
مشاهدة أطوار محاكمة الرئيس المخلوع مبارك و نجليه و بقيّة أعوانه مباشرة على التلفزيون في رمضان 2011 تمثّل أنجح الأعمال الدراميّة و أفضلها في موسم التنافس لشدّ الجماهير العريضة بمختلف المسلسلات الاجتماعيّة و التاريخيّة و البرامج الترفيهيّة و الفوازير الخفيفة.
و لعلّ ما جعلها تفوق غيرها من حيث نجاحها في استقطاب المشاهدين من مختلف أنحاء العالم أنّ ما فيها من تشويق
و إثارة لم تنغّصها علينا فواصل الإعلانات التي تتسلّل إلى باقي البرامج بقوّة الأموال المدفوعة للقنوات الفضائيّة في علاقة تجاريّة مفهومة بين ما يعرض من الأعمال الدراميّة و ما يجنى بفضلها من الثروات.
و مصدر الإثارة التي نتحدّث عنها لا يتّصل بما قاله القاضي أو المدّعي أو فريق الدفاع. فما سمعناه من اتهامات
و طعون و تشنّجات، تدخل كلّها في إطار ما يحدث عادة في كلّ المحاكمات. مصدر الإثارة لا يتعلّق بما قيل فكلّ ذلك متوقّع سلفا، و إنّما يتمحور حول مشهد أساسيّ انتظره ملايين المصريّين و اعتصموا من أجله في ميدان التحرير مطالبين به في هتافاتهم، إنّه مشهد الرئيس مبارك ماثلا أمام العدالة في قفص الاتهام مع ولديه، صورة بليغة نزلت بردا و سلاما على عائلات الشهداء لتطفئ ما في صدورهم من حرقة اللوعة و الحزن على أبنائهم الذين قتلوا في المظاهرات الحاشدة لإسقاط النظام.
و لعلّ ذلك هو الهدف الحقيقيّ من المحاكمة التي لم يعد مفرّ منها رغم الضغوط التي جاءت من جهات خارجيّة و أرادت منعها حماية لعزّة الحكّام و سطوتهم. كان لا بدّ من التنازل و قبول المثول أمام القاضي لتهدئة الخواطر الداخليّة لا غير، أمّا تسليط العقاب فذلك ما قد يطول انتظاره، و ثغرات القوانين كفيلة لوحدها بالعثور على المخرج الذي سيحمي الرئيس من الأذى. و لعلّ الله يمنّ عليه بموت قريب في فراشه محاطا بأبنائه و أحفاده فتتوقّف مسرحيّة المحاكمة و يرفع الحرج الذي تسبّبت فيه. و ترفع معه الأقلام التي جنّدت لكتابة فصولها المتبقّية.
و الأحداث التي نقلها التلفزيون من قاعة المحكمة، تدلّ على كتابة محكمة للسيناريو، فكان القاضي حازما في مراقبة كلّ المتدخّلين حتّى لا يحدث الخروج عن النصّ المكتوب سلفا. و لذلك منع بعض المحامين من الكلام و قاطع آخرين مكتفيا بتسلّم ما لديهم من ملاحظات مكتوبة.
و نفس الدقّة التي تتصّل بالأقوال ظهرت في مستوى "السنغرافيا" حيث أنّ إحضار مبارك على فراش المرض أنتج صورة ترمي إلى حشد أكثر ما يمكن من المتعاطفين معه، تمهيدا للعفو و الصفح عن شيخ مريض، و الحكمة تقول ارحموا عزيز قوم ذلّ.
و بخصوص التعقيدات القانونيّة التي ظهرت في نصوص الطعن و التعليقات التدقيقيّة التي قدّمها المحلّلون لفائدة القنوات الإخباريّة أثناء الاستراحة بين شوطي المحاكمة، نزعم أنّ المشاهدين لم يحفلوا بالاستماع إليها و هم ينتظرون فقط ما سيقوله الرئيس حين يسأله القاضي عمّا نسب إليه من التهم بقتل المتظاهرين و إهدار المال العام.
و في لحظة فارقة في تاريخ المصريّين و الشعوب العربيّة، لحظة تابعها بكلّ تأكيد الرؤساء و الملوك و الأمراء و أبناؤهم، و تابعها بطعم آخر التونسيّون الذين ساهموا في العمل على بلوغها و الليبيّون و السوريّون الذين يحلمون برؤية القذافي و بشار في نفس الوضع. في تلك اللحظة التاريخيّة التي هرم من أجلها من هرم و مات من مات نطق الرئيس ليدفع عن نفسه الباطل الذي اتهم به و قال كما لو أنّه بريء مظلوم" كل هذه الاتهامات، أنا أنكرها كاملة"
و نفس النفي جاء على لسان ولديه، ما يؤكّد أنّ أداء الأدوار تمّ بنجاح و حسب ما خطّط له لإقناع الرئيس بالمثول أمام القاضي لا باعتباره مدانا بالقتل و الفساد و إنّما باعتباره بطلا في مشهد مسرحيّ كوميديّ ينطق فيه بجملة واحدة تكفي لإضحاك الملايين لأنّها ببساطة ستذكّرهم بالزعيم عادل إمام في مسرحيّته ذائعة الصيت "شاهد ما شفش حاجة"
عبد الرزاق قيراط - تونس
[email protected]
و لعلّ ما جعلها تفوق غيرها من حيث نجاحها في استقطاب المشاهدين من مختلف أنحاء العالم أنّ ما فيها من تشويق
و إثارة لم تنغّصها علينا فواصل الإعلانات التي تتسلّل إلى باقي البرامج بقوّة الأموال المدفوعة للقنوات الفضائيّة في علاقة تجاريّة مفهومة بين ما يعرض من الأعمال الدراميّة و ما يجنى بفضلها من الثروات.
و مصدر الإثارة التي نتحدّث عنها لا يتّصل بما قاله القاضي أو المدّعي أو فريق الدفاع. فما سمعناه من اتهامات
و طعون و تشنّجات، تدخل كلّها في إطار ما يحدث عادة في كلّ المحاكمات. مصدر الإثارة لا يتعلّق بما قيل فكلّ ذلك متوقّع سلفا، و إنّما يتمحور حول مشهد أساسيّ انتظره ملايين المصريّين و اعتصموا من أجله في ميدان التحرير مطالبين به في هتافاتهم، إنّه مشهد الرئيس مبارك ماثلا أمام العدالة في قفص الاتهام مع ولديه، صورة بليغة نزلت بردا و سلاما على عائلات الشهداء لتطفئ ما في صدورهم من حرقة اللوعة و الحزن على أبنائهم الذين قتلوا في المظاهرات الحاشدة لإسقاط النظام.
و لعلّ ذلك هو الهدف الحقيقيّ من المحاكمة التي لم يعد مفرّ منها رغم الضغوط التي جاءت من جهات خارجيّة و أرادت منعها حماية لعزّة الحكّام و سطوتهم. كان لا بدّ من التنازل و قبول المثول أمام القاضي لتهدئة الخواطر الداخليّة لا غير، أمّا تسليط العقاب فذلك ما قد يطول انتظاره، و ثغرات القوانين كفيلة لوحدها بالعثور على المخرج الذي سيحمي الرئيس من الأذى. و لعلّ الله يمنّ عليه بموت قريب في فراشه محاطا بأبنائه و أحفاده فتتوقّف مسرحيّة المحاكمة و يرفع الحرج الذي تسبّبت فيه. و ترفع معه الأقلام التي جنّدت لكتابة فصولها المتبقّية.
و الأحداث التي نقلها التلفزيون من قاعة المحكمة، تدلّ على كتابة محكمة للسيناريو، فكان القاضي حازما في مراقبة كلّ المتدخّلين حتّى لا يحدث الخروج عن النصّ المكتوب سلفا. و لذلك منع بعض المحامين من الكلام و قاطع آخرين مكتفيا بتسلّم ما لديهم من ملاحظات مكتوبة.
و نفس الدقّة التي تتصّل بالأقوال ظهرت في مستوى "السنغرافيا" حيث أنّ إحضار مبارك على فراش المرض أنتج صورة ترمي إلى حشد أكثر ما يمكن من المتعاطفين معه، تمهيدا للعفو و الصفح عن شيخ مريض، و الحكمة تقول ارحموا عزيز قوم ذلّ.
و بخصوص التعقيدات القانونيّة التي ظهرت في نصوص الطعن و التعليقات التدقيقيّة التي قدّمها المحلّلون لفائدة القنوات الإخباريّة أثناء الاستراحة بين شوطي المحاكمة، نزعم أنّ المشاهدين لم يحفلوا بالاستماع إليها و هم ينتظرون فقط ما سيقوله الرئيس حين يسأله القاضي عمّا نسب إليه من التهم بقتل المتظاهرين و إهدار المال العام.
و في لحظة فارقة في تاريخ المصريّين و الشعوب العربيّة، لحظة تابعها بكلّ تأكيد الرؤساء و الملوك و الأمراء و أبناؤهم، و تابعها بطعم آخر التونسيّون الذين ساهموا في العمل على بلوغها و الليبيّون و السوريّون الذين يحلمون برؤية القذافي و بشار في نفس الوضع. في تلك اللحظة التاريخيّة التي هرم من أجلها من هرم و مات من مات نطق الرئيس ليدفع عن نفسه الباطل الذي اتهم به و قال كما لو أنّه بريء مظلوم" كل هذه الاتهامات، أنا أنكرها كاملة"
و نفس النفي جاء على لسان ولديه، ما يؤكّد أنّ أداء الأدوار تمّ بنجاح و حسب ما خطّط له لإقناع الرئيس بالمثول أمام القاضي لا باعتباره مدانا بالقتل و الفساد و إنّما باعتباره بطلا في مشهد مسرحيّ كوميديّ ينطق فيه بجملة واحدة تكفي لإضحاك الملايين لأنّها ببساطة ستذكّرهم بالزعيم عادل إمام في مسرحيّته ذائعة الصيت "شاهد ما شفش حاجة"
عبد الرزاق قيراط - تونس
[email protected]