الأخبار
الولايات المتحدة تفرض عقوبات على مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية(أكسيوس) يكشف تفاصيل محادثات قطرية أميركية إسرائيلية في البيت الأبيض بشأن غزةجامعة النجاح تبدأ استقبال طلبات الالتحاق لطلبة الثانوية العامة ابتداءً من الخميسالحوثيون: استهدفنا سفينة متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي وغرقت بشكل كاملمقررة أممية تطالب ثلاث دول أوروبية بتفسير توفيرها مجالاً جوياً آمناً لنتنياهوالنونو: نبدي مرونة عالية في مفاوضات الدوحة والحديث الآن يدور حول قضيتين أساسيتينالقسام: حاولنا أسر جندي إسرائيلي شرق خانيونسنتنياهو يتحدث عن اتفاق غزة المرتقب وآلية توزيع المساعدات"المالية": ننتظر تحويل عائدات الضرائب خلال هذا الموعد لصرف دفعة من الراتبغزة: 105 شهداء و530 جريحاً وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعةجيش الاحتلال: نفذنا عمليات برية بعدة مناطق في جنوب لبنانصناعة الأبطال: أزمة وعي ومأزق مجتمعالحرب المفتوحة أحدث إستراتيجياً إسرائيلية(حماس): المقاومة هي من ستفرض الشروطلبيد: نتنياهو يعرقل التوصل لاتفاق بغزة ولا فائدة من استمرار الحرب
2025/7/10
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

نزار قباني شـاعـرا... قــراءة وأضــــواء بقـلم:الشاعر والكاتب/كـارم قـديح

تاريخ النشر : 2012-11-12
نزار قباني شـاعـرا... قــراءة وأضــــواء بقـلم:الشاعر والكاتب/كـارم قـديح
نزار قباني شـاعـرا...
قــراءة وأضــــواء
بقـلم:الشاعر والكاتب/كـارم قـديح

نزار شاعر المرأة بلا منازع:
ما من شاعر تناول المرأة من جميع زواياها وبدقة متناهية كما فعل نزار.
إن القارئ لشعر نزار والمتأمل في عاطفته النسوية التي تناولت بأبعادها أدق ما وصف المرأة حسيا.
فأصبح حليفا يتغنى بجمالها الأخاذ ويشبب بمفاتنها ويصفها في قالب شعري قلما نجد شاعرا من شعراء الحداثة يتناول صورة حسية صريحة جريئة كما فعل نزار؛ولذا يرى بعض النساء أن نزارا حليف المرأة يتغنى بأنوثتها المتدفقة ويشبب بمفاتنها ويعزف سيمفونية ألحانه على يديها.
وبعضهن يعتقدن أنه خلع عن المرأة ثوب العفة والحياء مصورا واصفا بأبعاده الشعرية فتنة الجسد الأنثوي،،
فما من شاعر تناول حواء بهذا الوصف كما فعل نزار،،فنراه في قصائده يتغنى بالمرأة ويمسك بيدها إلى عالم التحرر والانطلاق؛ ولذا لقب بشاعر المرأة.
**********
شعـر نـزار:

يذكرنا شعر نزار دائما ببكاء المحب على الأطلال، فنراه يذرف دمعا ومرة يصف المحبوب، ومرة يشبب به، ومرة نراه راثيا،وكأننا أمام نصوص من العصر الجاهلي ،أمام فحولة هذا الشاعر الذي شغل الناس بشعره وأدبه.
حتى بات كبار الفنانين يتغنون بشعره الحالم الذي اجتاح قلوبهم ،حيت عزفت قيثاراتهم أجمل ألحان،،جميل أن يكون المرء في داخله طفلا يحتاج إلى حنان،ونزار أقرب صورة رجل في أحاسيس طفل..
فلم تكن قصائد نزار طفرة مراهقة كما وصفها الواصفون، ولو كانت كما وصفت ما وصلت بمراهقتها إلى البالغين والحالمين.!
نزار قباني متعدد الصور والأغراض في شعره، فيحس المرء أنه أمام مدرسة كبيرة لها خريجوها وروادها.

الشعر عند نزار رغيف يخبز للجمهور:

الشعر أسمى الكتابات الخالدة،،كم من شاعر رحل، لكن بقي شعره صادحا حيا في خلود الذاكرة،،فنزار دخل شعره في قلب كل قارئ ومحب.
ضرورة أن يكون الإنسان شاعرا يرسم بريشته صورا فنية،،فالشعر كما يراه نزار بقوله:
"نحن نحبل بالشعر كما تحبل مصر بقطنها والشام بقممها والعراق بتمورها".
**********
نزار قباني ورسالته الشعرية:

ومن إيمانيات نزار يرى أن الرسالة الشعرية السامية هي كالرسالة النبوية السامية التي جاءت رحمة للعالمين، وفي نظره الرسالة الشعرية هي رسالة جاءت للمحبين والعاشقين على جميع أطيافهم،فشبه الرسالة الشعرية بالرسالة النبوية الأخلاقية،وهذا تشبيه يتنافى تشريعا مع شريعتنا الدينية،ولكن نزار سن له تشريعا جديدا في عالمه الخاص حتى أصبح قانونا يسير عليه من يسير من العشاق والمحبين.
فمن نثره الجميل نجده يقول:
- الشعر يمد يده إلى الأشياء فيحييها كما فعل موسى تماما،والفارق الوحيد أن أداة موسى هي العصا وأداة الشعر هي الكلمة".
- فالشعر ليس مجرد كتابة ، فالشعر هندسة تحتاج إلى فنان كيف يتعامل مع الصور، وهندسة الحروف تحتاج إلى مهندس يلعب بالكلمة ويطوع المفردة،الشعر هندسة حروف وأصوات نعمر بها في نفوس الآخرين عالما يشابه عالمنا الداخلي".
وعن الشعراء نجده يقول:
والشعراء مهندسون لكل واحد منهم طريقته في بناء الحروف وتعميرها،فالحجر متوفر للجميع ولكن القلة من الموهوبين هي التي تعرف أين تضعه وكيف تضعه.
فالشعر أداة نقل راقية بين الهامس والمهموس له،أداة تصلنا بالآخرين وتوحدنا معهم".
**********

المرأة في شعر نزار:
يرى الكثيرون أن نزارا شاعر المرأة أرسل إليها سفيرا ليحررها من رق المجتمع الشرقي قاصر النظر،،ولذا جاءت أشعاره متحدية متحررة بلمسة حسية صريحة يتذوقها من قرأ شعره،،فنزار ليس شاعر المرأة فحسب،بل شاعر المواقف السياسية والثورية والوطنية،،وخاطئ من ظن أن نزارا خلق للمرأة،، فهي عامل مهم في حياته،،فانقلاب نزار على المجتمع الشرقي الذي يحرم صوت البلابل من التغريد..
لا شك أن نزارا هو سنونو الشعر العربي على مدار خمسين عاما بين الحب والسياسة،،إن انتحار أخته "وصال" ترك حادثا مأسويا عند نزار وبدوره قام بتحرير المرأة صابا غضبه على المجتمع الشرقي الذي يمنع الحب من السفر بين قلبين.
جاء نزار بصرخة حداثوية شعرية تحرر المرأة من أسنان الرجل،،فمن (وصال) أخته إلى ابنه (توفيق) (وبلقيس الراوي) زوجته..
كل هذا ترك حدثا مأسويا كبيرا في نفس الشاعر،،ترجمه لنا شعريا بروح الفنان المتذوق الماهر،،إن النكبات المتتالية على نزار جعلت منه شاعرا كبيرا،،فمن المأساة الجاثمة على صدره،،نجده يقول:
"أريد أن أتحرر من الضغوطات التي يمارسها التاريخ على أصابعي".
فهل المرأة ضرورية لهذه الدرجة عند نزار،،المرأة ضرورية جدا وهي مخلوق لا بد منه،،قال الأديب أنيس منصور في أحد أقواله:
"درسنا المرأة مئات السنين،ولم نتعلم حتى الآن ما الذي تريده".
**********
ما الذي جعل نزارا يتخذ في المرأة موقفا حسيا..؟
إن تحرر المرأة من أسنان الرجل الشرقي هي مدعاة جاء بها نزار،،فيرى أن المرأة مخلوق لا بد له من التحرر.
كيف..لا، وهي تعيش في مجتمع شرقي متحفظ،،ترك نزار بصمة شعرية حسية على جسد المرأة الشرقية تناول مفاتنها من جيد وشفة ونهد.
فقد كشف بشعره الغطاء الأنثوي الذي ستر المرأة،،فنراه في المواقف الايروتيكية ثائرا هائما محبا عاشقا.
فوصل شعره ذروة الإحساس بالأنوثة،،لقد كان التعطش الحسي عند نزار هو ضرورة شعرية في محراب المرأة.
فنراه في المواقف الأخرى سياسيا بارعا يصور الأحداث بمعرفة العارف الذواق،،تعددت الأغراض الشعرية عند نزار، فمن محب ثائر إلى سياسي ثوري،،والقارئ لشعر نزار يدرك هذا في مظانه، كما يدرك الحقائق والأبعاد التي جعلت منه شاعرا خاصة "شاعر المرأة" كما اعترف هو بنفسه ضاربا كل التقاليد الشرقية عرض الحائط،،وإن كانت البورنوغرافيا طاغية إلى حد التمادي، فهذا لا يقلل من عظمته كشاعر أولا ثم كمحب ثانيا،،فهل الحب حيوان مفترس كما تصوره نزار في قوله:
"نحن نجعل الحب على صورة حيوان مفترس ولهذا نروح نخيف أبناءنا منه".
**********
نزار منقبا عن الحب:!
إن المنقب عن شيء ما، يستطيع الحصول عليه أثناء التنقيب،،فنزار اتخذ مسلكا آخر للتنقيب،، من رجل يبحث عن الحب ويتعلم أسراره تحت الماء،،فالآلة التي نقب بها نزار عن الحب والأنوثة هي آلته الشعرية التي مكنته من البحث والتنقيب عن الحب وفي سباسب النساء التي تاها فيها بعقله.
فنجده منقبا باحثا يقول:
منذ خمسين عاما
بدأت أعمال النقيب عن الحب
في داخل الأنثى العربية
فقد كنت أعتبر الأنوثة
أهم من الذهب
والماس والبلاتين
ومن كل المعادن الثمينة
كنت أعتبرها ثروة قومية
وشعرية وتشكيلة
وشجرة ثقافية نأكل من خيرها
ونتبارك بزيتها المقدس
..........
وفي نفس القصيدة نراه يقول:
منذ الأربعينات
وأنا أواصل التنقيب عن الحب
وفي أقاليمك التي لا تاريخ لها قبلي
ولن يكون لها تاريخ بعدي
**********
وفي قوله:
عندما بدأت أعمال التنقيب عن الحب
ونجحت تجاربي الأولى
خاف أهل البلد على نسائهم
وخاف المثقفون والكتاب على وظائفهم
ونجده يقول:
كانت المرأة تخاف من أن تنظر
إلى جسدها في المرآة
حتى لا تشتهيه.
ومن نثره:
"أنا لا أريد أن أستعرض مواهبي الدونجوانية، ولا أن أجعل منه دليلا كدليل التليفون ترون فيه أسماء حبيباتي مرتبة حسب الحروف الأبجدية،،إنما أريد منكم أن تجعلوا الياسمين دائما يفوح من حضارتنا العربية".
**********
وفي قصيدة أخرى نجده يقول:
عندما قررت أن أكتب عن
تجربتي في الحب
فكرت كثيرا
ما الذي تجدي اعترافاتي
وقبلي كتب الناس عن الحب
كثيرا
صوروه فوق حيطان
المغارات
وفي أوعية الفخار والطين.
**********
نزار محبا وهائما:
وفي قوله:ذوبت في غرامك الأقلام
من أزرق وأحمر وأخضر
حتى انتهى الكلام
علقت حبي لك في أساور الحمام
ولم أكن أعرف يا حبيبتي
أن الهوى يطير كالحمام
**********
ونراه يصور نفسه عاشقا يُخضع الأشياء والأماكن لنفسه:
حين أكون عاشقا
أجعل شاه الفرس من رعيتي..
وأخضع الصين لصولجاني
وأنقل البحار من مكانها
ولو أردت أوقف الثواني..
حين أكون عاشقا
أصبح ضوءا سائلا
لا تستطيع العين أن تراني..
وتصبح الأشعار في دفاتري
حقول ميموزا وأقحوان
**********
اعترافات نزارية:
كل ما قيل عن نزار قد قيل ، وكل من كتب عن نزار قد كتب،،فليس هذا جديدا فقد اعترف هو نفسه قبل أن يعترف الآخرون بـ ايروتيكيته الفاضحة وتشبيبه الماجن بالمرأة التي أماط عنها لثام الحياء على حد من وصفوه،،
فقد حاربهم نزار بأدبه وشعره ورده المفوه.
فنراه يعترف عما قيل عنه، وإن كان نزار يعرف الأقلام التي كتبت عنه،،فكل هذا لا يقف حائلا أمام شاعر ملك المفردة وطوع اللغة،،واعترافا منه نجده يقول:
جميع ما قالوه عني صحيح
جميع ما قالوه عن سمعتي
في العشق والنساء قول صحيح
لكنهم لم يعرفوا أنني
أنزف في حبك مثل المسيح
**********
ونراه يرسم صورة فنية جميلة تبدو خلالها المرأة في قفصه الشعري
وفي مملكة العشق التي بناها نزار لها.
فنجده يقول:
أنا النساء جعلتهن خواتما بأصابعي
وكواكبا بمداري.
نــزار قـباني ناثرا:
لا يقل شعر نزار عن نثره من حيث الأهمية والجودة البنائية، فقد غلب عليه الطابع النثري أكثر من الشعري، فإن الناظر في نثره يدرك الطابع النثري الجميل الذي لا يقل أهمية عن شعره ، فهو متهم بين الشعرية حينا وبين النثرية حينا.
ومن نثره الجميل :
* من يقرأ قصائدي يوما سيقطر من أصابعهم وفوق ثيابهم توت الشام.
* المعاناة تجعل الكتابة ممكنة كالميلاد في فترة الحمل.
*أنا لا أعلن الحرب على جنس العرب وإنما أعلنها على عرب الجنس.
*إنني أتوكأ على عصا أحزاني وعنترياتي النسائية بعدما اشتعل الرأس شيبا.
*الشعر همزة وصل لا همزة قطع.
ولقد أثار ديوانه الأول "قالت لي السمراء" اهتمام النقد بذلك عام 1964.
**********
موقف نزار من النقد..؟
رغم الانتقادات التي تعرض لها نزار خلال مسيرته ورسالته الشعرية لم تلقَ صدى عنده؛لأنه يرى أن الشعر رغيف يخبز للجمهور،فوصل صوته الشعري واضحا يتغنى به الشعراء والأدباء،،فما من شاعر وصل صوته الشعري إلى قلوب المحبين كما كان نزار،،فرسائله ما زالت مبراقا بين العاشقين والعاشقات وبين العذارى والثيبات.
رغم النقد الذي اجتاح شعره،،إلا أنه استطاع أن يفرض نفسه في الساحة الشعرية والأدبية،،فنجده يقول عن النقد:

"لو اعتمد شعراؤنا على نقادنا لتحولوا إلى بائعي فلافل"!.
أو كما قال:
"قل أن عرف الأدب العربي ناقدا تطهرت ريشته من سواد الحقد،وتبرأ قلمه من حليب الكراهية العكر".
"إن الموضوعية المطلقة في الأدب شيء مستحيل،ولا يمكنني أن أتصور الناقد أنبوبا في مختبر أو عدسة في مجهر لا تنفعل بما ينطبع عليها من خطوط وظلال،لا بد لنا أن نحب أو نكره أن نقبل هذه اللوحة أو نرفضها أو نلعنها".
**********
البورنوغرافيا والايروتيكا في شعر نزار
استدل نزار بقول الفيلسوف هربرت ماركوز في مقدمة ديوانه(قصائد)
"الجنس ثورة،والدافع الجنسي هو أهم دافع ثورة في الإنسان،والإنسان الذي لا يشتهي ،إنسان غير قادر على الثورة".
إن من طبيعة النفس البشرية تميل مع الهوى حيث مال،،وقلما نجد شاعرا لا يتناول أسلوبا أو كتابة يجعل فيها المرأة بين فكي كماشة،،ونزار واحد من الذين تناولوا المرأة من قمة رأسها إلى أخمصها،،فلا بد أن تكون حاضرة دائما في شعره وأدبه،،يقدسها كما قدس إقليدس كتاباته،يحبها ويكرهها،،إن البورنوغرافيا في شعر نزار لها ما يبررها دائما في مجال استعمالاته الشعرية الأخرى.
**********
النهد في شعر نزار منظور حسي..!
الصدر عامل المرأة الأول في لهب خيال الرجل الذي يجعله ماثلا خاضعا أمام هذا الملكوت المتغطرس ،،وأن أول ما يلفت نظر الرجل إلى المرأة نهدها الذي يلهب خياله حتى يضحي العقل في غياهب التفكير يخضعه لكيميائه،،فنجده يصور ذلك حسا:
مغرورة النهدين..
خلي كبرياءك وانعمي بأصابعي،بزوابعي ،برعونتي،بتهجمي
ونراه يقول:
فكي أسيري صدرك الطفلين..لا..تظلمي
نهداك ما خلقا للثم الثوب..لكن للفم
**********
الشفة في شعر نزار..
تناول نزار قباني الشفة بايروتيكية شعرية،واعتقد أن المرأة التي لم تثلم قد فاتها زمن الصبا،فنراه يقول: وبأسلوب تصوري حسي دقيق.
**********
مجنونة من تحجب النهدين أو هي تحتمي
مجنــونة مــن مــر عــهد شبابها لـم تلــثم.

أمية الشفتين لا تتبرمي
إني أتيتك هاديا ومبشرا
وفي قصيدة أخرى نجده يقول.
شفتاك تشتعلان مثل فضيحة
والنهدان بحالة استنفار
وعلاقتي تظل بهما حميمة
كعلاقة الثوار بالثوار.
فمن الشفة والنهد كل هذا في محراب نزار النسوي الذي تعبد فيه خمسين عاما.!
،،،،،،،،،،،
وفي القبلات ما أجمل ما قال الأخطل الصغير بشارة الخوري
واحترقنا في جحيم من القبلات.!
**********
العين في شعر نزار
ما سر تناول العين في شعر نزار،والقارئ لشعره يلحظ هذا كثيرا
فهل العين هي منفذ أولي على شباك القلب..؟
كما قال جرير:
*إن العـيون التـي فـي طـرفها حـور
قــتلــننا ثــــم لــم يـحـيينا قــتـلانــا
*يصرعن ذا الحب حتى لا حراك به
وهـــن أضعـف خلــق الــله إنسـانـا.


*********
إن للعيون لغة خاصة من خلالها يستطيع المرء أن يقرأ تعابير الوجه
ليعرف ما يكمن فيه من خلال النظرات التي ترشقها العين في سهم من سهامها،فنظرة العين قد تفتك بالمرء فرب نظرة أورثت حسرة
وما أجمل ما قال شاعر:

ربما نظرة فتكت في قلب صاحبــها
فتك السهــام بــلا قــوس ولا وتـــر
والمــــرء طـالمــا ذا عـــين يقلبـهـا
في أعين الغيد موقف على الخـــطر.
**********
فمن هنا كانت العين في شعر نزار ضرورة في قصائده فهي الموصلة له إلى الأشياء،فالمرء يدرك الكراهية والحب من خلال نظرة المرأة إليه
أما أن للعين عند نزار لغة خاصة
فنراه يقول:
عيناك وحدهما هما شرعيتي
من ذا يقاضيني وأنت قضيتي.
والعين لغة خطاب عند العارفين
وما أجمل ما قال شوقي قديما
وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عيني في لغة الهوى عيناكِ.
**********
نزار شاعر الوطنية والدبلوماسية:
ومن الصورة الحسية النزارية الصريحة ننتقل بريشتنا قليلا إلى شعره السياسي،،إن البورنوغرافيا والأيروتيكا في شعر نزار لها ما يبررها في أشعاره وقصائده الوطنية والسياسية.
على مدار خمسين عاما لعب نزار بكرتين، الحب والسياسية، حتى أصبحت عنده مرمى الهدف الشعري.
وفي شعره السياسي الثائر نراه لم ينس الوطن الذي ما زال خالدا في ذهنه فإن الوطن له حق عند نزار كما للحب حق أيضا
فنجده ناثرا يقول:
"الوطن مرسوم في كل فاصلة،في كل رشة حبر يتركها أديب على الورق".
ومخطأ من ظن أن نزارا عاش للحب والهيام ،،بل هناك مساحة كبيرة تركها الشاعر على خارطة الوطن ووضح معالمها وتضاريسها بشتى صوره الشعرية،،والناظر في شعره السياسي يدرك حقيقة نزار كشاعر سياسي.
كيف..لا، وعبق رائحة الوطن ما زال في أنفه.
"رائحة الوطن هي رائحة مدادنا وشواطئه وجباله وأقماره ونجومه وعيون نسائه هي بعض أبجدياتنا".
لم يلعب نزار قباني على مدار رسالته الشعرية بكرة واحدة ، بل لعب بكرات متعددة،،من المرأة والحب إلى السياسة والدبلوماسية
فلسطين فذكر غزة وأطفالها
وذكر يافا وأطيافها..
ذكر العراق وشموخ نخيلها ولبنان وأريافها.
فنراه يقول مصورا رسم صورة جميلة تدل على وجود الوطن في ذاكرة الشاعر:
لو يكتب في يافا الليمون لأرسل آلاف القبلات
لو أن بحيرة طبريا تعطينا بعض رسائلها
لاحترق القارئ والصفحات
لو أن وما تجدي لو أن ونحن نسافر في المأساة
ونمد للأرض المحتلة حبلا شعري الكلمات
ونمد ليافا منديلا طرز بالدمع والدعوات.
**********
ورغم كل الدعوات التي تنادت بجنسية نزار الشعرية
إلا أن نزارا ما زال حاضرا في ذاكرة الوطن وما زال الوطن حاضرا في ذاكرته.
كيف..لا، ونحن نلمس هذا في شعره من كثب.
ترك نزار السياسة وتفرغ للأدب ووجد ذلك ضرورة شعرية لا بد منها
وإن اشتغال المرء بالسياسة هو تماما كاشتغاله بالدعارة..!!
فنراه يقول:
"إن عفافنا عهر وتقوانا قذارة وألا فرق بين السياسة والدعارة".
وقد أثارت قصيدته التي كتبها عام 1980
جدلا كبيرا ،ولقيت دعوة لم تتقبل من قبل السلطات آنذاك
إن الإيمان بالحياة الشعرية عند نزار هو كإيمانه بالموت والبعث،
اتخذ نزار شعره حياة يسير عليها حتى أصبح شعره ناموسا نزاريا ذا طابع ونكهة خاصة مميزة تعرف من الإلقاء والفن إنها عزف نزاري
**********
نزار سفير العشق والعاشقين..
سافر شعر نزار في قلوب كل العاشقين والعاشقات ،وأصبح شعره همزة وصل بين السالكين سبيل الحب والهوى ، ورسائل يكتبها المحب للمحبوب..هذا عن طابعه في الحب والغزل،
كلما وقف نزار موقفا يريد أن يترجم فيه مشاعره العاطفية بقصيدة تبرد قلوب السامعين والعاشقين.
فنراه يقول:
"كلما وقفت على منبر وخطر على بالي أن أرطب الجو بقصيدة حب قلت ما بيني وبين نفسي عيب عليك يا ولد،،إن الأرض تهتز من حولك والعالم العربي تأكله الحرائق وأنت قاعد تثرثر أنت وحبيبتك وتتغزل بحرير يديها وخوخ شفتيها بينما النار وصلت إلى ثيابك".
يرى نزار أن العالم العربي ينبغي أن نطعمه حبا كما نطعمه خبزا،،وليس موقفا واحدا،،فلا بد من وجود الحب في كل مكان مهما كانت الحرائق المشتعلة هنا وهناك،،كذلك يشتعل الشاعر بحرائق الحب.
نزار هو رائد المواقف الشعرية،،فنراه يسافر بأبعاده الشعرية،،فالحب أهم شيء أن يكون موجودا عند نزار،،فنحن كالأطفال نحتاج إلى رضاعة الحب.!!
**********
نزار ورحيل بلقيس..
رحيل بلقيس حدث مأساوي نفسي،،موت زوجته بلقيس ترك أثرا مأساويا نفسيا في قلب الشاعر،،أحس نزار أن فراق بلقيس ترك مساحة شاغرة في حياته،،بعد أن ودعت الدنيا،،فهذا الفراق الذي تركته بلقيس في قلب نزار أطفأت أمامه ضوء القمر،وهذا مدعاة إلى النبوغ الشعري؛ لأن الألم هو الذي يصنع الإبداع أما الفرح فسطحي وعاقر أو كما قال :
"إن أروع الآثار العالمية من شعر ورواية وموسيقى نضجت وتخمرت في رحم الحزن ؛ولذلك أعتبر الحزن معلمي وصانعي،،وأن الحزن يصنع الإبداع أما الفرع فسطحي وعاقر".
وقديما قال شوقي:
"وأنبغ ما في الحياة الألم".
إنه ودع الدنيا هائما بعدها وأي هيام من شاعر الهيام؟!!.
فنراه يرثيها بأجمل ما رثا محب محبوبه
حيث توالت عليه النكبات فمرة (بلقيس) ومرة (توفيق).
فنراه يصفه بأدق ما وصف الواصفون،،في قصيدة أبكت قلب نزار قبل عينيه،،أحس أن الدنيا بعد زوجته بلقيس قد ضاقت عليه، وبعد موت ابنه توفيق أخذ نزار ينسج من الشعر أثوابا يلبسها العشاق.
فأي شاعر هذا الشاعر الذي ملك مشاعرنا وقلوبنا، سافر في أفكارنا
سكن في خلدنا وأحلامنا، أفلا يستحق شاعر كهذا..؟!
فما أصعب أن يخاطب المحب حبيبته ببعد قد ترك فيه مأساة بأبعادها
فنجدة يقول ويخاطب المحبوبة الغائبة الحاضرة بلقيس.
بلقيس لا تتغيبي عني
فإن الشمس بعدك
لا تضيء على السواحل..
**********
بلقيس..
أيتها الشهيدة.. والقصيدة..
والمطهرة النقية..
سبأ تفتش عن مليكتها
فردي للجماهير التحية..
**********
ثم يعترف أن قتل بلقيس إثر انفجار السفارة العراقية ببيروت جاء حدثا متعمدا، الهدف منه قتل نزار وكلماته،
فنجده يقول:
إني لأعرف جيدا
"أن الذين تورطوا في القتل،كان مرداهم أن يقتلوا كلماتي".
تناول نزار قباني في قصيدته بلقيس أجمل ما تناول محب صورة حبيبته
فنراه يقول:
بلقيس كانت أجمل الملكات في تاريخ بابلْ.
كانت أطول النخلات في أرض العراقْ
كانت إذا تمشي..
ترافقها طواويس وتتبعها أيائلْ..
بلقيس..يا وجعي
يا وجع القصيدة حين تلمسها الأناملْ..
هل يا ترى..
من بعد شعرك سوف ترتفع السنابل..!
**********
فنراه في قصيدة (بلقيس) يتهم العرب بقتلها ويشن عليهم حربا ضروسا
لقد ترك موت بلقيس المكان شاغرا في نفس الشاعر فرثاها بقصيدة مأثرة.
ومنها:
شكرا لكم..شكرا لكم
فحبيبتي قتلت وصار بوسعكم أن تشربوا كأسا على قبر الشهيدة..
فما أصعب أن يسألها السماح بعدما كانت بحضن شاعرها.
فنجده يقول:
وما أجمل المناداة من شاعر خلق وعاش للمفردة
فنجده يقول:
بلقيس..
يا عطرا بذاكرتي..
ويا قبرا يسافر في الغمام..
قتلوك في بيروت مثل أي غزالة
من بعدما قتلوا الكلام..
بلقيس..
ليست هذه مرثية
ولكن على العرب السلام..
**********
وفي صباح بلقيس يفتش نزار عن الأقداح ولم يشم كما كان نكهة بلقيس.
فيناديها قائلا وهي الحبيبة:
بلقيس..
هذا موعد الشاي العراقي المعطر
والمعتق كالسلافة...
فمن الذي سيوزع الأقداح..أيتها الزرافة..
ومن الذي نقل الفرات لبيتنا
وورود دجلة والرصافة..
**********
ثم يطلب من الحبية بلقيس والرفيقة والمعلمة الأصيلة السماح،،فجاءت التراكيب قطعة موسيقية وعزفا موزارتيا جميلا رائعا..إنه الرخام الجميل..
فنجده يقول طالبا السماح..
**********
أخذوك أيتها الحبية من يدي..
أخذوا القصيدة من فمي..
أخذوا الكتابة والقراءة..والطفولة والأماني..
بلقيس..يا بلقيس..
يا دمعا ينقط فوق أهداب الكمان ِ..
علمت من قتلوك أسرار الهوى
لكنهم..قبل الشوط قد قتلوا حصاني..
بلقيس أسالك السماح،فربما
كانت حياتك فدية لحياتي..
**********
ثم يودع بلقيس وينطفئ هذا القمر
نامي بحفظ الله أيتها الجميلة
فالشعر بعدك مستحيل والأنوثة مستحيلة.
**********
كيف وصل صوت نزار إلى كل صوت..؟
إن صدق الكلمة التي يقولها نزار هي التي أوصلته إلى النجومية الشعرية فضلا عن بساطة الأسلوب الذي يفهمه الكبير والصغير وفن صياغة الألفاظ في تراكيبها الشعرية وصورها،،فعندما نسافر في شعر نزار تأسرنا الكلمات يأخذنا الزخم الشعري بحنينها ملامسا شغاف قلوبنا،، فهذا هو السر الذي ملك قلوبنا بسحر ألفاظه وحنو كلماته،،حتى وصلت إلى قلب كل عاشق وعاشقة إلى كل قلب هائم في الحب وهائمة..
**********

تناول نزار المرأة كأنه أرسل إليها سفيرا شعريا يأخذها في شعره إلى أبعاد ومسافات،
وفي مخاطبته في إحدى قصائده قوله:
لن تهربي مني فإنني رجل مقدر إليك
لن تهربي مني فإنني رجل مقدر عليك
لن تهربي مني فإن الله قد أرسلني إليك
**********
إن القارئ لهذه الصورة الشعرية يقول تزندق نزار،الحقيقة نحن في تناولنا لا نقف موقفا تشريعيا يجلد نزارا أمام الناس ليحاسب عليه كلماته التي تغنى بها على مرور خمسين عاما بين الحب والغزل والتمرد والسياسية،،فهناك بعد نظرة تشريعية،،ونزار له هدف آخر،، لعل المتذوقين لشعره يعرفون أبعاد كلامه،،وإن كانت الشريعة تقف موقفا عدائيا منه؛ فإن الشرائع كلها من شريعته وأن السلطات كلها تحت رهن إشارته
ففي قوله:
لا سلطة في الحب تعلو سلطتي
فأنا الشرائع كلها وأنت من أنهاري
من ذا الذي يحاسبني عليك وأنت لي هبة السماء..
**********
نزار والحب توأمان شقيقان.!
الحب عند نزار ضرورة لا بد منها ؛لأنه بدونه لا يمكن أن ترق عواطفه ولا يمكن أن يصل بالشعر عالم النجومية والمحبين بدونه،،فإن الحب المتدفق الجميل في شعر نزار هو الذي أوصل نزارا إلى قلوب العاشقات أولا ثم العاشقين ثانيا،، فتناول الناس شعره بالحب والغزل وأصبح رسائل تقال وتكتب بين كل حبيب ومحبوب،،لقد ترك نزار إرثا أدبيا في الحب بعد وفاته تورثه العشاق والمحبون بعده، حتى أصبح كتابهم الوحيد الذي يجيدون فيه رغباتهم ورسائلهم،،فلم يلغ ِ موت نزار وجود نزار بشعره ومعانيه، بنرجسيته وألفاظه، باروتكيتيه وغزلياته، برسائله الخالدة وأصواته.،،ترك نزار بصمة شعرية واضحة في جميع أغراضه الشعرية من طفل محب وشاعر إلى سياسي متمرد وثائر،،سكن الحب مع نزار في كل كتاباته على مدار خمسين عاما وعشش في ذاكرته الشعرية،،فقلما نجد قصيدة لنزار تخلو من الحب بل للحب نصيب في دفاتره وأوراقه بين أروقته وردهاته في قميص نومه وأكمامه
لقد سكن الحب مع نزار طيلة مسيرته الشعرية حتى سكن معه في ذاكرة الدبلوماسية.
فنجد نكهة الاستعمار في عشقه بقوله:
أنا في الهوى متحكم متحفظ في كل عشق نكهة استعماري.
قد سكن نزار قباني بشعره قلوب العاشقين حتى أصبح مدرسة كبيرة لها روادها من المحبين والمحبات،فما من قصيدة تركها في شعره إلا وصف المرأة فيها
ففي قصيدته "قارئة الفنجان" تبدو الصورة واضحة وإن كان يقصد فيها ما قصد لكن طالما أن ذكر المحبوب سوى كان جمادا أم امرأة أم عاشقة
فنراه يقول في مطلع قصيدته قارئة الفنجان
قد مات شهيدا يا ولدي
من مات فداء للمحبوب
فهل الموت من أجل المحبوب كما يعتقد نزار هو شهادة عنده
وكما قيل ومن الحب ما قتل.
**********
نزار ضاربا التقاليد عرض الحائط..
يا ترى هل المرأة مخلوق ضعيف في نظره ليس أمامها سوى الاستلام والخضوع أمام نزار؟!
إن السبب الذي جعل نزارا ينقلب على المرأة يأخذها بعيدا في أشعاره يسكنها في كوكبه الخاص،،إن انتحار أخته (وصال) بسبب رفض أهله الزواج من فارس أحلامها، كل هذا أثر في ذاكرة نزار حتى أصبحت المرأة محل أنظاره يجلسها في شعره،إن هذه النزعة الحسية القبانية ما جاءت إلا تحريرا للحب وجعله كائنا حيا يسافر في قلب كل عاشق وعاشقة..فنزار صور لنا الحب تصويرا دقيقا
لماذا المجتمع الشرقي يشن حربا على الحب
وفي قوله "نحن لا نشن حربا على الحب ولكننا نشن الحب على الحرب".
إن موت أخته (وصال) كان بمثابة سفر جديد في ذاكرة الشاعر عبر مطار الهوى،،فمن الشعرية النزارية يرى نزار لا بد للحب أن يسلك سبيله وأن يتربع الحب في قلب من كواه.
فلم يكن نزار بشعريته الرائعة ورقعته الموسيقية الجميلة سوى أن يعزف لحنا جميلا على أوتار الهوى يتغنى به العشاق بوجوده وبعد رحيله..
فقد ترك الحب يدخل كل بيت، يسكن في كل قلب.
وهكذا عاش نزار فينا شاعرا وأديبا ورحل عنا شاعرا وأديبا،، فما زال في
ذاكرتنا له بقاء وفي جوارحنا له سكن وفي الشغاف،،فسلام الله عليك يا نزار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتبه/الشاعر والكاتب كارم قديح.
[email protected]
/أو/ facebook/بحث/الشاعر كارم قديح)
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف