الأخبار
قطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيراني
2024/4/18
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

في الاشتراكية العلمية، لا مجال لتوظيف الدين في الأمور الأيديولوجية، و السياسية بقلم:محمد الحنفي

تاريخ النشر : 2012-04-28
في الاشتراكية العلمية، لا مجال لتوظيف الدين في الأمور الأيديولوجية، و السياسية بقلم:محمد الحنفي
  في الاشتراكية العلمية، لا مجال لتوظيف الدين في الأمور الأيديولوجية، والسياسية...!!!.....

 

محمد الحنفي

 

[email protected]

 

إلى:

 

ـ الرفيق الكبناني، المناضل الطليعي.

 

ـ كل طليعي، يحرص على أن تصير الاشتراكية العلمية، اشتراكية علمية، وليست شيئا آخر.



ـ كل من اقتنع بالاشتراكية العلمية، ووظف منهجها العلمي، في التعاطي مع الواقع، بعيدا عن كل ما لا علاقة له بالعلم، بمعناه الاشتراكي العلمي.

 

ـ كل من تعامل مع الدين، أي دين، على أنه شأن فردي، ولا يمكن أن يصير غير ذلك.

 

ـ كل من يحرص على أن يصير الدين الإسلامي، كمعتقد فردي، متحررا من الأدلجة.

 

ـ من أجل مجتمع بعقل علمي.

 

ـ من أجل دين بلا أدلجة.

 

ـ من أجل إنسان متحرر، وبعقل علمي، يمكنه من الاختيار الحر، والنزيه.

 

ـ من أجل مغرب متحرر، وديمقراطي، واشتراكي.

 

محمد الحنفي.

 

 

تقديم:

 

في حديث مع أحد الرفاق، حول ما أنشره على حلقات، تحت عنوان (الإيمان، والإسلام، لا يعبر عنهما بالشكل..... !!!)، اختلفنا حول القول: بأن من حق أي كان، من المسلمين، أن يستغل الدين الإسلامي أيديولوجيا، وسياسيا. فكان رأيي الذي أدافع عنه في كتاباتي، أن الدين الإسلامي، هو لجميع المسلمين، لا يجب أن يستغل في الأمور الأيديولوجية، والسياسية، من منطلق: أن الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، لا تسمح بذلك، لكونه يقف وراء انبثاق الطائفية، حتى وإن كانت تلك المواثيق، من وضع الغربيين، كما يدعي ذلك مؤدلجو الدين الإسلامي، وما هو من وضع غربي، يتناقض مع خصوصيتنا، وقيمنا، كمجتمع إسلامي، كما يدعون ذلك أيضا، فكأن العلاقة القائمة بيننا، وبين الغرب، هي علاقة قطيعة أبدية، وكان المشترك الإنساني، غير قائم في الواقع الإنساني، ليتوقف الحديث العابر بيني وبين الرفيق، الذي أعزه، وأحترمه، ليتبلور بعد ذلك، في ذهني موضوع:

 

(في الاشتراكية العلمية، لا مجال لتوظيف الدين، في الأمور الأيديولوجية والسياسية.....).

 

وهذا الموضوع، يتطلب منا المعالجة المتأنية، التي نسعى إلى أن تكون دقيقة، حتى نعمل على ترسيخ الاقتناع بالاشتراكية العلمية، كوسيلة، وكهدف، كما يقول الشهيد عمر بنجلون، في التقرير الأيديولوجي، ونسعى إلى أن يصير المنهج الاشتراكي العلمي، يحكم مسارنا الفكري، في العلاقة مع الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، من أجل أن نعمل على إنتاج فكر علمي دقيق، يجعل الواقع الذي نحتك به واضحا، والعلاقة به واضحة، من أجل العمل على تغييره إلى الأحسن، حتى يصير في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ممنهجا، وهادفا، وممرحلا، انطلاقا من برنامج يحدد الأهداف القريبة، والمتوسطة، والبعيدة، التي يعمل المناضلون الأوفياء للاشتراكية العلمية، ولشهداء الطبقة العاملة على تحقيقها.

 

وسعيا منا إلى معالجة الموضوع، معالجة علمية دقيقة، فإننا نحرص على أن نتناول بالتحليل:

 

1) مفهوم الاشتراكية.

 

2) مفهوم العلمية.

 

3) العلاقة بين الاشتراكية، والعلمية.

 

4) المنطلقات العلمية، واللا علمية، في علاقة الفكر الإنساني بالواقع.

 

5) الاشتراكية العلمية، لا يمكن أن تكون منطلقاتها إلا علمية.

 

6) المنطلقات اللا علمية منطلقات تاريخية.

 

7) المنطلقات العلمية، منطلقات واقعية.

 

8) الدين، والتوظيف الأيديولوجي، والسياسي، بين العلمية، واللا علمية.

 

9) الدين الإسلامي، وتعدد التوظيفات الأيديولوجية اللا علمية.

 

10) خلاصة عامة.

 

وأثناء تنالنا لهذه العناصر، المشار إليها، بالتحليل، فإننا سوف نحرص على أن نسبر غور الموضوع، مع الحرص على علمية التحليل ما أمكن، من أجل وضوح الرؤيا لدى القارئ الكريم، وصولا إلى خلاصة تستجيب للغاية من طرح هذا الموضوع، للنقاش الهادف، والمتأني، من العمل على ترسيخ قناعات معينة لدى كل القراء، والمتتبعين، لدرء المغالطات التي تطرح في الساحة، حول رؤيا الاشتراكيين العلميين للدين الإسلامي، ورؤيا مؤدلجي الدين الإسلامي لهذا الدين، الذي تحول إلى مجرد مجال للاستغلال الأيديولوجي، والسياسي، بدل أن يبقى مصدرا للقيم الإنسانية النبيلة، المستمدة من النص الديني، في أفق أن يعود الدين الإسلامي شأنا فرديا، كما كان: (فمن شاء فليومن، ومن شاء فليكفر)، وأن يصير الواقع معالجا بالرؤى العلمية الدقيقة، حتى يصير في خدمة جميع الناس، مهما كان لونهم، أو جنسهم، أو معتقدهم، أو الطبقة التي ينتمون إليها، في إطار دولة مدنية، علمانية، ديمقراطية، تحرص على التوزيع العادل للثروة الوطنية، بين جميع أفراد المجتمع.

 

مفهوم الاشتراكية:

 

ونحن، عندما ندرج مفهوم الاشتراكية للنقاش، لا بد من استحضار مفهوم التحرير، ومفهوم الديمقراطية، نظرا للعلاقة الجدلية القائمة بين الاشتراكية، والتحرير، والديمقراطية.

 

فإذا كانت الاشتراكية تعني، ببساطة، تحقيق التوزيع العادل للثروة الوطنية، فإن ذلك التوزيع العادل للثروة الوطنية، لا يتم إلا في إطار مجتمع متحرر، وديمقراطي. والمجتمع المتحرر، لا بد أن تتحول فيه ملكية سائل الإنتاج، والمؤسسات الخدماتية، إلى ملكية اجتماعية، والملكية الاجتماعية، لا تأخذ دلالتها، ومعناها الحقيقي، إلا في إطار مجتمع ديمقراطي، حقيقي. والديمقراطية لا تكتسب معناها الحقيقي، إلا باتخاذها أبعادا اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية.

 

فالاشتراكية، إذن، لا تتحقق إلا بتحقيق تحرير ملكية وسائل الإنتاج الصناعية / الخدماتية، من الملكية الفردية، لتصير ملكية جماعية، وهي لا تتحقق، كذلك، إلا بتحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. والتحرير لا يأخذ مداه الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، إلا بتحقيق الاشتراكية. والديمقراطية، كذلك، لا تأخذ دلالتها الحقيقية، إلا بتحقيق التحرير الكامل، من كل أشكال العبودية، والاستغلال، وتحقيق الاشتراكية.

 

فالعلاقة الجدلية القائمة بين التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، كما أبدعها الشهيد عمر بنجلون، في تقديم التقرير الأيديولوجي، أمام المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1975، تعتبر مسألة أساسية، ومركزية، مما يجعل أي حديث عن الاشتراكية، دون ربطها ربطا جدليا بالديمقراطية، وبالتحرير، يبقى حديثا يفتقر إلى العلمية، كما أن الحديث عن التحرير، دون ربطه ربطا جدليا بالديمقراطية، وبالاشتراكية، يفتقر، كذلك، إلى العلمية، والحديث عن الديمقراطية، دون ربطها ربطا جدليا بالتحرير، وبالاشتراكية، يفتقر كذلك إلى العلمية.

 

ونحن، عندما نكون علميين، في حديثنا عن الاشتراكية، لا بد أن نربطها ربطا جدليا بالتحرير، وبالديمقراطية، وبالمضامين التي أشرنا إليها.

 

ولذلك، فالاشتراكية، هي التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، في إطار مجتمع تحررت فيه ملكية وسائل الإنتاج الصناعي، والخدماتي، من الملكية الفردية، بصيرورتها ملكية جماعية، تصير خيراتها الإنتاجية، والخدماتية، في خدمة جميع أفراد المجتمع، الذين يتمتعون بالديمقراطية، التي تتخذ أبعادا اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية.

 

وهذا الفهم الذي تأخذه الاشتراكية، هو الذي يجب أن يسعى المناضلون الاشتراكيون، إلى تحقيقه على أرض الواقع، وفي إطار وحدة اجتماعية متماسكة، محكومة بدولة ديمقراطية / علمانية متحررة، تحرص على جعل الاشتراكية هما يوميا، على المستوى الوطني، والقومي، والعالمي.

 

وهذا الفهم، كذلك، لا يلغي الملكية الفردية، التي يجب أن ترتبط بالحاجيات الضرورية للحياة، والتي يجب أن تبقى بعيدة عن ملكية وسائل الإنتاج الصناعية، والخدماتية، التي يجب أن تصير ملكا للمجتمع برمته، الذي يجب أن يحرص على حمايتها من التلف، ومن الانزياح في اتجاه تحويلها إلى ملكية فردية.

 

كما أن هذا الفهم للاشتراكية، لا يلغي ضرورة تمتيع جميع الناس، بجميع الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، باعتبارها تجسيدا لقيم الاشتراكية، التي تكرم الإنسان. وتكريم الإنسان، لا يتم إلا بتمتيعه بحقوقه، التي تقتضيها طبيعة وجوده.

 

والاشتراكية، باعتبارها توزيعا عادلا للخيرات المادية، والمعنوية، التي ينتجها المجتمع، بين جميع أفراده، تقتضي الحسم النهائي، مع كافة أشكال الاستغلال المادي، والمعنوي، التي تستهدف الطبقة العاملة، وباقي الأجراء، وسائر كادحي المجتمع، والاستعاضة عن ذلك الاستغلال، بالملكية الجماعية، لكل وسائل الإنتاج، التي يجب أن يسود فيها مبدأ:

 

"على كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته".

 

حتى لا تؤدي التعويضات الخيالية، المسلمة في الدولة الرأسمالية، إلى قيام فوارق طبقية مهولة في المجتمع الاشتراكي، وفي ظل قيام الدولة الاشتراكية.

 

والحسم مع كافة أشكال الاستغلال في الاشتراكية، يقتضي رسم حدود الملكية الفردية، وحدود المسؤوليات، وإخضاع تلك المسؤوليات إلى الرقابة الجماعية، حتى لا تتحول إلى وسيلة للإثراء السريع، ولنهب ثروات الشعب، وللارتشاء، والمحسوبية، والزبونية، وغيرها من الأمراض، التي نخرت الكيان الاشتراكي، في الاتحاد السوفياتي السابق.

 

ومفهوم الاشتراكية، كذلك، يحتوي مفهوم العدالة بمعناها الواسع، بما فيه العدالة الاقتصادية، والاجتماعية، المتضمنة في إطار التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية. إلا أن مفهوم العدالة بمعناها البورجوازي، الذي يبقى مسجونا في إطار حقوق الإنسان، بمعناها البورجوازي، لا يمكن أن تحتوي مفهوم الاشتراكية، من منطلق أنها تتناقض تناقضا مطلقا، مع الرأسمالية كنظام تنتعش فيه البورجوازية، التي لا يمكن أن ترتقي إلى مستوى الإنسانية، مهما ادعت احترامها لحقوق الإنسان.

 

والاشتراكية، كذلك، تقتضي بناء نظام اشتراكي، تنتفي فيه الملكية الفردية لوسائل الإنتاج، وتسود فيه الملكية الجماعية لتلك الوسائل، وتتحقق في إطاره الحرية، والديمقراطية، بالمعنى الاشتراكي، وتصير فيه إنسانية الإنسان مقدسة، وتتبوأ فيه حقوق الإنسان، بمعناها الاشتراكي، مكانة متميزة، يكون فيه هذا النظام محكوما بدولة ديمقراطية تقدمية، يسارية، علمانية، عمالية، تتعايش في إطارها جميع المعتقدات، واللا معتقدات، وجميع اللغات، واللهجات، التي تتفاعل فيما بينها، في إطار التعدد الذي يحقق الوحدة: وحدة الشعب، أو الشعوب، وحدة النظام الاشتراكي، على مستوى القطر الواحد، وعلى المستوى العالمي، ووحدة الدولة الاشتراكية، ووحدة التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، تجسيدا لوحدة الإنسان.

 

وفي ظل الدولة الاشتراكية، وحرصا منها على تأطير المجتمع، المحكوم بالنظام الاشتراكي، فإن هذه الدولة، لا بد أن تسمح بقيام التنظيمات النقابية، والجمعوية: الثقافية، والحقوقية، والتربوية، والترفيهية، التي ترسم لها حدود عملها، المتناسبة مع النظام الاشتراكي، حتى لا تصير وسيلة للانزياح في اتجاه تحويل هذا النظام، إلى نظام رأسمالي، كما حصل في الاتحاد السوفياتي السابق، وفي المنظومة الاشتراكية، التي كان يشرف عليها، ومن أجل أن تصير النقابات، والجمعيات، وسيلة لحماية النظام الاشتراكي.

 

وبذلك، يتبين أن مفهوم الاشتراكية، يقوم في إطار علاقة جدلية بين التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية. وهو ما يفرض: أن النضال من أجل تحقيق الاشتراكية، هو في نفس الوقت، نضال من أجل تحقيق التحرير، والديمقراطية، وصولا إلى تغيير ملكية وسائل الإنتاج، من الملكية الفردية، إلى الملكية الجماعية، التي يتحقق في إطارها تمتيع جميع أفراد المجتمع الاشتراكي، بحقوقهم الإنسانية، بمعناها الاشتراكي، من أجل وضع حد لكافة أشكال الاستغلال المادي، والمعنوي، لتحقيق العدالة بمعناها الواسع، بمعناها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في ظل إقامة نظام اشتراكي، محكوم بدولة اشتراكية، ديمقراطية، تقدمية، علمانية، يسارية، عمالية، تتساوى في إطارها جميع المعتقدات، وتسمح بقيام تنظيمات نقابية، وجمعوية، ترسم لها حدود عملها، بما يتناسب مع المحافظة على النظام الاشتراكي، وحماية الاشتراكية من الانحراف، في اتجاه عودة الرأسمالية.

 

مفهوم العلمية:

 

بعد مناقشتنا لمفهوم الاشتراكية، التي لا تتحقق إلا بتحقق الملكية الجماعية، والاجتماعية، والمجتمعية، لوسائل الإنتاج، في ظل قيام نظام اشتراكي، تحكمه دولة اشتراكية، تقدمية، ديمقراطية، مدنية، علمانية، تحرص على تكريس احترام إنسانية الإنسان، نأتي إلى مناقشة مفهوم العلمية.

 

فالعلمية ،نسبة إلى العلم. والعلم، هو مجموع النتائج، التي يتم التوصل إليها، عن طريق توظيف قوانين معينة، في مجال معين، من المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والرياضية، والفزيائية، والطبيعية، وغيرها من المجالات، التي توظف فيها القوانين العلمية، لإنتاج المزيد من المعرفة العلمية، التي تصير في خدمة الإنسانية.

 

والمعرفة العلمية، تختلف عن المعرفة التاريخية، التي تعتمد الوثائق التاريخية المختلفة، وتفسيرها، واستنتاج ما يجب استنتاجه منها، والقيام بمقارنتها بأحداث تاريخية أخرى، مشابهة لها، وقعت في نفس الزمان، ونفس المكان، أو وقعت في نفس المكان، مع اختلاف الزمن، الذي وقعت فيه، أو اختلفت عنها زمانا، ومكانا.

 

كما أن المعرفة العلمية، تختلف عن المعرفة الأدبية، التي تهتم بدراسة النصوص الأدبية، وتصنيفها، وبيان إيجابياتها، وسلبياتها، وعلاقتها بأوجه الواقع الاجتماعي، وأثرها على المسار الاجتماعي، والفكري، والأدبي، وما مدى عمق الرؤى الأدبية لما يجري في الواقع، أو لما جرى فيه بالنسبة للنصوص الأدبية التاريخية، وما مدى التفاعل القائم بين النصوص الأدبية، وأوجه ذلك التفاعل، وإلى أي حد يصير الواقع متفاعلا مع مختلف النصوص الأدبية، شكلا، ومضمونا، وهي المؤثرات الكبرى، التي تقف وراء صياغة نص أدبي معين، وما علاقة النصوص الأدبية بالمعرفة العلمية، والمعرفة الأدبية، والمعرفة النقدية، والمعرفة التاريخية، والمعرفة الفلسفية، والمعرفة القانونية، والمعرفة السياسية، والمعرفة الاقتصادية، والمعرفة الاجتماعية، والمعرفة الثقافية، وغيرها مما تهتم به المعرفة الأدبية، ما دام النص الأدبي يمكن له أن يحيل إلى بعض ذلك، أو كله.

 

وتختلف المعرفة العلمية، كذلك، عن المعرفة الفلسفية، كتاريخ، وكموضوعات، والتي تهتم أساسا بطرح السؤال الفلسفي، الذي يقتضي إعمال العقل الفلسفي، من أجل استنتاج الجواب، الذي قد يعتبر علميا، يترتب عنه سؤال فلسفي آخر. ذلك أن المعرفة الفلسفية، التي تهتم بدراسة الأفكار الفلسفية، وتطورها عبر العصور، ودورها في إنتاج المعرفة العلمية بالواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وبالطبيعة، وغيرها، لكونها وقفت وراء اكتشاف المزيد من القوانين العلمية، التي لعبت دورا كبيرا، في تطور الواقع، وفي تحوله إلى الأحسن.

 

وهذا الاختلاف القائم بين المعرفة العلمية، ومختلف المعارف التي ذكرنا، والتي لم نذكر، نظرا لكثرتها، مبعثه أن المعرفة العلمية، تقوم على وجود قوانين علمية متطورة، يمكن تطبيقها لإنتاج المعارف العلمية المختلفة، أما المعارف الأخرى، فتقوم على أساس مناهج البحث، والعمل على إنتاج معرفة تاريخية، أو أدبية، أو فلسفية، أو غيرها. وهذه المناهج تختلف من دارس، إلى دارس آخر، ومن مؤسسة للبحث، إلى مؤسسة أخرى للبحث، وهكذا...، بينما نجد أن المعرفة العلمية، لا تعتمد إلا على القوانين العلمية المكتشفة حتى الآن، والتي تتطور باستمرار، بفعل التطور الذي تعرفه مختلف العلوم.

 

أما مفهوم العلمية، الذي نقصده هنا، فهو مجموع القوانين العلمية، التي تم التوصل إليها، انطلاقا مما تم التوصل إليه في العلوم الطبيعية، والعلوم الفزيائية، وغيرها من العلوم، بالإضافة إلى توظيف المنطلقات المادية، التي تساعدنا على فهم الواقع الاجتماعي، فهما علميا، من أجل اكتشاف مجموع القوانين، التي تم تصنيفها، في إطار ما صار يسمى بالمادية الجدلية، والمادية التاريخية.

 

فالمادية الجدلية، هي مجموع القوانين، التي يمكن أن نقف عليها، في أي كتاب يحمل هذا الاسم، والتي تسعى إلى دراسة الواقع، دراسة علمية، من أجل اكتشاف القوانين المتحكمة فيه، والعمل على تغييره، تغييرا جذريا، ليصير في خدمة الإنسان المقهور، بدل أن يبقى في خدمة الطبقات الممارسة للاستغلال، من أجل أن يتغير النظام القائم، من نظام رأسمالي، أو رأسمالي تبعي، إلى نظام اشتراكي، تصير فيه ملكية وسائل الإنتاج بيد الإنسان.

 

وبالنسبة للمادية التاريخية، فإننا نقول، ببساطة، بأنها التطبيق العملي لقوانين المادية الجدلية على التاريخ، من أجل معرفة القوانين التي تحكمت في مساره، وفي تحولاته الكبرى، من أجل تحديد مراحله الكبرى، والمحطات التاريخية الكبرى، التي تفصل بين مرحلة، وأخرى، والوقوف على طبيعة التشكيلة الاقتصادية ـ الاجتماعية، في كل مرحلة، من أجل معرفة ما يجب عمله، من أجل الانتقال بتلك التشكيلة الاقتصادية ـ الاجتماعية، إلى تشكيلة اقتصادية ـ اجتماعية أرقى، وصولا إلى تحقيق التشكيلة الاقتصادية ـ الاجتماعية الاشتراكية، بعد أن عرفت البشرية، في تاريخها الطويل، تمرحل مجموعة من التشكيلات: المشاعية، والعبودية، والإقطاعية، والرأسمالية، التي لا زالت تنهب الخيرات المادية، والمعنوية، للمجتمعات البشرية، ولا زالت تكبد البشرية المزيد من الكوارث، ومن أجل معرفة الوسائل التي يجب اعتمادها، للانتقال بالتشكيلة القائمة، إلى تشكيلة أرقى، حتى يتم تفعيل الصراع الطبقي في مستواه الديمقراطي، وفي مستواه التناحري.

 

وتطبيق قوانين المادية الجدلية، على التاريخ العام للبشرية، في إطار ما صار يعرف بالمادية التاريخية، لا ينفي إمكانية تطبيق تلك القوانين على بلد معين، في إفريقيا، أو آسيا، من أجل الوقوف على خصوصية التطور الذي عرفه هذا البلد، أو ذاك، من أجل معرفة القوانين الطبيعية، والاجتماعية، والتاريخية، التي حكمت ذلك التطور، المحكوم بخصوصية معينة، من أجل العمل على معرفة الوسائل، التي يجب اعتمادها، للقيام بعملية التغيير الشامل، في أفق تحقيق الاشتراكية.

 

ولذلك، فالعلمية بالنسبة إلينا، تعني إعمال القوانين العلمية، لمعرفة الواقع، كما تعني إعمال قوانين الاشتراكية العلمية: المادية الجدلية، والمادية التاريخية، من أجل معرفة القوانين المتحكمة في واقع معين، يعتبر مستهدفا بالتغيير، في أفق تحقيق الاشتراكية، كهدف أسمى، يخلص البشرية من كل أشكال الاستغلال المادي، والمعنوي.

 

وما سوى القوانين العلمية، لا يمكن أن ننتج المعرفة العلمية بالواقع العام، وبالواقع الخاص، بقدر ما يؤدي ذلك إلى إعادة إنتاج نفس التشكيلة الاقتصادية ـ الاجتماعية القائمة، وقد تكون إعادة الإنتاج مشوهة.

 

والعلمية، وبهذا المفهوم الذي بسطناه، لا يمكن أن تكون إلا في صالح البشرية، وفي صالح كادحيها بالخصوص؛ لأن أي تطور يعرفه المجتمع الرأسمالي، لا يمكن أن يكون إلا في اتجاه تحقيق الاشتراكية، التي لا تخدم إلا مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، على خلاف إعادة إنتاج نفس التشكيلة القائمة، التي لا تخدم إلا مصالح الطبقة الحاكمة، والتحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، والرأسمالية التابعة، والرأسمالية العالمية.

 

العلاقة بين الاشتراكية والعلمية:

 

ونحن، عندما نبحث في الأسس التي تقوم عليها الاشتراكية، نجد أن من بين أسسها، أن تكون هناك قراءة علمية للواقع، في تطوره، من أجل إدراك القوانين المتحكمة فيه، والعمل على تعطيل تلك القوانين، لتحل محلها قوانين أخرى، تنقل الواقع الرأسمالي، مثلا، إلى واقع نقيض، تتحول فيه ملكية وسائل الإنتاج، من الملكية الفردية، إلى الملكية الجماعية، ليتحول النظام، إلى نظام اشتراكي، وما دامت الاشتراكية تقوم على الأسس العلمية، فإن الاشتراكية، لا يمكن أن تكون إلا علمية.

 

والعلمية في تحليل الواقع الاجتماعي، لا بد أن تكشف التناقضات القائمة فيه، سواء كانت تلك التناقضات ثانوية، أو رئيسية، ودور تلك التناقضات في تفعيل الصراع الطبقي، في مستواه الديمقراطي، وفي مستواه التناحري، ودور ذلك الصراع في الانتقال من تشكيلة اقتصادية / اجتماعية، إلى تشكيلة اقتصادية / اجتماعية أرقى، كما حصل في الصراع الذي عرفته التشكيلة العبودية، الذي أدى إلى قيام التشكيلة الإقطاعية، وفي الصراع الذي عرفته التشكيلة الإقطاعية، الذي أدى إلى قيام التشكيلة الرأسمالية، وفي الصراع الذي تعرفه التشكيلة الرأسمالية، الذي لا بد أن يؤدي، في مرحلة معينة، إلى قيام التشكيلة الاشتراكية.

 

ذلك أن فرز التشكيلة الأرقى، يقتضي قيام صراع بين الطبقة التي تمارس الاستغلال المادي، والمعنوي للمجتمع، وبين الطبقات التي يمارس عليها الاستغلال.

 

والعلمية تقتضي، كذلك، انبثاق وعي طبقي، في صفوف الطبقات المتصارعة. وهذا الوعي، يرتبط بالأساس، بالمصالح الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والوعي بالمصلحة الطبقية، المؤدي إلى ضرورة الاقتناع بضرورة ممارسة الصراع، في مستوياته المختلفة، وهو الذي يسمى بالأيديولوجية، أي الوعي الأيديولوجي، وأي تعبير عن ذلك الوعي، يسمى تعبيرا أيديولوجيا.

 

فالأيديولوجية، إذن، هي التعبير بواسطة الأفكار، عن المصالح الطبقية، لطبقة اجتماعية معينة، حتى يؤدي، ذلك التعبير، إلى توحيد أصحاب المصالح الطبقية، حول أيديولوجية معينة، تؤدي بهم إلى إنشاء حزب معين، أو الانتظام فيه، من أجل أن يدافع، بواسطة التعبير السياسي، عن المصالح الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لطبقة معينة، ومن أجل تسييد تلك المصالح، وجعلها تعبيرا عن المصالح الطبقية للمجتمع برمته، في أفق صيرورة الطبقة، صاحبة المصالح، طبقة حاكمة.

 

والأيديولوجية، عندما تصير معبرة عن مصالح المتحكمين (الأسياد)، في المجتمع العبودي، صارت أيديولوجية العبيد، وعندما تعبر عن مصالح المتحكمين (الإقطاع)، في المجتمع الإقطاعي، صارت أيديولوجية الإقطاع هي أيديولوجية الأقنان، وعندما تصير الأيديولوجية معبرة عن مصالح المتحكمين (البورجوازية)، صارت معبرة عن مصالح المجتمع الذي تحكمه البورجوازية، وعندما تصير الأيديولوجية معبرة عن مصالح الطبقات التي يمارس عليها الاستغلال، وفي طليعتها الطبقة العاملة، تصير أيديولوجية الكادحين، التي لا تعبر إلا عن مصالحهم.

 

ومن الضروري، أن نأخذ بعين الاعتبار، أن الأيديولوجيات المعبرة عن مصالح الطبقات المستغلة (بكسر الغين) هي أيديولوجيات تضليلية، تهدف إلى تضبيع جميع الكادحين، حتى ينساقوا وراء الحكام، من منطلق: أن حلول جميع المشاكل، التي يعاني منها كادحو المجتمع بأيديهم، إلا أيديولوجية الطبقة العاملة العلمية، باعتبارها أيديولوجية الكادحين، التي تقوض التضليل، وتنشر الوعي الطبقي في صفوف الكادحين، وعلى أسس علمية دقيقة.

 

وجميع الأيديولوجيات، المعبرة عن المصالح الطبقية في المجتمع، تؤدي إلى تكتل أصحاب تلك المصالح، في أحزاب سياسية، تقود الصراع في المجتمع، من أجل تسييد تلك المصالح، ومن أجل حمايتها، ومن أجل الوصول إلى السلطة لخدمتها، وتثبيتها، وجعل الطبقات الاجتماعية الأخرى في خدمتها، لتصير بذلك مصالح المجتمع برمته.

 

والأحزاب السياسية، الساعية إلى حماية المصالح الطبقية المختلفة، تنطلق في تحليلها للواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، من منطلقات محددة. وهذه المنطلقات، تكون إما مثالية، وإما مادية.

 

والتحليل المثالي، الذي ينطلق من الخرافة، أو من الدين، أو حتى من العقل المطلق، لا يمكن أبدا أن يصير تحليلا علميا، لا يهدف إلا إلى تقرير اعتماد منهجية معينة، لتثبيت الاستبداد القائم، أو من أجل فرض استبداد بديل، أو من أجل تقرير شرعية الاستغلال، غير المشروع، للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وشرعية النهب، الذي تمارسه الطبقة الحاكمة، وسائر المستفيدين من الاستغلال، لثروات الشعب، وشرعية القوانين المكرسة للعبودية، والاستبداد، والاستغلال.

 

أما التحليل المادين المنطلق من معطيات الواقع المادي: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والموظف لقوانين المادية الجدلية، والمادية التاريخية، فيهدف إلى إعداد العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الحاملين للوعي الطبقي الحقيقي، لخوض الصراع، بقيادة حزبهم، الذي لا يمكن أن يكون إلا حزب الطبقة العاملة، الساعي إلى تحقيق الاشتراكية، التي لا تقوم إلا على أساس انتقال ملكية وسائل الإنتاج، من الملكية الفردية، إلى الملكية الجماعية، من أجل وضع حد لاستغلال الإنسان، لأخيه الإنسان، ماديا، ومعنويا، ولتحقيق المجتمع الاشتراكي، الذي يتحكم فيه التحالف الطبقي، بقيادة الطبقة العاملة، في إطار الوصول إلى تحقيق الدولة الاشتراكية، التي لا يمكن أن تكون إلا دولة تقدمية / علمانية / ديمقراطية، ودولة الحق، والقانون، كما هي في المفهوم الاشتراكي، وصولا إلى تحقيق التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، وخدمة قيمة الإنسان، كما تفهمه الاشتراكية، لقطع الطريق أمام إمكانية انفراز استغلال من نوع جديد، كما حصل في المجتمع الاشتراكي، في الاتحاد السوفياتي السابق، مما أدى إلى عودته إلى النظام الرأسمالي.

 

والاختلاف بين التحليلين، على مستوى المنطلقات، وعلى مستوى المنهج الموظف، والقوانين المتبعة، وعلى مستوى النتائج المتوصل إليها، يعتبر مسألة موضوعية، نظرا للاختلاف القائم، بين الجهات القائمة بالتحليل، والتي تختلف منطلقاتها، والأهداف التي تؤدي إلى الوصول إلى تحقيقها، ونظرا للاختلاف الجوهري القائم بين المنطلقات المثالية، مهما كانت، وبين المنطلقات المادية، ونظرا للاختلاف القائم بين مناهج التحليل المثالية، وبين منهج التحليل المادي، والمادي التاريخي، ونظرا للاختلاف القائم بين النتائج المتوصل إليها، عن طريق اعتماد المناهج المثالية، والتي لا تكون، كذلك، إلا مثالية، أو عن طريق اعتماد المنهج المادي الجدلي، والمادي التاريخي، والتي لا تكون إلا علمية.

 

فالمثالية، والمادية، لا يلتقيان أبدا، وعلى جميع المستويات؛ لأن المثالية تغرق في متاهات التضليل، ولأن المادية لا تنتج إلا الوضوح في الفكر، وفي الممارسة، وفي الأهداف، حتى لا يتيه المتلقي، ومن أجل أن يعمل على تغيير واقعه، تغييرا جذريا، حتى يصير في خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.

 

ومعلوم أن الأحزاب التي توظف المنهج المثالي (الديني، والخرافي، والفكري)، لا يمكن أن تكون إلا الأحزاب الإقطاعية، والبورجوازية، والبورجوازية الصغرى، والأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، التي من مصلحتها تضليل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل إخضاعهم لكافة أشكال الاستغلال المادي، والمعنوي، الذي يقود إلى الاستفادة الواسعة للمستغلين (بكسر الغين)، وللمستفيدين من الاستغلال، وإلحاق الضرر العميق بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

 

أما الأحزاب التي توظف المنهج المادي الجدلي، والمادي التاريخي، فهي أحزاب الطبقة العاملة، التي لا تسعى إلا إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، من أجل تحقيق الكرامة الإنسانية، لمجموع أفراد المجتمع، باعتبارهم متساوين في الحقوق، وفي الواجبات، وأمام الدولة الاشتراكية، التي لا يمكن أن تكون إلا دولة مدنية ديمقراطية، علمانية، ودولة للحق، والقانون، كما تتصورها الاشتراكية.

 

ولذلك، فالعلاقة القائمة بين الاشتراكية، والعلمية، هي علاقة جدلية، وعلاقة عضوية، وعلاقة تطابقية.

 

فالعلاقة الجدلية، تجسد التفاعل القائم بين الاشتراكية، كملكية جماعية لوسائل الإنتاج، وكتوزيع عادل للثروة، وكنظام اشتراكي محكوم بالدولة الاشتراكية، كدولة ديمقراطية، تقدمية، علمانية، وكدولة للحق، والقانون، حسب المفهوم الاشتراكي، وكدولة تعد المجتمع الاشتراكي إلى المرحلة الأرقى، بعد التخلص من النظام الرأسمالي، على المستوى العالمي، وبين قوانين المادية الجدلية، والمادية التاريخية، المتطورة باستمرار، بصيرورة الاشتراكية، مساهمة في تطور، وتطوير القوانين المادية، والتاريخية، التي تعمل بدورها على تطور، وتطوير الاشتراكية، في الاتجاه الأرقى، وهو ما يترتب عنه التطور المستمر للاشتراكية، وللعلمية، في إطار التفاعل المستمر بين الاشتراكية، والعلمية.

 

والعلاقة العضوية بين الاشتراكية، والعلمية، ناجمة عن كون الاشتراكية، هي نتيجة للتطور العلمي، الذي عرفته البشرية، حتى جاء ماركس، واكتشف المادية الجدلية، بعد أن درس جدلية هيجل المثالية، وأعاد النظر في منطلقاتها المثالية، لتصير منطلقات مادية، مساعدة على ضبط القوانين العلمية، التي مكنت من قراءة الواقع الاقتصادي، والاجتماعين والثقافي، والسياسي، ومعرفة ما يجب عمله، من أجل القيام بالتغيير اللازم، لصالح الطبقات المقهورة في المجتمع، بالإضافة إلى قراءة التاريخ قراءة مادية، للوقوف على التشكيلات الاقتصادية / الاجتماعية، التي عرفها في مراحله المختلفة، وصولا إلى ضرورة تحقيق التشكيلة الاقتصادية / الاجتماعية الاشتراكية، إذا نضجت شروط قيامها، لنصل إلى أن العلمية، هي الارتقاء بالمجتمع إلى تحقيق الاشتراكية، وفي نفس الوقت، فإن حاجة البشرية إلى تحقيق الاشتراكية، هي التي وقفت وراء اكتشاف القوانين العلمية، من منطلق مادي، كما وقفت وراء تفعيل تلك القوانين، من أجل الوصول إلى تحقيق الاشتراكية، لتصير العلمية، بمعناها المادي، هي الاشتراكية، والاشتراكية هي العلمية، مما يجعل العلاقة العضوية قائمة بينهما.

 

والعلاقة التطابقية بين الاشتراكية، والعلمية، هي التي تجمعها عبارة "الاشتراكية العلمية"، التي اعتبرها الشهيد عمر بنجلون، في تقديم التقرير الأيديولوجي، وسيلة، وهدفا، في نفس الوقت؛ لأننا عندما نقبل على دراسة واقع معين، من أجل الوصول إلى معرفة ما يجب عمله، لتحقيق الاشتراكية، فإننا نحتاج إلى منهج الاشتراكية العلمية، المحكوم باعتماد قوانين المادية الجدلية، والمادية التاريخية، حتى نمتلك نظرية صحيحة، عن ذلك الواقع، نعتمدها من أجل العمل على تحقيق الاشتراكية، التي تتحقق باعتماد قوانين الاشتراكية العلمية، التي لا يمكن أن تكون إلا اشتراكية علمية.

 

ولذلك فالتطابق قائم بين الاشتراكية، والعلمية؛ لأن أية اشتراكية، لا تكون علمية، فهي مجرد تضليل للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بهدف صيرورتهم في خدمة البورجوازية، أو البورجوازية الصغرى، أو التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف.

 

وسواء كانت العلاقة بين الاشتراكية، والعلمية، جدلية، أو عضوية، أو تطابقية، فإن الاشتراكية لا يمكن أن تكون إلا واحدة، وهي الاشتراكية العلمية.

 

المنطلقات العلمية، واللا علمية، في علاقة الفكر بالواقع:

 

ونحن، عندما نعتمد أي منهج، لا بد أن نجد له منطلقات معينة، ينطلق منها في عملية البناء المنهجي، الذي يصير ضروريا لبناء فكر معين، أو لإجراء بحث معين.

 

والمنطلقات المعتمدة في مختلف المناهج، تكون إما علمية، أو غير علمية. وهذا الاختلاف في المنطلقات، هو الذي يحدد طبيعة المنهج المعتمد: هل هو منهج علمي، أو غير علمي، وهل يؤدي إلى استنتاج نتائج علمية، أو غير علمية.

 

فالمنطلقات، أو المسلمات العلمية، هي التي تؤدي إلى بناء منهج علمي، يعتمد في التحليل الملموس، للواقع الملموس، والمنطلقات العلمية، لا يمكن أن تكون إلا مادية ملموسة، تدرك حدودها، وأبعادها، وتاريخها، وتطورها، إدراكا علميا دقيقا، حتى تصير صالحة للانطلاق منها، في بناء المنهج العلمي الدقيق، الذي نعتمده في دراسة الواقع العلمي، دراسة عينية دقيقة، من أجل الوصول إلى نتائج علمية دقيقة، تعتمد في بناء نظرية علمية عن الواقع، في تجلياته، وأبعاده الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من أجل اعتماد تلك النظرية في التعامل مع الواقع المدروس، من أجل العمل على تطويره / تغييره إلى الأحسن، انطلاقا من تلك النظرية القابلة للتحول، إلى ممارسة عينية في الواقع المدروس.

 

فطبيعة المنهج المعتمد على منطلقات علمية، لا يكون إلا منهجا علميا، والدراسة بواسطة المنهج العلمي، لا تكون إلا علمية. والنتائج المتوصل إليها، لا تكون إلا علمية، واعتماد تلك النتائج في التعامل مع الواقع المدروس، من أجل تطويره ـ تغييره، لا يكون إلا تعاملا علميا. والأدوات المعتمدة في عملية التطوير ـ التغيير، لا تكون إلا أدوات علمية.

 

وعندما تختلف المنطلقات العلمية، يختلف المنهج العلمي، وتختلف النتائج، ويختلف التطوير ـ التغيير، وتختلف الأدوات.

 

كما أن الواقع المدروس، عندما يختلف، تختلف المنطلقات، ويختلف المنهج، وتختلف النتائج، ويختلف التطوير ـ التغيير.

 

فنحن أمام إمكانيات علمية، ومنهج علمي، ونتائج علمية، وأدوات علمية، وتطوير ـ تغيير علمي، لا يمكن أن يصير مضللا، بقدر ما يبسط الوضوح في الواقع، وفي النظرية، وفي الممارسة، لبناء مجتمع على أساس من الوضوح، في كل المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تصير في خدمة الجميع، وفي إطار مجتمع متحرر، وديمقراطي، واشتراكي متطور، ومتحول باستمرار، في اتجاه الأرقى.

 

أما المنطلقات غير العلمية، فهي منطلقات، لا يمكن أن تكون إلا مثالية. والمنطلقات المثالية، يمكن أن تكون منطلقات دينية، أو خرافية، أو في إطار ما عرف في الفلسفة القديمة بالعقل المطلق، وغير ذلك من المثاليات، التي لا حدود لها.

 

واعتماد المنطلقات المثالية، لا ينتج إلا منهجا مثاليا، والمنهج المثالي، لا يوظف إلا في الدراسة المثالية، والنتائج المتوصل إليها لا تكون إلا مثالية، والنظرية التي تبنى على تلك النتائج، لا تكون إلا نظرية مثالية، واعتماد تلك النظرية في التعامل مع الواقع، لا يمكن أن يؤثر في الواقع إلا تأثيرا يقضي بتأبيده كما هو، أو بإعادة إنتاجه، أو برجوعه إلى الوراء.

 

وعدم علمية المنطلقات المثالية، ينتج عدم علمية المنهج المثالي، وعدم علمية المنهج المثالي، ينتج عدم علمية النتائج المتوصل إليها، التي تقف وراء عدم علمية النظرية المثالية، المعتمدة في التعامل مع الواقع، لتنتج لنا عدم علمية الممارسة، التي لا تكرس إلا ما هو قائم، أو تعيد إنتاجه، أو تفرض عليه مخلفات الماضي.

 

وكما تختلف المنطلقات العلمية، تختلف كذلك المنطلقات المثالية، لتتعدد مناهجها المثالية، وتتعدد النتائج المثالية المترتبة عن تفعيل المناهج المثالية، لتختلف بذلك النظريات المثالية، المبنية على أساس تلك النتائج، ليختلف بذلك الواقع المستهدف، بكل نظرية مثالية على حدة، لإنتاج ممارسة مثالية مختلفة.

 

فالمنطلقات المثالية الدينية، تختلف باختلاف الأديان، لإيجاد مناهج دينية مختلفة، يقود تفعيلها إلى الوصول إلى نتائج مثالية دينية مختلفة.

 

وبذلك، نجد أن منطلقات ديانة موسى، ليست هي منطلقات ديانة عيسى، وليست هي منطلقات الدين الإسلامي، وليست هي منطلقات الديانة البوذية، أو الوثنية؛ لأن الاختلاف في المنطلقات من دين، إلى دين آخر، يؤدي إلى اختلاف المنهج من دين، إلى دين آخر، كما يؤدي إلى اختلاف النتائج من دين، إلى دين آخر، لتختلف النظرية الدينية، كذلك، من دين، إلى دين آخر. وهو ما يؤدي إلى اختلاف الممارسة من دين، إلى دين آخر.

 

وما قلناه عن الأديان، نقوله كذلك عن المذاهب الدينية، التي تختلف منطلقاتها، في إطار الدين الواحد، لتختلف مناهجها، تبعا لذلك، مرورا بالنتائج، والنظريات المذهبية، التي تنتج ممارسات مختلفة، إلى درجة التناقض، في إطار الدين الواحد.

 

والمنطلقات الخرافية، تختلف باختلاف الخرافة، وباختلاف الموظفين لتلك الخرافة، ومصادرها، واختلاف المجال الذي أنتجها، ليختلف بذلك المنهج الخرافي، لتختلف النتائج الخرافية، التي تبنى على أساسها نظرية خرافية، تنتج ممارسة خرافية، في واقع لا يكون قائما، إلا على أساس الإنتاج الخرافي.

 

وما قلناه عن المنطلقات الدينية / المثالية، والمنطلقات الخرافية / المثالية، ينسحب على منطلقات العقل، أو العقول المثالية، التي تختلف باختلاف الأشخاص القائلين بها، أو العاملين على ترسيخها في الفكر، وفي الممارسة، والتي تتأسس على مناهج تختلف باختلاف منطلقات العقول المثالية، لتختلف بذلك النتائج المتوصل إليها، التي تقوم على أساسها نظريات مثالية، تنتج لنا ممارسات مثالية، في مجتمعات محكومة بالعقول المطلقة، والتي لا رأي فيها للمجتمع المستهدف بالحكم.

 

والمنطلقات المثالية، سواء كانت دينية، أو خرافية، أو عقول مطلقة، هي منطلقات:

 

1) لا علمية، لمثاليتها، ولا يمكن أبدا أن تعتمد لإنتاج المعرفة العلمية بالواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

 

2) مكرسة للإطلاقية، على مستوى المنهج، والنتائج، والنظريات، والممارسات المبنية عليها.

 

3) تعمل باستمرار، على إدخال الواقع في قوالبها الجاهزة، مما يجعل الواقع مشوها باستمرار، فكأن الواقع، وجد ليصير كما تريده كل ديانة، أو كما تصوغه الخرافات، أو كما تتصوره العقول المطلقة.

 

4) تجعل الإنسان في الواقع، يكتسب قيمته، من خلال قبوله بالتشكل، وفق ما تقتضيه القوالب الجاهزة: الدينية، أو الخرافية، أو العقلية المطلقة.

 

5) تعادي العلم، والمعرفة العلمية، والمنهج العلمي، لكونها تكشف عجز المنطلقات الدينية، والخرافية، والعقلية المطلقة، عن أن تكون أساسا، ومنطلقا للتفاعل مع الواقع.

 

وإذا كانت المنطلقات المثالية لا علمية، ومكرسة للإطلاقية، وتعمل على إدخال الواقع في قوالبها الجاهزة، وتجعل الإنسان يكتسب قيمته من خلال قبوله بالتشكل، وفق ما تقتضيه القوالب الجاهزة، وتعادي العلم، والمعرفة العلمية، والمنهج العلمي، فإنها تتناقض تناقضا مطلقا، مع المنطلقات العلمية، التي تعتبر، في حد ذاتها، قوة قاهرة، للمثالية التي تصير، مع مرور الأيام، عاجزة عن الصمود أمام المادية، خاصة في ظل التحولات، التي يعرفها العالم الرأسمالي بالخصوص، والتي لا بد أن تنعكس سلبا، أو إيجابا على الأنظمة الرأسمالية التابعة. تلك التحولات، التي لا يمكن فهمها، إلا باعتماد المنطلقات العلمية، لبناء منهج علمي، لدراسة واقع الأزمات الرأسمالية، من أجل الوصول إلى نتائج، تعتمد لبناء نظرية علمية، حول ما يجري في إطار النظام الرأسمالي، والعمل على نقل النظرية إلى الممارسة، من أجل تغيير واقع النظام الرأسمالي، وتحويله إلى نظام اشتركي، لضمان صيرورة الخيرات المادية، والمعنوية، في خدمة إنسانية الإنسان.

 

الاشتراكية العلمية، لا يمكن أن تكون منطلقاتها إلا علمية:.....1

 

وبيت القصيد، بالنسبة إلينا، هو المنهج الذي يعتمد في تحليل الواقع، في أبأبعاده الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من أجل الوصول إلى نتائج تعتمد في بناء نظرية عن الواقع، والعمل على تفعيلها، بواسطة حزب معين، من أجل الوصول إلى تحقيق الأهداف المحددة، التي من بينها الوصول إلى السلطة، من أجل تصريف البرنامج الحزبي، لتحقيق نظرية الحزب، والأهداف الحزبية، في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، الذي قد تستفيد منه الجماهير الشعبية الكادحة، وقد تتضرر منه.

 

فالحزب المؤدلج للدين الإسلامي، يعتمد المنطلقات الدينية / المثالية، التي يبني على أساسها منهجه المثالي، الذي يسميه هذا الحزب منهجا دينيا إسلاميا، للإيغال في تضليل الجماهير، التي تعتقد أن الحزب الإسلامي، جاء ليعيد الاعتبار للدين الإسلامي، ولا يدرون أن هذا الحزب أدلج الدين الإسلامي، من أجل أن يستغله في الأمور السياسية، حتى تتجيش الجماهير الشعبية وراءه، ويستقوي بها، ليصل إلى السلطة باسم الدين الإسلامي، إما ليدعم الاستبداد القائم، أو ليكرس استبدادا بديلا.

 

والجماهير الشعبية الكادحة، التي يومن أفرادها بالدين الإسلامي، والتي تعاني من الأمية، والفقر، وعدم وجود إلمام كاف لديها، حتى بالدين الإسلامي، الذي لا تعرف عنه إلا ما تسمعه من فقهاء المساجد، الذين يرددون ما هو مدون في الكتب الصفراء، أو في الكتب المؤدلجة للدين الإسلامي، أو من مؤدلجي الدين الإسلامي، الذين تتحول مقارهم الحزبية إلى مساجد، ويعملون على تحويل مقرات المنظمات الجماهيرية إلى مساجد، وأكثر من هذا، فإنها تعمل على تحويل الشوارع إلى مساجد، بالإضافة إلى استغلالهم للمساجد التي لا يخلو منها حي، أو دوار، أو حتى دار في البادية، حيث يتخذ أفرادها مكانا ما، مسجدا.

 

ومشكل الجماهير الشعبية الكادحة، ونظرا لعدم معرفتها بحقيقة الدين الإسلامي، فإنها لا تستطيع أن تميز بين الدين الإسلامي، وبين أدلجة الدين الإسلامي، بسبب التضليل الذي يمارسه المؤدلجون على المسلمين، وعدم التمييز بين الدين الإسلامي، وبين أدلجة الدين الإسلامي، يجعل الجماهير الشعبية تعتقد: أن ما يقوم به مؤدلجو الدين الإسلامي، هو الإسلام عينه، مع أنه ليس إلا تحريفا له.

 

والمنهج الديني / الإسلامي، بمنطلقاته الدينية / الإسلامية، كما يسميها مؤدلجو الدين الإسلامي، لا يمكن أن يسعى إلا إلى الاستغلال السياسي للدين الإسلامي، من أجل تجييش المسلمين وراءهم، في أفق الوصول إلى السلطة، والتحكم في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وتوظيف كل ذلك، لصالح مؤدلجي الدين الإسلامي، بصيرورتهم حاكمين، يمسكون بيدهم كل شيء، لتبقى الجماهير الشعبية الكادحة غارقة في الويلات  الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تصير قدرا آتيا من عند الله، وكل من نهب أموال الشعب، فإن عليه أن يتوقف، ومن ضبط في عهدهم يمارس النهب، لا بد أن يحاسب، ولكن بمنطق مؤدلجي الدين الإسلامي، لا بمنطق دولة الحق، والقانون. وبالتالي، فإن ما يسميه مؤدلجو الدين الإسلامي، بالمنهج الإسلامي، بمنطلقاته الدينية / الإسلامية، وبالنتائج التي يتم التوصل إليها، وبالنظرية التي تنبني على تلك النتائج، وبتحويل النظرية إلى ممارسة في التعامل مع الواقع. كل ذلك لا يعدو أن يكون مثاليا، ولا علاقة له بالعلمية من قريب، أو بعيد، ولا يمكن أن يقف وراء تغيير الواقع تغييرا جذريا، ولا يمكن أن يصير وسيلة لتغيير ملكية وسائل الإنتاج، من الملكية الفردية، إلى الملكية الجماعية، كما لا يمكنه أن يقف وراء قيام الدولة المدنية الديمقراطية، كما لا يمكنه أن يسعى إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، لأن منهجا مثاليا قائما على منطلقات دينية، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى تكريس الواقع، كما هو، لا كما يجب أن يكون، وبمنطلق غيبي، ورجعي، ومتخلف، لا ينتج إلا المزيد من التخلف، ليصير الحزب المؤدلج للدين الإسلامي، في واقعه، وفي منهجه، وفي أهدافه، وفي وصوله إلى السلطة، مسؤولا عن تكريس التخلف.

 

أما الحزب الإقطاعي، الذي يعتمد المنطلقات الخرافية، التي يحاول أن يعطيها بعدا دينيا، لتحقيق غايتين أساسيتين، من وراء توظيفه للخرافة، والدين، في منطلقاته الخرافية، ببعدها الديني:

 

الغاية الأولى: شغل أبناء الشعب بالفكر الخرافي، الذي يصير موضوع التداول، بين جميع أفراد الشعب المغربي، الذين يعملون على تفسير كل ما يجري في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يصير بدوره محكوما بالفكر الخرافي.

 

والغاية الثانية: إعطاء الشرعية الدينية للإقطاع، الذي يصير متصرفا في كل شيء، وباسم الدين الإسلامي، وكأن الإقطاع مكلف من الله، بقهر أبناء الشعب، واستغلالهم باسمه، في العمل المضني في الأرض، لإنتاج المزيد من الخيرات الزراعية، والحيوانية، التي لا يستفيد منها المقهورون أي شيء، لكونها تذهب إلى جيب الإقطاعي، الذي لا يعترف بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، للعاملين في الأرض.

 

ولذلك، نجد أن اعتماد الإقطاع على المنطلقات الخرافية، بأبعادها الدينية، وباعتبارها منطلقات ميتافيزيقية / مثالية، يكرس العمل على أن يصير المنهج، كذلك، خرافيا، وإعمال المنهج هو إعمال خرافي، والنتائج المتوصل إليها، نتائج خرافية، والنظرية المبنية على تلك النتائج، لا تكون إلا خرافية، والممارسة المترتبة عنها، لا تكون إلا خرافية، من أجل تكريس الاستبداد الإقطاعي القائم، وقطع الطريق أمام إمكانية انبثاق فكر متنور، يؤدي إلى إلغاء النظام الإقطاعي، ليحل محله حكم متطور، منبثق عن تحول التشكيلة الاقتصادية / الاجتماعية الإقطاعية، إلى تشكيلة اقتصادية / اجتماعية رأسمالية.

 

وبالنسبة إلينا في المغرب، وبرجوعنا إلى مرحلة الاحتلال الأجنبي، نجد أن الإقطاع المغربي، جاء نتيجة لقيام هذا الاحتلال بانتزاع الأراضي من أصحابها الحقيقيين، وتسليمها إما إلى عملاء الاحتلال الأجنبي، الذين تحولوا، بفعل ذلك، إلى إقطاعيين، بدون أن يخوضوا أي شكل من أشكال الصراع، ليصيروا كذلك، وليشاركوا الاحتلال الأجنبي في حكم المغاربة، إلى جانب النظام المخزني، الذي وقف وراء مجيء هذا الاحتلال، وهو ما يعطينا أن الإقطاع المغربي دخيل على المجتمع المغربي؛ لأنه تكون، وصار واقعا قائما، بفعل الاحتلال المذكور، الذي يصير، كذلك، بمثابة الخرافة، التي يستند إليها الإقطاع، الصنيع للاحتلال الأجنبي، وإما إلى المعمرين الأجانب، الذين يصيرون امتدادا للبورجوازية الزراعية في البلد الأصلي للمحتل، والتي تعتبر منطلقاتها في التعامل مع الواقع مثالية.

 

ومعلوم أن المخلوق عندما لا يصير أصيلا، يصير مشوها في خلقته، وفي فكره، وفي ممارسته.

 

والإقطاع المغربي مخلوق مشوه، والتشوه في الخلقة، هو الذي يجعله يقبل أن يصير عميلا للأجنبي، مع أن الاحتلال الأجنبي، هو نظام بورجوازي، يعتمد منطلقات عقلية / مثالية، أكثر تطورا من المنطلقات الخرافية، التي يعتمدها الإقطاع، وعمالة الإقطاع المغربي للاحتلال الأجنبي، تجعله يعتمد هو بدوره منطلقات تمزج بين الخرافة، والدين، وبين العقل المثالي، لتبني منهجا مختلفا، للوصول إلى نتائج مختلفة، لبناء نظرية لا تنفي الإقطاع، كما لا تنفي التحالف مع النظام المخزني، وتؤهله، في نفس الوقت، لأن يتحول إلى بورجوازية، حتى يقطع الطريق أمام إمكانية قيام صراع بورجوازي، ضد الإقطاع المغربي، ليصير الإقطاع متحكما في مصير المغاربة، قبل الاحتلال، وبعده.

 

الاشتراكية العلمية، لا يمكن أن تكون منطلقاتها إلا علمية:.....2

 

والحزب البورجوازي، يعتمد منطلقات العقل المثالي، الذي لا نستطيع معرفة كنهه، لبناء منهج بورجوازي، مثالي، يقود، في دراسته للواقع، إلى الوصول إلى نتائج مثالية، تتحول إلى ممارسة بورجوازية في الحكم، واستغلال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل مراكمة المزيد من الثروات، وحمايتها، وتوظيفها، للمزيد من الاستغلال الهمجي للمجتمع ككل.

 

والمنطلقات البورجوازية / المثالية، تهدف إلى جعل المجتمع، برمته، يعتمد تلك المنطلقات، في عملية التفكير الفردية، والجماعية، حتى ينشغل الجميع بتلك المنطلقات، لإعطاء الشرعية للنظام البورجوازي، وللاستغلال البورجوازي، ولتكون التطلعات الطبقية لدى العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى يصير كل فرد يحلم بالتحول، إلى بورجوازي، ليختفي، بذلك، الصراع ضد الاستغلال البورجوازي، الذي يكتسب الطابع الأبدي، على مستوى الظاهر، الذي يخفي وراءه إمكانية قيام الصراع، ضد الاستغلال البورجوازي، في أية لحظة، متى توفرت شروط انبثاق ذلك الصراع.

 

وقد كانت المنطلقات البورجوازية في الأصل، متناقضة مع المنطلقات الخرافية / الدينية، إلا أنه وبعد بيان دور الدين، والخرافة، في حماية الاستغلال البورجوازي / الرأسمالي، تم التآخي بين المنطلقات البورجوازية، والمنطلقات الدينية، والمنطلقات الإقطاعية، لتصير جميعها في خدمة الاستغلال، المترتب عن اعتماد جميع المنطلقات. وهذا التآخي، هو الذي قاد إلى التحالف البورجوازي / الإقطاعي، ومع مؤدلجي الدين الإسلامي، في العديد من الدول، وعلى المستوى العالمي، خاصة وأن جميع أطراف التحالف، ضد المنطلقات المادية، وضد حزب الطبقة العاملة اليساري، وضد اليسار، وضد العمل على تحقيق الاشتراكية.

 

والمنطلقات التي يعتمدها الحزب البورجوازي، منطلقات عقلية / مثالية، غير علمية، لا يمكن أبدا أن تنتج، من خلال المناهج التي تبنى عليها، إلا نتائج مثالية، تعتمد في بناء نظريات مثالية، لا يمكن أن تنتج إلا ممارسات مثالية، لا تخدم إلا مصالح البورجوازية، أو التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف.

 

وبالنسبة إلينا في المغرب، يوجد الحزب، أو الأحزاب التي تعتمد منطلقات دينية / إسلامية، لبناء منهج ديني / إسلامي، للوصول إلى أدلجة الدين الإسلامي، وصولا إلى نتائج دينية / إسلامية، لإنتاج نظرية إسلامية، تصلح لبناء ممارسة دينية / إسلامية: أيديولوجية، وسياسية، وفي إطار الدولة التي يسمونها إسلامية، والتي تشرف على "تطبيق الشريعة الإسلامية"، كما يوجد الحزب، أو الأحزاب الإقطاعية المتبرجزة، التي تعتمد منطلقات خرافية / دينية / عقلية / مثالية، لبناء مناهج متعددة المنطلقات، لإنتاج نظرية مشوهة، لا هي بالإقطاعية الصرفة، ولا هي بالدينية / الإسلامية، ولا هي بالبورجوازية الصرفة، لإنتاج ممارسة مشوهة، ومشوشة، تعتمد لبناء دولة مشوهة، ومشوشة، مما يجعل هذا الحزب، أو الأحزاب الإقطاعية المتبرجزة، تساهم بشكل كبير، في تكريس تخلف المجتمع، وتعيق ذلك التخلف، كما يوجد الحزب البورجوازي المرتبط بالأصول الإقطاعية، الذي يعتمد بدوره منطلقات عقلية / مثالية / خرافية / دينية، تشد هذا الحزب، أو الأحزاب البورجوازية، إلى الأصول الإقطاعية، لإنتاج نظرية بورجوازية / إقطاعية، لا تقطع مع الأصول الإقطاعية، ولا تخلص إلى البورجوازية، بمفهومها الأوروبي، لبناء نظرية بورجوازية / إقطاعية، مشوهة إيديولوجيا، وسياسيا، لبناء دولة مشوهة، لا تخدم إلا مصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف.

 

وسواء تعلق الأمر بالأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، أو بالحزب، أو الأحزاب الإقطاعية المتبرجزة، أو بالحزب، أو الأحزاب البورجوازية / الإقطاعية، فإن هذه الأحزاب جميعا تتميز ب:

 

أولا: كونها لا ديمقراطية، ولا شعبية.

 

ثانيا: كونها ترتبط بالمؤسسة المخزنية، وتتحالف معها، وتخضع لتعليماتها.

 

ثالثا: كونها ترتبط بالإملاءات الخارجية، المتعددة المصادر، وخاصة تلك الآتية من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والمؤسسات المالية الدولية.

 

رابعا: كونها تصل إلى تحمل المسؤوليات التشريعية، والتنفيذية، عن طريق تزوير إرادة الشعب المغربي، الذي تنجزه الدولة المغربية، عبر وزارة الداخلية.

 

وبالنسبة للحزب اليساري، أو حزب الطبقة العاملة، فإن هذا الحزب، هو الحزب الوحيد الذي يعتمد منطلقات مادية / علمية، لإنتاج منهج علمي، يقود إلى نتائج علمية، تعتمد في بناء نظرية علمية، تنتج ممارسة أيديولوجية، وسياسية علمية، لبناء دولة اشتراكية / ديمقراطية / تقدمية / علمانية، تعمل على خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. وهذه المنطلقات، هي التي تسمى بالمنطلقات الاشتراكية العلمية، التي تهدف إلى:

 

1) إيجاد أيديولوجية مؤسسة على الاقتناع بالاشتراكية العلمية.

 

2) بناء حزب يساري، أو حزب الطبقة العاملة، على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، كوسيلة، وكهدف.

 

3) أن يربط هذا الحزب، في نظريته، وفي ممارسته، بين التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.

 

4) أن يحرص على تفعيل المنظمات الجماهيرية، التي تسعى إلى الارتباط بأوسع الجماهير.

 

5) تربية الجماهير على امتلاك الوعي بأوضاعها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

 

6) السعي إلى أن يصير جميع أفراد المجتمع، يمتلكون الوعي بحقوقهم المختلفة، والنضال من أجل التمتع بها.

 

7) إعداد الطبقة العاملة، بمفهومها التقليدي، أو بمفهومها الحديث، إلى لعب دورها، أيديولوجيا، وسياسيا، وفي إطار أحزاب اليسار، أو من خلال النقابات المبدئية، والمناضلة، ومع حلفائها من الأجراء، وسائر الكادحين، باعتبارها طليعة المجتمع.

 

8) عدم مهادنة الممارسة البيروقراطية، وكافة أشكال الانحراف، التي يعرفها العمل النقابي، والعمل الجماهيري، من خلال المنظمات النقابية، والجماهيرية، التي يجب الحرص على ديمقراطيتها، وتقدميتها، وجماهيريتها، واستقلاليتها، ووحدويتها، حتى تصير إطارات علمية، لتأطير الجماهير المعنية بكل تنظيم نقابي، أو جماهيري، وقيادة نضالاتها، في أفق تحقيق المطالب الجماهيرية، التي تشعر الجماهير بأهمية دورها، في تحقيق المطالب السياسية، ودورها في الحفاظ على مبدئية العمل النقابي، وعلى محاربة الممارسة البيروقراطية، وكافة أشكال التحريف.

 

والاشتراكية العلمية، التي هي أساس إيجاد أيديولوجية الحزب اليساري، أو العمالي، الذي يمكن أيضا أن يحمل اسم الحزب الثوري، هي اشتراكية ثورية، في نفس الوقت، لكونها تقوم على أساس التحليل الملموس، للواقع الملموس، عن طريق إعمال قوانين التحليل العلمي: المادية الجدلية، والمادية التاريخية، من أجل الوصول إلى رؤيا علمية، عن الواقع العيني المدروس، من أجل بناء نظرية علمية، تصلح للاعتماد في العمل على تحقيق التغيير الشامل: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، لواقع معين، من أجل صيرورته في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

 

والدين في التحليل الاشتراكي العلمي، أنى كان هذا الدين، يعتبر جزءا من الواقع المدروس، ومكون من المكونات الثقافية، وقوة مادية قائمة فيه، يمكن التعامل معها، كمعطى مادي، من جملة المعطيات المدروسة في واقع معين، حتى نستطيع معرفة الواقع، معرفة علمية، على مستوى الخصوصية، مما يغني النظرية المعتمدة في عملية التغيير.

 

والاشتراكية العلمية، ليست ضد الدين كمعتقد قائم في الواقع، مهما كان متعددا، ومهما كان الأفراد المومنون به؛ لأن الاعتقاد بأي دين، حق من حقوق الأفراد، يعبرون عنه بواسطة الطقوس التي يمارسونها، ولكن عندما يتحول الدين، على يد المؤدلجين، إلى تعبير أيديولوجي، وسياسي، فإنه يصير نقيضا للاشتراكية العلمية، التي تجد نفسها تخوض صراعا مريرا ضد الأيديولوجية الظلامية، القائمة على استغلال الدين أيديولوجيا، وسياسيا.

 

والاشتراكية العلمية، ليست، كذلك، ضد المعرفة الدينية، بشرط أن ترتبط تلك المعرفة بالمؤسسة الدينية، أنى كانت هذه المؤسسة، وأن تصير مؤسسات الدولة، وسيلة لنشر المعرفة الدينية، التي توجه طبيعة تلك المعرفة، لخدمة مصالحها، حتى يبقى الدين بعيدا عن التوظيف الأيديولوجي، والسياسي.

 

كما أن الاشتراكية العلمية، ليست ضد تمويل المؤسسات الدينية، إلا أن مصدر هذا التمويل، يجب تحديده، حتى يصير مشروعا، ومن أجل أن لا يصير فاقدا للمشروعية. ذلك، أن واقعا معينا، يعرف تعدد المعتقدات، ولكل معتقد مؤسساته، التي تمارس فيها الطقوس. والمفروض أن يمول المومنون بكل معتقد، المؤسسات التي يمارسون فيها طقوسهم الدينية، وأن لا تمول تلك المؤسسات من أموال الشعب، التي تدبرها الدولة، طبقا للقوانين المعمول بها؛ ولكن عندما لا يمول المومنون بمعتقد معين، المؤسسات التي يمارسون فيها طقوسهم الدينية، فإن ذلك يعني أن الدولة هي التي تقوم بعملية التمويل، من أموال الشعب. وهو ما ليس مشروعا في الاشتراكية العلمية.

 

فالعلاقة بين الاشتراكية العلمية، وبين المعتقد الديني، هي علاقة الكل بالجزء، وعلاقة المعتقدات الدينية بالاشتراكية العلمية، هي علاقة الجزء بالكل، والعلاقة القائمة بين الكل، والجزء، أو العكس، هي علاقة جدلية.

 

وانطلاقا مما رأيناه في الفقرات السابقة، فإن المنطلقات المعتبرة دينية، أو خرافية ـ دينية، أو منطلقات العقل المثالي، لا يمكن اعتبارها منطلقات علمية، لكونها تقف وراء بناء مناهج مثالية، تصير مصدرا لإنتاج ممارسة مثالية، تعتمد لبناء نظرية مثالية، تصير مصدرا لإنتاج ممارسة مثالية، تعمل على صياغة واقع مناسب، ومتناسب، مع المثالية الدينية، أو الخرافية، أو مع العقل المثالي. أما المنطلقات المادية، المعتمدة في إنتاج منهج مادي، توظف فيه قوانين المادية الجدلية، والمادية التاريخية، للوصول إلى نتائج مادية، توظف لإنتاج نظرية مادية عن الواقع، تقف وراء القيام بممارسة مادية، لا يمكن أن تكون إلا علمية. وعلميتها، هي التي تقف وراء العداء المطلق، الذي تكنه الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، والتي تسمي نفسها دينية، والأحزاب الإقطاعية المتبرجزة، والبورجوازية، ذات الأصول الإقطاعية، والبورجوازية، وحتى البورجوازية الصغرى، المريضة بالتطلعات الطبقية. والمنطلقات المادية، لا يزيدها ذلك العداء، إلا الإصرار على الاستمرار، والتطور، والتوسع، من أجل أن تعمل الأحزاب اليسارية، والتقدمية، والعمالية، التي تعتمد المنطلقات المادية العلمية، من أجل تغيير الواقع تغييرا جذريا، حتى يصير في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بعد تغيير ملكية وسائل الإنتاج، من الملكية الفردية، إلى الملكية الجماعية، لتحقيق الاشتراكية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ويتم القضاء على كافة أشكال الاستغلال المادي، والمعنوي، التي لا تخدم إلا مصالح مؤدلجي الدين الإسلامي، ومصالح الإقطاع المتبرجز، ومصالح البورجوازية، والبورجوازية الصغرى.

 

ذلك أن منطق التاريخ، ومنطق التطور، ومنطق العلمية، يقود إلى العمل على وضع حد للاستغلال، الذي تعاني منه الغالبية المطلقة من البشرية، أما المنطلق الديني، والخرافي الديني، والعقلي المثالي اللا علمي، فلا يقود إلا إلى تكريس واقع الاستغلال المادي، والمعنوي، للغالبية المطلقة من البشرية.

 

المنطلقات اللا علمية منطلقات تاريخية:

 

وبعد وقوفنا على المنطلقات اللا علمية، وما يترتب عنها، والمنطلقات العلمية، وما يترتب عنها، ضد مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، أو لصالحهم، نصل إلى مناقشة كون المنطلقات اللا علمية، منطلقات تاريخية.

 

فالشيء، أي شيء، وكيفما كان، إما أن يصير في ذمة التاريخ، وإما أن يوجد قائما، ومستمرا في الواقع؛ لأن الواقع متحرك باستمرار.

 

والأفكار التي يحملها الإنسان، قد تكون أفكارا تاريخية، لم تعد صالحة للاستمرار في الواقع، وإما أن تكون أفكارا واقعية، مستمرة في الواقع.

 

والمنطلقات المنهجية، كالأشياء، والأفكار قد تكون منطلقات تاريخية، وقد تكون منطلقات واقعية.

 

والتاريخي، بالنسبة إلينا، كل ما دخل في ذمة التاريخ، ولم يعد صالحا للاستمرار؛ لأنه استنفذ مرحلته. وإذا تمت استعادته، وفرض بالقوة على الواقع، فإنه يصير معرقلا لتطور الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، لأنه يتحول إلى جسم غريب عن الواقع، سواء كان شيئا، أو فكرة، أو منطلقا منهجيا.

 

وكون التاريخي دخل في ذمة التاريخ، لا ينفي ضرورة استحضار العناصر الإيجابية فيه، من أجل الأخذ بها، حتى تساعد على تطوير، وتطور الواقع، في تجلياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، لتصير بذلك جزءا من الواقع، ومكونا من مكوناته. والأخذ بتلك العناصر الإيجابية، كمنطلقات، يصير بمثابة المنطلقات العلمية، التي لا يمكن اعتبارها، أبدا، منطلقات تاريخية.

 

فالقيم الإنسانية النبيلة، المستمدة من نصوص الدين الإسلامي، تعتبر جزءا من الواقع، ومكونا من مكوناته، والأخذ بها، كمنطلقات، باعتبارها من مكونات الواقع، يدخل في إطار المنطلقات العلمية، لبناء المنهج العلمي، الذي يقود إلى نتائج، من بينها، ضرورة استثمار العناصر الإيجابية، المستمدة من المنطلقات التاريخية.

 

وما قلناه عن القيم الإنسانية، المستمدة من النص الديني الإسلامي، نقوله، كذلك، عن قيم العقل المثالي، الإيجابية، التي يعتبر الأخذ بها من سمات التطور، الذي تعرفه البشرية، كما هو الشأن مثلا بالنسبة للدياليكتيك الهيجلي، الذي اعتمده ماركس، وطوره، ليصير دياليكتيكا ماركسيا علميا.

 

وهكذا، يمكن أن نعتبر كل القيم الإنسانية النبيلة، المستمدة من التراث الإنساني، ومن التراث العربي الإسلامي، جزءا لا يتجزأ من الواقع، ومكونا من مكوناته، حتى تصير منطلقات علمية.

 

وكون تلك القيم، مستمدة من واقع محكوم بالتصور المثالي: الديني، أو الخرافي، أو العقلي المثالي، لا ينفي عنها صيرورتها واقعا ماديا، يصير منطلقا ماديا علميا.

 

غير أن القاعدة العلمية، تفرض أن أي منطلق ديني، أو خرافي، أو عقلي مثالي، هو منطلق لا علمي، ولا يمكن أن يصير أساسا لبناء منهج علمي، ولا تصير نتائج المنهج اللا علمي نتائج علمية، ولا يمكن أن تؤسس على تلك النتائج نظرية علمية، ولا يمكن أن تصير النظرية اللا علمية مصدرا للممارسة العلمية، ولا يصير الواقع، بالممارسة اللا علمية، واقعا متطورا.

 

ولذلك، فمنطق الواقع العلمي، يقضي بأن الأخذ بالمنطلقات اللا علمية، سوف يقف وراء:

 

أولا: إعادة إنتاج نفس الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي القائم، والذي لا يمكن أن يمكن الإنسان من التمتع بحقوقه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

 

ثانيا: المحافظة على تكريس التخلف، في مستوياته المختلفة، المنتجة للإنسان المستلب: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.

 

ثالثا: تكريس الاستبداد القائم، بمظاهره الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، أو العمل على تحقيق الاستبداد البديل، الذي يغرق المجتمع في المزيد من الحرمان من كافة الحقوق.

 

رابعا: استمرار تحكم نفس النظام المخزني المتحالف، مع البورجوازية الخليعة، والمتعفنة، ذات الأصول الإقطاعية، ومع الإقطاع المتخلف.

 

خامسا: استمرار معاناة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من الحرمان، والقهر، والاستغلال الهمجي.

 

سادسا: استمرار حرمان الجماهير الشعبية، من حقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

 

سابعا: استمرار الحكم بنفس الدستور الممنوح، اللا ديمقراطي، واللا شعبي، الذي يضمن تكريس الاستبداد القائم، ويمكن الحكام من تكريس السيطرة، من أجل تكريس الاستغلال الهمجي للكادحين.

 

ثامنا: استمرار الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي تديره، وتشرعنه أجهزة الدولة المخزنية القائمة.

 

تاسعا: قطع الطريق أمام إمكانية العمل على تحقيق الحرية، والديمقراطية، مقابل القضاء على الاستبداد، والعدالة الاجتماعية، مقابل التخلص من الاستغلال.

 

عاشرا: استمرار التدهور في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، الذي لا تستفيد منه إلا الطبقة الحاكمة، والرأسمالية التابعة، والمؤسسات المالية الدولية، والشركات العابرة للقارات، والرأسمالية العالمية، ولا يتضرر منه، بالدرجة الأولى، إلا العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

 

والمنطلقات التي تنتج الكوارث في الواقع، هي منطلقات تقتضي التصدي لها، ومحاربة اعتمادها بمناهجها، وبنتائج تلك المناهج، وبالنظريات التي تبنى عليها، وبالممارسات المترتبة عن تلك النظريات، التي لا تدخل البشرية إلا في المزيد من التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

 

وفي أفق العمل على عدم الأخذ بالمنطلقات اللا علمية، نرى ضرورة إبراز المظاهر المتخلفة، المترتبة عن:

 

أولا: الأخذ بالمنطلقات الدينية، التي يأخذ بها مؤدلجو الدين الإسلامي، والتي تسعى إلى تطييف المجتمع، وإيجاد صراع ديني / ديني، بدل الصراع الطبقي المشروع، مما يدخل المجتمع في صراعات لا داعي لها، لو لم يتم الأخذ بالمنطلقات الدينية، التي تقود إليها.

 

ثانيا: الأخذ بالمنطلقات الخرافية / الدينية، التي تعمل على إعادة إنتاج نفس العلاقات الإنتاجية، المتناسبة مع مرحلة تحكم الإقطاع، حتى وإن تم تبرجز الطبقة الإقطاعية، لتستمر نفس الممارسة الإقطاعية، متحكمة في المجتمع.

 

ثالثا: الأخذ بالمنطلقات العقلية المثالية: البورجوازية، أو البورجوازية ذات الأصول الإقطاعية، نظرا لكونها تعمل على إعادة إنتاج نفس الهياكل البورجوازية، والبورجوازية ذات الأصول الإقطاعية المتخلفة، مما يساهم بشكل كبير، في تكريس التخلف القائم، بمظاهره الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

 

وما نشاهده من تحالف بورجوازي / إقطاعي / مخزني، ومع الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، ناتج عن كون المنطلقات المذكورة مثالية، لا علاقة لها أبدا بالعلمية، ولا يمكن أن تنتج إلا مجتمعات متخلفة على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لغلبة سمة إعادة إنتاج الواقع المتخلف، على اعتماد منطلقات متخلفة أصلا.

 

المنطلقات العلمية واقعية:

 

وبعد مناقشتنا للا علمية المنطلقات الدينية، والخرافية / الدينية، والعقلية المثالية، وما يترتب عن اعتمادها من مناهج مثالية، تقود إلى نتائج مثالية / لا علمية، وانعكاس كل ذلك على إعادة إنتاج تخلف الواقع، على جميع المستويات، ننتقل إلى مناقشة المنطلقات العلمية / الواقعية.

 

فنحن عندما نقبل على دراسة موضوع فزيائي، أو طبيعي، أو حتى اجتماعي، لا بد لنا من منطلقات ننطلق منها في تلك الدراسة. وهذه المنطلقات، لا بد أن تكون مادية أولا، وملموسة ثانيا، ومناسبة، أو متناسبة مع موضوع الدراسة، حتى نستطيع أن نؤسس عليها منهجا فيزيائيا، أو طبيعيا، أو اجتماعيا؛ لأن مواضيع، من هذا النوع، لا تكون منطلقاتها إلا مادية ملموسة، وإلا، فلن يكون هناك علم بالمعنى الفيزيائي، أو الطبيعي، أو الاجتماعي.

 

ولذلك، قلنا في الفقرات السابقة: أن الاشتراكية العلمية، لا يمكن أن تكون إلا علمية.

 

ومنطلق الاشتراكية العلمية الأساسي، هو الواقع المادي / الاجتماعي، الذي يعتبر، في نظر الاشتراكية العلمية، هو الأصل في الوجود، وليس نتيجة لوجود آخر.

 

وهذا المنطلق المادي / الاجتماعي، هو الذي أنزل قوانين الجدل الهيجلي، من السماء، إلى الأرض، على يدي ماركس، وأنجلز، مما أحدث ثورة عظمى في التاريخ العلمي / البشري، وحول العلم الاجتماعي / المثالي، إلى علم، بمنطلقات اجتماعية، وبمنهج علمي قائم على إعمال قوانين الديالكتيك الماركسي، يؤدي تفعيلها إلى نتائج علمية / اجتماعية، يتم اعتمادها لبناء نظرية علمية عن الواقع، يمكن تفعيلها لتغيير الواقع في تجلياته المختلفة، من أجل وضع حد لعلاقات الإنتاج الرأسمالية، والرأسمالية التبعية، وإقامة علاقات إنتاج اشتراكية، بعد تحقيق التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، وبعد تغيير ملكية وسائل الإنتاج، من الملكية الرأسمالية لوسائل الإنتاج، التي تؤول إلى الأفراد العينيين، أو المعنويين، إلى الملكية الاشتراكية، التي تؤول إلى المجتمع، الذي يصير، بذلك، شعبا عاملا، ومنتجا للخيرات المادية، والمعنوية، ومتمتعا بتلك الخيرات، التي توزع توزيع عادلا على جميع أفراد المجتمع، وصولا إلى تحقيق مبدأ: "لكل حسب حاجته، وعلى كل حسب قدرته"، حتى لا تصير المؤهلات وسيلة لإحداث تفاوت طبقي، بين جميع أفراد المجتمع الاشتراكي، المرشح للانتقال إلى التشكيلة الأعلى، عندما تتحقق الاشتراكية في جميع البلدان المعروفة، بكونها أنظمة رأسمالية، أو أنظمة رأسمالية تابعة.

 

والمنطلقات العلمية، هي منطلقات واقعية ملموسة، وهي جزء من الواقع القائم، في تجلياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ولا يمكن فصلها عنه، وإلا، فإنها لن تصلح لأن تصير منطلقات علمية.

 

والمنطلقات العلمية / الواقعية، تتناقض تناقضا مطلقا، مع المنطلقات الدينية، والخرافية / الدينية، والعقلية / المثالية، على مستوى التأسيس المنهجي، وعلى مستوى النتائج، وعلى مستوى النظرية، وعلى مستوى الممارسة، وعلى مستوى الرؤيا السياسية، للمجتمع، مما يجعل العلاقة بين المنطلقات العلمية / الواقعية، والمنطلقات المثالية المتعددة الأوجه، علاقة صراعية، تعمل على نفي كل منهما للأخرى، على جميع المستويات.

 

إلا أن هذه العلاقة الصراعية، لا تنفي قيام المنطلقات العلمية / الواقعية، باعتبار الدين، والخرافة، والعقل، جزءا لا يتجزأ من الواقع، ومن المكونات المادية / الثقافية، في ذلك الواقع الاجتماعي، حتى يمكن أن تصير، هي بدورها، مستهدفة بالدراسة العلمية، من أجل معرفة خصوصية المجتمع. فوجود الدين، أو الخرافة، أو العقل المثالي، في مجتمع معين، لا يتناقض مع المنطلقات العلمية / الواقعية، باعتبارها منطلقات مادية. ومعرفة خصوصية مجتمع معين، معرفة علمية دقيقة، يمهد الطريق أمام تفعيل النظرية العلمية، التي تستهدف المجتمع بالتغيير.

 

ولكن عندما يتحول الدين إلى مصدر للمنطلقات، التي يعتمدها مؤدلجو الدين الإسلامي، مثلا، فإن تلك المنطلقات، تدخل في تناقض مع المنطلقات العلمية / الواقعية؛ لأن الدين، هنا، كمنطلقات يصير موظفا أيديولوجيا، وسياسيا، وهو ما يرفضه الموقف العلمي من الدين، أيا كان هذا الدين. ومن الدين الإسلامي، إن صار هذا الدين الإسلامي مجرد منطلقات، يعتمدها مؤدلجو الدين الإسلامي، ليؤسسوا عليها مناهجهم، التي يسمونها مناهج إسلامية، للتعامل مع الواقع، الذي يسمونه تعاملا إسلاميا، للوصول إلى نتائج يسمونها نتائج إسلامية، لبناء نظرية يسمونها نظرية إسلامية، يعتمدونه في القيام بممارسة تهدف إلى الوصول إلى العمل على تأبيد الاستبداد القائم، أو لفرض استبداد بديل، يسمونها ممارسة إسلامية.

 

وعندما يتحول الفكر الخرافي / الديني، إلى منطلقات إقطاعية، فإنها تصير متناقضة مع المنطلقات العلمية / الواقعية، لكونها تفقد اعتبارها جزءا من الواقع المادي، ومكونا من مكوناته الثقافية، وتتحول إلى منطلقات نقيضة للمنطلقات العلمية / الواقعية، يعتمدها الإقطاع لبناء مناهجه، التي يعتمدها في التعامل مع الواقع، للوصول إلى نتائج، يعتمدها لبناء نظرياته عن واقع معين، لتصير تلك النظرية / الإقطاعية، مصدرا للممارسات الساعية، إلى تأبيد الاستبداد القائم، أو العمل على فرض استبداد بديل، لا يمكن وصفه إلا بالاستبداد الإقطاعي، الذي يتناقض تناقضا مطلقا مع ما يتم السعي إلى تحقيقه في الواقع، باعتماد المنطلقات العلمية / الواقعية.

 

أما عندما يتحول العقل المثالي، باعتباره جزءا من الواقع المادي، ومكونا من مكوناته الثقافية، إلى منطلقات عقلية / مثالية، تعتمدها البورجوازية في إيجاد مناهج مثالية، تعتمد في التعامل مع الواقع المادي، للوصول إلى نتائج مثالية، تعتمد لبناء نظرية مثالية عن الواقع المادي، يتم نقلها إلى ممارسة بورجوازية، تسعى إلى تأبيد الاستبداد القائم، أو تعمل على فرض استبداد بديل، لتدخل في تناقض مطلق مع المنطلقات العلمية / الواقعية؟

 

وهكذا، يتبين أن المنطلقات الدينية، لا يمكن أن تكون إلا مثالية، والمنطلقات الخرافية / الدينية، هي منطلقات مثالية. والمنطلقات العقلية / المثالية، هي بطبيعتها مثالية، بخلاف المنطلقات العلمية، التي لا تكون إلا واقعية.

 

ومعتمدو المنطلقات المثالية المختلفة، يستهدفون تأبيد الاستبداد القائم، المكرس للاستعباد، والاستغلال، أو يسعون إلى فرض استبداد بديل، يكرس الاستعباد، والاستغلال.

 

أما معتمدو المنطلقات العلمية، / الواقعية، فإنهم يسعون إلى تحرير الإنسان، وتحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وتحقيق الاشتراكية، التي تضمن التوزيع العادل للثروة، بين جميع أفراد المجتمع.

 

الدين والتوظيف الأيديولوجي والسياسي:

 

ونحن في مناقشتنا للمنطلقات العلمية، التي لا تكون إلا مادية / واقعية، وجدنا أنها تعتبر الدين جزءا لا يتجزأ من الواقع المادي، ومكونا من مكوناته الثقافية؛ لأن المومنين، بأي دين، هم جزء من الواقع، ولأن ما يومنون به، يساهم في إنتاج القيم الثقافية. والقيم الثقافية، هي كل ما يساهم في بلورة الشخصية الفردية، والجماعية، انطلاقا من واقع معين، محكوم بالشروط الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، المنسجمة مع مستوى تطور الواقع، المعني بتلك الشروط. إلا أن الدين، عندما يصير مؤدلجا، يصير كذلك منطلقا لبناء منهج ديني معين، للوصول إلى نتائج دينية معينة، تصير منطلقا لبناء نظرية دينية، تقف وراء قيام ممارسة دينية، تهدف إلى إعادة صياغة الوقع، كما هو متصور في النظرية الدينية، لتصير، بذلك، المنطلقات الدينية، نقيضة للمنطلقات العلمية / الواقعية.

 

فالأصل في الدين، كمعتقد، أو كمعتقدات مختلفة، أن يبقى بعيدا عن كل أشكال الاستغلال. والأصل فيه، كذلك، أن يصير ملجأ للمقهورين، والمظلومين، والبؤساء الذين يعملون على التحلي بقيم الدين، أي دين، للتعويض عن الحرمان من الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ليصير بذلك قوة مادية، توحد بين المقهورين، على مستوى الإيمان بدين معين، وعلى مستوى التحلي بالقيم الإنسانية المستمدة من النص الديني، بقطع النظر عن انتماءاتهم الطبقية، وعن لغاتهم، وعن عاداتهم، وتقاليدهم، وأعرافهم.

 

والأصل في الدين، كذلك، أن يجعل الإنسان المتدين متحررا من عبودية البشر، مهما كانوا، وأن يتمسكوا بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وأن يعملوا على التحرر من الممارسات، التي تتناقض تناقضا مطلقا مع كرامة الإنسان، حتى لا يصير المومنون بدين معين، مصدرا للحط من كرامة المومنين به. وأن يحرصوا على أن تكون المساواة بين البشر، وبين الرجال، والنساء، هي السائدة في الواقع، وأن يصير التعامل بالعدل بين جميع البشر، سواء كانوا متدينين، أو غير متدينين، حتى يصير الدين، كشأن فردي، مصدرا للقيم الإنسانية النبيلة، التي يجب أن تسود في المجتمع.

 

والأصل في الدين، كذلك، أي دين، أن يصير شأنا فرديا؛ لأن الإيمان بأي دين، وكيفما كان هذا الدين، هو شأن فردي، وما هو شأن فردي، يجب أن لا يصير جماعيا، يعطي للآخر الحق في مراقبته، وتتبعه، وتقديم تقرير إلى الجماعة؛ لأن الإيمان بدين معين، هو ما وقر في القلب، ليصير منطلقا لتشبع الأفراد المومنين بهذا الدين، أو ذاك، بالقيم الإنسانية النبيلة، التي يبقى التشبع بها شأنا فرديا، لا علاقة له بما هو مشترك، إلا على مستوى السيادة في المجتمع.

 

وانطلاقا من كون الدين شأنا فرديا، فإن العلاقة بين الأفراد في المجتمع المغربي، وفي جميع أرجاء الأرض، يجب أن تستهدف السؤال، أو معرفة الدين، الذي يومن به كل شخص، ولا عن الطقوس التي يمارسها كل شخص، مومن بدين معين، ولا أين يمارس تلك الطقوس، ومع من، وكيف يمارسها؛ لأن كل ذلك تدخل في شأن الأفراد. والتدخل في شؤون الأفراد، يتناقض تناقضا مطلقا مع الحريات، التي يتمتع بها الأفراد في معتقداتهم، وفي التحلي بقيم تلك المعتقدات، وفي أداء طقوسها، وفي الأماكن التي يؤدون فيها تلك الطقوس، وفي كيفية أدائها، مادامت بعيدة عن العلاقة فيما بين الأفراد، ومع المجتمع، ومع الإطارات الجماهيرية، ومع أجهزة الدولة، التي من واجبها حماية حرية الأفراد في معتقداتهم.

 

وعندما يصير الدين مؤدلجا، فإنه يصير شيئا آخر، لا علاقة له بالدين، بصيرورته موظفا أيديولوجيا، وسياسيا، لخدمة مصالح مؤدلجيه، التي تكمن في السعي المستمر إلى تأبيد الاستبداد القائم، أو إلى فرض استبداد بديل.

 

والعلاقة بين الدين، وادلجة الدين هي:

 

أولا: علاقة تناقض صارخ، بين الدين الذي يظهر، ليصير مصدرا للقيم الإنسانية النبيلة، وبين أدلجة الدين، التي تصير مصدرا لنشر قيم الفرقة، والتكفير، والطائفية، والإقدام على الاغتيالات، التي يعاني من تهديداتها الموسومون بالكفر، والإلحاد، والعلمانية، وكل المستهدفين من قبل مؤدلجي الدين، أي دين، الذين يسعون إلى إعادة صياغة المجتمعات البشرية، ومجتمعات المسلمين بالخصوص، على مقاس أدلجتهم للدين، لضمان أن تصير، تلك الأدلجة، في خدمة مصالحهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، حتى يصير مؤدلجو الدين الإسلامي أسيادا في المجتمع، والباقي يصير مستعبدا من قبلهم.

 

ثانيا: أن الدين شأن فردي، من منطلق أن الفرد هو المعني بالاقتناع بدين معين، وبالإيمان به، وبممارسة طقوسه، وباختيار المكان الذي يمارس فيه تلك الطقوس، وبكيفية ممارستها، دون أن يخضع لأية مراقبة، كيفما كانت هذه المراقبة، إلا إيمانه بالدين، وفي علاقة ذلك الإيمان بموضوع الدين، في الوقت الذي يبني فيه المتدين علاقاته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، دون أن تصير تلك العلاقات مطبوعة بالطابع الديني، في الوقت الذي نجد، فيه، أن أدلجة الدين، تعتبر أن الدين شأن جماعي، يخضع الأفراد للمراقبة الدينية / العينية، من قبل الأفراد، والجماعة، ولمحاسبة مؤدلجي الدين، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من منطلق أنها بمصدر ديني، وأن الدين يتحكم فيها، كما أنها تعتبر أي دين، هو مصدر الدولة القائمة، وأن المؤدلجين، باعتبارهم أوصياء على الدين، يفرضون أن تصير الدولة دينية. ودينية الدولة، تعبير عن دينية المجتمع، ليصير المؤدلجون متمكنين في الدولة، وفي المجتمع، من أجل أن تصير الدولة في خدمتهم، وأن يصير المجتمع المتدين، في خدمة الدولة، وفي خدمتهم.

 

ثالثا: أن جميع التشريعات، التي تحكم المجتمع، يجب أن لا يدخل فيها الدين، من منطلق اعتباره شأنا فرديا، ومن منطلق اعتبار أن التشريعات، جاءت لتنظيم العلاقة بين أفراد المجتمع، الذين قد يومنون بنفس الدين، وقد تكون دياناتهم مختلفة، يخضعون في المجتمع، الذي يعيشون فيه، لنفس التشريعات؛ لأن الدين، أي دين، كشأن فردي، لا يتدخل في صياغة التشريعات، حتى وإن اعتبر مصدرا من مصادرها، على خلاف أدلجة الدين، التي يعتمدها مؤدلجو الدين، لفرض جعله مصدرا وحيدا، لجميع التشريعات، التي تنظم العلاقات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بين الأفراد، باعتبارهم مومنين بنفس الدين، وفي علاقة الأفراد بأجهزة الدولة، التي لا تكون إلا دينية، حتى تصير التشريعات الدينية، حسب فهم مؤدلجي الدين، في خدمة مؤدلجي الدين، أي دين، لضمان صياغة مسلكيات الأفراد، والجماعات، على مقاس التشريعات الدينية، حتى يتم إعدادهم، لخدمة مصالح الدولة الدينية، التي يتحكم فيها مؤدلجو الدين، وفي خدمة مصالح مؤدلجي الدين. وهو ما يكرس علاقة التناقض الصارخ، والقائم بين الدين، وأدلجة الدين.

 

رابعا: أن الدين لا يهتم، بعد الإيمان به، إلا بتحرير الإنسان من التبعية للبشر، وإخلاص العبادة لموضوع الإيمان، من أجل أن يصير الإنسان، كفرد، عندما يعتقد بدين معين، يتحرر من استعباد البشر له، سواء كان حاكما، أو مشغلا، أو معلما، أو غير ذلك، لضمان تكريس الأفراد لحرياتهم، في العلاقة بالبشر، وفي علاقتهم، كذلك بموضوع الإيمان، الذي لا يكرههم على ممارسة تبعية معينة، لأية جهة كانت، ما دامت العلاقة بالسماء قد انقطعت، وما دام إيجاد أية علاقة بالسماء، صارت من باب المستحيل، نظرا لهذا التطور الذي صارت تعرفه البشرية، على مستوى المعارف العلمية، والتاريخية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. إلا أن مؤدلجي الدين، ونظرا لفرض وصايتهم على الدين، أي دين، يجعلون الدين وسيلة لاستبعاد الإنسان للإنسان، والاستبداد بمصيره، والمبالغة في استغلاله، بعد فرض كل أشكال الحرمان الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ليصير ذلك الاستغلال أكثر همجية؛ لأن الهدف من أدلجة الدين، هو تضليل المومنين، وجعلهم يعتبرون كل ما يجري في الواقع من الدين، وما عليهم إلا أن يقبلوا به، وأن يعتبروه قدرا دينيا، والقدر الديني، لا يقاوم، ولا يناقش، حتى وإن كانت الشروط الموضوعية، توضح أن ما يقوم به البشر، في حق البشر، من استعباد، واستبداد، واستغلال، وتضليل، بواسطة أدلجة الدين، هو من البشر، وليس من غيره، وما يقوم به البشر، في حق البشر، تمكن مقاومته، ومن بينها، قيام المؤدلجين بأدلجة الدين، التي يجب اعتبارها، ودون خوف، تحريفا للدين، بجعل الشأن الفردي، شأنا جماعيا، لإيجاد مبرر لاستغلاله، أيديولوجيا وسياسيا واعتبار المؤدلجين متطاولين على الدين بأدلجته، وتحريفه، واستغلاله أيديولوجيا، وسياسيا، والعمل على محاسبتهم، باعتبارهم مرتكبين للخروقات الجسيمة، في حق المومنين بدين معين.

 

وهكذا يتبين أن العلاقة بين الدين، وأدلجة الدين، هي علاقة تناقض مطلق، وأن الدين، أي دين، شأن فردي، وليس شأنا جماعيا، وأن التشريعات المعمول بها، يعتمد في إيجاد مصادر متعددة، وليس المصدر الديني وحده، وكون الدين، أي دين، لا يهتم إلا بتحرير الإنسان، وليس باستعباده، كما يقول مؤدلجو الدين، ليصير الدين متخذا طابع الحياد، وأدلجة الدين، تتخذ طابع الانحياز إلى المستغلين، المتحكمين في أجهزة الدولة، التي يعتمدونها، في قمع المومنين بدين معين، حتى يتحول الإيمان إلى إيمان بأدلجة الدين، ويتم القبول بما يمارس عليهم، على أنه قدر ديني، لا مفر منه.

 

الدين الإسلامي وتعدد التوظيفات الأيديولوجية:

 

لقد رأينا في الفقرة السابقة، أن الإيمان بدين معين، والقيام بالطقوس المتعلقة به، وكيفية، ومكان القيام بها، شأن فردي، وأن الإيمان بالدين، أي دين، يؤدي إلى التحرر من التبعية للبشر، من غير موضوع الإيمان، ورأينا، كذلك، أن الدين ينتج القيم الإنسانية، النبيلة، وأن أدلجة الدين، تقود إلى إنتاج قيم الاستبداد، والاستعباد، والاستغلال، وأن أي أدلجة للدين، لا يمكن أن تصير إلا تحريفا للدين، وتضليلا للمومنين به، حتى يصيروا في خدمة مؤدلجيه، الذين يعتبرونه مصدرا لقيام الدولة الدينية، التي تصير في خدمة الحكام، وأذنابهم من المؤدلجين، وكل المستغلين، والمستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي للمومنين بالدين، الذي تمت أدلجته.

 

وما رأيناه، يتعلق بأدلجة الدين بصفة عامة، أما أدلجة الدين الإسلامي، فإن أمرها يزداد فظاعة، بالنسبة لمجتمعات المسلمين.

 

والأصل في الدين الإسلامي، الذي اعتبر أكثر تطورا من الديانات السابقة عليه، والتي عرفتها البشرية في تاريخها العريق، أنه، كبقية الأديان، بعد ظهورها مباشرة، لم يكن مؤدلجا، وأنه كان، ولا زال، وسيبقى، مصدرا للقيم النبيلة، ذات الطابع الإنساني الصرف، وما ورد فيه من تشريعات، لها علاقة بتنظيم المجتمع بعد الهجرة، من مكة إلى المدينة، كان يجب التعامل معه، على أنه نسبي، وليس مطلقا، كما هو حاصل الآن؛ لأن الشروط الذاتية، والموضوعية، التي حكمت تلك التشريعات، غير قائمة الآن، والالتزام بتلك التشريعات، في ظل الشروط القائمة الآن، سواء كانت ذاتية، أو موضوعية، سوف يصير من المعيقات الأساسية، لتطور المسلمين، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ومن يقود الحملة، من أجل الالتزام بتلك التشريعات، ليس إلا تنظيمات طفيلية، تعمل على تكريس تخلف مجتمعات المسلمين، والمجتمعات البشرية، بموجب مباشرة فرض تلك التشريعات، تحت يافطة: "تطبيق الشريعة الإسلامية"، في ظل شروط مختلفة، عن الشروط التي كانت قائمة بعد الهجرة، من مكة إلى يثرب مباشرة، ولذلك فنسبيتها قائمة، كما يدل على ذلك ما صار يعرف بأسباب النزول، والناسخ، والمنسوخ، التي كان يتداولها المسلمون القدماء فيما بينهم، أكثر مما يتداولها من يسمون أنفسهم بعلماء المسلمين، في عصرنا هذا، حتى لا يقول من يعمل على فرض العمل بها، باسم "تطبيق الشريعة الإسلامية"؛ لأن من يعمل على ذلك، يعيش في التاريخ، وخارج الواقع الإنساني، المتحول باستمرار.

 

وانطلاقا من كون تشريعات الدين الإسلامي نسبية، وليست مطلقة، فإن القول بتاريخيتها، يصير علميا، حتى لا يطلب منا الالتزام بمنطوقها. وتاريخيتها تفرض على المسلمين التمييز بين الثابت، والمتحول في الدين الإسلامي، أو بين العقيدة التي تعتبر ثابتة، وبين الشريعة التي تعتبر متحولة، من زمن، إلى زمن، ومن مكان، إلى مكان، نظرا لاختلاف الشروط المتحولة باستمرار.

 

والالتزام بتطبيق تشريعات الدين الإسلامي، كما هي في ظل شروط مختلفة، ودون اعتبار لنسبيتها، ودون اعتبار، كذلك، للشروط المختلفة، قاد، ومنذ وفاة الرسول محمد بن عبد الله، إلى قيام العديد من التوجهات التي تتوالد باستمرار، بأدلجة الدين الإسلامي، بتحويل الدين الإسلامي، من دين، إلى أيديولوجية معبرة عن مصالحهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. وتحويل الدين الإسلامي إلى أيديولوجية، هو الذي يقود تلك التوجهات، إلى تأسيس أحزاب سياسية، تصير مهمتها الأساسية، هي توظيف الدين الإسلامي، في الأمور الأيديولوجية، والسياسية، لتضليل الناس، وجعلهم يعتقدون: أن ذلك التوظيف الأيديولوجي، والسياسي، هو الإسلام الحقيقي، فينساقون وراء الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، التي تعتبر نفسها وصية على الدين الإسلامي، التي يدفع بها توظيفه، إلى الوصول إلى مراكز القرار، من أجل تصريف برامجها القاضية بتطبيق ما تسميه بالشريعة الإسلامية، وتوقيف القوانين، التي يسمونها قوانين وضعية، مما يقف وراء التراجع الخطير، الذي تعرفه المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، بحكم تطبيق الشريعة الإسلامية، التي تستبعد الشروط التي قامت فيها تلك الشريعة الإسلامية، باعتبارها هي المناسبة للمسلمين، أنى كان لونهم، أو جنسهم، أو لغتهم، أو عرقهم، أو التاريخ، أو المكان الذي يعيشون فيه؛ لأن المهم أن يعيش مسلمو هذا العصر، نفس الحياة التي عاشها أوائل المسلمين، بما فيها محاربة غير المسلمين، باسم الفتوحات الإسلامية، بدافع جمع الغنائم، وإرغام من يحرصون على المحافظة على دينهم، بدافع الجزية، لترتفع، بذلك، مداخيل الدولة الفاتحة، ومن أجل أن تتسع دائرة اقتصاد الريع، الذي يحصل عليه المنتمون إلى الدولة الفاتحة، والذي يخصص جزء منه لهذه الدولة، من أجل أن يتمتع الفاتحون، وتتمتع الدولة بالخيرات، التي تجمع، كغنائم، عن طريق الفتوحات.

 

ولذلك، نجد أن الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، تجد في تحريف الدين الإسلامي، ملاذا يمكنها من استغلال الدين الإسلامي: أيديولوجيا، وسياسيا، من أجل الوصول إلى مراكز القرار، لا لتطبيق الشريعة الإسلامية، التي يدغدغ بها مؤدلجو الدين الإسلامي عواطف المسلمين، بل لتحقيق تطلعاتهم الطبقية، التي تصير هدفا ساميا، بالنسبة لمؤدلجي الدين الإسلامي.

 

فأدلجة المؤدلجين للدين الإسلامي، هي تحريف للدين الإسلامي. ووصاية محرفي الدين الإسلامي عليه، هي، كذلك، مساهمة في تحريف الدين الإسلامي، وادعاء توكيل الله لهم بحماية الدين الإسلامي، كذب على الله؛ لأن الله لم يعد في حاجة إلى بعث رسل جدد، بعد موت الرسول محمد بن عبد الله، لكون رسالته آخر الرسالات، ولكون تلك الرسالة (القرءان) جاءت أكثر تطورا، من الرسالات السابقة عليه، لقدرتها على التلاؤم مع الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، المتحول، والمتطور باستمرار، باعتباره قابلا بتطوير مفاهيمه، من عصر، إلى عصر آخر، ومن بلد، إلى بلد آخر، وكل من يدعي أن الله أوكل إليه حماية الدين الإسلامي، ووصايته عليه، ليس إلا كذابا، ومحرفا للدين الإسلامي، وليس مسلما بالمعنى الدقيق للدين الإسلامي، أي أنه يمارس شيئا آخر، لا علاقة له لا بالإيمان، ولا بالإسلام. وهذا الشيء، هو الاشتغال على أدلجة الدين الإسلامي، من أجل توظيفه أيديولوجيا، وسياسيا. وتأسيس ما يسميه الإعلام بالأحزاب الدينية الإسلامية، على أساس أدلجة الدين الإسلامي، من أجل استغلاله سياسيا، لتحقيق هدفين أساسيين:

 

الهدف الأول: جعل المومنين بالدين الإسلامي، يعتقدون أن الحزب الإسلامي، هو حزب الله، وأن العاملين في ذلك الحزب، أوكل إليهم الله الوصاية على الدين الإسلامي، من أجل أن يتجيشوا وراءهم.

 

والهدف الثاني: استغلال المجيشين، من أجل دعمهم، والتصويت عليهم في الانتخابات، من أجل الوصول إلى مراكز القرار، ومن خلالها إلى الحكومة، حتى يتمكن محرفو الدين الإسلامي، من التقرير، والتنفيذ، بما يخدم مصالحهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يفرضوا سيادتهم على أرض الواقع، ليصيروا بذلك ممتلكين للواقع، في تجلياته المختلفة.

 

والمشكل القائم عندنا، ليس هو أدلجة الدين الإسلامي، وتأسيس الأحزاب التي يسمونها دينية / إسلامية، التي توظف الدين الإسلامي سياسيا؛ بل هو عدم قيام المومنين بالدين الإسلامي، بالتمييز بين الدين الإسلامي، وبين أدلجة الدين الإسلامي؛ لأن التمييز بينهما يقتضي معرفة:

 

أولا: أن الدين الإسلامي، لا يتجاوز الإيمان بالرسالة التي تلقاها الرسول محمد بن عبد الله، وبأن الرسول صادق فيما بلغه إلى الناس كافة.

 

ثانيا: أن الإيمان بالدين الإسلامي، شأن فردي، لا علاقة له بالآخرين، وأن ما يترتب عن ذلك الإيمان، كذلك، شأن فردي، نظرا لكونه لا يتجاوز علاقة الفرد بموضوع الإيمان.

 

ثالثا: أن الالتزام بمقتضيات رسالة الدين الإسلامي، يستهدف تحقيق الغايات، التي تخدم العلاقات العامة، في مجتمع المسلمين.

 

رابعا: أنه بموت الرسول محمد بن عبد الله، لم تعد العلاقة بالسماء قائمة، لعدم وجود الضرورة الداعية إلى ذلك.

 

خامسا: أنه لا يوجد ما يدل على أن من حق أي كان، أن يصير وصيا على الدين الإسلامي، وعلى المسلمين، مهما كان.

 

سادسا: أن كل من يقدم على استغلال الدين الإسلامي، أيديولوجيا، وسياسيا، ويفرض وصايته عليه، ليس إلا محرفا للدين الإسلامي، لكونه لا يأخذ منه إلا ما يخدم مصالحه، ليصدق عليه قول الله: "يومنون ببعض ويكفرون ببعض".

 

سابعا: أن لجوء محرفي الدين الإسلامي، إلى تكفير، وتلحيد من خالفهم الرأي، لا علاقة له بالدين الإسلامي في شيء.

 

ثامنا: أن التشريعات الواردة في النص الديني، هي تشريعات نسبية، وليست مطلقة، بدليل وجود الناسخ، والمنسوخ، وأسباب النزول.

 

تاسعا: أن الدين الإسلامي قابل للتلاؤم مع التحولات، التي تعرفها مجتمعات المسلمين، والمجتمعات البشرية، في الزمان، والمكان. وإلا، فما معنى أن يكون الدين الإسلامي صالحا لكل زمان، ومكان.

 

عاشرا: أنه في الدين الإسلامي، يجب التمييز بين العقيدة، التي تتخذ صفة الثبات، وبين الشريعة التي تتحول، باستمرار، من زمن، إلى زمن، ومن مكان، إلى مكان آخر، حتى وإن كانت بمرجعية النص الديني؛ لأنها من تقرير الشعوب المعنية بها، من خلال مؤسساتها التشريعية، التي تقتضي إصدار التشريعات المناسبة، والمتناسبة مع شروط الزمان، والمكان.

 

ولذلك نجد أنه على المومنين بالدين الإسلامي، أن يميزوا بين حقيقة الدين الإسلامي، وحقيقة أدلجة الدين الإسلامي، حتى يدركوا أن الدين الإسلامي ليس هو أدلجة الدين الإسلامي، وأن أدلجة الدين الإسلامي ليست هي الدين الإسلامي، وأن مؤدلجي الدين الإسلامي لا علاقة لهم بالدين الإسلامي، حتى وإن كانوا يتظاهرون بالالتزام بفرائضه، وواجباته؛ لأن ذلك لا يتم إلا لحاجة في نفس يعقوب.

 

ومن خلال ما رأيناه، يتبين أن الدين الإسلامي مباح لجميع مؤدلجي الدين الإسلامي، على اختلاف أجناسهم، وألوانهم، وتوجهاتهم، مما يجعل الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، تتعدد بتعدد الراغبين في ممارسة تلك الأدلجة، في كل زمن، وفي كل مكان، حتى صارت أدلجة الدين الإسلامي هاجس كل من يبحث عن الشهرة، على مر العصور، وهو ما يتناقض مع حقيقة الدين الإسلامي، الذي لا يكون إلا لله: "وان المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا". أما المومنون بالدين الإسلامي، ف "أمرهم شورى بينهم"، كما جاء في القرءان، وما سوى ذلك، لا يمكن وضعه إلا في خانة استغلال الدين الإسلامي: أيديولوجيا، وسياسيا.

 

خلاصة عامة:

 

وهكذا، يتبين من خلال مناقشتنا لموضوع: (في الاشتراكية العلمية، لا مجال لتوظيف الدين في الأمور الأيديولوجية، والسياسية)، الذي تناولنا فيه مفهوم الاشتراكية، ومفهوم العلمية، والعلاقة بين الاشتراكية، والعلمية، والمنطلقات العلمية، واللا علمية، في تفكير الإنسان، وفي الاشتراكية العلمية لا يمكن أن تكون المنطلقات إلا علمية، والمنطلقات اللا علمية تاريخية، والمنطلقات العلمية واقعية، والدين والتوظيف الأيديولوجي، والسياسي، والدين الإسلامي، وتعدد التوظيفات الأيديولوجية، والسياسية؛ لأنه لا يوجد شيء في الاشتراكية العلمية، اسمه توظيف الدين، أو توظيف الدين الإسلامي، نظرا لكون توظيف الدين، أو الدين الإسلامي، يقتضي أن تصير منطلقات المنهج الاشتراكي العلمي، منطلقات دينية، والمنطلقات الدينية، منطلقات مثالية، والمنطلقات المثالية، منطلقات لا علمية، ليصير بذلك المنهج الاشتراكي، لا علمي، بسبب اعتماده منطلقات مثالية، تقود إلى نتائج غير علمية، تعتمد في بناء نظرية اشتراكية، غير علمية، وبالتالي، فإن أي اشتراكية، يمكن بناؤها، على أساس نظرية اشتراكية مثالية، لا يمكن أن تكون اشتراكية، بالمعنى الدقيق للاشتراكية، التي لا تبنى إلا على أساس نظرية اشتراكية علمية دقيقة، يمكن أن تتحقق على أرض الواقع، لتصير، بذلك، ملكية وسائل الإنتاج، ملكية اجتماعية، وليصير التوزيع العادل للثروة، قائما على أرض الواقع، ولتصير الدولة الاشتراكية، كدولة ديمقراطية / علمانية / تقدمية، وكدولة للحق، والقانون، قائمة، ومدبرة لأمور المجتمع الاشتراكي، الذي يساوي بين جميع أفراده، بقطع النظر عن جنسهم، أو معتقدهم، أو لونهم، أو عرقهم، أو لغتهم، مما لا يتناسب مع المجتمع الاشتراكي، الذي يتعامل مع جميع أفراده، على أساس المساواة فيما بينهم.

 

والاشتراكية العلمية عندما لا تعتمد المنطلقات الدينية، لمثاليتها، فإن ذلك لا يعني أنها تقف من الدين موقفا سلبيا، وكما رأينا، فإن الاشتراكية العلمية تحترم جميع المعتقدات الدينية، مهما تعددت، ما دامت تعتبر شأنا فرديا، وما لم تتم أدلجتها، لتستغل أيديولوجيا، وسياسيا، بل إن الاشتراكية العلمية، تعتبر المعتقدات الدينية، القائمة في الواقع، بما فيها الدين الإسلامي، قوة مادية، قائمة في الواقع، لا يمكن تجاوزها، بل لابد من اعتبارها في التحليل الاشتراكي العلمي، ولا بد من استحضار أهمية القيم الإنسانية النبيلة، التي يتحلى بها المومنون بتلك المعتقدات، ودور تلك القيم الإنسانية النبيلة، في مد الجسور، من أجل مرور الوعي الاشتراكي العلمي، والوعي الطبقي، إلى حاملي تلك المعتقدات، الذين سوف يلعبون دورا كبيرا، وأساسيا، في تفعيل عملية التغيير، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في أفق قيام الدولة الاشتراكية، راعية القيم الإنسانية النبيلة، الناجمة عن تحويل الملكية الفردية لوسائل الإنتاج، إلى الملكية الجماعية، وعن التوزيع العادل للثروة، وبناء المجتمع الاشتراكي الإنساني.

 

والاشتراكية العلمية كمنهج علمي، للتحليل الملموس، للواقع الملموس، وكهدف، هي التي تميز في موقفها بين مصالح الطبقة المؤدلجة للدين، والتي تنتمي إلى الطبقة الوسطى، التي تعمل على تضليل جميع أفراد المجتمع، الذين لا يميزون بين الدين كمعتقد، وكشأن فردي، ينظم العلاقة بين الفرد، كل فرد، وبين موضوع الإيمان، وما يترتب عن ذلك من طقوس دينية، تختلف باختلاف الأديان، وبين أدلجة الدين، التي تحول الدين من مجرد معتقد، يهم الأفراد، إلى تعبير أيديولوجي، عن مصالح الطبقة المؤدلجة للدين، التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى، التي تعمل على تضليل جميع أفراد المجتمع، الذي يصير بذلك التضليل متوهما، أن أدلجة الدين، أي دين، هي الدين نفسه.

 

والمشكلة القائمة عندنا في كل بلاد المسلمين، بما فيها البلاد العربية: أن المومنين بالدين الإسلامي، لا يميزون بين حقيقة هذا الدين، وبين أدلجته، التي يتقنها مؤدلجوه، الذين لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم، ولا من خلفهم، ويعتبرون تأويلاتهم التي تنجز لخدمة مصالحهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بمثابة قرءان منزل عليهم، لا يحتمل الصدق، أو الكذب، كما يقول البلاغيون، وكل من خالف تلك التأويلات، فهو كافر، أو ملحد، يجب الحكم بتصفيته جسديا، والتصفية الجسدية، هي الإرهاب عينه، الذي يتجنب المومنون بالدين الإسلامي، أن يصيبهم، كما أصاب الشهيد عمر بنجلون، وفرج فودة، ومهدي عامل، وحسين مروة، ممن كانوا يواجهون فكريا، وعلميا، خطر أدلجة الدين الإسلامي، وكما يصيب العشرات، والمئات، من أبناء شعوب المسلمين، وخاصة في العراق، ولبنان، والجزائر، والمغرب، والباكستان، وأفغانستان، ومصر، وغيرها من بلاد المسلمين، حيث تستفحل أمور أدلجة الدين الإسلامي، وحيث يصاب مؤدلجو الدين الإسلامي بالهيستيريا، فيشرعون في قتل كل من خالفهم الرأي، يمينا، وشمالا، ويخططون لذلك على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد.

 

وانطلاقا من هذا الواقع، الذي يعيش فيه مؤدلجوا الدين الإسلامي فسادا دينيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، على أساس التحريف الذي يلحقونه بالدين الإسلامي، نرى ضرورة تحمل اليسار، لمسؤوليته، في الدعوة إلى ضرورة التمييز بين الدين، كمعتقد لا يهم إلا الأفراد، في علاقتهم بموضوع الإيمان، مع اعتبار التشريعات الواردة في النص الديني، ذات طابع تاريخي، وبين أدلجة الدين، التي تستهدف تحويل الدين إلى أيديولوجية، لخدمة مصالح المؤدلجين، بما في ذلك أدلجة الدين الإسلامي.

 

ومعلوم أن قوة اليسار، تتجسد في صموده، وفي سعيه المستمر، من أجل تحقيق أهدافه المتمثلة في التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.

 

ومن بين مظاهر التحرير، التي يجب العمل على تحقيقها، تحرير الدين الإسلامي من الأدلجة، والعمل على فرض احترامه، باعتباره معتقدا للمسلمين، بعدم اللجوء إلى أدلجته، كما هو حاصل في جميع بلدان المسلمين.

 

فهل يعمل اليساريون، والاشتراكيون العلميون، على التمييز على التمييز بين الدين الإسلامي، وبين أدلجة الدين الإسلامي؟

 

وهل يسعون إلى حماية الدين الإسلامي من الأدلجة؟

 

وهل يتجنبون، بذلك، الظهور بمظهر معاداة الدين الإسلامي؟

 

وهل يعتبرون الإيمان بالدين الإسلامي، قوة مادية قائمة في الواقع؟

 

إن أمل الشعوب دائما، كان في اليسار، وإن الأمل في تحرير الدين من الأدلجة، يجب أن يصير من مهام اليسار.

 

محمد الحنفي

 

ابن جرير في 16 / 2 / 2012

 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف