بسم الله الرحمن الرحيم
عاقبة الجشع ترجمة : حماد صبح
عاش في قديم الزمان صياد سمك مع زوجته في زريبة خنازير قرب البحر . كان يخرج كل يوم للصيد ، فصاد وصاد . وفي يوم كان جالسا بصنارته ينظر
إلى ماء البحر الصافي ، فجلس وجلس ، وفجأة غاص خيط الصنارة ، غاص بعيدا في قلب الماء . وحين رفعه استخرج سمكة ضخمة مفلطحة ما تلبثت أن قالت
له : اسمع أيها الصياد ! أتوسل إليك . دعني أعش ! أنا لست سمكة بل أميرا مسحورا . لن أصلح للأكل . ضعني في الماء ثانية ودعني أمضِ في سبيلي !
فقال الصياد : تعالي ! ما من داعٍ لمزيد الكلام في هذا الأمر . لابد لي من إطلاق سراح السمكة التي تتكلم حالا .
قال ما قال ، ثم أعادها إلى الماء الصافي ، فغاصت إلى الأعماق مخلفة وراءها خيط دم ، ونهض الصياد وقصد بيته حيث زوجته في زريبة الخنزير .
قالت الزوجة : ألم تصد يا زوجي اليوم شيئا ؟
قال الصياد : بلى . صدت سمكة مفلطحة قالت لي إنها كانت أميرا مسحورا ، فتركتها تمضي في سبيلها .
قالت الزوجة : ألم تطلب منها شيئا قبل إطلاقها ؟
قال الزوج : نعم . وماذا علي أن أطلب ؟
قالت الزوجة : آه ! مؤكد أن الاضطرار للعيش في هذه الزريبة عيشة دائمة أمر صعب ؛ فرائحتها كريهة تنفر ساكنها أشد التنفير . كان الواجب أن تطلب
منها لنا كوخا صغيرا . اذهب إليها ونادها ! قل لها إننا نريد كوخا صغيرا . بالتأكيد ستمنحنا ذلك الكوخ .
قال الصياد : آه ! لم يلزمني أن أعود إليها ثانية ؟
قالت الزوجة : لم تعود ؟ صدتها وتركتها تذهب . مؤكد أنها ستمنحنا كوخا . امضِ حالا !
لم يرغب الصياد في الذهاب رغبة قوية ، لكنه لم يشأ أن يخالف زوجته ؛ فذهب إلى البحر ، ولما بلغه رآه قد اخضر واصفر كاملا ، ولم يعد رهوا صقيلا
، فوقف ساكنا وقال : يا سمكة ! يا سمكة البحر ! تعالي ! أرجوك . زوجتي الطيبة إلزابيل تريد خلاف ما أريده .
فأتته السمكة سابحة وقالت : حسن . ماذا تريد ؟
قال الصياد : آه ! لقد صدتك ، وزوجتي تقول إنه كان علي طلب شيء منك . لا تريد أن تعيش بعد اليوم في زريبة خنزير . تريد كوخا .
فقالت السمكة : اذهب ! نالت زوجتك الكوخ .
وعند ما ذهب الصياد إلى البيت لم تعد زوجته في الزريبة . بدلا منها كان كوخُ ، وكانت هي قاعدة على مقعد طويل أمام بابه . أمسكت
بيده وقالت : ادخل ! انظر ! أليست هذه الصفقة أفضل كثيرا ؟
ودخلا . كان رواقٌ وشرفة صغيرة جميلة ودور أرضي ومطبخ وحجرة مؤن وأدوات طبخ مع أحسن الأثاث وأجمل الأشياء المصنوعة من الصفيح
والنحاس ، وكل ما هو مراد . وكان وراء الكوخ فناء صغير فيه دجاج وبط ، وحديقة صغيرة للزهر والثمر .
قالت الزوجة : انظر ! أليس هذا بديعا ؟
قال الزوج : بلى . وسيبقى بديعا . الآن سنحيا في رضا تام .
قالت الزوجة : سنفكر في هذا !
قالا ما قالا ، ثم أكلا بعض الطعام وأويا إلى فراشهما .
وسار كل شيء وفق أحسن المرغوب أسبوعا أو أسبوعين ، ثم قالت الزوجة : اسمع يا زوجي ! هذا الكوخ صغير جدا علينا ، والحديقة
والفناء صغيران . كان متاحا أن تهبنا السمكة بيتا أرحب . يحلو لي أن أعيش في قصر كبير من الحجر . اذهب إلى السمكة وقل لها أن تهبنا قصرا !
قال الزوج : آه يا زوجتي ! في الكوخ كل الكفاية . لماذا نعيش في قصر ؟
قالت الزوجة : ماذا تقول ؟ اذهب فقط ! في وسع السمكة دائما فعل هذا .
قال الزوج : كلا يا زوجتي ! السمكة منحتنا الكوخ من وقت قريب . لا أريد العودة إليها في هذه السرعة . قد تغضبها عودتي .
قالت الزوجة : اذهب ! تستطيع أن تهبنا القصر في يسر تام ، وستكون محبورة من هذا . ما عليك سوى أن تذهب إليها .
امتلأ قلب الزوج هما ، ولم يشأ الذهاب . حدث نفسه : الذهاب ليس صوابا .
ومع هذا ذهب . ولما بلغ البحر كان ماؤه بين الحمرة القانية والزرقة المسمرة واللون الرمادي والكثافة ، وما عاد كثير الخضرة والصفرة ،
لكنه ما فتىء ساجيا . وقف هناك ونادى : يا سمكة ! يا سمكة البحر ! تعالي ! أرجوك . زوجتي الطيبة إلزابيل تريد خلاف ما أريد .
قالت السمكة : حسن . ماذا تريد الآن ؟
قال نصف خائف : وا حسرتاه ! تريد العيش في قصر كبير من الحجر .
قالت : السمكة : إذن اذهب إلى القصر ! زوجتك واقفة أمام بابه .
فانصرف قاصدا الذهاب إلى بيته ،لكنه حين وافى المكان ألفى قصرا حجريا كبيرا . وكانت زوجته تقف حينئذ على الدرجات تهم
بالدخول ، فأخذته من يده وقالت : ادخل !
فدخل معها ليجد في القصر قاعة رصفت بالرخام ، وكثيرا من الخدم الذين فتحوا الأبواب على مصاريعها . وكانت الجدران كلها تأتلق
بالمعلقات الحسان ، وفي الحُجَر مقاعد وموائد من صافي الذهب ، ونجف بلوري يتدلى من السقف . وكانت كل الحجر والأدوار الأرضية
مفروشة بالنمارق ( البسط ) ، وكان الطعام والخمر الفاخرة الصنف فوق كل الموائد التي قاربت الانكسار لثقل ما فوقها . ووراء القصر كان
أيضا فناء وسيع فيه حظائر خيل وبقر وأفخم العربات . وكان هناك أيضا حديقة كبيرة فخيمة تحوي أبهى الأزهار وأشجار الثمار إلى جانب
حديقة طولها نصف ميل فيها وعول وغزلان وأرانب برية وكل ما يمكن أن تترغبه النفس .
قالت الزوجة : تعال ! أليس هذا حسنا ؟
قال الزوج : بلى . حقيقة حسن . اقبليه على حسنه ! سنعيش في هذا القصر الجميل ونكون راضيين .
قالت الزوجة : سنفكر في هذا وننام عليه !
وبعدئذ قصدا فراشهما . وفي صباح اليوم التالي صحت الزوجة أولا . كان الفجر طلع لتوه ، فرأت من سريرها الريف البديع ينبسط أمام عينيها .
كان زوجها ما برح ممدا في السرير ، فلكزته بمرفقها في خصره وقالت : اصحُ يا زوجي وانظر من النافذة ! انظر ! أليس في وسعنا أن نكون
الملك على هذه البلاد ؟ اذهب إلى السمكة ! سنكون الملك .
قال ا لزوج : آه يا زوجتي ! لم نكون ملكا ؟ لا أحب أن أكون ملكا .
قالت الزوجة : حسن . إذا كنت لن تصير ملكا فإنني سأصير . اذهب إلى السمكة ؛ لأنني سأصير ملكا .
قال : آه يا زوجتي ! لم تريدين أن تكوني ملكا ؟ لا أريد أن أقول هذا للسمكة .
قالت : لماذا لا تريد ؟ اذهب إليها اللحظة ! لابد أن أكون ملكا .
فذهب . كان كبير التعاسة ؛ لأن زوجته تريد أن تكون ملكا . فكر : هذا خطأ . هذا خطأ .
ولم يشأ الذهاب ، لكنه ذهب . ولما أنْ بلغ البحر رآه مربدا مسمرا عالي الموج ينبعث منه العفن ، فتقدم ووقف عنده .
نادى : يا سمكة ! يا سمكة البحر ! تعالي ! أرجوك . زوجتي الطيبة إلزابيل تريد خلاف ما أريد .
قالت السمكة : حسن . ماذا تريد الآن ؟
قال : وا حسرتاه ! تريد أن تكون ملكا .
_ اذهب إليها ! صارت ملكا .
فذهب الزوج ، وحين وصل القصر رآه زاد اتساعا وصار له برج وزينات رائعة ، وكان الحرس يقف أمام بابه
إضافة إلى عدد من الجنود الذين يحملون الطبول والأبواق . وحين دخله وجد كل شيء من خالص الرخام والذهب
مع أغطية مخملية وشرابات ذهبية كبيرة . وفتحت أبواب القاعة ؛ فرأى البلاط الملكي في كامل روعته ، ورأى
زوجته جالسة فوق عرش عالٍ من الذهب والماس وتاج ضخم من الذهب يزين رأسها وقد وضعت في يدها صولجانا
من خالص الذهب والجواهر بينما وقفت وصائفها على كلا جانبيها مرتبات حسب أطوال قاماتهن ، فمضى إليها
ووقف أمامها وقال : آه يا زوجتي ! ها قد صرت ملكا .
قالت : أجل . أنا الآن ملك .
هكذا وقف ونظر إليها ، وبعد وقت قال : الآن وبعد أن صرت ملكا دعي كل شيء على حاله !
قالت في قلق بالغ : كلا يا زوجي ! أشعر بالوقت يمر ثقيلا علي . ما عدت قادرة على تحمله . اذهب إلى السمكة !
أنا ملك ، لكن يجب أن أصير إمبراطورا !
_ أوه يا زوجتي ! لم تريدين أن تكوني إمبراطورا ؟
قالت : يا زوجي ! اذهب إلى السمكة ! سأكون إمبراطورا .
قال الزوج : واحسرتاه يا زوجتي ! لا يمكنها أن تجعلك إمبراطورا . لا أستطيع قول هذا للسمكة . في البلاد إمبراطور واحد فحسب .
لا تستطيع السمكة جعلك إمبراطورا . أؤكد لك أنها لا تستطيع .
قالت الزوجة : ماذا تقول ؟ أنا الملك وما أنت إلا زوج لي . هل ستذهب الآن ؟ اذهب حالا ! إن كانت قادرة على صنع ملك فهي
قادرة على صنع إمبراطور .
وهكذا أجبرته على الذهاب ، وشعر عند ذهابه باضطراب في عقله ، وفكر في طوية نفسه : لن ينتهي الأمر على خير . لن ينتهي
الأمر على خير . الإمبراطور معرة كبيرة . ستشعر السمكة في الختام بالملال والكلال .
ووصل البحر مع تلك الخواطر . كان البحر هائل السواد والتكثف ، وشرع يجيش من أعماقه قاذفا الفقاعات ، وعصفت فوق
أديمه ريح ضارية فاختثر ؛ فاستشعر الصياد الهلع ،لكنه مضى إليه ووقف لديه وقال : يا سمكة ! يا سمكة البحر ! تعالي ! أرجوك .
زوجتي الطيبة إلزابيل تريد خلاف ما أريد .
قالت السمكة : حسن . ماذا تريد الآن ؟
قال : واحسرتاه ! زوجتي تريد أن تكون إمبراطورا .
قالت السمكة : اذهب إليها ! صارت إمبراطورا .
فذهب الصياد ، ولما بلغ المكان ألفى القصر بكامله رخاما مليسا مع تماثيل من المرمر والزينات الذهبية ، وكان
الجند يسيرون أمام الباب نافخين الأبواق وضاربين الصنوج والطبول ، وفي الداخل يطوف البارونات والكونتات والدوقات بصفة خدم .
وفتحوا له لأبواب التي كانت من صافي الذهب . وحين ولج رأى زوجته جالسة فوق عرش من قطعة ذهبية واحدة ، ويبلغ علوه ميلين
بالتمام . وكانت تضع فوق رأسها تاجا ذهبيا كبيرا يرتفع ثلاث ياردات ترصعه الماسات والجمرات ، وفي إحدى يديها صولجان وفي
الأخرى كرة تمثل الإمبراطورية ، وعلى طرفيها يصطف رجال الحرس صفين وكل واحد أصغر من سابقه بدءا من العملاق الأكبر
البالغ طوله ميلين إلى القزم الأصغر الذي لا يزيد حجمه عن حجم إصبعي الخنصر ، وأمام الباب وقف عدد من الأمراء والدوقات .
وبعدئذ مضى الزوج وتوسطهم وقال : أيتها الزوجة ! أنت إمبراطور الآن ؟
قالت : أجل . أنا إمبراطور الآن .
فوقف وأحسن النظر إليها ، ثم قال : آه يا زوجتي ! اقنعي الآن بكونك إمبراطورا !
قالت : يا زوجي ! لم تقف في مكانك ؟ أنا الآن إمبراطور ، لكنني سأكون بابا أيضا . اذهب إلى السمكة !
قال الزوج : أوه يا زوجتي ! لا أريد أن أقول هذا لها . هذا لن ينفع . كثير جدا . لا تستطيع السمكة أن تصنع منك بابا .
قالت : أيها الزوج ! يا للغو الباطل ! إن كانت قادرة على صنع إمبراطور فهي قادرة على صنع بابا . اذهب إليها من فورك !
أنا إمبراطور وما أنت إلا زوج لي . ستذهب حالا . فخاف وذهب ، لكنه استشعر وهنا شديدا وارتعد ، وارتجفت ركبتاه
وساقاه ، وهبت على البحر ريح عاتية ، وأسرعت السحب ، وتدجى كل شيء قبل العشي ، وتساقط ورق الشجر ،
وعلا ماء البحر داويا كأنه يغلي وقذف رشاشه إلى الشط ، ورأى الزوج في المدى سفنا تطلق قذائف مدفعيتها في ضيق
محنق ، فتستقر في الماء وتنقذف على غوارب أمواجه ومع هذا كانت لا تزال في وسط السماء رقعة زرقاء رغم أن السماء
كانت في كل أقطارها حمراء كأنها في قلب عاصفة هائلة . وهكذا ذهب الزوج يغمره القنوط ووقف جم الخوف وقال :
يا سمكة ! يا سمكة البحر ! تعالي ! أرجوك ! زوجتي الطيبة إلزابيل تريد خلاف ما أريد .
قالت السمكة : حسن . ماذا تريد الآن ؟
قال : واحسرتاه ! تريد أن تكون بابا .
قالت السمكة : اذهب إليها ! صارت بابا .
فذهب ، ولما صار هنالك رأى ما لاح أنه كنيسة كبيرة محاطة بقصور ، فشق سبيله وسط الزحام .
كان كل شيء في الداخل مضاء بآلاف وآلاف من الشموع ، وكانت زوجته تلبس الذهب وتجلس فوق عرش أعلى من السابق
وفوق رأسها تيجان كبيرة من الذهب وحولها الكثير من الروعة الكنسية ، وعلى كلا طرفيها صف من الشموع أكبرها في ارتفاع
أعلى برج وأصغرها في حجم أصغر شمعة مطبخ وقد جثا أمامها كل الأباطرة والملوك يلثمون حذاءها .
قال الزوج بعد أن أطال النظر إليها : أيتها الزوجة ! أنت بابا الآن ؟
قالت : نعم . أنا بابا .
فوقف ونظر إليها كأنه ينظر إلى شمس ساطعة ، وبعد أن نظر إليها هكذا بعض الوقت قال : آه أيتها الزوجة !
إن كنت بابا فدعي الأمر يتم بخيره !
لكنها بدت في جمود عمود . لم تتحرك ولم تظهر أي علامة للحياة ، فقال : أيتها الزوجة ! كوني راضية بعد أن صرت بابا !
لا تستطيعين أن تصبحي أعظم من هذا بعد الآن .
قالت : سأفكر في الأمر !
ومن ثم ذهب كلاهما إلى الفراش ، لكنها لم ترضَ وحرمها الجشع النوم ؛ لأنها كانت توالي التفكير في ما قد يكون بقي من المراتب
لتبلغه . ونام الزوج نوما حسنا صحيحا ؛ لأنه طاف كثيرا طوال النهار ، بيد أن الزوجة لم تستطع النوم البتة ، وتقلبت طيلة الليل من
جنب إلى جنب متفكرة في ما قد يكون بقي من المراتب لتبلغه دون أن تستطيع تذكر أي مرتبة أخرى . وأخيرا بدأت الشمس تشرق
. وحين رأت حمرة الفجر قعدت في الفراش ونظرت إليها . ولما رأت من النافذة الشمس على هذا الإشراق قالت : أليس في وسعي
أيضا أن آمر الشمس والقمر بالشروق ؟
قالت لاكزة جنب زوجها بمرفقها : أيها الزوج ! اصحُ ! اذهب إلى السمكة ! أريد أن أكون مثل الله !
كان زوجها لا يزال نصف نائم ، لكنه نزل به الهلع إلى حد أنه وقع من الفراش ، وحسب أنه سمعها بشكل مغلوط ، ومسح عينيه
وقال : أيتها الزوجة ! ما تقولين ؟ !
قالت : أيها الزوج ! إن لم أكن قادرة على أمر الشمس والقمر بالشروق ، وتعين علي رؤيتهما يشرقان فليس في مقدرتي احتمال هذا .
ولن أعرف ساعة أخرى من السعادة إلا إذا جعلتهما بنفسي يشرقان .
ونظرت إليه نظرة مرعبة اجتاحته إثرها ارتعادة ، وقالت : اذهب حالا ! أريد أن أكون مثل الله !
قال الزوج جاثيا على ركبتيه أمامها : واحسرتاه يا زوجتي ! لا تستطيع السمكة صنع هذا . يمكنها صنع إمبراطور وبابا . أتوسل إليك .
استمري على ما أنت فيه ، وكوني بابا !
فحنقت حنقا عارما وتطاير شعرها وحشيا حول رأسها ، وشقت جيب صِدارها ، وركلت زوجها بقدمها وزعقت : لا أستطيع احتمال هذا .
لا أستطيع احتمال هذا بعد الآن . ستذهب الآن ؟
فلبس سرواله وعدا شبه مخبول ، لكن عاصفة قوية كانت تهيج في الخارج وتعصف ضارية حتى شق عليه الوقوف على قدميه ،
وانقلبت المنازل والأشجار ، وارتجت الجبال ، وانحطت الصخور إلى البحر ، وأظلمت السماء ظلمة حالكة وقصف رعدها وأومض
برقها ، وعلا البحر أمواجا سودا علو أبراج الكنائس والجبال وقد تكلل الجميع بذرا من الزبد الأبيض ، فصرخ دون أن يقدر على سماع كلامه
: يا سمكة ! يا سمكة البحر ! تعالي ! أرجوك . زوجتي الطيبة إلزابيل تريد خلاف ما أريد .
قالت السمكة : حسن . ماذا تريد أن تكون الآن ؟
قال : وا حسرتاه ! تريد أن تكون مثل الله !
_ اذهب إليها ! وستجدها عادت إلى زريبة الخنزير .
ومازال الاثنان يعيشان في الزريبة إلى يوم الناس هذا .
* الأخوان جرِم . أميركا .
عاقبة الجشع ترجمة : حماد صبح
عاش في قديم الزمان صياد سمك مع زوجته في زريبة خنازير قرب البحر . كان يخرج كل يوم للصيد ، فصاد وصاد . وفي يوم كان جالسا بصنارته ينظر
إلى ماء البحر الصافي ، فجلس وجلس ، وفجأة غاص خيط الصنارة ، غاص بعيدا في قلب الماء . وحين رفعه استخرج سمكة ضخمة مفلطحة ما تلبثت أن قالت
له : اسمع أيها الصياد ! أتوسل إليك . دعني أعش ! أنا لست سمكة بل أميرا مسحورا . لن أصلح للأكل . ضعني في الماء ثانية ودعني أمضِ في سبيلي !
فقال الصياد : تعالي ! ما من داعٍ لمزيد الكلام في هذا الأمر . لابد لي من إطلاق سراح السمكة التي تتكلم حالا .
قال ما قال ، ثم أعادها إلى الماء الصافي ، فغاصت إلى الأعماق مخلفة وراءها خيط دم ، ونهض الصياد وقصد بيته حيث زوجته في زريبة الخنزير .
قالت الزوجة : ألم تصد يا زوجي اليوم شيئا ؟
قال الصياد : بلى . صدت سمكة مفلطحة قالت لي إنها كانت أميرا مسحورا ، فتركتها تمضي في سبيلها .
قالت الزوجة : ألم تطلب منها شيئا قبل إطلاقها ؟
قال الزوج : نعم . وماذا علي أن أطلب ؟
قالت الزوجة : آه ! مؤكد أن الاضطرار للعيش في هذه الزريبة عيشة دائمة أمر صعب ؛ فرائحتها كريهة تنفر ساكنها أشد التنفير . كان الواجب أن تطلب
منها لنا كوخا صغيرا . اذهب إليها ونادها ! قل لها إننا نريد كوخا صغيرا . بالتأكيد ستمنحنا ذلك الكوخ .
قال الصياد : آه ! لم يلزمني أن أعود إليها ثانية ؟
قالت الزوجة : لم تعود ؟ صدتها وتركتها تذهب . مؤكد أنها ستمنحنا كوخا . امضِ حالا !
لم يرغب الصياد في الذهاب رغبة قوية ، لكنه لم يشأ أن يخالف زوجته ؛ فذهب إلى البحر ، ولما بلغه رآه قد اخضر واصفر كاملا ، ولم يعد رهوا صقيلا
، فوقف ساكنا وقال : يا سمكة ! يا سمكة البحر ! تعالي ! أرجوك . زوجتي الطيبة إلزابيل تريد خلاف ما أريده .
فأتته السمكة سابحة وقالت : حسن . ماذا تريد ؟
قال الصياد : آه ! لقد صدتك ، وزوجتي تقول إنه كان علي طلب شيء منك . لا تريد أن تعيش بعد اليوم في زريبة خنزير . تريد كوخا .
فقالت السمكة : اذهب ! نالت زوجتك الكوخ .
وعند ما ذهب الصياد إلى البيت لم تعد زوجته في الزريبة . بدلا منها كان كوخُ ، وكانت هي قاعدة على مقعد طويل أمام بابه . أمسكت
بيده وقالت : ادخل ! انظر ! أليست هذه الصفقة أفضل كثيرا ؟
ودخلا . كان رواقٌ وشرفة صغيرة جميلة ودور أرضي ومطبخ وحجرة مؤن وأدوات طبخ مع أحسن الأثاث وأجمل الأشياء المصنوعة من الصفيح
والنحاس ، وكل ما هو مراد . وكان وراء الكوخ فناء صغير فيه دجاج وبط ، وحديقة صغيرة للزهر والثمر .
قالت الزوجة : انظر ! أليس هذا بديعا ؟
قال الزوج : بلى . وسيبقى بديعا . الآن سنحيا في رضا تام .
قالت الزوجة : سنفكر في هذا !
قالا ما قالا ، ثم أكلا بعض الطعام وأويا إلى فراشهما .
وسار كل شيء وفق أحسن المرغوب أسبوعا أو أسبوعين ، ثم قالت الزوجة : اسمع يا زوجي ! هذا الكوخ صغير جدا علينا ، والحديقة
والفناء صغيران . كان متاحا أن تهبنا السمكة بيتا أرحب . يحلو لي أن أعيش في قصر كبير من الحجر . اذهب إلى السمكة وقل لها أن تهبنا قصرا !
قال الزوج : آه يا زوجتي ! في الكوخ كل الكفاية . لماذا نعيش في قصر ؟
قالت الزوجة : ماذا تقول ؟ اذهب فقط ! في وسع السمكة دائما فعل هذا .
قال الزوج : كلا يا زوجتي ! السمكة منحتنا الكوخ من وقت قريب . لا أريد العودة إليها في هذه السرعة . قد تغضبها عودتي .
قالت الزوجة : اذهب ! تستطيع أن تهبنا القصر في يسر تام ، وستكون محبورة من هذا . ما عليك سوى أن تذهب إليها .
امتلأ قلب الزوج هما ، ولم يشأ الذهاب . حدث نفسه : الذهاب ليس صوابا .
ومع هذا ذهب . ولما بلغ البحر كان ماؤه بين الحمرة القانية والزرقة المسمرة واللون الرمادي والكثافة ، وما عاد كثير الخضرة والصفرة ،
لكنه ما فتىء ساجيا . وقف هناك ونادى : يا سمكة ! يا سمكة البحر ! تعالي ! أرجوك . زوجتي الطيبة إلزابيل تريد خلاف ما أريد .
قالت السمكة : حسن . ماذا تريد الآن ؟
قال نصف خائف : وا حسرتاه ! تريد العيش في قصر كبير من الحجر .
قالت : السمكة : إذن اذهب إلى القصر ! زوجتك واقفة أمام بابه .
فانصرف قاصدا الذهاب إلى بيته ،لكنه حين وافى المكان ألفى قصرا حجريا كبيرا . وكانت زوجته تقف حينئذ على الدرجات تهم
بالدخول ، فأخذته من يده وقالت : ادخل !
فدخل معها ليجد في القصر قاعة رصفت بالرخام ، وكثيرا من الخدم الذين فتحوا الأبواب على مصاريعها . وكانت الجدران كلها تأتلق
بالمعلقات الحسان ، وفي الحُجَر مقاعد وموائد من صافي الذهب ، ونجف بلوري يتدلى من السقف . وكانت كل الحجر والأدوار الأرضية
مفروشة بالنمارق ( البسط ) ، وكان الطعام والخمر الفاخرة الصنف فوق كل الموائد التي قاربت الانكسار لثقل ما فوقها . ووراء القصر كان
أيضا فناء وسيع فيه حظائر خيل وبقر وأفخم العربات . وكان هناك أيضا حديقة كبيرة فخيمة تحوي أبهى الأزهار وأشجار الثمار إلى جانب
حديقة طولها نصف ميل فيها وعول وغزلان وأرانب برية وكل ما يمكن أن تترغبه النفس .
قالت الزوجة : تعال ! أليس هذا حسنا ؟
قال الزوج : بلى . حقيقة حسن . اقبليه على حسنه ! سنعيش في هذا القصر الجميل ونكون راضيين .
قالت الزوجة : سنفكر في هذا وننام عليه !
وبعدئذ قصدا فراشهما . وفي صباح اليوم التالي صحت الزوجة أولا . كان الفجر طلع لتوه ، فرأت من سريرها الريف البديع ينبسط أمام عينيها .
كان زوجها ما برح ممدا في السرير ، فلكزته بمرفقها في خصره وقالت : اصحُ يا زوجي وانظر من النافذة ! انظر ! أليس في وسعنا أن نكون
الملك على هذه البلاد ؟ اذهب إلى السمكة ! سنكون الملك .
قال ا لزوج : آه يا زوجتي ! لم نكون ملكا ؟ لا أحب أن أكون ملكا .
قالت الزوجة : حسن . إذا كنت لن تصير ملكا فإنني سأصير . اذهب إلى السمكة ؛ لأنني سأصير ملكا .
قال : آه يا زوجتي ! لم تريدين أن تكوني ملكا ؟ لا أريد أن أقول هذا للسمكة .
قالت : لماذا لا تريد ؟ اذهب إليها اللحظة ! لابد أن أكون ملكا .
فذهب . كان كبير التعاسة ؛ لأن زوجته تريد أن تكون ملكا . فكر : هذا خطأ . هذا خطأ .
ولم يشأ الذهاب ، لكنه ذهب . ولما أنْ بلغ البحر رآه مربدا مسمرا عالي الموج ينبعث منه العفن ، فتقدم ووقف عنده .
نادى : يا سمكة ! يا سمكة البحر ! تعالي ! أرجوك . زوجتي الطيبة إلزابيل تريد خلاف ما أريد .
قالت السمكة : حسن . ماذا تريد الآن ؟
قال : وا حسرتاه ! تريد أن تكون ملكا .
_ اذهب إليها ! صارت ملكا .
فذهب الزوج ، وحين وصل القصر رآه زاد اتساعا وصار له برج وزينات رائعة ، وكان الحرس يقف أمام بابه
إضافة إلى عدد من الجنود الذين يحملون الطبول والأبواق . وحين دخله وجد كل شيء من خالص الرخام والذهب
مع أغطية مخملية وشرابات ذهبية كبيرة . وفتحت أبواب القاعة ؛ فرأى البلاط الملكي في كامل روعته ، ورأى
زوجته جالسة فوق عرش عالٍ من الذهب والماس وتاج ضخم من الذهب يزين رأسها وقد وضعت في يدها صولجانا
من خالص الذهب والجواهر بينما وقفت وصائفها على كلا جانبيها مرتبات حسب أطوال قاماتهن ، فمضى إليها
ووقف أمامها وقال : آه يا زوجتي ! ها قد صرت ملكا .
قالت : أجل . أنا الآن ملك .
هكذا وقف ونظر إليها ، وبعد وقت قال : الآن وبعد أن صرت ملكا دعي كل شيء على حاله !
قالت في قلق بالغ : كلا يا زوجي ! أشعر بالوقت يمر ثقيلا علي . ما عدت قادرة على تحمله . اذهب إلى السمكة !
أنا ملك ، لكن يجب أن أصير إمبراطورا !
_ أوه يا زوجتي ! لم تريدين أن تكوني إمبراطورا ؟
قالت : يا زوجي ! اذهب إلى السمكة ! سأكون إمبراطورا .
قال الزوج : واحسرتاه يا زوجتي ! لا يمكنها أن تجعلك إمبراطورا . لا أستطيع قول هذا للسمكة . في البلاد إمبراطور واحد فحسب .
لا تستطيع السمكة جعلك إمبراطورا . أؤكد لك أنها لا تستطيع .
قالت الزوجة : ماذا تقول ؟ أنا الملك وما أنت إلا زوج لي . هل ستذهب الآن ؟ اذهب حالا ! إن كانت قادرة على صنع ملك فهي
قادرة على صنع إمبراطور .
وهكذا أجبرته على الذهاب ، وشعر عند ذهابه باضطراب في عقله ، وفكر في طوية نفسه : لن ينتهي الأمر على خير . لن ينتهي
الأمر على خير . الإمبراطور معرة كبيرة . ستشعر السمكة في الختام بالملال والكلال .
ووصل البحر مع تلك الخواطر . كان البحر هائل السواد والتكثف ، وشرع يجيش من أعماقه قاذفا الفقاعات ، وعصفت فوق
أديمه ريح ضارية فاختثر ؛ فاستشعر الصياد الهلع ،لكنه مضى إليه ووقف لديه وقال : يا سمكة ! يا سمكة البحر ! تعالي ! أرجوك .
زوجتي الطيبة إلزابيل تريد خلاف ما أريد .
قالت السمكة : حسن . ماذا تريد الآن ؟
قال : واحسرتاه ! زوجتي تريد أن تكون إمبراطورا .
قالت السمكة : اذهب إليها ! صارت إمبراطورا .
فذهب الصياد ، ولما بلغ المكان ألفى القصر بكامله رخاما مليسا مع تماثيل من المرمر والزينات الذهبية ، وكان
الجند يسيرون أمام الباب نافخين الأبواق وضاربين الصنوج والطبول ، وفي الداخل يطوف البارونات والكونتات والدوقات بصفة خدم .
وفتحوا له لأبواب التي كانت من صافي الذهب . وحين ولج رأى زوجته جالسة فوق عرش من قطعة ذهبية واحدة ، ويبلغ علوه ميلين
بالتمام . وكانت تضع فوق رأسها تاجا ذهبيا كبيرا يرتفع ثلاث ياردات ترصعه الماسات والجمرات ، وفي إحدى يديها صولجان وفي
الأخرى كرة تمثل الإمبراطورية ، وعلى طرفيها يصطف رجال الحرس صفين وكل واحد أصغر من سابقه بدءا من العملاق الأكبر
البالغ طوله ميلين إلى القزم الأصغر الذي لا يزيد حجمه عن حجم إصبعي الخنصر ، وأمام الباب وقف عدد من الأمراء والدوقات .
وبعدئذ مضى الزوج وتوسطهم وقال : أيتها الزوجة ! أنت إمبراطور الآن ؟
قالت : أجل . أنا إمبراطور الآن .
فوقف وأحسن النظر إليها ، ثم قال : آه يا زوجتي ! اقنعي الآن بكونك إمبراطورا !
قالت : يا زوجي ! لم تقف في مكانك ؟ أنا الآن إمبراطور ، لكنني سأكون بابا أيضا . اذهب إلى السمكة !
قال الزوج : أوه يا زوجتي ! لا أريد أن أقول هذا لها . هذا لن ينفع . كثير جدا . لا تستطيع السمكة أن تصنع منك بابا .
قالت : أيها الزوج ! يا للغو الباطل ! إن كانت قادرة على صنع إمبراطور فهي قادرة على صنع بابا . اذهب إليها من فورك !
أنا إمبراطور وما أنت إلا زوج لي . ستذهب حالا . فخاف وذهب ، لكنه استشعر وهنا شديدا وارتعد ، وارتجفت ركبتاه
وساقاه ، وهبت على البحر ريح عاتية ، وأسرعت السحب ، وتدجى كل شيء قبل العشي ، وتساقط ورق الشجر ،
وعلا ماء البحر داويا كأنه يغلي وقذف رشاشه إلى الشط ، ورأى الزوج في المدى سفنا تطلق قذائف مدفعيتها في ضيق
محنق ، فتستقر في الماء وتنقذف على غوارب أمواجه ومع هذا كانت لا تزال في وسط السماء رقعة زرقاء رغم أن السماء
كانت في كل أقطارها حمراء كأنها في قلب عاصفة هائلة . وهكذا ذهب الزوج يغمره القنوط ووقف جم الخوف وقال :
يا سمكة ! يا سمكة البحر ! تعالي ! أرجوك ! زوجتي الطيبة إلزابيل تريد خلاف ما أريد .
قالت السمكة : حسن . ماذا تريد الآن ؟
قال : واحسرتاه ! تريد أن تكون بابا .
قالت السمكة : اذهب إليها ! صارت بابا .
فذهب ، ولما صار هنالك رأى ما لاح أنه كنيسة كبيرة محاطة بقصور ، فشق سبيله وسط الزحام .
كان كل شيء في الداخل مضاء بآلاف وآلاف من الشموع ، وكانت زوجته تلبس الذهب وتجلس فوق عرش أعلى من السابق
وفوق رأسها تيجان كبيرة من الذهب وحولها الكثير من الروعة الكنسية ، وعلى كلا طرفيها صف من الشموع أكبرها في ارتفاع
أعلى برج وأصغرها في حجم أصغر شمعة مطبخ وقد جثا أمامها كل الأباطرة والملوك يلثمون حذاءها .
قال الزوج بعد أن أطال النظر إليها : أيتها الزوجة ! أنت بابا الآن ؟
قالت : نعم . أنا بابا .
فوقف ونظر إليها كأنه ينظر إلى شمس ساطعة ، وبعد أن نظر إليها هكذا بعض الوقت قال : آه أيتها الزوجة !
إن كنت بابا فدعي الأمر يتم بخيره !
لكنها بدت في جمود عمود . لم تتحرك ولم تظهر أي علامة للحياة ، فقال : أيتها الزوجة ! كوني راضية بعد أن صرت بابا !
لا تستطيعين أن تصبحي أعظم من هذا بعد الآن .
قالت : سأفكر في الأمر !
ومن ثم ذهب كلاهما إلى الفراش ، لكنها لم ترضَ وحرمها الجشع النوم ؛ لأنها كانت توالي التفكير في ما قد يكون بقي من المراتب
لتبلغه . ونام الزوج نوما حسنا صحيحا ؛ لأنه طاف كثيرا طوال النهار ، بيد أن الزوجة لم تستطع النوم البتة ، وتقلبت طيلة الليل من
جنب إلى جنب متفكرة في ما قد يكون بقي من المراتب لتبلغه دون أن تستطيع تذكر أي مرتبة أخرى . وأخيرا بدأت الشمس تشرق
. وحين رأت حمرة الفجر قعدت في الفراش ونظرت إليها . ولما رأت من النافذة الشمس على هذا الإشراق قالت : أليس في وسعي
أيضا أن آمر الشمس والقمر بالشروق ؟
قالت لاكزة جنب زوجها بمرفقها : أيها الزوج ! اصحُ ! اذهب إلى السمكة ! أريد أن أكون مثل الله !
كان زوجها لا يزال نصف نائم ، لكنه نزل به الهلع إلى حد أنه وقع من الفراش ، وحسب أنه سمعها بشكل مغلوط ، ومسح عينيه
وقال : أيتها الزوجة ! ما تقولين ؟ !
قالت : أيها الزوج ! إن لم أكن قادرة على أمر الشمس والقمر بالشروق ، وتعين علي رؤيتهما يشرقان فليس في مقدرتي احتمال هذا .
ولن أعرف ساعة أخرى من السعادة إلا إذا جعلتهما بنفسي يشرقان .
ونظرت إليه نظرة مرعبة اجتاحته إثرها ارتعادة ، وقالت : اذهب حالا ! أريد أن أكون مثل الله !
قال الزوج جاثيا على ركبتيه أمامها : واحسرتاه يا زوجتي ! لا تستطيع السمكة صنع هذا . يمكنها صنع إمبراطور وبابا . أتوسل إليك .
استمري على ما أنت فيه ، وكوني بابا !
فحنقت حنقا عارما وتطاير شعرها وحشيا حول رأسها ، وشقت جيب صِدارها ، وركلت زوجها بقدمها وزعقت : لا أستطيع احتمال هذا .
لا أستطيع احتمال هذا بعد الآن . ستذهب الآن ؟
فلبس سرواله وعدا شبه مخبول ، لكن عاصفة قوية كانت تهيج في الخارج وتعصف ضارية حتى شق عليه الوقوف على قدميه ،
وانقلبت المنازل والأشجار ، وارتجت الجبال ، وانحطت الصخور إلى البحر ، وأظلمت السماء ظلمة حالكة وقصف رعدها وأومض
برقها ، وعلا البحر أمواجا سودا علو أبراج الكنائس والجبال وقد تكلل الجميع بذرا من الزبد الأبيض ، فصرخ دون أن يقدر على سماع كلامه
: يا سمكة ! يا سمكة البحر ! تعالي ! أرجوك . زوجتي الطيبة إلزابيل تريد خلاف ما أريد .
قالت السمكة : حسن . ماذا تريد أن تكون الآن ؟
قال : وا حسرتاه ! تريد أن تكون مثل الله !
_ اذهب إليها ! وستجدها عادت إلى زريبة الخنزير .
ومازال الاثنان يعيشان في الزريبة إلى يوم الناس هذا .
* الأخوان جرِم . أميركا .