم أُغْفِل حَمولَةَ مَعْبَدِ على غَيْرِ شيءٍ قُلْتُهُ غَيْرَ أَنَّني
71 متى يَكُ أَمْرٌ لِلنّكيثَةِ أَشْهَدِ وَقَرّبْتُ بالقُرْبَى وَجدَّكَ إِنَّني
72 وإِنْ يَأَتِكَ الأَعْدَاءُ بالجَهْدِ أَجْهَدِ وإِنْ أُدْعَ للجُلىَّ أَكنْ مِنْ حُماتِها
73 بكَأْسِ حِيَاضِ الموتِ قبلَ التهدُّدِ وإِنْ يَقذِفُوا بالقذعِ عِرْضَك أَسْقِهِمْ
74 هِجائي وقَذْفي بالشَّكَاةِ ومُطْرَدِي بِلاَ حدَثٍ أَحْدَثْتُهُ وكَمُحْدَثٍ
75 لَفَرَّجَ كَرْبي أَوْ لأنظَرَني غَدِي فَلَوْ كان مَوْلايَ أمْرُءٌا هُوَ غَيْرَهُ
76 على الشُّكْرِ والتَّسْآل أَوْ أَنَا مُفْتَدِ وَلكِنّ مَوْلايَ آمْرُءٌ هُوَ خانقي
77 على الَمرءِ مِن وَقْعِ الُحسامِ الُمهَنَّدِ وظُلْمُ ذَوي الْقُرْبَى أَشَدُّ مضاضَةً
78 وَلوْ حَلّ بَيْتي نائباً عند ضَرْغَدِ فَذَرْني وَخُلْقي، إِنَّني لَكَ شَاكِرٌ
79 وَلَوْ شَاءَ رَبي كُنْتُ عَمرو بن مَرْثَدِ فَلَوْ شَاءَ رَبّي كُنتُ قَيسَ بنَ خَالِدٍ
80 بَنونٌ كرامٌ سادَةٌ لُمِسَوَّدِ فأَصْبَحْتُ ذَا مَالٍ كثيرٍ وَزَارَني
81 خَشاشٌ كرَأْسِ الَحيّة الُمَتَوقّدِ أَنا الرّجُلُ الضَّرْب الَّذِي تَعْرِفُوَنهُ
82 لِعَضْبٍ رَقِيقِ الشَّفْرَتَيْنِ مُهَنَّدِ فَآليْتُ لا يَنْفَكُّ كشْجِي بطانَةً
83 كفى الْعَوْدَ منه الْبَدءُ ليسَ بِمعْضَدِ حُسَامٍ إِذَا ما قُمتُ مُنتَصِراً به
84 إِذَا قِيلَ مَهْلاً قالَ حاِجزُهُ قَدِي أَخِيِ تقَةٍ لا يَنْثَنيِ عَنْ ضَرِيبةٍ
85 مَنيعاً إِذَا بَلّتْ بقَائِمِهِ يَدِي إِذَا ابتدَرَ الْقَوْمُ السِّلاَحَ وَجدْتَني
86 بَوَادِيَهَا، أَمشِي بِعَضْبٍ مُجَرَّدِ وبَرْكُ هُجُودٍ قَد أَثَارتْ مَخَافتي
87 عَقِيلَةُ شَيْخٍ كَالوَبيلِ يَلَنْدَدِ فَمرّتْ كَهاةٌ ذَاتُ خَيْفٍ جُلالَةٌ
88 أَلَستَ تَرى أَن قَد أَتَيْتَ بمؤْيِدِ يَقُولُ وقَدْ تَرّ اْلوَظِيفُ وَسَاقُهَا
89 شَدِيدٍ عَلَيْنا بَغْيُهُ مُتَعَمِّدِ وقَالَ، ألا ماذَا تَرَوْنَ بِشَارِبٍ
90 وإِلاّ تكُفّوا قاصيَ الْبَرْكِ يَزْدَدِ وقَالَ، ذَرُوهْ إِنَّما نَفْعُها لَهُ
91 وَيُسْعَى بها بالسّديفِ اُلمسَرْهَدِ فَظَلّ اْلإِماءُ يَمْتَلِلْنَ حُوَارَهَا
92 وَشُقِّي عَلَيَّ الَجَيْب يَا أبْنَةَ مَعْبَدِ فإِنْ مِتُّ فانْعِيني بِما أنَا أَهْلُةُ
93 كهَمِّي وَلا يُغْنِي غَنائي ومَشْهَدِي وَلا تَجْعَلِيني كامرِىءٍ لَيْسَ هَمُّهُ
94 ذَلُولٍ بأَجماعِ الرِّجَالِ مُلَهَّدِ بَطِيءٍ عَن الُجْلَّي سَرِيع الى الخَنا
95 عَدَاوَةُ ذِي اْلأَصْحَابِ وَالُمَتوَحِّدِ فَلوْ كُنْتُ وَغلاً في الرِّجالِ لَضَرَّني
96 عَلَيْهِمْ وَإِقْدَامِي وَصِدْفي وَمحْتَدِي ولكِنْ نَفَى عني الرِّجالَ جَراءَتي
97 نَهاري وَلا لَيْلي عَلَيِّ بسَرْمَدِ لَعَمْرُكَ ما أمْري عَلَيَّ بغُمَّةٍ
98 حِفَاظاً عَلى عَوْراتِهِ والتَّهَدُّدِ ويَومٍ حَبَسْتْ النَّفْسَ عندَ عراكهِ
99 متى تَعْتَرِكْ فيهِ الْفَراِئصُ تُرْعَدِ على مَوْطِنٍ يَخْشَى الْفْتَى عِندَهُ الرَّدى
100 على النارِ واستَوْدَعْتُهْ كَفَّ مُجْمِدِ وَأَصْفَرَ مَضْبُوحٍ نَظَرْتُ حِوَارَهُ
101 وَيَأْتِيكَ باْلأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ ستُبْدِي لكَ الأَيَّامُ ما كُنْتَ جاهِلاً
102 بَتَاتاً وَلَمْ تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعدِ وَيَأْتِيكَ باْلأَخْبارِ مَنْ لَمْ تَبعْ لَهُ





6 ـ لبيد بن ربيعة







معلقة لبيد بن ربيعة
1 بِمِنىً تَأَبَّدَ غَوْلُهَا فرِجَامُهَا عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلّهَا فَمُقَامُهَا
2 خَلَقاً كما ضَمِنَ الوِحيُ سِلامُهَا فَمَدافِعُ الرّيَّانِ عُرِّيَ رَسْمُهَا
3 حِجَجٌ خَلَوْنَ حَلالُها وَحَرامُها دِمَنٌ تَجَرَّمَ بَعْدَ عَهْدِ أَنِيسِها
4 وَدْقُ الرَّوعِدِ جَوْدُهَا فَرِ هَامُها رُزِقَتْ مَرابِيعَ الْنُّجومِ وَصَابَها
5 وَعَشِيَّةٍ مُتَجَاوِب إِرزَامُهَا مِنْ كُلِّ سارِيَةٍ وغَادٍ مُدْجِنٍ
6 بالَجلْهَتَيْنِ ظِباؤُها وَنَعامُها فَعَلا فُرُوعُ الأَيْهَقانِ وَأَطْفَلَتْ
7 عُوَذاً تَأجَّلُ بالفَضاءِ بِها مُها وَالْعَيْنُ ساكِنَةٌ على أَطْلائِها
8 زُبُرٌ تُجِدُّ مُتُونَها أَقْلامُها وَجَلا السّيُولُ عَنِ الْطّلولِ كأنّها
9 كِفَفاً تَعَرَّضَ فَوْقَهُنَّ وَشامُها أَوْ رَجْعُ وَاشِمَة أُسِفَّ نَوُورهُا
10 صُمّاً خَوَالِدَ ما يَبِينُ كلامُها فَوَقَفْتُ أَسْأَلُها، وَكيفَ سُؤالُنا
11 مِنْها وَغُودِرَ نُؤْيُها وَثُمامُها عَرِيَتْ وكانَ بها الَجمِيعُ فَأبْكَرُوا
12 فتَكَنَّسوا قُطُناً تَصِرُّ خِيَامُها شَاقَتْكَ ظُعْنُ الحَيِّ حينَ تَحَمَّلوا
13 زَوْجٌ عَلَيْه كِلةٌ وَقِرَامُها مِنْ كلُّ مَحْفُوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّةُ
14 وَظِبَاءَ وَجْرَةَ عُطَّفاً أَرْآمُها زُجُلاً كأَنَّ نِعَاجَ تُوضِحَ فَوْقَها
15 أَجْرَاعُ بِيشَةَ أَثْلُها وَرِضَامُها حُفِزَتْ وَزَايَلَها السَّرَابُ كأْنها
16 وَتَقَصَّعَتْ أَسْبَابُها وَرِمَامُها بَلْ مَا تَذَكّرُ منْ نَوَارَ وَقَدْ نَأَتْ
17 أَهْلَ الْحِجَارِ فأْيْنَ مِنْكَ مَرَامُها مُرِّيَّةٌ حَلّتْ بِفَيْدَ وَجَاوَرَتْ
18 فَتَضَمَّنَتْها فَرْدَةٌ فَرُخَامُهَا بِمشَارِق الْجَبَلَيْنِ أَوْ بِمُحَجَّر
19 فبها وَحَافُ الْقَهْرِ أَوْ طِلْخَامُها فَصُوَائِقٌ إِنْ أَيْمَنَت فِمظَنَّةٌ
20 وَلشَرُّ واصِلِ خُلَّةٍ صَرَّامُهَا فَاقْطَعْ لُبَانَةَ مَنَ تَعَرَّضَ وَصْلُةُ
21 باقٍ إِذَا ظَلَعَتْ وَزَاغَ قِوامُهَا وَأحْبُ الُمجَامِلَ باَلجزيلِ وَصَرْمُهُ
22 مِنْها فَأَحْنَقَ صُلْبُهَا وَسَنامُهَا بِطَلِيحِ أَسْفَارٍ تَرَكْنَ بَقِيَّةً
23 وَتَقَطَّعَتْ بَعْدَ الكَلالِ خِدَامُهَا وَإِذَا تَغَالَى لَحْمُهَا وَتَحَسَّرَتْ
24 صَهْبَاءُ خَفَّ مَعَ الْجَنُوبِ جِهَامُهَا فَلَهَا هِبَابٌ في الزِّمَامِ كأَنَّها
25 طَرْدُ الْفُحُولِ وَضَرْبُهَا وَكِدامُهَا أَوْ مُلْمِعٌ وَسَقَتْ لأَحْقَبَ لاَحهُ
26 قَدْ رَابَهُ عِصْيَانُهَا وَوِحامُهَا يَعْلُو بِهَا حَدَبَ الإِكَامِ مُسَتْحَجٌ
27 قَفْرَ الَمراقِبِ خَوْفُهَا آرَامُهَا بِأَجِزَّةِ الثَّلَبُوتِ يَرْبَأُ فَوْقَهَا
28 جَزَآ فَطَالَ صِيَامُهُ وَصِيَامُهَا حَتَّى إِذَا سَلَخَا جُمَادَى سِتَّةً
29 حَصِدٍ وَنُجْعُ صَرِيَمةٍ إِبْرَامُهَا رَجَعَا بِأَمْرِهِمَا إِلَى ذِي مِرَّةٍ
30 رِيحُ الَمصَايِفِ سَوْمُهَا وَسِهامُهَا وَرَمَى دَوابِرَهَا السَّفَا وَتَهَيَّجَتْ
31 كَدُخَانِ مُشْعَلةً يُشَبُّ ضِرامُهَا فَتَنَازَعَا سَبِطاً يَطِيرُ ظِلالُهُ
32 كَدُخَانِ نارٍ ساطِعٍ أَسْنَامُهَا مَشْمُولَةٍ غُلِئَتْ بِنَابِتِ عَرْفَجِ
33 مِنْهُ إِذَا هِيَ عَرَّدَتْ إِقْدَامُهَا فَمضَى وَقَدَّمَهَا وكانَتْ عادَةً
34 مَسْجُورَةً مُتَجَاوِراً قُلاُمها فَتَوَ سَّطا عُرْضَ الْسّرِيِّ وَصَدَّعَا
35 مِنْهُ مُصَرَّعُ غابَةٍ وَقِيَامُها مَحْفُوفَةً وَسْطَ الْيَرَاعِ يُظِلّهَا
36 خَذَلَتْ وَهَادِيَةُ الصِّوَارِ قِوامُهَا أَفَتِلْكَ أَمْ وَحشِيَّةٌ مَسْبَوعَةٌ
37 عُرْضَ الْشَّقَائِقِ طَوْفُهَا وَبُغَامُهَا خَنْسَاءُ ضَيَّعَتِ الْفَرِيرَ فَلَمْ يَرِمْ
38 غُبْسٌ كَواِسبُ لا يُمَنَّ طَعامُها لِمعَفَّرٍ قَهْدٍ تَنَازَعُ شِلْوَهُ
39 إِنَّ الَمنايَا لا تَطِيشُ سِهَامُها صَادَفْنَ منهَا غِرَّةً فَأَصَبْنَهَا
40 يُرْوِي الْخَمائِلَ دائِماً تَسْجَامُها بَاَتتْ وَأَسْبَلَ وَاكِفٌ من دِيَمةٍ
41 فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُها يَعْلُو طَرِيقَةَ مَتْنِهَا مُتَوَاتِرٌ
42 بعُجُوبِ أَنْقَاءِ يَميلُ هُيامُها تَجَتَافُ أَصْلاً قالِصاً مُتَنَبِّذاً
43 كَجُمَانَةِ الْبَحْرِيِّ سُلَّ نِظامها وَتُضِيءُ في وَجْهِ الظَّلامِ مُنِيرَةً
44 بَكَرَتْ تَزِلُّ عَنِ الثَّرَى أَزْلاُمها حَتَّى إِذَا انْحَسَرَ الْظلامُ وَأَسْفَرَتْ
45 سَبْعاً تُؤاماً كاملاً أَيَّامُها عَلِهَتْ تَرَدَّدُ في نِهاءِ صُعَائِدٍ
46 لم يُبْلِهِ إِرْضَاعُها وَفِطامُها حتى إِذا يَئِسَتْ وأَسْحَقَ خَالِقٌ
47 عنْ ظَهْرِ غَيْبٍ وَالأَنِيسُ سقامُها فَتَوَّجستْ رِزَّ الأَنِيسِ فَراعَها
48 مُوْلُى الَمخَافَةِ خَلْفُهَا وَأَمَامُها فَغَدَتْ كِلا الْفَرْجَيْنِ تَحْسبُ أَنَّهُ
49 غُضْفاً دَوَاجِنَ قافِلاً أَعْصامُها حتى إِذا يَئِسَ الرُّمَاةُ وَأَرْسَلُوا
50 كالسَّمْهَرِيَّةِ حَدُّهَا وَتَمامُها فَلَحِقْنَ وَاعْتَكَرَتْ لها مَدْرِيَّةٌ
51 أَنْ قَدْ أَحَمَّ مِنَ الحُتُوفِ حِمامُها لِتَذُودَهُنَّ وَأَيْقَنَتْ إِنْ لم تُذُدْ
52 بِدَمٍ وَغُودِرَ في الَمكَرِّ سُخَامُها فَتَقصَّدَتْ مِنْهَا كَسَابِ فَضُرِّجَتْ
53 وَاجْتَابَ أَرْدِيَةَ السَّرابِ إِكامُهَا فَبِتِلْكَ إِذْ رَقَصَ اللَّوَامعُ بالضُّحى
54 أَوْ أَنْ يَلُومَ بحاجَةٍ لَوَّامُها أَقْضِي اللُّبَانَةَ لا أُفَرِّطُ رِيبَةً
55 وَصَّالُ عَقْدِ حَبَائِلٍ جَذَّامُها أَوَ لَمْ تَكُنْ تَدْرِي نَوَارُ بأنَّني
56 أَوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفُوسِ حمَامُها تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إِذا لمْ أَرْضَها
57 طَلْقٍ لَذِيذٍ لَهْوُهَا وَنِدَامُهَا بلْ أَنْتِ لا تَدْرِينُ كَمْ مِن لَيْلَةٍ
58 وَافَيْتُ إِذْ رُفِعَتْ وعَزَّ مُدَامُها قَدْ بِتُّ سامِرَها وَغَايَةَ تاجرٍ
59 أَوْ جَوْنَةٍ قُدِحَتْ وَفُضَّ خِتامُها أُغْلي السِّباءَ بكُلِّ أَدْكَنَ عاتِقٍ
60 بِمُوَترٍ تَأْتَاُلهُ إِبْهَامُها بِصَبُوحِ صَافِيَةٍ وَجَذْبٍ كَرِينَةٍ
61 لاِ عَلِّ مِنهَا حينَ هَب نِيامُها باكَرْتُ حاجَتَها الدَّجَاجَ بِسُحْرَةٍ
62 قد أَصْبَحَتْ بيَدِ الشَّمالِ زِمامُها وَغَدَاةَ رِيحٍ قَدْ وَزَعْتُ وقِرَّةٍ
63 فُرْطٌ وِشاِحي إِذْ غَدَوْتُ لِجامُها وَلَقَدْ حَمَيْتُ الحَيَّ تحْمِلُ شِكَّتي
64 حَرْجٍ إِلَى أَعْلاَمِهِنَّ قَتامُها فَعَلَوْتُ مُرْتَقَباً على ذِي هَبْوَةٍ
65 وَأَجَنَّ عَوْراتِ الثُّغورِ ظَلامُها حتّى إِذا أَلْقَتْ يَداً في كافِرٍ
66 جَرْداءَ يَحْصَرُ دُونَها جُرَّامُها أَسْهَلْتُ وَانْتَصَبَت كَجِذْعِ مُنِيفَةٍ
67 حتّى إِذا سَخِنَتْ وَخَفّ عِظامُها رَفّعْتُها طَرْدَ النّعامِ وَشَلهُ
68 وَابْتَلَّ مِن زَبَدِ الحَمِيمِ حزَامُها قَلِقَتْ رِحَالَتُها وَأَسْبَلَ نَحْرُها
69 ورْدَ الْحَمامَةِ إِذْ أَجَدَّ حمامُها تَرْقَى وَتَطْعَنُ في الْعِنانِ وَتَنْتَحِي
70 تُرْجَى نَوَافِلُها ويُخْشى ذَامُها وَكَثِيرَةٍ غُربَاؤُها مَجْوُلَةٍ
71 جِنُّ الْبَدِيِّ رَوِاسياً أَقْدَامُها غُلْبٍ تَشَذَّرُ بالدُخولِ كأنّها
72 عِندِي ولم يَفْخَرْ عَلَيَّ كِرامُها أَنْكَرْتُ باطِلَها وُبؤْتُ بِحَقِّها
73 بِمَغَالِقٍ مُتَشابِهٍ أَجْسامُها وَجزُورِ أَيْسارٍ دَعَوْتُ لِحَتْفِها
74 بُذِلَت لجيرانِ الَجميعِ لحِامُها أَدْعُو بِهِنَّ لِعَاقِرٍ أَوْ مُطْفِلٍ
75 هَبَطَا تَبالَةَ مُخْصِباً أَهْضامُها فَالضَّيْفَ وَالجارُ الَجنِيبُ كَأَنَّما
76 مِثْلِ الْبَلِيَّةِ قالِصٍ أَهْدامُها تأوِي إِلى الأطْنابِس كلُّ رِذِيَّةٍ
77 خُلُجاً تُمَدُّ شَوارِعاً أَيْتامُها وُيكَلِّوُنَ إِذَا الرِّيَاحُ تَناوَحتْ
78 مِنّا لزِازُ عَظِيمَةٍ جَشَّامُها إِنّا إِذا الْتَقَتِ المجامِعُ لَمْ يَزلْ
79 ومُغَذْمِرٌ لِحُقُوقِها هَضّامُها وُمقَسِّمٌ يُعْطِي الْعشِيرةَ حَقَّها
80 سَمْحٌ كَسُوبُ رَغائِبٍ غَنّامُها فَضلاً وذُو كرمٍ يُعِينُ على النَّدى
81 ولِكُلِّ قَوْمٍ سُنّةٌ وإِمامُها مِنْ مَعْشَرٍ سَنَّتْ لَهُمْ آباؤهُمْ
82 إِذْ لا يَميلْ مَعَ الْهوى أَحْلامُها لا يَطْبَعُون ولا يَبُورُ فَعالُهُمْ
83 قَسَمَ الَخلائِق بَيْنَنا عَلاُمها فَاقْنَعْ بما قَسَمَ الَملِيكُ فإِنّما
84 أَوْفَى بِأوْفَرِ حَظّنا قَسّامُها وَإِذا الأَمانةُ قُسِّمَتْ في مَعْشَر
85 فَسَما إِلَيْهِ كَهْلُها وغُلامُها فَبَني لَنا بَيْتاً رَفِيعاً سَمْكُهُ
86 وهُمُ فَوارِسُها وَهُمْ حُكّامُها وهُمُ السّعادةُ اذَا الْعَشيرَةُ أُفْظِعَتْ
87 والُمرْمِلاتِ إِذا تَطاوَلَ عامُها وهُمُ رَبيعٌ للْمُجاوِرِ فِيهِمُ
88 أَوْ أَنْ يَميلَ مَعَ الْعَدُوِّ لِئَامُها وهُمُ الْعَشِيرَةُ أَنْ يُبَطِّىْءَ حاسِدٌ





7 ـ عروة بن الورد

أ ـ حياته ونشأته :
ينتسب عروة بن الورد إلى قبيلة عبس ، ويعد والده من أشراف القبيلة وشجعانها وكذلك كان عروة نفسه . أما أمه فتنتسب إلــى قضاعة وقــد امتهن عروة ا لصعلكة واعتبر زعيماً شعبياً للصعاليك لرعايته لهـم ومساعدته إياهم في المواقف الضنكة ، إذ أنه يمتلك نفساً أبية تحمل الطوابع الإنسانية وقد تزوج من امرأة اسمها سلمى كان قد سباها في إحدى غزواته . توفي عروة في العام السابع قبل الهجرة .
ب ـ جوانب شخصيته :
أثر في شخصية عروة عاملان رئيسيان دفعاه إلى الصعلكة :
مكانة أمه من قبيلة قضاعة التي كانت أقلّ شرفاً من قبيلة عبس إذ أن الشاعركان يحس بالعار من خلال انتساب أمه إلى نهد قضاعة :
وما فيّ من عار إخال علمته سوى أن أخوالي إذا نسبوا نهد
ـ الواقـع الاجتماعي الذي عاشه الجاهليون الذي يميز الإنسان عن أخيه الانسان ويعطي صفات لأناس دون أناس تبعـا للقبيلة أو للمال إذ أن ذلك دفع قسما من الشعراء إلى الخروج عـن التبعية للقبيلة وامتهان الصعلكة كـرد فعـل علـى هـذا الواقــع وعروة كان صعلوكا قائـدا لجماعته لم يمتهن الصعلكة فقرا و إنما نقمة على واقعه .
ج ـ شعره :
تميز شعر عروة بالأنفة والكبرياء فهو مغامر لا يثنيه عن هدفه شىء ما ، وهو مجسد للفقر بصــوره البشعة تجسيداً رائعاً وهو في الوقت نفسه إنساني اجتماعـي ، بطبعـه يميل إلى مشاركته الناس في طعامه ، يقول عروة في معلقته واصفاً الفقر في نفوس أهله ومخاطباً زوجته التي كانت تقف حائلا بينه وبين السفر وتركها :
ذريني أطوف في البلاد لعلني أخليك أو أغنيك عن سوء محضري
ذريني للفتى أسعى فإنــي رأيت النــاس شرهـم الفقيــر
ويقول أيضا واصفا حياة الصعاليك :
لحى الله صعلوكاً إذا جنّ ليله مضى في المشاش آلفاً كلّ مجزر
يعـد الغنى مـن نفسه كل ليلة أصاب قراها من صد يق ميسر
ينام عشاء ثــم يصبح طاوياً يحت الحصى عن جنبه المتعفر
قليــل التماس الزاد إلا لنفسه إذا هو أمسى كالعريش المجور
يعين نساء الحـــي ما يستعنه ويمسي طليحا كالبعير المحسر
ويبدو أن المشاركة الاجتماعية كانت من صفاته ، إذ أنه كان يفتخر بأن طعامه مقدم للناس جميعاً ، يقول :
إني امرؤ عافي إنائي شركـة وأنت امرؤ عافـي إنائك واحـد
أقسم جسمي في جسوم كثيرة وأحسو قراح الماء والماء بارد
وقد أعجب عبد الملك بن مروان بعروة وتمنى أن يكون من نسله ، كما أن معاوية تمنى أن يكون لعروة ذرية حتى يتزوج إليهم





8 ـ زهير بن أبي سلمى

الشاعر الحكيم
أ ـ حياته ونشأته :
ينتهي نسب زهير إلى مُزينة، ولد عام (530) م في أرض نجدٍ ومات أبوه وهو طفل، فتزوّجت أمّه الشاعر المعروف أوس بن حَجر، فتتلمذ على يديه في الشعر، وكان راويةً له. وتوفي عام (627)م عن عمر يناهز(97) سنة
وزهير سليل أسرة اجتمع فيها الشعر، فأبوه شاعر، وأختاه سلمى والخنساء شاعرتان، وابناه كعب وبُجير وحفيده عُقبة من الشعراء، أمّا خاله بشامة بن الغدير فكان شاعر مضر في زمانه. وقد شهد حرب داحس والغبراء، وآلمه ما سُفكَ فيها من دماء بين قبيلتي عبس وذبيان، واهتزّ لأريحية السيّدين اللذين سعيا في إنهائها وهما هرِم بن سِنان والحارث بن عوف، واحتملا من مالهما الخاص ديات القتلى من الطرفين فبلغت ثلاثة آلاف بعير. عمِّر زهير طويلاً وتوفي قبل البعثة النبوية، أي قبل 610م.
ب ـ شاعريته:
يعدّ النقاد زهيراً من أبرز شعراء الجاهلية، قال فيه عمر بن الخطاب: "هو شاعر الشعراء لأنّه لا يعاظل في الكلام (أي لا يداخل فيه ويُعقّد) وكان يتجنّب حوشيّه، ولم يمدح أحداً إلا بما فيه".
برز في الوصف أيضاً، ورسم بيئته معتمداً على دقة ملاحظته، وحُسنِ تبويبه، وتمثّل الواقع الحسيّ المحيط به. وغزله تقليدي، يرد في مطالع قصائده جرياً على عادة الجاهليين. ويبدو في حكمته رجل العقل والخبرة التي غذتها تجارب الحياة وطول العمرِ.
عرف عنه أنه كان يُنقّح شعره ويهذّبه قبل أن يعلنه للناس، شأنه شأن أستاذه أوس بن حجر، حتى سُميت قصائده "الحوليّات" لأنه كان يقضي حولاً كاملاً في تجويدها وتنقيحها وعرضها على أصحاب الخبرة بالشعر.
ج ـ شخصيته :
تميزت شخصية زهيربالاتزان والرصانة والحكمة ساعده على ذلك تلقيه الشعر من خاله بشامة بن الغدير وزوج أمه أوس بن حجر ، إضافة إلى امتلاكه عقلا راجحا جعله يتبوأ منزلة عالية مع أسياد القبائل ، يدعو إلى الخير والصلاح ويعتقد أنه كان من الشعراء المتألهين : " الذين يدينون بالحنيفية السمحاء دين ابراهيم الخليل علي السلام " ، كما أن شخصيته الرزينة جعلته متعففا .وأبرز ما في شخصية زهير مدحه غير المتكسب ، وأنه كما قال فيه عمر بن الخطاب : "لا يقول بالرجل إلا بما فيه " .
د ـ معلقته:
تعد معلقة زهير من المعلقات " المصمتات" التي أثرت وحفظت من قبل العرب لذكرها أمرين هامين ،
الأول : ذكر الصلح بين قبيلتي عبس وذبيان بعد حرب داحس والغبراء وما أداه سيدا بني مرّة هرم بن سنان والحارث بن عوف من ديات القتلى التي بلغت ثلاثة آلاف بعير .
الثاني : ما اشتملت عليه هذه المعلقة من حكم جليلة وآراء صائبة وضحت فلسفة العرب في جاهليتهم ، ووصفت حياتهم وطريقة عيشهم .
أقسام المعلقـة :
الوقوف على الأطلال .
وصف مشاهد التحمل والارتحال .
المديح .
وصف الحرب وويلاتها .
الحكم والأمثال .
أ ـ الوقوف على الأطلال :
أمن أم أوفــى دمنة لـم تكلـم بحـومانـة الــدراج فالمتثلـم
ودار لــها بالرقمتين كأنــها مراجع وشم فـي نواشر معصـم
بها العين والآرام يمشين خلفــة وأطلاؤها ينهضــن من كل مجثم
وقفت بها من بعد عشرين حجة فلأياً عـرفت الـدار بعـد توهم
أثافي سفعاً فـي معرس مرجــل ونـؤياً كجلم الحـوض لـم يتثلم
فلما عرفت الدار قلت لربعــها ألا عـم صباحاً أيها الربع واسلـم
المقدمة الطللية: ترمز عند الشاعر زهير الى الماضي المحبب لديه خاصة أنه يتحدث عن زوجته السابقة أم أوفى التي طلقها وبقي متعلقاً بها . إنها ترمز إلى حياة العرب المتنقلة ، وما يحدثه ذلك التنقل من فراغ في النفس يبعث الحزن والشجا ومن هنا كان الشعر الجاهلي عاطفي أو وجداني تتمحور عاطفته على الجانب الإنساني ، إن ما رآه الشاعر في تلك الديار المقفرة ليعيد إليه صورة البقر الوحشي والظباء وأولادها اللواتي كنَ يبعثن الحركة والحياة في النفس والوجود والتي تحولت بعد ذلك إلى بقايا حجارة سوداء تذكر بمراجل الطبخ التي لا يكاد يميزها الشاعر إلا بصعوبة كبيرة ، والصور والأخيلة في هذه المقدمة تبدو صادقة لأنها تعبر عن واقع عاشه الشاعرو أبرزه لنا بصورته الصحيحة .

ب ـ وصف مشاهد التحمل والارتحال :
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن تحملن بالعلياء من فوق جرثم
جعلن القنان عن يمين وحـزنـه وكم بالقنان من محل ومحرم
علـــون بأنمـاط عتاق وكلّة وراد حواشيها مشاكهة الدم
ظهرن من السوبان ثم جزعنـه علـى كلّ قيني قشيب ومفأم
وورّكن في السوبان يعلون متنه عليهـن دلَ الناعـم المتنعم
كأن فتات العهن فـي كـل منزل نزلن به حبّ الفنا لم يحطم
بكرن بكورا واستحرن بسحرة فهن ووادي الرس كاليد للفم
فلمــا وردن الماء زرقا حجامه وضعن عصي الحاضرالمتخيم
وفيهن ملـهى للطيف ومنظــر أنيق لـعين الناظر المتـوسم
مستويات النص عند زهير :
المستوى المعنوي للأبيات :
الشاعر استقى معانيه من البيئة المحيطة به ، وهي معاني ليست جديدة ولا تحتاج إلى إعمال الفكر من أجل فهمها ، وهي شريفة لأن العقل الصحيح والمنطق السليم لا ينفر منها ، ذلك أنه لم يتعرض في معانيه للمرأة مباشرة ، بل وصفها مـن خلال صورة متكاملة وليست مرتبطة بالمغامرات كما عند طرفة وامرئ القيس .
المستوى العاطفي والخيالي :
بدت عاطفة الشاعر عاطفة حب تنطلق من ذاته وتعبر عن مكنونات نفسه ، وهي عاطفة صادقة لأنـها تعبـر عـن غريزة إنسانية شريفة ، وتنظر للمرأة علــى أنـها عنصر جمالي وروحي في هـذه الطبيعة .
وصوّر الشاعر ثياب النسوة المرتحلات باللـون الأحمـر وجعل فتات العهن أيضاً بهذا اللون ، كما صور مكانهن من وادي الرس كمكان اليد من الفم ، وصوره بدت روحية لا جسدية تشكل هـذه الصورة لوحة فنية وهي تهتم بالجزئيات وتتصف بالواقعية لأنها عبرت بأسلوب التشبيه عن واقع صورة من صور الارتحال العربي .
المستوى الأسلوبي للأبيات :
بدت ألفاظ الشاعــر جزلة لأن حروف كلماته تملأ الفـم ( اللام ، الميم ، الكاف ، القاف ... ) وهي مستقاة من الواقع الصحراوي الذي يرمز إلى صعوبة الكلمات ومع ذلك فقد خدمت هـذه الألفاظ معانـي الشاعـر وعبـرت عـن مكنونات نفسه ، واللغـة عنـد الشاعر موجزة وهي لغة تعبيرية وتصويرية في جوانب أخرى، ولهذه الألفاظ طاقة موسيقية تريح الأذن عند سماعها . أما التراكيب فقد غلب على جملها الطابع الخبري، وهـي فـي معظمها قصيرة الطول رسمت معاني وعواطف الشاعر بشكل دقيق .
ج ـ وصف الحرب
ومَا ُهَو عَنْهَا بالحَديثِ الُمرَجَّمِ وَمَا الحَرْبُ إِلا ما عَلِمْتُم وَذُقْتُمُ
وَتَضْرَ إِذا ضَرَّيْتُمُوها فَتَضْرَم مَتَى تَبْعَثُوها تَبْعَثُوها ذَميمَةً
وَتَلْقَحْ كِشَافاً ثمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ فَتَعْرُكُكْم عرْكَ الرّحى بثِقالها
كأَحْمَرِ عادٍ ثمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ فَتُنْتِجْ لَكُمْ غلْمانَ أَشأَمَ كّلهمْ
قُرًى بالعرَاقِ من قَفِيزٍ وَدِرْهَمِ فتُغْلِلْ لكُمْ مَا لا تُغِلُّ لأهْلِهَا
المستوى المعنوي للأبيات :
وصف الحرب بأنها آلة تقتل الناس وتترك أولادهم ضعافاً هزالا، وأن قيام الحرب لم تكن برأي حصين بن ضمضم فقد ستر ما عرفه عن حقيقة تلك الحرب ولـم يقتل ذلك العبسي إلا بمفرده وهي معاني شريفة أراد الشاعـر منها أن ينفر مـن حالة الحـرب وأن يبعد شبح الحرب عن قبيلتي عبس وذبيان ، والعقل السليم يقبل بما أشار إليه زهير .
المستوى العاطفي للأبيات :
حملت أبيات الشاعر إنسانية مفعمة بالمحبة والشفقة على فناء أهل القبيلتين وعلى ما يحدث لأبنائهم من تشرد ووصف. وهـي عاطفة صادقة لأن الشاعـر وصف الحرب وصفا واقعيا
المستوى الخيالي والتصويري للأبيات :
اكتظت الأبيات بالاستعارات التي أبرزت المعاني بشكلها المعبر واللافت للانتباه ، فالحرب نار تحرق ورحى تطحن وتعـرك وناقة تحمل توأمين وناقة تنتج غلمـان الشؤم وهـي أرض تغل بالقتلى كما أن الرجـل الذي قتله حصين بن ضمضم يشبه الأسد واستعمل كناية أم قشعم ، وبذلك بدا الخيال عند الشاعر آلة تصوير حساسة تلتقط أدق الصور الواقعية التي تجعل النفس تتقزز ذكر الحرب .
المستوى الأسلوبي للأبيات :
نظـراً لكـون زهير أحـد أركان المدرسة الأوسية التـي تعتمـد المحاككة فـي الشعر واختيار الألفاظ المعبـرة الجزلة فقد كانت ألفاظه خادمة للمعاني بحيث جعل الحرب طعاما يذاق وصفه تذم ، ونادرا ما تحس حرارتها . وهـي ألفاظ جزلة الحروف ( اللام ، الميم ، الكاف، القاف )ـ (ذقتم ، تعرككم ، تلقح ـ تضلل ـ ضمضم)
أما تراكيبه فقـد كانت متناوبة بين الطول والقصر فمـن التراكيب القصيرة ( تلقح كشافا ، ترضع ، تفطم ) ومن التراكيب الطويلة ( إذا طلعت إحدى الليالي بمعظم ).
د ـ الحكمة والأمثال:
46 ثَمانِينَ حَولاً لا أَبا لَكِ يَسأمِ سَئِمْتُ تَكالِيفَ الحَيَاةِ وَمَنْ يَعِشْ
47 وَلكِنَّني عن عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ وَأَعْلَمُ مَا فِي الْيَوْمِ وَالأَمْسِ قَبْلَهُ
48 تُمِتْهُ وَمِنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ رَأَيْتُ الَمنايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَن تُصِبْ
49 يُضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ وَيُوطَأْ بِمَنْسِمِ وَمَنْ لم يُصانِعْ في أْمُورٍ كَثِيرَةٍ
50 يَفِرْهُ وَمَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ وَمَنْ يَجْعلِ المعْروفَ مِن دُونِ عِرْضِهِ
51 على قَوْمِهِ يُسْتَعْنَ عنْهُ وَيُذْمَمِ وَمَنْ يَكُ ذا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بفَضلِهِ
52 إِلى مُطْمَئِنِّ الْبِرِّ لا يَتَجَمْجمِ وَمَنْ يُوفِ لا يُذْمَمْ وَمن يُهدَ قلبُهُ
53 وَإِنْ يَرْقَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الَمنَايَا يَنَلْنَهُ
54 يَكُنْ حَمْدُهُ ذَمّاً عَلَيْهِ وَيَنْدَمِ وَمَنْ يَجْعَلِ الَمعْرُوفَ في غَيْرِ أَهْلِهِ
55 يُطيعُ الْعَواِلي رُكِّبَتْ كلَّ لَهْذَمِ وَمَن يَعْضِ أَطْرَافَ الزِّجاج فإِنَّهُ
56 يُهَدَّمْ وَمَنْ لا يَظلمِ الْنّاسَ يُظَلمِ وَ‍مَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاِحهِ
57 وَمَنْ لَمْ يُكَرِّمْ نَفْسَهُ لم يكَرَّمِ وَمَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسِبْ عدُوَّا صَدِيقَهُ
58 وَإِنْ خَالَها تَخْفَى على النّاسِ تُعْلَمِ وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِىءِ مِنْ خْلِيقَةٍ
59 زِيَادَتُهُ أَوْ نَقْصُهُ فِي التَّكَلّمِ وكائنْ تَرَى من صامِتٍ لَكَ مُعْجِبٍ
60 فلَمْ يَبْقَ إِلا صورَةُ اللَّحْمِ والدَّمِ لسانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فؤَادُهُ
61 وَإِنَّ الْفَتَى بَعْدَ الْسَّفَاهَةِ يَحْلُمِ وَإِنَّ سَفَاهَ الْشَّيْخِ لا حِلْمَ بَعْدَهُ
62 وَمَنْ أَكْثَرَ التّسآلَ يَوماً سَيُحْرَمِ سأَلْنا فَأَعْطَيْتُمْ وَعُدْنَا فَعُدْتُمْ
لعلّ كون زهير من الشعراء الحنفاء جعله يبثّ حكمته في تنايا شعره ، ويدعو المتلقين لشعره في قبيلته وبين القبائل الأخرى إلى التعقل والتأني والصبر وأخذ الأمور بموازين الرضى بالأقدار ومصانعة الناس وإظهار القوة والشجاعة والتجلد ،
يقول زهير في وصف القضاء والقدر :
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه وإن طال أسباب السماء بسلم
ويقول في وصف ضرورة مداراة الناس ومجاملتهم والتعاون معهم :
ومن لا يصانع في أمور كثيرة يضّرس بأنياب ويوطأ بمنسم
ويقول زهير في وصف دور الشجاعة والقوة والدفاع عن النفس والقبيلة :
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلم
وقد تميزت حكمة زهير بأنها مستقاة من التجربة الواقعية وليس من الخلفية الفلسفية ومن هنا أعجب عمر بن الخطاب بزهير وخاصة بيته القائل:
وإنّ الحقّ مقطعه ثلاث يمين أو نفار أو جلاء


الصنعةعند زهير بن أبي سلمى

يعد زهير من أبرز شعراء الصنعة في العصر الجاهلي. فقد كان يأخذ شعره بالثّقاف والتنقيح والصقل. وكأنه يفحص ويمتحن ويجرّب كل قطعة من قطع نماذجه، فهو يعني بتحضير مواده، وهو يتعب في هذا التحضير تعباً شديداً. ومن يتتبع القدماء في درسهم له يجدهم يلاحظون أنه خرج من بيت شعر. إذ كان زوج أمه أوسُ بن حجر شاعراً. وكذلك كانت أخته شاعرة. وكان ابنه كعب شاعراً مشهوراً، وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصيدة معروفة. ولكعب أخ يسمى بجيرا كان شاعراً أيضاوإذا استمررنا وجدنا لكعب أبناء وأحفاداً من الشعراء. وتتفق الروايات على أن الحطيئة كان راوية لزهير. وأن هدبة كان راوية للحطيئة. وأن جميلاً كان راوية لهدبة،
وأن كثيراً كان راوية لجميل. إذن فنحن أمام مدرسة في الشعر أستاذها زهير وتلامذتها جماعة. تارة يكونون من أهل بيته. وتارة لا يكونون. وهي مدرسة "كانت تعتمد على الأناة والرويّة. وتقاوم الطبع والاندفاع في قول الشعر مع السجية، فكثر عندها التشبيه، والمجاز والاستعارة، واتكأت في وصفها على التصوير المادي، وأن يأخذ الشاعر نفسه بالتجويد والتصفية والتنقيح ثم التأليف فهو يعنى بتحقيق صوره و لا يأتي بها متراكمة بل يعمد إلى تفصيلها وتمثيلها.
تنازعها المها شبها ودرّ النُّـ
فأما ما فويق العقد منها
وأمـا المقلتـان فـمـن مـهـــاة حور وشاكهت فيها الظباءُ
فمن أدماءَ مرتعُها الخَلاءُ
والــدّرّ المـلاحـــةُ والصـفـــاءُ

ولم يكتف بأن يشبه صاحبته بالظباء والمها والدر جملة بل رجع إلى تفصيل ذلك وتحقيقه، فجعل للظباء ما فويق العقد وجعل للمهاة عينيها وللدر الملاحة والصفاء. وكان لزهير مهارة خاصة في استخدام الألفاظ والعبارات المثيرة التي تجعل المنظر كأنه يتحرك تحت أعيننا، وانظر إلى قوله في وصف صيد وحكايته للغلام الذي أنبأه به:
إذا ما غدونا نبتغي الصّيد مرّة
فبينا نُبغّي الصيد جاء غلامنا
فقـال: شـــياهٌ رائعــاتٌ بقفــرةٍ متى نرهُ فإننا لا نخاتلُه
يدبُ ويخفي شخصه ويضائله
بمسـتأسـد القربـان حـو مسـايلـه

ثلاثٌ كـأقـواس السّـراء ومسـحـلٌ قد اخضرَّ من لـسّ الغميـر جحافلـه
انظر إلى معاني الأفعال وحكايتها للصورة. فغلامه يدب دبيباً، وهو يخفي شخصه كأنه يتوارى عن الأعين، وانظر إلى الفعل الأخير (يضائله) فإنه يفيد معنى التدرج الذي يلازم صورة متحركة، وانظر بعد ذلك إلى البيت الأخير وهذا اللون الأخضر الذي علق بفم الوحش لكثرة ما أكل من النبات فإنك تجد مادة أخرى من مواد التصوير عند زهير إذ تراه لا يكتفي (بالتفصيل) ولا باستعمال (العبارات التي تجعل الأشياء كأنها منظورة) بل هو يضيف (التدريج) أي لون موصوفاته إلى تصويره حتى يأخذ الشكل ويستّم الوصف.
كان زهير يعنى بتصويره عناية شديدة وكان ما يزال يحتال على إحكامه تارة بتفصيله وتارة بتلوينه وأخرى باستخدام العبارات التي تعطيه قوة المنظور، وكأنه كان يعرف في دقة الكلمة التي تلائم وصفه معرفة الصانع الماهر الذي اطّلع على كثير من أسرار فنه والأدوات التي يستخدمها في صناعته. ويستطيع القارئ أن يعود إلى مطوّلته فسيراها تصور مهارته في صنع صورته تصويراً دقيقاً. وانظر إليه يسهلها بقوله:
أمـن أمّ أوفـى دمنـةٌ لـم تكلّـمِ بحـومانـة الـدّرّاج فالـمتثلّـمِ

ديارٌ لها بالرّقمتين كأنها
بها العين والآرام يمشين خلفةً
وقفتُ بها من بعد عشرين حجّةً
أثافيَّ سفعاً في معرَّس مرجلٍ
فلـمـا عرفـت الـدار قلـت لربعهـا مراجعُ وشمٍ في نواشرِ معصم
وأطلاوها ينهض من كل مجثمِ
فلأيا عرفت الدار بعد توهّم
ونؤياً كجذم الحوضِ لم يتثلَّمِ
ألا انعم صباحـا أيـها الرّبـعُ واسـلـم
وواضح في هذا المطلع الذي يصف فيه زهير الطلل أنه يعتمد في تصويره على التفاصيل وأن يعطي كل جزء حقه، فهو من الشعراء المصورين الذين يحاولون عرض المناظر أمامنا بكل أجزائها وتفاصيلها ، وانظر في البيت الثالث إلى هذه الوحش التي اتخذت دار صاحبته مقاماً، فإنك تراها تمشي أمامك خلفة، أي في جهات متضادة، وقد نهضت أطلاؤها الصغار وانتثرت هنا وهناك،
وعلى هذا النمط ما يزال زهير يعنى بنماذجه عناية شديدة، وهو يوزع هذه العناية على كل جانب فيها، وحقّاً ما لاحظه السابقون من أنه كان يجهد نفسه في عمله حتى ليمكث في عمل القصيدة حولاً كاملاً، وما الحول إزاء العمل الفني الجيد؟ إن زهيراً لم يكن يطلب أفقاً وسطاً، بل كان يريد أن يحلّق في الأفق الأعلى، ولذلك كان يحقق لنماذجه وصوره كل ما يمكن من مهارة، وهي لا تقف عند هذه الجوانب التي وصفناها، بل تتعداها إلى جانب آخر مهم، وهو جانب "الإغراب في التصوير" على نحو ما نراه يصور الحرب في معلقته هذا التصوير الرائع:
وما الحربُ إلا ما علمتم وذقتمُ
متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً
فتعرككم عرك الرّحى بثقالها
فتغـلـل لـكـم مـا لا تغـلُّ لأهلهـــا وما هو عنها بالحديث المُرجّمِ(1)
وتضرَ إذا ضرّيتموها فتضرمِ(2)
وتلقح كشافا ثم تنتج فتتئمِ(3)
قـرىً بالعـراق مـن قفيـزٍ ودرهــمِ(4)

الخصائص الفنية لشعرزهير بن أبي سلمى
نظراً لكون زهير من مدرسة عبيد الشعر التي كان من أركانها: (أوس بن حجر و بشامة بن الغدير ، وابناه كعب وبجير ، الحطيئة ، وجميل بن معمر ) . فإنه اهتم بالصناعة الشعرية اهتماما كبيرا ، حتى قيل إن زهيرا يكتب القصائد الحولية المحككة ، ولو أن استقصينا الخصائص الفنية عند هذا الشاعر لوجدنا أنه يتميز بميزات جعلته من شعراء الطبقة الأولى كما ذكر ابن سّلام .
وأهم الخصائص الفنية لشعره:
1-الخصائص الفنية للمعاني : طرق زهير معظم أغراض الشعر وعبّر عن أغراضه بمعان شريفة سامية جليلة ، فهو إذا مدح ارتقى وإذا تغزّل تعقل في غزله، وإذا عرض تجاربه كانت حكماً وأمثالاً والشواهد معروفة لدينا .
2-الخصائص الفنية للألفاظ : عبّر زهير عن معانيه السالفة الذكر بألفاظ تميل إلى التجميل (الإيجاز ) في الألفاظ ، واختيار هذه الألفاظ اختياراً عقلياً وعاطفياً وشعورياً بحيث تكون مستقاة من بيئة الشاعر الجاهلية فلا يذكر في المدح إلا ألفاظاً تتلبس معاني الممدوح تلبساً واقعياً وهي ألفاظ جزلة في موطن الجزالة ورقيقة في موطن الرقة ( بكرن بكورا ، استحرن بسحرة ، أطراف الزجاج ).
3-الخصائص الفنية للخيال والصور: امتلك زهير خيالاً واسعاً اعتمد عليه في رسم صوره وإن غلّب التشبيه على هذه الصور كما هو الحال في معظم الشعر الجاهلي ومن ذلك قوله : (فهن ووادي الرس كاليد للفم ). وهو تشبيه حسي مجسم : (فتعرككم عرك الرحى بثفالها) استعارة تعتمد على التخيل المجسم الواقعي : (يضرّس بأنياب ويوطأبمنسم ) كناية عن الذم والإذلال ) أي الرجال المهذب ) ايجاز فيه من الحذف.
4-خصائص الشعور والعاطفة : تميزت مشاعر زهير تجاه ممدوحيه بالصدق ، والصدق الفني بحيث بدت عاطفته صادقة ، لا تفارق ولا تغاير ما وقع في أحاسيسه تجاه هؤلاء الممدوحين .






معلقة زهير بن أبي سلمى

1 بِحَوْمَانَةِ الدَّرَّاجِ فَالُمتَثَلّمِ أَمِنْ أُمِّ أَوْفَي دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ
2 مَرَاجِيعُ وَشْمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعْصَمِ وَدَارٌ لها بالرَّقْمتَيْنِ كأَنَّهَا
3 وَأَطْلاَؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ بِهَا الْعَيْنُ وَالأَرْآمُ يْمَشِينَ خِلْفَةً
4 فَلأْياً عَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ وَقَفْتُ بِهَا من بعْدَ عِشْرِينَ حِجَّةً
5 وَنُؤْياً كَجِذْمِ الْحوْضِ لم يتَثَلَّمِ أَثَافِي سُفْعًا فِي مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ
6 أَلا أنْعِمْ صَبَاحاً أَيُّهَا الرَّبْعُ وَاسْلَمِ فَلَمَّا عَرَفْتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِهَا
7 تَحَمَّلْنَ بالعَلْيَاءِ من فَوْقِ جُرْثُمِ تَبَصَّر خَلِيلي هَلْ تَرَى من ظَعائِنٍ
8 وكَمْ بِالقنانِ مِن مُحِلِّ وَمُحْرِمِ جَعَلْنَ الْقنانَ عَنْ يَمينٍ وَحَزْنَهُ
9 ورَادٍ حَوَاشِيهَا مُشَاكهةَ الدَّمِ عَلَوْنَ بأَنْماطٍ عِتَاقٍ وَكِلَّةٍ
10 عَلَيْهِنَّ دَلُّ النَّاعِمِ المتَنَعِّمِ وَوَرَّكْنَ فِي الْسُّوبانِ يَعْلُونَ مَتْنَهُ
11 فَهُنَّ وَوَادِى الرَّسِّ كاليَدِ لِلْفَمِ بَكًرْنَ بُكُوراً وَاسْتَحَزْنَ بِسُحْرةٍ
12 أَنِيقٌ لِعَيْنِ الْنَّاظِرِ الُمتَرَسِّمِ وَفيهِنَّ مَلْهَىً لَّلطِيفِ وَمَنْظَرٌ
13 نَزَلْنَ بهِ حَبُّ الْفَنَا لم يحَطمِ كَأَنَّ فتَاتَ الْعِهْنِ في كلِّ مَنْزِلٍ
14 وَضَعْنَ عِصِيّ الْحَاضِرِ الُمتَخَيِّمِ فَلَمَّا وَرَدْنَ الَماءَ زُرْقاً جِمَامُهُ
15 على كلِّ قَيْنيِّ قَشِيبٍ وَمُفْأَمِ ظَهَرْنَ مِنَ السُّوبانِ ثُمَّ جَزْعْنَهُ
16 رِجالُ بَنَوْهُ مِن قُرَيشٍ وَجُرْهُمِ فَأَقْسَمْتُ بالبَيْتِ الّذِي طافَ حوْلَهُ
17 على كلِّ حالٍ من سَحيلٍ وَمُبْرَمِ يَميناً لَنِعْمَ الْسَّيِّدانِ وُجِدْتَما
18 تَفَانَوْا وَدُّقوا بَيْنَهُمْ عِطْر مَنْشِمِ تَدَارَ كُتما عَبْساً وَذُبْيَانَ بَعْدمَا
19 بمالٍ ومَعْروفٍ من الْقَوْلِ نَسْلَمِ وقَدْ قُلْتُما: إِنْ نُدْرِكِ السِّلْمَ واسِعاً
20 بَعِيدَيْن فيها مِنْ عُقُوقٍ ومَأْثَمِ فَأَصْبَحْتُما منها على خَيرِ مَوْطِنٍ
21 ومَنْ يَسْتَبِحْ كنزاً من الَمجدِ يَعْظُمِ عَظِيمْينِ فِي عُلْيَا مَعدِّ هُديِتُما
22 يُنَجِّمُهَا مَنْ لَيْسَ فِيهَا بِمُجْرِمِ تُعَفَّى الكُلُومُ بالِمئينَ فأصْبَحَتْ
23 وَلم يُهَرِيقُوا بَيْنَهُمْ مِلْءَ مِحْجَمِ يُنَجِّمُهَا قَوْمٌ لِقَوْمٍ غَرامَةً
24 مَغَانمُ شَىَّ مِنْ إِفَالٍ مُزَنّمِ فأصْبَحَ يَجَرِي فيهمُ منِ تلادِكُمْ
25 وَذُبيَانَ هل أَقْسَمْتُم كلَّ مُقْسَمِ أَلا أَبْلِغِ الأَحْلافَ عني رِسَالَةً
26 لِيَخْفَى ومَهْما يُكْتمِ اللهُ يَعْلَمِ فَلا تَكْتُمُنَّ اللهَ ما في نُفُوسِكمْ
27 لِيَوْمِ الحِسابِ أَوْ يُعَجَّلْ فيُنْقَمِ يُؤَخَّرْ فيُوضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدَّخَرْ
28 ومَا ُهَو عَنْهَا بالحَديثِ الُمرَجَّمِ وَمَا الحَرْبُ إِلا ما عَلِمْتُم وَذُقْتُمُ
29 وَتَضْرَ إِذا ضَرَّيْتُمُوها فَتَضْرَم مَتَى تَبْعَثُوها تَبْعَثُوها ذَميمَةً
30 وَتَلْقَحْ كِشَافاً ثمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ فَتَعْرُكُكْم عرْكَ الرّحى بثِقالها
31 كأَحْمَرِ عادٍ ثمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ فَتُنْتِجْ لَكُمْ غلْمانَ أَشأَمَ كّلهمْ
32 قُرًى بالعرَاقِ من قَفِيزٍ وَدِرْهَمِ فتُغْلِلْ لكُمْ مَا لا تُغِلُّ لأهْلِهَا
33 بمالا يُؤاتِيهمْ حَصينُ بنُ ضَمضمِ لَعَمْرِي لَنِعْمَ الحَيِّ جَرَّ عليهِمُ
34 فَلا هُوَ أَبْداها ولَمْ يَتَقَدَّمِ وكانَ طوَى كَشْحاً على مُسْتَكِنّةِ
35 عَدُوِّي بأَلْفٍ مِنْ وَرَائِيَ مُلَجَمِ وقَالَ سأقْضِي حاجتي ثُمَّ أَتَّقِي
36 لدى حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَها أَمُّ قَشْعَمِ فَشَدَّ فَلَمْ يُفْزِعْ بُيُوتاً كثيرةً
37 لَهُ لِبَدٌ أَظْفَارُهُ لَمْ تُقَلَّمِ لدى أَسَدٍ شاكي السِّلاحِ مُقَذَّفٍ
38 سَريعاً، وَإِلا يُبْدَ بالظلمِ يَظْلِمِ جَرِيءِ مَتى يُظْلَمْ يُعَاقِبْ بِظْلمِهِ
39 غِماراً تَفَرَّى بالسِّلاحِ وبالدَّمِ دعوا ظِمأَهْم حتَّى إِذا تَم أوْرَدُوا
40 إِلى كلإِ مُسْتَوْبِلٍ مُتَوَخِّمِ فَقَضَّوا مَنايا بَيْنَهُم ثمَّ أَصْدَروا
41 دَمَ ابْنِ نَهِيكٍ أَوْ قَتِيلِ الُمثَلّمِ لَعَمرُكَ ما جَرَّتْ عَلَيْهِمْ رِمَاحُهمْ
42 وَلا وَهَبِ مِنْها وَلا ابنِ الُمَخَّزمِ وَلا شَاركَتْ في الَموْتِ فِي دَمِ نَوْفَل
43 صَحِيحاتِ مالٍ طالِعاتٍ بِمَخْرِمِ فكُلاَّ أَرَاهُمْ أَصْبَحُوا يَعْقِلُونَهُ
44 إِذَا طَرَقَتْ إِحْدى اللَّيالي بُمعْظَمِ لِحَيِّ حِلالٍ يَعصِمُ الْنَّاسَ أَمْرُهُمْ
45 وَلا الَجارِمُ الجَاني عَلَيْهم بُمسْلَمِ كِرامٍ فَلاذُو الضِّغْنِ يُدْرِكُ تَبْلَهُ
46 ثَمانِينَ حَولاً لا أَبا لَكِ يَسأمِ سَئِمْتُ تَكالِيفَ الحَيَاةِ وَمَنْ يَعِشْ
47 وَلكِنَّني عن عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ وَأَعْلَمُ مَا فِي الْيَوْمِ وَالأَمْسِ قَبْلَهُ
48 تُمِتْهُ وَمِنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ رَأَيْتُ الَمنايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَن تُصِبْ
49 يُضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ وَيُوطَأْ بِمَنْسِمِ وَمَنْ لم يُصانِعْ في أْمُورٍ كَثِيرَةٍ
50 يَفِرْهُ وَمَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ وَمَنْ يَجْعلِ المعْروفَ مِن دُونِ عِرْضِهِ
51 على قَوْمِهِ يُسْتَعْنَ عنْهُ وَيُذْمَمِ وَمَنْ يَكُ ذا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بفَضلِهِ
52 إِلى مُطْمَئِنِّ الْبِرِّ لا يَتَجَمْجمِ وَمَنْ يُوفِ لا يُذْمَمْ وَمن يُهدَ قلبُهُ
53 وَإِنْ يَرْقَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الَمنَايَا يَنَلْنَهُ
54 يَكُنْ حَمْدُهُ ذَمّاً عَلَيْهِ وَيَنْدَمِ وَمَنْ يَجْعَلِ الَمعْرُوفَ في غَيْرِ أَهْلِهِ
55 يُطيعُ الْعَواِلي رُكِّبَتْ كلَّ لَهْذَمِ وَمَن يَعْضِ أَطْرَافَ الزِّجاج فإِنَّهُ
56 يُهَدَّمْ وَمَنْ لا يَظلمِ الْنّاسَ يُظَلمِ وَ‍مَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاِحهِ
57 وَمَنْ لَمْ يُكَرِّمْ نَفْسَهُ لم يكَرَّمِ وَمَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسِبْ عدُوَّا صَدِيقَهُ
58 وَإِنْ خَالَها تَخْفَى على النّاسِ تُعْلَمِ وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِىءِ مِنْ خْلِيقَةٍ
59 زِيَادَتُهُ أَوْ نَقْصُهُ فِي التَّكَلّمِ وكائنْ تَرَى من صامِتٍ لَكَ مُعْجِبٍ
60 فلَمْ يَبْقَ إِلا صورَةُ اللَّحْمِ والدَّمِ لسانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فؤَادُهُ
61 وَإِنَّ الْفَتَى بَعْدَ الْسَّفَاهَةِ يَحْلُمِ وَإِنَّ سَفَاهَ الْشَّيْخِ لا حِلْمَ بَعْدَهُ
62 وَمَنْ أَكْثَرَ التّسآلَ يَوماً سَيُحْرَمِ سأَلْنا فَأَعْطَيْتُمْ وَعُدْنَا فَعُدْتُمْ

وقال زهير أيضا يمدح حصن بن حذيفة بن بدر :
صحا القلبُ عن سلمى وأقصَر باطله وعُريَ أفراسُ الصِّبا ورواحلهْ
وأقصر عما تعلمين وسددت علي سوى قصْدِ السَّبيل ِ معادلهْ
وقال العذارى : إنما أنتَ عمُّنا وكان الشبابُ كالخليط نُزايلهْ
فأصبحتُ ما يَعْرفنَ إلا ّ خَليَقتي وإلا سوادَ الرأس ِ والشيبُ شاملهْ
لمِن طللٌ كالوَحي عاف ٍ منازلهْ عفا الرسُّ منهُ فالرُّسَيْسُ فعاقلهْ
فرقد فصارات فأكناف منعج فشَرْقيُّ سلمى حوضُهُ فأجاولهْ
فوادي البديِّ فالطويُّ فثادِقٌ فوادي القنان ِ جزْعُهُ فأفا كلهْ
وغيثٍ من الوَسْميِّ حُوِّ ِتلاعُهُ أجابتْ روابيه النِّجا وهو اطلُهْ
هَبَطتُ بمَمْسُودِ النواِشر ِ سابح ٍ مُمَـرٍّ أسيل ِ الـخدِّ نَهْـدٍ مَـرا كلُهْ
تميم ٍ فلوْناه فأكـْمِلَ ُصنْعُـهُ فـَتمَّ وعَـزّ تهُ يـداهُ و كـاهلهْ
أمين ٍ شَظاهُ لم يُخَرَّقْ صِفا ُقهُ ِبمنْقبةٍ ولم ُتقطعْ أبـاجلـهْ
إذا ما غَدَونا نبتغي الصيدَ مَرةً مـتى نرَهُ فإنّنا لا نـخاتـلهْ
فبينا ُنبَغّي الصيدَ جاءَ غلامُنا يـدبُّ ويـُخْفي شـَخْصَه و ُيضائِلهْ
فقال : شِياهٌ راتعاتٌ بقفرَةٍ بمُستأسِدِ القريان ِ حُـوٍّ مـسائِلهْ
ثلاثٌ كأقواس ِ السَّراءِ ومِسْحَلٌ قدِ احضرَّ من لسِّ الغَمير ِجَحافِلهْ
وقد خَرَّمَ الطرّادُ عنه جحاشَه فـلم يبـق إلا نفِسـه وحـلائـِلهْ
فقال أميري : ما ترى رأي ما نرى أنَختِله عن نفسِه أم ُنصاولهْ
فبتنا عراة ًعند رأس جوادِنا يُـزاوُلنا عـن نفسِـه ونُـزاولـهْ
ونضـربهُ حـتى اطمأنّ قذالهُ و لـم يَطمَئِنَّ قلـُبه و خصائِلهْ
ومُلجمنا مــا إن ينالُ قذالهُ و لا قدمـاه الأرضَ إلا أناملهْ
فلأياً بلأي ٍ مـا حمـلنا و لـيدَنا على ظهر محبوكٍ ظِماء مفاصـلهْ
وقلتُ لـه : سدِّدْ وأبصِرْ طريقه ومـا هو فيه عن وَصاتيَ شاغلهْ
وقلتُ : تعَلمْ إنَّ للصّيدِ غِرَّة ً وإلا تـُضَيِّعْـها فإنـك قـاتـلـهْ
فتبَّع آثارَ الشِّـياهِ وليــدُنا كـشؤبْوبِ غَيْثٍ يخْفِشُ الأكمَ وإبلهْ
نَظرْت إليهِ نَظرةً فرايتـهُ على كلّ حال ٍ مَـرَّةً هو حـاملهْ
يثرْنَ الحصى في وجهه وهو لاحقٌ سـِراعٌ تـواليه صِيـابٌ أوائـلهْ
فردّ علينا العَيْرَ من دون ِ إلفِه على رَغمِهِ يَدْمى نَسـاهُ وفائلهْ
ورُحْنا بـهِ َينضو الجياد عَشيّة ً مُخضَّبَة ً أرساغهُ وعـوامـلهْ
بذي مَيْعَةٍ لا موضعُ الرمح ِ مُسْلِم لبُطء ولا ما خَلفَ ذلك خاذلهْ
وأبيضَ فيّاض ٍ يـداه غمامة على مُعْتفيهِ مـا ُتغِبُّ فـواضلهْ
بكرتُ عليه ُغدْوة ً فرأيتهُ ُقعوداً لدَيْهِ بالـصَّريـم ِعَواذلهْ
ُيفدِّينَهُ طورْاً وطورا يلمْنه وأعْيا فمـا يَدْرينَ أينَ مَخاتلهْ
فاقصَرْنَ منه عن كريم ٍ مُرَزَّأٍ عزوم على الأمر الذي هو فاعلهْ
أخي ثقةٍ لا ُتتلِف الخمرُ مالهُ ولكـّنه قـد يـهلكُ الـمالَ نـائلهْ
تـراهُ إذا مـا جـِئته مُتهََللا ّ كأنّك تـُعطيهِ الذي أنت سـائـلهْ
وذي نسبٍ ناءٍ بعيدٍ وصلتهُ بمالٍ ومـا يـدري بأنك واصـلهْ
وذي نعمةٍ تمَّمْتها وشـكرتهَا وخصم ٍ يـكادُ يغلبُ الحقَّ باطلهْ
ودَفعْتَ بمعروفٍ من القول ِ صائبٍ إذا مـا أضلَّ الناطقينَ مَفاصلهْ
وذي خَطل ٍ في القول يحسَبُ أنهُ مُصيبٌ فما يُلمِمْ به فهْو قائلهْ
عبأتَ له حلماًَ وأكرمتَ غيرَه وأعرضتَ عنه وهو بادٍ مقاتلهْ
حُذيْفة يَنْميهِ و بـدرٌ كلاهـما إلى باذخ ٍ يـعلو على من يـُطاولهْ
ومن مثل حصن في الحروب ومثله لإنكار ضيم ٍ أو لأمرٍ يحاولهْ
أبى الضَيمَ والنعمانُ يحرقُ نابَه عليه فأفضى والسـيوفُ معاقـلهْ
عزيزٌ إذا حلَّ الحليفان ِ حـولهُ بذي لجَبٍ لـجّاتهُ وصـواهـلهْ
يُهَدَُّ لهُ ما دونَ رَمْلةِ عالج ٍ ومَنْ أهلهُ بالغَوْرِ زالت زلازلهْ

قال زهير أيضا يمدح هرم بن سنان والحارث بن عوف :
صحا القلبُ عن سلمى وقد كاد لا يسلو وأقفرَ من سلمى التعانيقُ فالثقلُ
وقد كنتُ من سلمى سنينَ ثمانياً على صِير ِ أمرٍ ما يَمرُّ وما يَحْلو
وكنتُ إذا مات جئتُ يوماً لحاجةٍ مضتْ وأجَمَتْ حاجة الغدِ ما تخلو
وكلُّ مُحِبٍّ أحدثَ النأيُ عندَه سُلوَّ فؤادٍ غيرَ حُبِّكَ ما يسلو
َتأوَّ بَني ذِكرُ الأحِبّةِ بعدَما هَجَعْتُ ودوني ُقلة الحزْن ِ فالرَّمْلُ
فأقسمتُ جَهْداً بالمنازل ِمن منى وما سُحِقتْ فيه المقادمُ والقمُل
لأرتحَـلنْ بالـفجرِ ثــُمَّ لأدْأبَنْ إلى الليل إلا أن يُعَرِّجَني طفلُ
إلى مَعْشَرٍ لم يُورثِ اللؤمَ جَدُّهُمْ أصاغرَهم وكلُّ فحْل ٍ له نجْلُ
َترَّبصْ فإن ُتقوِ المرَوْراةُ منـهمُ وداراتها لا تُقوِ منهمْ إذنْ نَخْلُ
فإن تقويا منهمْ فإنَّ مُحَجِّراً وجَزْعَ الحسا منهمْ إذن قلما يخْل
بـلادٌ بها نـادمتهمْ وألـِفتُهُمْ فـإن ُتقويا منهمْ فإنهما بَـسْلُ
إذا فزعوا طاروا إلى مُسْتغيثِهمْ طوالَ الرماح ِ لا ضعافٌ ولا عزْلُ
بـِخَيْلٍ عليها جنَّــة عَـبْقريّة جديرونَ يوماً أن ينالوا فيَسْتعْلوا
وان يقتلوا فيشتفى بدمائهم وكانوا قديما من مناياهم القتل
عليها اسود ضاريات لبوسهم سوابغ بيض لا تخرقها النبل
إذا لقحت حرب عوان مضرة ضروس تهر الناس أنيابها عصل
قضاعية أو أختها مضريـة يحرق في حافاتها الحطب الجزل
تجدهم على ما خليت هم إزاءها وان افسد المال الجماعات والأزل
يحشونها بالمشرفية والقنا وفتيان صدق لاضعاف ولا نكل
تهامون نجديون كيدا ونجعة لكل أناس من وقائعهم سجل
هم ضربوا عن فرجها بكتيبة كبيضاء حرس في طوائفها الرجل
متى يشتجر قوم تقل سرواتهم هم بيننا فهم رضى وهم عدل
هم جردوا أحكام كل مضلة من العقم لا يلفى لأمثالها فضل
بعزمه مأمور مطيع وآمر مطاع فـلا يـلغى لـحزمهم مثل
ولست بلاق بالجاز مجاورا ولا سفرا إلا لـه مـنهم حـبل
بلاد بها عزوا معدا وغيرها مشاربها عذب وأعلامها ثمل
هم خير حي من معد عملتهم لهم نائل في قومهم ولهم فضل
فرحت بما خبرت عن سيديكم وكانا امرأين كل أمرهما يعلو
رأى الله بالإحسان ما فعلا بكم فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها وذبيان قد زلت بأقدامها النعل
فأصبحتما منها على خير موطن سبيلكما فيه وان احزنوا سهل
إذا السنة الشهباء بالناس أجحفت ونال كرام المال في الجحرة الأكل
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم قطينا بها حتى إذا نبت البقل
هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا وان يسالوا يعطوا وان ييسروا يغلوا
وفيهم مقامات حسان وجوههم وأندية ينتابها الـقول والـفعل
على مكثريهم رزق من يعتريهم وعند المقلين السماحة والبذل
وإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم مجالس قد يشفي بأحلامها الجهل
وان قام فيهم حامل قال قاعد رشدت فلا غرم عليك ولا خذل
سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم فلم يفعلوا ولم يليموا ولم يألوا
فما يك من خير أتوه فإنما توارثه آباء آبائهم قـبل
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه وتغرس إلا في منابتها النخل



9 ـ عنترة بن شداد

أ ـ حياته ونشأته :
ينتسب عنترة إلى قبيلة عبس التي تسكن في منطقة نجد ، يكنى بأبي غلس ، ولقب بالفلحاء لشق في شفته السفلى ، كانت أمه أمة حبشية سوداء ، وكان أبوه من سادات عبس رعى عنترة الخيل ودرّب نفسه على الفروسية ، فكان فارساً لا يشق له غبار ، اضطر والده للاعتراف به وألحقه به بعد انتصاراته المذهلة ، أحبّ ابنة عمه وتعلّق بها وأمضى حياته مسترضياً إياها وتوفي بعد حياةٍ حافلةٍ بالفروسية من سهم أصيب به في إحدى غاراته وقيل إنه مات برداً ، وقد عمّر على الاغلب ووصل الى سن التسعين .
ب ـ شخصيته :
تميزت شخصية عنترة بالقوة والشجاعة والفروسية وأثر في تكوين هذه الشخصية عاملان رئيسيان :
الأول شدة سواده وانعكاس ذلك على الجانب الاجتماعي
الثاني : تعلقه بابنة عمه ومحاولاته إثبات تفرده وتميزه ليحضى بقبولها
يقول عنترة :
إن كنت في عدد العبيد فهمتي فوق الثريا والسّماك الأعزل
ج ـ آثاره :
ترك عنترة قصائد شعرية جمعت في ديوان تجاوز(1500) بيت في الحبّ والفروسية والشجاعة وأكثر أشعاره نضجاً معلقته التي تجاوزت السبعين بيتاً وشرحها الزوزني وغيره .


د ـ معلقته :
كتب عنترة معلقة كغيره من شعراء المعلقات وأظهر فيها براعة في النسج ، إضافة إلى أنه رسم فيها معالم شخصيته وطموحه وقد قسمت المعلقة إلى الأقسام التالية :
1-الوقوف على الأطلال .
2-مشاهد التحمل والارتحال .
3-وصف المحاسن .
4-وصف الناقة.
5-البطولة والفروسية
6-خاتمـــة.
الوقوف على الأطلال : وقف عنترة العبسي كغيره من الشعراء على أطلال محبوبته فبكى الديار مستفهماً ومتسائلاً ومعبراً عن مكنونات نفسه التي تعلقت بالأحبة تعلقاً شديداً :
يا دارعبلة با لجواء تكلمي وعمي صباحاً دارعبلةواسلمي
حييت من طلل تقادم عهده أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثـــم
ويمثل هذا الوقوف على الأطلال عند عنترة ظاهرة الحب الحقيقي لا التقليد الأعمى ، فهو محب صادق مخلص يتفانى في سبيل إثبات الوجود وانتزاع التقدير من المحب :
ولقد نزلت فلا تظني غيره منّي بمنزلة المحب المكرم
مشاهدالتحمل والارتحال : إذا كان عنترة العبسي من الشعراء المخلصين الصادقين بحبهـم فإنه يتعلّق بمحبوبته تعلقاً شديداً يجعل عليه من الصعب أن يرى بأم عينيه رحيل أحبته دون أن يستوقفه ذلك المشهد الحزين ولذا وجد لزاماً عليه أن ينقل لنا هذه المشاعر الفياضة التي تبرز لحظة الفراق ليلاً مظلماً : إن كنت أزمعت الفراق فإنمــا زمّـت ركائبكم بليل مظلـــم ما راعني إلا حمولة أهلـــها وسط الديار تسف حَبّ الخمخم
إنه يشعر بالهلــع والخوف أمام هــذا المشهد الذي يجعله يعود إلـــى الظلام النفسي المغترب والمقترن بالغربان السود .
وصف المحاسن : وصف عنترة محاسن عبلة وصفاً بارعاً وأبرزها بين نظيراتهـا شخصية متميزة بصفات الكمال التي تنظر إلى المرأة على أنها عنصر إنساني لا تستقيم الحياة إلا به ، لا على أنها مفاتن جسدية تتعلـق بالغرائز والشهوات وهـذه سمة مـن سمات الغـزل الجاهلـي الذي يعتمد الحشمة والوقار فلا يصف مـن المرأة إلا مبسمها ورائحة المسك التي تتضوع من عارضيها
إذ تستبك بذي غروب واضح عـذب مقبلــه لذيــذ المطعم
وكأن فارة تاجر بقســـيمة سبقت عوارضها إليك من الفم
أو روضة أنفاً تضمّن نبتهـا غيت قليل الّدمن ليس بمعلـم
وصف الناقة: أسقط عنترة على ناقته التي اسعفته بالوصول إلى دارعبلة صفات انموذجية ، فهي ناقة قد ترعرعت بمنطقة الشدنية التي لا تنتج إلا الإبل المميزة وهي تمشي مشيــة متميزة تهشم ما يقع تحت خفيها ، وهي ناقته الأنوفة لا تقبل أن تشرب إلا من حياض العرب فإذا بركت على الأرض أحدثت صوتاً مجلجلاً وكنا ننتظر من هذا الفارس أن يصف فرسه أو حصانه الذي يشتكي أحياناً إليه من خوضه غمار الحرب دون أن يشتكي فارسه :
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولكان لو علـم الكلام مكلمـي
وهي من قصيدة مطلعها :
يا دار عبلـة بالجــواء تكلمـي وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي

وصف البطولة الفروسية الخلقية والحربية : تميز عنترة العبسي واشتهر بالبطـولة والتضحية، إذ أنه فارس يحمل أخلاق الفرسان العرب في السلم والحرب فهويته في السلم تتمثل في :
1-رفض الضيم . 2-إنفاق المال .
3- صون العرض.
4- يحمي المرأة .
5- لا يطلع على أسرار الجارات والجيران.

أما صفاته في الحرب: 1- يمتطي صهوة جواده دائماً . 2- لا ينازل إلا الأبطال الشجعان . 3- يهزم الجيش العرمرم . 4- لا يهرب حين البأس . 5- لا يستسلم حين يحزن .
6-يعاجل نزيله بطعنة قاتلة . 7- يترك قتيله جزر السباع . 8- يتعفف عند الغنائم.

هـ ـ الخصائص الفنية لشعر عنترة :
تميز شعر عنترة العبسي بالخصائص الفنية التالية :
1- الذاتية : ( الغنائية ، الوجدانية ) : وتتمثل فــي حديث الشاعـرعـن خصائصـه النفسية والخلقية والاجتماعية فهو فارس بطل مغامر مخلص في حبه مدافع عـن قومه :
ناديت عبساً فاستجابوا بالقنا وبكل أبيض صارم لـم يبخل
2-الصدق والواقعية : لم يكن عنترة في وصفه لنفسه ولشدة حبّه لعبلة مبالغاً فقـد كان صادقاً واقعياً في رسمه لعواطفه ولنفسيته :
ولقد نزلت فلا تظني غيره منّي بمنزلة المحبّ المكرم
3-استخدام روح الحكاية والسرد : إذ أنّ عنترة قد روى حوادث بطولاته ومواقفه البطولية على شكل حوار :
فتركته جزر السباع ينشنه ما بين قلة رأسه والمعصم
4-الاهتمام باللوحات التصويرية : إذ أن عنترة عرض بطولاته على شكل لوحات تتألف مـن جزئيات فنية متكاملة من الألوان والأصوات والحركة :

والخيل تعلم والفوارس أنني فرّقت جمعهم بطعنة فيصل
والخيل ساهمة الوجود كأنما تسقى فوارسها نقيع الحنظل
و ـ الموضوعات الشعرية عند عنترة :
كتب عنترة العبسي معظم أشعاره في موضعين رئيسين هما : ( الفخر ـ الحب ).
أولاً-الفخر عند عنترة : استدعت حالة عنترة العبسي المتمثلة فــي سواده وكونـه ابن أمة ،أن ينهض بنفسه وأن يحاول أن يجعل مـن شخصيته شخصيـة متفـردة ومتميزة ، والأهم مـن الشجاعة فـي ذلك العصر ، أن القوة وخـوض المعارك عـوامل مهمة فـي تكوين الشخصية ونظراً لكون عنترة قـد أحبّ ابنة عمه فقـد أظهر مـن الشجاعة ليثبت أمامها تميزه ومـن هنا نجده يفتخر بشخصيته ويكثر من ذلك حينما يريد أن يعبر لعبلة عن مكنونات نفسه وحبّه ، يقول عنترة مفتخراً بنفسه:
أثني عليّ بما علمت فإننـــي سمح مخالقتي إذا لم أظلــــم
فإذا ظلمت فإن ظلمــي باسل مـرّ مذاقتـه كطعم العلقــم
ويقول أيضاً في وصف شجاعته :
هلا سألت الخيــل ياابنة مالك إن كنت جاهلة بما لم تعلمــي
يخبرك من شهد الوقيعة أننــي أغشى الوغى وأعف عند المغنم
وإذا كان الفخر الذاتي قد طغى على شعره فإن فخره بقبيلته كان نزراً قليلاً ، كما في معركة عراعر :
فإن يك عز في قضاعة ثابــت فإن لنـــا بـرحرحان وأسقف
كتاتب شبها ًفـوق كلّ كتيبـة لواء كطلّ الطائر المتصـــرف
ويقول مفتخراً بقبيلته :
وفوارس لـي قـد علمتهـــم صبر علــى التكرار والكلــم
كم مـن فتىً فيهم أخـي ثقة حـر ّأغـرّ كغـرّة الـريـــم
ثانيا ـ الحب عند عنترة : لم يكن الحب عند عنترة تقليداً من التقاليد بقدر ما كان تعبيراً عن عاطفة صادقة تجاه عبلة فقــد أحب الشاعر ابنة عمه وخاض غمار المـوت ليثبت لها حبه وأعلن في معلقته أن منزلتها في قلبه منزلة عظيمة :
ولقد نزلت فلا تظني غيره مني بمنزلة المحب المكرم
وكثيراً ما اشتكى عنترة من البعد عن محبوبته فقال :
ياعبل كم يشجى فؤادي بالنوى ويروعني صوت الغراب الأسود
ولم يكن عنترة ينسى ذكر محبوبته حتى في ساحات الموت :
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعـت كبارق ثغرك المتبســم

معلقة عنترة بن شدّاد
1 أمْ هَل عَرَفْتَ الْدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ هَلْ غَادَرَ الْشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ
2 وَعِمِي صَبَاحاً دارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمِي يَا دارَ عَبْلَةَ بِالَجِوَاءِ تَكَلَّمِي
3 فَدَنٌ لاَ قْضِي حَاجَةَ الُمَتَلِّومِ فَوَقَفْتُ فِيها نَاقَتي وَكَأَنَّهَا
4 باْلَحزْنِ فَالصَّمَّانِ فَاُلمتَثَلَّمِ وَتَحُلُّ عَبْلَةُ بِالَجوَاءِ وَأَهْلُنَا
5 أَقْوَى وَأَقْفَرَ بَعْد أُمِّ الَهيَثْمِ حُيِّيتَ مِنْ طَلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ
6 عَسِراً عَلَيَّ طِلاُبكِ ابْنَةَ مَخْرَمِ حَلَّتْ بِأَرْضِ الزَّائِرِينَ فَأَصْبَحَتْ
7 زَعْماً لَعَمْرُ أَبيكَ لَيْسَ بِمَزْعَمِ عُلِّقْتُها عَرضَاً وَأَقْتُلُ قَوْمَها
8 مِنِّي بِمَنْزِلَةِ الُمحَبِّ الُمكْرَمِ وَلَقَدْ نَزَلْتِ فلا تَظُنِّي غَيْرَهُ
9 بعُنَيْزَتَيْنِ وَأَهْلُنا بِالغَيْلَمِ كَيْفَ الَمزَارُ وَقَدْ تَرَبَّعَ أَهْلُها
10 زَّمتْ رِكابُكُم بلَيْلٍ مُظْلمِ إِنْ كُنْتِ أَزْمَعْتِ الْفِراقَ فإِنَّما
11 وَسْطَ الدِّيَارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمْخِم مَا راعَنيْ إِلا حَمُولَةُ أَهْلِها
12 سُوداً كخَافِيَةِ الْغُرابِ الأَسْحَمِ فيها أثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ حَلُوبَةً
13 عَذْبٌ مُقَبَّلُهُ لَذِيذِ الَمطْعَمِ إِذَ تَسْتَبِيكَ بِذِي غُروبٍ وَاضِحٍ
14 سَبَقَتْ عَوَارِضَهَا إِلَيْكَ من الْفَمِ وكَأَنَّ فَارَةَ تَاجِرٍ بِقَسِيمَةٍ
15 غَيْثٌ قَلِيلُ الدِّمْنِ لَيْسَ بِمَعْلَمِ أَوْ رَوْضَةً أْنُفاً تَضمَّنَ نَبْتَهَا
16 فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرارَةٍ كالدِّرْهَمِ جادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ بِكْرِ حُرَّةٍ
17 يَجْرِي عَلَيْهَا الَماءُ لَمْ يَتَصَرَّمِ سَحًّا وتَسْكاباً فَكُلَّ عَشِيَّةٍ
18 غَرِداً كفِعْلِ الْشَّارِبِ الُمتَرَنِّمِ وَخَلا الذبابُ بها فَلَيْسَ بِبارِحٍ
19 قَدْحَ الُمكِبِّ على الزِّنَادِ الأَجْذَمِ هَزِجاً يَحُكُّ ذِرَاعَهُ بِذِرَاعِهِ
20 وَأَبِيتُ فَوْقَ سَراةِ أَدْهَمَ مُلْجَمِ تُمسِي وَتُصْبِحُ فَوْقَ ظَهْرِ حَشِيَّةٍ
21 نَهْدٍ مَراِكلُهُ نَبِيلِ الَمحْزِمِ وَحَشِيَّي سَرْجٌ على عَبْلِ الْشَّوَى
22 لُعِنَتْ بِمَحْرُومِ الشَّرَابِ مُصَرَّمِ هَلْ تُبْلِغَنِّي دَارَهَا شَدَنِيَّةٌ
23 تَطِسُ الإِكامَ بوَخْدِ خُفِّ ميثمِ خَطَّارَةٌ غِبَّ السُّرَى زَيَّافَةٌ
24 بقَرِيبِ بَيْنَ الَمنْسِمَيْنِ مُصَلَّمِ وكَأَنَّما تَطِسُ الإِكامَ عَشيَّةً
25 حِزَقٌ يَمانِيَةٌ لأَعْجَمَ طِمْطِمِ تَأْوِي لَهُ قُلْصُ الْنّعامِ كما أَوَتْ
26 حِدْجٌ على نَعْشٍ لُهنَّ مُخَيَّمِ يَتْبَعْنَ فُلَّةَ رَأْسِهِ وكَأنَّةُ
27 كالعبْدِ ذي اّلفَرْوِ الْطويل الأصْلَمِ صَعْلٍ يَعُودُ بذي الْعُشَيْرَةِ بَيْضَهُ
28 زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عنْ حِيَاضِ الدَّيْلَمِ شَرِبتْ بماءِ الدُّحْرُ ضَيْنِ فأَصْبَحتْ
29 وَحْشِيِّ منْ هَزِجِ الْعشِيِّ مُؤَوَّمِ وكَأَنَّما تَنْأَى بجانِبِ دَفَّهَا الْـ
30 غَضْبَى اتَّقَاهَا باليَدَيْنِ وَبالفَمِ هِرِّ جَنِيبٍ كُلمّا عَطَفَتْ لَهُ
31 بَرَكتْ على قَصَبٍ أجَشَّ مُهَضَّمِ بَرَكَتْ على جَنْبِ الرّداع كأنَّما
32 حَشَّ الْوَقُودُ بهِ جَواِنبَ قُمقُمِ وكأنَّ رُبَّاً أَو كُحَيْلاً مُعْقَداً
33 زَيَّافَةٍ مِثْلَ الْفَنِيقِ الُمكْدَمِ يَنْبَاع مِنْ ذِفْرَى غضوبٍ جَسْرَةٍ
34 طَب بأخْذِ الْفَارِسِ الُمستَلْئِمِ إِنْ تُغْدِفي دُوني الْقِناعَ فإِنَّنِي
35 سَمْحٌ مُخَالَقَتي إِذا لَمْ أُظْلَمِ أَثْنِي عَلَيَّ بما عَلِمْتِ فَإِنَّني
36 مُرٌّ مَذَاقَتُهُ كَطَعْمِ الْعَلْقَمِ وَإِذَا ظُلِمْتُ فَإِنَّ ظُلْمِي بَاسِلٌ
37 رَكَدَ الَهواجِرُ بالَمشُوفِ الُمْعَلمِ ولَقَدْ شَرِبْتُ مِنَ الُمدَامةِ بِعدمَا
38 قُرِنَت بأَزْهَرَ في الشَّمالِ مُفَدَّمِ بِزُجَاجَةٍ صَفْرَاءَ ذَاتِ أَسِرَّةٍ
39 مَالي وعِرْضِي وافِرٌ لَمْ يُكْلَمِ فَإِذا شَرِبْتُ فإِنَّنِي مُسْتَهْلِكٌ
40 وكما عَلِمْتِ شَمَائِلي وتَكَرُّمي وإِذا صَحوْتُ فَما أَقَصِّر عن نَدًى
41 تَمكُو فَرِيصَتُهُ كَشِدْقِ الأَعْلَمِ وحَلِيلِ غَانِيَةٍ تَركْتُ مُجَدَّلاً
42 وَرَشَاشِ نَافِذَةٍ كَلَوْنِ الْعَنْدَمِ سَبَقَتْ يَدَايَ لَهُ بِعاجِلِ طَعنَةٍ
43 إِنْ كُنْتِ جَاهِلَةً بِما لَمْ تَعْلَمِي هَلاَ سأَلْتِ الَخيْلَ يا ابْنَةَ مَالِكٍ
44 نَهْدٍ تَعاوَرُةُ الْكمُاةُ مُكَلَّمِ إِذْ لا أَزَالُ على رِحَالَةِ سَابحٍ
45 يأوِي إِلى حَصْدِ الْقِسيّ عَرَمرَمِ طَوْراً يُجَرِّدُ للطِّعانِ وَتَارَةً
46 أَغْشَى الْوَغَى وَأَعِفُّ عِنْدَ الَمغْنَمِ يُخْبِرْكِ مَنْ شَهَدَا لْوقِيعَةَ أَنّني
47 لا مُمْعِنٍ هَرَبَاً وَلا مُسْتَسْلِمِ وَمُدَجَّجٍ كَرِهَ الْكُماةُ يِزَالَهُ
48 بُمثَقفٍ صَدْقِ الْكُعوبِ مُقَوَّمِ جَادَتْ لَهُ كَفِّي بِعاجِلِ طَعْنَةٍ
49 لَيْسَ الْكَرِيمُ على القَنَا بُمحَرَّمِ فَشَكَكْتُ بالرُّمْحِ الأَصَمِّ ثيابَهُ
50 بَقْضُمْنَ حُسْنَ بنانِهِ وَالِمعْصَمِ فَتَرَكتُهُ جَزَرَ الْسٍّبَاعِ يَنُشْنَهُ
51 بالسَّيْفِ عن حامي الَحقيقَةِ مُعْلِم وَمِشَكِّ سابِغَةٍ هَتَكْتُ فُروجَهَا
52 هَتَّاكِ غَايَاتِ التِّجَارِ مُلَوَّمِ رَبِذٍ يَداهُ بالقِدَاحِ إِذا شَتَا
53 أَبْدَي نَوَاِجذَهُ لِغَيْرِ تَبَسُّمِ لَمَّا رَآني قَدْ نَزَلْتٌ أُرِيدُهُ
54 خُضِبَ الْبَنَانُ وَرَأْسُهُ بالعِظْلِمِ عَهْدِي بِهِ مَدَّ النّهَارِ كأنَّما
55 بِمُهَنَّدٍ صَافي الحَدِيدَةِ مْحِذَمِ فَطَعَنْتُهُ بالرُّمْحِ ثُمَّ عَلَوْتُهُ
56 يُحذَى نِعَالَ السَّبْتِ ليْسَ بتَوْأَمِ بَطَلٍ كَأَنَّ ثِيابَهُ في سَرْحَةٍ
57 حَرُمَتْ عَلَيَّ وَلَيْتَها لم تَحْرُمِ يا شاةَ ما قَنَصٍ لِمَنْ حَلّتْ لَهُ
58 فَتَجَسَّسي أَخْبَارَهَا ليَ وَاعْلَمِي فَبَعَثْتُ جَارِيَتي فقُلْتُ لها اذْهَبي
59 وَالشَّاةُ مُمْكِنَ~ لِمنْ هُوَ مُرْتَمِ قاَلتْ رَأَيْتُ مِنَ الأَعادِي غِرَّةً
60 رَشَا منَ الْغِزْلانِ حُرٍّ أَرْثَمِ وكأَنّما الْتَفَتَتْ بِجِيدِ جَدَايَةٍ
61 وَالْكُفْرُ مَخَبَثَةٌ لِنَفْسِ الُمْنعِمِ نُبِّئْتُ عمْراً غَيْرَ شاكِرِ نِعْمَتي
62 إِذ تقلِصُ الشفَتَانِ عن وَضَحِ الْفَمِ وَلَقَدْ حَفِظتُ وَصَاةَ عِّميَ بالضُّحى
63 غَمراتِهَا الأبْطالُ غَيْرَ تَغَمْغُمِ في حَوْمَةِ اَلجرْبِ الّتي لا تشْتَكي
64 عنها وَلكِنِّي تَضَايَقَ مُقْدَمي إِذْ يَتَّفُونَ بَي الأَسِنَّةَ لم أخِمْ
65 يَتَذامَرُونَ كَرَرْتُ غيرَ مُذَّممِ لمّا رَأَيْتُ الْقوْمَ أَقْبَلَ جَمْعُهمْ
66 أَشْطانُ بئْرٍ في لَبَانٍ الادْهَمِ يَدُعونَ عَنْتَرَ وَالرِّماحُ كأنّها
67 وَلَبَانِهِ حتى تَسَرْ َبَل بالدَّمِ ما زِلْتُ أَرْمِيهمْ بثُغْرَةِ نَحْرِهِ
68 وشَكا إِلَيَّ بِعَبْرَةٍ وَتَحَمْحُمِ فازْوَرَّ مِنْ وَقْع الْقنَا بلَبَانِهِ
69 وَلَكَانَ لَوْ عَلِمَ الْكَلامَ مُكَلِّمِي لَوْ كانَ يَدْرِي مَا اُلمحاوَرَةُ أشْتَكَى
70 قِيلُ الْفَوارِسِ وَيكَ عَنتَرَ أَقْدِمِ ولَقَدْ شَفَى نَفْسي وَأَذْهَبَ سُقْمَهَا
71 من بينِ شَيْظَمَةٍ وَآخرَ شَيْظَمِ وَالَخيْلُ تَقْتَحِمُ الَخبَارَ عَوَابِساً
72 لُبِّي وَأَحْفِزُهُ بأَمْرٍ مُبْرَمِ ذُلُلٌ رِكابي حَيْثُ شِئْتُ مُشايعِي
73 لِلْحَرْبِ دَائِرَةٌ على ابْنَي ضَمْضَمِ وَلَقَدْ خَشِيتُ بأَنْ أَمُوتَ وَلمْ تَدُرْ
74 وَالْنَّاذِرَيْنِ إِذا لَمَ الْقَهُما دَمي الشَّاتِميْ عِرضِي وَلَمْ أَشْتِمْهُما
75
جَزَرَ السِّبَاعِ وَكُلِّ نَسْرٍ قَشْعَمِ إِنْ يَفْعَلا فَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَاهُمَا







10 ـ الحارث بن حلّزة اليشكُري

حياته:
أحد فحول الشعراء المقبلين ، وصاحب المعلقة المعروفة التي مطلعها:
أذنتنا بينها أسماءُ ربْ ثاوٍ يملُّ منهُ الثواءُ
وقد ارتجلها بين يدي عمرو بن هند بمناسبة الصلح بين بكرٍ وتغلب، وحلزة تعني الضّيق، والحلّزة : البخيل. كان الحارث من سادات قومه بكر بن وائل وشجعانهم وفصحانهم، وقد عمر طويلاً. له ديوان شعر طبع في بيروت سنة 1922. الأبيات المختارة من قصيدة يمدح فيها قيس بن شراحبيل الشيباني، ويستهل مديحه بالوقوف على ديار الأحبة ثم يصف الناقة،
ويصّور الصحراء في طريقه إلى الممدوح،ثم يمدح قيساً مبرزاً جوده وهباته.
وقفة على الأطلال
في أغلب قصائد المديح في الجاهلية تطالعنا وقفة الشعراء
على ديار الأحبّة، ومع أن هذه الوقفة أصبحت تقليداً غير
أنها تحمل كثيراً من ذاتية الشاعر.

لمن الدّيارُ عفونَ بالحبسِ
لا شيء فيها غيرُ أصورةٍ
أو غيرُ آثارِ الجيادِ بأعـ
فحبستُ فيها الرْكبُ أحـ
حتى إذا التفع الظِّباءُ بأطـ
ويئستُ ممّا قد شُغفتُ بهِ
أنمي إلى حرفٍ مذكّرةٍ
آياتُها كمهارقِ الفرسِ
سُفعِ الخُدودِ يلُحنَ كالشّمسِ
ـراضِ الجِمادِ وآيةِ الدَّعْسِ
ـدسُ في كلّ الأمورِ وكنتُ ذا حدس
ـرافِ الظّلال وقلنَ في الكُنسِ
منها ولا يُسليكَ كاليأسِ
تهضُ الحصى بمواقعٍ خُنْسِ

شرح المفردات:
عفون: درسن – الحُبس: اسم موضع – آياتها: أعلامها – المهارق: مفرده: مهرق: الصّحف – الأصورة: مفردهُ: صوار وصيار: القطيع من البقر- السّفع: السود – يلحن كالشمس: يظهرن بوضوح، وفي رواية: يلحن في الشمس-الأعراض: النّواحي- الجماد: اسم موضع أو الغليظ من الرّمل-آية: علامة-الدّعسِ: أثر القدم والحافرِ في الأرض-الحدس:الظنّ والتأمل-حسبتُ فيها الرّكب: أوقفتُ صحبي – التفعتِ الظّباء بالظّلال: لجأت إلى الظلّ تستتترُ به – الكنس: أصله الكُنُس ومفرده: كُناس: بيت الظبي- أنمي: أعتلي – الحرف: الناقة السريعة – مُذكرة: تشبه الذّكر من الإبل – تهضّ: تدقّ – المواقع: مفرده: ميقعة: المطارق – خُنس: قصارُ، شبه مناسم الناقة بالمطارق.







قراءة فنية في الأبيات السابقة

المتصفح لأبيات الحارث بن حلزة السالفة الذك يكتشف أثر الصنعة الفنية الرائعة في الشعر الجاهلي الذي يبهرك فيه قدرة الشاعر على تناول المعاني والأفكارمن خلال أسلوب أخاذ
ففي هذه الأبيات من الصناعة اللفظية العامّة مالا يتهيأ للأفذاذ القلائل من الشعراء، والحارث سيد شعراء الجاهلية جميعاً في القدرة الخارقة على استغلال موسيقا الألفاظ، تسمع قصيدته فتخالها غناء منطوقاً، تتالى نغماته رهوةً في غير عنف أو قسر.
وإن صناعته البارعة لتختفي في تضاعيف ذلك الإحساس الغامر بحلاوة موسيقاه، حتى لتخالها سرّاً لا يتصل أيّ اتصال بالصّنعة. فإذا أنت نظرتَ فيها وأطلت الوقفة عندها تجد من آثار الصناعة ألواناً.. فمن ذلك تردّد حرف السين في القصيدة، تجده في القافية، كما تجده أو تجد الثاء أو الصاد القريبة منه في الأبيات، وهو موزّع توزيعاً يجعل لمنطوقه المتفرّق بين أجزاء البيت قيمةُ نغمية رائعة، فكأنه الصفير المهموس. فإذا انتقلت إلى ثالث أبيات الافتتاحية وجدت نفسك تجاه نوع آخر من التوزيع اللفظي الذي يقوم فيه الصوت دالاً على الصورة، مستحضراً للخيال، ففيه تكثر حروف المدّ معتمدة كلّها على الألف يطلق تطلُقها، وتتوزّع في خلال البيت توزّعاً عادلاً، وكأنّها جميعاً تصوّرِ في انطلاقها وانقباضها قفزات الجواد في خيبه فوق ملتويات الرمل الغليظ الذي يتحدّث الشاعر في البيت عن آثاره الباقية..
وفي البيت ذاته التجانس بين الجياد والجماد وكلاهما بكسر الجيم، وفي الخامس جناس بين الظّباء والظّلال ولكن أروع ما فيه صورة التجاء الظباء إلى الظلال في الكُنس وقت الظهيرة، يتقين تحتها حرّ الهاجرة. وفي البيت الثاني وصف لقطعان البقر المسودّة الخدود، المبيضّة باقي الجلود، يأبي الشاعر أن يقف عند حدود المقابلة بين سوادها وبياضها، فيعدو ذلك إلى تبيّن أثر الاقتران بين الضدّين في العين، ثم في النفس فهنَّ سودُ الخدود يلحن كالشمس. كل هذه الوجوه من الصنعة في شعر الحارث لا يكاد الناظر إليها ينتبه لها أول الأمر، لأن لصاحبها من القدرة ما تختفي معه أثر الصنعة، ولأن طبعه القويّ وشاعريته الجارفة تطغى على هذه الصنعة






معلقة الحارث بن حلّزة اليشكري
1 ربَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ اُلْثَّوَاءُ آذَنَتْنا ببَيْنهِا أَسْمَاءُ
2 ءَ فَأَدْنَى دِيَارِهَا اٌلْخَلْصاءُ بَعْدَ عَهْدٍ لَنَا بِبُرْقَةِ شَمّا
3 قُ فِتَاقٍ فَعادِبٌ فَالْوَفَاءُ فَالُمحَيَّاةُ فالصِّفاحُ فَأَعْنا
4 بُبِ فالشُّعْبَتَانِ فالأَبْلاءُ فَرِياضُ اُلْقَطَا فأوْدِيَةُ الشُّرْ
5 ـيَوْمَ دَلْهاً وَمَا يُحِيرُ اُلْبُكَاء لا أرى مَنْ عَهِدْتُ فيهَا فأبكي اٌلْـ
6 رَ أَخِيراً تُلْوِي بِها اُلْعَلْيَاءُ وَبِعَيْنَيْكَ أَوْقَدَتْ هِنْدٌ اُلْنَّا
7 بِخَزَازَى هَيْهاتَ منْكَ الصَّلاءُ فَتَنَوَّرْتُ نَارَهَا مِنْ بَعيدٍ
8 نِ بِعُودٍ كما يَلُوحُ الضٍّيَاءُ أوْقَدَتْها بَينَ اُلْعَقِيقِ فَشَخْصَيْـ
9 إذا خَفَّ بالثَّوِيٍّ النٍّجاءُ غَيْرَ أَنّي قَدْ أَسْتَعِينُ على اٌلَهْمٍّ
10 رئَالٍ دوِّيَّةٌ سَقْفاءُ بِزَفُوفٍ كَأُنَّهَا هقْلَةٌ أُمُّ
11 ـّناصُ عَصْراً وقَدْدَنَا الإِمْساءُ آنَسَتْ نَبْأَةَ وَأفزَعَها الْقُـ
12 قْعِ مَنِيناً كأَنَّهُ إِهْبَاءُ فَتَرَى خَلْفَهَا مِنَ الرَّجْعِ وَالْوَ
13 سَاقِطَاتٌ أَلْوَتْ بها الصَّحْراءُ وَطِراقاً مِنْ خَلْفِهِنَّ طِراقٌ
14 ـنِ هَمٍّ بَلِيَّةٌ عَمْياءُ أَتَلَهَّى بها الَهوَاجِرَ إِذْ كُلَّ ابْـ
15 ءٍ خَطْبٌ نُعْنَى بِهِ وَنسَاءُ وَأَتَانَا مِنَ الْحَوَادِثِ وَالأَنْبَا
16 نً عَلَيْنا، في قِيلِهِمْ إِحْفاَءُ إِنَّ إِخْوَانَنَا الأَرَاقِمَ يَغْلُو
17 ـبِ وَلا يَنْفَعُ الْخَليَّ الْخَلاءُ يَخْلِطُونَ الْبَرِيءَ مِنَّا بذِي الذَّنْـ
18 ـرَ مُوَالٍ لَنَا وَأَنَّا الْوَلاءُ زَعَمَوا أَنَّ كُلَّ مَنْ ضَرَبَ الْعَيْـ
19 أَصْبَحُوا أَصْبَحَتْ لُهمْ ضَوْضَاءُ أجْمَعُوا أمْرَهُمْ عِشَاءَ فلَمَّا
20 ـهالِ خَيْلٍ خِلالَ ذاكَ رُغَاءُ مِنْ مُنادٍ وَمِنْ مُجِيبٍ وَمِنْ تَصْـ
21 عِنْدَ عَمْرٍو وَهَلْ لِذَاكَ بَقَاءُ أَيُّهَا النَّاطِقُ الُمرَقِّشُ عَنَّا
22 قَبْلُ ما قَدْ وَشَى بِنَا الأعْدَاءُ لا تَخَلْنَا على غَرَاتِكَ إنَّا
23 ـنا حُصُونٌ وَعِزَّةٌ قَعْساءُ فَبَقِينا على الشَّنَاءَةِ تَنْمِيـ
24 ـاسِ فيهَا تَغَيُّظٌ وَإِبَاءُ قَبَلَ ما الْيَوْمِ بَيَّضَتْ بعُيُونِ النـ
25 عَنَ جوْناً يَنْجَابُ عَنْهُ الْعَماءُ وَكأَنَّ الَمنُونَ تَرْدِي بنَا أَرْ
26 تُوهُ للدَّهْرِ مُؤَيَّدٌ صَمَّاءُ مُكْفَهِرّاً على الَحوَادِثِ لا تَرْ
27 ـا إِلَيْنَا تُشْفَى بها الأمْلاءُ أَيُّما خُطَّةٍ أَرَدْتُمْ فَأَدُّوهـَ
28 قِبِ فِيهِ الأَمْوَاتُ وَالأحْياءُ إِنْ نَبَشْتُمْ ما بَيْنَ مِلْحَةَ فَالصَّا
29 سُ وَفِيهِ الإِسْقَامُ وَالإِبْرَاءُ أَوْ نَقَشْتُمْ فالنَّقْشُ يجْشَمُهُ النَّا
30 ـَمضَ عَيْناً في جَفْنِهَا الأَقذَاءُ أَوْسَكَتُّمْ عَنَّا فكُنَّا كَمنْ أَغْـ
31 ئْتُمُوهُ لَهْ عَلَيْنَا الْعَلاءُ أَوْ مَنَعْتُمْ مَا تُسْأَلُونَ فَمنْ حُدِّ
32 سُ غِوَاراً لِكُلِّ حَيِّ عُوَاءُ هَلْ عَلِمْتُمُ أَيّامَ يُنتَهَبُ الْنا
33 ـرَينِ سَيْراً حتَّى نَهاهَا الحِساءُ إِذْ رَفَعْنَا الجِمالَ مِنْ سَعَفِ البَحْـ
34 ـنا وَفِينا بَنَاتُ قَوْمِ إِمَاءُ ثم مِلْنا على تَميمٍ فأَحرَمْـ
35 ـلِ وَلا يَنْفَعُ الذَّلِيلَ النَّجَاءُ لا يُقيمُ الْعزِيزُ بالبَلَدِ السَّهْـ
36 رَأُسُ طَوْدٍ وَحَرًَّةٌ رَجْلاءُ لَيْسَ يُنْجِي الّذِي يُوَائِلُ مِنا
37 مَلَكَ المنْذِرُ بنُ ماءِ السَّماءُ فَملَكْنا بذلكَ النّاس حتّى
38 جَدُ فِيها لِما لَدَيْهِ كِفَاءُ مَلِكٌ أَضْرَعَ الْبَرِيَّةَ لا يُو
39 تَتَعَاشَوْا فَفي التَّعاشِي الدَّاءُ فاْترُكوا الطَّيْخَ والتعاشِي وَإِمَّا
40 مَ فيهِ الْعُهُودُ وَالْكُفَلاءُ وَاذكُرُوا حِلْفَ ذي الَمجازِ وما قدِّ
41 ـقُضُ ما في الَمَهارِقِ الأَهوَاءُ حَذَرَ الَجوْرِ وَالْتَّعَدِّي وَهَلْ يَنْـ
42 ـمَا اشْتَرَطْنا يَوْمَ اخْتَلَفْنا سَوَاءُ وَاعْلَمُوا أَنَّنا وَإِيَّاكُمْ فِيـ
43 ـتَرُ عَنْ حُجْرَةِ الرَّبيضِ الْظِّباءُ عَنَناً باطِلاً وَظُلْماً كما تُعْـ
44 ـنَمَ غازِيهِمُ وَمِنَّا الجَزَاءُ أَعَلَيْنا جُناحُ كِنْدَةَ أَنْ يَغْـ
45 ـطَ بِجَوْزِ الُمحَمَّلِ الأَعبَاءُ أَمْ عَلَيْنا جَرَّى إِيَادٍ كما نِيـ
46 ـسَ عَلَيْنا فيما جَنَوْا أَنْدَاءُ أَمْ عَلَيْنا جَرَّى قُضاعَةَ أَمْ لَيْـ
47 مِنْكُمُ إِنْ غَدَرْتُمْ بُرَآءُ أَمْ جَنَايَا بَني عَتيقٍ فَإنَّا
48 ـهِمْ رِمَاحٌ صُدُورُهُنَّ الْقَضاءُ وَثَماُنون مِنْ تَمِيمٍ بِأَيْدِيـ
49 جِعْ لَهُمْ شَامَةٌ وَلا زَهْرَاءُ ثمَّ جَاؤوا يَسْتَرْجعُونَ فَلَمْ تَرْ
50 ـسٌ وَلا جَنْدَلٌ وَلا الحَذَّاءُ لَيْسَ مِنَّا الُمَضَّربُونَ وضلا قَيْـ
51 بِنهَابٍ يَصُمُّ مِنْها الحُدَاءُ تَرَكُوهُمْ مُلَحَّبِينَ وآبُوا
52 جَمَّعَتْ مِنْ مُحارِبٍ غَبْرَاءُ أمْ عَلَيْنا جَرَّى حَنيفَةَ أَمْ مَا
53 ءِ نِطاعٍ لَهُمْ عَلَيْهمْ دُعَاءُ لَمْ يُحِلوا بَني رِزَاحٍ بِبَرْقَا
54 ـرِ وَلا يَبْرُدُ الْغَلِيلَ الَماءُ ثُمَّ فَاؤوا مِنْهُمْ بِقَاصَمةِ الظَّهْـ
55 لٌ عَلَيْهِ إِذا أُصِيب الْعَفَاءُ مَا أَصَابُوا مِنْ تَغْلِبِّي فَمطُلو
56 ـذِ رُهَلْ نَحْنُ لاْ بنِ هِندٍ رِعَاءُ كَتَكاليفِ قَوْمِنا إِذْ غَزَا الُمْنـ
57 نَ فَأدْنَى دِيَارِها الْعوصَاءُ إِذْ أَحَلَّ الْعَلْيَاءَ قُبَّةَ مَيْسُو
58 كُلِّ حَيِّ كَأَنهُمْ أَلْقَاءُ فَتَأَوَّتْ لَهُ قَرَاضِبَةٌ مِنْ
59 ـهِ بِلْغٌ تَشْقَى بِهِ الأَشْقيَاءُ فَهدَاهُمْ بالأَسْوَدَيْن وَأَمْرُ اللّـ
60 ـهُمْ إِلَيْكُمْ أُمْنِيَّة أَشْراءُ إذْ تَمَّنوْنَهُمْ غُرُوراً فَسَاقَتْـ
61 رَفَعَ الآلُ شَخْصَهُم وَالْضَّحَاءُ لَمْ يَغُرُّوكُمُ غُرُوراً وَلكِنْ
62 عندَ عَمْرٍو وَهَلْ لذَاكَ انْتِهَاءُ أَيُّها الناطِقُ الُمَبلِّغُ عَنا
63 غَيْر شَكِّ في كُلِّهنَّ البَلاء إِنّ عَمراً لَنا لَدَيْهِ خِلالٌ
64 ـشي وَمِنْ دُونِ مَا لَدَيْهِ الثَّنَاءُ مَلِكٌ مُقْسِطٌ وَأَفْضَلُ مَنْ يَمـْ
65 ـلُ وَتَأْبَى لَخصْمِهَا الإِجْلاءُ إِرَمِيٌّ بِمثْلِهِ جَالَتِ الْخَيْـ
66 تٌ ثلاثٌ في كِّلهِنَّ الْقَضَاءُ مَنْ لَناِ عِندهُ مِنَ الَخْيْرِ آيا
67 ءَتْ مَعَدٌّ لِكُلِّ حَيِّ لِوَاءٌ آيَةٌ شَارِقُ الْشَّقِيقَةِ إِذْ جَا
68 قَرَظِي كَأَنّهُ عَبْلاءُ حَوْلَ قَيْسٍ مُسْتَلْئِمِين بَكَبْشٍ
69 ـهَاهُ إِلا مُبْيَضَّةُ رَعْلاءُ وصَيتٍ مِن الْعواتِكِ لا تَنـ
70 ـرُجُ مِنْ خُرْبَةِ الَمزادِ الَماءُ فَرَددْنَاهُمُ بطعْنٍ كما يَخْـ
71 نَ شِلالاً وَدُمِّيَ الأَنْسَاءُ وحَمَلْنَاهُمُ على حَزْمِ ثَهْلا
72 ـهَزُ في جَمَّةِ الطّوِيِّ الدِّلاءُ وجَبَهْناهُمُ بطعْنٍ كما تُنْـ
73 ومَا إِنْ للحَائِنينَ دِمَاءُ وفَعلْنا بِهِمْ كما عَلَمِ اللهُ
74 ولَهُ فَارِسِيَّةٌ خَضْرَاءُ ثُمَّ حُجْراً أَعْني ابنَ أُمِّ قَطامٍ
75 ورِبيعٌ إِنْ شَمَّرَتْ غَبْرَاءُ أَسَدٌ في اللِّقاءِ وَرْدٌ هَمُوسٌ
76 ـهُ بَعْدَما طَالَ حَبْسُهُ والْعناءُ وفَكَكْناُ غُلَّ امرِىءِ القيسِ عنْـ
77 ـذِرِ كَرْهاً إِذْا لا تُكالُ الدِّماءُ وأَقَدْنَاهُ رَبَّ غَسَّانَ بالُمنْـ
78 كٍ كِرَامٍ أَسْلابُهُم أَغْلاءُ وأَتَيْناهُمُ بِتِسْعَةِ أَمْلا
79 سِ عَنُودٌ كأَنّها دَفُوَاءُ ومَعَ الجَوْنِ جَوْنِ آلِ بَني الأَوْ
80 ـوا شِلالاً وَإِذْ تَلظَّى الصَّلاءُ مَا جَزٍعُنا تَحْتَ الْعُجاجَةِ إِذا وّلـ
81 مِنْ قَريبٍ لَما أَتَانا الحِبِاءُ وَولَدْنا عَمْرو بنَ أُمِّ أُنَاسٍ
82 مِ فَلاةٌ مِنْ دُونِها أَفْلاءُ مثْلُها تُخْرِجُ النصيحةُ للقَوْ
83 قِ لا رأْفَةٌ وَلا إِبْقاءُ ثُمَّ خَيْلٌ مِنْ بَعدِ ذاكَ الْغَلاّ
84 مِ الِحيَارَينِ وَالْبلاء بَلاءُ وَهو الرَّبُّ والشَّهِيدُ على يَوْ






11 ـ المثقّب العبديُّ
مواقف الرحيل والوداع
هو عائذُ بن محصن، جاهليٌ من فحول الشّعراء، لُقَّبّ بالمثقّب لبيتٍ من شعرٍ قال فيه يصف الظّعائن:
ظهران بكلّةٍ وسدلنَ أخرى وثقّبن الوصاوصَ للعيونِ
اتصل بالنعمان بن المنذر ومدحه في قصيدة مطلعها:
ألا إنَّ هنداً أمسِ رثْ جديدُها وضنَّت وما كانَ المتاعُ يؤودّها
وقدر وردت في المفضليات.
أما الأبيات المختارة له فهي من مفضّلية أخرى بلغت قرابة أربعين بيتاً، يستهلُّها بعتابٍ رقيق يوجّهههُ إلى محبوبته، ثم يصف رحيل الظعائن، ويتسلّى عنها بوصف ناقته، وما يُحمِّلها من عناء في سفره الدائب، إلى أن ينهي رحلته بالغاً رحاب عمرو بن هند ملك الحيرة فيمدحه. وقد كان عمرو بنُ العلاء معجباً بهذه القصيدة حتى قال: :"لو كان الشعر مثلها لوجب على الناس أن يتعلّموه".
والأبيات المختارة تتناول موقف الوداع، ووصف موكب رحيل الأحبة، وارتحال الشاعر على ناقته بعد أن شيّع أحبابه.


رحيل الأحبة
أفاطمُ قبلَ بينكِ متّعيني
فلا تعدي مواعدَ كاذباتٍ
فإني لو تخالفني شمالي
ومنعك ما سألت كأن تبيني
تمرُّ بها رياحُ الضّيفِ دُوني
خلافك ما وصلتَ بها يميني


لمن ظُعُنٌ تطلّع من ضبيبٍ
وهنَّ على الرّجائز واكناتٌ
كغزلانِ خذلنَ بذاتِ ضالٍ
ظهران بكلَّةٍ وسدلنَ أُخرى
أرينَ محاسناً وكننَّ أُخرى
فما خرجتْ من الوادي لحينِ
قواتلٌ كلِّ أشجعَ مُستكينِ
تنوشُ الدّانياتِ من الغُصونِ
وثقَّبنَ الوصاوصَ للعُيونِ
من الدّياجِ والبشرِ المصونِ


فسرِّ لهمَ عنكَ بذاتِ لوثٍ
بصادقةِ الوجيفِ كأنّ هرّاً
إذا ما قُمتُ أرحلُها بليلٍ
تقولُ إذ درأتُ لها وضيني
أكلَّ الدّهرِ حلُّ وارتحالُ
عُذا فرةٍ كمطرقةِ القُيونِ
يباريها ويأخذُ بالوضينِ
تأوهُ آهةَ الرَّجلِ الحزينِ
آهذا دينُهُ أبداً، وديني
أما يُبقي عليَّ ولا يقيني!


شرح المفردات:
البّين: الفِراق – ومنعّك ما سألتك أن تبيني: أي أنّ صدودك عنّي يعدل فراقك – تمرُّ بها رياح الصيف: تذهب مع رياح الصيف، وهي رياح لا خير فيها – خلافك: أي مثل خلافك – ما وصلتُ بها يميني: قطعتها – الظّعن: جمع ظعينة: المرأة في الهودج – تطلع: ظهر – الرّجائز: جمع رجازة: مركب للنساء على الجمل وهو دون الهودج – واكنات: جالسات – الأشجع: الشجاع أو الأسد – مُستكين: خاضع – خذلن: تخلّفن عن القطيع – ذات ضال: اسم مكان – تنوشُ: تتناول – الغصونُ الدانيات: القريبةُ من الأرض – الكلّة: حدقة حمراء في الهودج – الوصاوص: مفرده وصواص ووصوص الثقوب في السّتر أو البرقع – البشر: جمع مفردهُ بشرة: ظاهرُ الجلد – ذات لوث: ناقة قوية – عذافرة: شديدة – القيون: مفرده قين: الحدادون – الوجيف: السير السريع – الهر: السنّور – الوضين: الحزام – ارحل الناقةَ: وضع على سنامها الرّحل – تأوه: تتأوهُ، حذفت تاؤه تخفيفاً – دراً: دفع – الدّين: العادةُ والدّأب.




12 ـ وسنى الأسدية

(هديّة السّماء)
في الصحراء المحرقة، حيث تحبس السّماء قطرات مطر ، لا تخلو حياة العربيّ من شظف ومعاناة، حتى إذا هطل الغيث وضحكت الأرض وأمرعت،ارتسمت البسمةعلى الشفاه اليابسة

ألم ترنا غبنا ماؤنا
فلمّا عدا الماءُ أوطانهُ
وضجَّتْ إلى ربَّها في السّماء
وفتّحتِ الأرضُ أفواهّها
لبسنا لدى عطنٍ ليلةً
وقُلنا: اعبروا النّدى حقَّهُ
فبينا نُوطّنُ أحشاءَنا
وأقبلَ يزحفُ زحفَ الكسـ
تُغنّي وتضحكُ حافاتُهُ
كأنّا تضيءُ لنا حُرّةٌ
زماناً، فظلنا نكدُّ البئارا
وجفَّ الثِّمادُ فصارَتْ حِرارا
رؤوسُ العضاةِ تُناجي السِّرارا
عَجيجَ الجمال وردْن الجفارا
على اليأس، آتابنا والخمارا
وصبرَ الحفاظِ وموتوا حِرارا
أضاءَ لنا عارضٌ فاستطارا
ـيرِ سياقَ الرِّعاءِ البطاءِ العِشارا
خلالَ الغمامِ وتبكي مرارا
تشدُّ إزاراً وتُرْخي إزارا


شرح المفردات:
غبّ الماءُ: قلّ وغارَ – نكدّ البئار: تنتزعُ منها الماء القليل بالجهد – عدا الماءُ أوطانهُ: تجاوزها – الثّماد: بقايا الماء في الحوض أو البئر – الحِرار: واحدُهُ: حرّة: الحجارة السود – العضاة: مفرده: عضاهة: الشجر العظيم أو الشائك – السّرار: الأرض الطيبة – العجيج: صوت الابل حين تُضرَب أو يحمل عليها – العطن: مبرك الإبل – الآتاب: مفرده: إتب: ثوب يُشقّ وسطه من غير جيب ولا كُمّين – الجفار: مفرده جفرة: البئر الواسعة – نوطّن أحشاءنا: نعلّلها لاحتمال العطش – العارض: السحاب المُعترض – استطار : سطع وانتشر – الرّعاء: مفرده راع – البطاء: مفرده بطيئة – العشار: النوق قبل أن تنتج ، مفرده عشراء – حُرّة: امرأة كريمة .





13 ـ حاتمُ الطَّائِيّ
الكرمُ

ا ـ حياته
هو حاتم بن عبد الله بن الحشرج الطائيّ القحطاني، فارس ، شاعر، جواد، يُضربُ المثل بجوده وكرمه، له أخبار كثيرة في الجود والكرم متفرّقة في كتب الأدب والتاريخ.
ولد في نجد، ووفد على الملوك، وتزوّج ماويّةَ بنت حُجرٍ الغسّانيّة، ومات في السنة الثامنة بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وقبره في جبل عوارض ببلاد نجد.
يُروى أنّه لما أُتي بسفانة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) في أسرى قومها قالت: "يا محمد، هلك الوالد، وغاب الوافد، فإن رأيتَ أن تُخلّيَ عنّي، فلا تُشمت بي أحياء العرب، فإنّي بنت سيّد قومي، كان أبي يفكّ العاني، ويَحمي الذِّمار، ويقري الضَيف، ويُشبع الجائع، ويُفرّج عن المكروب، ويُطعم الطعام، ويُفشي السلام، ولم يرُد طالبَ حاجةٍ قطّ، أنا بنت حاتم طيَّء".
ب ـ شعره : شعر حاتم فصيح الألفاظ سهل التراكيب
ج ـ أغراضه الشعرية: كتب حاتم شعره في أغراض عدة :
1 ـ الفخر بكرمه و عفَّته
2 ـ الحماسة،
3 ـ وينتشر في قصائده شيء من الحكمة،
وشعره كثير ضاع معظمه وبقي منه ديوان صغير مطبوع.

المالُ غادٍ ورائحٌ
كان كرم حاتم الطائي ينبع من أعماق نفس فطرت على العطاء، واتخذت من مساعدة المحتاجين مذهباً لها في الحياة، فانتزع صاحبها الخلود.
أَماوِيَّ! إنَّ المالَ غادٍ ورائحُ
أَماويَّ! إنّي لا أقُولُ لسائلٍ
أَماويَّ! أمَا مانعُ فمبيّنُ
أماويَّ! ما يُغني الثّراءُ عنِ الفتى
أماويَّ! إنْ يُصبح صداي بقفرةٍ
تري أنَّ ما أهلكت لم يكُ ضرَّني،
أماويَّ! إنَّي ربَّ واحدِ أمّهِ
وقد علم الأقوامُ، لو أنَّ حاتماً
عُنينا زماناً بالتَّصعلُكِ والغنى
كُسينا صروفَ الدَّهرِ لبناً وغلظةً
فما زادنا بأوآ على ذي قرابةٍ
وما ضرَّ جاراً، يا بنةَ القوم، فاعلمي
بعينيّ عن جارات قومي غفلةٌ
ويبقى من المالِ الأحاديثُ والذّكرُ
إذا جاء يوماً، حلَّ في مَالنا نزْرُ
وإمّا عطاءٌ لا يُنهنهُهُ الزّجرُ
إذا حشرجتْ نفسٌ وضاقَ بها الصَّدرُ
من الأرضِ، لا ماءٌ هُناكَ ولا خمرُ
وأنَّ يدي مما بخلت به صفرُ
أجرتُ، فلا قتلُ عليه ولا أسرُ
أرادَ ثراءَ المالِ، كان له وفرُ
كما الدّهرُ، في أيّامه العسرُ واليُسرُ
وكلاً سقاناهُ بكأسيهما الدَّهرُ
غنانا، ولا أزرى بأحسابنا الفقرُ
يُجاورني، ألاَّ يكونَ لهُ سترُ
وفي السّمعِ منّي عن حديثهُمُ وقرُ

ديوان حاتم الطائي
شرح المفردات: ماويّ: ترخيم ماويّة، وهي زوجة الشاعر – غادٍ: من الغُدو، وهو الذّهاب باكراً- ورائحً: من الرّواح، وهو المسير بالعشي، وأراد أن المال يذهب ويأتي – النّزر: القلّة – يُنهنههُ: يكفّه – الزجر: المنع والنّهي والطّرد – الحشرجة: الغر غرة عند الموت، وتردُّد النّفس – الصّدى: الجثّة – صفر: فارغة، لا شيء فيها – الوفر: الكثير – عُنينا: شُغلنا- التصعلّك: الافتقار، والصعلوك: الفقير – صرُوف الدّهر: نوائبه وجدثانه، مفردها صرف- البأو: الافتخار والتكبّر – غاب: ألحق به العيب، الوقر: ذهاب السمع، الصّمم.

قراءة في النص السابق

لا شك أن الكرم كما عرفه العرب الجاهلييون من أعظم مكارم الأخلاق التي عايشعا هؤلاء العرب ، والتي أكد الإسلام عليها وجعلها من أهم ميزات الشخصية العربية المسلمة، وإذا رجعنا للشعر الجاهلي نجد أن الكثير من أبياته دعت إلى هذه المكرمة.
وحاتم الذي ضرب المثل بجوده، يحكي لنا في نصه عن دوافع كرمه، فهو لا يروي في الأبيات خبراً من أخبار كرمه الذائعة الكثيرة، وإنما يعرض فلسفته في الحياة ومذهبه في الكرم، فيقول لزوجته التي تلومه على إتلاف ماله: إن المال يذهب ويأتي، ولا يبقى منه للإنسان إلا الذكر الحسن والصيت الذائع، إذا هو أنفقه في وجوه الكرم. فهو لا يرد سائلاً، بل يعطيه عطاء لا تكدره منه أو أذى، فإن كان ذا عُذر فبين عذره للسائل المحتاج.
والمال لا يدفع عن الإنسان الموت إذا حان الأجل. وإذا ما ثوى الإنسان في القبر، فإن المال الذي جمعه وثمّره وضنّ به على الآخرين لم ينفعه في شيء، وإنما يورثه المذمّة بين الناس الذين عرفوه بخيلاً لئيماً، أما الذي أتلف ماله في وجوه الكرم والخير فما ضرّه ذلك، بل ترك له تقّلب حاتم في نعمة العيش ويسر الحياة، وعاش في شدة الفقر وقساوته، فشرب من يد الدهر حلو الكأس ومره، فما تكبّر ولا تجبر على الأهل والعشيرة في الغنى، ولا تصاغر وذُلت نفسه في الفقر، بل زاده الفقر كرماً ونجدة لأنه عرف ما يعانيه الفقراء من قسوة الحياة وذلّ الحاجة.
وحاتم خير الناس لجيرانه، يغضّ طرفه عن جارته عفّة منه وصوناً لها، فلا يضرّ جارته ألاّ يكون لبيتها ستر، ويصمُّ أذنيه عن سماع حديثها، ولا يصلها منه إلا خيره ومعروفه.
لقد تحدث حاتم عن الكرم، والكرم قيمة خلقية واجتماعية رفيعة تحلّى بها العربي وتغنّى بها الشعراء. ولعلّ لطبيعة الحياة العربية في الجاهليّة التي تقوم على الرعي في بيئة فقيرة شحيحة أثراً في تعزيز قيمة الكرم في نفوسهم، فالسعي وراء مساقط الغيث ومنابت الكلأ يضطرهم إلى الحل والترحال وقطع الصحارى المهلكات، فإذا وجد المسافر ضوء نار أوى إلى أهله وأصبح لزاماً عليهم إقراؤه وإيواؤه، وإلاّ هلك في تلك البوادي. وتتوالى سنوات القحط والجدب فتهلك الإبل ويجوع الناس، ويصبح لزاماً على سادة القبيلة وذوي اليسار فيهم أن يقضوا لذوي الحاجات حاجاتهم، وأن تغلي قدورهم لإطعام فقراء القبيلة وضعفائها وأراملها حتى يأتي الربيع وينتعش الناس.
في هذه البيئة كان لا بد من بروز الكرم قيمة اجتماعية وخلقية رفيعة، ولأن الكرم عماده الإيثار والتضحية فهو رأس القيم النبيلة الأخرى، فالكريم يتصف بالمروءة والنجدة والوفاء والصدق وصون الجار، ولأن البخيل ينبع من الأنانية والحرص فهو رأس الصفات المذمومة، فالبخل يقترن باللؤم والخسة والدناءة والغدر، ولقد رأينا حاتماً يصف نفسه بالعفة وصون الجار.
أما من حيث الصياغة الأدبية فالنص يمتاز بجزالة الألفاظ ومتانة التعبير، وألفاظ حاتم مألوفة سلسة، ويعود ذلك إلى مخالطته البيئة الحضرية على الرغم من كونه نجديّاً، فقد كان وفاداً على الملوك في الحيرة وبصرى، وتزوّج من بنات الغساسنة.
وتقل الصور البيانية في النص، فلا نجد سوى تشبيه لصروف الدهر بكأس تدور ويشرب منها الناس. ويلجأ الشاعر إلى البراهين المستقاة من تجارب الحياة بأسلوب واضح وبيّن، ويعتمد على المقابلات في الأسلوب والمفردات (فالمال غاد ورائح ويبقى منه الأحاديث والذكر، ومازادنا بأواً على ذي قرابة غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر، والتصعلك والغنى، والعسر واليسر، واللين والغلظة).






14 ـ أبوأُذينة اللِّخْمِي

(الثأر المُتَجَدَد)




انتصر الأسود بن النُعمان ملك المناذرة على غسّان وأسرعدةمن ملوكهم، ثم أراد أن يعفو عنهم ويقبلمنهم الفدية ، لكن ابن عمه الشاعر: أبو أذينة أغراه بالانتقام من غسّان، لأن أخاه قُتِل في تلك الوقائع فاستجاب الأسود لدعوة الثأر وتراجع عن العفو والفدية.
ما كلَّ يومٍ ينالُ المرءُ ما طَلَبا
واحزمُ النّاسِ من إن فُرصةٌ عرضتْ
وانصفُ النّاسِ في كلِّ المواطنِ منْ
وليس يظلمُهمْ من راحَ يضربُهُمْ
والعفو إلاَ عن الأكفاءِ مَكْرُمَةٌ
لكلت عمراً وتستبقي يزيدَ! لقد
وتقطعنَ ذنبَ الأفعى وتُرسِلَها
كم جرّدوا السّيفَ فاجعلهُمْ له جَزَراً
إن تعفُ عنهم تقولُ الناسُ كلُّهُمُ
وترّضوا بفداءٍ واصفينَ لنا
أتقلبون دماً منا ونحلُبهُمْ
سلامَ تقبلُ مهم فديةً وهُمُ
ولا يُسوِّغُهُ المقدارُ ما وَهَبا
لم يجعلِ السَّبَبَ الموصولَ مُقتضبا
سقى المُعادينَ بالكأسِ التي شَربا
بحدّ سيفٍ به من قبلهم ضُربا
من قالَ غيرَ الذي قد قلتُه كذبا
رأيتَ رأياً يجُرُّ الويلَ والحرَبا
إنْ كنتَ شهماً فأتبعْ رأسها الذَّنبا
وأوقدوا النّارَ فاجعلهُمْ لها حَطَبا
لم يعفُ حِلماً ولكن عفوُهُ رَهَبا
خيلاً وإبلاً يروقُ العُجمَ والعربا
رِسلاً؟ لقد شّرفونا في الورى حلبا
لا فِضّةً قبلوا منّا ولا ذَهَبا؟


شرح المفردات: سوَغ الأمر: حوزه – المقدار: هنا القدر: يريد: ما كلُّ يوم يسمح القدرُ بما يطلبه الإنسان – السّبب: الذريعة وما يُتوصّل به إلى غيره – المقتضب: المقطوع – الأكفاء : ج كُفءْ: المثل والنّظير – الحرب: الهلاك والويل – الرَّسل: اللبن .
مفردات للشرح: الحَلَب – الرَّهَب.
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
قال الشاعر زهير بن أبي سلمى في وصف الحرب التي وقعت بين عبس وذبيان ، وأوقعت الكثير من القتلى، فتحمل الحارث بن عوف وهرم بن سنان ديات القتلى فيها وأحلا السلم بدلا منها:
على كلِّ حالٍ من سَحيلٍ وَمُبْرَمِ يَميناً لَنِعْمَ الْسَّيِّدانِ وُجِدْتَما
تَفَانَوْا وَدُّقوا بَيْنَهُمْ عِطْر مَنْشِمِ تَدَارَ كُتما عَبْساً وَذُبْيَانَ بَعْدمَا
بمالٍ ومَعْروفٍ من الْقَوْلِ نَسْلَمِ وقَدْ قُلْتُما: إِنْ نُدْرِكِ السِّلْمَ واسِعاً
بَعِيدَيْن فيها مِنْ عُقُوقٍ ومَأْثَمِ فَأَصْبَحْتُما منها على خَيرِ مَوْطِنٍ
ومَنْ يَسْتَبِحْ كنزاً من الَمجدِ يَعْظُمِ عَظِيمْينِ فِي عُلْيَا مَعدِّ هُديِتُما
يُنَجِّمُهَا مَنْ لَيْسَ فِيهَا بِمُجْرِمِ تُعَفَّى الكُلُومُ بالِمئينَ فأصْبَحَتْ
وَلم يُهَرِيقُوا بَيْنَهُمْ مِلْءَ مِحْجَمِ يُنَجِّمُهَا قَوْمٌ لِقَوْمٍ غَرامَةً
مَغَانمُ شَىَّ مِنْ إِفَالٍ مُزَنّمِ فأصْبَحَ يَجَرِي فيهمُ منِ تلادِكُمْ
وَذُبيَانَ هل أَقْسَمْتُم كلَّ مُقْسَمِ أَلا أَبْلِغِ الأَحْلافَ عني رِسَالَةً
لِيَخْفَى ومَهْما يُكْتمِ اللهُ يَعْلَمِ فَلا تَكْتُمُنَّ اللهَ ما في نُفُوسِكمْ
لِيَوْمِ الحِسابِ أَوْ يُعَجَّلْ فيُنْقَمِ يُؤَخَّرْ فيُوضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدَّخَرْ
ومَا ُهَو عَنْهَا بالحَديثِ الُمرَجَّمِ وَمَا الحَرْبُ إِلا ما عَلِمْتُم وَذُقْتُمُ
وَتَضْرَ إِذا ضَرَّيْتُمُوها فَتَضْرَم مَتَى تَبْعَثُوها تَبْعَثُوها ذَميمَةً
وَتَلْقَحْ كِشَافاً ثمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ فَتَعْرُكُكْم عرْكَ الرّحى بثِقالها
كأَحْمَرِ عادٍ ثمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ فَتُنْتِجْ لَكُمْ غلْمانَ أَشأَمَ كّلهمْ
قُرًى بالعرَاقِ من قَفِيزٍ وَدِرْهَمِ فتُغْلِلْ لكُمْ مَا لا تُغِلُّ لأهْلِهَا


قراءة
لرؤية لشاعرين في الحرب
زهير بن أبي سلمى وأبي أذينة اللخمي

تختلف نظرة الإنسان إلى قضيتي الحرب والسلم، وتتباين هذه النظرة من شاعر إلى آخر، والجاهلييمن قد اختلفوا من داع للسلم إلى محرض على الحرب
وبين يدينا نصّان متقابلان في الحرب والسّلم لشاعرين جاهليين هما: زهير بن أبي سُلمى وأبو أُذينة. زهير تهزّه أريحية هرم وابن عوف الذين تداركا القتال بين عبس وذبيان بعد أن استفحل أمره فبذلا من مالهما حدٍّ لهذه المأساة التي كادت أن تودي بالطرفين. وكان لهما شرف المبادرة، وفضل الوفاء للأهلِ والعشير، وعظم شأنهما بين القبائل بالبذلِ والتضحية.
وزهير يقف موقف الناصح العاقل، فلا بدّ للشرّ من نهاية، وللثأر من حدود، ولا سيّما إذا وقع بين الأهل والأحبّة، وعواقب الحرب وخيمة، ونتائجها معروفة لا تحتمل الظنّ أو التخمين فهي تشتعل كالنار في الهشيم، تطحن المشاركين بها كما تطحن الثَّفال، وتلد من المآسي والمحن ما تلده الناقة حين تغيل ثم تتئم، فيجيء أولادها مهزولين ضعفاء، بل إنّ مآسي الحرب تتجاوز عدّاً وحصراً ما تنتجه قرى العراق من أموالٍ وخيرات.
وأبو أذينة .. تكويه الحرب يفقد أخاه، فيتأجّج الحقد في نفسه، ويرفض رغبةَ ابن عمه النعمان في الصلح، فالقدر ساق إليهما النصر على الأعداء، والحازم يهتبل الفرص ويستغلّها، ومن العدل أن يُسقى العدو بالكأس التي سقى بها، وأن يُنال بالسّيف الذي ضرب به، والعفو لا يكون إلاّ عن الضعفاء، أما الأنداد فالعفو عنهم عجز وضعف، والعاقل من يستأصل شأفة عدوه فيرتاح، لأن قطع ذنب الأفعى وإرسالها لا يمنع من اللّدغ، ومن أخذ بالسيف فينبغي أن يؤخذ بالسيف، ومن أجّج نار الحرب لابّد أن يكون لها حطباً، والناس لا يرون العفو عن الأقوياء حلماً بل خوفاً ورهبة، ولا يجوز أن تكون إبل الفدية وخيلها بديلاً عن الدم، فالدم لا يعدله لبن النوق، والعدو لم يقبل فضة ولا ذهباً ثمناً لدماء قتلاه.
مع أن ظروف الصراع في هاتين الحربين متماثلة، إذ لم يكن صراعاً مع عدو دخيل أو أجنبي، وإنما هو صراع بين قبائل عربية شقيقة ذات مصالح مشتركة في الوحدة القومية والعيش المشترك، فإنّ موقف كلّ من الشاعرين يناقض موقف الآخر، فزهير رجل العقل والحكمة يدرك خطر هذه الصراعات القبلية والعشائرية على الناس، ويحكّم عقله في وضع حدٍّ لها، وأبو أذينة يصدر عن حميّة الجاهلية، ويجري وراء عاطفته الفردية دون أن يبصر عواقب الحرب وخطرها على المتحاربين أو على وحدة الصّف العربي في عصرٍ بدأ به العرب يستجمعون شتاتهم ويدركون الأخطار المحدقة بهم من الطامعين الأجانب الروم والفرس الذين كانوا ينشرون الفرقة في الصف العربي، ويتخذون لهم أعواناً عملاء من أبناء العرب أنفسهم لبسط نفوذهم.
فالصراع القبلي والولاءات العشائرية هما من أخطر الأدواء التي ابتليت بها أمتنا، والإسلام حاول توحيد العرب ولمّ شملهم الذي فرقته الولاءات القبلية غير أنّ الحكّام فيما بعد استغلوا العصبيّة القبيلة ومزّقوا وحدة الصف العربي وفرّقوا بين القبائل لتوطيد حكمهم وامتداد سيادتهم.
أما من حيث الصياغة الأدبية، فالنّصان يمتازان بجزالة اللفظ ومتانة التعبير وروعة التصوير، فزهير يصدر في عرضه لمسألة الحرب والسلم عن منطق محكم تعزّزه تجارب الحياة، وهو يحسن الإقناع بالبراهين العقلية والمواقف الحياتية، ويجيد التصوير، متكئاً على الواقع الحسي الملموس (الحرب كالنار، أو الناقة التي تغيل وتتثم ..).
وهو يوسع دائرة صوره معتمداً على ثقافته (الحرب تغلّ من الويلات ما تغله سهول العراق من خيرات ..) مما يثبت سعة اطلاعه، ووحدة الثقافة العربية واتساعها، فالجزيرة العربية في الجاهلية لم تكن معزولة عن العراق والشام ودائرة معرفة الشاعر أوسع من حدود قطره العربي الصغير، وهو ينقّح ألفاظه ويهذَبها وتلمس أثر الصنعة في عمله الأدبي.
أمّا أبو أذينة .. فيتخذ العاطفة مطيّة له فهو غاضب حاقد على العدو، وثورته وهاجة لا تقرُّ ولا تعرف إلى مهادنة العدو سبيلاً، ولو كان من الأقارب والأهلين، وألفاظه جزلة واضحة، وأسلوبه قوي مؤثّر يعتمد على المقابلات (سقى المعادين بالكأس التي شربا، يضربهم بحدّ سيفٍ به من قبلهم ضُربا ... أيحلبون دماً ونحلبهم رسلاً ) وهي مقابلات تخدم غرضه في الإقناع والتأثير وتعزّز مبدأه الذي كرّره في الأبيات وهو: العين بالعين والسن بالسن، دون النظر إلى أن الحرب هي بين الأهل والأقارب . على أنّ أبرز ما يميز أبياته ما تشعر به من طبعٍ وعفوية تموّه ما فيها من صنعة تجلّت في الصور البيانية الكثيرة المستمدّة من الواقع أيضاً (العدو كالأفعى، الحرب كالنار – تشبه الحرب بالكأس التي تشرب. وهي صورة جاهلية مستمدة من حياة العرب في تلك الفترة )..
فشعره أقرب إلى القلب وصولاً منه إلى العقل، وهو أشد تأثيراً في نفوسنا لأنه يصدر عن العاطفة، والشعر ترجمان العواطف.





15 ـ عُروة بن الوَرْد

أمير الصّعاليك

أ ـ حياته:
عروة بن الورد العبسي، شاعرعبسي لم تعرف سنة ولادته وقد توفي 616م.
نشأ عروة عزيز النفس عالي الهمة، وكان أبوه البادئ بالرّهان المشؤوم الذي ثارت بسببه حرب داحس والغبراء وكان يؤثر ابنه الأكبر على عروة، ويسيء فهمه، فتمرّد على الأسرة وأعراف القبيلة، ولم يهجر قبيلته بل اتخذ من صعلكته باباً من أبواب المروءة والتعاون الاجتماعي، يقتضي الأغنياء رزقه بحد السّيف، ويجمع إليه نفراً من الفقراء الصعاليك من أبناء قبيلته، يوزّع عليهم الغنائم في غاراته بالعدل، حتى عُرف بأبي الصَّعاليك.
عرف عروة بسمو أخلاقه وجليل أعماله حتى ذُكر أن معاوية بن أبي سفيان ودَّ لو كان له صهراً ، وتمنّى عبد الملك بن مروان لو كان له أباً.
تخلّت عنه زوجته، لا عن قلىً وإنما ضاقت بمغامراته وتشرُّده، وقد أثنت على كريم أخلاقه وجليل أعماله في كلمة مؤثرة أوردها في أخباره صاحب كتاب الأغاني أبو الفرج الأصفهاني.
مات مقتولاً في بعض غزواته قبيل الهجرة بسنوات.
ب ـ شعره: لعروة ديوان شعر محدود القصائد، طبع مراراً، تتجلّى فيه فلسفته الاجتماعية في موضوع العدالة، وسعيه لتحرير البائسين، وتصويره لحالهم ، فالفقير محتقر في مجتمع يؤمن بالفوارق المادّية:
ذريني للغنى أسعى فإنّي
يباعدُهُ القريبُ وتزدريه
رأيتُ الناسَ شرُّهُمُ الفّقيرُ
حليلته، ويقهرهُ الصّغير


ج ـ قراءة في نص أقلي عليّ اللوم
يعطف قلبُ الزّوج الحنون على الشاعر، وتخاف عليه ركوبَ الأهوال، والمغامرة في طلب الرّزق، فتلومه على اندفاعه وتبذيره، غير أنه يتصامم عن سماع النصيحة،فقد آمن بمبدأ لا يحيد عنه:أحبّ أن يعيش وصحبه وأهله كراماً، أو يموت فتطوى صفحة نضاله العادل.

أقلّي عليّ اللومَ يا بنتَ مُنذرِ
ذريني ونفسي، أم حسان إنّني
أحاديثَ تبقى، والفتى غيرُ خالدٍ
ذنبي أطوِّفُ في البلاد لعلّني
فإن فاز سهمٌ للمنيّة لم أكن
وإن فاز سهمي كفَّكم عن مقاعدِ
لحمى اللهُ صُعلوكاً إذا جنْ ليلُه
يعدُّ الغنى من نفسه كلَّ ليلةٍ
ينامُ عِشاءً ثمّ يصبح طاوياً
قليلُ التماس الزاد إلا لنفسهِ
يُعينُ نساءَ الحيّ ما يستعنَّهُ
ولكنَّ صُعلوكاً صفيحةُ وجهِهِ
مُطلاً على أعدائه يزجرونَه
فذلك إن يلقَ المنيّةَ يلقها
ونامي وإنْ لم تشتهي النّومَ فاسهري
بها قبلَ ألاّ أملكَ البيعَ مُشتري
إذا هو أمسى هامةً فوق صيِّرِ
أخلّيكِ أو أُغنيكِ عن سوءِ محضري
جزوعاً، وهل عن ذاكَ من متأخَّرِ
لكُم خلفَ أدبارِ البيوتِ ومنظرِ
مضى في المُشاشِ آلفاً كلَّ مجزرِ
أصابَ قِراها من صديقٍ مُيسِّرِ
يحثُّ الحصى عن جَنبهِ المتعفِّرِ
إذا هو أمسى كالعريشِ المُجوِّرِ
ويُمسي طليحاً كالبعيرِ المُحّسَّرِ
كضوءِ شهابِ القابسِ المتنوِّرِ
بساحتهم زجرَ المنيحِ المُشهَّرِ
حميداً وإن يستغنِ يوماً فأَجدرِ

شرح المفردات:
بنت منذر: زوج الشاعر – ذريني: دعيني وماضيه وذرَ – أم حسان: كنية زوج الشاعر – مشترٍ: طالبُ للمكرمات والأمجاد – أحاديث: مفعول به لاسم الفاعل – الهامة: طائر كانت تزعم العرب أنه يخرج من القبر ويتحدّث بحديث الميت – الصيِّرِ: القبر: أخلّيك: أقتل وأدعك حرّة بعدي – أغنيكِ عن سوء محضري: أُغنيكِ عن رؤيتي ذليلاً أستجدي رزقي – فاز سهمي: كناية عن نجاح عمله – لحى الله: قبح الله - المشاش: العظم الهشَ الدَّسِم – المجزر: المكان الذي تجزر فيه الإبل – القرى: طعام الضيف – الميسرِّ: ميسور الحال – العريش: ما يُستظلُ به كالخيمة – الطليح المحسّر: البعير المنهوك من السَّفر – المنيح: قدح كثير الفوز من قداح الميسر – أجدر به: خليقٌ به أن يغتني لأنه ينفق ماله في المكرمات.
مفردات للشرح:
جنّ ليله – المُجور – القابس.




16 ـ الشّنْفَري

أ ـ حياته :ثابت بن أوس الأزديّ، من الشعراء الصعاليك، والشّنفري لقبٌ غلب عليه لعِظَم شفتيه، وقيل هو اسم مصري قديم أصله: سنفرو،وقد نشأته غامضة، وكلّ ما عرف عنه أنه أحد أغربة العرب، مع أنه يصرح في شعره أن أمّه حرّة. وعاش في كنف بني سلامان سبيّاً على الأرجح لكنه نقم عليهم لظلم أصابه، فانتقل إلى قبيلة فهم، واتصل بتأبط شرّاً وتصعلك، وجعل همّه الانتقام من بني سلامان.
ب ـ شعره: وأكثر نتاجه مقطوعات شعرية قصيرة لها موضوع واحد يجمع بينها، شأن شعر الصعاليك ، وهو التشرّد وحياة المغامرة والثورة على البؤس، ويتجلّى في شعره التمرّد والخشونة، في حين تميّز شعر عروة بن الورد بمذهب إنساني رائع يدعو إلى العدالة الاجتماعية ومساعدة الفقراء، وانتزاع الأموال من الموسرين بالقوة لمساعدة الضعفاء.
له ديوان شعر مطبوع. وأشهر قصائده اللاميّة المنسوبة إليه، وقد نسبت إلى سواه، ومنها الأبيات المختارة.
ج ـ قراءة في نص (إباءٌ وتَرَفُّع) للشَّنْفَرَي:
فطر العربي على رفض الضيم ، والثورة على الظلم، فالضيم أشد وقعاً على نفسه من الحسام المهنّد، والكريم يجد في الأرض الواسعة منأى له عن الذل والأذى، ولو كان في نزوحه المعاناة والشقاء.

أقيموا بني أُمي صُدورَ مطيِّكُمْ
فقد حمَّت الحاجاتُ والليلُ مقمرُ
إني الأرضِ منأىً للكريم عن الأذى
عمركَ بالأرض ضيقٌ على امرئٍ
إني دونُكمْ أهلون: سيدً عملَّسُ
كلُّ أبيٍّ باسلٌ غيرَ أنني
وإن مدّتِ الأيدي إلى الزّادِ لم أكنْ
ربّي كفاني فقدُ من ليسَ جازياً
أثلاثة أصحابٍ: فؤادَ مُشيَّعُ
أليمُ مِطالَ الجوعِ حتى أميتهُ
لولا اجتناب الذّامِ لم يبق مشربٌ
لكنّ نفساً حُرّةً لا تُقيمُ بي
فإني إلى قومٍ سِواكم لأميلُ
وشُدَّتْ لطيّاتي مطايا وأرحُلُ
وفيها لمنْ خاف القلى مُتعزَّلُ
سرى راغباً أو راهباً وهو يعقلُ
وأرقطَ زهلولُ، وعرفاءُ جيألُ
إذا عرضت أُولى الطرائدِ أبسلُ
بأعجلهم إذ أجشعُ القومِ أعجلُ
بحُسنى ولا في قُربِه مُتعلَّلُ
وأبيضُ إصليتُ وصفراءُ عطيلُ
وأضربُ عنه الذِّكرَ صفحاً فأذهلُ
يُعاشُ به إلاّ لديَّ ومأكَلُ
على الضَّيمِ إلاّ ريثَ ما أتحوَّلُ

شرح المفردات:
أقيموا صدور مطيّكم: ارفعوا ظلمكم عنّي أو جدّوا في السير – حُمّ الأمر: قدر – الطيّات: ج طيّة: وجهه المرتحل – الأرحل: ج رحْل: ما يجعل على ظهر البعير كالسرّج أو ما تستصحبه للسّفر من متاع – القلى: البغض – منعزَّل: مُتنحّى – السِّيد: الذئب – العملّس: القوي الشديد السِّير – الأرقط : من صفات النَّمِر – الزّهلول:الأملس ـ العرفاء : صفة للضَبْعُ الطويلة العرف ـ جيّأل : من أسماء الضبع ـ متعَلّل : مُتَلَّهى ـ أبيضُ إصليت : سيف صقيل ـ ضفراء عيطل : قوس طويلة حسنة – مشيَّع: جريء – المِطال: مصدر ماطل وهو التسويف والمدافعة – الذّام: الغيب .

مفردات للشرح:
الحُسنى – استفّ – متحوَّل – أذهلُ.
من شعرالشعراء الصعاليك
قال الشنفرى الأزدي :
أقيموا بني أي صدور مطيكم فاني إلى أهل سواكم لأميل
فقد حمت الحاجات والليل مقمر وشدت لطياتي مطايا وارحل
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى وفيها لمن خاف القلى متعزل
لعمرك ما بالأرض ضيق على امرئ سرى راغبا أو راهبا وهو يعقل
ولي دونكم أهلون : سيد عملس وأرقط زهلول وعرفاء جيال
هم الرهط لا مستودع السر شائع لديهم ولا الجاني بما جر يخذل
وكـل أبي باسـل غـير أنني إذا عرضت أولى الطرائد أبسل
وان مدت الأيدي إلي الزاد لم أكن بأعجلهم إذ اجشع القوم أعجل
وما ذاك إلا بسطة عن تفضل عليهم وكان الأفضل المتفضل
واني كفاني فقد من ليس جازيا بحسنى ولا في قربه متعلل
ثلاثة أصحاب : فؤاد مشيع وابيض أصليت وصفراء عطيل
هتوف من الملس الحسان يزينها رصائع قد نيطت عليها ومحمل
إذا زل عنها السهم حنت كأنها مرزاة ثكلى ترن و تعول
ولست بمهياف يعشي سوامه مجدعة سقبانها وهي بهل
ولا جبا أكهى مرب بعرســـه يطالعها في شانه كيف يفعل
ولا خرق هيق كان فــــؤاده يظل به الـمكاء يعلو ويسفل
ولا خالف دارية متغزل يـروح و يغدو داهنا يتكحل
ولست بعل شره دون خيره ألف إذا ما رعته اهتاج اعزل
ولست بمحيار الظلام إذا نحت هدى الهوجل العسيف يهماء هوجل
إذا الأمعز الصوان لاقى مناسمي تطـاير منـه قـادح و مـفلل
أديم مطال الجوع حتى أميته واضرب عنه الذكر صفحا فأذهل
وأسقف ترب الأرض كي لايرى له علي من الطول امرؤ متطول
و لو اجتناب الذام لم يبق مشرب يعاش به إلا لـدي و مأكل
ولكن نفسا حرة لا تقيم بي على الضيم إلا ريث ما أتحول
واطوي على الخمص الحوايا كما انطوت خيوط ماري تغار وتفتل
وأغدو على القوت الزهيد كما غدا أزل تـهاداه التنـائف أطحـل
إذا طاويا يعارض الريح هافيا يخوت بأذناب الـشعاب ويعسل
فلما لواه القوت من حيث امة دعـا فاجتابته نظائر نحـل
مهلهلة شيب الوجوه كأنها قداح بكـفي ياسـر تتقلقل
أو الخشرم المبعوث حثحث دبره محابيـض رداهـن سـام معـسل
مـهرتة فوه كان شـدوقها شقوق العصي كالحات وبسل
فضج وضجت بالبراح كأنها وإياه نـوح فوق علياء ثكل
وأغضى وأغضت وائتسي وائتست به أرامل عـزاها وعـزنه أرمل
شكاوشكت ثم ارعوي بعدوا رعوت وللصبر إن لـم ينفع الشكو أجمل
وفاء وفاءت بادرات وكلـها على نـكظ ممـا يكاتم مجمل
وتشرب أسآري القطا الكدر بعدما سرت قربا أحشاؤها تتصلصل
هممت وهمت وابتدرنا وأسدلت وشـمر مني فـارط متمهل
فوليت عنها و هي تكبو لعقرة يباشره منها ذقون وحوصل
كان وغاها حجرتيه وحوله أضاميم من سفلي القبائل نزل
توافين من شتى إليه فضمها كما ضم أذواد الأصاريم منهل
فعبت غشاشا ثم مـرت كأنها مع الصبح ركـب من أحاظة مجفل
وآلف وجه الأرض عند افتراشها بـأهدأ تـنبيه سناسـن قحـل
واعدل منحوضا كان فصوصه كعاب دحاها لاعب فهي مثل
فإن تبتئس بالشنفري أم قصطل لما اغتبطت بالشنفري قبل أطول
طريد جنايات تياسرن لحمه عـقيرتها لأيها حـم أول
تبيت إذا مـا نـام يقظى عيونها حثاثا إلى مـكروهه تتغلغل
وإلف هموم ما تزال تعوده عيادا كحمى الربع أو هي أثقل
إذا وردت أصدرتها ثم إنها تثوب فتاتي من تحيت ومن عل
فإما تريني كابنة الرمل ضاحيا على رقـبة أحفى و لا أتنعل
فاني لمـلى الصبر اجتاب بزة على مثل قلب السمع والحزم افعل
واعدم أحيانا وأغنى و إنما ينال الغنى ذو البعدة المتبذل
فلا جزع لخـلة متكشف ولا مرح تحت الغنى أتخيل
ولا تزدهي الأجهال حلمي ولا أدرى سؤولا بأعقاب الأحاديث أنمل
وليلة نخس يصطلي القوس ربها واقطعه للائي بـها يتنبـــل
دعست على بغش وغطش وصحبتي سعار وإرزيز و وجر وأفكل
فأيمت نسوانا وأيتمت إلدة وعدت كما أبدأت والليل اليل
فأصبح عني بالغميصاء جالـسا فريقان : مسـؤول وآخر يـسال
فقالوا : لقد هرت بليل كلا بنا فقلنا : أذئب عس أم عس فرعل
فلم يك إلا نبأة ثم هومت فقلنا : قطاة ريع أم ريع اجدل
فان يك من جن لأبرح طارقا وإن يك إنساما كها الإنس تفعل
ويوم من الشعرى يذوب لوا به أفاعيه من رمضائه تتململ
نصبت له وجهي ولا كن دونه ولا ستر إلا الأتحمي المرعبل
وضاف إذا هبت له الريح طيرت لبائد عن أعطافه ما ترجل
بعيد بمس الدهن والفلي عهده له عبس عاف من الغسل محول
وخرق كظهر الترس قفر قطعته بعاملتـين ظهره لـيس يعمـل
فألحقت أولاه بأخراه مـوفيا على قنة أقعي مرارا وامـثل
ترود الأراوي الصحم دوني كأنها عذارى عليهن الملاء المذيل
وير كدن بالآصال حولي كأنني من العـصم أدفى ينتحي الكيح أعقل

17 ـ هُنيّ بن أحمر


هنيَّ بن أحمر : أحد بني الحارث، من كنانة ، شاعر جاهليّ مقلَ.
قراءة في نص
(قِسّمةٌ ظالمة )
قال هُنيّ بن أحمر، وقد ظلمه قومُه:
1-أأخيَّ أخبرني ولمستَ بصادقي
2-أمن القضيَّةِ أنْ إذا استغنيتُمُ
3-وإذا الشَّدائِدُ بالشَّدائِدِ مرَّةً
4-وإذا تكونُ كريهةٌ أُدعى لها
5-ولِجُندبِ سهلُ البلادِ وعذبُها
6-عجباً لتلكَ قضيَّةً، وإقامتي
7-تلك الظُّلامَةُ قد عرفتُ مكانها
وأخوكَ ينفعُكَ الذي لا يكذبُ
وأمنتُمُ فأنا الغريبُ الأجنبُ
أشجينكم فأنا المُحبُّ الأقرَبُ
وإذا يُحاسُ الحيسُ يُدعى جُندَبُ
وليّ المِلاحُ وجنبُهُنَّ المُجْدِبُ
فيكم على تلك القضيَّةِ أعجبُ
لا أمَّ لي إنْ كان ذاك ولا أَبُ

"الأمالي للقالي"
شرح المفردات:
استغنيتم: اغتنيتم واكتفيتم. الأجنبُ: الغريب عن البلد – أشجينكم: أحزنَّكم وشغلْنَ بالكُم – الكريهة: الشِّدَّة في الحرب – الحيس: طعام يُتَّخذ من التمر والسّمن واللبن المجفَّف. يُحاس الحيس: يخلط ويُعمل – جُندب: اسم علم – عذْب البلاد: مياهها العذبة – الملاح: مفردها المِلْح، وهي الأرض الكثيرة الملوحة – جنب الشيء: ناحيته – الظُّلامة: الحق الذي تطلبه عند الظالم – لا أمّ لي: تعبير بمعنى ثكلتني أمّي.



18 ـ دريد بن الصِّمّة

قراءة في نص دريد بن الصِّمّة ( فخر بالذات)
أعاذلُ إنما أفنى شبابي
مع الفتيان حتى كلّ جسمي
أعاذلُ إنّه مالُ طريفٌ
ويبقى بعديَ حِلْمِ القومِ حِلمي
ركوبي في الصّريخِ إلى المنادي
وأقرحَ عاتقي حملُ النّجادِ
أحبًّ إليَّ من مالٍ بَلادِ
ويفنى قبلَ زادِ القوم زادي

النِّجاد: حمائل السيف – المالُ الطريفُ: المكتسب الجديد والتِّلاد المال الموروث.
وقال دريد بن الصمة يوعد بني الحارث بن كعب :
يا بني الحـارث انتم معشر زند كم وار و في الحرب بهم
ولكـم خيـل عليـها فتيـة كأسود الغيل يحمين الأجـم
ليس في الأرض قبيل مثلكم حين يرفض العدا غير جشم
لست للصمة إن لم آتكم بالخناذيذ تبــارى في اللجم
فتقر العين منـكم مرة بانبعاث الـحر نوحـا تلتدم
وترى نجران منـكم بلقعا غير شمطاء وطفل قــد يتم
فانظروها كالسعـالي شزبا قبل رأس الحول إن لم أخترم

- وقال دريد بن الصمة أيضا :
أعادل إنما أفنى شبابي ركوبي في الصريخ إلى المنادي
مع الفتيان حتى كل جسمي وأقرح عاتقي حمل النجاد
أعاذل انه مال طريف أحب إلي من مال تلاد
أعاذل عدتي بدني ورمحي وكل مقلص شكس القياد
ويبقى بعد حلم القوم حلمي ويفنى قبل زاد القوم زادي






19 ـ جليلة بنت مُرّة

قراءة في نص جليلة بنت مُرّة ( قاتلةُ مقتولةُ) بعد أن قتل أخوها جسّاسُ زوجها كُليباً:
فِعْلُ جَسّاسٍ على وَجْدي به
يا قتيلاً قوَّضَ الدّهرُ به
هَدّم البيتَ الذي استحدثتُهُ
إنّني قاتلةُ مقتولةُ

قاطعُ ظَهري ومُدْنٍ أجلي
سقْفَ بيتيَّ جميعاً من علِ
وانثنى في هدم بيتي الأوّل
ولعلَّ اللهَ أن يرتاحَ لي










20 ـ بشر بن أبي خازم الأسدي

أ ـ اسمه ونسبه : هو بشر بن أبي خازم بن عوف بن حميري بن ناشرة بن أسامة والده بن الحارث ..... بن مدركة من نزار شاعر جاهلي من قوم عبيد بن الأبرص الأسدي يقال إن ( سوادة ) أخا الشاعر أو ابن أخيه ممن كان ينبهه على إقوائه في الشعر، وله أخ آخر اسمه ( سمير ) أكبر منه رثاه بثلاث قصائد صادقة .وله ولد اسمه ( نوفل ) حضر مع أبيه حلف أسد وطيىء وله ابنة اسمها ( عميرة )، أما زوجته فليس هناك خبر عنها وقد وردأنه عشق امرأة اسمها ( هند ) أو ( هنيدة ) ولكنه ذكر نساء كثيرات في شعره على عادة الشعراء السابقين وقد عاش في عصر أبي قابوس النعمان بن المنذر من ملوك الحيرة أو آخر القرن السادس الميلادي وقد كان حيا قبل ظهور الإسلام
ب ـ منزلته الشعرية:يعد بشر بن أبي خازم أحد فحول الشعراء الجاهليين فقد أورده ابن سلام الجمحي مع الطبقة الثانية من شعراء الجاهلية في كتابه طبقات فحول الشعراء مع أوس بن حجر والحطيئة وكعب بن زهير وقد توافق الفرزدق مع جرير في تفضيل بشر بن أبي خازم على غيره من الشعراءلقوله : ثوى في ملحد لابد منه كفى بالموت نأيا واغترابا
وقوله:
رهين بلى وكل فتى سيبلى فشقي الجيب وانتحبي انتحابا
وقد اعتبر عمرو بن العلاء أن بشر بن أبي خازم والنابغة فحلان من فحول الجاهلية على أن بشرا كان أكثر إقوا ء من النابغة وأثنى على قصيدته التي مطلعها .
أحق ما رأيت أم احتلام أم الأهوال إذ صحبي ينام
وقد كان لحادثة هجاء بشر لأوس بن حارثة بن لام سيد بني جديله من طيء بعد أن ألبسه النعمان بن المنذر ملك الحيرة حلته وأخذه لثلاثمائة من النوق أثر كبير في حياته فقد عرضت هذه الحادثة الشاعر لغضب أورس الذي أغار على نوقه ففر الشاعر ولجأ إلى قومه بني أسد الذين حموه

ومما قال في هجاء أوس
فيا عجبا أبو عدني بن سعدى وقد أ بدى مساوئه الهجاء
وحولي من بني أسد حلول كمثل الليل هناك به الغضاء
وقد وقعت بين قوم أوس بني جد يلو بن طيء وبني أسد قوم بشر معركة قتل فيها الكثير ولكن بشرا ولى هاربا إلا انه وقع في الأسر وأراد أوس قتله فجاءت أمه إليه فقالت له والله لامحا هجاءه لك إلا مدحه إياك فعفا عنه فأاقسم الشاعر قائلا والله لا مدحت أحدا غيرك حتى أموت ، وقد قتل الشاعر في أحدى الغارات فقد أدركه سهم من وائلي أصاب ثدييه مما جعل بشر يعتنق فرسه وهو جريح ثم أ نشد يرثي نفسه مخاطبا ابنته ( عميرة )
فان الوائلى أصاب قلبي بسهم لم يكن يكسى لنابا
ثوى في ملحد لا بد منه كفى بالموت نأيا واغترابا
رهين بلى وكل فتى سيبلى فأذري الدمع وانتحبي انتحابا
وترجع المصادر وفاته سنة / 22 / قبل الهجري النبوية المشرقة 597 / م وقبل /32/ قبل الهجرة / 608 / م
ج ـ قراءة في نص ( ) لبشر بن أبي حازم





21 ـ الخنسـاء
تماضر بنت عمر الشريد

أ-حياتها ونشأتها : ولدت الخنساء عام 575 م ـ وتوفيت عام 644 م على أفضل التقادير وهي تما ضر بنت عمــرو بن الشريد مـن بني سليم تربت فــي بيت سيادة ، إذ أن أباها وأخويها معاوية وصخرمن سادات القبيلة،وقد تزوجت من رواحة بن عبدالعزيزالسلمي ابن عمها، ثم انفصلت عنه بعد أن أنجبت منه ولدا ، ثم تزوجت مرداس بن أبي عامر وأنجبت منه يزيد ومعاوية وعمرو وعمرة ، فجعت الشاعرة بفقد أخويها معاوية وصخر وبكتهما بكاء مرا ، أدركت الخنساء الإسلام ووفدت على الرسول صلى الله عليه وسلم مـع قومها وأنشدته من شعرها ودفعت أولادها الأربعة للمشاركة في معركة القادسية ، فلم تجزع عليهم جزعها على أخويها لأنها كانت تدرك أ نهم في الجنة ، وقد توفيت الخنساء في أول خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه . لقبت بالخنساء لتأخــر أنفها عـن الوجه مـع ارتفاع قليل فـــي الأرنبة . وهـي صفة أكثر ما تكون في الظباء . وقد رفضت الخنساء بعد موت زوجها مرداس بن أبي عامر الزواج من الشاعردريد بن الصمّة معللة ذلك بكبر عمره .
ب ـ شخصيتها : تميزت الخنساء بامتزاج صفتي لين الأنوثة وشدة الرجولة مع عاطفة جياشة ، إذ أ نها كانت في الجاهلية تفد إلى سوق عكاظ وتنشد أشعارها فــي خيمة النابغة تسابق حسان والأعشى ، ولكن موت أخيها صخر الذي كان العون الكبير لها جعل عاطفتها تتفجر حزنا عليه مما جعل بعض النقاد المعاصرين كيوسف سامي اليوسف يطلق عليها ( الكستراالعرب)
تقول الخنساء :
يذكرني طلوع الشمس صخرا وأذكره لكل غروب شمس
حتى أنها لتكاد تقتل نفسها أسفا عليه :
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
والسبب في تفجع الشاعرة على أخيها صخر وعدم نسيانها إياه أنه كان يمنحها شطر ماله كلما أتلف زوجها ماله :
فلا والله ما أنساك حتــى أفارق مهجتي ويشق رمسي
فقد ودّعت يوم فراق صخر أبـي حسّـان لذّاتي وأُنسي
وقد أدى بها كثرة البكاء إلى أن تصاب بالعمى فتتحول إلى امرأة صبور لا تملك إلا أن تقول عند سماع خبر مقتل أبنائها الأربعة : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ...وأرجو أن يجمعني بهم في مستقر رحمته .
ج ـ شعر الخنساء : تشير الباحثة الدكتورة عائشة عبـد الرحمن إلى أن الخنساء شاعـرة جاهلية كانت تفد إلى خيمة النابغة وتنشد أشعارهم بينما يشير مؤرخو الأدب إلى أن الخنساء شاعرة مخضرمة عاشت العصرين الجاهلي والإسلامي وقالت شعرا في كلا العصرين ولكن شعرها في رثاء أخيها صخر قد غلب على معظم شعرها تقول:
أعيني جـودا ولا تجمـدا ألا تبكيان لصخـر الندى
ألا تبكيان الجريء الجميل ألا تبكيان الفتــى السيـدا
وتجمع الشاعرة في مراثيها بين الحزن والفخر:
قذىً بعينك أم بالعين عــوّار أم ذرّفت ، إذ خلت من أهلها الدار
وإن صخرا لتأتم الهداة بــه كأنه عـم فـي رأسـه نــار
ومـن أ روع ما روي عـن الخنساء قصيــدة رائية صـورت مشهـد سباق بين أبيها وأخيها صخر سبق الأب فيها الابن :
جارى أباه فأقبلا وهمــا يتعـاوران ملاءة الفخـر
حتى إذا نزت القلوب وقـد لزّت هناك العذر بالعـذر
برزت صفيحة وجه والده ومضى على غلوائه يجري
وهمـا كأنهمـا وقد برزا صقران قد حطّا على وكر








22 ـ عَبْدُ قيس بن خُفَاف
البُرْجُميّ

الحكمةُ والتأمّل

أ ـ حيانه: أبو جُبّيل عبد قيس بن خفاف البُرجمي، من شرفاء قومه بني تميم وشجعانهم في الجاهلية والإسلام. عاصر حاتماً الطائي والنابغة، والنعمان بن منذر، ويبدو أنه عُمّر طويلاً. في حِكمته يتجلّى الإيمان بالخالق، والنهي عن الخلف باسمه بالباطل، والسعي إلى الخير بين الناس، والترفّع عن مجالس السوء. لم يصلنا من شعره إلا القليل مما ورد في المفضَّليات والأصمعيات وغيرهما من المراجع ، ومن أجود ما نظمه في رثاء حاتم الطائي قوله:

ي عيشُ النّدى ما عاش حاتمُ طيِّءٍ

ي نادينَ: مات الجودُ معْك فلا نرى

وإن ماتَ قامّتْ للسَّخاء مآتِمُ

مُحجباً له ما حامَ في الجوّ حائِمُ


ب ـ قراءة في نص ( مكارمُ الأخلاق) لعبْدُ قيس البُرْجُميّ
حين تشرف شمس الحياة على الأفول، يوّد الشيخ أن يقدّملأبنائه عصارة عمره وتجربته الطويلة في الحياة، فيجنّبهم الزلّل والعشار، ويرقد مطمئناً لأن راية الأخلاق الكريمة ستظلّ مرفوعة بين الناس.

أَجُبّيْلُ إنّ أباكَ كاربَ يومَهُ

أُوصيكَ إيصاءَ امرئٍ لكَ ناصحِ

اللهَ فاتّقهِ وأوفِ بنذْره

واعلمْ بأنَّ الضَّيفَ مُخبِرُ أهله

وَصِلِ المُواصِلَ ما صفا لكَ ودُّهُ

واترُكْ محلَّ السوء لا تحلُلْ به

وإذا همّمت بأمرِ شرٍّ فاتّئدْ

واذا افتقرتَ فلا تكنْ مُتَخشِّعاً

وإذا تشاجرَ في فؤادِكَ مّرّةً

فإذا دُعيتَ إلى العظائم فافعلِ

طَبِنٍ برَيْبِ الدّهرٍ غيرِ مُغفَّلِ

وإذا خلَفتَ مُمارياً فتحلَّلِ

بَمبيتِ ليلِتِهِ، وإن لم يُسْألِ

واحذرْ حِبالَ الخائنِ المتبذَّلِ

وإذا نبا بكَ منزلٌ فتَحَوَّلِ

وإذا هممت بأمرِ خيرٍ فافعلِ

ترجو الفواضلَ بأمرِ خيرٍ فافعّلِ

أمران، فاعمّدْ للأعَفِّ الأجْمَلِ

شرح المفردات:
كاربَ: قاربَ – طبن: خبير – حلفت ممارياً: أقسمت يميناً وأنت تعرف أنك لست على حقّ – تحلّلْ: تخلص من يمينك الكاذبة بالتوبة والتكفير – أتّئد : تمهّل – الخَصاصة : الفقر والحاجة – تجمّل: اصبر – تشاجَرَ : تَخالفَ وتباينَ.







23 ـ المُتّلمِّس الضُّبَعِيّ

أ ـ حياته : هو جرير بن عبد المسيح من بني ضُبيعة بن مالك بعض بني بكر بن وائل، شاعر جاهليّ قديم، مجيد حكيم ثائر، وهو خال الشاعر طرفة بن العبد، وعنه أخذ طرفة الشعر. كانت منازل قومه في البحرين، وبها نشأ وعاش الشطر الأول من حياته. ونادم عمرو بن هند ملك المناذرة في الحيرة، ثم هجاه لظلمه وطغيانه، وأراد عمرو قتله فالتجأ إلى الشام ولحق بملوك الغساسنة. أقام خمسة عشر عاماً في بصرى ودمشق، وهو يرسل قصائده إلى قومه، يهجو عمرو بن هند ويحضُّهم على الثورة عليه، حتى وافته المنية ببصرى سنة خمسين قبل الهجرة النبوية، نحو 569 للميلاد. كان له ولد شاعر اسمه عبد المنَّان أدرك الإسلام.
ب ـ أغراض شعره:
يعدالهجاء من أكثر أغراض شعره، وقد أكثر من هجاء عمرو بن هند، وكتب في الحكمة ، وله فيها أبيات شوارد بارعة مبتكرة واضحة المعنى، كما وله عتاب كثير وفخر وافر.
له ديوان شعر مطبوع فيه ما بقي من شعره، وقد ترجمه أحد المستشرقين الألمان إلى اللغة الألمانية.
ج ـ صحيفة المتلمس : اشتُهرت في أخبار الأدب صحيفة المتلمّس، فقد روي أن عمرو بن هند لمّا غضب على المُتلمِّس وعلى ابن أخته طرفة بعد أن كانا ينادمانه كتب لكلّ واحد منهما رسالة إلى المُكَعبر، عامله على البحرين، وأوهمهما أنه أمر لهما في الرسالتين بجائزتين. فيقال إنّ المتلمَّس شكّ في ذلك فدفع رسالته إلى صبّي من صبيان الحيرة قرأها له فإذا فيها أمر بقتله، فشقَّها وألقاها في النهر. ثم إنَّه قال لطرفة: ما في رسالتك إلاّ كالذي في رسالتي، لم يقتنع طرفة بذلك، بل تابع طريقه إلى البحرين فقتله المُكعبر، أما المتلمِّس فإنه فرَّ من العراق إلى الشام لاجئاً إلى الغساسنة.
د ـ قراءة في نص (الثورة على الظلم): للشّاعر الثائر المُتَلّمِّس فقد كان عمرو بن هند ملكاً مستبداً ظالماً أعمل الفرقة بين القبائل العربية واستبدّ بها، واستأثر بالمغانم والغلال،
فهجاه المتلمِّس وتهدَّده بالثورة عليه:



1-ألكَ السَّديرُ وبَارقٌ
2-والقصرُ ذُو الشُّرفاتِ منْ
3-والغمرُ ذو الأحْساء، والـ
4-والثَّعْلبيَّةُ كُلُّها
5-وتَظَلُّ في دُوَّامةِ الـ
6-فلئنْ تعشْ فليبلُغَنْ
7-ما للّيوثِ، وأنتَ جَا
8-والظُّلمُ مربوطٌ بأفْـ
ومُبايضُ، ولكَ الخورنقْ
سندادَ والنَّخْلُ المُبسَّقْ
لذاتُ مِنْ صاعٍ وديسَقْ
والبدْو مِنْ عانٍ ومُطلَقْ
مولُودِ يُظلمُها تحرَّقْ
أرماحُنا مِنْكَ المُخَنَّقْ
مِعُها برأيِكَ، لا تُفرَّقْ
نيةِ البيوتِ أغرُّ أبلَقْ

شرح المفردات:
السَّدير: قصر – بارق: ماء بالعراق – مُبايض: جبل وراء الدَّهناءِ في جزيرة العرب – الخورنقُ: قصر كان يظاهر الحيرة – سنداد: نهر فيما بين الحيرة إلى الأبلَّة، وكان عليه قصر المُبسَّق الذي طال وتمّ ارتفاعه – الغمر: موضع – الأحساء: مفردها حسي، وهي حفيرة قريبة القعر. يستنقع فيها الماء تحت الرمل – الصّاع: مكيال – الدَّيسق: خوان من .... – الثَّعلبيّة: موضع – العاني: الأسير – المطلق: الطَّليق – الدُّوامة: تلعب بها الصبيان تُلفُّ بخيط ثم ترمى على الأرض يقال لها في الشام "البلبل" – المولود ، هنا: ولدُ الملك – تحرق: تلتهب غضباً- المخنق: موضع الخناق من العُنُق. الأغرُّ: الأبيض الواضح. البلق: السّواد والبياض في الخيل، وأراد هذا الملك أمام كل بيت مشهور ظاهر.






24 ـ لقيط بن يَعْمُر الإياديّ
(التحّرر السياسيّ)
أ ـ حياته وشعره : شاعرٌ جاهليٌّ مُقلٌّ، كان مثقّفاً يتمتع بسداد الرأي والغيّرة على قومه. عملَ كاتباً عند كسرى، وحينما صمّم كسرى على غزو قبيلته إياد وأمر لقيطاً أن يكتب إليهم كتاباً يطمئنهم فيه إلى نيّاتِ كسرى ويستدعيهم إليه، كان لقيط يعرف حقيقة المؤامرة فكتب إلى قومه يطالبهم أن يتنبّهوا ويحذروا المكيدة.. وتذكُرُ كتب الأدب أنَّ إياداً اختلفت على نفسها، ولم تأخذ برأي لقيط فأوقع بهم كِسرى، واكتشف كتابَ لقيط فأمر بقطع لسانه ..

قراءة في نص( صَرْخَةٌ قوميّةٌ ب ـ
أبلغْ إياداً وخلِّل في سراتهمُ
بالهفَ نفسيَ إن كانت أُمورُكُمُ
مالي أراكمُ نياماً في بُلَهْنيةِ
فاشفوا غليلي برأيٍ منكُمُ حَصدٍ
لا تُثمِروا المالَ للأعداءِ إنَهُمُ
يا قومُ إنّ لكُمُ منْ إرث أوَّلِكْم
ماذا يرُدُّ عليكمُ عزَّ أوَّلكُمُ
يا قومُ لا تأمنوا إن كنتُمُ غُيُراً
هو الفَنَاءُ الذي يجتثُّ أصلَكُمُ
قوموا قياماً على أمشاط أرجلِكم
وقلِّدوا أمركمْ لله دَرُّكمُ
هذا كتابي إليكُمْ والنّذيرُ معاً
وقد بذلتُ لكم نُصحي بلا دَخَلٍ
أنّي أرى الرأيَ إنْ لم يُعصَ قد نصَعا
شَتى وأُحْكِم أمرُ النّاسِ فاجتمعا
وقد تروْن شهابَ الحربِ قد سطعا
يصبحْ فؤادي به ريّانَ قد نقعا
إن يظهروا يحتووكم والتِّردَ معا
مجداً أحاذرُ أن يفنى وينقطعا
إن ضاعَ آخرُهُ أو ذلّ واتضعا
على نسائكُمُ كسرى وما جَمعا
فمنْ رأى مثلَ ذا رأياً ومنْ سَمعا
ثم افزعوا قد ينالُ الأمنَ مَنْ فزعا
رحبَ الذِّراعِ بأمرٍ الحربِ مُضطَلعا
لمنْ رأى منكُمُ رأياً ومنْ سَمعا
فاستيقظوا إنّ خير العلمِ ما نفعا


شرح المفردات:
خلّل في سراتهم: أكثر التجّوال خلالهم. نصعَ: وضحَ وظهر. شتى: مُتفرقة – بلنيهة: نعمة وغفلة – حصدُ: ناضجُ- نقع: ارتوى ظمؤه – القسيّ: جمع قوس – الشّرعُ: جمع شرعة وهي الوتر – إن يظهروا: ينتصروا – التّلاد: المال القديم الموروث – اتَّضع: سقط – غير: جمع غيور وهو الذي يثور لكرامته – افزعوا: احذروا – رحب الذّراع: قويّ واسع الصدر – مضطلع: مقتدر قويّ التحمّل – دخلُ: غِشّ.





25 ـ عبيد بن الأبرص






عبيد بن الأبرص
26 ـ حسان بن ثابت الأنصاري

أ ـ شأته وحياته : ولد حسان بن ثابت بن المنذر بن حزام النجاري ، الخزرجي فـي المدينة المنورة عام سبعين قبل الهجرة ، وتوفـي فـي زمـن معــاوية عام 54هـ ـ 674م وقد عاش مئة وعشرين سنة نصفها في الجاهلية ونصفها في الإسلام وهو شاعر مخضرم وفد على الغساسنة في الشام ، ووفد على المناذرة فــي الحيرة ثم وقف شعره بعد قدوم الرسول إلى المدينة على المنافحة عن الدين الجديد .
ب ـ شخصيته : كان حسان بن ثابت فارسا لا يشق له غبار ، بنى شخصيته الشعـريـة مـن القيم التـي استقاها أيام جاهليته ، وبعــد إسلامه ، ولكنـه بقـي متميـزا بسرعة الانفعال والاعتزاز الشديد بنفسه والمبالغة في التعصب لقومه ، اتهمه بعض النقاد بالجبن لعدم مشاركته مع الرسول في غزواته مع أنه كان مصابا بعلة إضافة إلـى كبر سنّه منعاه من ذلك ، وقد وصفه الرسول عليه السلام بالأسد قائلا : قـد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضاري بذنبه . داعيا حسان لقتال المشركين .
ج ـ شعره : كتب حسان في معظم أغراض الشعر العربي مدحا وهجاء وفخرا ورثاء وخمرا وغزلا ، ومن مديحه ، يقول :
لله درّ عصــابة نادمتهــــــم يوما بجلــق في الزمان الأول
بيض الوجوه كريمة أنسابهم شم الأنوف من الطراز الأول
ومن شعره في الفخر والهجاء قوله في هجاء ابن الأسلت أحد سادة الأوس :
ألا أبلـــغ أبا قيس رســــولا إذا ألقـــى لـــها سمعـا تبين
نسيت الجسر يوم أبي عقيل وعنـدك مـن وقائعنــا يقي
تشيب الناهـد العـذراء فيهـا ويسقط من مخافتها الجن
قتلتــم واحــدا منّا بألــف هلا لله ذا الظفـر المبين
ومن هجائه لأبي سفيان حين تعرض للرسول عليه السلام ، يقول :
هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجــوه ولست له بكفء فشركما لخيـركما الفداء
يغلب على أسلوب حسان الرقة وسلاسة التعبير فهو حضري شعره مشوب بالعاطفة والانفعال الظاهر جعله ابن سلام أشعر الشعراء الإسلاميين .
حسان بن ثابت الأنصاري
شهد حسان تخبط الحياة الجاهلية إيان أقولها فقد سبق ذلك بفترة من الزمن حدوث سيل العرم الذي بدد أعرف حضارة عربية باليمن ومزق أبناء سبأين بشجب بن يعرب بن قحطان فتفرقوا في البلاد أيدي سبأ فأقام المنادرة على تخوم العراق تابعين للفرس وأقام الغساسنة في جوار الشام تابعين للروم وسكنت الأوس والخزرج المدينة مع يهودها وتخزعت خزاعة جنوب مكة وبقية القبائل اليمنية مكاناً وسطاً مثل كندة وقضاعة وكانت المدينة ذات آطام وتحل وأهلها من غير عدنان تركها العماليق وكان قد نزلها قبلهم(يثرب) بن عبيل من تسل سام بن نوح ثم هلكوا
عين جودي على عبيل وهل ير جع ما فات فيضها بالسجام
عمروا يثربا ليس بها سفر ولا صارخ ولا ذو سنام
ثم نزلها يهود (قريضة والنضير) بعد فرارهم
من بختنصر وسكناهم في (المدينة وخيبر)ونزح إليها إخوانهم بعد ظهور النصرانية وترغيب الرهبان والأحبار بسكانها وقد استجار الأوس والخزرج بالغساسنة للخلاص من استغلال اليهود فأصبحوا ذوي عزة ومال وسلطان والأصل في أن الأوس والخزرج هما أبناء(قيلة بنت جفنة) أبوهما حارثة بن ثقلية زحمتهم الأحداث فتفرقوا وقد قال حسان إما سألت فإنا معشر نجب الأزد نسبتنا والماء غسان ولقد عاصر حسان بن ثابت الجاهلية ستين عاماً فتأثر شعره بحياتها فكان من أشهر شعراء اليهود كعب بن الأشرف والربيع بن الحقيق وكان بنو قريظة وبنو النضير حلفاء للأوس وبنو قينقاع حلفاء للخزرج فإذا ما اختلف الحيان عاضد اليهود وحناءهم وناقض ابن الأشرف شاعر بني النضير حسان بن ثابت شاعر الخزرج وقد عاصر حسان شعراء من مكة من مثل أبو طالب وأبو سفيان وضرار منير الخطاب وابن الزبعري وعمرو بن العاص وأبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي وهبيرة بن أبي وهب وعبد الله بن خطل ومقيس بن ضبابة والزبير بن عبد المطلب ومسافر بن أبي عمرو بن أمية وعبد الله بن حذافة السهمي ولكون قريش ذات مكانة دينية لوجود البيت الحرام فقد بقيت قليلة الانغماس في الشهوات بعيدة عن الغازات نادرة الحروب مما جعل شعراؤها بعيدين على براعت الشعر ومن هنا كان شعرهم أقل من شعر المدينة ويشبه شعر الطائف شعر مكة للأسباب نفسها كالصلت بن أبي ربيعة وأمية بن أبي الصلت وأبو محجن بن حبيب بن عمرو الثقفي وغيلان بن سلحة وكنانة بن عبد ياليل وقد كان حسان في جاهليته يفد على ملوك غسان(آل جفنة) بالشام ويمدحهم وقد زار حسان جبلة بن الأيهم ومدحه وعن يمنية النابغة الذبياني وعن يساره علقعة عبده فأنشد النابغة :
كليني لحم ياأميمة ناصب وليل أقاسيه يطيء الكواكب
وأنشدعلقمة : طحا بك قلب في الحسان طروب بعيد الشباب عصر حان مشيب
وأنشد حسان : لله در عصابة نادمتهم يوماً بجلق في الزمان الاول

فقال جبلة : أدنه ما أنت بدونهما ثم أمر لي بثلاثمائة دينار وعشرة أقمصة لها جيب واحد وقال هذا لك عندنا كل عام وكذلك وفد على اللخميين في الحيرة ومدح النعمان بن المنذر فأجازه وأكرمه بعد أن قال فيه :
وأنا الصقر عند باب ابن سلمى يوم نعمان في الكبول مقيم
وأبى روافد أطلقا لي ثم رضا وقفلهم محطوم
أما في خلاف لأوس والخزرج فقد كان حسان يفاضل وينامر الخزرج ويشيد بأياهم وأمجادهم ويهجو الأوس وشاعرهم قيس بن الخطيم ومن ذلك مخاطبته له
فلا تعجلن يا قيس وأربع فإنما قصاراك أن تلقى بكل مهند
حسام وأرماح بأيدي أعزة متى ترهم يابن الخطيم تبلد
مذهب حسان الشعري في جاهلياً : دعا حسان رضي الله عنه إلى التغني بالشعر
تغن بالشعر إما أنت قائله إن الغناء لهاذا الشعر مضمار
وأحسن الشعر في رأي حسان ما جادت به قريحته مطابقاً للواقع والصدق وسلامة المنطق
إنما الشعر لب والمرء يعرضه على المجالس إن كيهاً وإن حمقا
وإن أشعر بيت أنت قائله بيت يقال إذا أنشدته صدقا
فشاعريته محلقة في السماء يعجز عن أمثالها الشعراء
وقافية عجت بليل رزينة تلقيت من جو السماء نزولها
يراها الذي لاينطق الشعرعنده ويعجزعن أمثالها أن يقولها
وهو لا يتكئ على أحد في شعره لأنه ملك نفسه في الشعر
لا أسرق الشعراء ما نطقوا بل لا يوافق شعرهم شعري
فهو لم يلتزم في شعره مذاهب شعراء عمره كزهير والنابغة والحطيئة والأعشى وهو لم يتكلف بشعره ولم يحفل بنعيته بل يتركه على رسله حسب ما جادت به القريحة فمعانيه وأساليبه متنوعة وألفاظه ومباينه متباينة ويجتمع في شعر(المألوف والغريب واللين والفخم) ولم تسلم أساليبه في الجاهلية من الألفاظ الحوشية والخيال البدوي مع غلبة جزالة الألفاظ وفخامة التعبير وضخامة المعنى وكثرة ما يتصل في بيئته من صور قليلاً ما يميل إلى اللين وعذوبت اللفظ وسهولة العرض وأقوى شعره الجاهلي ما عارض به شعراء الأوس وما مدح به بني غسان
أهاجي حسان ونقائضه الجاهلية :
تميز حسان ببديهة حاضرة وقدرة على السخرية والإزراء بمن يهجوه وخبرة في القضايا الإجتماعية بين القبائل ومعرفة بأنساب العرب وحدة في اللسان وأول ما ناقض من الجاهليين قيس بن الخطيم حين اختلفت الأوس والخزرج وكان بينهم أيام ودماء ومناقضات وهجاء وقد تناول حسان وابن الخطيم قبائل بعضهما بالذم أنشد ابن الخطيم يوم السرارة
تروح من الحسناء أم أنت مفتدي وكيف انطلاق عاشق لم يزود
فأجابه حسان بمذهبته
لعمر أبيك الخير ياشعث ما بنا على لساني في الخطوب ولا يدي
وقال حسان يوم الربيع مشبباً بليلي أخت قبيس بن الخطيم
لقد هاج نفسك أشجانها وعاودها اليوم أديانها
تذكرت ليلى وأنى بها إذا قطعت منك أقرانها
ويثرب تعلم أنا بها إذا التبس الأمر ميزانها
وقال قبيس بن الخطيم مشبياً بعمرة زوج حسان
أجد بعمرة غنيانها فتهجر أم شأننا شأنها
زنحن الفوارس يوم الربيع قد علموا كيف فرسانها .
_ مدائح حسان الجاهلية
لم يخرج مدح حسان عن أسلوب مدح إخوته الشعراء في العصر الجاهلي فهو قد سلك أسلوبهم من حيث وصف الممدوح بالكرم والشجاعة ....الخ
فقد اتصل (بآل جعنة) أقاربه من بني عسان في الشام حيث كان يقعد بالمدينة عاماً ويفد إليهم عاماً فيكرمون وقادته ويمدحهم بغرر شعره من ذلك مديحه لعمرو بن الحارث الغساني
لله در عصابة نادمتهم يوماً بجلق في الزمان الأول
ومدح (جبلة بن الأيهم)
لمن الدار أقفرت بمعان بين أعلى اليرموك والخمان
ذاك مغنى من آل جفنة في الدهر وحق تعاقب الأزمان
قد أراني هناك حق مكين عند ذي التاج مجلسي ومكاني
- فخر حسان في الجاهلية
يعد فخر حسان من أقوى شعره في جاهليته ولا سيما فخره بقومه من الخزرج وخاصة في تشابكاته في الجاهلية مع شعراء الأوس وقد فخر بنفسه وفصاحة لسانه وسيرورة شعره ومن فخره بنفسه
لساني صارم لا عيب فيه ومجرى لا تكدره الدلاء
وقوله:
لقد عذوت أمام القوم منتطقاً بصارم مثل لون الملح قطاع
تحفز عني نجاد السيف سلبغة فضفاضة مثل لون النهي بالقاع
- غزل حسان في الجاهلي: جارى حسان الشعراء الجاهليين في الغزل فشابههم في المعاني والتشبيب ومطالع القصائد بالنسيب وأكثر غزله يفتقر إلى صدق العاطفة لصدوره عن حب غير صادق وقد يكون صدقاً عاطفته قد ضاع في الصبا
إن شرخ الشباب والشعر الأسود ما لم يقاص كان جنونا ما التصابي على المشيب وقد قلب من ذلك أظهراً وبطونا
وأما خمرياته في الجاهلية فكانت بديعة غير أنا نعف عن ذكرها وأما مراثيه وحكمه الجاهلية فهي لا تذكر
- تأثير حسان وتأثره في الجاهلية :
تأثر حسان بن ثابت في جاهليته بمجموعة من الشعراء ممن عاصروه وتأثروا به ولما له من مكانة مرموقة في الشعر ولما له من حسٍ عميق فمن ذلك :
1- قال أمرؤ القيس :
من القاصرات الطرف لو دب محول من الأرقوق الإثب منها لأثرا
وقال حسان:
لو يدب الحول من ولد الذر عليها لأندبتها الكلوم
2- قال النايغة معتذراً:
إن كنت قلت الذي بلغت مقتمدا إذاً فلا رفعت سوطي إلى يدي
قال حسان معتذراً :
فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم فلا رفعت سوطى إلي أناملي
3- قال عمر بن الإطنابة:
والخالطين غنيهم بفقيرهم والباذلين عطاءهم للسائل
وقال حسان :
والخالطين غنيهم بفقيرهم والمنعمين على الفقير العدم
مكانة حسان بين الشعراء
قيل في حسان :
1- أشعر شعراء المدينة
2- أشعر محول الحضر 3- لم يكن في الصف الأول من شعراء العرب
4- يعد في الطبقة الثانية من الفحول 5- هو من أصحاب المذهبات
6- اتفقت العرب على أنه أشعر أهل المدر أهل يثرب ثم عبد القيس ثم ثقيف
7- فضل حسان الشعراء بثلاث (كان شاعر الأنصار في الجاهلية ) (شاعر النبي صلى الله عليه وسلم في النبوة )( شاعر اليمن كلها في الإسلام )
8- قال الأصمعي ( إن قوماً يرون تقدمه امرئ القيس في الجاهلية وحسان في الإسلام
9- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت عبد الله بن رواحة فقال وأحسن وأمرت كعب بن مالك فقال وأحسن وأمرت حسان بن ثابت فشفى واستشفى )
10- دافع الأصمعي عن تهمة أبو حاتم لشعر حسان باللين فقال تنسب له أشياء ليست له والشعر نكد يقوى بالشر فإذا دخل الخير لان
11- اعتبره النابغة والأعشر شاعراً مع أن النابغة فضل عليه الخنساء
12- اعتبره الحطيئة في أوخريات حياته أشعر العرب
13- أشعر بيت وأفخر بيت وأحكم بيت قالته العرب لحسان رضي الله عنه
1- يغشون حتى ما تهر كلابهم لا يسألون عن السواد المقبل /أشعر بيت
2- أتهجوه ولست له بكفء فشر كما الخير لما الغداء /أنصف بيت
3- وإن امرءاً أمسى وأصبح سالماً من الناس إلا ما جنى لسعيد /أحكم بيت
4- وبيوم بدر إذ يرد وجوهم جبريل تحت لوائنا ومحمد /أفخر بيت


من شعر حسان بن ثابت الجاهلي
-1-
من مناقضاته مع قيس بن الخطيم
قال قيس بن الخطيم بصدد يوم السرارة :
تزوح من الحسناء أم أنت مغتدي وكيف انطلاق عاشق لم يزود
تراءت لنا يوم الرحيل بمقلتي غرير بملتف من السدر مفرد
وجيد كجيد الرئم صاف يزينه توقد ياقوت وفصل زبر جد
كان الثريا فوق ثغرة نحرها توقد في الظلماء أي توقد
إلا إن بين الشرعبي وراتج ضربا كتخذيم السيال المعضد
لنا حائطان الموت أسفل منهما وجمع متى يصرخ بيثرب يصعد
ترى اللابة السوداء يحمر لونها ويسهل منها كل ريع وفدفد
لعمري لقد حالفت ذبياز كلها وعبساً على ما في إلا ديم الممدد
وأقبلت من ارض الحجاز بحلبة تغم الفضاء كالقطا المتبدد
تحملت ما كانت مزينة تشتكي من الظلم في الأحلاف حمل التغمد
أرى كثرة المعروف يورث أهله وسو د عصر السوء غير المسود
إذا المرء لم يفضل ولم يلق نجده مع القوم فليقعد بصغره ويبعد
واني لأغنى الناس عن متكلف يرى الناس ضلالا وليس بمهتدي
كثير المنى بالزاد لا خير عنده إذا جاع يوما يشتكيه ضحى الغد
نشا غمرا بورا شقيا معلنا ألد كان رأسه رأس أصيد
وذي شيمة عسراء تسخط شيمتي أقول له : دعني ونفسك ارشد
لعمرك ما الأيام إلا معارة فما أسطعت من معروفها فتزود
وذي شيمة عسراء تسخط شيمتي أقول له : دعني ونفسك ارشد
لعمرك ما الأيام إلا معارة فما أسطعت من معروفها فتزود
متى ما تقد بالباطل الحق يأبه وان قدت بالحق الرواسي تنقد
متى ما أتيت الأمر من غير بابه ضللت وان تدخل من الباب تهتد
فمن مبلغ عني شريد بن جابر رسولا إذا ما جاءه وابن مرثد
فأقسمت لا أعطي يزيد رهينة سوى السيف حتى لا تنوء له يدي
فأجابه حسان :
لعمر أبيك الخير ياشعث مانبا علي لساني في الخطوب ولا يدي
لساني وسيفي صارمان كلاهما ويبلغ مالا يبلغ السيف مذودي
وان أك ذا مال قليل أجد به وان يهتصر عودي على الجهد يحمد
فلا المال ينسيني حياتي وعفتي ولا واقعات الدهر يفللن مبر دي
أكثر أهلي من عيال سواهم واطوي على الماء القراح المبرد
واني لمعط ما وجدت وقائل لموفد ناري ليلة الريح أوقد
واني لقوال لذي البث مرحبا وأهلا ً إذا ماجاء من غير مرصد
واني ليدعوني الندى فأجيبه واضرب بيض العارض المتوقد
واني لحلو تعتريني مرارة واني لترك لما لم أعود
واني لمز جاء المطي على الوجى واني لترك الفراش الممهد
واعمل ذات اللوث حتى أردها إذا حل عنها رحلها لم تقيد
أكلفها أن تدلج الليل كله تروح إلى دار ابن سلمى وتغتدي
وألفيته بحرا كثيرا فضوله جواداً متى يذكر له الخير يزدد
فلا تعجلن ياقيس واربع فإنما قصاراك أن تلقى بكل مهند
حسام وأرماح بأيدي أعزة متى ترهم يابن الخطيم تبلد
ليوث لها الأشبال تحمي عرينها مداعيس بالخطي في كل مشهد
فقد ذاقت الأوس القتال وطردت وأنت لدى الكنات في كل مطرد
فناع لدى الأبيات حورا نواعما وكحل مآقيك الحسان باثمد
نفتك عن العلياء أم لئيمه وزند متى تقدح به النار يصلد


قال حسان يفتخر :
الم تسال الربع الجديد التكلما بمدفع اشد أخ فبرقه اظلما
أبى رسم دار الحي أن يتكلما وهل ينطق المعروف من كان أبكما
بقاع نقيع الجزع من بطن يلبن تحمل منه أهله فتتهما
ديار لشعشاء الفؤاد وتر بها ليالي تحتل المراض فتغلما
وإذ هي حوراء المدامع ترتعي بمندفع الوادي أراكا منظما
أقامت به بالصيف حتى بدا لها نشاص إذا هبت له الريح أرزما
وقد إل من أعضاد ه ودناله من الأرض دان جوزه فتحمحما
تحن مطافيل الرباع خلاله إذا استن في حافاته البرق أثجما
وكاد بأكناف العقيق وثيده يحط من الجماء ركنا ململما
فلما علا تربان وانهل ودقة تداعى وألقى بر كة وتهز ما
وأصبح منه كل مدفع تلعة يكب العضاه سيله ما تصر ما
تنادوا بليل فاستقلت حمو لهم وعالين أنماط الدر قل المر قما
عسجن بأعناق الظباء وأبرزت حواشي برود القطر وشيا منمنما
فاني تلاقيها إذا حل أهلها بواد يمان من غفار واسلما
تلاق بعيد واختلاف من النوى تلاقيكها حتى توافي موسما
سأ هدي لها في كل عام قصيدة واقعد مكفيا بيثرب مكرما
ألست بنعم الجار يولف بيته لذي العرف ذامال كثير ومعد ما
وندمان صدق تمطر الخير كفه إذا راح فياض العشيات خضر ما
وصلت به ر كني ووافق شيمتي ولم أك عضا في الندامى ملوما
وأبقى لنا مر الحروب ورزؤها سيوفا وأدراعاً وجمعا عرمرما
إذا اغبر آفاق السماء وأمحلت كان عليها ثوب عصب مسهما
حسبت قدور الصاد حول بيوتنا قنابل دهماً في المحلة صيما
يظل لديها الواغلون كأنما يوافون بحراً من سميحة مفعما
لنا حاضر فعم وباد كأنه شماريخ رضوى عزة وتكرما
متى ما تزنا من معد بعصبة وغسان نمنع حوضنا أن يهدما
بكل فتى عاري الأشاجع لاحه قراع الكلماة يرشح المسك والدما
إذا استدبرتنا الشمس درت متوننا كان عروق الجوف ينضحن عندما
ولدنا بني العنقاء وابني محرق فأكرم بنا خالاً وأكركم بنا ابنما
نسود ذا المال القليل إذا بدت مروءته فينا وان كان معدما
وأنا لنقري الضيف إن جاء طارقا من الشحم ما أضحى صحيحا مسلما
السنا نرد الكبش عن طية الهوى ونقلب مران الوشيج محطما
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
أبى فعلنا المعروف أن ننطق الخنى وقائلنا بالعرف إلا تكلما
أبى جاهنا عند الملوك ودفعنا وملء جفان الشيز حتى تهزما
فكل معد قد جزينا بفعله فبؤسى ببؤس هاو بالنعم انعما

من قصائدحسان في الغساسنة :
أسالت رسم الدار أم لم تسال بين الجوابي فالبضيع فحو مل
فالمرج مرج الصفرين فجاسم فديار سلمى درسا لم تحلل
د من تعاقبها الرياح دوارس والمد جنات من السماك الأعزل
لله در عصابة نادمتهم يوما بجلق في الزمان الأول
يمشون في الحلل المضاعف نسجها مشي الجمال إلى الجمال البزل
الضاربون الكبش يبرق بيضه ضربا يطيح له بنان المفصل
والخالطون فقيرهم بغنيهم والمنعمون على الضعيف المرمل
أولاد جفنة حول قبر أبهم فبر ابن مارية الكريم المفضل
يغشون حتى ما تهر كلابهم لا يسالــــون عن السواد المـقبل
يسقون من و رد البريص عليهم بردى يصفق بالــــرحيق السلسل
يــسقون درياق الرحيق ولم تكن تدعي ولا ئــدهم لنقف الحنظل
بيض الوجوه كريمة أحسابهم شم الأ نوف من الطـــراز الأول
فلبثت أزمانا طوالا فيهم ثم انثنيت كأنني لم أفــعل
- مدح وفخر: في فخر النابغة الجعدي أنفة الجاهلية ولكنها أنفة يحكمها العقل وحمية وجهت للدفاع عن القيم والمثل السامية..
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ويتلو كتاباً كالمجرة نيرا
وجاهدت حتى ماأحس ومن معي سهيلاً إذا مالاح ثمت غورا
أقيم على التقوى وأرضى بفعلها وكنت من النار المخوفة أحذرا
وإنا لقوم ما تعود خيلنا إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا
وننكسر يوم الروع ألوان خيلنا من الطعن حتى نحسب الجون أشقرا
وما كان معروفاً لنا أن نردها صحاحاً ولا مستنكراً أن تعقرا
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
ولاخير في حلم إذا لم تكن له بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
- شرح المفردات:
الجرة: منطقة في السماء قوامها نجوم كثيرة لايميزها البصر. والعامة تسميها:درب التبانة – غور:غاب – الجون:الأسود – تعقر:تقتل –مظهر:علو – بوادر:أعمال – مواقف – أورد: أحضر – أصدر: أخرج ..





27 ـ الحطيئة
(جاهلي – إسلامي – راشدي)

هو جرول بن أوس الملقب بالحطيئة من بني عبس ولد من أمة اسمها الضراء فكان مضطرب النسب غير صريح القرابة طلب اللتحاق بإخوته من أبيه فلم يفلح فهجاهم والتحق بأهل امرأة أبيه من ذهل ٍ فلم يلق عندهم خيراً فهجاهم وانصرف عنهم ..
بقيت حياة الحطيئة منذ ذاك حياة تنقل دائم من قبيلة إلى قبيلة وتقلب من نسب إلى نسب..
كان لرفض المجتمع الجاهلي له آثار بعيدة في تكوينه النفسي والخلقي فقد حقد على هذا المجتمع وكرهه ورفض قيمه التي يؤمن بها ومن هنا كان هجاؤه المر واستهانته بكل ما هو جليل عند الآخرين ..
تزوج الحطيئة أم مليكة وقد أظهر لها ولأولاده منها حباً شديداً يدل على سعة قلب هذا الإنسان كما يدل على أن حقده على الناس لم يكن من خبث أصيل في طبعه بل كان مظهراً من مظاهر الانتقام من مجتمع رفض قبوله والاعتراف به في صفوفه ..
أسلم الحطيئة في أواخر حياة الرسول ص إلا أن إسلامه كان رقيقاً فلم يصل إلى قلبه وقد ارتد مع المرتدين بعد وفاة الرسول ثم عاد معهم إلى الإسلام يوم عادوا ..
توفي الحطيئة سنة (59)ه
اتخذ الحطيئة من شعره وسيلة إلى الرزق فكان يمدح من يعطيه ويهجو من يمنعه ولذلك امتلأ ديوانه بهذين الغرضين المديح والهجاء..
- القصة الشعرية قصة كرم
حفل أدبنا العربي بشواهد كثيرة تدل على الجود وهو أعلى صفات الكرم ولاعجب في ذلك فالجود شرط لازم من شروط السيادة والشرف..
والحطيئة في هذه الأقصوصة الشعرية الجميلة يرسم صورة مشرقة رائعة للجود المتأصل في نفس الإنسان العربي ..

القيم الموروثة:


وطاوي ثلاثٍ عاصب البطن مرمل ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما
أخي جفوةٍ فيه الأنس وحشة يرى البؤس فيها من شراسته نعمى
وأفرد في شعب ٍ عجوزاً إزاءها ثلاثة أشباح تخالهم بهما
حفاةً عراةً مااغتذوا خبز ملة ٍ ولا عرفوا للبر مذ خلقوا طعما
رأي شبحاً وسط الظلام فراعه فلما بدا ضيفاً تشمر واهتما
وقال هيا رباه ضيف ولا قرىً بحقك لا تحرمه تا الليلة اللحما
فقال ابنه لما رآه بحيرةٍ أيا أبت اذبحني ويسر له طعما
ولا تعتذر بالعدم عل الذي طرا يظن لنا مالاً فيوسعنا ذما
فروى قليلاً ثم أحجم برهة ً وإن هو لم يذبح فتاه فقد هما
فبيناهما عنت على البعد عانة قد انتظمت من خلف مسحلها نظما
عطاشاً تريد الماء فانساب نحوها على أنه منها إلى دمها أظما
فأمهلها حتى تروت عطاشها فأرسل فيها من كنانته سهما
فخرت نحوص ذات جحش ٍ سمينة ٌ قد اكتنزت لحماً وقد طبقت شحما
فيا بشره إذ جرها نحو أهله ويا بشرهم لما رأوا كلمها يدمى
وباتوا كراماً قد قضوا حق ضيفهم وما غرموا غرماً وقد غنموا غنما
وبات أبوهم من بشاشته أباً لضيفهم والأم من بشرها أما
شرح المفردات:
الطعم: الطعام، العدم: الفقر، عل: لعل، طرا: طرأ- أي جاء، يوسعنا ذماً: أي يكثر من ذمنا، روى: تمهل، أحجم:امتنع، هم: عزم، عنت: ظهرت ولاحت، العانة: القطيع من حمر الوحش، المسحل: الكبير من الحمر الذي يتقدمها، انساب: انسل، أظما: أظمأ أي أشد ظمأ، الكنانة: الجعبة، النحوص: الأتان الوحشية، الجحش: صغير الحمار، اكتنزت وطبقت: امتلأت، كلمها: جرحها، يدمى: يسيل منه الدم، غرم: خسر، غنم: ربح ..





28 ـ أبو ذؤيب الهذلي
(جاهلي – إسلامي)

هو خويلد بن خالد الهذلي أحد المخضرمين ممن أدرك الجاهلية والإسلام وأسلم فحسن إسلامه ويلف حياته في الجاهلية ستار كثيف لا نعرف منه إلا أنه كان رواية لأحد شعراء قبيلته ..
كان صادق العقيدة مؤمناً بها إيماناً لا يتزعزع يشارك في الفتوح في إفريقية في عهد عثمان بن عفان غزا الروم مع المسلمين
كانت منزلة أبي ذؤيب الشعرية كبيرة وفي شعره رصانة وهدوء من غير تكلف وتصنع وقد سئل حسان: من أشعر الناس قال: حياً، أو رجلاً؟ قيل: حياً. قال: أشعر الناس حياً هذيل غير مدافع أبو ذؤيب..
فجع بأبنائه الخمسة في عام واحد بسبب مرض الطاعون وقد عرف هؤلاء الأبناء بالبأس والنجدة فرثاهم في قصيدة تعد من عيون المراثي
- فجيعة والد
لئن غالب الشاعر دمعه فقد غلبه أمام هذه المصيبة الفادحة التي لم يستطع ردها عن أبنائه وهذه القصيدة نفثة كبد حرى ولوعة أب مفجوع وتجلد رجل عرك الحياة وعركته فما لان لها ولا ذل ..
الرثاء
أمن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع
قالت أميمة مالجسمك شاحباً منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع
فأجبتها أن ما بجسمي إنه أودى بني من البلاد وودعوا
أودى بني وأعقبوني حسرة ً بعد الرقاد وعبرة ً لا تقلع
ولقد أرى أن البكاء سفاهة ولسوف يولع بالبكا من يفجع
فغبرت بعدهم بعيش ٍ ناصبٍ وإخال أني لاحق مستتبع
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم وإذا المنية أقبلت لا تدفع
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة ٍ لا تنفع
حتى كأني للحوادث مروة بصفا المشرق كل يوم ٍ تقرع
وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع
والنفس راغبة ٌ إذا رغبتها وإذا ترد إلى قليل ٍ تقنع
- شرح المفردات:
المعتب: من يزول عتبه ويرضى، الشاحب: المتغير- المهزول، منذ ابتذلت: يريد منذ ابتذلت نفسك وأهنتها مرة، أودى:هلك، أعقبوني: خلفوا لي ، تقلع: تذهب وتنقطع، غبرت: بقيت، والغابر: الباقي، ناصب: متعب، مستتبع: مطالب باللحاق، أنشبت: أعلقت، التميمة: التعويذة، والمنية ليس لها أظفار، وإنما هو من باب الاستعارة، المروة: الحجارة البيض، الصفا: الصخرة العريضة،المشرق: المصلى ، الشامتون: الفرحون بما يصيبنا، أتضعضع: أضعف وأجزع، النفس راغبة: تطلب المزيد إذا أعطيتها وقانعة إذا أقنعتها بما يكفيها..
الحكمة والتأمل:
29 ـ عبده بن الطبيب (جاهلي – إسلامي)
حياته : يزيد بن عمرو شاعر مجيد أسود اللون عاش في بني سعد من قبيلة تميم وأدرك الإسلام فأسلم ، شارك في معارك الفتح الإسلامي في القادسية والمدائن ..
شعره : لم يصل إلينا من شعره إلا القليل ومنه قصيدة في رثاء قيس بن عاصم المنقري التميمي يقول فيها :
وما كان قيس هلكه هلك واحد ٍ ولكنه بنيان قوم ٍ تهدما
قال أبو عمرو بن العلاء: هذا البيت أرثى ببيت ٍ قيل وقال ابن الأعرابي ماله نظير في الجاهلية ولا الإسلام .
كان عبدة يترفع عن الهجاء مروءةً وشرفاً ويجيد الوصف والحكمة وكان عمر بن الخطاب معجباً بقوله:
والمرء ساع ٍ لأمر ليس يدركه والعيش شح ٌ وإشفاق وتأميل
وأعجب عبد الملك بن مروان بقوله يصف الخيل:
ثمت قمنا إلى جرد ٍ مسومة ٍ أعرافهن لأيدينا مناديل
فقد قال يوماً لجلسائه :أي المناديل أشرف؟ فقال قائل منهم :مناديل مصر كأنهاغرقىء البيض وقال اّخرون :مناديل اليمن كأنهم نور الربيع فقال عبد الملك
بل مناديل أخي بني سعد بن الطيب وذكرى البيت..
الحكمة والتأمل
وصية أب
عبدة بن الطبيب
وتجنح شمس الحياة إلى غروب فيشعر الشاعر الشيخ بدنو أجله ويطيب له أن يقدم عصارة تجاربه في الحياة لأولاده لتكون حياتهم من العثرات فيتلوها شعراً يكتنفه الأسى أمام رهبة الموت..
أبني إني قد كبرت ورابني بصري وفي لمصلح ٍ مستمتع
فلئن هلكت لقد بنيت مساعياً تبقى لكم منها مآثر أربع
ذكر إذا الكرام يزينكم ووراثة الحسب المقدم تنفع
ومقام أيام لهن فضيلة عند الحفيظة والمجامع تجمع
ولهن من الكسب الذي يغنيكم يوماً إذااحتضر النفوس المطمع
ونصيحة في الصدر صادرة لكم مادمت أبصر في الرجال وأسمع
أوصيكم بتقى الإله فإنه يعطي الرغائب من يشاء ويمنع
وببر والدكم وطاعة أمره إن الأبر من البنين الأطوع
ودعوا الضغينة لاتكن من شأنكم إن الضغينة للقرابة توضع
واعصوا الذي يزجي النمائم بينكم متنصحاً ذاك السمام المنقع
ولقد علمت بأن قصري حفرة غبراء يحملني إليها شرجع
فبكى بناتي شجوهن وزوجتي والأقربون إلي ثم تصدعوا
إن الحوادث يخترمن وإنما عمر الفتى في أهله مستودع
30 ـ كعب بن مالك الأنصاري
- الهجاء عند كعب بن مالك :
يتخذ الهجاء عند كعب رضي الله عنه منحىً شخصياً وآخر جماعياً(القبيلة- القوم- الجماعة)وقد بقيت قصيدة الهجاء غير مستقلة في الجاهلية وصدر الإسلام بل امتزجت بالحماسة والمدح ونحى كعب هذا المنحى وكانت معانيه سلبية تقابل المثل والمناقب التي يبني عليها معاني مدحه وهذا من أهجى الأساليب ومن هذه المعاني التي عير فيها خصومه(الإعجاب والتكبر) واقترانهما بالهزيمة في الحرب وقد قال في هجاء قريش
لعمر أبيكما يا ابني لؤي ٍ على زهو ٍ لديكم وانتخاء
لما حامت فوايكم ببدر ٍ ولا صبروا به عند اللقاء
وكذلك نقض العهد نحو قوله يعير بني جعفر في حادثة (بئر معونة)
تركتم جاركم لبني سليم مخافة حربهم عجزاً وهونا
فلو حبلاً تناول من عقيل لمد بحبلها حبلاً متينا
أو القرطاء ما إن أسلموه وقدماً ما وقوا إذ لا تقونا
ومن معاني هجائه (ضعة النسب وانحطاط الخلق ولؤم الطبع) كما في هجائه لابن الزبعري
سألت بك ابن الزبعري فلم أنبأك في القوم إلا هجينا
خبيئاً قطيف بك المنديات مقيماً على اللؤم حيناً فحينا
وكان كعب يعير المشركين بالوقائع والأيام والألقاب ومن هذه المعاني الجبن و الضعف والتخلي عن اللواء في ساحة الحرب والتخاذل فيها
عمدناء إلى أهل اللواء ومن يطر يذكر اللواء فهو في الحمد أسرع
كانوا وقد أعطو يداًوتخاذلوا أبى الله إلا أمره وهو أصنع
كذلك كان يسلك كعب سلوك التهديد والوعيد في هجائه فقد أسلمت قبيلة بدوس بفضل تهديده في قوله:
قضينا من تهامة كل ريب وخيبر ثم أجمعنا السيوفا
تخيرها ولو نطقت لقالت قواطعهن دوساً أو ثقيفاً
ولقد علق رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذين البيتين بقوله (لهو أسرع فيهم من السهم في غلس الظلام )وكذلك عير كعب قريشاً بالألقاب التي كانت تتألم منها نحو قوله جاءت سخينة كي تغالب ربها فليغلبن مغالب الغلاب وعند ما سمع رسول الله ذلك قال له (لقد شكرك االله ياكعب على قولك هذا )وهكذا فقد كانت أبيات كعب في هجائه عفيفة ومعانيه بعيدة عن الفحش والفجور لقوة إيمانه وصدق عقيدته وعصمته عن أسلوب السباب والأقذاع فهو هجاء ساخر متهكم وقد كان كعب يصب جام هجائه على أعداء المسلمين من المشركين كأبي سفيان ومن والدهم من اليهود والمعادين للرسول من قريش (بني النصيح )وأبي براء وابن الزبعري وبني لحيان فهند بنت عتبة فبني جعفر بني كلاب فأبي عامر الملقب بالراهب ثم وحشي قاتل حمزة وأبي جهل
4- النقائض :وهي قصائد تكون وزن واحد وقافية واحدة وروي واحد وموضوع واحد وعلى الرغم من ادعاء البعض أنها فرع من الهجاء إلا أنه استقل بنفسه عنه بالاشتراك مع عبد الله بن رواحة وحسان كمدافعين عن الرسول صلى الله عليه وسلم ضد شعراء المشركين كأبي سفيان وعبد الله بن الزبعري وغيرهم وله ست قصائد في المناقضات وناقض ضرار بن الخطاب في موقعه بدر وأبا سفيان في غزوة السويق وعمر بن العاص في أحد وللعباس بن مرداس في غزوة بني النصير ولعبد الله بن الزبعري في الخندق وجميع نقائضه سامية ونبيلة القصد غايتها إخراج الناس من الظلمات إلى النور ورفع كلمة التوحيد يقول مناقضاً لض ار بن الخطاب
فلما لقيناهم وكل مجاهد لأصحابه مستبسل النفس صابر
شهدنا بأن الله لا رب غيره وأن رسول الله بالحق ظاهر
ومنا قضاته بعضه إسلامي المعاني وبعضها جاهلية فقد قال مناقضاً لهبيرة من أبي وهب :
وفينا رسول الله نتبع أمره إذا قال فينا القول لانتطلع
تدلى عليه الروح من عند ربه ينزل من جو السماء ويرفع
ومن معاينة الجاهلية :
ونحن أناس لا نرى القتل سبةً على كل من يحمي الزمار ويمنع
بنو الحرب إن نطفر فلسنا بفحشء ولا نحن من أظفارها نتوجع
ويعتمد كعب في مناقضاته على تكذيب معاني المناقض له أو يقابله في مفاخراته وقد يقلب المعاني على قائلها أو يتوعده ويشمت به وقد ناقضه الشعراء الآخرون فارتجز مرحب اليهودي قائلاً
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
فأجابه كعب بأرجوزة قال فيه
قد علمت خيبر أني كعب مفرج الغمى جريء صلب
5-الرثاء : سلك كعب في رثائه مسلكه من مدحه فقد كان في رثائه يعدد خصال المرثي ويسجل مناقبه تحت راية الإسلام ومقاييسه وقد قال في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم
ياعين قابلي بدمع ذرى لخير البرية والمصطفى
وبكي الرسول وحق البكاء عليه لدى الحرب عند اللقا
وقد يظهر أثر فقد المرثي على نفسه وعلى الناس
ألا أنعي النبي إلى العالمينا جميعاً ولا سيعما المسلمينا
وكذلك في رثائه لحمزة
أصيب المسلمون به جميعاً هناك وقد أصيب به الرسول
أبا يعلى لك الأركان هدت وأنت الماجد البر الوصول
ولذلك كان كعب في رثائه رقيق الأحساس جياش العاطفة تهزه المأساة وتثيره الفاجعة فيسل دمعه غزيراً وتذوب نفسه حسرات ويتفجر شعره ألماً وحزناً ولوعة وأسى فقد جاءت قصائده في رثاء الرسول صلى الله علية وسلم ورثاء عثمان رضي الله عنه ورثاء عبيدة بن الحارث وقتلى مؤتة من الرثاء الذي يبعث على






الباب السادس
نصوص من الشعر الجاهلي

1 ـ طفيل الغنوي
ج- أساتذه زهير :
قال طفيل الغنوي :
صحا قلبه واقصر اليوم باطلة وأنكره مما استفـاد حلائـله
يربن ويعرفن القوام وسيمتي وأنكرن زيغ الرأس والشيب شامله
وكنت كما يعلمن والدهر صالح كصدر اليماني أخلصته صياقله
وأصبت قد عنفت بالجهل أهله وعري أفراس الصبا ورواحله
قليل عناني من أتى متعمدا سواءبنا أو خالفتني شمائله
خلا أنني قد لا أقول لمدبر إذا اختار صرم الحبل : هل أنت واصله
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن تحملن أمثال النعاج عقائله
ظعائن ابرقن الخريف وشمنه وخفن الهمام أن تقاد قنابله
على اثر حي لا يرى النجم طالعا من الليل إلا وهو بـاد منازله
شربن بعكاش الهبابيد شربه وكان لها الأحفى خليطا تزايله
فلما بدا دمخ واعرض دونه غوارب من رمل تلوح شواكله
وقلن ألا البردي أول مشرب نعم جير إن كانت رواء أسافله
تحاثثن واستعجلن كل مواشك بلؤمته لم يعد أن شـق بازلـه
فباكرن جونا للعلاجيم فوقه مجالس غرقي لا يحلا ناهله
إذا ماأتته الريح من شطر جانب إلى جانب حاز التراب مجاوله

وقال طفيل أيضا :
تأوبني هم مع الليل منصب وجاء من الأخبار مالا اكذب
تظاهرن حتى لم تكن لي ريبة ولم يك عما اخبروا متعقب
وكان هريم من سنان خليفة وحصن ومن أسماء لما تغيبوا
ومن قيس الثاوي برمان بيته ويوم حقيل فاد آخر معجب
وبالسهب ميمون الخليفة قوله لملتمس المـعروف أهل و مرحب
كواكب دجن كلما غاب كوكب بدا وانجلت عنه الدجنة كوكب
لعمري لقد خلى ابن جندع ثلمة فمن أين ، إن لم يرأب الله ، ترأب
و بالخير إن كان ابن جندع قد ثوى يبنى عليه بيتـه ويـحجب
نداماي أضحوا قد تخلت منهم فكيف ألذ الخمر أم كيـف اشرب
ونعم الندامى هم غداة لقيتهم على الدام تجرى خـيلهم وتؤدب
مضوا سلفا قصد السبيل عليهم وصرف المنايا بالرجال تقلب
ألا هل أتى أهل الحجاز مغارنا ومن دونهم أهل الجناب فأيهب
شـآمية إن الـشآمي داره تشق على دار اليماني وتشعب
فتاتيهم الأنباء عـنا وحـملها خفيف مع الركب المخفين يلحب
وفرنا لأقوام بينـهم ومـالهم ولولا القياد المسـتتب لأعـزبوا
بحي إذا قيل : اركبوا لم يقل لهم عواوير يخشون الردى : أين نركب
ولكن يجاب المستغيث وخيلهم عليها حمـاة بالـمنية تضرب
فباتوا يسـنون الزجاج كأنهم إذا مـا تنادوا خـشرم متـحدب
وخيل كأمثال السراح مصونة ذخائر ما أبقى الغراب ومذهب
طوال الهوادي والمتون صليبة مغاوير فيها للأريب مـعقب
تأوبن قصرا من اريك ووابل وماوان من كل تثوب وتحلب
ومن بطن ذي عاج رعال كأنها جراد يباري وجهة الريح مطنب
أبوهن مكتوم واعوج تفتلى ورادا وحوا ليس فيهن مغرب
إذا خرجت يوما أعيدت كأنها عـواكف طير في السـماء تقلب
وألقت من الإفزاع كل رحالة وكــل حـزام فضـله يـتذبذب
إذا استعجلت بالركض سد فروجها غبار تهاداه السـنابك أصهب
فرحنا بأسراهم مع النهب بعدما صبحناهم ملمومة لا تكذب
انبت فما تنفك حول متالع لها مثل آثار الـمبقر مـلعب
وراحلة وصيت عضروط ربها بها والذي تحتي ليدفع انـكب
لـه طـرب في إثرهن وربـه إلى مايرى من غارة الخيل اطرب
كان على أعرافه ولـجامه سناضرم من عرفـج يتلهب
كسيد الغضى الغادي أضل جراءه علا شـرفا مستقبل الريح يلحب
لهن بشباك الـحديد تقاذف هـوي رواح بالدجنة يـعجب
فلم يبق إلا كل جرداء صلدم إذا استعجلت بعد الـكلام تقرب
فنلنا بقتلانا من القوم مثلهم وبالموثق المـكلوب منـا مكلب
وبالنعم المأخوذ مـثل زهائه وبالسبي سبي والمحارب محرب
وبالمردفات بعد انعم عيشة على عدواء والعيون تصبب
عذارى يسحبن الذيول كأنها مع القوم ينصفن العضار يطربرب
إلى كل فرع من ذؤابة طيىء إذا نسبت أو قيل : من يتنسب
و بالبيضة الموقوع وسط عقارنا نهاب تداعى وسطه الخيل منهب
وحي أبي بكر تداركن بعدما أذاعت بسرب الحي عنقاء مغرب
رددن حصينا من عدي ورهطه وتيم تلي بالـعروج و تحـلب
وحيا من الأعيار لـو فرطتهم أشتوا فلم يجمعهم الدهر مشعب
وهن الألى أدركن تبل محجر وقد جعلت تلك التنابيل تنسب
وقال أناس يسمعون كلامهم هم الضامنون ما تخافون فاذهبوا
فما برحوا حتى رأوها تكبهم تـصعد فيهم تـارة و تــصوب
يقولون لما جمعوا الغدو شملهم لك الأم منا في المواطن و الأب
وقد منت الخذواء منا عليهم وشيطان إذ يدعوهم و يثوب
جـعلتهم كـنزا ببـطن تبالـة وخيبت من أسراهم من تخيب
فمن يك يشـكو منهم سوء طعمه فإنهم أكل لـقومك مخصب
وكـنا إذا ما اغتفت الخيل غفه تجرد طلاب الترات مطلب
من القوم لم تقلع براكاء نجدة من النـاس إلا رمحه يتصبب
واصفر مشـهوم الفؤاد كأنه غداة الندى بالزعفران مطيب
تـفلت عـليه تـفلة و مـسحته بثوبي حتى جلده متقوب
يراقب إيحاء الرقيب كأنه لما وتروني آخر اليوم مغضب
ففاز بنهب فيه منهم عقيلة لها بشر صاف ورخص مخضب
فلا تذهب الأحساب من عقر دارنا ولكن أشباحا من المـال تذهب






2 ـ أوس بن حجر
وقال أوس بن حجر:
صحا قلبه عن سـكره فتأملا وكان بذكري أم عمرو مو كلا
وكان له الحين المتاح حمولة وكل امرئ رهن بما قد تحملا
ألا اعتب ابن العم إن كان ظالما واغفر عنه الجهل إن كان اجهلا
وان قال لي : ماذا ترى يستشيرني يجدني ابن عم مخلط الأمر مزيلا
أقيم بدار الحزم مادام حزمها وأحر إذا حـالت بـان أتحولا
واستبدل الأمر القوي بغيره إذا عقد مأفون الرجال تحللا
واني امرؤ أعددت للحرب بعدما رأيت لها نابا من الشر أعصلا
أصم ردينيـا كـان كـعوبه نوى القسب عراصا مزجا منصلا
عليه كمصباح العزيز يشبه لفصح ويحشوه الذبال المفتلا
وأملس صوليا كنهي قرارة أحس بقاع نفخ ريح فأجفلا
كان قرون الشمس عند ارتفاعها وقد صادفت طلقا من النجم اعزلا
تردد فيـه ضوؤها وشعاعها فأحسن وازين بامرئ أن تسربلا
وابيض هنديـا كـان غراره تلألـؤ بـرق حـبي تـكللا
إذا سل من جفن تأكل أثره على مثل مصحاة اللجين تأكلا
كان مدب النمل يتبع الربا ومدرج ذر خاف بردا فأسهلا
على صفحتيه من متون جلائه كفى بالذي أبلي وانعت منصلا
ومبضوعة من رأس فرع شظية بـطود تـراه بالـسحاب مجلا
على ظهر صفوان كأن متونه عللن بـدهن يـزلق الـمتنزلا
يطيف بها راع يجشم نفسه ليكـلئ فـيها طـرفة متأملا
فلاقى امرءا من ميدعان وأسمحت قرونته باليأس منها فعجلا
فقال له : هـل تـذكرن مخبرا يدل على غنم و يقصر معملا
على خير ما أبصرتها من بضاعة لملتمس بـيعا بـها أو تبكـلا
فويق جبيل شامخ الرأس لم تكن لتبلغه حتى تكل و تعملا
فأبصر ألهابا من الطود دونها ترى بين راسي كل نيقين مهبلا
فاشرط فيها نفسه وهو معصم وألقى بأسباب له وتوكلا
وقد أكلت أظفاره الصخر كلما تعايا عليه طول مرقى توصلا
فما زال حتى نالها وهو معصم على موطن لو زل عنه تفضلا
فاقبل لا يرجو التي صعدت به ولا نفسه إلا رجاء مؤملا
فلما نجا من ذلك الكرب لم يزل يمظعها ماء اللحاء لتذبلا
فأنحى عليها ذات حد دعا لها رفيقا بأخذ بالمدارس صيقلا
على فخذيه من براية عودها شبيه سفى البهمى إذا ما تفتلا
فجردها صفراء لا الطول عابها ولا قصر أزرى بها فتعطلا
كتوم طلاع الكف لا دون ملئها ولا عجسها عن موضع الكف أفضلا
إذا ما تعاطوها سمعت لصوتها إذا انبضوا عنها نئيما و أزملا
وان شد فيها النزع أدبر سهمها إلى منتهى من عجسها ثم اقبلا
فلما قضى مما يريد قضاءه وصلبها حرصا عليها فأطولا
وحشو جفير من فروع غرائب تنطع فيـها صـانع و تـنبلا
تخيرن أنضاء وركبن أنصلا كجمر الغضى في يوم ريح تزيلا
فلما قضى في الصنع منهن فهمه فلم يبق إلا أن تسن وتصقلا
كساهن من ريش يمان ظواهرا سخاما لؤاما لين المس أطحلا
يخزن إذا أنفزن في ساقط الندى وان كان يوما ذا اهاضيب مخضلا
خوار المطافيل الملمعة الشوى وأطلائها صـادفن عـرنان مبـقلا
فذاك عتادي في الحروب إذا التظت وأردف باس من حروب وأعجلا
وذلك من جمعي وبالله نلته وان تلقني الأعداء لا الق اعزلا
وقومي خيار من أسيد شجعة كرام إذا ما الموت خب وهرولا
ترى الناشئ المجهول منا كسيد تبحبح في أعراضه و تـأثلا
وقد عملوا أن من يرد ذاك منهم من الأمر يركب من عناني مسحلا
فـاني رأيت النـاس إلا اقـلهم خفاق العهود يكثرون التنقلا
بني أم ذي المال الكثير يرونه و إن كان عبدا سيد الأمر جحفلا
وهم لمقـل المال أولاد علـة وإن كان محضا في العمومة مخولا
وليس أخوك الدائم العهد بالذي يذمك إن ولى ويرضيك مقبلا
ولكن أخوك ألناء ما دمت أمنا وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا





3 ـ بشامة بن الغدير
قال بشامة بن الغدير :
هجرت إمامة هجرا طويلا وحملك النأي عبءا ثقيلا
وحملت منها على نايها خيالا يـوافي و نـيلا قـليلا
ونظرة ذي شجن وامق إذا ما الركائب جاوزن ميلا
أتتنا تسـائل مـا بـثنا فقلنا لها : قد عزمنا الرحيلا
وقلت لها : كنت قد تعلميـ ن ، منذ ثوى الركب عنا غفولا
فبادرتاها بمســتعجل مـن الـدمع يـنضح خـدا أسيلا
و ما كـان أكثر مــا تولت من الـقول إلا صفاحـا و قيلا
وعذرتها أن كـل امـرئ مـعد له كل يوم شكولا
كـان النوى لم تـكن أصقبت ولـم تأت قـوم أديم حـلولا
فقربت للرحل عـيرانه عـذافرة عـنتريسا ذمـولا
مداخله الخلق مضبورة إذا اخـذ الـحاقفات المـقيلا
لهـا قرد تـام نـيه تزل الولـية عنـه زلـيلا
تطرد أطراف عام خصيب ولــم يـشل عـبد إليها فصيـلا
تـوقـر شـازرة طـرفها إذا ما ثنيت إليها الـجديلا
بعين كعين مفيض القداح إذا مـا أراغ يريد الحويلا
وحادرة كنفيها المسيـ ـح تنـضح أوبر شثا غليلا
وصدور لها مهيع كالخليف تخال بـأن عـليه شليـلا
فمرت على كـشب غدوة وحاذت بجنب اريك أصيلا
توطأ أغلظ حـزانـه كـوطء القوى العزيز الذليلا
إذا أقبلت قلت مذعورة من الرمـد تـلحق هـيقا ذمولا
وان أدبرت قلت مشحونة أطاع لها الريح قلعا جفولا
وإن أعرضت راء فيها البصير مـــا لا يكلفه أن يفيلا
يـدا سرحـا مائرا ضبعها تسوم وتقدم رجلا زجولا
وعوجـا تناطحن تحت المـطا وتـهدي بهن مشاشا كـهولا
تعز المطي جماع الطريق إذا أدلج القوم ليـلا طويلا
كان يـهديها إذا أرقـلت وقـد جرن ثم اهتدين السبيلا
يـدا عائم خـر في غمرة قـد أدركه الموت إلا قليلا
وخبرت قومي ولم القهم أجدوا على ذي شو يس حلولا
فإما هلكت ولم اتهم فابلـغ أماثل سـهم رسـولا
بان قومكم خيروا خصلتين كــلتاهمـا جعلـوهـا عـدولا
خزي الحـياة وحـرب الصديق وكلا أراه طعـامـا وبيـلا
فان لم يكن غير أحداهما فسيروا إلى المـوت سيرا جميلا
و لا تقعدوا وبكـم منـة كفى بالحوادث للمرء غـولا
وحشـوا الحروب إذا أوقدت رماحـا طوالا وخيـلا فحولا
ومن نسج داود موضونة تـرى للقواضب فيـها صليلا
فإنكم وعـطاء الـرهان إذا جـرت الحرب جلا جليلا
كثوب ابن بيض وقاهم به فسد على السالكـين السـبيلا



4 ـ الأسود بن يعفر
( أعشى نهشل)

من شعر المقلين وأصحاب الواحدة:
قال الأسود بن يعفر الملقب بـ ( أعشى نهشل )
نام الخلي وما أحس رقادي والهـم محتضر لدي و سـادي
من غير ماسقم ولكن شفني هم أراه قـد أصاب فـؤادي
ومن الحوادث لا أبا لك أنني ضربت علي الأرض بالأسداد
لا اهتدي فيها لموضع تلعة بين العراق وبين ارض مراد
ولقد علمت سوى الذي نبأتني أن السبيل سبيل ذي الأعواد
إن المنية والحتوف كلاهـما يوفي المخارم يرقبان سوادي
لن يرضيا مني وفـاء رهينة من دون نفسي طار في وتلادي
ماذا أؤمل بعد آل محرق تـركوا منازلـهم و بـعد إياد
أهل الخورنق والسدير وبارق والقصر ذي الشرفات من سنداد
أرضا تخيرها لدار أبيهم كعب بن مامة وابن أم دؤاد
جرت الرياح على مكان ديارهم فكأنما كانـوا على ميعاد
ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل مـلك ثابت الأوتاد
نزلوا بأنقرة يسيل عليهم ماء الفرات يجيء من اطراد
أين الذين بنوا فطال بناؤهم وتمتعوا بالأهل و الأولاد
فإذا النعيم و كل ما يلهى به يوما يصير إلى بلى ونفاد
في آل غرف لو بغيت لي الأسى لو جدت فيهم أسوة العداد
ما بعد زيد في فتـاة فـرقـوا قتلا ونفيا بعد حـسـن تـآدي
فتخيروا الأرض الفضاء لعزهم ويزيد رافدهم على الـرفاد
إما تريني قد بليت وغاضني ما نيل من بصري و من أجلادي
وعصيت أصحاب الصبابة والصبا وأطعت عـاذلتي ولان قيادي
فلقد أروح على التجار مرجلا مـذلا بـمالي ليـنا أجيـادي
ولقد لعوت و للشباب لذاذة بسلافة مزجت بمـاء غوادي
من خمر ذي نطف اعن منطق وافـى بـها لـدارهم الإسـجـاد
يسعى بها ذو تومتين مشمر قنـأت أنامله من الفرصاد
و البيض تمشي كالبدور وكالدمى ونواعم يمشين بالأرفاد
والبيض يرمين القلوب كأنها ادحي بين صريمة و جماد
ينطقن معروفا وهن نواعم بيض الوجوه رقيقة الأكباد
ينطقن مخفوض الحديث تهامسا فبلغن ما حاولـن غير تنادي
ولقد غدوت لعازب متناذر أحوى المذانب مؤنق الرواد
جادت سواريه وآزر نبته نفا من الصفراء و الزباد
بالجو فالآمرات حول مغامر فبضارج فقصيمة الطراد
بمشمر عتد جهيز شدة قـيد الأوابد و الـرهان جـواد
يشوي لـنا الوحد المـدل بحضره بشريج بين الشـــد و الإيراد
ولقد تلوت الظاعنين بجسره أجد مهاجرة الســقاب جـماد
عيرانة سد الربيــع خصامها مـا يـستبين بها مـقيل قـراد
فإذا و ذلك لا مهاه لذكره والـدهر يـعقب صالـحا بفسـاد


5 ـ قطبة بن أوس الذبياني
( الحادرة)
قال قطبة بن أوس الذبياني المعروف بـ (( الحادرة ))
بكرت سمية بكرة فتمتع و غدت غـدو مفارق لـم يربع
و وتزودت عيني غداة بقيتها بلوى البنينة نـظرة لـم تقلـع
و تصدفت حتى استبتك بواضح صلت كمنتصب الغزال الأتلع
وبمقلتي حوراء تحسب طرفها وسنان حـرة مـستهل الادمع
وإذا تنازعك الحديث رايتها حسـنا تبسمها لذيذ المكرع
بغرض سارية أدرته الصبا من ماء اسجر طيب المسـتنقع
ظلم البطاح لـه انهلال حريصة فصفا النطاف لـه بعيد المقلع
لعب السيول به فأصبح ماؤه غللا تقطع في أصول الخروع
اسمي ويحك هل سمعت بغدرة رفح اللواء لنـا بها في مجمع
إنا نعف فلا نريب حليفنا ونكـف شح نفوسنا في المطمع
ونفي بآمن مالنا أحسابنا ونجر في الهيجا الرمـاح وندعى
ونخوض غمرة كل يوم كريهة تردي النفوس وغنمها للأشجع
ونقيم في دار الحفاظ بيوتنا زمنـا و يـظعن غـيرنا للأمرع
ومحل مجد لا يسرح أهله يوم الإقامة و الحلول لمرتع
بسبيل ثغر لا يسرح أهله سـقم يشـار لقاءه بالإصبع
فسـمي ما يدريك أن رب فتية باكرت لـذتهم بـأدكن مـترع
محمرة عقب الصبوح عيونهم بمرى هناك من الحياة و مسمع
متبطحين على الكنيف كأنهم يبكون حـول جنـازة لـم ترفع
بكـروا علي بسحره فصبح من عاتق كدم الغزال مشـعشـع
ومعرض تغلي المراجل تحته عـجلت طبخته لـرهط جـوع
ولدي أشعث باسـط ليـمينه قسـما لقـد أنضجت لـم يـتورع
ومسهدين من الكلال بعثتهم بعد الـكلال إلى سـواهم ظـلع
أودى السفار برمها فتخالها هيمـا مـقطعة حـبال الأذرع
تخد الفيافي بالرحال وكلها يـعدو بمـنخرق القميص سميدع
وميطة حملت رحل مطية حرج تنم من العثار بدعدع
وتقي إذا مست مناسمها الحصى وجـعا و إن تـزجر به تترفـع
ومناخ غير تئية عـرسته قمن من الحدثان نابي المضجع
عرسته و وساد راسي ساعد خاظي البضيع عروقه لـم تدسع
فرفعت عنه وهو احمر فاتر قـد بان مني غير أن لـم يـقطع
فترى بحيث توكأت ثفناتها أثرا كمفتحص القطا للمهجع
ومتاع ذعلبة تخب براكب ماض بشيعته و غير مـشيع




6 ـ عمرو بن سعد البكـري
( بالمرقش الأكبر)
و قال عمرو بن سعد البكري المعروف بالمرقش الأكبر:
قال بالديار أن تجيب صمم لـو كـان رسـم نـاطقا كـلم
الدار قفر و الرسوم كـما رقـش في ظـهر الأديم قـلم
ديار أسماء التي تبلت قلبي فعيني مـاؤها يـسجـم
أضحت خـلاء نبتـها ثئـد نـور فيـها زهـوة فاعـتم
بل هـل شجـتك الظعن باكرة كأنهن النخـل مـن ملهم
النشر مسـك والـوجـوه دنا نيـر وأطراف البنان عنـم
لـم يشج قلبي ملحوادث إل ـلا صاحي المتروك في تغلم
ثعلب ضراب القوانس بالسـ سيف وهاوي القوم إذ اظلم
فاذهب فدى لك ابن عمك لا يـخلد إلا شـابه و أدم
لـو كـان حي ناجيا لنجـا مـن يومه المزلم الأعصم
في باذخات من عماية أو يـرفعه دون الـسماء خـيم
من دونه بيض الأنوق وفو قه طويل المنكبين أشم
يرقاه حيث شاء منه وإمـ ـما تنسـه منيـــــة يـهرم
فغاله ريب الحوادث حتـ ـى زل عن أرياده فحطم
ليس على طول الحياة ندم و من وراء المرء مـا يعلم
يهلك والـد ويخلف مو لود و كل ذي أب ييتم
والوالدات يستفدن غنى ثم على المقـدار من يعقم
ما ذنبنا في أن غزا ملك من آل جفنة حـازم مـرغـم
مقابل بيـن العواتك وال ـغلف لا نـكـس و لا تـوءم
حارب واستعوى قراضبة ليس لهم ممــا يحـاز نـعم
بيض مصــاليت وجوههم ليسـت مياه بحارهم بعمم
فانقض مثل الصقر يقدمه جيش كغلان الشـريف لـهم
إن يغضبوا يغضب لذاك كما ينسـل من خرشائه الأرقم
فنحن أخوالك عمرك والـ ـخال لـه مـعاظـم و حـرم
لسنـا كأقوام مطاعمهم كسب الخنا و نهكة المحرم
إن يخصبوا يعيوا بخصهم أو يجدبوا فـهم بـه الأم
عام ترى الطير دواخل في بيـوت قـوم مـعهم تـرتم
ويخرج الدخان من خلل السـ ستر كلون الكودن الأصحم
حتى إذا ما الأرض زينها النـ نـبت وجـن روضها وأكـم
ذاقوا ندامة فلو أكلوا الـ خطبان لم يوجد له علقم
لكــننا قـوم أهاب ينـا في قومـنا عفافة وكـرم
أموالنا نقي النفوس بـها من كـل ما يدني إليه الـذم
لا ببعد الله التلبب والـ ـغارات إذ قال الخميس نعم
والعدو بين المجلسين إذا ولـى الـعشي وتـنادى الـعم
يأتي الشبـاب الأقورين ولا تغبط أخاك أن يقـال حـكم




7 ـ المسيب بن علس
قال المسيب بن علس يمدح القعقاع بن معبد بن زرارة:
أرحلت من سلمى بغير متاع قبـل العطاس ورعـتها بـوادع
من غير مقلية وان حبالها ليـست بأرمام و لا أقطاع
إذ تستبيـك بأصلتي ناعـم قامت لتفتنه بغير قناع
ومها يرف كان هاذ ذقته عانية شجت بمـاء يـراع
أو صوب غادية أدرته الصبا ببزيل أزهر مدمج بسيـاع
فرأيت أن الحكم مجتنب الصبا وصحوت بعد تشوق ورواع
فتسل حاجتها إذا هي أعرضت بخميصة سرح اليدين وساع
صكـاء ذعلبة إذا استدبرتها حـرج إذا استقبلتها هـلواع
وكان قنطرة بموضع كورها ملساء بين غوامض الأنساع
وإذا تعاورت الحصى أخفافها دوي نـواديه بـظهر القاع
وكان غاربها رباوة مخرم وتـمـد ثني جديلـها بشراع
وان أطفت بها أطفت بكلكل نبض الفرائض مجفر الأضلاع
مرحت يداها للنجاء كأنما تـكرو بـكفي لاعب في ضاع
فعل السريعة بادرت جدادها قـبل الـمساء تهم بالإسراع
فلا هدين مع الرياح قصيدة مني مغـلغلة إلى الـقعقاع
ترد المياه فما تزال غري في القوم بين تمثيل وسـماع
وإذا الملوك تدافعت أركانها أفضلت فـوق اكفهم بـذراع
وإذا تهيج الريح من صر ثلجا ينيـخ الـنيب بالـجعجاع
أحللت بيتك بالجميع وبعضهم مـتفرق لـيحـل بـالأوزاع
ولانت أجود من خليج مفعم مـتراكم الآذي ذي دفـاع
وكـان بلق الخيل حافاته يـرمي بهن دوالي الـزراع
ولانت أشجع في الأعادي كلها مـن مـخدر ليث معيد وقـاع
يأتي على القوم الكـثير سلاحهم فيبيت منـه القـوم في وعواع
أنت الوفي فما تذم وبعضهم تـودي بذمته عقـاب ملاع
وإذا رمـاه الكاشحون رماهم بـمعابل مـذروبة و قـطاع
ولذا كم زعمت تميم انه أهل الـسماحة والندى والباع
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر للحرب دائرة على ابني ضمضم
الشاتمي عرضي ولم اشتمها والـناذرين إذا لـم القهما دمـي
إن يفعلا فلقد تركت أباهما جـزرا لخامعة و نسر قشعم







8 ـ عمرو بن الأهتم بن سمي
السعدي المنقري
قال عمرو بن الأهتم بن سمي السعدي المنقري :
إلا طرقت أسماء وهي طروق وبانت على أن الخيال يشوق
بحاجة محزون كـان فؤاده جناح وهي عظماه فـهو خفوق
وهان على أسماء أن شطت النوى يـحن إليها واله ويتـوق
ذريني فان البخل يا أم هيثم لصالح أخلاق الرجال سروق
ذريني وحطي في هواي فإنني على الحسب الزاكي الرفيع شفيق
واني كريم ذو عيال تهمني نوائب يغشى رزؤها وحـقوق
ومستنبح بعد الهدوء دعوته وقد حان من نجم الشتـاء خفوق
يعالج عرنينا من الليل باردا تـلف ريـاح ثوبه وبروق
تألق في عين من المزن وأدق له هيدب داني السحاب دفوق
أضفت فلم أفحش عليه ولم اقل لأحرمه : إن المكان مضيق
فقلت له : أهلا وسهلا ومرحبا فهذا صبوح راهن و غبوق
وقمت إلى البرك الهواجد فاتقت مقاحيد كوم كالمجادل روق
بأدماء مرباع النتاج كأنها إذا عرضت دون العشار فنيق
بضربه ساق أو بنجلاء ثرة لها من أمام المنكبين فتيق
وقام إليها الجازران فأوفدا يطيران عنـها الجلد وهي تفوق
فجر إلينا ضرعها وسنامها وأزهر يحبو للقيام عتيق
بقير جلا بالسيف عنه غشاءه أخ بإخاء الصالحين رفيق
فبات لنا منها وللضيف موهنا شواء سمين زاهق و غبوق
وبات له دون الصبا وهي قرة لحاف و مصقول الكساء رقيق
وكل كريم يتقي الذم بالقرى و للخير بين الصالحين طريق
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق
نمتني عروق من زرارة للعلى ومن فدكي و الأشد عروق
مكارم يجعلن الفتى في أرومة يفاع وبعض الوالدين دقيق







9 ـ خفاف بن ندبة السلمي
وقال خفاف بن ندبة السلمي :
طرقت أسيماء الرحال ودوننا من فيد غيقة ساعد فكثيب
فالطود فا لملكات أصبح دونها ففراع قدس فعمقها فحسوب
فلئن صرمت الحبل يا بنة مالك والرأي فيـه مخطئ ومصيب
فتعملي أني امرؤ ذو مرة فيما الم من الخطوب صليب
ادع الدناءة لا ألابس أهلها ولدي من كيس الزمان نصيب
ومعبد بيض القطا بجنوبه ومن النواعج رمة وصليب
نفرت امن طيرة وسباعه ببغام مجذام الرواح خبوب
أجد كان الرحل فوق مقلص عاري النواهق لاحه التقريب
عدل النهاق لسانه فكأنه لمـا تـخمط للشحـاج نقيب
ولقد هبطت الغيث يدفع منكي طـرف كسافـلة القنـاة ذنوب
نمل إذا ضفر اللجام كأنه رجل ينوه باليدين سليب
حام على دبر الشياه كأنه إذ جـد سجـل نـزه مصبوب
برد تقحمه الدبور مراتبا ملقي ضواحي بينهن لهوب
متطلع بالكف ينهض مقدما متتـابع في جريه يعبوب
ربذ الخلاف إذا اتلأب ورجله في وقعها ولحاقها تحنيب






10 ـ عمرو بن معد يكرب الزبيدي
ومرد على جرد شهدت طرادها قبيل طلوع الشمس أو حين ذرت
صبحتهم بيضاء يبرق بيضها إذا نظرت فيها العيون از مهرت
ولما رأيت الخيل رهوا كأنها وردت على مكروهها فاستقرت
علام تقول الرمح يثقل عاتقي إذا أنا لم اطعن إذا الخيل كرت
عقرت جواد ابني دريد كليهما وما أخذتني في الختونة عزتي
لحا الله جرما كلما ذر شارق وجوه كلاب هارشت فاز بارت
ظللت كأني للرماح دريئة أقاتل عن أبناء جرم و فرت
فلم تغن جرم نهدها إذ تلاقتا ولكن جرما في اللقاء ابذعرت
فلو أن قومي أنطقتني رماحهم نـطقت ولكن الرماح أجرت



11 ـ عامر بن الطفيل
وقال عامر بن الطفيل :
لقد علمت عليا هوازن أنني أنا الفارس الحامي حقيقة جعفر
وقد علم المزنوق أني اكره على جمعهم كر المنيح المشهر
إذا ازور من وقع الرماح زجرته وقلت له : ارجع مقبلا غير مدبر
وأنبأته أن الفرار خزاية على المرء ما لم يبل جهدا ويعذر
والست ترى أرماحهم في شرعا وأنت حصان ماجد العرق فاصبر
أردت لكيلا يعلم الله أنني صبرت وأخشى مثل يوم المشقر لعمري وما عمري علي بهين لقد شان حر الوجه طعنه مسهر
فبئس الفتى إن كنت اعور عاقرا جبانا فما عذري لدى كل محضر
وقد علموا أني اكر عليهم عشية فيف الـريح كـر المدور
وما رمت حتى بل نحري وصدره نجيع كهداب الدمقس المسير
أقول لـنفس لا يجـاد بمثلها اقلي المراح أنني غير مقصر
فلو كان جمع مثلنا لم نبالهم ولكن أتتنا أسرة ذات مفخر
فجاؤوا بفرسان العريضة كلها وأكلب طرا في لباس السنور






12 ـ الحصين بن الحمام المري
وقال الحصين بن الحمام المري :
جزى الله أفناء العشيرة كلها بجارة موضوع عقوقا ومأثما
بني عمنا الأدنين منهم ورهطنا فزارة إذ رامت بنا الحرب معظما
موالي موالينا الولاة منهم ومولى اليمين حابسا متقسما
ولما رأيت الود ليس بنافعي وان كان يوما ذا كواكب مظلما
صبرنا وكان الصبر فينا سجية بأسيافنا يقطعن كفا و معصما
يفلقن هاما من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق و اظلما
وجوه عدو والصدور حديثة بـود فأوى كل ود فـانعما
فليت أبا شبل رأى كر خيلنا وخيلـهم بين الستـار فاظلما
نطاردهم نستنقذ الجرد كالقنا ويستنقذون السمهري المقوما
عشية لا تغني الرماح مكانها ولا النبل إلا المشرفي المصمما
لدن غدوة حتى أتى الليل ما ترى من الخيل إلا خارجيا مسوما
واجرد كالسرحان يضربه الندى ومحبوكة كالسيد شقاء صلدما
يطأن من القتلى ومن قصد القنا خبارا فما يجرين إلا تجشما
عليهن فتيان كساهم محرق وكان إذا يكسو أجاد و أكرما
صفائح بصرى أخلصتها قيونها ومطردا من نسج داود مبهما
يهزون سمرا من رماح ردينة إذا حركت بضت عواملها دما
أثعلب لو كنتم موالي مثلها إذن لمنعنا حوضكم أن يهدما
و لولا رجال من رزام بن مالك و آل سبي عاو أسوءك علقما
لأقسمت لا تنفك مني محارب على آلة حدباء حتى تندما
وحتى يروا قوما تضب لثاتهم يهزون أرماحا وجيشا عرمرما
ولاغرو إلا الخضر خضر محارب يمشون حولي حاسرا وملأما
وجاءت جحاش قضها بقضيضها وجمع عوال ما أدق وألأما
وهاربة البقعاء أصبح جمعها أمام جموع الناس جمعا مقدما
بمعترك ضنك به قصد القنا صبرنا له قد بل أفراسنا دما
وقلت لهم : يا آل ذبيان مالكم تفــاقدتم لا تقدمون مقدما
أما تعلمون اليوم حلف عرينة وحلفا بصحراء الشطون ومقسما
وابلغ أنيسا سيد الحي انه يسوس أمورا غيرها كان احزما
فانك لو فارقتنا قبل هذه إذا لبعثنا فوق قبرك مأتما
وابلغ تليدا إن عرضت ابن مالك وهل ينفعن العلم إلا المعلما
فان كنت عن أخلاق قومك راغبا فعذ بضبي عاو بعوف بن أصرما
أقيمى إليك عبد عمرو وشايعي على كل ماء وسط ذبيان خيما
وعوذي بأفناء العشيرة إنما يعوذ الذليل بالعزيز ليعصما
جزى الله عنا عبد عمرو ملامة وعدوان سهم ما أدق والأما
وحي مناف قد رأينا مكانهم وقران إذ أجرى إلينا وألجما
وال لقيـط أنني لن أسوءهم إذن لكسوت العم بردا مسهما
وقالوا تبين هل ترى بين ضارج ونهي اكف صارخا غير أعجما
فالحقن أقواما لئاما بأصلهم وشيدن أحسابا وفاجأن مغنما
وأنجين من ابقين منا بخطة من العذر لم يدنس وان كان مؤلما
أبى لابن سلمى انه غير خالد ملاقي المنايا أي صرف تيمما
فلست بمبتاع الحيــاة بسبة ولا مبتغ من رهبة الموت سلما
ولكن خذوني أي يوم قدرتم علي فحزوا الرأس إن أتكلما
بأية أني قد فجعت بفارس إذا عرد الأقوام أقدم معلما

13 ـ دريد بن الصمة
و
عبد الله بن عبد المدان
وقال دريد بن الصمة يوعد بني الحارث بن كعب :
يا بني الحـارث انتم معشر زند كم وار و في الحرب بهم
ولكـم خيـل عليـها فتيـة كأسود الغيل يحمين الأجـم
ليس في الأرض قبيل مثلكم حين يرفض العدا غير جشم
لست للصمة إن لم آتكم بالخناذيذ تبــارى في اللجم
فتقر العين منـكم مرة بانبعاث الـحر نوحـا تلتدم
وترى نجران منـكم بلقعا غير شمطاء وطفل قــد يتم
فانظروها كالسعـالي شزبا قبل رأس الحول إن لم أخترم
ولما نميت أبيات دريد السالفة إلى عبد الله بن عبد المدان قال يجيبه :
14 ـ قال :عبد الله بن عبد المدان

نبئت أن دريدا ظل معترضا يهدي الوعيد إلى نجران من حضن
كالكلب يعوي إلي بيداء مقفرة من ذا يواعدنا بالحرب لم يحن
إن تلق حي بني الديان تلقهم شم الأنوف إليهم عزة اليمن
ما كان في الناس للديان من شبه إلا رعين وإلا آل ذي يزن
أغمض جفونك عما لست نائله نحن الذين سبقنا الناس بالدمن
نحن الذين تركنا خالدا عطبا وسط العجاج كان المرء لم يكن
إن تهجنا تهج أنجادا شرامحة بيض الوجوه مرافيدا على الزمن
أورى زياد لنا زندا ووالدنا عبد المدان وأورى زنده قطن






15 ـ تــأبط شـرا
وقال تأبط شرا :
يا عيد مالك من شوق وإيراق ومر طيف على الأهوال طراق
يسري على الأين والحيات محتفيا نفسي فداؤك من سار على ساق
إني إذا خلة ضـنت بنـائلها وأمسكت بضعيف الوصل أحذاق
نجوت منها نجائي من بجيلة إذ ألقيت ليلة خبت الرهط أرواقي
ليلة صاحوا وأغروا بيس راعهم بالعيكتين لدى معدي ابن براق
كأنما حثحثوا حصا قوادمه أو أم خشف بذي شث وطباق
لاشي أسرع مني ليس ذا عذر وذا جناح بجنب الريد خفاق
حتى نجوت ولما ينزعوا سلبي بواله من قبيض الشد غيداق
ولا اقو لاذا ما خلة صرمت ياويح نفسي من شوق وإشفاق
لكنما عولي إن كنت ذا عول على بصير بكـسب الحمد سباق
سباق غايات مجد في عشيرته مرجع الصوت هدا بين أرفاق
عاري الظنابيب ممتد نواشره مدلاج ادهم واهي الماء غساق
حماله ألوية شهاد أندية قـوال محـكمة جواب آفاق
فذاك همي وغزوي استغيث بـه إذا استغثت بضافي الرأس نغاق
كالحقف حداه النامون قلت له ذو ثلتين وذو بـهم و أرباق
وقلة كـسنان الرمح بارزة ضحيانه في شـهور الصـيف محراق
بادرت قنتها صحي وما كسلوا حتى نميت إليها بعد إشراق
لا شيء في ريدها إلا نعامتها منها هزيم و منهـا قـائم بـاق
بشرثة خلق يوقي البنان بها شددت فيها سريحا بعـد إطراق
بل من لعذالة خذالة أشب حرق باللوم جلدي أي تحراق
يقول أهلكت مالا لو قنعت به من ثوب صدق ومن بز وأعلاق
عاذلتي إن بعض اللوم معنفة وهـل متـاع و إن أبقيته بـاق
أني زعيم لئن لـم تتركوا عذلي أن يسـال الحي عني أهل آفاق
أن يسأل القوم عني أهل معرفة فلا يـخبرهم عن ثـابت لاق
سدد خلالك من مـال تجمعه حتى تلاقي الذي كل امرئ لاق
لتقرعن علي السـن من ندم إذا تذكرت يومـا بغض أخلاقي






16 ـ عروة بن الورد العبسي
وقال عروة بن الورد العبسي :
اقلي علي اللوم يا بنت منذر ونامي وإن لم تشتهي النوم فاسهري
ذريني ونفسي أم حسان ، إنني بها قبل ألا املك البيع مشتري
أحاديث تبقي والفتى غير خالد إذا هو أمسى هامة فوق صير
تجاوب أحجار الكناس وتشتكي إلى كل معروف رأته ومنكر
ذريني أطوف في البلاد لعلني أخليك أو أغنيك عن سوء محضري
فان فاز سهم للمنية لم أكن جزوعا وهل عن ذاك من متأخر
وان فاز سهمي كفكم عن مقاعد لكم خلف أدبار البيوت ومنظر
تقول : لك الويلات هل أنت تارك ضبوءا برجـل تـارة وبمنـسر
ومستثبت في مالك العام إنني أراك على اقتاد صرماء مذكر
فجوع لأهل الصالحين مزلة مخوف رداها أن تصيبك فاحذر
أبى الخفض من يغشاك من ذي قرابة ومن كل سوداء المعاصم تعتري
ومستهنئ زيد أبوه ولا أرى له مدفعا فاقني حياءك واصبري
لحى الله صعلوكا إذا جن ليلة مضى في المشاش آلفا كل مجزر
يعد الغنى من نفسه كل ليلة أصاب قراها من صديق ميسر
ينام عشاء ثم يصبح طاويا يحث الحصى عن جنبه المتعفر
قليل التماس الزاد إلا لنفسه إذا هو أمسى كالعريش المجور
يعين نساء الحي ما يستعنه ويمسي طليحا كالبعير المحسر
ولكن صعلوكا صفيحة وجهه كضوء شهاب القابس المتنور
مطلا على أعدائه يزجرونه بساحتهم زجـر المنيـح المـشهر
إذا بعدوا لا يامنون اقترابه تشوف أهل الغائب المتنظر
فذلك أن يلق المنية يلقها حميدا وان يستغن يوما فأجدر
أيهلك معتم وزيد ولم أقم على ندب يوما ولي نفس مخطر
ستفزع بعد اليأس من لايخافنا كواسع في أخرى السوام المنفر
يطاعن عنها أول القوم بالقنا وبيض خفاف ذات لون مشهر
فيوما على نجد وغارات أهلها ويوما بأرض ذات شث وعرعر
يناقلن بالمشط الكرام أولي القوى نقاب الحجاز في السريح المسير
يريح علي الليل أضياف ماجد كريم ومالي سارحا مـال مقتر











الباب السابع
النثرالفني في العصر الجاهلي




الباب السابع

الفصل الأول
تعريف النثر وميزاته

أ ـ تعريف النثر : يقصـد بكلمة النثر كل ما قيل مـن كلام غيـر موزون وغير مقفى ، وهـو ضربان : نثر عادي و نثر فني .
فالنثر العادي ما عبـر عـن قضايا بلغـة لا تحمل قيما بلاغية والنثر الفنـي ما عبـر عـن مـواقف بلـغة فنية بلاغية مقصودة
والنثـر فـي العصـر الجاهلــي إذا ما قيس بالشعـر كان نزرا قليلا لأسباب متعددة إضافة إلى أن حظ العرب في العصر الجاهلـي كان قليلاً فـي الكتابة والتأريخ .
والأدب في حقيقته تأريخ بلغة فنية . ولا نعرف من الكتابة عند العرب إلا ما كان (يصفه لنا أمية بن أبي الصلت وهو من الشعراء الحنفاء الذين كانوا يكتبون الكتاب العبراني يترجمون الكتاب المقدس مـن العبرية إلـى العربية ، وما ورد عـن ورقة بن نوفل الذي كان أيضاً يكتب الكتاب العبرانـي ) .
ب ـ ميزات النثر الجاهلي :
يتميز النثر الجاهلي بالميزات التالية: 1- أنه وليد الطبع غالبا . 2- بعيد عن الصنعة والزخرف والغلو في معظمه. 3- يعتمد على السجع الذي يأتي على السجية 4-يعتمد على قوة الألفاظ ومتانة التراكيب 5- سطحي الفكرة 6- لا توجد فيه روابط بين الأفكار 7- ينزع إلى الإيجاز والموسيقا في الجملة والأسلوب .



الباب السابع

الفصل الثاني
فنون النثر

اعتمد الجاهليون فـي حياتهم الثقافية علـى الشعر والنثر واعتبروا أن النثر وسيلة للتفكـه والتعليم والعمل الاجتماعي والسياسي وأهم فنونه :
أولا ـ الحكم والأمثال:
المثل: قول موجز سائر علي الألسنة وارد في حادثة أو مستمد من ملاحظة.
نشأة المثل: كانت الحادثة تقع،ويدور فيها القول،وتأتي من بين الكلمات عبارة قوية مركزة في تلخيص الموقف،أو استخلاص العبرة منه،فيكون وقعها قويا على السامع وتتلقفها الألسنة فتذيع وتنتشر وتصبح مثلا يلقي في كل موقف يشبه الموقف الذي سيقت فيه العبارة وهذا يسمي (مورد المثل )
يضرب المثل في موقف يشبه الحالة التي ورد فيها مع المحافظة علي لفظ المثل وضبطه وهذا يسمي: (مضرب المثل) وهو استعارة تمثيلية ولذلك فكل مثل له مودر ومضرب
.والحكم: جمل قصيرة بليغة، خالية من الحشو، أوحت بها تجارب الحكماء والمعمرين في الحياة والعلاقات بين الناس، وهي ثمار ناضجة من ثمرات الاختبار الطويل، والرأي المحكم تتفق الحكمة مع المثل في: الايجاز،والصدق،وقوة التعبير،وسلامة الفكرة.
وتختلف الحكمة عن المثل في أمرين:-
1 ـ لا ترتبط في أساسها بحادثة او قصة.
2ـ أ نها تصدر غالبا عن طائفة خاصة من الناس لها خبرتها وتجاربها وثقافتها.
و قد يكون المثل في الأصل حكمة درجت على أ لسنة الناس كثيراً قد شاعت الحكمة علي ألسنة العرب لاعتمادها علي التجارب واستخلاص العظة من الحوادث ونفاذ البصيرة والتمكن من ناحية البلاغة. وقد اشتهر عند العرب في العصر الجاهلي طائفة من أولئك الحكماء، مثل: لقمان عاد وهو غير لقمان الحكيم، المذكور في القرآن الكريم، وأكثم بن صيفي، وعامر بن الظرب، وأكثم بن عامر، وهرم بن قطبة، ولبيد بن ربيعة. وبعض هؤلاء يُعدون في الخطباء، وحكام المنافرات أيضاً. ولا يكاد يوجد في العصر الجاهلي سيد، أو شريف، أو خطيب مشهور إلا أضيفت إليه جملة من الحكم والأمثال. وربما كانت وحدها التي وصلت إلينا كلها كما نطق بها أصحابها، بلا تغيير أو تحريف، ولا زيادة أو نقص، لما تمتاز به من تركيز بالغ، وإيجاز شديد، وقبول للحفظ والشيوع على الألسنة في كل مناسبة، وبذلك تكون أصح ما بقي من النصوص الجاهلية، وأقربها إلى أصولها الأولى، وإن كانت لا تقدم صورة كاملة عن النثر الجاهلي.
والفرق بين الحكمة والمثل، أن الحكمة قول موجز جميل، يتضمن حكماً صحيحاً مسلماً به. لأنه نابع من الواقع ومعاناة التجارب في الحياة، مثل: «آخر الدواء الكي، وأول الشجرة النواة، وإنك لا تجني من الشوك العنب،...».
وأما المثل فهو - في أصله - قول يقترن بقصة أدت إليه، ، ثم يدخل في نطاق الأمثال حين يستشهد به في مقامات مماثلة، وفي حالات مشابهة للحالة الأولى التي ورد ذلك القول فيها. ولذلك تحكى الأمثال بألفاظها الأصلية، بلا تغيير ولا تصرف، مهما كان وضع المخاطب أو نسق الكلام.وقد دون العرب حكمهم وأمثالهم منذ أوائل العصر الأموي، وهذا مما ساعد على حفظها وتواترها على الألسنة.وأكثر تلك الحكم والأمثال لا يعرف أصحابها أو قائلوها، وقد سيقت بأسلوب سهل، لا أثر للصنعة الإنشائية فيه، وبعضها بل أكثرها، يعد من الإنشاء الرفيع، والسبك الجيد. وكثير منها أشطار موزونة، ربما كانت مقتطعة من أبيات كاملة، مثل: «رضيت من الغنيمة بالإياب» وهو عجز بيت لامرئ القيس، و«خلا لك الجو فبيضي واصفري» وهو أيضاً عجز بيت لطرفة. «والبس لكل حالة لبوسها» وهو رجز قديم، لا تعرف تتمته ولا صاحبه.
ولا تخلو صياغة بعض الحكم والأمثال أحياناً، من خروج على النظام اللغوي. كقولهم: «مكره أخاك، لا بطل» و«أعط القوس باريها» و«أجناؤها أبناؤها» والقياس: «جناتها بناتها» لأن «فاعلاً» لا يجمع على «أفعال».وهذه الحكم أو الأمثال هي - على كل حال - صورة لحياة العرب في الجاهلية، ولأساليبهم ولهجاتهم، وجانب من نثرهم، فيها البساطة والسهولة التي لا تخلو أحياناً من السجع والاحتفال بتوازن الكلمات وجمال الصنعة والتصوير.وقد اهتم المفضل الضبي وأبو عبيدة وأبو هلال العسكري فـي كتابه جمهرة الأمثال. والزمخشري في كتابه الأمثال ، بجمع أمثال العرب الجاهليين و رتبت على حروف الهجاء ( المعجم ) مع ذكر القصص المتعلقة بالمثل
أنواع المثل:
اـ ( الأمثال الواقعية )وهي الامثال التي يرتبط بحادثة واقعية.
ب( الأمثال الخيالية)وهي الأمثال التي ترتبط بقصة خيالية.
ﺠ -( الأمثال المنهجية ) وهي التي تمثل منهجا معينا في الحياة كقولهم:إن الحديد بالحديد يٌِفًلح
د- ( الأمثال ذات التوجيه الخاص) وهي التي تحمل توجيها خاصا كقولهم: قبل الرماء تملأ الكنائن.
ﻫ -( أمثال الملاحظة الظاهرية) وهي التي تبنى علي ملاحظة مظاهر الطبيعة أو ترتبط بأشخاص اشتهروا بصفات خاصة. ويرجع سر انتشار المثل وذيوعه في الجاهلية إلي أن البيئة الجاهلية بيئة فطرية تغلب فيها الأمية وتشتد الحاجة الي التجارب المستخلصة في أقوال لها معني صادق
كذلك يرتبط المثل بحادثة أو حكاية تساعد علي انتشاره.
و تصاغ الأمثال غالبا في عبارة حسنة،يظهر فيها دقة التشبيه بين المورد والمضرب، وذلك ما يرضي ذوق العربي،فالمثل صوت الناس
ومرآة تنعكس عليها صورة الحياة الاجتماعية والسياسية والطبيعية،وهي تعبير عن عامة الناس لصدوره دون تكلف،ولذلك يتجه الباحثون عن طبائع الشعوب إلى دراسة أمثالها
،وإذا رجعنا إلى الامثال وجدناها صوتا للناس لما يأتي:-
1ـ لأنها مرتبطة بالبيئة وما فيها من حرب وصلح ومفاوضات.
2ـ تعبر عن صفات العرب وأخلاقهم وعاداتهم.
3ـ ترتبط بحياتهم وأحداثها وتعبر عن طرق تفكيرهم ولذلك تتنوع الأمثال من أمة الي أخري تبعا لأختلاف البيئة والثقافة واختلاف العصور.
الخصائص الفنية للامثال
1ـ إيجاز اللفظ.
2ـ قوة العبارة.
3ـ دقة التشبيه.
4- سلامة الفكرة.
نماذج لأمثال العرب في الجاهلية
ـ جزاؤه جزاء سنما ر:يضرب لمن يحسن في عمله فيكافأ بالاساءة اليه.
ـ رجع بخفي حنين:يضرب هذا المثل في الرجوع بالخيبة والفشل.
ـ إنك لا تجني من الشوك العنب:يضرب لمن يرجو المعروف في غير أهله أو لمن يعمل الشر وينتظر من ورائه الخير.
- تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها . ـ مفصل الرجل بين فكيه . - أسمع جعجعة ولا أرى طحنا . - من أجدب أنتج .
ومن أقوال أكثم في الحكمة :
ـ ويل للشجي من الخلي . - لم يذهب مالك ما وعظك . - ادّرعوا الليل فإنه أخفي للويل. - إذا فزع الفؤاد ذهب الرقاد . - ليس من العدل سرعة العذل .
نماذج من حكم العرب في الجاهلية
مصارع الرجال تحت بروق الطمع:فيها دعوة الي القناعة فإن الطمع يقتل صاحبه.
رب ملوم لا ذنب له : دعوة إلى التحقق من الأمر قبل توجيه اللوم للبريء.
أدب المرء خير من ذهبه :معناها أن قيمة الإنسان بأدبه لا بماله.
من فسدت بطانته كان كالغاص بالماء :معناها من استعان بقوم غير صالحين لم يفلح في عمله ويكون مثله كمثل من يقف الماء في حلقه ، فلا يجد سبيلا إلى إزالة غصته.فهي تدعو إلى حسن اختيار الأعوان.
من شدد نفر،ومن تراخي تألف: فالناس تنفر من الشديد القاسي وتميل إلى اللين الرحيم وهي تدعو إلى اللين في المعاملة، وحسن معاملة الناس.
سوء الظن منجاة وحسن الظن ورطة .
ظلم اللسان أنكى من السنان
الخطأ زاد العجول
من ضاق صدره اتسع لسانه . .
الخصائص الفنية لأسلوب الحكمة
1ـ روعة التعبير
2- قوة اللفظ
3ـ دقة التشبيه
4- سلامة الفكرة مع الايجاز

ثانبا ـ الخطابـــة:
أقدم فنون النثر،لأنها تعتمد علي المشافهة،وهي فن مخاطبة الجمهور بأسلوب يعتمد علي الاستمالة وعلى إثارة عواطف السامعين،وجذ ب انتباههم وتحريك مشاعرهم،وذلك يقتضي من الخطيب تنويع الأسلوب ، وجودة الإلقاء وتحسين الصوت ونطق الإشارة.أما الإقناع فيقوم علي مخاطبة العقل،وذلك يقتضي من الخطيب ضرب الأمثلة وتقديم الأدلة والبراهين التي تقنع السامعين.
للخطابة شأن عظيم عند الجاهليين يضاهي الشعر ، إذ أن هذه الخطابة كانت نظرا لعدم وجود قوانين مدونة ، ونظم حكومية يلجأ إليها للدفاع عـن النفس والقوم والقبيلة ومفاخـرة القبائل الأخرى والدعوة إلى الصلح في المواسم والمحافل . وقد اختلف الدارسون في منزلة الخطيب فاعتبرها البعض كعمروبن العلاء فوق منزلة الشاعر نظرا لتكسب الشعراء بشعرهم ،وردها الجاحظ إلى كثرة الشعراء وقد كان للعرب الجاهليين سنن خاصة فـي خطابتهم كأن يخطبون وهم يركبون رواحلهم في المواسم أو أن يقفوا على نثر من الأرض وأن يشيروا أثناء خطبهم بالعصي والقسي والقنا وقـد امتدح الدارسون فــي الخطيب جهارة الصوت وفخامته وظهـور المحبة وثبات الجنان وذ موا البهر عند الخطيب والارتعاش والرعدة والحصر والعـي
أنواع الخطابة في العصر الجاهلي
تعددت أنواع الخطابة في هذا العصر:
1 ـ خطب المنافرة المفاخرة
خطب النصح والإرشاد
خطب الحث على القتال
4- خطب الدعوة للسلم وحقن الدماء
5- خطب الزواج والمصاهرة
6-خطب الأسواق والمحافل العظام
7- الوفادة على الملوك والأمراء
8-الحديث على مفاخر القبيلة و محامدها
وأهـــم ميزات الخطابة الجاهلية:
1ـ قصر العبارة
2ـ وكثرة الحكـم والأمثال
3ـ واللجوء إلـــى السجــع القصير الفواصل
4ـ الإحا طة بالتجويد والصور ومخارج الكلمة
وقد ازدهرت الخطابة عند العرب متأخرة في الزمن، لأن الشعر كان متفوقاً عليها، فلما أصبح الشعر مطية للتكسب صارت منزلة الخطيب هي المقدَّمة. واشتهر في العصر الجاهلي خطباء كثيرون، مثل: قس بن ساعدة الإيادي، وهانئ بن قبيصة الشيباني وعامر بن الظَّرب العدواني، وعمرو بن كلثوم التغلبي، وأكثم بن صيفي وعمرو بن الأهتم التميميان، وهاشم بن عبد مناف القرشي. عمرو بن معد يكرب ،عمرو بن كلثوم ، ، عمرو بن الأهتم المنقري وتعد قبيلة تميم من أشهر القبائل العربية خطابة .
وقد تعددت أغراض الخطابة وأنواعها، إزاء هذا الازدهار، فكانت
1ـ وسيلة للتحريض على القتال،
2ـ أو للأخذ بالثأر،
3ـ وربما كانت في الوقت نفسه سبيلاً إلى إصلاح ذات البين أو إرساء قواعد السلم.
4ـ وقد تكون في إشاعة المفاخر، والإشادة بالأنساب أمام الملوك وزعماء القبائل، والأمراء.
5ـ وقد تلقى الخطب في مناسبات الزواج، والمصاهرات بين ذوي الأحساب والأنساب، فيتكلم خطيب من كل جانب. قال الجاحظ: «كانت خطبة قريش في الجاهلية، يعني خطبة النساء: باسمك اللهم ذكرت فلانة، وفلان بها مشغوف. باسمك اللهم، لك ما سألت، ولنا ما أعطيت».
سنن الخطباء في خطبهم :
وكانت للخطباء سنن وتقاليد يتبعونها عند إلقاء خطبهم،
1ـ كأن يقف الخطيب على مرتفع من الأرض، معتمداً على قوسه، أو ممسكاً بعصا يشير بها،
2ـ وقد يخطب راكباً على ناقته، وبيده الرمح، وقد لاث العمامة على رأسه.
ومما يمدح به الخطيب عندهم:
1ـ حضور البديهة،
2ـ وقلة التلفت،
3ـ وقوة الجنان،
4ـ وظهور الحجة،
5ـ جهارة الصوت.
وفي مقابل ذلك كانوا يعيبون على الخطيب
1ـ التنحنح،
2ـ والانقطاع،
3ـ والاضطراب،
4ـ والتعثر في الكلام.
خصائص الخطابة في العصر الجاهلي
وقد استقرت للخطابة في العصر الجاهلي مجموعة من الخصائص الفنية، كان الخطباء يحرصون عليها في خطبهم، منها
1ـ مراعاة السجع في مقامات الفخر خاصة.
2ـ استخدام الأسلوب المرسل في خطب المحافل وإصلاح ذات البين، و لا يغفل صاحب الأسلوب المرسل- في الوقت نفسه عن تجويدوتنقيح خطبته، والتروي فيها، سعياً إلى إثارة السامعين واستمالتهم.
3 ـ إيثار قصر العبارة ، وتوشيحها ببعض الحكم والأمثال،
4ـ قد تطول الخطبة ، وقد تقصر، ولكل منهما مقام وموضع وقدر من العناية.
و للخطبة أجزاء ثلاثة هي :
(المقدمة – والموضوع – والخاتمة)
أما أهداف الخطبة فهي: الإفهام والإقناع والإمتاع والاستمالة.
وأما خصائص أسلوب الخطبة فهي:
1ـ وضوح الفكرة.
2- جودة العبارة وسلامة ألفاظها.
3ـ الإكثار من السجع غير المتكلف.
4ـ التنوع في الأسلوب بين الخبري والانشائي.
5ـ قلة الصور البيانية.
أسباب ازدهار الخطبة في العصر الجاهلي:
ازدهرت الخطبة في العصر الجاهلي للأسباب التالية
1ـ حرية القول.
وجود دواعي الخطابة كالحرب والصلح والمغامرات.
الفصاحة فكل العرب كانوا فصحاء.
ولقد اجتمعت كل هذه الخصائص في خطبة (قس من ساعدة الايادي) والجدير بالذكر أنه أول من قال في خطبته: (أما بعد) وتسمي (فصل الخطاب)، لأنها تفصل المقدمة عن الموضوع.

وفود العرب على كسرى
النعمان بن المنذر
النعمان بن المنذر العربي أبي النفيس شديد الاعتزاز بوطنه وأمته يأبى الضيم ويرفض الهوان يبذل دمه في سبيل كلمة الحق وللعرب في الجاهلية مواقف بطولية نعتز بها نحن العرب ونفخر وما موقف النعمان بن المنذر أمام كسرى إلا أحد هذه المواقف البطولية الرائعة فقد قدم النعمان بن المنذر على كسرى وعنده وفود الروم والهند والصين فذكروا ملوكهم وبلادهم فافتخر النعمان بالعرب ومما قاله:
((وأما أنسابها وأحسابها فليست أمة من الأمم وقد جهلت آباءها وأصولها وكثيراً من أولها حتى إن أحدهم ليسأل عمن وراء أبيه فلا ينسبه ولا يعرفه وليس أحد من العرب إلا يسمي اّباءه أبا فأباً حاطوا بذلك أحسابهم وحفظوا به أنسابهم فلا يدخل رجلٌ في غير قومه ولاينتسب إلى غير نسبه ولا يدعي إلى غير أبيه وأما سخاؤها فإن أدناهم رجلاً الذي تكون عنده البكرة والناب عليها بلاغه في حموله وشبعه وريه فيطرقه الطارق الذي يكتفي بالفلذة ويجتزىء بالشربة فيعقرها له ويرضى أن يخرج عن دنياه كلها فيما يكسبه حسن
الأحدوثة وطيب الذكر وأما حكمة ألسنتهم فإن الله تعالى أعطاهم في أشعارهم ورونق كلامهم وحسنه ووزنه وقوافيه مع معرفتهم بالأشياء وضربهم للأمثال وإبلاغهم في الصفات ماليس لشيء من ألسنة الأجناس ثم خيلهم أفضل الخيل ونساؤهم أعف النساء ولباسهم أفضل اللباس ومعادنهم الذهب والفضة وحجارة جبلهم الجزع ومطاياهم التي لاتبلغ على مثلها سفر ولا يقطع بمثلها بلد قفر وأما دينها وشريعتها فإنهم متمسكون به حتى لا يبلغ أحد من نسكه بدينه أن لهم أشهراً حرماً وبلداً محرماً وبيتاً محجوجاً ينسكون فيه مناسكهم ويذبحون فيه ذبائحهم فيلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه وهو قادر على أخذ ثأره وإدراك رغبته فيه فيحجزه كرمه ويمنعه دينه عن تناوله بأذى وأما وفاؤها فإن أحدهم يلحظ ويومئ الإيماءة فهي ولث وعقدة لايحلها إلا خروج نفسه وإن أحدهم ليرفع عوداً من الأرض فيكون رهناً بدينه فلا يغلق رهنه ولا تخفر ذمته وإن أحدهم ليبلغه أن رجلاً استجار به وعسى أن يكون نائياً عن داره فيصاب فلا يرضى حتى يفني تلك القبيلة التي أصابته أو تفنى قبيلته لما أخفر من جواره )) .
شرح المفردات:
البكرة:الناقة الفتية، الناب:الناقة المسنة، البلاغ:الكفاية، الجزع:خرز يماني فيه سواد وبياض، السفر:المسافرون، المناسك:هي فروض الحج وتعبداته، الولث:العهد، غلق الرهن:استحقه المرتهن،والمراد هنا أنه يجعل العود بمنزلة رهن فلا بد أن يفتكه ولا يرضى بانتكاث عهده .
- خصائص الخطابة في العصر الجاهلي : الخطابة مظهر من مظاهر السيادة عند العرب وعلامة من علامات كبريائهم واعتزازهم وسبيل من سبل التأثير والإقناع تحتاج إلى حذاقة اللسان ونصاعة البيان وطلاقة البديهة والعرب ذوو نفوس حساسة وإباء وأولوغيرة ونجدة فكان لهم فيها القدم السابقة والقدح المعلى يلجأ إليها المرء للدفاع عن نفسه وقومه في مواقف المفاخرة والذود عن الشرف والذمار وإصلاح ذات البين بين حي وحي أو بين قبيلة وقبيلة والدعوة إلى التفاهم والصلح كما كان يدعو الخطيب إلى الحرب وسفك الدماء ..
وكانوا كثيراً ما يخطبون في وفادتهم على الأمراء والملوك إذ يقف رئيس الوفد بين يدي الأمير أو الملك فيحييه متحدثاً بلسان قومه يقول الجاحظ في كتابه البيان والتبيين اعلم أن جميع خطب العرب من أهل المدر والوبر والبدو والحضر على ضربين منها الطوال ومنها القصار ولكل ذلك مكان يليق به وموضع يحسن فيه ومن الطوال ما يكون مستوياً في الجودة ومتشاكلاً في استواء الصنعة ومنها ذوات الفقر الحسان والنتف الجياد ووجدنا عدد القصار أكثر ورواة العلم إلى حفظها أسرع
اتخذ العرب من مجالسهم ومن أسواقهم ومن وفاداتهم على الأمراء والملوك ميادين لإظهار براعتهم في فنون الكلام وما فطروا عليه من فصاحة وحضور بديهة وكادت منزلة الخطيب تعلو منزلة الشاعر لولا حاجتهم إلى الشعر الذي يعزز شأنهم ويرفع منزلتهم ويهيب من فرسانهم عرف العرب لونين من الخطابة لوناً مسجوعاً ولوناً مرسلاً إذ كانوا يبتغون التجويد في كلامهم تارة بما يصوغونه فيه من سجع وتارة أخرى بما يخرجونه من استعارات وأخيلة فجاء أسلوب الخطابة عندهم رائع اللفظ خلاب العبارة واضح المنهج قصير السجع كثير الأمثال يعتمد على الخيال والبلاغة ..
من أشهر خطبائهم قس بن ساعدة الإيادي وأكثم بن صيفي التميمي ..
- الأمثال في العصر الجاهلي:
ذاعت الأمثال في العصر الجاهلي وانتشرت بشكل واسع فهي تتفق وعقلية العربي ونظرته فيما يدور حوله والمثل جزء من قولٍ أو قولٌ بذاته نُقل متواتراً من جيل إلى جيل دون تغيير ولا يخلو من الغموض أحياناً وقد أقبل كثير من العلماء على جمع الأمثال وشرحها وتبويبها وأشهرهم الميداني المتوفي سنة/518/ه فقد جمع كتابه((مجمع الأمثال)) من نحو خمسين كتاباً ورتبه على حروف المعجم ومن خلال دراستنا لهذه الأمثال نرى أنها تعبر عن كثير من مظاهر الحياة في ذلك العهد وتصدر من طبقات الناس المختلفة كان أكثرها قوي العبارة صائب المعنى دقيق التشيبه يعتمد على البلاغة والإيجاز..
من هذه الأمثال أقوال قيلت في مناسبة من مناسبات الحياة فأصبحت مثلاً ومنها ما يرتبط بحادثة واقعية وإنما ارتبط بقصة خيالية أو حكاية رمزية على ألسنة الحيوان والطير صدرت في أكثر حالاتها عن ذكاء ودقة ملاحظة ونفاذ بصيرة ..
وذهب الباحثون إلى أن الأمثال تعكس عقلية الشعب وتعبر عن القيم التي يؤمن بها عبر التاريخ على ما فيها من تناقض في هذه القيم والمثل مرده إلى اختلاف البيئات وتفاوت المواقف والتجارب في الحياة..
ويستمر شيوع الأمثال في حياتنا العربية وقد جمع الأبشيهي في كتابه(( المستطرف في كل فن مستظرف)) بعض الأمثال العربية في عصره مثلما جمع بعض الدارسين المعاصرين الأمثال العربية الحديثة باللغة العامية لأغراض ثقافية ..
- من أمثال العرب في العصر الجاهلي:
نفس عصام ٍ سودت عصاما
يضرب لمن نال شرفاً بنفسه غير موروث عن آبائه وأصل ذلك: أن عصام بن بشير كان حاجباً عند ملك الحيرة النعمان بن المنذر ثم صار ملكاً فأصبح مضرب المثل في الاعتماد على الذات لبلوغ الهدف الرفيع ...
تسمع بالمعيدي خير من أن تراه
((يضرب لمن خبره خير من مرآه)) وأصل ذلك أن المنذر بن ماء السماء- ملك الحيرة – كان يسمع بمشقة بن ضمرة المعيدي ويعجبه ما بلغه عنه،فلما رآه، وكان قبيح المنظر، قال: ((تسمع بالمعيدي خير من أن تراه))فذهب مثلاً- كرهاً تركب الإبل السفر.. ((يضرب للإنسان يفعل من الأمر ما يكره))
احفظ ما في الوعاء بشد الوكاء .((يضرب في الحث على أخذ الأمر بالحزم))
حلب الدهر أشطره ((يضرب في من جرب الدهر،وعرف خيره من شره))
والأشطر: جمع شطر وهو خلف الناقة أي حامة ضرعها
- رجع بخفي حنين ((يضرب عند اليأس من الحاجة والرجوع بالخيبة)) وأصله أن حنيناً كان إسكافاً من أهل الحيرة فساومه أعرابي بخفين فاختلفا حتى أغضبه فأراد حنين غيظ الأعرابي فلما ارتحل الأعرابي أخذ حنين أحد خفيه وطرحه في الطريق ثم ألقى الآخر في موضع آخر فلما مر الأعرابي بأحدهما قال: ماأشبه هذا الخف بخف حنين ! ولو كان معه الآخر لأخذته ومضى فلما انتهى إلى الآخر ندم على تركه الأول وقد كمن له حنين فلما مضى الأعرابي في طلب الأول عمد حنين إلى راحلته وما عليها فذهب بها وأقبل الأعرابي وليس معه إلا الخفان فقال له قومه: ماذا جئت به من سفرك ؟ فقال:جئتكم بخفي حنين فذهبت مثلاً ..
ثالثا ـ الـوصايا :
الوصية: قول حكيم صادر عن مجرب يوجه إلى من يحب لينتفع به، وهي من ألوان النثر التي عرفها العرب في الجاهلية، وهـي قطعة نثرية تشبه الخطبة تحمل في طياتها تجربة من التجارب تقال علـى شكل حكم ونصائح قد تكون من أب إلى أبنائه ، أو من أم إلى ابنتها ، أو مـن زعيم إلى أفراد قبيلته ، كوصية أمامة بنت الحارث ابنتها أم إياس عند زواجها . وتلتقي الوصايا بالحكم والأمثال لتضمنها كثيراً من تلك الأقوال الموجزة النابعة من التجربة، حتى لكأن الوصايا أحياناً قائمة على جملة من الحكم والأقوال المأثورة.وتروي هذه الوصايا عادة على أ لسنة طوائف من الحكماء والمعمرين، الذين عرفوا بكثرة تجاربهم وخبرتهم في الحياة، من أمثال: ذي الإصبع العدواني، وزهير بن جناب الكلبي، وعامر بن الظرب العدواني، وحصن بن حذيفة الفزاري. ومن النساء: أمامة بنت الحارث. ويغلب على الظن أن هذه الوصايا جميعاً رويت بالمعنى، ولكنها لا تخلو من بعض العبارات الأصلية المحفوظة، ولاسيما في الوصايا القصيرة. وتقدم الوصايا صورة عن هذا الفن النثري، لأن من رووها أو حفظوها قد راعوا أصولها وتقاليدها.
وقد تعددت الوصايا في العصر الجاهلي وتنوعت أغراضها على وفق الحدث المرتبط بها. واختلفت عن غيرها من صنوف الأدب، لأنها كانت نابعة من تجارب الإنسان وخبرته في الحياة. فالموصي يضع في وصيته عصارة فكره وخلاصة تجاربه في الحياة. فنراه يأتي في وصيته بجمل قصيرة مركزةتحمل أبلغ المعاني، وأسمى القيم
وما وصل إلينا من تلك الوصايا بعضه موجه إلى الأبناء والبنات، وبعضه الآخر موجه إلى أفراد من القبيلة. أما من حيث الموضوع والمضمون؛ فيمكن تقسيم الوصايا إلى :

1-وصاياالملوك إلى أولياءالعهدأومن يقوم مقامهم.
2-وصاياالحكماء إلى أبنائهم وأبناءالعشيرة وغيرهم.
3-وصاياالآباء للأبناء وأبناء الأبناء.
4-وصاياالهداء(الزواج)..
5-وصاياالسفروالمسافرين.
6-وصاياالحرب.

1 ـ وصايا دينية :
2 ـ وصايا اجتماعية: كالوصايا المتعلقة بالزواج، والمال، والصداقة، والعناية بالخيل وإكرامها، ومكارم الأخلاق كتهذيب اللسان، وتربية النفس، والحث على الصدق، والبذل والجود... ومن شواهدها وصية ذي الإصبع العدواني - لما احتضر - لابنه أسيد.
3ـ وصايا سياسية: تكون بين الراعي والرعية، والدعوة إلى الحرب، والدعوة إلى السلم والتحذير من التنازع.
4 ـوصايا الزواج :

5 ـ وصايا السراق واللصوص

6 ـ وصايا الآباء للأبناء
(وصيةعمرو بن كلثوم)
جمع عمرو بن كلثوم بنيه حينما حضرته الوفاة ، وكان قد عاش مائة وخمسين سنة على ما يروى فقال :
ـ" يا بَنيَّ ، قَدْ بَلغْتُ منْ العُمَرِ ما لمْ يَبْلغْهُ أحدٌ منْ آبائي ، ولا بدَّ أنْ يَنْزلَ بي ما نَزلَ بهم منَ الموْتِ . وإني واللهِ ما عيّرتُ أحداً بشيءٍ إلا عُيِّرتُ بمثْلهِ ، إنْ كانَ حقاً فَحقاً ، وإن كانَ بَاطلاً فبَاطلا ، ومنْ سَبَّ سُبَّ . فكُفُّوا عنِ الشتّمِ ،فإنّهُ أسْلمُ لَكمْ ، وأحسِنوا جِوارَكمْ ، يحسنْ ثناؤُكم ، وإذا حُدِّثْْتم فَعوا ، وإذا حَدثْتم فأوْجِزوا ، فإن مع الإكثارِ يكونُ الأهْذار .أشجعُ القَومِ العَطوفُ عندَ الكرِّ ، كَما أن أكرمً المنايا القتلُ ، ولا خيرَ فيمن لا رَويّة لهُ عندَ الغضَبِ ، ولا منْ إذا عُوتبَ لم يُعْتِبْ ، ولا تَتزوجوا في حيِّكم ، فإنّه يودي إلى قُبْحِ البُغْضِ " . )

(وصية ذو الأصبع العدواني )
ذو الأصبع العدواني هو حرثان بن الحارث ناثر وشاعر من العصر الجاهلي
ينتمي لقبيلة عدوان المضرية وسمي ذو الأصبع لوجود أصبع زائدة برجله ، كان
من حكماء العرب ، حين حضرته الوفاة أوصى ابنه أسيداً ببعض الوصايا التي
تعينه في إحنه ومحنه ومنها :
" يا بُني ، إن أباكَ قد فَنِيَ وهوَ حيُّ ، وعاشَ حتَى سَئِمَ العَيشَ . وإنِّي مُوصيكَ بما إنْ حفظْته بَلغتَ في قَوْمكَ ما بَلغتُه : ألِنْ جانبَك لقَومك يُحبُّوكَ ، وتَواضعْ لهُمْ يرفَعوكَ ، وابسُطْ وجْهَكَ يُطيعوكَ ، ولا تستأثْر علَيهمْ بشيءٍ يسوِّدوكَ ، وأكْرِم صغارَهُمْ كَما تُكْرمْ كبارَهُمْ ، يُكْرمكَ كبارهُم ، ويَكبُرْ على مودَّتكَ صِغارَهُمْ ، واسْمحْ بمالكَ ، وأعززْ جارَكَ ، وأعنْ من اسْتعانَ بِكَ ، وأكرم ضَيفكَ ، وصُنْ وجهكَ ، عنْ مسألِة أحدٍ شيئاً ، فَبذلِكَ يَتمُّ سُؤْدُدُكَ ".
والوصية وإن كانت تخرج لشخص واحد، فهي يمكن أن تفيد مجتمعا كاملا ويمكن عدها مرجعا يفيد كل من يحتاج إلى النصح والإرشاد.

والطابع العام للوصايا هو الأسلوب المرسل، ا لذي يترك فيه الموصى نفسه على سجيتها، دون تنميق أو زخرفة، مؤثراً وضوح العبارات، ورشاقة التراكيب، وقصر الجمل بما يحقق المناسبة بين المعنى واللفظ وطبيعة المقام الذي تقال فيه الوصية.
أجزاء الوصية :
تتألف الوصية من
أ- المقدمة: وفيها تمهيد وتهيئة لقبولها.
ب- الموضوع: وفيه عرض للأفكار في وضوح وإقناع هاديء للموصى له.
ﺠ - الخاتمة: وفيها إجمال موجز لهدف الوصية.
ولقد رأينا ذلك في (وصية أمامة بنت الحارث لابنتها عند زواجها(
خصائص أسلوب الوصية:
تتميز الوصية عن غيرها من فنون النثر الجاهلي بما يلي:
أ- وضوح الألفاظ ,وضوحا تاما من غير إبهام.
ب- قصر الجمل وإيجازها بحيث تؤدي المعنى بشكل موجز.
ﺠ- الإطناب بالتكرار والترادف والتعليل حين يحتاج الموقف للشرح.
د- تنوع الأسلوب بين الخبر والإنشاء.
ﻫ- الإقناع بترتيب الأفكار وتفصيلها وبيان أسبابها.
و- التنغيم الداخلي والإيقاع الموسيقي الجميل
وقد تجلي كل ذلك في وصية أمامة لابنتها
والفرق بين الوصيةوالخطبة أن الخطبة هي فن مخاطبة الناس جميعا لاستمالتهم وإقناعه أما الوصية فهي قول حكيم لإنسان مجرب يوصي به من يحب لينتفع به في حياته.
وتمتاز الوصايا في العصر الجاهلي بجمالها ، وتناسب جملها ورقتها .

ومن خلال استقراء الوصايا في العصر الجاهلي نجد أن صاحب كتاب "جمهرة وصايا العرب قسمها إلى ستة أ نواع وهي:







رابعا ـ سجع الكهان :
هو فن من فنون النثريعتمد على الجمـل المترادفة والمتوازنة والمتزاوجـة يستخدمه الكاهن الذي يدعي معرفة الغيب في قضية من القضايا التي تعترض فردا أوجماعة تلجأ إليه ويزعم هذا الكاهن أنه ينطق باسم الآلهة ، وأن الجن مسخرة له يحركها كيفما أراد وقد ذم القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف الذهاب الى الكهان ونفى القرآن الكريم صفة الكهانة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن أشهر المتكهنين فـي الجاهلية : سطيح الذئبي،والمأمـور الحارثـي ،و خنافـر الحميري ،و عـوف بن ربيعــة الأسدي ، ومسلمة الخزاعي . وشق الأنماري، وسلمة بن أبي حيّة، المشهور باسم عُزّى سلمة، وعوف الأسدي، .بل كان فيهم نساء كاهنات أيضاً، من أمثال: فاطمة الخثعمية، وطريفة اليمينية، وزبراء. والكهّان عند العرب الجاهليين طائفة ذات قداسة دينية، وسلطان كبير لدى القبائل، شأنهم شأن الحكام في المنافرات. وكانوا يزعمون الاطلاع على الغيب، وأن لكل منهم رئيّاً - أي صاحباً من الجن - يعرف الكاهن عن طريقه ما سيكون من أمور. وكان الناس يتوافدون على هؤلاء الكُهّان من مختلف الجهات فيحكمونهم في منازعاتهم، ويستشيرونهم في أمورهم الخاصة وما يزمعونه من أعمال، أو ما يرونه في منامهم من أحلام. وكانوا يستخدمون في أحكامهم وأقوالهم ضرباً من النثر المسجوع عرفوا به، ويلاحظ في نصوص الكهان أنها تحمل طابع التكلف الشديد في سجعها ولهذا لا يطمأن إليها كلها، فربما شاب بعضها الوضع والنحل، وربما كان بعضها محفوظاً صحيحاً، لقصره وإيجازه.
ومن خصائص أسجاع الكهان أنها - في جملتها - كلام عام، لا يرشد السامع إلى حقائق جلية، وإنما يضعه في الغموض والإبهام، باصطناع السجع، والإيماء، وقصر الجمل لإلهاء السامع عن تتبع ما يلقى إليه من الأخبار العربية، وجعله في حالة نفسية مضطربة تساعد الكاهن على الوصول إلى ما يريد، بكل سهولة ويسر، ويكون المخاطب، بتلك الإشارات الغامضة، والألفاظ المبهمة، والأقسام المؤكدة، والأسجاع المنمقة، مستعداً لقبول كل ما يقال له، بلا جدال أو اعتراض، وتأويل ما يسمعه بحسب حالته ومدى فهمه.







خامسا ـ القصص :
تعد القصص من فنون النثر الجاهلي وما يتصل منها بسبب، كالأسمار، والحكايات، والأساطير، التي تتناثر في كتب الأدب والتاريخ والأمثال، والتفسير، وكتب الشواهد النحوية والبلاغية، ومؤلفات الشرَّاح مما يؤلف ذخيرة قصصية غزيرة، تمثل في مضمونها جوانب من المجتمع العربي في العصر الجاهلي، أو ما هو قريب منه، إذا صحت نسبتها إلى ذلك العصر.
لم تكن قصص العرب الجاهليين تحمل في طياتها أكثر من أحاديث السنة ، وأيام الحروب والوقائـع كيوم داحس والغبراء ويوم ذي قار، تحمــل هـذه القصص الكثيــر مـــن الخرافات والأساطير وقد صور كتاب شرح النقائض لأبي عبيدة وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني أأيام العــرب فـي حروبهم وسلمهم وقــد حرّف الرواة الكثيرمـن هـــذه القصص وزادوا فيها وأدخلوا فيــها خرافات الحيوانات وقصص الجن ، والعفاريت والشياطين . وبقي الناس يتداولون هذه القصص عن طريق الرواية الشفوية، حتى بدأ تدوين بعضها في العصر الأموي، ولكن لم يصل إلينا شيء منه، بل وصل ما دُوَّن في أوائل العصر العباسي، وما بعد ذلك، بعد أن نقلت روايته في المجالس، وزيد فيه، ونقص منه، ولا يعرف مدونه ولا راويه، وإن حمل بعضه على الأصمعي وغيره، سواء في ذلك ما كان فيه إطالة وتفصيل، أو قصر وإيجاز. وقد كانت هذه القصص الجاهلية المتداولة نواة للقصص الشعبي الذي ازدهر في العصرين: العباسي والمملوكي.ولهذا كله، يقع الشك في صحة نصوص القصص التي ترفع إلى العصر الجاهلي، من حيث الصياغة على الأقل. ذلك أنها لم تدون في ذلك العصر قط، ولا فيما هو قريب منه، بل صيغت بأساليب العباسيين، ومن بعدهم، الذين تصرفوا فيها صيغة ومضموناً، ولاسيما الطويلة منها. وتكفي الإشارة إلى أن أيام العرب وملامحهم الحربية تؤلف ينبوعاً قوياً لتلك القصص، وقد دونها أبو عبيدة في شرحه لنقائض جرير والفرزدق. ومن هذا التراث القصصي أيضاً ما يتصل بملوك المناذرة والغساسنة والدولة الحميرية، وغيرهم ممن سبقوهم أو عاصروهم، كالزباء أو زنوبيا. ومنه أيضاً قصص المحبين وأخبارهم، وبعض الأساطير عن الحيوانات كقصة الحية والفأس في خبر المثل: «كيف أعاودك وهذا أثر فأسك؟».بلإضافة إلى قصص أخرى متناثرة في كتاب الأغاني وغيره عن عمرو بن كلثوم وربيعة بن مكدم، وعبد الله بن جدعان، وغيرهم. وكل ذلك من موروثنا النثري، ولكنه لا يمثل أسلوب الجاهليين ولا صياغتهم.









سادسا ـ الرسائل:
تعد الرسائل أقل فنون النثر شيوعاً، ولكنها أكثرها حاجة إلى التدوين لاستخدام الجاهليين إياها في الأمور التجارية والسياسية والقبلية، وفي السفارة بينهم وبين الأكاسرة وملوك المناذرة والغساسنة. ومما يثبت ذلك أن لقيط بن يعمر الإيادي مثلاً، كان يحسن الفارسية، وكان من مقدمي تراجمة كسرى سابور، وكذلك كان عدي بن زيد العبادي وإخوته من كتاب الأكاسرة والمترجمين عندهم. وما وصل إلينا من نصوص الرسائل الجاهلية قليل جداً، منها ما هو ذو طابع سياسي كرسالة النعمان بن المنذر إلى كسرى، حين جهز إليه وفداً ضم وجوه العرب من قبائل مختلفة، ليتكلم كل منهم أمام كسرى بما يحضره عن مآثر العرب ومفاخرهم إذا صح هذا الخبر.ومن تلك الرسائل ما يكون في القبائل، من عهود ومحالفات تقتصر على أغراض ضيقة جداً، ويمكن أن تعد وثائق تاريخية. ومثالها كتاب التحالف بين عبد المطلب بن هاشم، وقبيلة خزاعة على التناصر والتعاون مدى الأيام في جمل مرسلة معبرة، تطول وتقصر، مع قوة وإحكام




سابعا ـ المنافرات:
تعد المنافرات من الفنون الأدبيةالتي أسهمت في رسم صورة واقعية للعرب الجاهليين حيث يذكر المتفاخرون مآثر أنفسهم إن كانوا أفرادا، ومآثر أقوامهم إن كانوا قبائلا. و المنافرات نوعان
1ـ منافرات كانت تحدث بين اثنين أو أكثر من سادة العرب وأشرافهم، وفيها يشيد كل من المتفاخرين بحسبه ونسبه ومجده وسجاياه، أمام حكم من أشراف العرب أو كهانهم، ليكون له القول الفصل في تفضيل أحد الطرفين على الآخر. ولكن الحكم يسعى في كثير من الأحيان إلى الصلح بين المتنافرين، تفادياً للشر، ويتحاشى الحكم لأحدهما على الآخر، ويلقي عليهم كلاماً بليغاً يدعوهما فيه إلى السلام والصفاء. ومن ذلك ما كان من هرم بن قطبة الفزاري، حين تنافر إليه عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة بعد أن اشتد النزاع بينهما، فجعل هرم يطاولهما، ويمهد للصلح بينهما، حتى قال لهما أخيراً: «أنتما كركبتي البعير، تقعان إلى الأرض معاً وتقومان معاً». فرضيا بقوله وانصرف كل منهما إلى قومه. واشتهر من هؤلاء الحكام أيضاً: ربيعة بن حذار، والأقرع بن حابس، ونفيل بن عبد العزى، وهاشم بن عبد مناف.
2ـ منافرات تحدث بين قبيلتين: كربيعة ومضر، أو قيس وتميم. وهذا ما يحيل المنافرة إلى صورة من صور الخطابة، إذ يقف كل سيد ليعدد مآثر قومه أمام الحكم، بحضور سادة القبائل وأشرافها ويحاول التأثير في السامعين ليحوز الإعجاب والحكم له بالغلبة على خصمه،وإذا فصل الحكم بين المتنافرين، سجع في كلامه حيناً، وأرسله حيناً آخر.
د ـ خصائص النثرالفني الجاهلي:
تميز النثر الفني الجاهلي بخصائص عدّة ، من أهمها:
. 1ـ كان ذلك النثر، بفنونه كلها متمماً للشعر الجاهلي في تصوير جوانب أخرى من الحياة العربية، تصويراً أقرب إلى الحقيقة والواقع، بما في تلك الحياة من مفارقات ومتناقضات.
2ـ توجُّه النثر إلى نواح خلقية وتهذيبية، والميل إلى الخير والإصلاح في الوصايا، وبعض والخطب والحكمم، والارتداداإلى الغضب والتهور، وإشادة بالأحساب والأنساب، وإشاعة للعصبيات والمفاخر القبلية، والمصالح الخاصة، في المنافرات وبعض الخطب والحكم الأخرى،
3ـ تصوير النثر الجاهلي لذلك كله هو تصوير أقرب إلى الحقيقة والواقع، لأن واضعي بعض تلك النصوص، أو صائغيها، قد حاولوا، بقوة ملاحظتهم ومزيد عنايتهم أن يجعلوها محاكية لأصولها الأولى، مستهدين في ذلك بقرائن مختلفة. ولهذا فإن تلك النصوص النثرية - مع ما اعترى معظمها من تغيير أو زيادة أو نقص - هي في روحها وبنائها مقاربة لأصولها الجاهلية،
4ـ تغلب على هذا النثر، بفنونه المختلفة العناية والتجويد، والبعد، ما أمكن، عن الهلهلة والضعف.
5ـ يأتي النثر الجاهلي مرسلاً طبيعياً تارة، ومتكلفاً محلى بالسجع والتصوير البياني تارة أخرى، بحسب الفن النثري من جهة، وبحسب الحال والمقام من جهة ثانية،
6ـ رغبة في تحقيق الإمتاع، أو التأثير والإقناع لدى السامع، والنفوذ إلى مكامن نفسه. تخير الجاهليون الكلام في نثرهم وحرصوا على القوة والجزالة، والتنغيم الموسيقي بين الجمل إذا احتاجوا إلى ذلك، كما في سجع الكهان والمنافرات.
7ـ تترجح النصوص النثرية الجاهلية بين الطول والقصر، ولكل منها موضع يحسن فيه. فالخطبة نفسها قد تطول وقد تقصر، وكذلك الوصية، أما الحكم والأمثال وأسجاع الكهان فلا تخرج عن القصر والإيجاز.
8ـ يغلب على ذلك النثرالجاهلي الوضوح والسهولة في ألفاظه وتراكيبه عدا سجع الكهان،
9ـ في سجع الكهان تعمد كاتبوه الغرابة في الأداء، والغموض في التعبير، إمعاناً منهم في الإيهام والإبهام،
10ـ وجود ألفاظ غريبة، في طائفة من وصاياهم ومنافراتهم وبعض خطبهم، تناسبا مع واقع البيئة والحياة الجاهلية





ثامنا : الموعظة التقوية الدينية الجاهلية
( أكثم بن صيفي )












الباب السابع

الفصل الثالث
النقد في العصر الجاهلي

أولا : النقد الجاهلي تنمية للتذوق الأدبي

يهدف النقد الأدبي عند العرب إلى تنمية التذوق الأدبي عند الدارس ، وصقل حسّه النقدي، والأخذ بيده إلى مدارج القدرة على تمييز جيد الأدب من رديئه، وتعريفه على الأحكام النقدية التي جادت بها قرائح النقاد، منذ نشوء النقد الأدبي عند العرب حتى نضجه واكتماله وتقويم هذه الأحكام المختلفة، ووضع كل منها في المرتبة التي تليق به من مراتب السمو أو الدنو في سلم تقدير الأحكام النقدية، وتبصير الدارس بما لحق النقد العربي من تقدم أو انحراف في سيرته عبر الزمن، ويهدف كل ذلك إلى إغناء ثقافة الدارس، وتمكينه من القدرة على تذوق الأدب، وفهمه والافصاح عن هذا التذوق والفهم بنقد هادف بناء، قوامه الأصالة وروافده سعة الاطلاع، والتمرس والخبرة.
إذا قصد بالنقد معناه الذي يقوم على النقد المنهجي وتطبيق المقاييس النقدية المتعارف عليها وتحري القيم الجمالية في النص والقيم التعبيرية والشعورية في الأثر الشعري أو النثري، فإن النقد الجاهي لم يصل إلى هذه القدرة؛ أما إذا قصد بالنقد تلك الانطباعات العفوية العابرة التي يطلقها المتلقي إثر الفعالة عند سماع أبيات أعجبته أو لم تعجبه فإن النقد الجاهلي قد لامس ذلك وقاربه فعندما نسأل عن شاعر سبق له سماع شعره نقول هو أشعر الناس أو أن قصيدته هذه أجمل قصيدة قالتها العرب، أونقول لو لم يكن لهذا الشاعر إلا قوله كذا لكفاه فخراً على العرب أو غير ذلك من الأحكام العامة ... أقول إذا كان هذا هو المقصود بالنقد ففي العصر الجاهلي إذا نقد من هذا القبيل.
تعالوا إذا نعرّج على العصر الجاهلي لنتعرف على الأحكام النقدية التي يقع عليها في أثناء تطوافنا، مع ملاحظة أن هذا الشعر الذي نعرفه في العصر الجاهلي ولا يمثل طفولة الشعر العربي وإنما هو يمثل مرحلة النضج والكمال للقصيدة العربية فالشعر الجاهلي إذاً مرحلة متطورة من مراحل نشوء الشعر العربي، فالقصيدة كما نعرفها فلسفة التفاعيل مؤتلفة النغم وشيء آخر نلاحظه وهو أن هذا الشعر مرّ بضروب كثيرة من التهذيب حتى بلغ ذلك الإتقان الذي نجده عليه في أواخر العصر الجاهلي كما نلاحظ في أواخر هذا العصر إنه كثرت أسواق العرب التي يجتمع فيها الناس من قبائل عدة، وكثرت المجالس الأدبية التي يتذاكرون فيها الشعر وكثر تلاقي الشعراء بأغنية السلوك كملوك المناذرة في الحيرة وملوك غسان في أطراف الشام، فجعل بعضهم ينقد بعضاً وهذه الأحاديث والأحكام والمآخذ هي نواة النقد العربي الأول بنواة النقد التي عرفت والتي قيلت في شعر معروف، كانت عكاظ ومكانها بالقرب من الطائف بالحجاز – سوقاً تجارية يأتيها العرب في مواسم معينة من كل فجّ عميق، وكانت مجتمعاً للقبائل العربية يفدون عليها للصلح بعد حروب أو للتعاهد أو التفاخر وكانت منبراً للخطباء والدعاة، وكانت وهذا الذي يهمنا بيئة من بيئات النقد الأدبي، يلتقي الشعراء فيها كل عام، وذائع ستفيض في كتب الأدب والأخبار أن النابغة الذيباني كانت تضرب له فيها قبة حمراء من أدم فيأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها، وذائع ستفيض أيضاً في كتب الأدب ذلك المشهد من مشاهد عكاظ ما كان بين النابغة واللاعشى وحسان بن ثابت والخنساء، حيث أنشد الأعشى مرة، ثم أنشد حسان ثم شعراء آخرون ثم أنشدته الخنساء قصيدتها في رثاء أخيها صخر جاء فيها قولها:
وإن صخراً لتأتمّ الهداة به كأنه علم في رأسه نار
فأعجب بالقصيدة ، وقال لها:
لولا أن أباً بصير "يعني الأعشى"أ نشدني قبل قليل لقلت إنك أشعر الجن والإنس، فالأعشى إذا أشعر الذين أنشدوا النابغة ثم يليه الخنساء في جودة الشعر.
وتذكر الروايات أنَّ حسان بن ثابت قد غضب من تفضيل النابغة للخنساء عليه فثار وقال للنابغة: أنا أشعر منك ومن أبيك فرد عليه النابغة: أنت لا تستطيع أن تقول كقولي
فانك كالليل الذي هـو مدركي وإن خلت أنَّ المنتأى عنك واسع
خطاطيف حجن في حبال متينة تشـد بها أيـدٍ إليـك نـوازع
فخنس حسان ولم يحر جوابا
وفي مناسبة أخرى يذكر الرواة أن النابغة الذبياني وفي بعض الروايات ينسب الخبر للخنساء أنه سمع قول حسان:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الرحى واسياقنا يقطرن من نجدة دما
ولدنا بني العنقاء وابنـي محرق فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
فنقد النابغة هذين البيتين وبين عيوباً كثيرة فيهما وينسبون للنابغة أنه عاب عليه أنه قال (الجفنات) وهي جمع جفنة جمع مؤنث سالم، وجمع المؤنث السالم من جموع القلة فهو أراد أن يفتخر بكثرة جفان قومه ولكن هذه الصيغة من الجمع أفادت التقليل وكان عليه أن يستعمل (الجفان) بدل الجفنات لأن الجفان من صيغ جموع الكثرة ويقولون إ نهم عابوا عليه كملة (الغرّ) حيث نعت بها الجفان ، والغرة بقعة بياض في سوار كثيروكان عليه أن يستعمل (البيض) بدلا منها ثم يقولون إ نه ذكر (يلمعن) والأصح أن يقول (يشرقن) وقال (الضحى) والأصوب (الد جى) وذكر (أسياف) وهي جمع قلة والصواب أن يقول (السيوف) جمع كثرة، وقال (يقطرن) والقطرات تدل على قلة القتلى فماذا أراد أن يشعر سامعه بكثرة قتلاه في الحروب فليجعل السيوف (يجرين) بالدم ثم قالوا في نقد البيت الثاني إن الشاعر افتخر بأولاده وبأولاده إخواته فخالف بذلك سنة العرب التي تفتخر بالأجداد لا بالأحفاد إلى غير ذلك من النقد الذي نسب إليه أو إلى الخنساء وقصته تطول في بعض الروايات وتقصر في بعضها الآخر، وكل ذلك تأباه طبيعة الأشياء وكل ذلك يمكن أنْ يرفض رفضاً علمياً لأسباب كثيرة منها.
آ-إن الإنسان الجاهلي لم يكن على معرفة بجمع المؤنث السالم وجمع التكسير، وأيها من جموع القلة وأيها من جموع الكثرة ولم يكن له ذهن علمي يفرق بين هذه الأشياء كما فرق بينها ذهن الخليل وسيبويه، ومثل هذا النقد لا يصدر إلا عن رجل عرف مصطلحات العلوم وعرف الفروق الدقيقة بين دلالات الألفاظ، وألمّ بشيء من المنطق، والنابغة أو الخنساء من كل ذلك بريئان.
ب-ولو أن هذه الروح النقديةالجاهلية المنطقية موجودة عند الجاهليين لوجدنا أثرها في عصر الرسول يوم تحدّى القرآن الكريم العرب وأفحمهم إفحاماً، صحيح أن القرآن وصفهم بأنهم (قوم خصمون) ولكن كل ما عملوه أنهم لجؤوا إلى الطعن في القرآن طعناً عاماً لا دقة فيه ، فقالوا: (سحر مفترى) وقالوا (أساطير الأولين) ولو أن لديهم تلك الروح البيانية لكان من المنتظر أن ينقدوا هذا القرآن الكريم
ويروى أن أم جندب قضت لعلقمة على امرئ القيس حين حكمت بينهما في قصيدتيهما المعروفتين قصيدة امرىء القيس التي يقول فيها:
خليلي مرّا بي على أمّ جندب لأقضي لبانات الفؤاد المعذب
فللسوط الهوب، وللسان درة وللزجر منه وقع أهوج متعب
وقصيدة علقمة التي يقول فيها :
ذهبت من الهجران في كل مذهب ولم يلها حقاً كل هذا التجنب
فـــأدركهنّ ثانـياً من عنانه يمرّ كمرّ الرائح المتــحلب

، معللة ذلك بأن امرأ القيس وصف فرسه بالبلادة وأنه كليل لم يدرك الطريقة إلا بعد أن ضرب بالسوط وأثير بساق الراكب وهيج بالزجر والصياح، أما فرس علقمة فنشيط لا يحتاج إلى إثارة ليسرع في عدوه إسراعاً، ويتعب في السير أنصباب الريح جرى خلف الطريدة ولجامه مشدود إلى الخلف مثن غير مرخي، فإن صحت هذه القصة كان لها دلالة كبيرة في النقد الأدبي تتمثل هذه الدلالة بأن أم جندب تريد مقياساً دقيقاً تعتمد عليه في الموازنة، فوجدت ذلك المقياس في وحدة الروى، ووحدة القافية، ووحدة الغرض ، وهذا يكفي لأن يكون أساساً من أسس النقد في العصر الجاهلي، وهذا يدل أيضاً على أن النقد لم يكن في بعض الأحيان – سليقة وفطرة، بل كانت له أصول يعتمد عليها.
ولكن هناك من النقاد من يرفض هذه القصة جملة وتفصيلاً بدعوى أن القصيدتين متداخلتان في كتب الأدب، فبعض أبيات الأولى متداخلة في أبيات الثانية وهناك ألفاظ بأعيانها في الثانية مذكورة في القصيدة الأولى، وبدعوى أن امرأ القيس عرف بوصف الخيل والصيد، وشهر بذلك دون الجاهليين وهو في المعلقة وفي قصيدته اللاحقة الأخرى لا يجارى في هذا الغرض، وهذا هو الذي جعل عبد الله بن المعتز لا يعترف بنسبة هذه القصيدة لامرئ القيس. وحفظت لنا كتب الأدب خبراً آخر مفاده أن طرفة بن العبد سمع المتلمس ينشد بيته
وقد أتناسى الهم عند احتضاره بناج عليه الصيعرية مكدم
فقال جملته المشهورة : "استنوق الجمل" لأنه لمح بأن المتلمس وصف جمله بأنه على عنقه الصيعرية وهي علامة توضع على عنق الناقة لا على عنق الجمل فدعاه ذلك إلى أن قال ما قال. ولو عدنا إلى النابغة الذبياني فارس ميدان النقد في عكاظ لألفينا مجموعة من كتب الأدب والأخبار تتناقل قصته مع أهل يثرب (المدينة المنورة) الذين نبهوه إلى ما وقع في شعره من الأقواء في قصيدته الدالية حيث يقول:
أمن آل مية رائح أو مفـتدى عجلان ذا زاد وغير مـزود
رغم البـوارح أن رحلتنا غدا وبذاك خبرنا الغراب الأسود
ويقال أنه عندما غنى أهل المدينة بهذين البيتين ظهر فيهما الأفواه (الأفواء هو اختلاف حركة حرف الروى وهو الحرف الأخير – الدال هنا في الكلمة القافية) من دال مكسورة في كل أبيات القصيدة إلى دال مضمومة في البيت التالي – كما اقتضتها حركة الإعراب ويقولون إنه قال بعد أن نبه إلى هذا العيب: دخلت إلى المدينة وفي شعري هنة فخرجت منها وأنا أشعر الناس ويروي الرواة أبياتاً أخرى للنابغة في هذه القصيدة اضطر فيها إلى الاقواء وذلك في قوله
سقط النصيف ولم ترد اسقاطه فتناولتـه واتفتنـا باليـد
بمخضب رخـص كأن بنانـه غنم على أطرافه لم يعقـد
فمن روى الشطر الثاني من البيت الثاني كما اثبتناه لم يجد فيه عيباً ولا أقواء ولكن بعض الناس يرونه : عنم يكاد من اللطافة يعقد وينسبون إلى النابغة أنه أقوى من هذه الرؤية.
ومن صور النقد في العصر الجاهلي الأحكام التي كانت تطلق على القصائد فهي على وجازتها ضرب من النقد المركز، فقد قيل : إنَّ العرب كانت تعرض على قريش أشعارها، فما قبلته قريش كان مقبولاً وما رفضته كان مرفوضاً، فقدم عليهم علقمة بن عبده ذات سنة
وأ نشدهم قصيدته التي يقول في مطلعها:
(هل ما علمت وما استودعت مكتوم)
فقالوا: هذه سمط الدهر ثم عاد إليهم في العام القادم فأنشدهم
طحا بك قلب بالحسان طروب بعيد الشباب عصر حان مشيب
فقالوا: هاتان سمطا الدهر؛ ويروى أنَّ أحد ملوك الغساسنة فضل حسان بن ثابت الأنصاري على النابغة وعلى علقمة بن عبده وكانا حاضرين معه في مجلس ذلك الملك وأثنى على لاميتة التي يقول فيها :
لله در عصابة نادمتهم يوما يجلق في الزمان الأول
ودعاها البتارة التي بترت المدائح وكذلك دعوا قصيدة سويد بن أبي كاهل التي يقول فيها
بسطت رابعة الحبل لنا فوصلنا الحبل منها ما اتسع
دعوها اليتيمة لأنه لم ينظم في فنها مثلها.
فهذه النعوت التي نعت بها بعض القصائد الجاهلية ضرب من النقد المركز، فاذا أضفنا إليها النعوت التي أطلقت على الشعراء أنفسهم كتسميتهم لـ(النمر من تولب) بالكيس ، لحسن شعره وسموا (طفيل الغنوى) طفيل الخيل لشدة وصفه إياها ومراعته فيه ، و(النابغة) لنبوغه في الشعرو( المهلهل ) لهلهلة نسح شعره فإذا اضفنا كل هذه النعوت للشعر وللشعراء أدركنا أنها ضرب من النقد أيضاً.
وبقيت عندنا صورة أخرى من صور النقد الجاهلي ذات دلالة على نوع من النقد وهي ما رواه أبو الفرج الاصفهلي في كتابه الأغاني حين قال :
"(اجتمع الزبرقان بن بدر والمخبل السعدي وعبدة بن الطبيب وعمرو بن الاهتم قبل أن يسلموا بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فنحروا جزوراً واشتروا ببعير وجلسوا يشوون ويأكلون، فقال بعضهم: لو أن قوماً طاروا من جودة أشعارهم لطرنا فتحاكموا إلى أول من يطلع عليهم فطلع عليهم ربيعة بن حذار الأسدي، وقد نزلوا بواد وهم جلوس ، فلما رأوه سرهم، وقالوا له: أخبرنا أينا أشعر؟ قال أخاف أن تغضبوا فامنوه من ذلك فقال: أما عمرو بن الاهتم فشعره برود يمانيه تنشر وتطوى وأما أنت يازبرقان فشعرك كلحم لم ينضج فيؤكل ولا ترك نيئاً فينقفع به، وأما أنت يا مخبل فشعرك شهب من نار الله يلقيها على من يشاء وأما أنت يا عبدة فشعرك كمزادة ا حكم فرزها فليس يقطر منها شيء.
أرأيت إلى هذا النقد الذي أطلقه ربيعة بن حذار على الشعراء الذين اسضافوه فهو نقد على الرغم من عموميته فيه ضرب من الدقة ونزوع إلى توضيح المفهوم بمعطيات البيئة، إذ لا يملك النقد من وسائل تعييرية به تصلح للتشبيه سواها .




ثانيا : خصائص النقد الجاهلي

نلاحظ على النقد الجاهلي أنه لا يعدو أن يكون مجرد انطباعات سريعة عفوية ساذجة .
كما نلاحظ عليه أنه يجنح للتعميم في الحكم دون الدخول في التفاصيل لذلك نجد أحكاماً عامة مثل: أشعر الشعراء ، أو أشعر الجن والإنس.
يلعب الهوى والإعجاب والعواطف الذاتية دوراً في هذه الأحكام.
لا يعتمد على مقاييس علمية أو جمالية.
نميل إلى أن في بعض هذه الصور والأحكام النقدية ما هو منحول كما في الأدب ما هو منحول.
يجنح النقد الجاهلي إلى المبالغة، فإما مدح مفرط وأما ذم مفرط.
في قليل منه كان النقد ينصب تارة على المعاني وتارة على الألفاظ.
في النقد الجاهلي نزعة للمقارنة بين شاعرين أو أكثر وتفضيل أحدهما على الآخرين.
لماذا لم يوجد نقد جاهلي في مستوى الشعر الجاهلي؟ جوابنا عن ذلك أن الشعر شعور وإحساس فقط أما النقد فعملية معقدة تحتاج إلى أكثر من الأحاسيس والمشاعر، تحتاج إلى العقل والدربة والمراس ومن هنا جاءت قلة النقاد بالنسبة لكثرة الشعراء أو ما يطلق عليه دائماً باسم أزمة النقد فالنقد يعتمد على مرحلتين : التذوق أولاً واصدار الحكم ثانياً.
والنقد قطعة نثرية والمحفوظة من النثر أقل بكثير من المحفوظ من ا لشعر لاستعصاء حفظ النثر على الذاكرة
ثالثا : نماذج من النقد الجاهلي

شواهد النقد في العصر الجاهلي
قالت الخنساء في أخيها صخر من قصيدة ترثيه بها:
وإنَّ صخراً لتأتمَّ المهداة به كأنّه علم في رأسه نار
غريب الألفاظ:
(صخر) اسم أخي الشاعرة الخنساء مات فرثته بعدة قصائد (لتأنم) لتقتدى بسلوكه، (الهداة) : جمع مفردها (هاد) وهو حكيم القبيلة الذي تهتدي بفكره وحكمته، و(العلم): الجبل وقد ورد في القرآن قوله تعالى يصف السفن في البحر تجري على سطحه: (وله الجواري المنشآت في البحر كالأعلام،) أي (كالجبال.)
معنى البيت:
إن الخنساء تمدح أخاها صخراً الذي يقتدى به العقلاء والحكماء والهواة ويقصدونه كما يقصد السائر في الظلام جبلا شامخاً في رأسه ناره مشعلة تجذب إليها السائرين في الظلام.
قال النابغة الذبياني يعتذر من النعمان بن المنذر، والبيتان من قصيدة طويلة:
فإنك كالليل الذي هو مدركـي وإن خلتُ أنَّ المنتأى عنك أوسع
خطاطيف حجن في حبال متينة تشـدُّ بهـا أيـد إليـك نوازع
غريب الألفاظ:
(المدرك): اللاحق. (المنتأى) المكان البعيد، وهو من فعل نأى: ابتعد (الخطاطيف) جمع مفردها (خطاف) وهو حديدة أو خشبة معقوفة و(حجن) معقوفة لتشب في الحبال.
معنى البيت الأول:
يخاطب النابغة النعمان فيقول له إنك بقدرتك وعظمتك كالليل الذي يلف كل شيء ويستوعبه، وعلى الرغم من أنني أظن أنَّ شقة البعاد بيني وبينك واسعة إلا أن قدرتك تستطيع أن تصلني وإن تنشب فيّ كما تنشب خشبات معقوفة تشدها حبال متينة بجسم معلق بها.
قال حسان بن ثابت يفتخر:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
ولدنا بني العنقاء وابني محـرق فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنها
غريب الألفاظ:
(الجفنات) جمع مفردها جفنة وهي الوعاء الذي يقدم فيه الطعام.
(الغر) جمع مفرده غراء أي بيضاء ، (الضحى الوقت الذي ترتفع فيه الشمس في الصباح، (يقطرن) يسيل منها الدم متتابعاً على شكل قطرات، (نجدة) معركة ينجد فيها قوم حلفاءهم ، و(بني العنقاء) قبيلة صغيرة تنتسب إلى الأنصار قبيلة حسان بن ثابت ومثلها (ابني محرق) وأكرم ، فعل ماض جاء على صيغة الأمر للتعجب، وكأنه أراد أن يقول ما أكرمنا خالا وابناً.
ومعنى البيت الأول:
يفتخر حسان في الشطر الأول من البيت الأول بكرم قومه فينسب إليهم الجفنات التي يقدم فيها الطعام للضيوف، فإذا القيت نظرة على بيوتهم وجدت هذه الجفان تلمع مع إشراقة الضحى، هذا في السلم ، وأما في الحرب فإنه يفتخر بشجاعة قومه في الشطر الثاني من البيت الأول بأن قومه رجال شجعان ينجدون من استنجد بهم فينتصرون على أعدائهم فيعودون من المعركة وسيوفهم تقطر بالدم.
لامرئ القيس قصيدة مطلعها:
خليلي مرّا بي على أمّ جندب لأقضي لبانات الفؤاد المعذب
يصف فرسه في هذه القصيدة بعد المطلع التقليدي في وصف الأطلال فيقول:
فللسوط الهوب، وللسان درة وللزجر منه وقع أهوج متعب
غريب الألفاظ:
(الخليل) الصاحب والصديق وتعود العرب أن يخاطبوا صديقين في مطلع القصيدة (أم جندب) اسم زوج امرئ القيس (البانات) جمع مفردها البانة أي حاجة في النفس .
وفي البيت الثاني (ألهوب) التهاب الفرس لسرعة تحركه وانطلاقة،(الساق) رجل الراكب على ظهر الفرس يحركها على جنبيه للاستحثاثه على الجري، و(الدّرة) سرعة المشي و(الزجر) أن يصيح الفارس بفرسه بصوت عال فيحرضه على تجديد السرعة و(الأهوج) المتعب، ولد النعام الذي إذا سمع صوتاً يزجره انطلق بسرعة طالباً النجاة.
معنى البيت الأول:
يخاطب امرؤ القيس صديقي رحلته ويطلب منهما أن يمرا في طريقهما على بيت أم جندب، لعله في نظرة إليها يشفي شوقه إليها، ويريح قلبه المعذب إلى لقياها وفي البيت الثاني يصف فرسه بأنه إذا ضربه بالسوط أهاجه فانطلق يلتهب في أقصى سرعته وإذا فتر عن الجري حرك ساقيه على جنبي فرسه فأخذ الفرس يسرع في عدوه، وإذا تراخى زجره بصوت عال فكأنما زجر ولد النعامة الذي ينطلق بأقصى سرعته في الصحراء لخوفه من الإنسان.
وقال علقمة الفحل قصيدة بائيه يرد بها على بائية امرئ القيس السابقة ويبدؤها بالغزل فيقول:
ذهبت من الهجران في كل مذهب ولم يلها حقاً كل هذا التجنب
وينتقل إلى وصف فرسه الذي انطلقت قبله الخيول باستطاع أن يحلق بها، قال:
فأدركهنّ ثانياً من عنانه يمرّ كمرّ الرائح المتحلب
غريب الألفاظ:
(الهجران): انقطاع الصلة بين الحبيبين ولو لمدة، (المذهب) الاتجاه (التجنب) الاعراض، (أدركهن) لحق بهن أي لحق الفرس ببقية الخيول (ثانياً) اسم فاعل من ثنى يثنى إذا ترك العنان وهو الزمام أو الرسن – على عنق الفرس، و(الرائح) السحاب السريع (المتحلب) السحاب الذي تحلّب ماؤه أي سقط مطراً على الأرض فبقي السحاب خفيفاً فلذلك جار سريعاً.
معنى البيت الأول:
يخاطب علقمة حبيبته معاتباً إياها على سبب هجرانها، فيقول لها لماذا تفننت في هجراني ومقاطعتي كل تفنن؟ وليس لكل هذا التجنب والهجران من مسوّغ ثم يترك الغزل بعد أن يتناوله في عدة أبيات ويتسرع في وصف فرسه فيقول : إن هذا الفرس قد أدرك الخيول ولحق بها على الرغم من أنها انطلقت قبله وعلى الرغم من أن زميله كان مثنياً عنقه، وكأنه في سرعة جربيه واتّزانه كالغيم الذي يمر سريعاً وهادئاً، يزيد في سرعة هذا السحاب أنه تخلف مما كان يثقله من ماء.
قال الشاعر المتلمس :
وقد أتناسى الهمّ عند احتضاره بناجٍ عليه الصيعرية مكدم
غريب الألفاظ:
(أتناسى) أحاول النسيان، (احتضاره): حضوره (ناج) الجمل (الصيعرية) علامة كانت توضع على عنق إناث الجمال (المكدم) القوي.
المعنى:
يقول الشاعر إذا حضرني الهم فانني أحاول نسيانه بأن أركب جملي القوي وانطلق طمعاً في تغيير جو الهموم الذي أعيشه.
قال النابغة الذبياني:
أمن آل مية رائح أو مفتــدى عجلان ذا زادٍ وغيرِ مزودِ
زعم البوارحُ أن رحلتنا غــدا وبذلك خبّرنا الغرابُ الأسودُ
سقط النصيف ولم ترد أسقاطه فتتناولته واتقتنـا باليـد
بمخضب رخص كأن بنانــة عنمٌ يكاد من اللطافة يعقد


غريب الألفاظ:
في البيت الأول: الهمزة للاستفهام وقعت قبل حرف الجر من (من) ، (آل مية): محبوبته (رائح) اسم فاعل من (راح) أي رجع في المساء ، و(مفتدى) اسم فاعل من (اغتدى) أي ذهب في الغداة أي في الصباح ، (عجلان) مسيرة مستعجل (الزاد) الشيء الذي يتزود به المرء من طعام وغيره.
في البيت الثاني: (البوارح) جمع بارحة وهي الطير التي كان العرب إذا عزموا على السفر رموها بحجر صغير فإذا اتجهت إلى اليمين تفاءلوا بها وإذا اتجهت إلى اليسار تشاءموا منها والغراب. طير أسود اللون.
وفي البيت الثالث: (النصيف) غطاء تضعها المرأة على وجهها فيغطي نصفه وفي البيت الرابع: (المخضب) الأصبع المحنى و(رخص) طرى بض، (بنان) أصبع (عـنم) نبات ثمره كحبات العنب إذا نضج ثمره صار لونه أحمر قبل أن يتحول إلى أسود تشبه به رؤوس الأنامل، (يعقد) يتحول لونه من الخضرة إلى الحمرة والسواد.
المعنى:
يخاطب الشاعر صديقه فيقول له أنت ذاهب أم راجع من ديار أهل الحبيبة مية أراك تارة عجلان وتارة متزود.
لقد زعمت الطيور التي استشرناها بأن رحلتنا عن الحبيبة وديارها ستكون في يوم الغد ولعمري هذا خبر شئوم لا يخبر به إلا الغراب الأسود الذي لا يوحي إلا بالأخبار الكريهة.
مضى الشاعر يصف لحظة من لحظات الوداع لحبيبته عندما اقتربت لتودعه فسقط غطاء وجهها، على الرغم من أنها لم ترد إسقاطه، لذلك انحنت على الغطاء فتناولته بيد بينما وضعت يدها الأخرى على وجهها لكي تغطي محاسنها عن عيون المتطفلين.
غطت وجهها بيدها فظهرت أصابعها المخضوبة بالحناء هذه الأصابع الطرية التي تشبه أناملها ثمر العناب باحمراره ولمعانه.
علقمة بن عبده:
هل ما عملت وما استودعت مكتوم
أي هل حبك الذي تعلمه أو الذي تخفيه مكتوم عن الناس؟ كلا إن الحب إذا وقع في قلب امرئ لابد أن تظهر علاماته.
وقال:
طحا بك قلب بالحسان طروب بعيد الشباب عصر حان مشيب
أي لقد أتعبك هذا القلب المولع بالحسان ومتابعتهن في الوقت الذي ولّى فيه الشباب وحلت محله الشيخوخة.
قال حسان بن ثابت يمدح الغساسنة:
لله در عصابة نادمتهم يوماً بحلّق في الزّمانِ الأوّلِ
غريب الألفاظ:
(لله در) عبارة يراد بها التعجب والمدح ، (عصابة) مجموعة أو قبيلة (نادمتهم) جالستهم على الشراب، (جلّق) دمشق.
قال سويد بن أبي كامل:
بسطت رابعة الحبلَ لنا فوصلنا الحبل منها ما اتسع
أي فتحت هذه الفتاة المسماة برابعة طريق الحبّ لنا، فما كان منا إلا أن ولجنا هذا الطريق وسرنا فيه إلى أبعد حد.
روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني قال:
"اجتمع الزبرقان بن بدر والمخبّل السعدي وعبده بن الطبيب وعمرو بن الاهتم قبل أن يسلموا، وبعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فنحروا جزوراً واشتروا حمرا ببعير وجلسوا يشوون ويأكلون، فقال بعضهم: لو أن قوماً طاروا من جودة أشعارهم لطرنا، فتحاكموا لأول من يطلع، فطلع عليهم ربيعة بن حذار الأسدي وقال اليزيدي: فجاءهم رجل من بني يربوع يسأل عنهم فدل عليهم وقد نزلوا بطن واد، وهم جلوس ، فلما رأوه سرّهم وقالوا له أخبرنا أينا أشعر؟ قال: أخاف أن تغضبوا، فأمنوه من ذلك فقال: أما عمرو بن الاهتم فشعره برود يمنيه تنشير وتطوى، وأما أنت يا زبرقان فشعرك كلحم لم ينضج فيؤكل ولم يترك نيئاً فينتفع به، وأما أنت يا مخبل فشعرك شهب من نار الله يلقيها على من يشاء ، وأما أنت يا عبده فشعرك كمزادة أحكم خرزها، فليس يقطر منها شيء" الأغاني.
غريب الألفاظ:
(الجزور) الناقة التي تذبح ، (برود) يمنيه: ثياب مجلوبة من بلاد اليمن.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف