الأخبار
2024/5/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

طبيب يعمل بالأنْفَاق ... بقلم د. مازن صافي

تاريخ النشر : 2012-01-24
طبيب يعمل بالأنْفَاق ... بقلم د. مازن صافي
طبيب يعمل بالأنْفَاق ... بقلم د. مازن صافي


كان آخر عهدي بأمي وأنا في التاسعة من عمري ، فقد خرجت من البيت ذات يوم ، منذ تسعة عشر عاماً في صحبة شقيقي الصغيرين ، إلى غير عودة . فقد داستهما دراجة هوائية يركبها سائق متهور لم يبلغ بعد الثامنة عشر من عمره ، أهداه والده الدراجة لأنه استطاع أن يبيع الكثير من السجاير المهرب ، ولقي أبي مصرعة بعد ذات بثلاث سنوات ، فقد حدث أن ابتاع هو وشريك له مقهى في بلدة صغيرة ، وانتهز الشريك فرصة غياب أبي عن البلدة في رحلة متعلقة بالعمل فباع المقهى ، وقبض ثمنه نقداً ، ثم اختفى . وقيل أن مات مخنوقا بالغاز في إحدى الأنفاق ، وقيل أنه تاجر بما بثمن المقهى و خسر المبلغ في ليلة واحدة بعد أن انهار جزء من النفق على أكياس بضاعته ، و قد هاج لإنقاذ بعضها فمات تحت الأنقاض هو وما سرق . وقد تلقى أبي برقية بعد الحدث بأسبوعين يخبره صديقه بتلك التفاصيل وروايات حول موت شريكه اللص ، وطلب صديق والدي في نهاية برقيته أن يسرع والدي بالعودة ، وفي أثناء هرولته في الطريق وقد أذهله النبأ ، لقي حتفه في حادث سيارة ، وتبين أن السائق لا يحمل أي أوراق تأمين أو حتى رخصة سواقة ، فعدت من رحلة دراستي وتكفلت بعماتي ، وتقدم بهن السن ، وتمكن المرض منهن ، وصرفت على مداواتهن الكثير حتى أفلست من المال ومن المستقبل ، لقد أصبحت يتيما ومشرداً ، والتحقت بأحد الأنفاق علني أجد عملا ، وبالفعل حصلت على فرصة عمل مناسبة مقابل مجهود كبير وظروف قاسية وإمكانية لحاقي بأسرتي في أي لحظة وعند أي خطأ ، ولكن لا يوجد أي بديل آخر ، لقد كنت أساعد جميع زملائي في الأنفاق ، وأصبحت الطبيب المخلص لصاحب النفق ، لقد كان ذات في ليلة مرض فيها فاستطعت أن أعالجه بما توفر لدي من بعض المعلومات الطبية الأساسية ، ومن يومها منحني فرصة " مشرف أنفاق " ، وتحولت أيضا إلى مدرس خصوصي لأبنائه باختلاف مستوياتهم ، لقد أظهر معي شعور طيب ، لقد سرحني من عمل الأنفاق وأصبحت محاسبا له ، إنني لن أنسى ما حييت كيف قضى أصدقائي الأربعة نحبهم مرة واحدة في نفق واحد ، ربما كنت سأكون خامسهم لولا أن لي بقية من حياة ، ولن أنسى قط أنني حين انشغلت بمساعدة " معلمي " في تعليم أبناءه برغم سخاءه معي وإسداء النصح لهم ، فقد استبدلت بشقائي بسعادة ، وبمخاوفي ثقة ، وبقلقي أمنا واطمئنانا " ، ولقد التحقت ثانية بجامعتي واستطعت أن أنهي دراستي في كلية الطب لأتخصص في طب العظام لأساعد من تبقى من أصدقائي الذين يعاني بعضهم الآن من الإعاقة نتيجة حوادث مختلفة من الدراجات الهوائية و رعونة وتهو بعض السائقين و رحلة الأنفاق . إنني محظوظ جدا أن استطعت الآن أن أكتب عن نفسي ، فلربما كنت سأكون نسيا منسيا في أي لحظة ولا يذكرني أحد .
ملاحظة : هذه القصة القصيرة من وحي خيال الكاتب .
يناير 2012
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف