الأخبار
جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني تُنشئ مخيمات لإيواء النازحين العائدين إلى غزة وشمالهاعودة حرب الإبادة والتهجير"العمل لوقف حرب أوكرانيا".. تفاصيل مكالمة هاتفية بين ترمب وبوتين(حماس) تجري مشاورات في القاهرة بشأن اتفاق غزةمصر والأردن في موقف موحّد: رفض التهجير والتأكيد على ضرورة إعادة إعمار غزة فوراًمصر تعتزم طرح تصور لإعادة إعمار غزة يضمن بقاء الشعب الفلسطيني على أرضهالعاهل الأردني: مصر والدول العربية سيقدمون خطة بشأن غزة(حماس): مخطط ترحيل شعبنا لن ينجح.. وملتزمون بالاتفاق ما التزم الاحتلال بهصحيفة (معاريف): المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية ترى أن حماس لم تنتهك الاتفاق حتى الآناستمرار الخروقات.. شهيد وإصابة حرجة برصاص الاحتلال غرب رفح"الصحة" بغزة: الاحتلال يتعمّد عرقلة سفر الحالات المرضية عبر معبر رفح"الإعلامي الحكومي" بغزة: الجهات المختصة تتابع محاولات التلاعب بالأسعار وتحذّر المخالفينلابيد يوجه رسالة لنتنياهو: لقد نفذ الوقت اذهب إلى الدوحة وأحضر المختطفينمسؤولو مستوطنة (كيسوفيم) يعلنون مقتل محتجز في غزةلليوم 22 على التوالي: الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة جنين ومخيمها مخلفاً شهداء ودمار
2025/2/13
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

يوم مات محرر القدس بقلم د. عبد الحميد جمال الفراني.

تاريخ النشر : 2013-01-09
يوم مات محرر القدس
يوم الأربعاء 27 رجب سنة 589هـ/ 3 فبراير 1193م
الذكرى ال820 لوفاة السلطان صلاح الدين
د. عبد الحميد جمال الفراني.
" كَانَ يَوْمًا لم يصب الْإِسْلَام والمسلمون بِمثلِهِ مُنْذُ فقد الْخُلَفَاء الراشدون " بهذه العبارة نعى القاضي ابن شداد خبر وفاة ذلك السلطان العظيم " صلاح الدين الأيوبي ".
نعم لقد مات يوسف بن ايوب الملقب بالملك الناصر صلاح الدين والدنيا في مثل هذا اليوم السابع والعشرين من صفر سنة 589هـ، كان عمره قريباً من سبعة وخمسين سنة، وكانت مدة ملكه لمصر نحو أربع وعشرين سنة، وملكه للشام تقريباً من تسع عشرة سنة، وترك سبعة عشر ولداً ذكراً وبنتاً واحدة، وكان أكبر أولاده الملك الأفضل نور الدين علي بن يوسف.
مولده ونشأته وجهاده:
ولد صلاح الدين في تكريت من أبوين كرديين عام 532هـ/1138م في ليلة مغادرة والده نجم الدين أيوب قلعة تكريت حينما كان والياً عليها.
قضى صلاح الدين طفولته في دمشق، حيث قضى فترة شبابه في بلاط الملك العادل الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي ملك دمشق. وكان من القادة في جيش نور الدين، أرسله نور الدين من دمشق في الحملات في الشام وإلى مصر ليستكمل عمل عمه أسد الدين شيركوه على رأس الجيش الذي أرسله من دمشق لمواجهة الصليبين في الشام، وفي مصر بسط سيطرته عليها وعمل على صد الحملة الصليبية عنها، وفي ذات الوقت ليستكمل انتزاعها من الفاطميين الذين كانت دولتهم في أفول، فنجح في عرقلة هجوم الصليبيين سنة 1169م بعد موت عمه شيركوه، وقمع تمرداً للجنود الزنوج، كما فرض نفسه كوزير للخليفة للعاضد، فكان صلاح الدين هو الحاكم الفعلي لمصر.
فتح القدس
دخلت قوات صلاح الدين القدس يوم 2 أكتوبر 1187م بعد أن استسلمت المدينة وكان صلاح الدين قد عرض شروطا كريمة للاستسلام، إلا أنها رفضت، فبعد بدء الحصار رفض أن يمنح عفوا للصليبيين من سكان القدس حتى هدد باليان بقتل كل الرهائن المسلمين الذين كان عددهم يقدر بخمسة آلاف، وتدمير قبة الصخرة والمسجد الأقصى، فاستشار صلاح الدين مجلسه ثم قبِل منح العفو، على أن تُدفع فدية لكل فرنجي في المدينة سواء كان رجلا أو امرأة أو طفلا، إلا أن صلاح الدين سمح لكثيرين بالخروج ممن لم يكن معهم ما يكفي لدفع الفدية عن جميع أفراد أسرهم، وقبل القدس كان صلاح الدين قد استعاد كل المدن تقريبا من الصليبيين.
حبه للجهاد:
قال ابن كثير " ويقال: إنه دُفن معه سيفه الذي كان يحضر به الجهاد والجلاد وذلك عن أمر القاضي الفاضل أحد الأجواد الأمجاد، وتفاءلوا بأنّه يكون معه يوم القيامة يتوكأُ عليه، حتى يدخل الجنَّة، لما أنعم عليه من كسر الأعداء ونصر الأولياء وأُعظم عليه بذلك المنة "
لقد كان حبه للجهاد والشغف به قد استولى على قلبه وسائر جوانحه استيلاءً عظيماً، بحيث ما كان له حديث إلا فيه، ولا نظر إلا في آلاته، ولا كان له اهتمام إلا برجاله ولا ميل إلا إلى من يذكره ويحث عليه، ولقد هجر في محبة الجهاد في سبيل الله أهله وأولاده ووطنه وسكنه وسائر بلاده وقنع من الدنيا بالسكون في ظل خيمة تهب بها الرياح ميمنة وميسرة.
وفاته رحمه الله:
كانت المواجهة مع ريتشارد ومعاهدة الرملة آخر أعمال صلاح الدين، إذ أنه بعد وقت قصير من رحيل ريتشارد، مات صلاح الدين من الحمى في دمشق في يوم الأربعاء 27 صفر 589ھ. الموافق 3 فبراير 1193م، وعندما فُتحت خزنته الشخصية وجدوا أنه لم يكن فيها ما يكفي من المال لجنازته، فلم يكن فيها سوى سبعة وأربعين درهما ناصرية وجرما واحدا ذهبا سوريا ولم يخلف ملكا ولا دارا، إذ كان قد أنفق معظم ماله في الصدقات، دليل قاطع على فرط كرمه، ولم يخلف داراً ولا عقاراً، قال العماد الكاتب: " حسبت ما أطلقه السلطان في مدة مقامه بمرج عكا من حيل عراب وأكاديش، فكان اثنى عشر ألف رأس وذلك غير ما أطلقه من أثمان الخيل المصابة في القتال، فلم يكن له فرس يركبه إلا وهو موهوب أو موعود به ".
وقد دُفن صلاح الدين في ضريح في المدرسة العزيزية قرب الجامع الأموي في دمشق إلى جوار الملك نور الدين زنكي، وكان فلهلم الثاني إمبراطور ألمانيا عندما زار دمشق توجه إلى مدفن صلاح الدين ووضع باقة زهور جنائزية على قبره عليها نقش معناه " ملك بلا خوف ولا ملامة، علّم خصومه طريق الفروسية الحق"، كما أهدى نعشا رخاميا للضريح إلا أنه جثمان صلاح الدين لم يُنقل إليه وبقي في النعش الخشبي، بينما بقي النعش الهدية في الضريح خاوياً إلى اليوم.
أقوال العلماء فيه:
كان صلاح الدين شافعي المذهب، وهو الذي أقام الشافعية بالديار المصرية وولي منهم القضاة بعد أن كان القضاة بمصر شيعة على مذهب الفاطميين، ولما فتح الله بيت المقدس على يديه وقف المدرسة الصلاحية وجعلها للشافعية.
قال ابن شداد في سيرة صلاح الدين النوادر السلطانية: " ولم يؤخر صلاة عن وقتها ولا صلى إلا في جماعة، وكان إذا عزم على أمر توكل على الله ولا يفضل يوماً على يوم، وكان كثير السماع للحديث النبوي، وقرأ مختصراً في الفقه تصنيف سليم الرازي، وكان حسن الخلق، صبوراً على ما يكرهه، كثير التغافل عن أصحابه يسمع من أحدهم ما يكره ولا يُعلمه بذلك ولا يتغير عليه، كان يوماً جالساً فرمى بعض المماليك بعضاً بالسر موزة فأخطأته ووصلت إلى السلطان ووقفت بالقرب منه، فالتفت إلى الجهة الأخرى ليتغافل عنها، وكان طاهر المجلس فلا يذكر أحداً بمجلسه إلا بخير، وطاهر اللسان فما ولع يشتم قط ".
قال الذهبي في تاريخ الإسلام عنه: " ملك البلاد، ودانت لَهُ العباد، وافتتح الفتوحات، وكسر الفِرَنج مرّات، وجاهد فِي سبيل اللَّه بنفسه ومالِهِ. وكان خليقا للمُلك ".
ووصفه بقوله: " كَانَ رحِمَه اللَّه كريما، جوادا، بطلا، شجاعا، كامل العقل والقُوَى، شديد الهيبة، افتتح بسيفه وبأقاربه منَ اليمن إِلَى المَوْصِل، إِلَى أوائل الغرب، إِلَى أسوان
".
وقال ابن كثير: " كان ردءا للإسلام وحرزا وكهفا من كيد الكفرة اللئام، وذلك بتوفيق الله له، وإنما لم يخلف أموالا ولا أملاكا لجوده وكرمه وإحسانه إلى أمرائه وغيرهم، حتى إلى أعدائه، وقد كان مقللا في ملبسه، ومأكله ومركبه، وكان لا يلبس إلا القطن والكتان والصوف، ولا يعرف أنه تخطى إلى مكروه، ولا سيما بعد أن أنعم الله عليه بالملك، بل كان همه الأكبر ومقصده الأعظم نصره الإسلام، وكسر أعدائه اللئام، وكان يعمل رأيه في ذلك وحده، ومع من يثق به ليلا ونهارا، وهذا مع ما لديه من الفضائل والفواضل، والفوائد الفرائد، في اللغة والأدب وأيام الناس، حتى قيل إنه كان يحفظ الحماسة بتمامها، وكان مواظبا على الصلوات في أوقاتها في الجماعة، يقال إنه لم تفته الجماعة في صلاة قبل وفاته بدهر طويل، حتى ولا في مرض موته، كان يدخل الإمام فيصلي به، فكان يتجشم القيام مع ضعفه، وكان يفهم ما يقال بين يديه من البحث والمناظرة، ويشارك في ذلك مشاركة قريبة حسنة، وإن لم يكن بالعبارة المصطلح عليها، وكان قد جمع له القطب النيسابوري عقيدة فكان يحفظها، ويُحفظها من عقل من أولاده، وكان يحب سماع القرآن والحديث والعلم، ويواظب على سماع الحديث، حتى أنه يسمع في بعض مصافه جزء وهو بين الصفين فكان يتبجح بذلك ويقول هذا موقف لم يسمع أحد في مثله حديثا، وكان رقيق القلب سريع الدمعة عند سماع الحديث، وكان كثير التعظيم لشرائع الدين، وكان من أشجع الناس وأقواهم بدنا وقلبا، مع ما كان يعتري جسمه من الأمراض والأسقام، ولا سيما في حصار عكا، فإنه كان مع كثرة جموعهم وأمدادهم لا يزيده ذلك إلا قوة وشجاعة، وقد بلغت جموعهم خمسمائة ألف مقاتل، ويقال ستمائة ألف، فقتل منهم مائة ألف مقاتل، ولما انفصل الحرب وتسلموا عكا وقتلوا من كان بها من المسلمين وساروا برمتهم إلى القدس، جعل يسايرهم منزلة منزلة، وجيوشهم أضعاف أضعاف من معه، ومع هذا نصره الله وخذلهم، وسبقهم إلى القدس فصانه وحماه منهم، ولم يزل بجيشه مقيما به يرهبهم ويرعبهم ويغلبهم ويسلبهم حتى تضرعوا إليه وخضعوا لديه، ودخلوا عليه في الصلح، وأن تضع الحرب أوزارها بينهم وبينه، فأجابهم إلى ما سألوا على الوجه الذي أراده، لا على ما يريدونه، وكان ذلك من جملة الرحمة التي رحم الله بها المؤمنين، فإنه ما انقضت تلك السنون حتى ملك البلاد أخوه العادل فعز به المسلمون وذل به الكافرون، وكان سخيا جبيا ضحوك الوجه كثير البِشر، لا يتضجر من خير فعله، شديد المصابرة على الخيرات والطاعات ".
يقول العماد الكاتب أحد مستشاري صلاح الدين: " مات بموت السلطان الرجال، وفات بفواته الأفضال، وغاضت الأيادي، وفاضت الأعادي، وانقطعت الأرزاق، وادلهمت الآفاق، وفجع الزمان بواحده وسلطانه، ورزئ الإسلام بمشيد أركانه ".
لقد صدق العماد، فهل عجزت الأرحام عن ان تلد مثلك يا صلاح، من مثلك رجل يحرر القدس، ويطهر الأقصى، من مثلك يبكى عليه التاريخ والمسرى، لا شك أن وفاة صلاح الدين جاءت خسارة كبرى للجبهة الإسلامية المتحدة، إذ أنذرت هذه الوفاة بقيام المنازعات بين أبناء البيت الأيوبي، وإعادة احتلال الصليبيين للقدس.
بالرغم من أن الدولة التي أسسها صلاح الدين لم تدم طويلا من بعده، إلا أن صلاح الدين يُعد في الوعي الإسلامي محرر القدس، واسُتلهمت شخصيته في الملاحم والأشعار وحتى مناهج التربية الوطنية في الدول العربية، كما أُلفت عشرات الكتب عن سيرته، وتناولتها المسرحيات والمسلسلات والأعمال الدرامية، لا يزال صلاح الدين يضرب به المثل على القائد المسلم المثالي الذي يعمل على مواجهة أعداءه بحسم ليحرر أراضي المسلمين، دون تفريط في الشهامة والأخلاق الرفيعة، ونسر العقاب الذي يرمز للدولة الأيوبية اتُخذ كشعار للعديد من الدول العربية في العصر الحديث، أولها مصر، إذ يظهر هذا النسر في العلم المصري، كما اتخذ شعارًا لكل من فلسطين، وسوريا، والعراق، فيا ليته كما اتُخذ نسره شعارا أن يتُخذ منهجه شعارا أيضاً، تنتهجه تلك الدول وغيرها لتحرير القدس الشريف أولى القبلتين وثاني المسجدين الذي بارك الله حوله.
ما أحوج أمتنا وهي تعيش اليوم حالة من الصحوة واليقظة أن تدرس النماذج العظيمة التي عملت في تاريخها من أجل إخراج الأمةِ من أزماتها وبث روح الجهاد فيها لتعود إلى المكانة التي اختارها الله لها من بين الأمم.
رحم الله صلاح الدين الأيوبي فقد كان كما قال بعضهم عنه: " بطل بدري تأخر موعده عن عصر النبوة حتى جاد به الزمن في عصر الحروب الصليبية، ليؤدي دور أبطال بدر حين ثبتوا للعدوان الغاشم، إذ جاءهم من بلاد الشرك ليستأصل وجودهم، فحباهم الله بنصر من عنده ورد الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً ".
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف