الأخبار
بعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكريا بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيينمسؤولون أميركيون:إسرائيل لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح..وحماس ستظلّ قوة بغزة بعد الحربنتنياهو: سنزيد الضغط العسكري والسياسي على حماس خلال الأيام المقبلة
2024/4/23
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مدخل في أدبيات القاص والروائي السوري نبيه اسكندر الحسن إعداد وتقديم : مي زقريط

تاريخ النشر : 2011-01-06
إعداد وتقديم : مي زقريط
مدخل
القصة حكاية مختلفة كما قال " روبرت شولز " يمتزج بها الخيال مع الواقع ، وهي رسالة من الكاتب إلى المتلقين ، يعرض فيها حالة ما ، أو موضوعا اجتماعيا أو سياسيا أو أخلاقيا ، يهم الفرد أو المجتمع . يتلقاها الكاتب بدوره ،لا على أنها حدثت بالفعل .وهي بهذا المعنى نتاجا غير طبيعي ،وغير حقيقي للخيال البشري .ولكنها في معانقتها للواقع أو المدونات التاريخية تحاكي ما حدث ضمن إطار جمالي محبب ، ذلك لأن الإنسان يحب معرفة الواقع جماليا أكثر منه مباشرة عن طريق الخطاب الخبري ،ولكنها حين تكلم إحساساتنا ، نتحداها بالإثارة ،فهي تعانق الخيال وتجعلنا نحلق وراء عوالم وهمية ،وهنا لابد من الإشارة إلى أنها تتضمن الأكاذيب في أغلب الأحيان .
ضمن هذا التكوين تكون القصة ذات حدين متضادين لطيف الاحتمالات القصصية ، فهذين الحدين يظهران من أشعة ما تحت وما فوق الخيال البشري المبدع ،ومن هنا تظهر تلاوين الحقيقة وراء موشور الرؤيا ، وذلك لأن الحقيقة شعاع أبيض يتمثل الواقع يحيله موشور الكشف إلى شظايا فينتج أنوار تشع في كل الاتجاهات ، دون رؤية الحقيقة ،ومن هنا يأتي دور الكاتب الذي سيكسر هذا الموشور دون اللجوء إلى المباشرة أو إلغاء الغموض .ذلك لأن الكاتب ...لم تكن تجربته مع القصة حقيقية .ومن هنا لا بد من الإشارة بأن الأديب القاص والروائي " نبيه إسكندر الحسن "استطاع أن يقدم لنا شخصياته سواء في القصة أو في الرواية شخصيات منسجمة مع عالمها .واستطاع بأن يتحكم بها وفقا للتعقيدات التي لا يمكن الفرار منها ،ومن الحقيقة التي تساعد القارئ على تجاوز الواقع ، لأن مهمة الأدب ليس رسم الواقع فوتوغرافيا ،بل تجاوزه نحو الواقع أكثر نظامية وأكثر فائدة ،عبر ذلك الخط المرتسم من التاريخ إلى الخيال في مساوته نحو التخطي والتجاوز .
مي زقريط



أحلام مشتتة تأتي هذه المجموعة بعد مجموعات الأديب السابقة" الهدية" دليل الأمّ "و" سوريا الأمّ " .قوة الفعل القصي في بناء الحدث عند الأديب القاص والروائي نبيه اسكندرالحسن..القص آلية تمثل الوعي الذي يعبر عن فكرنا الكتابي
إن الحديث الذي سنسوقه عن القص يمكننا من التعرف على ما يكتب ، وما يصدر عن الأدباء في الوقت الحالي ، فالكتابة إمكان من نوع فريد ، وهي تعني كل الممكنات ، ولها طابعها الفريد إلى حد تسميتها الرائدة في كل المجالات ، ويكون من الخطأ الظن بأن القص يفلت من المستوى الممتاز للأعمال الكتابية ، فالقص كالشعر يحب التربع في المقام الأول ، إذا هنالك صيغ جديدة لظهور القص وتقدمه على طريق التمرد والاندفاع نحو الأمام ، عندما يتخلص الكاتب من محبطاته وتمسكه بما لديه من أدوات وأحداث ملقياً بها في محيط قصه ، وهذا ما فعله الأديب القاص نبيه إسكندر الحسن ، عندما انطلق يبحث في بيئته، وبين جدران الغرف البائسة في عالمه وفي وجوه الصغار والكبار وفي انتفاخات بطون أصحاب الأموال فكان يجمع ويضم إلى باقات قصه تلك الأحلام المشتتة التي كتبها حقاً إنها أحلام مشتتة في زمن يحمل كل التشتت والتقطع ، والانحلال .
فالقص في هذه الآلية لا يعتبر تنازلاً بل يمثل الوعي الذي يشد إليه البيان الأول من فكرنا الواعي ، فالكاتب لا يبغي إلا أن تبرز الكتابة إلى النور فمن الصعب تجاهل النشاط الواعي الذي نجده في قص الكاتب ، والإدراك لكل ما يدور حوله فمجموعة (أحلام مشتتة ) جاءت لتبرهن أن الكاتب على علاقة مميزة مع محيطه وشخوصه ، وهو لا يقبع خارج محيطه وأنظاره تتجه إلى الخلف بل هو يقف دائماً على مقربة مما يدور ويحصل ، كما أنه لا يترك ما يحمله الوعي القصصي إليه أن يفلت منه بل يمسك به ، ويأخذ على عاتقه أن ينقل الحالة التي تتشكل فيها الجمل المثقلة بالأحداث .
رحلت إلى رمال الشاطئ منتصف الليل ، رحت أمشي الهوينا على الرمل ساقت الريح غيوماً سوداء كحلت وجه القمر ، أردت أن أسكن روعي ، فأخذت أبحث عن ماهية الأشياء ومن خلال جولاتي رأيت أناسا ًدون مأوى شيعت بناظري مدينة هاجعة تشع من عماراتها أضواء خابية ،خصصت لليالي الحمراء )ص9القص يدخل كل المناطق المحرمة ويرفع يده عالياً فوق رؤوسنا
1ـ إن تمزق المفهوم المألوف في الكتابة ، وظهور ما يقوم به القص من مساحات تشكيلية جديدة تحمل بنائية تعمل من خلال أدوات ظهرت فيها روح الجدية والتعمق، واعتبار الفكر هو القدرة على لقط الحدث وصياغته بالشكل الفني الذي يخدم القارئ ويدخله في حلبة القص وجمالياته، فالحلبة تدل على القوة ، والجماليات هي الروعة في انتقاء التشكيل والبناء وفي هذين المضمارين تمكن الأديب القاص نبيه إسكندر الحسن أن يفعل الكثير ، فقد نفذ من خلال وعيه إلى قلب الأحداث وعقول شخوصه ، حاورهم قرأ لغة عيونهم ، استمع إلى أساطيرهم ونجواهم فكر في كلماتهم ، وحمّلها معاني أكثر كما يجب ، وظل سارداً لكل ما تلقطه عيناه من حادثات ،فاختلط مع الموج القادم، وحمل رذاذ المطر ، وشرب من الكؤوس التي مرت عليها شفاه العطاش ، حاول أن يدخل في قدسية الأماكن التي تخرج منها الكتابة ، فكانت موضوعاته تمتزج بروح الناس وأفكارهم، حتى صارت الحقيقة التي يكتبها فراشات تطير في كل الحقول، وتحمل معها سمفونيات يستمع لها كل المنشغلين في الهم المرسوم ، فهل نجح الأديب فيما أراد .
إن القص يذهب إلى أبعد المناطق ،وأعمق الأحاسيس ، ويدخل في كل المحرمات ويرفع يده عالياً فوق رؤوسنا وسبابته مصوبة ، تحدد كل الأشياء الموجودة في المجتمع ، إن تشابكات الأحداث تشكل نوعاً من الرؤية الواضحة للقص تتجسد في لغة الأديب لتقوده على دروب المحكي ، وكلها تشير إلى مصدر القص وإلى المناطق العليا التي يحس إنه قادر على الوصول إليها بفضل قوته الذاتية .
(هربت إلى بيارات البرتقال البليلة بندى الصباح البكر، تتشبث بالأرض و تشرش في أعماق التربة ، أدركت أنها المعجزة ، حين تأكدت أن الطوفان قادم لا ريب، اليم يؤكد الهيجان والأمواج ترغي وتزبد ، ومن الزبد نبقت أفروديت ومن عرض البحار اصطحبت أثينا (أوليس )فأثلجت قلب بنلوب )ص14الحدث بقسوته هو الخط الأساسي لأفعال القص.2 ـ ليس في وسع الأديب أن يهرب من الصراع القائم بين الإنسان والواقع لأنه سيكون مدفوعاً نحوه يسقط كل امكاناته لتحليل هذا الواقع ، والقاص ينغلق في كثير من الاتجاهات في حدث ينتقيه ليجد فيه ضالته الكتابية فيدفع فيه قوته الفكرية ، ويؤكد قدرة الوعي وحركة العقل في كل ما يريد قصه من خلال الأفعال التي يستخدمها الأديب، فالقص كما هو كتابة ، هو وعي وإدراك وقدرة على تحويل العادي إلى مهم ومتداول ، وهذا ما يفعله القاص ، حين يدرك أن عمله مختلف عن الكتابات العادية ، فالقص عندما يناقش تناهي الحدث يصل إلى موضوع الزمان والمكان ويعمل على أن الإنسان هو مخلوق في هذا الدهر ، والزمن يعمل به في كل محطات حياته فالأحداث بحزنها وقسوتها وروائعها ، تظل هي الخطوط الأساسية التي يتعامل معها القص ، فتدخل
أفعال القص في بنائية الحدث ، وتصنع بنيويته في كل مراحل الخلق وفي ولادة الفعل والفكرة والجمال أيضاً.(وثبت عيني في البعيد ، مسحت الغوطة الممتدة في الخضرة على مدى العين تجلى فيّ ما كان خافياً تحدثت مع ذاتي-يا إلهي حقاً هي العينان علماء البصريات جاؤوا بكل ما هو فائدة للناس . ).ص-15
ومع أن الانشغال في القص هو نوع من الاضطراب في المنظر العام عند القاص إلا أن الكاتب نبيه الحسن يبدأ عمله من وعي مكثف للموقف القائم فعلاً مما يؤدي إلى تواصل مع الإرادة المنطلقة من وعيه وتفكيره فالموقف عنده يحدث قلقاً حاداً يحول دون الهروب من اتخاذ قرارات يحاول فيها التغيير والتجديد وتلك ميزة عند الأديب تمثل الجرأة والإقدام ، فهو يقتحم المستقبل محاولاً العثور على الأمان في أساطير الماضي ، وقد يكون هذا الموقف من المواقف التي يشعر فيها بوطأة القهر وعدم شق هذه الحجب التي تتبلد في سماء شخوصه إذ يظهر كل شيء أمامه بدون أمل فيندفع الكاتب إلى اختلاق فعل قسري من خلال الحس الغريزي أو أي دافع مماثل يُقطع أمام الفشل .
3- كما أن هناك لا توازن بين الحاضر وما هو واقع وربما تكون هذه الحالة أكثر الحالات انتقاءً لدى الأديب ، فالتيه الذي يمتد أمام عينيه مساحاته شاسعة يدفع إلى الضياع في طريقة التعامل الإنساني فتتحول الأمور إلى تصرفات غرائزية حيوانية ، فالافتراس والاندفاع نحو التشفي والتهام الأشياء تحت عنوة السيطرة ، تدفع الأديب إلى إظهار الإرادة وأفعالها ، حيث أن فكرة اللاتوازن في الحياة بين الأنظمة والموجودات ، تدفع إلى رفض الكثير إلى التجاذبات والتطلع إلى إضاءات يمكن أن تحول هذا التقزم والقرف إلى نور ومستقبل ، فمن دموع المسحوقين وبكاء الصغار وأحلام العشاق ، وسفر النوارس وإبحار الأشرعة ، تصاغ الحكايات التي تقذف الأفكار و تصيغ القص ليكون هو الحلم والصورة .
( ولولت الزوابع ، كاد يفقد توازنه ، فانطلق كالهارب من الأيام وبدا اليأس مكتوباً على سحنته ، وثمة سناجب تمد رؤوسها من أوجارها وسرعان ما تختفي تحسباً،وقف حمدان خوفاً من أنياب مفترسة طالعة ، الجدل كان بالنسبة إليه خمر يرتوي من دنانه المعتقة ، هاجت في داخله رياح هزت مشاعره أثارت حماسته فسأله أين عروسك)ص47ومن خلال ذلك سيلاحظ القارئ أن ما قمنا به هو مقاربة لحدود العمل الذي ابتغاه الكاتب وأولاه معظم همه وجهده ، ومع ذلك فإن أي قرار يتعلق برسالة الكاتب في حياته ينطوي على إرهاصات تجعله في نفس الوقت يرفض ممكنات كثيرة يجد فيها الظلم والسيطرة والإجهاض قد هيمن على روح المحبة والتقدم فالقص من الناحية الجمعية الفكرية عند الكاتب هو الطريقة للمشاركة في بناء عالمه وفي الوقت نفسه البؤرة التي ينظر منها ويحدد ردود أفعاله بموجبها فالحياة هي ذاتها من أهداف القص عند الأديب ، ومن خلال حركتها الدائمة يتلاقى العمل الكتابي بين الأديب والمعطى حيث يغوص الكاتب في عمق العلاقات ويتحدث مع كائناته بشكل حميمي حتى أنه يبكي معهم ويفرح لانتصاراتهم ، فالإنسان لديه هو موجود فاعل ، وهو موضوع قصي يدخل في أساس العمل الكتابي بما لديه من مشكلات تتنامى وتتجمع في فكر الكاتب ، لتنتثر فوق السطور ، وتخلق الهيكلية الكتابية لكل خيالاته ، فالقص مناجم لمعادن مختلفة يعمل القاص على إخراج فلذاتها ، وتنقيتها بتقنياته التي يتعامل معها لذلك أدرك القاص نبيه الحسن بأن الاستخدام الأمثل للقص هو القص حيث يجد أن الخط الجامع للأدوات ودفعها في بناء قصصي كتابي هي الأفعال الحدثية التي ينتقيها ويجيد استعمالها ،
(ارتسمت على وجهه ابتسامة بلهاء خطفت بصري شجرة سنديان تأوي عصافير غريدة خامرني إحساس أن الخيط الأبيض يلاحق جحافل الليل،اعتراني الملل فقلت يالعنة الجحيم أين العصافير؟- لقد شردها الخريف أطرقت ملياً، عزيف الريح نائحة ثكلى ، استولى عليّ إحساس أن أحذر من اللصوص وأشير إلى مواضع الخراب ، دعتني الفكرة أن أنقب عن الحقيقة في أمهات المعاجم) ص72
عمل الأديب نبيه اسكندر الحسن على ضخ كل الرؤى التي تََصَوَّرها مجتمعه وبين ما يريده شخوصه من خلال النجوى والمنعكسات الداخلية التي تتدفق من الداخل المجرح ، فهو يعلم أن القوى الغادرة تتجمع باستمرار لتخرب كل ما يحلم به البائسون ، فالرحى التي تطحن لا تقف بل لا تشبع لأنها تمزق حتى الأجنة في أرحام النساء ، ومع كل هذا الظلم والعنف لم ييأس الأديب من المضي إلى منارة الحياة وإلى عين الخلود التي شرب منها انكيدو وحصل على الحياة ، إنه كطائر الفينيق يحب أن ينبعث من الرماد وفي كل مرة ليكتب شيئاً جديداً ينير الطريق.
الناقد علي الصيرفي


الحيثيات الدلالية في قصص " سوريا الأمّ " للقاص والروائي السوري :( نبيه إسكندر الحسن ) .
بقلم الناقد السوري : نزار بدور
لعل القارئ المتابع و المتمعن في فلسفة القص لدى القاص و الروائي نبيه اسكندر الحسن منذ مجموعته القصصية الأولى " الهدية " و الثانية " دليل الأم " و " الثالثة " سوريا الأمّ " و الرابعة " أحلام مشتتة ". سرعان ما يشدّ الانتباه في مجموعة القصص للأديب " نبيه اسكندر الحسن " التي يجمعها عنوان لافت /الأمّ سوريا أن الكاتب طرق باب الواقعية ضمن زاوية حادة في الرؤيا البصرية التي تبتدئ من خلال مشهد السرد القصصي . و الرؤى ذات التذهين التحديثي في حمولة الإبداع الذي يتجلى ببراعة حتى العفوية التي تطبع العمل وتؤكد مصداقية البوح التعبيري و الدلالي فيخرج الكاتب بذلك من دائرة التهويمات الرومنتيكية ليتجنب الخداع في آلية القص ، و ليؤكد مباشرة الأفكار التي أعمل منجله حصاداً وافر الغلال من حقول الواقع و قد طاب الجنى ، وصدح الموال من شرفات الواقع حيث الكاتب جزءاً منه إنساناً و فناناً لتأتي جزئيات الواقع في بانوراما تفصيلية تستجم مكوناتها في واقع معيش حامله الموضوعي:بيئة مكانية و اجتماعية هي /الأمّ سوريا/ في حراك يتماهى بساكنيه و منظومة القيم و مختلف الأنساق الجمالية التي جعلت من المكان غنياً بأناسه و طافحاً برمزيته ، وتعزيز وظيفته التعبيرية و الدلالية الإيحائية ، فبات المكان أساساً و حاضناً موضوعياً لآلية الحراك واقعاً ، و فتوة اللغة بذاراً منتجا" من رحم القصص الإبداعي فيتراءى المكان واقعاً و العمل الفني إبداعاً في متسع ذات الكاتب ابتكاراً توصيفياً نابهاً . و كل ذلك ضمن باب الواقع سكنى أحداث ، و الواقعية رؤية تذوقية تبادلية الانشغال حيث الواقع و الأفكار و المغزى وفق سعي حثيث لإثراء البنية الدلالية و النهوض بها للسرد الحكائي يتجاذب هذا الفعل القصصي الجانب الزماني ما بعد منتصف القرن الذي نسخه اللاحق ، لكننا لا نستطيع رغم انغماس القاص بالواقع تفاصيل مغرقة إلا و أن تشير إلى الإبداع الفني الذي دفع به متوازياً مع حيثيات الواقع إلى النفحات الإبداعية كحالة تصالحية بإسعاد النطق و قد أعيا الواقع الحال ف / هيام/ /طفلة / عند ذهابها إلى المدرسة كانت تقفز كشحرورة بين الآجام فبالإضافة إلى اللغة التصويرية المجازب و التي ترتكز على التصوير و محاكاة الطبيعة كشأن الإبداعيين نجد الحل الإبداعي المتمنى في مركز الوجدان رغبة و أمنية و قد حدد ذلك معطى الواقع الظرفي لتحقيق هدية للأم فكان"..... و في داخلها طفلة في عمر الورد مدماة ، و كفها يقبض على وردة حمراء " . ص / 11 / و / 12 .
و هكذا نجد الانسياب التصويري الحالم الجميل و لكنه منضد على رتابة الواقع ففي " الله مع الصابرين " " أنك ستصغي إلى سمفونية الودق الرتيب على صفائح التوتياء" و بالتوازي مع اللغة التصويرية تتوافق الإملات في كل من: القدر ، الطبقية، و الصدق وفق مسرب من تشاغل ذهني فهو غير قادر على تحقيق رغبة شراء تفاحة فمن جزئية الملاحظة تتسع دوائر القهرية و الإعياء و العجز ، و ربما عدم التوازن و الخوف من الانتحار أو البطش فالخنجر في يده فكأن القاص يشير إلى / غدر الحياة أمام شهامة التمني/ " و انبرى إلى عرض الشارع متلمسا" خنجره ". ص / 13 / و / 14 / .
لكن القاص في /فاطمة/ يطرز لوحة خيوطها الواقع ، و فضاؤها الديمومة في الفعل البطولي الاستشهادي و العمل العدواني الصارخ على الحق و البراءة ، و معنى الحياة لتبدو القصة نسقا" من إرادة تضحية في مواجهة باطل حاقد ص / 15 / و / 16 / .
لكن القاص في/ التجربة / يؤكد على دور الإنسان و ضرورة تجاذب أطراف التجارب وأن يدفع بنفسه و عليه التفاؤل فمعرفة الأسرار بالتجارب. ص / 17 / و/ 25 / .
هذه التجربة تكون أيضا" في مضمار تحقيق تجانس اجتماعي لمحطة بناء أسرة و تفعيل موقد العواطف بالمزيد من جمرات الاتقاد و العزيمة لكن كيف يتم ذلك و الواقع لا يفي بالمطلوب إضافة إلى وهن واش لكن رغم ذلك تمت الخطوبة فقد لاذ / نورس/ بالصمت إذ " يعتبر أن الكلمة تعادل ذهباً و الذهب يجب الاحتفاظ به لوقت الضرورة ". ص / 26 / و / 92 /
هو الإصرار ذاته في تأكيد تحقيق الوصية و الحفاظ على صون الدار كما نقرأ في /زكية و تشرين/ فعندما تأتى صوت زكية نهض /صقر/ و قال: لا عليك لا شيء غريب ، الدار بناه جدي ، وشجرة الزيتون نألفها و نزرع الصبار أيضاً " فالقاص يجذر مفهوم الانتماء و شرف الحمية العربية .ص / 30 / و/ 39 /
على أن القاص في /بعل/ يحرك الجاني الأسطوري و يقيم عملية إسقاط ليغدو رمز المطر مطراً للمعرفة التي لا يكون حراكها إلا في أعماق الذات الفطنة القائمة على الدربة، و التي بدورها تكون عمقاً لا تسطحاً " كثيرون يذكرون اليم لو أصغوا إلى الأعماق لشاهدوا المعجزات و العجائب " فالمطلوب : اللآلئ و ترك الطحالب . إن التوظيف الأسطوري يؤسس لأفكار تدعو إلى المزيد من خصوبة الأنسنة في مدارات الحياة ، و متسع المثل كما يتضح في / عشتروت / " أقسم أن أترجل عن صهوة الجواد حتى أرى بأم عيني الناس كأجواق العصافير تغني المحبة " و لم يعتمد القاص على الجانب التاريخي للأسطورة فحسب ، و إنما ارتكز على توظيف الطبيعة في إيحاء الدلالة ز / 40 / و /42 / ففي / قاسيون / نجد السند و الصلابة و الثبات وفق نسق لغوي عابق بالتوصيف الجمالي للغة الوارفة الظلال حيث تواصل الحياة رغم قتامة الجهل إذ يقول : " اللعنة فعلها الأنذال ، لكن لا خوف ما دام قاسيون بخير " .ص / 46 / و / 51 / .
و إذا كان الرمز مسرباً في تفعيل بنية الحدث القصصي و التقابل الدرامي فإن القاص في /عودة الصيف/ يوضح مرارة الهزيمة الوجع في تباين الواقع إذ الصبر في جرعاته المتزايدة كالدواء إن زيد منه يقتل صاحبه " أقرانها الأقل منها جمالاً و علما"يملكن المارات الفخمة و السيارات الفارهة وهي تعاني " فهي تملك كشأن المحبطين حزمة أحلام تذبل قبل أن تتفتح ، و تموت قبل أن تولد ، لأن واقع الحياة تكبر فيه الطفرات و تنوء به الإمكانات و تذوي ... و لاسيما عندما تدركه حرفة كحرفة الأدب . فالأوراق المسودات و بعض مفردات مشاريع القراءة أو الكتابة أصبحت كعود الثقاب الأخير عند/ بائعة الكبريت / للمنفلوطي مجمر دفء بحجم الفاقة و الحاجة و الخيال الضائع في متاهات الحظ القاتل . و لعل خاتمة القصة تعطي المزيد من الإيحاء / من يحوي الكتب بحاجة إلى الدفء/ من جوانب الحياة كافة المادي و المعنوي و فضاء من المساندة لأن من يقوم بذلك هو الذي يقول... يفكر...يكتب ما يعجز عنه الكثيرون لمرة فكيف لسنين و سنين و لأعمال و أعمال إبداعية، و ما تحمله من بذار :الأمل و الوجع و التمني و الثقة والبناء. ص / 64 / و/ 70 / . لكننا في قصة / جدران النظارة / نجد البعد الطبقي الذي يحاول الحلم الرومانسي أن يخفف من قساوته لكنه عبثاً يحاول / ففارس/ في اللحظة الحاسمة يتوارى فتكون الصفعة وتتسربل شخصية الصبية بالأحزان و اللوم " حتى كاد الدخان يغب ضوء الفانوس ، ولم يتبق سوى بصيص من يحتضر" هكذا كان احتضار حظها وواقعها أمام آخر مدجج بالمال وإمكانية التسليع، و مقامرة المال أمام جمالها ليغدو الأب عرابّاً وهو المتزوج من غير أمها ، و التي عندما تمت الصفقة أطلقت الزغاريد لكن الفتاة حاولت قلب الصورة لواقع الإحباط فواجهت لتتجاوز مفهوم: المرأة قيمة جسدية في مجتمع التخلّف بإرادتها ، و كسر حاجز البعد الطبقي وفق مصداقية الحب .إن عالم القيم منظومة أساسية في وعي النسيج القصصي الناهض بذات المبدع منعكسا" لواقع موضوعي قوامه المجتمع الذي درج على ذلك تتابع أعصر لذلك نجد أن نصّ/ وردة الجنوب / يؤكد على قيمة الشهادة و النصر فنقرأ " قدرنا أن نقاوم أو نموت " و في صوغ لغوي فيه حركية للأفعال المترجمة لسلوكات متتابعة ، و توضيح جلي لهمجية المعتدين عبر آلات الموت و الخراب من دبابات و طائرات تطل فكرة المقاومة و يتضح عشق الشهادة.
لذلك في نصه/ العين و المخرز / تتوالى الرسالة " احرصي على الوليد " فعبر خصب تموزي وتوظيف الرمز الأسطوري المتماهي بين السطور من كفاح متواصل يتكوثر ربيع التضحيات جيلاً يتبع آخر.
إن هذه المجموعة تترجم مدى انغماس القاص بتفاصيل الواقع بكل واقعية كأنها تسجيلية و بلغة بسيطة هي من أفواه الواقع دون تكلف حتى إننا نجد التكرار كما في / تلافيف الدماغ ، أحس بقشعريرة ،أطلق ساقيه/ فهذه العبارات الجاهزة تتفتح عندما يتسع الواقع لتبدو ثقافة مختزنة ، كما أننا نجد الاعتماد على الطبيعة بحثاً عن تصالح مع الإبداع لإيجاد فرصة من التكيف كمن ينهض صوب الجبال ليجفف ذاته من رطوبة الكهوف التي دفعته للتعبير ، فكان القص سبيلاً . و مما لا شك فيه أن الصفوة وحدها القادرة على التسامي . هكذا رسالة الأدب ودور الأديب مثلما هو دور الإنسان في ((كل مجال)) مشروع إبداع لذلك نجد أن السارد في النص هو ذات المبدع إنسانا" ، لكنه الواقع بوحاً.
الناقد الأديب السوري : نزار بدور.



دراسات في أدبيات نبيه اسكندر الحسن
الجمعة, 22 أكتوبر/تشرين أول 2010 22:50
نبيه إسكندر الحسن في مجموعته(( دليل الأم ))
القص نسيج بلاغة الواقع

خالد زغريت





تنتمي قصص دليل الأم للأديب نبيه إسكندر الحسن إلى الكتابة الواقعية بامتياز لا يلويه توجس النمطية القصصية لأنه يدخل عالم القص بروح نضالية يراها المعادل الموضوعي للفن ملتزماً المعنى الواقعي لمفهوم وظيفية الأدب وهذا ما يجعل القاص نبيه الحسن مستغرقاً في خريطة الحياة يحفر في زواياها المهجورة و الآنسة عن لقطات تعكس جوهر دراما الوجود
إذن يتسق القص في مجموعة نبيه الحسن (دليل الأم ) دون مواربة مع الأفق العام للجنس الإبداعي المعروف بسماته الخاصة ، رغم أن هذا الاتساق يبقى محفوفاً بمخاطر جمود البناء والارتخاء إلى المنجز والشغل النمطي على صوره لكن نبيه الحسن يجتهد في خلق روح قصصية حيوية تحرض الجسد النمطي على الإبراق إذ يولي الحسن أهمية إلى أصالة الجنس الإبداعي صورةً ومادةً دون أن يغلق نوافذه لرياح التحديث المفعل للإبداع والمؤسس لانفتاحه على فضاء الجودة والابتكار متوسلاً البلاغة الجمالية القائمة على الانزياح الشعري في بناء السرد:
(كان يتوق إلى الغدير يمتع ناطره بجمال الطبيعة
فجلس وامتدت قدماه إلى المياه فغمره دفء لطيف
كان يسود الصمت إلا من خرير الماء وزقزقة عصفورة أحست بالرعشة
وفجأة انبرت فتاة من بين الأشجار.
كضوء ينداح في عالمنا ، تتهادى كالنورس على الشطآن )
إننا ونحن نقرأ قصص نبيه الحسن تأخذنا متعة القص الأولى وحيوية استثماراتها لحيوات فنها إذ لا تتهجن القصة بما هو خارج مداراتها ولا يعني ذلك الانغلاق على صورة حكائية منهوكة تاريخياً ، ثمة مسعى لتفريد صور الحياة في جسد فني يحررها لتنفتح على آفاقها وغالبا ما ينفذ نبيه الحسن إلى مادته في معاش الإنسان العربي المعاصر الموشوم بإشكالات واقعه وردود فعله إزاء ظواهره الأصيلة والطارئة حيث تتولد حياة القص من خلال التفاعل العميق بين الكائن وكونه المتغير بفعل تحولات الحياة و الكائن بمعنى آخر قصص نبيه الحسن هي ثمرة بيئتها العائمة على رمال أزماتها المتحركة ومن هنا تنبع حاجة نبيه الحسن إلى معاينة الوقائع بصوريتها الراهنة :
( تنهد حمدان واستجمع كل قواه .
وقفز على قدم واحدة كجرادة فقدت أحد جناحيها إبان ريح صرصر ،رفع بصره إلى السماء ، نجمة المساء تومض ، وتحدق بوجهه كرجل جائع يبحث عن طعام في خيام الغجر ، أطرق برهة مفكراً وراح ينقر بعكازه الأرض كطائر نقار الخشب ،
ثم اتجه إلى زوجه وقال :
- إن الإنسان أشرف الخلق وأفضلهم على هذا الكوكب
أحست الزوجة ما يدور بخلده فقالت :
- اصبر
- الحياة تعطى لنا مرة واحدة .
- ليكن كذلك .
بدا وجهها شاحباً وهي تهدهد طفلها الذي ما فتئ يطالب بالتفاح الأحمر . منذ أن شاهد تفاحة مع أحد أقرانه ، نظرت إلى زوجها خائفة أن يتصرف تصرفاً غير مقبول .)يبني نبيه الحسن شخصياته عبر صراعها الدرامي في الوجود ماتحاً إشراقتها الداخلية التي تمنحها امتيازاً إبداعياً بمعنى آخر هذه الشخصيات تحوز على تفردها القصصي من خصوصية واقعها و عفويتها وفطريتها ، متنامية في سياق القصة من خلال تفاعلها مع البيئة أي هي قصص قائمة بمرجعية وجودها الواقعي جدلياً ، إنها شخصيات تبتكر نسيجها القصصي الذي يبني خصوصيتها ومسارات عالمها الذي تجسده اللغة القصصية إذ هي المحيط الحيوي لخلق الإبداع وهي في قصة الحسن أنوار روح مشرقة من ذاكرة المكان / الحدث / الكائن / الوجود / تمتلىء بها تتملى أقانيمها المتشعبة و تنساح بها عبر السرد فتلقي على مساحة القصة دفقاً دافئاً يكسو القصة بوشاح شعري وجداني شفيف يحافظ على توازن الجنس الإبداعي :
(صافحت عيناه الغيوم التي تشكل أشكالاً ورسومات خرافية ، لاحت له نوارس حزينة ، تسبح على أنغام موسيقا جنائزية ، ثم انحدرت نظراته تخترق عباب الدخان الأسود المتصاعد إلى الأعلى ، ينداح بالأفق اللامتناهي .. الخيام تضطرب بالريح .. توقف الأطفال عن لعبتهم المعهودة " النعجة والذئب " فيما كانت الوحوش الضارية تجوب أركان المكان .
كان يمسح بنظراته الهضاب والوهاد ، حين وقع نظره على فتاة رائعة القوام لم يرها من قبل ترتدي بزة خاكي ، تلوح بمنديل أحمر قان ، تهوي بقدمها على الأرض ، يعبث الريح بشرها ، فيتناثر على كتفها كشعر فرس جموح ، تثب من مكان إلى آخر كنمر يبحث عن طعام ، تزرع شيئاً بطريقة هندسية ، تقف للحظات كالشهاب تؤدي رقصاً غريباً . سرت قشعريرة بأوصاله .. رفع رأسه رويداً رويداً ، وراح يرقب المشهد عن كثب ، انبرى إلى عرض المكان كالمارد )
تتوهج قصص نبيه الحسن بالطرافة الدرامية للقطاتها التي تراوح بين البناء التركيبي والعفوي لكن الحس الفني الناضج للقاص يؤمم لها مدارات التشويق و الإدهاش وسعة صدى الانفعال الذي يرتد في نفس القارىء حيث السرد المنقى والمكثف المشبع بالإضاءات الشعرية إلى لغة شفافة تفتح القص على تكوينات جمالية تستكشف داخل الإنسان وتنشر كوامنه النفسانية وأسئلته العميقة وفق بنية تنأى إلى البساطة في البناء والسرد واللغة دون أن تبهت أضواء الإبداع التي تتلألأ في القصص في أحاين كثيرة تؤكد مصداقية جهودها في بناء هويتها وطموحها ، وهكذا تصير قصة نبيه الحسن صورة لبلاغة الواقع.



مجموعة " سوريا الأمّ " للأديب السوري : نبيه إسكندر الحسن .
تروي الأسطورة اليونانية القديمة ،أن ربة الجمال ،وهي من هي جمالا وحضورا ،و لطافة ، وروعة ، كانت تمرّ بالينابيع لترى صورتها قبل أن ترى أحد عشاقها من أبناء البشر الذين تتخيرهم بين حين وآخر ، لا لانعدام ثقتها بنفسها ،وإنما لضرورة مرآة الآخر ودورها في كشف الظاهر والباطن في آن معا .
هنا لابد وفي هذه الأسطر القليلة ، أقف كمرآة كاتب طموح مجتهد ، يكاد يكون مفتونا بكتابة القصة القصيرة ،هو القاص والروائي " نبيه إسكندر الحسن " . هذا الأديب الذي قرأت قصصه قبل أن أتعرف إليه ، قصصه التي شدتني إليها كصوت منفرد خاص له روحه وحضوره وسط أصوات من القاصين التي أعرفها جيدا ، وأدرك أبعادها الإبداعية وغاياتها الثقافية .
القاص " نبيه إسكندر الحسن " ،ميزته أنه يكتب بقلمه هو لا بأقلام غيره ، وأنه يقدم صوته هو لا أصوات غيره ،وأنه يكتب بحبره الخاص دونما امتزاج مع حبر الآخرين ، من نتتبع أهمية ما يكتبه ، ومن هنا تأتي صوابية الرؤية عنده ككاتب يعرف ما يريد من قصه .
2
أهم ما جاء في مجموعة القاص " الحسن " أنها بستان إبداعي ، فيها قصص متعددة الأغراض ، مختلفة في تناولها الفني ، قصص قصيرة جدا ،تقدم نصوصا ملغومة ، معبأة بالمعاني والدلالات ،نبيهة في استهلالها ، ذات خطف سام في نهاياتها، تتخذ من السرد أداة للتوصل حينا ،ومن الحالات والمشهديات أداة للتوصل حينا آخر ،وهي في كل هذا التنوع ، والاختلاف لا تغادر أقنومين أساسيين حرص عليهما القاص هما :
الأول معالجة القضايا الوطنية والقومية والإنسانية تبعا لمواقع العطب والخراب وخطورتهما ، والثاني الإخلاص لفن القصة وروحها ،مع الاستفادة من سائر الفنون الإنسانية بعامة .
3
القاص " الحسن " ،شديد الولع بالوصف ، وتصوير الطبيعة ، وحالات النفس ، ورصد مواجع العشاق ومواجعهم ، كما أن القاص على صلة حميمة بالواقع الاجتماعي وما يدور فيه ، وبذلك تصلح قصص الأديب " نبيه إسكندر الحسن " لأن تكون شهادة على الواقع الاجتماعي المتأثر بالأحداث السياسية ، والظروف الاقتصادية ، واللوبان الاجتماعي المتسم باليأس ، والخوف ، والقلق على المشاريع الطموحة والصباحات القابلة .
4
وقصص الأديب " الحسن " في مجملها العام تتأرجح بين الواقع ( الحقيقي ) والخيالي الذي يواكب النفس في تحليقاتها وشدها الواقعي عن حفر النار التي راحت تتسع يوما بعد يوم .وإجادة " الحسن " في القصص الواقعية وافرة أيضا .ولكن الخيال عند " نبيه " ليس بأكثر من معبر نجاة من مواجهة الواقعي المدمى .
5
وبعد ما ورد لابد من القول :" إن القاص الحسن يمشي إلى الأمام بحكمة من يريد أن يبني العالم بألواح زجاجية ، نظيفة ، ناصعة ، شفيفة ، ومتينة أيضا . ألواح لها نوافذها ، وشرفاتها ، ونبتاتها ...وعشاقها الجميلون .
بقلم الأديب القاص والروائي د: حسن حميد .



نقد في أدبيات القاص والروائي السوري نبيه إسكندر الحسن
" رواية الفدية " للأديب السوري نبيه إسكندر الحسن
قد لا تبدو هذه الرواية جزأ من التجربة الروائية السورية المعاصرة ،لكنها شاهدة على ما يمور داخل هذه التجربة من تنوع في أشكال الكتابة السردية .التي ما إن تجد نفسها أسيرة منظومة جمالية محددة حتى تبتكر من التقنيات ما يحررها من ذلك الأسر ويطلقها في فضاءات شديدة الغنى والتعقيد بآن .وعلى الرغم من أنها تعبّر عما أنجزته هذه التجربة فيما يتّصل بمحاكاتها لإنجازات الآخر ، وبمحاولات تأصيلها للجنس الروائي ، فإنها تقّدم أكثر من إشارة على تطور تجربة الروائي " نبيه إسكندر الحسن " السردية الذي تلمًَس خطواته الأولى في حقل القصة القصيرة أولا، والذي قدّم عملا روائيا سابقا لهذه الرواية ثانيا .وبعيدا عن التقريظ الذي يفسد فعاليات القراءة والتأويل ،ويصادر على المتلقي حقّه في إنتاج هذه الفعاليات ،أو يسميه " إمبرتو إيكو " التعاضد التأويلي الذي يعمل على حث القارئ على أن يستمدّ من النص ما لا يقوله ، وما يتضمنه ،أو يضمره ، فإنه يمكن عدّ هذه الرواية إيذانا بولادة صوت روائي قيد التكوّن ،يقدم موضوعه على طريقة أو طرائق صوغه البنائي لهذا الموضوع ، وينأى بنفسه عن كلّ ما يعوّق وصول شواغل متنه الحكائي إلى أوسع عدد من جمهور القرّاء ،رغبة منه ، كما يبدو في تعزيز الأطروحة الوطنية التي يريد إيصالها إلى متلقي نصه .وليس في دعوته إلى كتابة هذا النص من جديد .الأمر الذي يعلّل غلة خطاب الأقوال في هذا النص ،على خطاب الأحداث .أي الخطاب الذي يجهر بوعي الشخصيات من خلال منطوقها ،وليس من خلال أفعالها ،وإلى الحد الذي تبدو الرواية معه أشبه ما تكون بالحوارية التي ترتدي مسوج جنس الروائي .كما قد يعلل تواتر فعاليات " التناص " مع الموروث الشفاهي ، بين موقع وآخر ، وعبر أكثر من شكل من أشكال التفاعل النصي ،تثمينا لمغازي السرد ،التي يبدو من أهمها ،أن ما هو وطني هو شعبي بالضرورة ، أو هو ذلك الشعبي وقد تجلى عبر أبهى صوره، وأنصعها وأبرزها اكتمالا ، أي الارتباط بالأرض والتجذر فيها .
ومن أهم ما يميز هذه الرواية هو أنها تعيد للموضوع الوطني حضوره في التجربة الروائية السورية ،الذي فقد أو كاد بفعل عوامل مختلفة ،ذلك الألق الذي عبر نتاج ما بعد الهزيمة الحزيرانية، والذي تجلى على شكل نصوص روائية تحتفي بما هو وطني احتفاءها بهجاء الخراب الذي قاد إلى الهزيمة ، ولعل من وأهم أيضا .وفي هذا المجال هو أنها لا تكتفي بتمجيد البطولة التي أبداها المقاتل العربي السوري في ساحة المواجهة مع مغتصبي الأرض ، بل تتجاوز ذلك إلى تعرية نقيضها في الداخل ،أي إلى تعرية القوى الباحثة عن امتيازاتها الخاصة ، وهو ما يبدو استكمالا لما ، أو تنوعيا على ما ،حولته نصوص روائية سابقة تصدت للحديث عن تلك المرحلة من تاريخ النضال الوطني في سورية .
ويمكن القول وخارج أطر النجز النقدي ،إن ما يكفي نبيه إسكندر الحسن ،في هذه الرواية هو أصالة الموهبة التي يصدر عنها فعالية الكتابة ووعيه الواضح بأن هذه الفعالية هي محض أسئلة لا تدعى بحثها عن إجابات ، بقدر ما تدعي إثارتها للأسئلة نفسها ،لأسئلة الماضي القريب والراهن بآن ،وهو ما يمكن عده محفزا أساسيا من محفزات تجربته منذ مجموعتيه القصصيتين " الهدية " و" سوريا " الأمّ، التين يبدو الشاغل الوطني فيهما أحد أهم شواغل القص لديه ، بل أهمها على الإطلاق ، وإلى الحد الذي يبدو الروائي نبيه إسكندر الحسن معه كاتبا مهموما بهذا الشاغل بامتياز .
وبعد فإن هذه الرواية " الفدية " عمل سردي جديد يمثل إضافة إلى تجربة " الحسن " من جهة ، كما يمثل علامة من علامات الطريق الشاق الذي تحاوله الرواية السورية في البحث عما يميزها ،ليس على مستوى الجغرافية السياسية بل على مستوى الجغرافية الإبدعية من جهة ثانية .
الأديب الناقد د: نضال الصالح .



نبيه اسكندر الحسن
جريدة الاسبوع الأدبي جريدة اسبوعية تعنى بشؤون الأدب و الفكر و الفن العدد 773 تاريخ 1/9/2001:
فهرس العدد
صفحة جريدة الاسبوع الادبي
مكانة السرد وأثرها في (سورية الأم).ـــ الأديب الناقد :أحمد المعلم
ما إن يتجلّى الموضوع للقاص: نبيه اسكندر الحسن، حتى يُهرع إلى الفكرة، التي ستصوغ أهدافه ومراميه، ثم يسعى إلى حدث أو أكثر لبيان الغرض العام من القص. فإذا أنجز الموضوع غرضه وغايته، فإنَّ القص يكون قد حقّق شروط وجوده. ذاك ما نراه في المجموعة القصصية: (سورية الأم).‏
تحتوي هذه المجموعة القصصية على أكثر من عشرين قصة، منها ما يأخذ الشكل القصصي القصير جداً، مثل: (طفلة ـ الله مع الصابرين ـ فاطمة ـ عشتروت ـ رحلة العين والمخرز). ومنها ما يأخذ شكل القصة القصيرة. ويشمل مالم نذكره من قصص، ويأخذ صفة الأعم الأشمل.ولمّا كان القاص حريصاً جداً على الموضوع أكثر من غيره في ركائز البناء القصصي، فإنه لم يحتفل بأن يعطي لهذه المجموعة القصصية شكلاً واحداً، أو نمطاً واحداً، بل تتعدّد الأشكال من تعدّد المواضيع.يقول حسن حميد من تقديمه لهذه المجموعة: (أهم مافي هذه المجموعة القصصية أنها بستان إبداعي، فيها نصوص متعدّدة الأغراض، مختلفة في تناولها الفني تلتفت إلى القصة القصيرة جداً فتقدّم نصوصاً ملغومة، معبّأة بالمعاني والدلالات، نبيهة في استهلالاتها؛ ذات خطف سام في نهاياتها، تتخّذ من السرد أداة للتوصيل حيناً، ومن الحالات أو المشهديات أداة للتوصيل حيناً آخر، وهي في كلّ هذا التنوّع، والاختلاف لا تغادر أقنومين أساسيين حرص الكاتب عليهما هما، الأول: معالجة القضايا الوطنية والقومية والإنسانية تبعاً لمواقع العطب والخراب وخطورتهما، والثاني: الإخلاص لفن القصة وروحه). والقاص حسن حميد يطلق هذه الأحكام من وعي للتجربة القصصية وفنّها الإبداعي على الخصوص. وتشكّل هذه المقدّمة رائزاً قوياً، أو مفتاحاً ساحراً لكل من يودّ الدخول إلى مثل هذا العالم القصصي.‏
فالموضوع البسيط في حياة الناس مثل: عيد الأم، يلتقطه الإحداث القصصي، ويمضي به بجهة المخيّلة، فإذا هي تعود منتجة له من جديد، وفاقاً لرؤية جادّة وموقف تعبيري خالد، يُسطّر سرّ العلاقة المتنامية بين الطفلة وأمها، لتكون التضحية بالنفس واجبة حيال الأم، التي حملت ورعت، ويكون برهان الطفولة تجاه الأمومة قوياً، صادقاً في عزيمته، يقدّم النفس رخيصة من أجل هدية عيد الأم، لتكون الوردة الحمراء سرّ تنامي العلاقة وسموّ التواصل بين الآباء والأبناء. ذاك ما نراه في القصة القصيرة جداً: (طفلة)، والتي لا يستطيع المتابع لها إلا أن ينحني إجلالاً لعظمة التواصل وسرّ الاندماج بين الطفلة وأمّها. ولقد كانت الطفلة البطلة غافلة عن موعد التواصل مع الأم، كما اقتضى العرف الاجتماعي، لكن تنبيه المعلمة لهذا الموعد فتح المجال عريضاً لتضحية بالنفس، تقوم بها البطلة من أجل هدية للأم. فكم تكبر الطفولة في عيون الأمهات من هذا الفعل! وكم تكبر الأمومة من الطفولة تقديراً متسامياً لهذا الانتماء الخالد للحياة والحيوية.‏
فهل كان الحيوان الكلب بعيداً عن سرّ العلاقة بين الطفولة والأمومة، أم أن القاص أراد أن يرفع كثيراً من شأن الإنسان، ويجعله الطاقة السامية حيوية ونشاطاً على سائر المخلوقات؟!....‏
إن تغذية إنسانية شاملة، تنهمر علينا من عالم هذا الفضاء القصصي، فنزهو لفعل الطفلة، على الرغم من أنّها عانت الموت، ونحتفل بقلب الأم ودليلها الوهّاج، على الرغم من أنها كانت بعيدة عن المكان. وذلك يأتينا من دون زخرفة كلام أو تنميق، ولا تزويق، فالمهم عند القاص الوفاء للموضوع. وإن كان للأسلوب أن يكشف عن الكاتب، وهو كذلك، فإن الكاتب وفيّ لموضوعه. وربما كان يجترح صيغة الوفاء سلّماً لعلاقة مترابطة، أيّاً كانت وجهتها وغايتها....‏
ومن يستطيع أن يقرأ قصة : (بعل) القصيرة جداً ويتغابى عن أمثولتها الناشطة الذكية: (ـ خذ اللآلئ ودع المحار والطحالب). وليس المهم الأمثولة التي اختلفت إليها تلك القصة، فعالم الأمثولات طويل وعريض، وإنما المهم هو تلك الصيغة الفنية بسيطة التركيب، يتم العرض منها، وأيضاً ذلك الحوار الشفيف الناعم، المتناغم مع البناء القصصي، ليُشعرنا بأن اللقاء مع الحياة هو أكثر شمولاً من اللقاء مع العدم. ولسيولة التذكّر والترجيع قدر مهمّ في هذا البناء القصصي، لكنه ليس الصعب الذي لا يخطر إلا إلى قلّة من الناس، وإنما ما يمكن أن يتوارد لكثير من مخيّلات الناس، مما يهبنا فرصة كي نقول: إن المهم في العرض القصصي ليس هو إتيان الخرق، وإنما هو امتلاك أدوات التوصيل لبلوغ الغاية المرتجاة.‏
والحدث أو الأحداث التي يتألّف منها الموضوع في هذه المجموعة القصصية لا يأتي كبيراً، وليس خارقاً، وإنما يجيء الحدث صغيراً بسيطاً، إلا أنّه يحتلّ زاوية خاصة من حياة الشخصية القصصية، أو أن البطل أو البطلة قد تنبّه أو تنبّهت إليه، فاعترض ما يمكن أن يعترض، دون تهويل أو تشويش.‏
فكيف سار البناء القصصي في القصة القصيرة عند القاص؟...‏
يقوم البناء القصصي عند الكاتب على محور ذاتي موضوعي. فهذا المحور لا يخصّ فئة قليلة من الناس، وإنما هو محمّل بعبء شريحة اجتماعية واسعة، تعرف أن قدرها أن تعمل وتضحّي، ولا تطمح بأكثر ما يسدّ الرّمق لقاء حياة سوية، لا يذهب البطل فيها إلى أي انحراف، يخالف السنة الاجتماعية المرسومة، ولا العرف الأخلاقي المتعارف عليه وسط الجماعة، كذلك ليس له أن ينحدر، فيتخلّى عن شرط إنسانيته في الوجود والحياة. فبطل هذا الطراز يأكله الإعياء، ولكنه لا يستسلم له، وينال منه التعب في سبيل بغيته، إلا أنه التعب الجميل، الذي يحبّه البطل، وإذا كانت الوردة تستلّ من الندى رحيقاً، تقدّمه للنحلة، فإن البطل لا يرجو أن يكون أقل من الوردة عطاء وتمرّداً على الجفاف والإصفرار...‏
ويرافق المحور الذاتي الموضوعي محوراً شاملاً، منه نرى أن المسألة ليست مسألة أفراد، وإنما هي مسألة مجتمع وشعب، يتطلّع إلى الأفضل، وإن لم يكن موجوداً، فيتمّ حب التراب والمكان والوطن والزمان، لأن المجموعة البشرية هذه تُغاوي الإخلاص في العمل، ولا تعنيها الشواغل الأخرى، مع أنها لا تنكر وجودها، وتحب الانسجام حتى لو كان ذلك في الاختلاف.‏
ففي القصة القصيرة: (عودة الصيف) البطل وأسرته يشكون عوزاً وحاجة إلى المازوت، كي تشتعل المدفأة، وهم يمثّلون شريحة اجتماعية واسعة بين الموظفين الصغار. ويدور حوار وتنقير نكتشف منهما أن هموم هذه الأسرة، تشتمل على كثير من الأسر، فهي أسرة نموذجية. وإذ يقع التلاوم بين البطل وزوجته، فإن الحلّ تجترحه مخيّلة البطل، فيدعو أبناءه للرياضة، ويتحرّك معهم، ثم يتناول الكتب من الرفوف، ويُلقمها المدفأة، فتشتعل أيما اشتعال، حتى يغفو الأولاد متمتّعين بالدفء والهناء.‏
هذه المشكلة الذاتية الموضوعية تخصّ البطل، وتخصّ سواه، فيكون انسجام واندغام بين إقدام البطل على حرق كتبه ضماناً لدفء الأولاد. وصحيح أن الكتب طاقة فكرية وأدبية، لا يسهل الاستغناء عنها، ولكن ماذا يعمل الفقير البطل؟ وما الذي يريد أن يفصح عنه الغرض القصصي في بنائه العام؟‏
قصد البناء القصصي أن يقول: إن الثقافة والتفكير يحتاجان إلى تأمين حياة لأسرة صغيرة. ولا فائدة من كتب مرصوصة على الرفوف، إذا لم تعانق الحياة، وتبعث الدفء في جنباتها. وبذلك يكون البطل قد أقدم على الفعل المنتظر أن يقوم به فبين المادة والفكر أكثر من خيط تواصل، تسير به الحياة. والعزل بينهما يعني أن هناك خللاً يحدث، وأن العرج الذي يحدث، ليس له أن يستمرّ طويلاً، فالغاية من الأسرة هو الحفاظ على حياتها بالدرجة الأولى:‏
(وثب إلى المفتاح، خلع فرن المدفأة، أشعل عود ثقاب، حشره بين الأوراق، تعالى اللهب، زغردت المدفأة طرباً، تطلب المزيد، انداح الدفء... عم المكان.. تسلّل النعاس إلى أجفان الجميع، فغطّوا في نوم عميق... هي الأخرى تلقم المدفأة. حتى انبلاج الفجر)...‏
وفي القصة القصيرة: (موال العاشق) نجد بطلاً يقضي في حرب حزيران نحبه، يعاهده بطل صاعد على أن يحمل العلامة إليه، وهي الخاتم، ويكون الانتصار في حرب تشرين، فيعود البطل إلى شموخه. فالمشكلة الصغيرة، تدور أمامنا، لكنها تخصّ أيضاً شريحة اجتماعية واسعة، مستّها حرب حزيران في الصميم، فصار همّها أن تستعيد الأرض المستباحة، وأن تستعيد الكرامة التي انهدرت. فيلتقي هذا الذات الموضوعي مع الموضوعي العام، الذي يخصّ المجتمع بأسره، ويكون تضافر من أجل حماية الإنسان والأرض والكرامة. فالبطل أنموذج لشريحة اجتماعية واسعة، وخصوصية تلتقي خصوصيات أخرى كثيرة: (كل من عرف سمّاه "الشقي" غير أن عماد ذو قلب طيب)، فالشقاوة عامل سيكلوجي هام في تكوين الشخصية، وهي تشمل نماذج متعدّدة من الناس، وكذلك صفة القلب الطيب تشترك فيها نماذج متعدّدة من الناس مما يهيء لنا احتكاماً إلى الذاتي الموضوعي بنسبة كبيرة. وأما الموضوعي العام، والذي يشمل كثيراً من أبناء الشعب فهو موضوع حرب حزيران ومؤثرها القوي على حياة الناس. وبذلك يلتقي الذاتي الموضوعي مع الموضوعي العام لتكوين فضاء عام لهذه القصة القصيرة.‏
ولما كان السرد ضليعاً في هذا البناء القصصي، فإننا نجده يستولي على الفعل، ليقدّم منه ما يشاء، فنرى أثر الفعل اللازم للبناء، ولا نرى الفعل كله، أي إن تكوّن الفعل غائب، وأيضاً فإن هذا السرد يجرجر وراءه الحوار، فلا يتركه ينمو بعيداً عنه، بل يحصره في دائرته، ولا يدعه يتنفّس إلا من خاصرته. لا ليبرهن السرد على كفاءة عالية، وإنّما ليبيّن قدرته الطاغية على الاستئثار والتحكم.‏
وكل الأبطال من وسط ثقافي واجتماعي واحد، يتمتّعون بقدر كبير من الصفاء والنقاء، ويسعون لما فيه الصالح العام بالدرجة الأولى، فَهُمْ مُنشغلون بهموم الوطن أكثر من الفئات الاجتماعية الأخرى.‏
ويستقدم القاص وعياً أسطورياً، يخدم بنية القص في الحاضر، ويوافق أغراضها. وهذا الوعي الأسطوري لا يستعيد التجربة الأسطورية كما حدثت، ليُلبسها لباساً جديداً، وإنما يستخدم الكاتب وعيه للأسطورة، لينفذ منه إلى وعي الحاضر ومتطلّباته في الحاضر حين يكون العناء صلباً في حيويته.‏
الناقد أحمد المعلم .



دراسة في رواية الاحتجاج للأديب نبيه اسكندر الحسن
الناقد: علي الصيرفي .
لقد سبق إن رأينا أنه من الضروري وضع نظرة جدية لكتابة الرواية عند الأديب الروائي نبيه اسكندر الحسن والذي يبلغ ذروته في كتابته لرواية الاحتجاج التي دخلت في أمواج بحر من التحولات التاريخية، التي حلت بالمنطقة العربية وهي ترتبط بين رؤيته وبين ما يجري ومن خلال هذه الرؤية يوحي الكاتب للقارئ نمط المعالم الكبرى لتاريخ المنطقة والتحولات التي حلت على المكان والزمان ، فهو يرى بأن الوجود البشري من الناحية الروائية يكون ممكناً بسبب زمانيته والزمانية تؤكد قوة الرواية في قدرة تجذب المتلقي وتبين الأصالة للعمل الكتابي وأهمية كشفه بتصميم على الإمكانات التي اختارها الأديب إذ أنه يعود بتصميم إلى ذاته بواسطة الانفتاح على الآخر وتأريخ ما يمر على أرض الأمكنة التي تسيرفيها مراحل الرواية فالاحتجاج هي حصيلة عمل حقبي يتداخل فيه الكثير من التنقل والتنوع في أصول المعرفة وتداخل أنماطها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والنفسي ، فهو يرى أن الرواية هي مركز الاهتمام المتكامل بين الوجود والتاريخ ،وهو يعمل على تحديد الحاضر المتأزم وكيف يمكن للمستقبل أن يكون منظوراً من خلال الطابع العام لكل مفاهيم المعرفة ، واحتمالاتها المقبلة فهي علاقة بين التغيرات والرفض الذي ينمو باستمرار فمشكلة المعرفة ترتبط بكل ما يتضمن من تطورات على المستوى الثقافي فإذا انتقلنا من المكان إلى الزمان نلاحظ أن الزمان تنظمه اهتمامات الأديب فهناك وقت نذهب فيه إلى دراية بكل ما يحيط بنا ، ولكن الكاتب يختار على المدى المنظور والبعيد رؤيته وذاته التي تنبثق منها كل قراراته .
فقد تحدث الكاتب نبيه الحسن بصفة خاصة عن حقيقة الذاتية التي سيطرت على المقاربات التي التجأ إليها في معظم روايته ومن خلال لغته التي تفهم في إطار احتجاجه على ما أعتقد أنه تخريب للواقع ، وقتل للحقائق الموضوعية ،فهو يرى الحقيقة تتضمن ذاتيتها فهي ليست شيئاً غير شخصي بل هي شيء يمتلكه داخلياً ولا شك أن الأثر الفلسفي الثقافي يظهر من خلال طروحاته وهذا يعني أن التفكير هو الذي يجعل الحقائق تطفو وتظهر كما هي على حقيقتها بعيدة عن التزيف والدجل ، وعموماً فإن المعنى الذابل والمنطفئ للحياة ،هو الذي أحاط بكل المكان الذي يتحدث عنه الكاتب "الحسن" لكثرة المصائب التي لحقت بهذا المكان فما كان منه إلا أن تملكه القلق والتوجس والضيق ، وقد يكون في بعض الوجوه الحقيقة يفضل أن ينظر إلى الواقع على أنه مفتاح أساسي لفهم هذا القلق المتربع على كل شيء حتى على عقله ، فالانفعال لا يعني شيئاً إذا لم يقترن بتطلعات كبيرة تغير مسار الأحداث الأليمة التي تواجهه ، وعلى رغم تأكيده على أهمية الانفعالات إلا أنها لا تشكل أي تغيرات في طريقة التعسف والإحباط ، عند المتسلطين على شخوصه طوال عملية البناء الروائي .
( أخذتها الذكريات إلى الماضي نبشت ركامه حتى غيبها النوم ،رأت نفسها في عرض البحر على متن زورق يشق عباب الماء ،تطاير شعرها الغجري ليشكل نخلة تستظل بفيئها الأجيال ،قدمت لهم الفاكهة بلح الرافدين ، شعرت بأن الله عوضها بملايين الأبناء عوضاً عن ولدها *ص33 من المعترف به عند الكاتب أن الانفعالات تمسك بلب الحدث وتحيط به وتجعله مقيداً بكثرة المتغيرات فهو يؤكد على التغيرات التي تحدث عند الشخص من خلال حالته النفسية ويحاول أن يركز على هذه الاعتبارات التي تقع في منطقة وسط بين عمليات النفس والجهد وبين قوى العقل والفكر ، ويرى أن هذه المشاعر يمكن أن تعمل في خدمة العقل والفكر ،ونراه يعمل من خلال سورة الغضب التي تجلب الدمار لكل ما تصل له يدها فهو يرى الضربة الأمريكية الحاقدة على العراق .

(و فجأة شقت الحيتان الأمواج ،حاصرت الزورق طوقته من كل الاتجاهات ،انبرى قرش جشع من صنف الحيتان ،فاتحاً شدقيه بغية التهام الزورق برمته ، لكنه اكتفى أن يضرب خاصرته الشرقية ضربة كادت أن تحطم أضلاعه صرخت –احمنا يا رب ) ص33
وفي هذا الصدد نرى الكاتب نبيه اسكندر الحسن، قد استفاد أن يذكر ملاحظات ما جدة، حيث وجد في أن فهما لمشاعرها بذاتها لم تكن إلا من خلال وعيها بالوجود الفعلي لنفسيتها والتطورات التي مرت بها، و أيا ما كان وجودها في هذا العالم، فإن مشاعرها تؤكد، وتشهد بأنها جزء من هذا المكان، الذي ابتليت به، .فهي ليست ذاك الآخر المغتصب، لكرامتها والناهب لمالها وحياتها وكيانها، بل هي رمز لكل المرحلة، وهي الوسيط الذي يعمل في المكان الأصلي لكل الأحداث، وهنا تكون المشاعر والانفعالات، هي الطريقة التي وجدت فيها نفسها ماجدة وصابر، عندما التقيا في مقهى الروضة ،وباقي الحوار الذي يؤكد همجية العدو الأمريكي ونيته في التحرش بسورية فنرى الكاتب الحسن يحاول أن يبين الشعور في صيغته الجمعية كيف أحبط ما أرادته تلك الحيتان الغادرة ،متمسكاً بالمشاعر الجمعية ومن باب الدقة قال لنا الأديب بأن الشعور ضرب من التجريد ،فنحن لا نعرف بوضوح سوى مشاعرنا نحو العالم بشكل محدد أما مدى نوعية هذه المشاعر وتحديد معالمها فيمكن أن تتضح من كون قدرتنا على تفسير ما أراده الكاتب بفهمنا للغة ِ ومستوياتها وقدرتنا على فهم علم النفس والفلسفة حيث تذخر الرواية بتلك الألفاظ التي تصف المشاعر عند ماجدة وعلوان / الضد وصابر البطل الذي يهب في كل الأزمنة والأمكنة بحسه المرهف كسمة يتميز بها وهو يدرك الأمور بانفعال حساس وهادئ ومع ذلك فحتى وجوده مع ماجدة يتميز بظلال أرادها الكاتب أن تكون غيوماً تحيط بالمكان والزمان فصابر الحبيب هو الحبيب الأول وعلوان هو الزوج الماكر الذي أوقع بماجدة بتهمة الزنى وأكد التهمة بشهود زور .
ويبقى الأديب الحسن معتمداً على مهمته في تصنيف المشاعر في حقل روايته ويبين الفروق الدقيقة بين الشخوص من خلال هذه الأمزجة فهو يظهر لنا بعض المشاعر البدائية كزوج أم ماجدة وجارات أمها فهم على الفطرة والرقة في التعامل معها ولكنها ظلت تحبس أحاسيسها دون أن تعرّف عن نفسها .
( عادت إلى مدينة حمص تذكرت القرية التي عاشت طفولتها فيها وهي تشق عباب الليل تذكرت أمها التي قضت ولم ترها ، وتذكرت زوج أمها ورغم قسوته صفحت عنه ،لم يكن باستطاعته أن يقف غير ذلك الموقف لأن العرف ينطوي على كل أبناء جلدتها ،فقررت أن تزوره لعل العرف يكون قد تغير بعض الشيء )ص 35ومن خلال بعض التحليلات التي يقدمها الكاتب الأديب نبيه اسكندر الحسن نرى الأبعاد التي يعاني منها الشخوص وخاصة من خلال أفعالهم التي يمارسونها وهو يؤكد على الخصائص الايجابية عند هؤلاء الشخوص مثل الحرية – والقدرة على الاختيار وهذه السمات الايجابية قد أخذت مكانها مقابل سمات أكثر سلبية واعتدالاً كما سميت ـومع هذا لم يكن الكاتب غافلاً عن العناصر المأساوية وسواء تأكدنا أو لم نتأكد من القول بأن القلق هو أهم السمات التي أكد عليها الأديب وعمل على فكرة أن القلق يصاحب ممارسة الحرية وأنه بالنسبة لمصيره فإن لهذه الأفعال جوانبها السلبية والمأساوية .
( حمله صابر على ظهره ،وانتحى مكاناً بعيداً عن الطريق خوفاً من عتمة تزجهم في كمائن التيه ،وجد صخرة كبيرة ترتكز على قاعدتها ،قمتها مندفعة إلى الأمام كجناح طائر النعام ،جلس القرفصاء بظل الصخرة وبهدوء مدده على الرمل وراح يتلمس الساق عله يعرف هل كسرت ساق أبي فادي ،أم مجرد تشنج ،ثمة قافلة عسكرية تتقدم باتجاه بغداد أضواء الآليات تشق العتمة ، وخوفاً من حزم الضوء ،لاذ بحفرة كان يدرك إذا سقطوا بين أيادي الجيش سوف يتهموا باتهامات تؤدي إلى الإعدام ،لكن القافلة مضت دون أن يراهم أحد) ص78
لقد رصد الأديب الحسن ما يجري في العراق ،واستخدم الواقع ليدل على العامل المحدد لوجود شخوصه في هذه المعمعة فالواقع لا يعني نفس ما تعنيه كلمة الوقائع فعندما نقول أن شيئاً ما واقعي فنحن نتحدث عن حالة موضوعية يمكن ملاحظتها في العالم أما الوقائعية فهي الجانب الداخلي للتمسك بالوقائع .
وقد استمر الكاتب الأديب القاص والروائي الحسن في تواصل وتعامل مع كل مجريات الحياة اليومية للواقع المكاني و الزماني مترجماً ذلك بتحرك شخوصه ،وتنقلهم عبر البيئة الجغرافية التي يلتزمونها ،فالتسلط والغزو ،وقتل الأبرياء والانغماس في الجريمة من قبل دول كبرى ظهرت لا إنسانيتها ومدى توحش عصاباتها وما قاموا به من جرائم لا تمحوها كل قوانين العفو الدولية الموجودة في هذا الكون ، إنها الحروب (الإبادة ) التي سيطرت على المكان في جنوب لبنان وفي فلسطين والعراق ، وأفغانستان والعدو واحد لكل هذه الأماكن حيث ركب أساطيله وجاء كغاز وقرصان لا يفهم إلا لغة القتل وتحطيم الحضارات ودفن الموروث بعنجهية المنتصر ومصاصي الدماء .
إنه الكاتب نبيه اسكندر الحسن الذي رصد في الكثير من رواياته العمل الإنساني ومقاومة الجشع والتسلط والاغتصاب برواياته التي جاءت من الفدية إلى غضب النورس إلى عاشق أخرس إلى بحيرة الملح بأجزائها وهذه رواية الاحتجاج تأتي تتويجاً لما كتب وقدم من خلال حركة فنية رائعة .




القاص والروائي" نبيه اسكندر الحسن "الأديب نبيه إسكندر الحسن يكتب القصة منذ مطلع الثمانينيات ،يتناول الهم الوطني والاجتماعي والوجداني .
صدر له الهدية – سوريا الأم – أحلام مشتتة – دليل الأم – آلهة الطحالب مخطوط – سنابل في رحم الصخور .
نعم القصة هي تلك الدروس التي تلقيناها،وأصبحت في مخزون الذاكرة سلاحا نشهره حين الحاجة إليه ،دون أن ندفع ثمنه غير ذلك الانقطاع عن العالم والناس والأشياء ،هذه الخسارة غير الملحوظة التي عرفتنا على النفس النبيلة والنفس المنحطة الذليلة والتاجر والشاري ورأينا الكاذب والمنافق كما في رواية " الأنفس الميتة لغوغول .
إلى أي حد وصلت القصة القصيرة ،وفي أي أرشيف دخلت ...؟ وهل ثمة كاتب استطاع إقناعنا بوجهة نظره الابداعيه أو عرضه ...او انه جعلنا نركض وراء وضعه السحري .
صدر للمؤلف :
- رواية غضب النورس .جمعية التعاونية دمشق 1989
- = الفدية .دار المعارف 1990 ط 1 دار إنانا دمشق ط 2/ 2000
- = محراب العشق .دار المعارف 1994ط1 / دار إنانا ط2 /2000
- = بحرية الملح خمسة أجزاء .دار التوحيدي 2004 ط1
- = عاشق أخرس .دار إنانا 2005 ط1 دمشق
- = رياح العنف .= = = =
- = مطر الملح . = = = =
- = قيم وثعالب .= = = =
- قصص الهدية . جمعية التعاونية للطباعة دمشق 1989 ط1
- = سوريا الأم .دار المعارف حمص 1990 ط 1 دار إنانا 2000 ط2
- = أحلام مشتتة .دار المعارف 1994 ط 1 دار إنانا 2000 ط 2
- = دليل الأم .دار المعارف 1989 ط1
- = آلهة طحالب .قيد الطباعة .
- = سنابل في رحم الصخور .
- = موال العاشق مخطوط .
محمد حسن
سوريا حمص – ص – ب -/ 5121 / جوال 0966326100
[email protected] عنوان البريد الإلكترونى هذا محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تفعيل الجافا لتتمكن من رؤيته .
















دراسة نقدية
الناقد علي الصيرفي, في 02-06-2009 21:34
الدخول في زمن الخروج من الرواية رواية " الفدية " للقاص والروائي نبيه إسكندرالحسن .
عندما نقول إننا نكتب الرواية ، نكون قد أخذنا كل المسائل الفنية المتاحة لبناء مثل هذا العمل الهام ، فالرواية فعل يتنقل بدقة وإرادة ، وفق فكر ومفاهيم معرفية تختزنها مخيلة الكاتب الذي يود العمل ، ضمن هذا المجال ، ومهما كانت الأعمال الأدبية ، ذات طابع فني فإن قدرة الكاتب المبدع هو الذي يحطم هذه الحواجز ويتمكن من إقامة هيكلية لعمله الروائي ، ويبدو أن الفعل الروائي في الكتابة الفنية تطور تطوراً سريعاً في وقتنا الحاضر ، وعمل على ابداع عمل روائي يحقق الهم العربي ويظهر الأحاسيس ويؤكد أن العمل الفكري هو عمل صدامي ينشأ من خلال اصطدام الأديب مع الأحداث والأديب نبيه الحسن دخل في بحر العواطف الروائية وعمل بجد ونشاط في كتابة روايته الفدية ، حيث الهم الوطني والفقر والجنس وعلاقات غادرة تعصف بالكثير من مفاهيم الأديب ورؤيته فالكتابة كثيراً ما تكون قد عملت في أمكنة يجدها الكاتب مناسبة لعمله ويراها بأنها إمكان سهل قد مرت عليه أقلام الكاتب بجدية وحرص، ومع ذلك تبقى رواية الفدية دخول جريء لحقبة زمنية ، عاشها الأديب وأحس بمفرزاتها . حتى جعلته يدخل في زوبعة هذا الجو العاصف جو الرواية ، فاجتمعت لديه مكونات العمل حيث نبض في قلبه حزن الماضي وقسوة الحاضر ، مطمئناً لمستقبل يمكن أن يحقق له ما أراد ، ومن خلال كتابة هذا العمل تمسك الأديب بوضع الرؤية التجريبية الموضوعية ، ومن المؤكد أنه كان يجد نفسه على حق عندما يقول إننا نحتاج إلى ما هو أكثر من الرؤية التجريبية ، بل علينا أن نفهم الوجود الإنساني الذي يؤدي إلى الحفاظ على مسائل غابت عن أعين الكتّاب ، وذلك من خلال تبادل المشاعر والمشاركة الوجدانية والحب ، وقهر الاغتراب في مجتمع تتسلط عليه خبايا كثيرة ، كما أن الفردية والشخصانية ، تضعف عند الكاتب الانتقال إلى الحرية والتجديد من الداخل والانتصار على الضرورة وسيادة هذا الكيف الزائف على الكم والإبداع ويعمل الكاتب نبيه الحسن على مناقشة رؤية التحليل بين الواقع والتجربة التي يتناولهما فيجد بأنهما يقومان على معطيات يمكن ملاحظتها طوال عمله الروائي فالمعرفة تشارك فيه لأنه يعتمد على الإنسان بوصفه حالة تجريبية من حالات الواقع ، وهو يتجنب الابتعاد عن ربط التجربة التي مرت بها الأحداث فيؤكد جوانب مختلفة للموضوعات ، ويضيف بالفعل شيئاً جديداً لما تتضمنه رؤيته ، ويتم ذلك من خلال إطار التعبير والتواصل ، فالنقاط الأساسية في تحليله الروائي قد أشار إليها باستخدامه للمخزون الفكري عنده ، وقد اعتمد علاقة اللغة بالواقع كي تسهل عليه عملية الدخول في عمق الفعل الروائي ، حيث يرى نبيه الحسن أن اللغة تعمل في دفع الفعل الروائي وهي حقيقة تمارس نفسها من أجل خلق رواية ، فالموضوعات التي تصيغها اللغة هي رواية ، ولها أشكال عدة تمثلها هذه اللغة ، حيث أنه يصور كل جزء من أجزاء الواقع و يطابقها بصورة من خياله الذي قرر إبداع عمل روائي يصمم فيه نهوضاً يتمناه ويعمل له، فالرواية يعمل من أجلها كحقيقة تكمن في القضايا التي يراها بل في الواقع ذاته ، والفعل يترك ما يتحدث عنه يظهر ويُرى على أنه موجود ، وتنجح الرواية في عملية الاتصال عندما تنير الضوء أمام شخوص أو مجتمع ، فعندما تجعل الرواية حلاً من الشخوص والمجتمع يرى ما يراه الكاتب بوضوح يضفي أهمية كبيرة على النزاهة الشخصية لمن يستخدم العمل الروائي بقدر ما يضفي أهمية على الدقة المنطقية للحدث ذاته ، علماً أن الكثير من أشكال الرواية لا تحقق هذا التنوير والاتصال إلاّ أن نبيه الحسن يعمل على أن الإنسان يرقى بنفسه عن طريق الكلام والفعل الروائي وعليه ألاّ يهبط إلى مستوى الثرثرة، فالكتابة تميل عنده إلى روح المعاندة والبحث الدقيق كي نصغي لما يقول وبدلاً من أن نكتشف ثرثرة عن الأشياء نجد أمامنا تفتحاً وهروباً من التعتيم والإغلاق، وهكذا يتداول الكاتب الحسن الكلمة التي تتضمن فعلاً تفسيرياً مقبولاً لما يتحدث عنه . وجد ماجد نفسه مصغياً إلى حديث الشاعر يستمع إليه بشغف ونظر في وجهه يرى مدى الجد في كلامه، تبرعمت الظلمات على شفتي الشاعر حين سأله ماجد]-وكيف وقع اختيار اليهود على فلسطين؟
- أدرك بونابرت مقدار الاعتماد على اليهود ، حيث وقفوا إلى جانب الفرس ضد البابليين ، بغية التآمر على إسقاط الدولة البابلية " ص11 الفدية .

وتساعد ظاهرة الرواية عند نبيه الحسن في تفسير الآراء التي أرادها ببساطة بسبب السلطة أو الحالات التي تنحرف عندها الحقيقة فإننا سنسمع أفعالاً تفتح أمامنا نوافذ لترينا الواقع الذي تعبر عنه الرواية ، لهذا نرى الكاتب يفضل العودة إلى منابع الحدث ومواجهة الطريقة التي توجد عليها الأشياء لا الطريقة التي يقال إنها توجد عليها، وهذا يعني أنه يعمل على حفظ المفاهيم والعمل من خلالها، وهو يذهب إلى أن هناك حدوداً معلومة لايمكن أن نتحدث عنها ونفكر فيها إلا إذا كان التحليل لهذه الأحداث يقدم حدوداً تجعل الرؤية موضوعية تخرج الحدث من نفسه إلى الغير ، ولاشك أن الفهم الروائي للأديب بوصفه يتجاوز به ذاته بصورة متواصلة على طول العمل الكتابي، يؤدي في جوانبه إلى رفض فكرة قبول حدود لما يمكن أن يقوله أو يفكر به بطريقة لامعنى لها ، ولا يزال الكاتب الحسن يعتقد أن التحديات التي تواجه وجود مجتمعه هو أنه يواجه فرصة اتخاذ القرار فيما ينبغي أن يفكر فيه وتلك هي وجهة نظره ، ولا شك أن رؤية الأديب تسمح بمزيد من استخدام الكلام المعتم والرمزية ، ارتبط عنده بالعلمية الموضوعية وجعل الصراع يتصاعد بين الإمكان والواقع ، فالحدث منفتح عنده وهو يسقط إمكاناته عن طريق الدفع الكمي للحدث فالفهم والفكر يفتحان أمامه مجال السيطرة على الفعل الروائي ، وخاصة عندما يعاني من التوتر الشديد فيظهر ذلك بشتى الطرق إذ أن الإرادة العاقلة توجه نفسها إلى غاية ذات قيمة ويتغلب عنده الإنسان بالطبع من خلال علاقته بالتاريخ وذلك من انطلاق الإيمان بالنجاح وتسخير قوى زادت من قوة فعله الروائي ، فهو يدرك الأشياء كلها دفعة واحدة ، ثم يدفعها إلى المتلقي ليدركها دفعة تلو الأخرى ، ويحيطها بوجهات نظر متعددة لانهاية لها وتظهر عنده أسئلة كيف يمكن للمرء أن يدرك العلاقات البشرية ككل ؟ وكيف له أن يخرج من مشكلاته إلى وجود جديد بحيث يكون في كل لحظة مكتمل لما يريد " تهلل وجه مطاوع بالفرح حين وقع على سمعه طلب الدحبيش ، هبط درجات السلم ، واتجه إلى المعمل ، وهبطت عليه فكرة الأمــوال الطـائلة التي سيغدقهـا عليه الدحبيش ثم انصرف إلى الندوة ، وتناول كمية كبيرة من الطعام على حساب الدحبيش " ص26 الفدية .
وهناك اعتقاد عند الكاتب يؤثر في عمله الروائي مشكلة المصير النهائي لأفراده بمعنى يلزمه قبول شخوصه وبناءهم من خلال دلالة واضحة على أنهم يعطونه أملاً معقولاً في أنه يمكنه أن يستبدل واقعهم بغيره كي لا يكون مصيرهم الضياع الكامل فيعمل على إملاء الحيز المتسطح أمامه بكمية كبيرة من المفاهيم والأفكار، تواكبها رغبة في التحرر مما هو قائم و إطالة اللحظة الممتلئة بالتنوير لأنه لديه شعور عميق أن الحياة بهذه الكيفية لا يمكن أن تفنى حيث يتخلص من الشعور بأن العالم الموجود يشعل في قلبه الكثير من الحب وعليه أن يكافح ضد المصير الذي رسمه التسلط على الواقع في مجتمعه لذا يجد بأن عالم الظواهر الرديئة هذا زائل لامحال ويريد أن يجعلنا نلمح عالماً آخر يقهر فيه الصلف ويضع للحرية أسسها لتكون هي القانون ، وهذه الرغبة هي التي تسود عمل الكاتب و تجعله يضع نصيباً كبيراً من جهده في إدانة الفساد فتحليله يكشف ماهية منبثقة تتحقق داخل حدود علاقاته، وتشير إلى تحقق التغيير لمعنى اليأس الموجود في عالمه وهو في ذلك يقول أن لمعنى الأمل في العلاقات الإنسانية اعتماداً كبيراً على تفهم المتلقي لنوعية الفعل المرسوم أمامه وبالرغم من أنه يمكن للمرء أن يرد بالقول أن هذا الكون جائر فان ماهية الفعل الروائي تتحقق و تزهق بروح الإحباط التي ترتسم خلال عملية الفعل الروائي ليكون الامتلاء من جديد في خلق حياة تتضح فيها مشكلة المصير الفردي التي لا يمكن أن تنفصل عن مشكلة الحقيقة "انهمكت في وضع خطط ومشاريع للعرس ، رغم أنها ستبقى قلقة حتى تزوج عقل من ابنة مناضل وفاء لوصية زوجها الذي قتل على يد الدحبيش ولم تهدأ أعصابها حتى أشرقت الشمس ، ومدت أصابعها تتسلق جدران المنازل " ص 76 وربما كان على الكاتب أن يضيف إلى تصوراته لروائية الأسباب التي تجعل المناقشات الحدثية مفتوحة النطاق حيث أنها في الأعم تدور حول الفرد ، فالعمل الروائي يؤكد على العلاقات بين الأشخاص مجتمعين خالقاً بينهم صراعات قوية حيث الموضوعات تشغل بال الكاتب فيلجأ إلى مشكلات الواقع في شيء من التفلت وإن كان يفاخر على أنه صرف النظر عنها لأنها مجرد موضوعات يمكن تجاوزها . فهو يعلم أن عواطف هؤلاء الشخوص متقلبة وتعمل بشكل مناسب لما يريده هو ولما يظهر في ذهنه بما يناسب المهام التي ينفذونها .
" وقف الجد يشيعهما بنظراته ، كان رجلاً صادقاً في عاطفته ، واسع الخبرة بالحياة ، خليق باستيعاب ما يدور من خفايا ، طافت في رأسه ذكريات ، شعر برغبة جامحة لأن يضم الناس لا غيرهم إلى صدره تهدج صوته وقال :
_ إنك طاعون مثل والدك الدحبيش!! ص80
ويعتقد الكاتب أن الدافع الذي يسوق الفعل الروائي في اتجاه المجالات المسكونة والتي تتجلى فيها الخيالات تنتهي بأحلام تتناول الماضي وإبداعاته لأنها في موقع النهاية إذ أنها لا تعدو كونها علامات ورسوم على درب تتكرر ، فهو يرى أن العمل الروائي يتألق ويذوب في تأمل هذه الأفعال التي يميل بواسطتها كل الممكن إلى البروز دونما انقطاع فإن استطاعت الصدفة أن تبدو للوهلة الأولى بمثابة إحدى كبريات قوى تحرر الإنسان عند الكاتب لأنها الصورة التي تتجلى بها الحياة إلا أن لها وجهاً مخيفاً مرعباً وقوة قوامها الموت و الاستعباد ، فهذه الشبكة الواسعة من الذكريات والإنذارات وضعت الكاتب يستولي على سر الأشياء ، ويسير إلى مصيره الخاص بوضوح لامثيل له واقتدار بارز،مبعداً الشبكة المظلمة التي تخدع الإنسانية لتقيد مصيرها وتضيعه دونما سبب .


2. حمص
أضيف بواسطة أحمد المعلم, في 05-06-2009 23:58
الفديةـــ أحمد المعلم .

تحتفل رواية: (الفدية) لنبيه إسكندر الحسن بالموضوع كثيراً، وتعيره اهتماماً خاصاً، منه يريد الروائي أن يتواصل مع المتلقي، لاعتقاد جازم عنده بأن الموضوع الجليل أو الحدث الطازج الذي يفرض وجوده على ساحة الواقع والمجتمع يستحقّ أن يكون بؤرة تواصل فاعلة بين أبناء المجتمع.‏
لذلك فإن الروائي يتناول الأحداث الاجتماعية، التي حصلت بعد نكسة حزيران، ويُبرز طموح الإنسان العربي من تبعات هذه الحرب، التي أدّت إلى ارتكاس الجيوش العربية. والمفاجأة التي حصلت عند المجتمع العربي بوجه عام. فكان الأمل أن تُستردّ الكرامة المهدورة، ليعود للوطن اشتياقه ولوعته للحرية والكرامة.‏
فالعين الروائية تنظر، فتصوّر، ثم تكتب. وكذلك الأذن تحتفل بنقل ما يدور من أحاديث، هي ذات علاقة بالموضوع، فالحدث يدور على سطح الواقع، ولا ينبشْ غوره الكاتب، ربما يترك ذلك للقارئ.‏
فالتفاعل يتم ظاهراً، ولا يدخل إلى عمق الشخصية أو موقعها من الحدث الدائر، والذي غايته أن يخدم الموضوع، فتمكّن السرد من أن يأخذ حيّزه الناشط في هذا العمل الروائي. وكذلك جاء الحوار، يحمل تناقضاً جوهرياً لبنية الصراع بين طرفين متغايرين. ولذلك فإننا نحب أن نتعامل مع السرد والوصف والحوار في هذا المضمون الروائي، كما أننا لا ننسى الأبعاد الرمزية والأسطورية التي أحب السرد أن يجاملها، فجاءت إلى الحاضر الروائي، لتزيد من حدة رجائه. وكذلك بعض الإشارات والقرائن جاءت لتحقيق الروابط بين أجزاء المتن الروائي، وأيضاً تزيد من ترابط أطراف الموضوع.‏
لماذا كان الوصف غزيراً؟..‏

لطالما كان السرد يعني، أول ما يعني، ابتعاد الشخصية عن موقع الحدث. وكان الروائي راصداً للأحوال المعروضة، ولا يستطيع أن يدخل في مضامينها، نظراً للمنهج والخطة، فإن الظاهرية تستولي على العين، لينوب الموقف في السلوك والتقدير عن الحالة النفسية للبطل أو الأبطال، وأيضاً لما كان الروائي يحرص كثيراً على دور الراوي، فإن ذلك يعفيه من النجوّى وأسر التداخل، وينشئ للوصف غاية مركزية، تهدف إلى أن يكون التقدير حاصلاً من الوصف والسرد، وليس من الأفعال وتجسيدها. فالسرد هيّأ سانحة كبرى للوصف، صال فيها وجال، لكأنه هو المقوّم الأساس.‏
وهذا الوصف ودوره في تغييب الأفعال قد مكّن السرد من أن يمارس سطوته التامة، وكأن الأحوال المعروضة هي عُرف عام، يحدث في المكان والزمان، ثم لا يلبث الزمان أن ينقضّ على هذه المواصفات، ويغيّرها، وهنا يتم لقاء حار بين العرض الروائي والتأريخ الاجتماعي، ليقدّما سلوكاً، وفعلاً لمرحلة غابت، وبالمقابل عرضاً لأحوال متغيّرة، تتمسّك بأهداب الحاضر، وتلوذ به. ليس رغبة منها لتجاهل الماضي، وإنما لأن هذا الماضي صار مركوناً خامداً. من حقّه أن يظفر بمتحفٍ، يسمح للدارس الاجتماعي أن يتبيّن حقيقة الموضوعية في أثناء فترة محدّدة:‏ (يومذاك كنّا نطارد العصافير، بين الحقول مع "عاشقه" التي عايشتها في عمر الورود وقد وعدتها بالزواج بعد جني المحصول. ومرّت النهارات، تعقبها الليالي، ورحنا نكبر عاماً بعد عام. ونسهر الليالي، نحرس القرية من الوحوش الضارية، ورثنا المهنة عن جدّنا، نتأبط البندقية، ونغنّي الموال بين الكروم. نقرأ ساعتين، وننام لنستيقظ عند طلوع الفجر، نحذر من اللصوص، ونرصد تحرّكات العدو. وفجأة، نُقلت إلى هنا) ص60.‏
وأغلب الظن أن الروائي لم يحتفل بعملية الفرز بين البناء الخاص والبناء العام، فكان المكان غائباً، ليس لأن الزمان يستولي عليه، وينوب عنه، وإنما لأن السرد تحالف مع الوصف لتبديد أثر المكان من النفوس، وتقديم فرصة كبرى للبناء العام، عليها أن تعوّض عن البناء الخاص، ولذلك فإن الجمال في تقديم المكان يبدو مضطرباً، يتوقّع المرء أن يجده بين سطور السرد أو في ثنايا الأفعال الموصوفة. وهذا الاعتبار يحتاج إلى كثير من المداومة، لنظفر بحيّز خاص، يحمله المتن الروائي.‏
والحوار لا يساعد السرد على استجلاء الحيوية، ولا يفيد من الرشاقة أو الاختزال، وإنما يأوي إلى المحاكاة كثيراً، لكأنه الصورة الفاعلة، لِما يجري على أرض الواقع. وهذا الأمر يأتي من رغبة الروائي، وليس من رغبة النص بأن يقدّم تفاعلاً حاراً مع المتلقي:‏
(خرجت فوزية، ترصد حركات مفيدة، وحين عادت إلى المطبخ، أطلقت ضحكة عريضة، وقالت في لهجة، تنمّ عن ثقة كبيرة، ضربت على صدرها، وقالت:‏
-أقطع يدي،إن لم يكن الضيف عاطفاً.‏
-مَن يكون يا بلهاء؟‏
-أنا لست بلهاء.‏
-مَنْ هو يا فيلسوفة؟‏
-عشيق مفيدة.‏
-يقطع لسانك يا خائنة.‏
-لست خائنة، بل إنها الحقيقة.‏
-تفترين على من نأكل خبزها؟‏
-إنها الحقيقة.‏
-أغربي عن وجهي.‏
-هذا أمر يتعلّق بك..‏
-لولا هذا البيت لكُنّا مشرّدتين.‏
-لا نأخذ صدقة، بل ثمن جهدنا.‏
-ورغم ذلك يجب أن نقدّر صاحبة البيت.‏

-إن هذا البيت قد شُيِّد على أكتاف أجدادنا.‏
-ما قصدك؟‏
-وثروة الدجيش الطائلة من عرق جباههم) ص49/50.‏
لكم عانى الروائي من تأسيس هذا الحوار المشهدي! ولكن توخّت العين السينمائية والوصف أن يكون الفعل والجدل يقاربان الحقيقة! واعتمد الحوار في تأسيسه على الموروث الشعبي للتداول، ولا يُفهم هذا الموروث إلا في إطار حيّز مكاني وزماني، يشير إليه المفهوم.‏
ويغلب على هذا الحوار النبرة العدائية، أو المنهكة الساخرة لستر الغرض العام، الذي يدور بين الفقراء ووجهتهم ووجهة الخير، والأغنياء ووجهتهم ووجهة الشر، ولا منطقة رمادية تكون في الوسط، وهذا الأمر توفّره الحياة، وربما يعجّ بالمتناقضات.‏
كما أن نعت السلوك للأفراد، وبخاصة من النساء، يرتكز إلى العرف العام وليس إلى العرف الخاص، فالخيانة مثلاً عامة شاملة، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، لكأننا أمام القانون وهو يساوي بين السارقين. مع أن الأمر في الأخلاق والمجتمع لا يقدّم تساوياً، مهما كانت المتغيّرات.‏
ما الرمز، فإنه إشارة واحدة، تأمل من المتلقي أن يُحسن التواصل مع الفعل الروائي، ليتمكّن من الربط بسهولة، ولكي يحصل على الاستيعاب والشمول فيما يخص العمل الروائي.‏
وأخيراً، تشكّل رواية: (الفدية) تواصلاً فاعلاً مع البعد الأسطوريّ والرمزي، لبيان نهضة الزمان وهو يواجه الأحداث، ومعها مسيرة اجتماعية تحتفل لعناق الحاضر والماضي بغية إبراز صيغة توحيدية، تهدف إلى نشر التواصل بين أطراف الزمان وعلاقته بالمجتمع.‏

التجربة عند الأديب القاص والروائي السوري نبيه اسكندر الحسن .
بقلم وليد العرفي تاريخ النشر : 2010-03-15
القراءة : 594التجربة عند الأديب القاص والروائي السوري نبيه اسكندر الحسن .. فضاءات عربية / فضاءات عربية
التاريخ: الخميس, 23 أبريل, 2009 - 12:14 12:14
الرابط : فضاءات عربية
بقلم وليد العرفي
إنّ للكتابة عن تجربة أدبية متكاملة محاذيرها التي قد تجعل من تلك الكتابة عملا لا يغطي مساحة التجربة كلّها مما يجعل الحكم
الرابط:فضاءات عربية بقلم وليد العرفي:إنّ للكتابة عن تجربة أدبية متكاملة محاذيرها التي قد تجعل من تلك الكتابة عملا لا يغطي مساحة التجربة كلّها مما يجعل الحكم يفتقد الموضوعية من جهة وعدم اكتمال التجربة ذاتها لأنها مستمرة ,ومادامت كذلك فهي في تغيّر لا يمنح الحق في توصيف ما سيكون عليه من جهة ثانية ,وعلاوة على ما تقدم فإن الكتابة الموضوعية تقتضي حكما ينجز سبر التجربة عموديا لا أفقيا وهو ما لا يتحقق في شروط دراسة معدودة الصفحات ومشروطة بظرفي الآنية والإمكانية إلا أن هذا الأمر لا يعني بحال من الأحوال بأنني سأكون ذلك المتنزه على شاطئ البحر يتمتع برماله وهوائه وشمسه دون أن يمنح نفسه فرصة الغوص في العمق لمعرفة مخبوءات القاع .
لقد مرّت تجربة الكتابة لدى الأديب الروائي والقاص (نبيه إسكندر الحسن ) بطورين هامين متمايزين شكلا إلا أنهما يتمّمان بعضهما من حيث الجوهر ولعّل الكاتب الحسن يتمّثل عن وعي مقولة الروائي السوري ( حنا مينه) الذي يرى أن مستقبل الكتابة سيكون لجنس الرواية وهذا التّمثل تجسّد في انصراف (الحسن) عن كتابة القصة القصيرة بعض الشيء التي بدأ معها عمله الكتابي إلى الرواية التي وجد فيها على ما يبدو ذلك الأفق الواسع الذي يفسح له المجال لتنّفس هواء الحرية التي لم تكن القصة القصيرة لتمنحه إيّاه .
ومن حيث انتهى ( الأديب نبيه الحسن ) سأبدأ مع رحلته القصصية والروائية التي كانت بدايتها مع مجموعتيه ( الهدية, وسوريا الأم ) اللتين مثلتا بداية انطلاقته الأدبية وذلك منذ منتصف الثمانينيات في عالم القصة ,(سوريا الأم) تتألف من اثنتين وعشرين قصة قصيرة تتسم من حيث الغرض بأنها تناولت القضايا الوطنية العامة ومواضع الخراب,في المرحلة الزمنية التي تناولتها القصص وهي مرحلة الستينات وما رافقها من أحداث وأمور اجتماعية ,و لعانونين القصص ومضامين النصوص دلالاتها الواضحة التي تشير إلى ذلك الغرض الذي يشكل هاجسا واضحا ومن عناوين القصص ( زكية وتشرين, قاسيون ,وردة الجنوب ).
أما المضمون :فإن المجموعة تقوم على النهوض الثوري ,وإيقاظ المشاعر الوطنية ,وقد عبرت اللغة الموظّفة في بنية العمل القصصي عن تلك الخطابية التي تناسب النبرة الشعاراتيه التي أفرزت شخوصها وطريقة تعبيرهم عن أفكارهم عبر حوار يتنامى فيه الحدث بصورة متسارعة من خلال تناوب صيغ الاستفهام والأمر والنهي التي شكلت قوام المشهد الحواري في المجموعة :
{كان عائد يرقب المشهد عن كثب ويحدث نفسه:
- من أصحاب القرار؟.
جاءه الجواب:
- أصحاب العيون التي تقاوم المخرز...
غير أن هذه الحركة المتسارعة التي تنمّ عن شعور يحثها على الاستعجال قد لا ينسجم في كثير من حالات القص مع الحدث ذاته فبدو معه الحدث تركيبيا لا تتابعيا وهو ما يدفع الكاتب إلى إقحام نفسه في المشهد ولعب دور ما في سيرورته يقول"
-( حث وليد خطاه شطر الخيمة و شاغله الوحيد مريم يجب أن تكون كنة لوالدته ,{دخل الخيمة ,أجال بصره في أرجائها نظيفة ثمة ورقة معلقة على العمود ,قرأها صرخ:
- مريم ...لا يمكن !..
قفز إلى الشارع ,كالنمر المتمرد .يجوب الشوارع ,فجأة وقف أمام عائد ناوله الورقة قرأها بصوت جهوري...).
,فينطقهم بلسان أفكاره التي تظهر بين الحين والآخر على شكل قول "يتزيّا الحكمة السياسية أو المعتقد إن الدور المتنوع الذي يقوم به المؤلف في هذا المقطع الذي يعبر عن المجموعة كلّها يؤكد عدم حيادية الكاتب الذي يكتب موضوعا له صلة وثيقة به وهذه الصلة تجعل منه إنسانا مشغولا بالحدث قبل انشغاله بالتعبير عنه ,ولهذا يبدو الكاتب الحسن انفعاليا في المجموعة فهو يتحرك مع حركة شخصياته ضالي كما في قوله:قدرنا أن نقاوم أو نموت .
وقوله في قصة عودة الصيف :
- الحاجة والضرورة أم الاختراعات .
- الاختراعات وليس حرق الأوراق؟.
- مد يده إلى شعرها الناعم يحدث نفسه :"إنها معذورة"
واتجه إليها ليقول :
- من يحوي الكتب بحاجة للدفء.
ولا تختلف مجموعة "أحلام مشتتة "المؤلفة من عشرين قصة قصيرة عن سابقتيها من حيث الغرض العام إلا أنها تمثل خطا بيانيا متصاعدا من حيث التناول والطرح وطريقة التعبير التي تبدو مغايرة في لغتها التي تتوضح من خلال اختيار العنوان العام "أحلام مشتتة "الذي يبدو أكثر توفيقا ودقة ومراعاة للمضامين الشمولية فالمجموعة تعبر عن بطل هو الإنسان المعاصر الذي يعيش حالة إحباط لأنه لا يستطيع الانفلات من واقعه المعيشي إلاّ بالجري وراء الأحلام غير أن هذه الأحلام لا تتجه نحو المستقبل بل ترتد إلى الماضي وهذا الارتداد يمثل وفق علم النفس التحليلي الإرتكاس الذي يصيب البطل المتمثل في الكاتب نفسه أو في كل منا على اختلاف الصفات ولذلك تحضر الذاتية بدلالتها اللغوية عبر الضمير المضاف على الفعل الماضي لتشير إلى تلك المزواجة والتماهي بين البطل والكاتب إذ يقول :
- شعرت بالقلق تجشمت مشقة الحياة ,طافت في رأسي عشرات الأسئلة نيف وخمسون عاما أصحو قبيل الفجر أقص للفراشات والأزهار حكايات عن الصقيع الذي يطارد العصافير في أروقة المعابد .
فالقاص يقوم بدور البطل والراوي معا وهو معني بالحدث ,فهو غير محايد في إطلاق أحكامه وتعميمها إذ يشعر بمرارة الواقع الذي يعيشه ويراه واقعا يميز بين طبقتين اجتماعيتين غنية مترفة وأخرى فقيرة معدمة .وأمام هذه المفارقة التي تتراءى له واقعا ملموسا من خلال البنايات الشاهقة والسيارات الفارهة التي تتوازى وتتقابل مع الأحياء الشعبية وبيوتها ذات الأسقف الطينية الواطئة .(ورحت أطوف بعصارة مخيلات الناس زمنا استوحشت من البنايات الضخمة والسيارات الفارهة( والديجيتل ) الذي جعل من الكوكب قرية كونية استيأست ممن حولي واشتدّ جوعي وأنا لا أملك شروى نقير فكرت أن اختصم إلى قاض نبقت أمامي جنية الحلم دفعت إليّ وردة وأسرعت إلى المعبد لئلا اظفر بها علمت أنها من الآلهة .
إنّ شخصية البطل في أحلام مشتتة تعكس حالة إحباط نفسية تجعل من البطل شخصية مهزومة مأزومة فهي لا تواجه الواقع بل تهرب منه إلى الحلم الذي يريد له أن يكون حلا يخلصه من واقعه البائس وهو لا واقعي لينسجم مع التفكير الذي لا يستند إلى المنطق والتفكير الواقعي ولذلك تبدو الأأسطورة هي سبيل الخلاص من خلال , جنية الحلم التي لن توصل بالتأكيد إلى حقيقة ثابتة فالجنية في القصة رمز يمثل كل ما هو غير ممكن ولكنه واقع وهي في الوقت ذاته محاولة عقلنة الواقع أو محاولة إيقاف عجلته السائرة التي لن تقف عند حد الحلو اللاواقعي بل يتجاوزه إلى الحقيقة والواقع المعيشي ومن هنا يبدو أن العمل هو المنطلق إلى التغير الذاتي وهو الكفيل بتغير الخارج ولذلك يبدو الكاتب واعيا لتلك الحقيقة حقيقة آنسنة الخارجي إنما هو انعكاس لما في داخلنا ودور الإنسان يبدأ من لحظة الوعي تلك ولكي يكون التغيير صحيحا ومنسجما اجتماعيا ومجديا على الصعيد النفسي فلا بد من نبذ السكون إلى الحركة وترك الحلم خلفنا إلى الواقع الذي نراه أمامنا من خلال تجسيد واع للحدث يتمثل بما يترتب على البطل القيام به.
(لبست ثيابي وخرجت من البيت مبكرا على غير عادتي علني أتخلص من صقيع الشتاء وأقلع عن عادة البكاء بحثت عن ضالتي دونما جدوى ضعت في متاهات الوجود فقلت أولا تذكرين ).
إن انتماء القاص نبيه الحسن إلى عالم الريف يجعل منه إنسانا ريفيا بالفطرة من حيث الانتماء إلى ذلك المنبت الاجتماعي الذي يتراءى من خلال أعماله التي أعطت المكان أهمية خاصة عكست ذلك الانتماء إليه وقد تجلى المكان بظهورات اسمية تعكس ذلك البعد المكاني الذي تحفل به القصة القصيرة لدى الأديب نبيه الحسن أو الرواية.
- فعلى الصعيد القصصي يتخذ المكان عنده دلالة مرجعية تمثل البيئة القصصية للحدث و لما كان اعتماد قصص الحسن على الحلم والأسطورة غالبا للمعطى المكاني خصوصيتة التي تحاول ربط القص بالواقع من خلال مرجعية المكان الذي يمنح القصة بعدا مكانينا ذا دلالة محددة وقد تجلى المكان بأشكال :
1: المكان الحقيقي قاسيون –المدرسة –البحر- لبنان – الجنوب –
2 المكان التخيلي :مدرسة سوريا الأم .
3:المكان الواقعي القصصي وهو المكان الذي يعبر عن موقع جغرافي حقيقي تحول في العمل الأدبي إلى رمز وهو ما نجده لدى نبيه الحسن في روايتة الأخيرة (بحيرة الملح ) من خمسة أجزاء التي صدرت عن دار التوحيدي فالمكان هنا يتخذ .دلالة حقيقية تتمثل بالموقع الجغرافي لبحيرة الملح الواقعة على أطراف بادية حمص على مقربة من" الفرقلس والقرتين " وعلى بعد عدة أمتار عن طريق الإسفلت الذي يربط حمص بعروس البادية تدمر كما نوه الكاتب ,فإنهما دلالة رمزية إذ تموطن هذه البحيرة إلى معنى دلالة تعبر عن واقعية المكان وما تعنيه من واقعية الحكاية الروائية عموما فرواية بحيرة الملح تؤرخ لحقبة زمنية ترجع إلى منتصف القرن الماضي بما يحمله من أبعاد وطنية وقومية و مناح اجتماعية على مختلف الصعد وهي تحاول أن تكون تأريخا زمكاينا عبر رؤية الكاتب واستشرافه للمستقبل الذي تضطلع به الرواية يبدو عمل الروائي الحسن في هذه الرواية متناصا مع الروائي السعودي عبد الرحمن منيف في خماسية" مدن الملح" ويأتي هذا التناص من خلال اشتراكهما في المضاف إليه (الملح) أولا وفي الحجم الروائي ثانيا تتألف رواية منيف من خمسة أجزاء وهي تأرخ لمرحلة هامة من التاريخ العربي ,وكذلك رواية نبيه الحسن التي تتألف من خمسة أجزاء وهي سرد لأحداث تاريخية مرت بها المنطقة في الحقبة الماضية مع استشراف مستقبل لبعض مجريات الأحداث اللاحقة علما أن الرواية وضعت كمخطوط في اتحاد الكتاب العرب عام 2001 حسب تاريخ المخطوط .وذلك ما يتوضح جليا في قصة الألفية الثالثة من مجموعة ( سوريا الأم) الصادرة عام 1994 ,فيها ما يؤكد استشرافه وتنبؤه من خلال هذا المقطع ..تعال معي إلى الكهوف- هناك ألا توجد وحشية؟.وهذا ما يؤكد دور الأدب في رؤية الواقع كما يمكن أن يكون عليه ولا تقتصر مهمته على تصويره كما هو موجود في الحقيقة وبهذا يضطلع الأديب بدوره الريادي في قيادة المجتمع نحو المستقبل بثقة ورؤية واضحة وفق خط مستقيم يحقق المبتغى،بأبسط،الوسائل،وأيسرها.
خاتمة:لا بد لكل مبدع أيا كان الجنس الأدبي الذي يؤلف فيه من سمة أو مجموعة سمات كثيرة تميزه من غيره فالكتابة مثلها مثل بصمة الإبهام لا يمكن أن تتشابه بين سخصية وأخرى ,ومن خلال استقراء التجربة القصصية والرواية لدى الكاتب الحسن فقد تبينا القواسم المشتركة بين مجموعة أعماله التي يمكن أن نستخلص منها السمات العامة الآتية :
1- انتماء المكان بشكل عام إلى مرجعية الريف الذي ينتمي إليه الكاتب بحكم علاقته الطبقية والا نتمائية فهو ابن الريف ولادة ونشأة ولذلك يبقى الكاتب على صلة وثيقة بهذا المنبت الاجتماعي الذي لا يجد له خلاصا إلا بالعودة إليه ولذلك يبدو المكان في مجمل قصصية مرتبطا بالريف عبر دلالات ورموز كثيرة ومنها بساطة الأحلام و رومنسيتها التي تتلاءم مع العيش الريفي البسيط وطيبة أناسه .
2- أسماء الشخصيات التي تُعبّر صراحة عن انتمائها الطبقي للريف وقد اتخذ الأديب نبيه الحسن شخصية بطله في معظم إنتاجه القصصي هي شخصية حمدان التي تنم عن شخصية ذات أبعاد بسيطة فهي محببة تعيش الواقع بكل إحباطه كما أنها تواجه الواقع بروح مسالمة وفق مبادئ قناعات ثابته لم تستطع الأحداث والوقائع أن تغير منها شيئا برغم ما أصابها من ضيق والآم و عذابات فهي شخصيات ذات عقائد راسخة ومبادئ ثابته :لا يمكن للطوفان ان يخمد جذوة الفتيل علا وجهها سرور مشوب بانفعال هدج الحزن صوتها وقالت:
- إن الصقيع يحاول عبثا أن يقلع الأشجار التي شرشت في الأعماق).
3- الزمان وإذا كان العمل الإبداعي القصصي والروائي يرتكز على ثالوث المكان والزمان والحدث فإن هذا الأخير يبدو في قصص الأديب نبيه الحسن ذات دلالات واقعية يشير إلى حوادث تاريخية معينة ترتبط بالذاكرة العربية بأحداث واعية التي شكلت تواريخ في حياتنا المعاصرة 1970 –ص 73 من سوريا الأم
4- يعتمد قص نبيه الحسن على الفعل الماضي في استهلالها ولعل لذلك الاستهلال دلالته على المستويين اللغوي والنفسي فدلالة الفعل الماضي تفيد انتهاء الزمن إذ لا يمكن معه فعل شيء يغير من ذلك الواقع ومن هنا تعكس دلالة الأفعال الماضية في مطلع قصص الحسن دلاله ترتبط ببعد نفسي يعبر عن إحباط داخلي يؤكد حقيقة لا يمكن تفسيرها ولذلك يبدو وظيفة التصوير غالبة على القصص باستخدام عنصر السرد الذي يحاول الروائي أن يكون فيه ناقلا للحدث القصصي عبر تواتر مجموعة من الأفعال التي يتماشى فيها الحدث من البداية إلى النهاية عبر صيغة الفعل الماضي أو الحالة الاسمية التي تفيد الثبات والسكون .
القصة،البداية-النهاية،الله مع الصابرين بدأ إن الله مع الصابرين
فاطمة-عاد- كانت-التجربة- غرقت- التجربة- وحدها -الخطوبة- الوقت- الخطوبة-تمت- زكية وتشرين- استخدام الرمز الإسطوري-وينقسم إلى ثلاثة أنماط :
1 –رمز حقيقي واقعي مثل الأرز .
2– تاريخي عربي ويوناني مثل (بلقيس سليمان بعل زيوس خمبابا عشتار . وهو يدخل بنية العمل القصصي دون أن يعبر عن ارتباط وظيفي قدر محاولته اليائسة في إيجاد الخلاص ولو كان خياليا عن طريق الأسطورة .
3-رمز،خاص(آلهة،الطحالب. اعتماد الشرح في بنية القص كما في قصته العين والمخرز:
خرج إلى الشارع بغية أن يستطلع الأمر كانت النساء يجبن الشوارع وثمة روح ترفرف فوق رؤوسهن:
- فيما كان وليد يطوق مريم ويطالبها احرصي على الوليد.
فجملة:- بغية أن يستطلع الأمر- تبدو حشوا تفسيريا وهو ما يعطل ذهنية المتلقي في متابعة الكاتب ويمنعه من لذة مشاركته في الوصول إلى الحدث بنفسه.
التكرار وهو يقوم على ترداد تعابير خاصة تمثل سمة أسلوبية لدى الكاتب وهو تكرار لا يؤدي دورا تراكميا يجعل النص كلا متشابها بل إنه يقود كما يرى (لوتمن ):( إلى تصاعد في التنوع الدلالي لا إلى تماثل النص فكلما تكاثر التشابه كلما تكاثر الاختلاف..
-----------------------
وليد العرفي



---------------------------

هذا المقال من قبل صوت العروبة
محمد الحسن - قراءة في رواية ( عاشق أخرس) و رواية ( مطر الملح ) ورواية الاحتجاج
الموضوع: مقالات مميزة
قراءة في رواية ( عاشق أخرس) و رواية ( مطر الملح ) ورواية الاحتجاج للقاص والروائي نبيه اسكندر الحسن رواية (عاشق أخرس ) للأديب السوري نبيه إسكندر الحسن.
لم يكتف الكاتب نبيه إسكندرالحسن أن يتعاطى كتابة القصة و الرواية بل جاوز حد الكتابة و راح يبدع فعلا فنيا يمتزج بحس إنساني يحمل في كل كلمة رؤية امتدت على مساحات الهم الكبير هم العالم على امتداد الجغرافيا و التاريخ ممزوجا بفلسفة تتصف بالتماسك و التناظر مع الآخر بكل معطياته مستندا على بؤرة عميقة من الوعي و التطور ناشرا نفسه غيمة من الثقافة و التثقف معتمدا على فنية العمل الأدبي الراقي ببنائه محمولا على أعمدة من الفكر المعرفي الناهض من بين هموم الواقع المتردي في عصر الديمقراطيات الواهية ، فالقص و الرواية بنظر الكاتب إنما هو دفق من الواقع مرسوم على صفحات من الفن الكتابي منقوش في ذاكرته كيوم ولادته فكان الفكر و انطلاق الكلمة مزيجا من الألم و النشوة بالقادم مهما اسودت الليالي و و تحولت الواحات إلى حريق لقد عرف الواقع بجدية متناغمة مع الموجود و صاغه بحلم وطني أزهر بورود ممتلئة بالأشواك فكتب حلمه الأول سورية الأم متصورا هذا البعد لكل ذرة تراب على أديم هذا الوطن مبينا تلك العلاقات المشبوهة بين العروبة و اللاإنتماء فالتآكل الأخلاقي و التمدد بين المد و الجزر لا مكانة له في سجل الأديب الحسن .
لقد أراد الكاتب نبيه الحسن أن يرسم صورة حقيقية لإناس ينتمون لحقيقة الوطن و يعتمرون في قلوبهم القدرة على التغيير و الاندفاع نحو الأمام و هذا ليس بعيدا عن متناول يد الأديب فقد كرس هذه المقولة في مجموعته الرائعة أحلام مشتتة حيث صوب سهامه على الفكر الانتهازي و سماسرة العصر و كشف تلك الرهانات البائسة و التي إن دلت في صورتها الراهنة لوضع خلقته الأيدي العابثة على كل مساحات العالم .
رواية (مطر الملح )عن دار إنانا للروائي والقاص نبيه إسكندر الحسن .
في روايته الرائدة (مطر الملح ) يتسلق الكاتب جبلا صعب تسلقه على الكثيرين ممن حاولوا الكتابة في هذا المضمار إنها الإمكانات التي تخلق الصورة الحلم و الرؤية التي ترى المستقبل و تجيد قراءته فهو يكشف سلطة التخلف و انتشار الخرافة و تمكن المستغل من القبض على رقاب الناس فاضحا كل تلك الأساليب دون مهادنة فهو يعرف أساليبهم ويخرق المهمات التي يرسمونها و يتجاوز أكاذيبهم فالمسألة الأكبر في رأيه أن تفضح تلك الأكاذيب معتمدا في ذلك على بيئته المفعمة بالحيوية و الطيبة فيصبح التحدي هو المحرك للفعل الروائي في بناء الكتابة و يقدم الأديب الحسن في كل كلمة يكتبها فعلا مقاوما يحلق فوق كل المقدمات فهو صاحب رؤية نافذة مكنته من التصور لما سيحدث .
و يتابع الكاتب الماهر نبيه الحسن مسيرته الروائية في خلق فكر متماسك ينتمص بشخوص أجاد انتقاءهم و عرف خباياهم النفسية و الخلقية فالمشعوذ و الدجال و العازف على وتر العرف و العادات يصطفون في خط واحد و الفاضحون لهذا الخط يجمعون أياديه لسد الطريق أمام هذا الزبد الهائج من التخلف و التقهقر حيث تظهر تلك الشخوص بكل ما تملك من حيل و انحطاط مسوقة كيانها على أنه السيد و المخلص لهؤلاء البسطاء و من خلال نظرة بسيطة لأسماء هؤلاء الرجال العلق نفهم ما هيتهم ( فالدحبيش ـ فدعان ـ الحنوف ـ الجغمير ) . و من يدخل في عمق العمل الفكري للكاتب نبيه الحسن يقف أمام رواية خلقت نوعا من التحدي و التجديد رواية بحيرة الملح التي جسدت العلاقة بين البيئة و الشخوص و عملت على دفع الواقع الميؤس إلى بوابة النور و الخلاص فالكتابة لم تترك هذا الركام يتدلى بخبثه و غبائه أن يحقق غروره بل وقفت له متصدية و كشفت كل تلك الأقنعة الممهورة بشرعية القوة التي تهدم الحقوق و تنهك الأخلاق .
لقد تجاوز الكاتب نبيه الحسن إطار المحيط الضيق منتقلا إلى مجريات حيكت في قطر قريب لبيئته مفككا تلك النفسية المريضة المتمثلة بفدعان القادر على تمثل كل العفن الذي كسبه من سيده الجغمير فالدعارة تحتاج لسلوك يسهل عليه الحطة بالخبث و الدنيئة فهو يخرس لسانه عندما يسمع حوار الموسمتين فهما تمنتا أن يلتقيا رجلا أخرس كي لا يكشف أمرهما فكان فدعان ذلك الرجل .
لقد دخل قلم الكاتب الحسن في ميدان القصة و الرواية بجدية تدل على القدرة و التماسك في بناء كل الأعمال التي نفذها الأديب و هذه الميزة لا تدل على غزارة في العمل و حسب بل هي قدرة على كتابة الحدث و تصوره فرواية مطر الملح نقش حقيقي لهم عارم امتص الألم المكشوف أمام الكاتب بكل جراحه و في رواية رياح العنف تتجسد العلاقات الاجتماعية البائسة حيث الاستغلال المهيمن لكل الرموز القيمة فلا مكانة للأخلاق اقبل التعسف و الانتقام يحول الأمور إلى مقدسات لا يجوز تخطيها و في ختام هذه العجالة لا بد أن نقول كلمة حق في كتابات الحسن التي حملت في نفسها نصاعة الحلم و صدق الكلمة و احتساب المهمة التي رسمها لنفسه فهو أراد أن يفتح نافذة مضيئة فأشعل لها شمعة عمره و زيت دمه .
واجزم أن رواية الاحتجاج هي أول رواية ترصد الأحداث الاجتماعية والسياسية في كل من لبنان وسوريا والعراق حيث تعرض لبنان للاجتياح واحتلال القوات الأمريكية للعراق .ورغم ذلك لقد تنبأ الكاتب بنصرة الشعب العراقي على العدوان .
بقلم محمد الحسن .
سوريا دمشق





الكاتب: طارق شفيق حقي بتاريخ: الخميس 18-06-2009 01:29 صباحا قراءة في رواية " رياح العنف " للقاص والروائي السوري " نبيه اسكندر الحسن ".
هو دفق من الواقع مرسوم على صفحات من الفن الكتابي منقوش في ذاكرته كيوم ولادته فكان الفكر و انطلاق الكلمة مزيجا من الألم و النشوة بالقادم مهما اسودت الليالي و و تحولت الواحات إلى حريق لقد عرف الواقع بجدية متناغمة مع الموجود و صاغه بحلم وطني أزهر بورود ممتلئة بالأشواك فكتب حلمه الأول سورية الأم متصورا هذا البعد لكل ذرة تراب على أديم هذا الوطن مبينا تلك العلاقات المشبوهة بين العروبة و اللاإنتماء فالتآكل الأخلاقي و التمدد بين المد و الجزر لا مكانة له في سجل الأديب الحسن .
صفحة جديدة 1
قراءة في رواية " رياح العنف " للقاص والروائي نبيه اسكندر الحسن
هو دفق من الواقع مرسوم على صفحات من الفن الكتابي منقوش في ذاكرته كيوم ولادته فكان الفكر و انطلاق الكلمة مزيجا من الألم و النشوة بالقادم مهما اسودت الليالي وتحولت الواحات إلى حريق لقد عرف الواقع بجدية متناغمة مع الموجود و صاغه بحلم وطني أزهر بورود ممتلئة بالأشواك فكتب حلمه الأول سورية الأم متصورا هذا البعد لكل ذرة تراب على أديم هذا الوطن مبينا تلك العلاقات المشبوهة بين العروبة و اللاإنتماء فالتآكل الأخلاقي و التمدد بين المد و الجزر لا مكانة له في سجل الأديب الحسن .
لقد أراد الكاتب نبيه الحسن أن يرسم صورة حقيقية لإناس ينتمون لحقيقة الوطن و يعتمرون في قلوبهم القدرة على التغيير و الاندفاع نحو الأمام و هذا ليس بعيدا عن متناول يد الأديب فقد كرس هذه المقولة في مجموعته الرائعة أحلام مشتتة حيث صوب سهامه على الفكر الانتهازي و سماسرة العصر و كشف تلك الرهانات البائسة د قراءة في رواية ( عاشق أخرس) و رواية ( مطر الملح ) ورواية الاحتجاج للقاص والروائي نبيه اسكندر الحسن .

رواية(عاشق أخرس)للأديب السوري نبيه إسكندر الحسن.
لم يكتف الكاتب نبيه إسكندر الحسن أن يتعاطى كتابة القصة و الرواية بل جاوز حد الكتابة و راح يبدع فعلا فنيا يمتزج بحس إنساني يحمل في كل كلمة رؤية امتدت على مساحات الهم الكبير هم العالم على امتداد الجغرافيا و التاريخ ممزوجا بفلسفة تتصف بالتماسك و التناظر مع الآخر بكل معطياته مستندا على بؤرة عميقة من الوعي و التطور ناشرا نفسه غيمة من الثقافة و التثقف معتمدا على فنية العمل الأدبي الراقي ببنائه محمولا على أعمدة من الفكر المعرفي الناهض من بين هموم الواقع المتردي في عصر الديمقراطيات الواهية ، فالقص و الرواية بنظر الكاتب إنما لت في صورتها الراهنة لوضع خلقته الأيدي العابثة على كل مساحات العالم .
رواية (مطر الملح )عن دار إنانا للروائي والقاص نبيه إسكندر الحسن .
في روايته الرائدة (مطر الملح ) يتسلق الكاتب جبلا صعب تسلقه على الكثيرين ممن حاولوا الكتابة في هذا المضمار إنها الإمكانات التي تخلق الصورة الحلم و الرؤية التي ترى المستقبل و تجيد قراءته فهو يكشف سلطة التخلف و انتشار الخرافة و تمكن المستغل من القبض على رقاب الناس فاضحا كل تلك الأساليب دون مهادنة فهو يعرف أساليبهم ويخرق المهمات التي يرسمونها و يتجاوز أكاذيبهم فالمسألة الأكبر في رأيه أن تفضح تلك الأكاذيب معتمدا في ذلك على بيئته المفعمة بالحيوية و الطيبة فيصبح التحدي هو المحرك للفعل الروائي في بناء الكتابة و يقدم الأديب الحسن في كل كلمة يكتبها فعلا مقاوما يحلق فوق كل المقدمات فهو صاحب رؤية نافذة مكنته من التصور لما سيحدث .
و يتابع الكاتب الماهر نبيه الحسن مسيرته الروائية في خلق فكر متماسك ينتمص بشخوص أجاد انتقاءهم و عرف خباياهم النفسية و الخلقية فالمشعوذ و الدجال و العازف على وتر العرف و العادات يصطفون في خط واحد و الفاضحون لهذا الخط يجمعون أياديه لسد الطريق أمام هذا الزبد الهائج من التخلف و التقهقر حيث تظهر تلك الشخوص بكل ما تملك من حيل و انحطاط مسوقة كيانها على أنه السيد و المخلص لهؤلاء البسطاء و من خلال نظرة بسيطة لأسماء هؤلاء الرجال العلق نفهم ما هيتهم ( فالدحبيش ـ فدعان ـ الحنوف ـ الجغمير ) . و من يدخل في عمق العمل الفكري للكاتب نبيه الحسن يقف أمام رواية خلقت نوعا من التحدي و التجديد رواية بحيرة الملح التي جسدت العلاقة بين البيئة و الشخوص و عملت على دفع الواقع الميؤس إلى بوابة النور و الخلاص فالكتابة لم تترك هذا الركام يتدلى بخبثه و غبائه أن يحقق غروره بل وقفت له متصدية و كشفت كل تلك الأقنعة الممهورة بشرعية القوة التي تهدم الحقوق و تنهك الأخلاق .
لقد تجاوز الكاتب نبيه الحسن إطار المحيط الضيق منتقلا إلى مجريات حيكت في قطر قريب لبيئته مفككا تلك النفسية المريضة المتمثلة بفدعان القادر على تمثل كل العفن الذي كسبه من سيده الجغمير فالدعارة تحتاج لسلوك يسهل عليه الحطة بالخبث و الدنيئة فهو يخرس لسانه عندما يسمع حوار الموسمتين فهما تمنتا أن يلتقيا رجلا أخرس كي لا يكشف أمرهما فكان فدعان ذلك الرجل .
لقد دخل قلم الكاتب الحسن في ميدان القصة و الرواية بجدية تدل على القدرة و التماسك في بناء كل الأعمال التي نفذها الأديب و هذه الميزة لا تدل على غزارة في العمل و حسب بل هي قدرة على كتابة الحدث و تصوره فرواية مطر الملح نقش حقيقي لهم عارم امتص الألم المكشوف أمام الكاتب بكل جراحه و في رواية رياح العنف تتجسد العلاقات الاجتماعية البائسة حيث الاستغلال المهيمن لكل الرموز القيمة فلا مكانة للأخلاق اقبل التعسف و الانتقام يحول الأمور إلى مقدسات لا يجوز تخطيها و في ختام هذه العجالة لا بد أن نقول كلمة حق في كتابات الحسن التي حملت في نفسها نصاعة الحلم و صدق الكلمة و احتساب المهمة التي رسمها لنفسه فهو أراد أن يفتح نافذة مضيئة فأشعل لها شمعة عمره و زيت دمه .واجزم أن رواية الاحتجاج هي أول رواية ترصد الأحداث الاجتماعية والسياسية في كل من لبنان وسوريا والعراق حيث تعرض لبنان للاجتياح والعراق احتلته القوات الأمريكية .ورغم ذلك لقد تنبأ الكاتب بنصرة الشعب العراقي على العدوان..
بقلم:محمد الحسن .سوريا دمشق





بطاقة حب وتقدير قلم الناقد علي الصيرفي
تاريخ النشر : 2009-07-21
بطاقة حب وتقدير ل عفراء نبيه الحسن ( الحلم الذي تحقق )
الرابط:فضاءات،عربيةnبقلم :الناقدعلي الصيرفي عرس حقيقي يحصل في كل عام ،عندما تصدر نتائج الثانوية العامة في سورية، فالأسر تعيش في حالة من التوتر والترقب، والطلاب يسهرون الليل ويحسبون الدقائق التي تجعلهم يروون جهودهم التي بذلوها للحصول على ما أرادوا فالشهادة الثانوية هي الجسر الكبير للعبور نحو المستقبل ، المستقبل الذي يتصوره كل طالب وطالبة، ويضعون في مساحته كل حلمهم الكبير، وما سرني ودفعني للكتابة حول هذا الموضوع ،تلك الفرحة العارمة التي اجتاحت قلوب الآباء والأمهات إنها فرحة الأمل فرحة التوصل إلى حلم صعبُ تحقيقه من قبل الكثير من الأمهات والآباء ،علماً أن معظمهم يحملون تلك الشهادة السحرية، شهادة الثانوية العامة إلا أنهم لم ينجحوا في تحقيق الحلم بالفرع الذي أرادوه وتمنوه، كانت فرحتي وتأثري كبيرين عندما زُف لي خبر نجاح ابنة أخي وصديقي نبيه اسكندر الحسن الشابة الرقيقة الطيبة الأديبة "عفراء" والتي بزغت قدراتها الأدبية وهي تلميذة في الصف الرابع الابتدائي ، عندما طلبتْ مني قراءة قصة كتبتها بأناملها الصغيرة ، لا زلت أذكر وجهها البريء وضفائرها المترامية على كتفيها ، وعيناها التي راحت تلاحق وجهي وكلماتي فكانتا كزرقة البحر وصفاء السماء في يوم ربيعي ، تبسمت لها وقلت أنت .... أنت.... يا عفراء!!! وسكت قليلاً ، خافت واضطرب جسدها الصغير وكادت أن تهرب قبل أن تسمع، ما أردت قوله، فهي تعرف تحليلي الجدي ،لأي نص مهما كان شأن صاحبه، قلت لها مهلاً ... أنت قاصة ماهرة، وتملكين القدرة على الكتابة السليمة والمرونة الرائعة في السير الجدي لحركة الحدث القصصي وبناءه ، طارت الضفائر الذهبية فرحاً، وبرقت العيون الزرقاء سروراً، وانهالت عدة كلمات من فمها الصغيرnحقاً يا عمو!!!! هل ما تقوله حقيقة؟ وليست مجاملة لطفلة صغيرة ، قلت لها : لا يا صديقتي الأديبة الصغيرة أنت ستكونين ذات شأن أدبي كبير وما عليك سوى المتابعة والكتابة كي تزداد خبرتك وأنت ابنة أديب وقاص فكوني رفيقة له في الدرب الذي اختطه، وعمل على حفر نقوشه، بعرقه وسهره، وجمعت عفراء مجموعتها القصصية الأولى ، وعرضتْ مصير تلك الكتابة لكلمتي التي سأقولها بحق هذه المجموعة، وكان لي الشرف أن كتبت تقديماً لها بيّنت فيه قيمة الموهبة والقدرات المخزونة عند هذه الطفلة المبدعة، وتتابعت نجاحات عفراء، وصرت أقر في الصحف المحلية قصصها، التي كانت تلمع فيها ابتسامتها، ورقة طبيعتها فهمومها ورغباتها صغيرة ،حملتْ الحبَ والبراءة لبني البشر، كانت تحلم ككل الأطفال وتتعذب ككل البشر، تحس بالقهر المتعاظم على أمتها ، غرقت بدموعها عندما شاهدت محمد الدرة، يموت في حضن والده شهيداً على يد الغدر الصهيوني ، حملت في حقيبتها المدرسية قطع الحجارة ،عندما شاهدت بطولات الشهيد الطفل فارس عودة، وهو يواجه أقسى قوة استعمار في العالم، زينت سريرها بصورة الطفلة الرضيعة التي سقطت شهيدة بشظايا الغدر وقصف المدنين، همومها طغت على صور الجمال المحيط بها ، كانت تشارك في كل ما يخدم القضية الفلسطينية فتقدم قصصها للكبار والصغار على منابر المراكز الثقافية في مدينة حمص وباقي المدن والقرى السورية ، وكبر الهم العربي، وازداد عدد الشهداء وكبرت مساحة المكان التي صارت حديقة لهؤلاء الشهداء قرب سرير عفراء تحادثهم وتخاطبه وتثور وتذرف الدموع حزناً على أطفال، لم يبلغوا من العمر سوى أيام، خطفتها منهم قنابل العدو الصهيوني بكت عفراء كثيراً في يوم السبت الأسود ،عندما ودع الفلسطينيون العام 2008 بتلك المجزرة الرهيبة في السابع والعشرين من كانون الأول، كانت تقرأ أدب النكبة وشراسة العدو وغدره بأهلنا في الثماني والأربعين وتشريده لهم، وإكمال مشروعه البغيض في الخامس من حزيران 1967 باحتلاله القدس العربية كان الصمت والحزن يلفان وجهها المشرق بنور الحق، فصرخت بصوت اللبوءة الجريحة لا بد من الثأر يا أبي!!!! جذبها صديقي نبيه إلى صدره وقال لها لا عليك يا غاليتي لقد دحرتْ المقاومة الإسلامية قوة إسرائيل في تموز 2006 وهاهي غزة تمزق قوته في عدوانه الأخير في 2009 رغم فداحة الغدر والخيانات الجماعية من عملاء هذه الأمة ومساعدة هذا العدو، بإحكام الخناق على الأهل في غزة، نجحت عفراء، ونالت شهادة الثانوية العامة الفرع العلمي بعلامات تدل على البراعة والتفوق، لقد حصدتْ مائتين وخمس وأربعين علامة، حلقت عفراء في سماءات النجاح وراحت تخط بريشتها المبدعة طريقاً قررت متابعته تحية إكبار وحب لابنتي الأديبة عفراء نبيه الحسن الطفلة الشابة والمهندسة الرائدة في الكتابة والبناء إنها الحلم الذي تحقق.






دراسة نقدية في رواية الاحتجاج للقاص والروائي نبيه اسكندر الحسن الناقد: علي الصيرفي:تاريخ النشر : 2009-10-17
رواية"الاحتجاج""
الناقد:علي،الصيرفي
لقد سبق إن رأينا أنه من الضروري وضع نظرة جدية لكتابة الرواية عند الأديب الروائي نبيه اسكندر الحسن والذي يبلغ ذروته في كتابته لرواية الاحتجاج التي دخلت في أمواج بحر من التحولات التاريخية، التي حلت بالمنطقة العربية وهي ترتبط بين رؤيته وبين ما يجري ومن خلال هذه الرؤية يوحي الكاتب للقارئ نمط المعالم الكبرى لتاريخ المنطقة والتحولات التي حلت على المكان والزمان ، فهو يرى بأن الوجود البشري من الناحية الروائية يكون ممكناً بسبب زمانيته والزمانية تؤكد قوة الرواية في قدرة تجذب المتلقي وتبين الأصالة للعمل الكتابي وأهمية كشفه بتصميم على الإمكانات التي اختارها الأديب إذ أنه يعود بتصميم إلى ذاته بواسطة الانفتاح على الآخر وتأريخ ما يمر على أرض الأمكنة التي تسيرفيها مراحل الرواية فالاحتجاج هي حصيلة عمل حقبي يتداخل فيه الكثير من التنقل والتنوع في أصول المعرفة وتداخل أنماطها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والنفسي ، فهو يرى أن الرواية هي مركز الاهتمام المتكامل بين الوجود والتاريخ ،وهو يعمل على تحديد الحاضر المتأزم وكيف يمكن للمستقبل أن يكون منظوراً من خلال الطابع العام لكل مفاهيم المعرفة ، واحتمالاتها المقبلة فهي علاقة بين التغيرات والرفض الذي ينمو باستمرار فمشكلة المعرفة ترتبط بكل ما يتضمن من تطورات على المستوى الثقافي فإذا انتقلنا من المكان إلى الزمان نلاحظ أن الزمان تنظمه اهتمامات الأديب فهناك وقت نذهب فيه إلى دراية بكل ما يحيط بنا ، ولكن الكاتب يختار على المدى المنظور والبعيد رؤيته وذاته التي تنبثق منها كل قراراته .فقد تحدث الكاتب نبيه الحسن بصفة خاصة عن حقيقة الذاتية التي سيطرت على المقاربات التي التجأ إليها في معظم روايته ومن خلال لغته التي تفهم في إطار احتجاجه على ما أعتقد أنه تخريب للواقع ، وقتل للحقائق الموضوعية ،فهو يرى الحقيقة تتضمن ذاتيتها فهي ليست شيئاً غير شخصي بل هي شيء يمتلكه داخلياً ولا شك أن الأثر الفلسفي الثقافي يظهر من خلال طروحاته وهذا يعني أن التفكير هو الذي يجعل الحقائق تطفو وتظهر كما هي على حقيقتها بعيدة عن التزيف والدجل ، وعموماً فإن المعنى الذابل والمنطفئ للحياة ،هو الذي أحاط بكل المكان الذي يتحدث عنه الكاتب "الحسن" لكثرة المصائب التي لحقت بهذا المكان فما كان منه إلا أن تملكه القلق والتوجس والضيق ، وقد يكون في بعض الوجوه الحقيقة يفضل أن ينظر إلى الواقع على أنه مفتاح أساسي لفهم هذا القلق المتربع على كل شيء حتى على عقله ، فالانفعال لا يعني شيئاً إذا لم يقترن بتطلعات كبيرة تغير مسار الأحداث الأليمة التي تواجهه ، وعلى رغم تأكيده على أهمية الانفعالات إلا أنها لا تشكل أي تغيرات في طريقة التعسف والإحباط ، عند المتسلطين على شخوصه طوال عملية البناء،الروائي .( أخذتها الذكريات إلى الماضي نبشت ركامه حتى غيبها النوم ،رأت نفسها في عرض البحر على متن زورق يشق عباب الماء ،تطاير شعرها الغجري ليشكل نخلة تستظل بفيئها الأجيال ،قدمت لهم الفاكهة بلح الرافدين ، شعرت بأن الله عوضها بملايين الأبناء عوضاً عن ولدها *ص33 من المعترف به عند الكاتب أن الانفعالات تمسك بلب الحدث وتحيط به وتجعله مقيداً بكثرة المتغيرات فهو يؤكد على التغيرات التي تحدث عند الشخص من خلال حالته النفسية ويحاول أن يركز على هذه الاعتبارات التي تقع في منطقة وسط بين عمليات النفس والجهد وبين قوى العقل والفكر ، ويرى أن هذه المشاعر يمكن أن تعمل في خدمة العقل والفكر ،ونراه يعمل من خلال سورة الغضب التي تجلب الدمار لكل ما تصل له يدها فهو يرى الضربة الأمريكية الحاقدة على العراق .
(وفجأة ،شقت الحيتان الأمواج ،حاصرت الزورق طوقته من كل الاتجاهات ،انبرى قرش جشع من صنف الحيتان ،فاتحاً شدقيه بغية التهام الزورق برمته ، لكنه اكتفى أن يضرب خاصرته الشرقية ضربة كادت أن تحطم أضلاعه صرخت –احمنا يا رب) ص33
وفي هذا الصدد نرى الكاتب نبيه الحسن، قد استفاد أن يذكر ملاحظات ما جدة، حيث وجد في أن فهما لمشاعرها بذاتها لم تكن إلا من خلال وعيها بالوجود الفعلي لنفسيتها والتطورات التي مرت بها، و أيا ما كان وجودها في هذا العالم، فإن مشاعرها تؤكد، وتشهد بأنها جزء من هذا المكان، الذي ابتليت به، .فهي ليست ذاك الآخر المغتصب، لكرامتها والناهب لمالها وحياتها وكيانها، بل هي رمز لكل المرحلة، وهي الوسيط الذي يعمل في المكان الأصلي لكل الأحداث، وهنا تكون المشاعر والانفعالات، هي الطريقة التي وجدت فيها نفسها ماجدة وصابر، عندما التقيا في مقهى الروضة ،وباقي الحوار الذي يؤكد همجية العدو الأمريكي ونيته في التحرش بسورية فنرى الكاتب الحسن يحاول أن يبين الشعور في صيغته الجمعية كيف أحبط ما أرادته تلك الحيتان الغادرة ،متمسكاً بالمشاعر الجمعية ومن باب الدقة قال لنا الأديب بأن الشعور ضرب من التجريد ،فنحن لا نعرف بوضوح سوى مشاعرنا نحو العالم بشكل محدد أما مدى نوعية هذه المشاعر وتحديد معالمها فيمكن أن تتضح من كون قدرتنا على تفسير ما أراده الكاتب بفهمنا للغة ِ ومستوياتها وقدرتنا على فهم علم النفس والفلسفة حيث تذخر الرواية بتلك الألفاظ التي تصف المشاعر عند ماجدة وعلوان / الضد وصابر البطل الذي يهب في كل الأزمنة والأمكنة بحسه المرهف كسمة يتميز بها وهو يدرك الأمور بانفعال حساس وهادئ ومع ذلك فحتى وجوده مع ماجدة يتميز بظلال أرادها الكاتب أن تكون غيوماً تحيط بالمكان والزمان فصابر الحبيب هو الحبيب الأول وعلوان هو الزوج الماكر الذي أوقع بماجدة بتهمة الزنى وأكد التهمة بشهود زور .
ويبقى الأديب الحسن معتمداً على مهمته في تصنيف المشاعر في حقل روايته ويبين الفروق الدقيقة بين الشخوص من خلال هذه الأمزجة فهو يظهر لنا بعض المشاعر البدائية كزوج أم ماجدة وجارات أمها فهم على الفطرة والرقة في التعامل معها ولكنها ظلت تحبس أحاسيسها دون أن تعرّف عن نفسها.
( عادت إلى مدينة حمص تذكرت القرية التي عاشت طفولتها فيها وهي تشق عباب الليل تذكرت أمها التي قضت ولم ترها ، وتذكرت زوج أمها ورغم قسوته صفحت عنه ،لم يكن باستطاعته أن يقف غير ذلك الموقف لأن العرف ينطوي على كل أبناء جلدتها ،فقررت أن تزوره لعل العرف يكون قد تغير بعض الشيء )ص 35ومن خلال بعض التحليلات التي يقدمها الكاتب الحسن نرى الأبعاد التي يعاني منها الشخوص وخاصة من خلال أفعالهم التي يمارسونها وهو يؤكد على الخصائص الايجابية عند هؤلاء الشخوص مثل الحرية – والقدرة على الاختيار وهذه السمات الايجابية قد أخذت مكانها مقابل سمات أكثر سلبية واعتدالاً كما سميت ـومع هذا لم يكن الكاتب غافلاً عن العناصر المأساوية وسواء تأكدنا أو لم نتأكد من القول بأن القلق هو أهم السمات التي أكد عليها الأديب وعمل على فكرة أن القلق يصاحب ممارسة الحرية وأنه بالنسبة لمصيره فإن لهذه الأفعال جوانبها السلبية والمأساوية .
( حمله صابر على ظهره ،وانتحى مكاناً بعيداً عن الطريق خوفاً من عتمة تزجهم في كمائن التيه ،وجد صخرة كبيرة ترتكز على قاعدتها ،قمتها مندفعة إلى الأمام كجناح طائر النعام ،جلس القرفصاء بظل الصخرة وبهدوء مدده على الرمل وراح يتلمس الساق عله يعرف هل كسرت ساق أبي فادي ،أم مجرد تشنج ،ثمة قافلة عسكرية تتقدم باتجاه بغداد أضواء الآليات تشق العتمة ، وخوفاً من حزم الضوء ،لاذ بحفرة كان يدرك إذا سقطوا بين أيادي الجيش سوف يتهموا باتهامات تؤدي إلى الإعدام ،لكن القافلة مضت دون أن يراهم أحد) ص78
لقد رصد الأديب الحسن ما يجري في العراق ،واستخدم الواقع ليدل على العامل المحدد لوجود شخوصه في هذه المعمعة فالواقع لا يعني نفس ما تعنيه كلمة الوقائع فعندما نقول أن شيئاً ما واقعي فنحن نتحدث عن حالة موضوعية يمكن ملاحظتها في العالم أما الوقائعية فهي الجانب الداخلي للتمسك بالوقائع .وقد استمر الكاتب الحسن في تواصل وتعامل مع كل مجريات الحياة اليومية للواقع المكاني و الزماني مترجماً ذلك بتحرك شخوصه ،وتنقلهم عبر البيئة الجغرافية التي يلتزمونها ،فالتسلط والغزو ،وقتل الأبرياء والانغماس في الجريمة من قبل دول كبرى ظهرت لا إنسانيتها ومدى توحش عصاباتها وما قاموا به من جرائم لا تمحوها كل قوانين العفو الدولية الموجودة في هذا الكون ، إنها الحروب (الإبادة ) التي سيطرت على المكان في جنوب لبنان وفي فلسطين والعراق ، وأفغانستان والعدو واحد لكل هذه الأماكن حيث ركب أساطيله وجاء كغاز وقرصان لا يفهم إلا لغة القتل وتحطيم الحضارات ودفن الموروث بعنجهية المنتصر ومصاصي الدماء .
إنه الكاتب نبيه الحسن الذي رصد في الكثير من رواياته العمل الإنساني ومقاومة الجشع والتسلط والاغتصاب برواياته التي جاءت من الفدية إلى غضب النورس إلى عاشق أخرس إلى بحيرة الملح بأجزائها وهذه رواية الاحتجاج تأتي تتويجاً لما كتب وقدم من خلال حركة فنية رائعة .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف