الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أهل البوسنة والهرسك في ذاكرة فلسطين بقلم خليل الصمادي

تاريخ النشر : 2011-01-02
أهل البوسنة والهرسك في ذاكرة فلسطين بقلم خليل الصمادي
البوسنيون في فلسطين
خليل الصمادي/ دمشق

ربما لم يسمع كثير من العرب والمسلمين بالبوسنة والهرسك إلا في تسعينيَّات القرن الماضي، بسبب المجازر التي تعرض لها البوسنيون هناك. أما بالنسبة إلى الفلسطينيين، يبدو أنهم لم يفاجأوا بهذه البلاد ولا بموقعها ولا بشعبها ولا بالمجازر التي تعرض لها؛ فأكثرهم يعرف أو سمع بالبوسنة والهرسك وسراييفو وبانيا لوقا والبشناق منذ ثلاثينيات القرن الماضي. ففي عام 1931 عُقد في مدينة القدس المؤتمر الإسلامي العام برئاسة الحاج محمد أمين الحسيني مفتي القدس لبحث المؤامرات التي تتعرض لها مدينة القدس من قبل يهود وأعوانهم، وقد أخذ المؤتمر بعداً إعلامياً واسعاً إذ كان الحضور من جميع أنحاء العالم الإسلامي، فشارك في هذا المؤتمر اثنان وعشرون وفداً إسلامياً وبلغ عدد المشاركين من العلماء والدعاة 145 عضواً، وكان علماء البوسنة والهرسك في مقدمة الحضور.


وقد ناقش المؤتمرون الواقع المأساوي للهجرة اليهودية وما تتعرض له المدينة المقدسة من أخطار. وخلال المؤتمر كان التعارف بين مفتي فلسطين وعلماء البوسنة والهرسك، بُحِثَت القضايا المشتركة بين البلدين، إذ كانت محنتهما متشابهة. في عام 1937 حاول المستعمر البريطاني القبض على الحاج أمين الحسيني إلا أنه توارى عن الأنظار وفرَّ خفية من القدس مسقط رأسه، إلى بيروت في مغامرة جريئة ومكث هناك عدة سنوات، ولما علم البريطانيون بوجوده هناك، طلبوا من الفرنسيين إلقاء القبض عليه، وبالرغم من العلاقات السيئة بين الاستعمارين، فقد جرى التضييق على الحاج هناك، وقبل أن يتمكن الفرنسيون من اعتقاله بساعات فرَّ إلى الشام ثم العراق ومن هناك ضاق به المقام بسبب ملاحقة البريطانيين له ففر متنكراً إلى عدة مدن حتى وصل به المقام إلى روما وذلك عام 1941.
في هذا العام كان الشعب المسلم في البوسنة يتعرض لتطهير عرقي على أيدي عصابات الصرب بقيادة الجنرال دراجا ميخائيلوفيتش، وقد بلغت المجازر ذروتها حتى بلغ عدد الشهداء من المسلمين أكثر من مئتي ألف، ولعل من نافلة القول أن نذكر أن العصابات الصهيونية توافقت مجازرها مع مجازر الصرب هناك ولعل قاسماً مشتركاً بين الصرب والصهاينة كان يحلق في الأفق. يذكر المفتي في مذكراته أنَّ وفداً طلابياً من جامعة روما اتصل به في أواخر عام 1942م وأنبأه بالمجازر التي يتعرض لها المسلمون هناك، وأبرقت له كذلك إلى برلين جمعية علماء المسلمين في البوسنة والهرسك مستنجدين بالله ثم بالمفتي أن يتحرك لنجدتهم، وأعقب البرقية رسالة شارحة تلك الفظائع التي نزلت بهم، وبعد أيام وصل وفد من علماء البوسنة والهرسك برئاسة مفتيها عمر أفندي جابيتش وحدثوا المفتي بما يجري هناك.

يقول المفتي في المذكرات: على أثر ذلك بادرت بمراجعة وزارة الخارجية الألمانية وأطلعت وكيلها «الهرفون وايتزيكر» على الحالة هناك فأبدى أسفه الشديد وقال: إنَّ تلك المناطق هي في المجال الحيوي لإيطاليا فلا يمكننا أن نقوم بعمل جدي قبل الرجوع إليها.

سفر المفتي إلى البوسنة

يظن كثير من الناس أن الحاج أمين - يرحمه الله- كان عميلاً للألمان، وأن هتلر سلّح مسلمي البوسنة للدفاع عنه، وهي دعايات دأب على إطلاقها العدو الصهيوني حتى كاد بعض الناس يصدقونها. لكن المتتبع لما جرى مع المفتي بالنسبة إلى مسلمي البوسنة والهرسك يجد المعاناة التي واجهها المفتي من الأصدقاء قبل الأعداء، وفي الوقت نفسه يجد بصيصاً من الأمل أو مخرجاً أعده الله للمتقين عندما تبلغ القلوب الحناجر، وفي هذا يقول الحاج الحسيني: سافرت يوم 14/3/1943م إلى فيينا ثم إلى زغرب وقابلت رئيس دولتها ورئيس وزرائها وأبدى رئيس الدولة اهتمامه بالموضوع.

وقد حاولت الحكومة الكرواتية بالاشتراك مع سفيري ألمانيا وإيطاليا في زغرب أن يثنوني عن عزمي على السفر إلى البوسنة بحجة الحرص على حياتي من المجازفة في تلك البلاد المضطربة والمملوءة بالعصابات الدموية الخطيرة، لكنني أصررت وكتبت لهم كتاباً سجلت فيه: «أني أتحمل مسؤولية كل ما يصيب من تهلكة في زيارتي لبلد البوسنة برغم نصائح المسؤولين في كرواتيا وممثلي ألمانيا وإيطاليا» وسلمته لهم.

وبالفعل أصر المفتي على زيارة البوسنة، وجاهد حتى وصل إلى هناك، فاستقل طائرة أقلته إلى بوسنة سراي فحلقت حول العاصمة ولم تستطع الهبوط لشدة العواصف الثلجية فعادت إلى مدينة بانيا لوقة حيث حطت هناك. يقول المفتي: ولما خرجنا من المطار دهشنا لما شاهدنا أهل بانيا لوقة يلبسون العمائم والطرابيش ونساءهم يرتدين الحجاب، وشعرنا كأننا نجتاز شوارع القدس القديمة أو أسواق الحميدية في دمشق، وأخيراً غادرنا بانيا لوقة إلى بوسنة سراي وبعد البحث مع زعمائهم ومع قيادات القوات الألمانية في كيفية الحفاظ على أرواح البشانقة والدفاع عنهم ومنع وقوع المذابح فيهم، وافقت الحكومة الألمانية على تجنيد الشبان منهم وتدريبهم وتسليحهم، بشرط الدفاع عن أنفسهم وعائلاتهم داخل بلادهم، وقبل أن أغادر البوسنة كان قد تم تسجيل نحو سبعة آلاف متطوع.

وصول البوسنيون إلى فلسطين

مع احتدام المعارك بين العرب واليهود عام 1948، ومع وصول المتطوعين المجاهدين إلى أرض فلسطين، كان في مقدمة المتطوعين مئات من الضباط والجنود البوسنيين الذين وصلوا إلى فلسطين بالرغم من الصعوبات والعقبات التي كانت تقف أمامهم، إلا أنهم ذللوها وأثبتوا أن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. توزع المتطوعون في القرى والمدن الفلسطينية، ولا سيما في قرى الشمال، وأخذ الضباط منهم يدربون أبناء القرى والمدن على السلاح استعداداً للمعارك مع اليهود، كما عمل بعضهم في جيش الإنقاذ خبراء للمتفجرات والآليات والمدرعات؛ فقد اكتسب البوسنيون مهارات عالية في التدريب بسبب معاركهم الشديدة مع الصرب، ولم يكتفوا بالتدريب، بل خاضوا أشرس المعارك في يافا والقسطل والمالكية وترشيحا وسعسع والشجرة وكابرة وطولكرم، وامتزج الدم الفلسطيني مع الدم البوسني على أرض فلسطين وخاض المجاهدون البوسنيون أو البشناق معارك ضارية وقدموا أرواحهم فداءً لفلسطين. ومن الشهداء الذين ارتقوا هناك: علي بولو باشش، هابر وديثابو استشهدا في معركة القسطل، وكامل بودورغ استشهد في معركة يافا، وأمين خليلوفتش ومحمد رامش وحسن بشيش ومنيب بينو ومصطفى أماموش ارتقوا في معركة المالكية.

أما الجرحى فهم كثر وما زال سكان المخيمات من اللاجئين الفلسطينيين يذكرون منهم: شوقي موفيتش الذي جرح مرتين: إحداهما في القسطل والأخرى في المالكية، ورفعت بكريش الذي بترت يده في معركة الشجرة، وموشان شابا نوفيش، وإسماعيل كوكورد زويتش اللذان جرحا في يافا، وشيفكو باشيش الذي فقد عينه في معركة يافا. أما محرم بيرقدار ونذير فرلباك، فقد جرحا في معركة يافا. والمرحوم مصطفى دولاس بترت يمينه في معركة المالكية، وفي هذا يقول الأستاذ محمد الأرناؤوط: «ومن بين العسكريين الآخرين الذين أبلوا في هذه الحرب سعيد زوبتشفيتش وإلز دوريشفيتش وعاصم باركوفيتشوحسن تشوستوفيتش وصفوت فريزوفيتش ورامو كوفاتشوفيتش ومويو أفدوفيتش وثابت بودروغ».

أما القيادي الفلسطيني الراحل شفيق الحوت فيقول في مذكراته: «وما من شعب عربي إلاّ وله مَنْ مثّله في دفع ضريبة الدم من أجل فلسطين. ولن أغفل دور من جاؤوا باسم الإسلام من مختلف البلاد، وأخص بالذكر أبناء من كان يعرف بالشعب اليوغوسلافي، وكلهم من مسلمي البوسنة. لقد شاهدت مجموعة من هؤلاء المجاهدين في الميدان قرب منزلنا في حي المنشية، وما زلت منبهراً بنضالهم البطولي وما تميزوا به من مهارة وشجاعة وإيمان برسالتهم. كانوا جنوداً محترفين، وبينهم من اختار البقاء في فلسطين، أو ما تبقى منها، بعد نهاية الحرب».

وينقل الأستاذ محمد قاروط عن الأستاذ زهير الشاويش: «إن الذين اشتركوا في حرب فلسطين عام 1948 من المسلمين البوسنيين فاق عددهم (500) رجل، واستشهد منهم ما يزيد على (200) رجل في يافا وأكثر من (50) رجلاً قضوا في حيفا، ومن الجدير بالذكر، أن أحد هؤلاء المجاهدين البوسنيين واسمه «إسماعيل البوسني» قام بتعليم مجموعة مجاهدي دمشق كيفية صنع القنابل والألغام، وكان لي مع المجاهدين البوسنيين صلات كثيرة».

ومن الجدير ذكره أن عدداً من المجاهدين البوسنيين كان قد حضر إلى فلسطين مع عائلتهم وأولادهم، وبعضهم تزوج هناك بوسنيات أو فلسطينيات، وكوّنوا عائلات توزّعت في بعض القرى والمدن الفلسطينية وتأثرت عاداتهم بعادات أهل فلسطين والعكس صحيح، حتى إن لفظ بشناق اشتق منه مصطلح «مبشنقة» ليدل على المرأة التي تضع منديلاً على شعرها بشكل معين، أي بالطريقة التي تضعها المرأة البوشناقية، وهو الذي يغطي الشعر ويعقد أسفل الذقن.

اللاجئون البوسنيون

وبعد توقف حرب 1948 أصاب البوسنيين ما أصاب إخوانهم الفلسطينيين، فلجأوا إلى البلدان العربية المجاورة، إلى سورية ولبنان، واستقر معظمهم في سورية فعاش بعضهم في التكية السليمانية بدمشق وفي بعض المساجد مؤقتاً ريثما يُنقَلون إلى أماكن أخرى، وظلت العلاقات بينهم وبين الفلسطينيين في أماكن اللجوء جيدة؛ فالزيارات لم تنقطع، وقد روى لي الوالد الحاج محمود الصمادي أن السيد مصطفى دولاس كان يزورهم في المساجد التي نزلوا بها في دمشق عام 1948، وكان يطلع على أحوال أصدقائه اللاجئين، وكان اللاجئون يردون له جميل الزيارة في أماكن إقامته. وأخيرا كانوا يزورنه في ملجأ للعجزة بشارع بغداد، ولما سألته عما حلَّ بهم وأين هم الآن خانته الكلمات بفيض العبرات، وبعد أن سكت برهة أردف قائلاً:

ومن المؤسف قوله: أنه لما تمت الوحدة بين مصر وسورية كانت علاقة الرئيس عبد الناصر مع تيتو علاقة مميزة، بيد أن علاقة البوسنيين مع تيتو كانت سيئة، حتى إنه أصدر حكماً غيابياً بإعدام المفتي الحاج أمين الحسيني وانعكست تلك الأحوال على إخواننا البوسنيين فتم التضييق عليهم فهاجر أكثرهم من سورية إلى أوروبا وأوستراليا وبقي القليل منهم يعيش في دمشق وغيرها من المدن.

نال بعضهم الجنسية السورية وخدم بعضهم في الجيش السوري ووصل إلى رتبة لواء كما ذكر الدكتور أرناؤوط في دراسته السابقة وكم تمنيت لو ذكر اسمه.

وفي تسعينيات القرن العشرين وقعت المجازر الرهيبة بحق مسلمي البوسنة، وهبّ المسلمون بالدفاع عنهم ووصلت قوافل الإغاثة بكل أنواعها إلى سراييفو وقاموا بالدفاع عنهم ولم تخل قوافل الإغاثة من الفلسطينيين الذين أردوا أن يردوا الجميل لهذا الشعب الذي يتلاقى معه في كثير من القواسم المشتركة، وخلال محنة البوسنيين لم ينسوا فلسطين وأهلها وليس غريباً أن يصرح الرئيس البوسني الراحل علي عزت بيجوفيتش قائلاً: القدس ليست فقط مسألة الفلسطينيين أو العرب، بل هي قضية الإسلام والمسلمين.
المصدر : مجلة العودة العدد 40 يناير 2011
[email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف