
قراءة في كتاب...
الأولياء والمزارات الإسلامية في فلسطين للباحث توفيق بشاره كنعان
عرض وتعليق . د. إدريس جرادات /مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي-سعير/الخليل [email protected]
صدر كتاب الأولياء والمزارات الإسلامية في فلسطين للباحث توفيق بشاره كنعان في وقت كان فيه المجتمع الفلسطيني سالما متكاملا على أرضه وامتد فضاؤها ليشمل فلسطين كلها ، وفي الوقت نفسه نشر ما يزيد على 130 مؤلفا من كتاب ودراسة ومقالة ومراجعات للكتب باللغتين الانجليزية والألمانية ، وهو ابن بشارة خوري مؤسس الكنيسة اللوثرية في بيت جالا، ونشر الكتاب باللغة الانجليزية سنة 1927م عن دار لوزاك للنشر في لندن،وأعيد نشره من قبل دار نشر أرئيل سنة 1987م.
ترجمه إلى العربية د.نمر سرحان وحرره د.حمدان طه وكيل وزارة السياحة والآثار ونشرته وزارة الثقافة الفلسطينية بالتعاون مع دار الناشر في رام الله سنة 1998م بحجم 241 صفحة من القطع المتوسط، وجاءت ترجمة الكتاب بعد مرور إحدى وسبعين سنة على صدوره.
أشار د.حمدان طه في مقدمته للطبعة العربية المترجمة:"أن هذا الكتاب يعد مسحا شاملا للأولياء والمقامات الإسلامية في فلسطين بالإضافة إلى البحث الميداني، وقام الباحث بالبحث الأثري والتاريخي واللغوي والديني، وما زال هذا الكتاب مرجعا معياريا للدراسة حول هذا الموضوع".صفحة 13.
الهدف من نشر الكتاب إدراكا لأهمية هذا الجهد العلمي ولتمكين طائفة أوسع من الباحثين من التعرف على محتوى الكتاب والاستفادة من هذا الجهد العظيم الذي حفظ ذاكرة المكان، ويلقي الضوء على المناطق المعتمة في الذهن الشعبي ويوفر إمكانية للمقارنة مع عادات وطقوس الأزمان السابقة.
زار الباحث 235 موقعا و348 مزارا توفرت لديه مادة ومعلومات عنها من خلال المشاركة في الاحتفالات الإسلامية والأذكار والموالد والحكايات عن الأولياء والأشعار التي يغنيها الناس تكريما للأولياء،كذلك المخزون الهائل من الأمثال والمصطلحات الفلسطينية في توضيح بعض العادات والممارسات المتصلة بالقديسين والمزارات والاتصال المباشر مع الحياة اليومية والعادات لسكان فلسطين.
أشار في الفصل الأول إلى مواقع المزارات والتي تعني:" الأماكن التي دفن فيها ولي أو نبي أو كل مكان ضريح وشجرة وكهف وينبوع وبئر وصخرة أو حجر يتمتع باحترام ديني حتى لو كان ذلك الاحترام مبنيا على الخرافة وعلاقته بالأماكن المأهولة بالناس، والتي تنتشر في معظم أرجاء فلسطين في الأماكن المرتفعة على قمة جبل أو تلة أو رابية أو على منحدر جبل بالقرب من مجرى الوادي أو في الخرائب أو ضمن المناطق المأهولة بالسكان.
ترتبط المزارات بالمقابر بنسبة 63% وبناء المزار إما من النوع البسيط حيث القبة مبنية مباشرة على الجدران الأربعة للمزار أو يتحول الفراغ الذي تشكله الجدران الأربعة إلى مثمن له نتوءات بالقرب من السطح من خلال تعبئة الزوايا، والمثمن مرتفع قليلا والقبة نصف دائرية فوقها ، وهناك مقامات تحمل قبتين معقودتين والقبر يقع في مركز الغرفة وفيه ضريح الشخص الذي يحمل المزار اسمه وقد يصل الضريح إلى متر ونصف أو بعضها منخفضا ويوجد على جدار الضريح طاقة صغيرة توضع فيها مصابيح الزيت وتكون في الجهة الشمالية من الضريح أو لحرق البخور ، وهناك أضرحة على شكل كومة مستطيلة من الحجارة محاطة بتحويطة حجارة.
تعامل الأشجار المحيطة بالضريح باحترام ويقوم الفلاح بوضع الحبوب والخشب والمحاريث والأدوات الزراعية تحت تلك الأشجار أو بقرب الضريح اعتقادا منه أنها في حماية الولي.
والماء من الملامح البارزة للمزارات وقد يكون بئرا تتجمع فيه مياه الأمطار أو هرابة –حفرة صغيرة على شكل البئر مقصورة- أو بيارة كما هو الحال في السهل الساحلي أو ينابيع جارية أو جدول ماء، والبئر أو النبع يأخذ صفة القداسة من الولي ومن الممكن أن يستمد منه قدرات خارقة للعادة وتجد السبيل أو المسقاي أو زيار-جرار- كبيرة إلى جوار المزار من اجل أن ينتفع منه عامة الناس ،الماء الجاري والشجرة تشكلان الدليل الوحيد على قداسة المكان.
يرتبط المزار بالكهف ولا يجرؤ أحد على الهبوط داخله لارتباطه بمعتقدات شعبية "بالوهرة "والرهبة ولا يسمح للحيوانات بالدخول إليه ويحظى بالاحترام وتضاء له مصابيح الزيت ويتم حلف الأيمان عنده وتقديم النذور له لاعتقادهم انه مسكون بالأرواح التي تنتمي إلى فئة العفاريت أو مسكونة بروح الولي.
تعرض الفصل الثاني للطقوس والممارسات للأعمال التي تتم في المزار نفسه أو في المقام أو خارجه أو على مسافة منه كالتلفظ بكلمات "دستور ،حظور،يا ستار، يا حافظ،يا أمين" والصلوات والأدعية والاحترام والبركة ووضع الممتلكات تحت حماية الولي وربط الخرق والأمور المتعلقة بالشفاء والقسم وأداء النذور والاحتفالات في الأعياد والمواكب، كما تحظى باحترام بخلع النعلين والدخول حافي القدمين ولا تجرؤ امرأة غير طاهرة على الاقتراب أو لمس المقام أو لمس شجرة أو نشل الماء من بئر أو عين المقام، وكذلك الحديث بصوت خفيض ولا يسمح بالتدخين أو الضحك ، ويقوم بتأدية الصلوات المفروضة والسنة والنافلة والتبرك بها من خلال اعتقاده بقوة خير تشع من المكان المقدس لكل شخص يتصل معه "فترى الزائر يمس الضريح وأغطيته ثم يمرر يده على وجهه وجسمه بزيت المزار ليوزع البركة على كل أطراف جسمه أو تقبيل موجودات المزار ليحصل على البركة الدائمة.
في الفصل الثالث تحدث عن طبيعة الأولياء وشخصياتهم ومميزاتهم والقديسين أنهم من البشر وحافظوا على صفات إنسانية حتى بعد تحولهم إلى أولياء وأنهم ينتمون إلى الجنسين ونسبة 60% من الوليات النساء يتمتعن بشهرة كبيرة بالمقارنة مع 31% من الأولياء الرجال وأن ملابسهم ترتبط بزي بلاد الولي الأصلية يلبس ملابس مماثلة للوسط الذي خرج منه وقد يظهر على شكل حيوانات كالطير والأفاعي أو الغزلان وغيرها-صفحة 263-264.
الولي النزق لا يظهر أية شفقة على المعتدي، ويطلب حقوقه ويستعمل أساليب قاسية في معاقبة المعتدي أو الذي يقسم يمينا كاذبا أو يحقر المقام أو يتحدث بشكل غير لائق عنه، وترتبط بهم ظواهر خارقة للعادة والتي يمكن ملاحظتها بالحواس ، فالضوء يرى بالعين والبخور يشم وتسمع الموسيقى والصلاة ولا يمكن إدراك الأمر بحاسة اللمس ومنهم العجم-"أعداء الصوفية"- والدراويش والشيوخ ولهم عجائب وكرامات وهي علامة الاعتقاد بأن هناك قدرة خاصة للولي ممنوحة من الله للتدليل عليه، ومنها الطريقة التي يعاقب بها الولي من يسرق ممتلكاته أو ممتلكات وضعت تحت رعايته، وان شيوخ الرفاعية يسيرون على النار وأن الشيخ البدوي يسير على الماء وغيرهم يمتلك القدرة على الطيران. صفحة 272.
يعتقد عامة الناس أن الولي هو المعين والطبيب والمواسي والوسيط وأنهم جيران يحمون الطيب ولا يقبلون البرطيل أو "البخشيش" ويساعدون الناس في الحروب والمعارك والأولياء كقضاة وكقوة إنسانية خارقة. صفحة 279.
وبعد هذا العرض السريع يمكن الإشارة إلى الملاحظات التالية حول الكتاب : -
1- أتفق مع ملاحظات د.حمدان طه في مقدمة الكتاب:" بأنه صورة لعالم مفعم بالحياة يختلط فيه الواقع بالأسطورة، ويعكس فيه حياة الفلاح الفلسطيني القاسية والتي تخضع لرحمة الطبيعة، وأن الأسطورة تمنح الإنسان الإحساس بالقدرة على فهم الكون ثم الوهم بالسيطرة عليه".
2- اعتمد الباحث المنهج التحليلي الأنثروبولوجي تحت تأثير المنهج التوراتي في البحث الأثري والتاريخي-مناخ عقد الثلاثينات-.
3- اعتماد أسلوب التوثيق العلمي في الهوامش ، في نهاية الفصل الأول 299 هامشا والثاني 452 هامشا والثالث 306 هامشا ولكن لم يورد قائمة بالمراجع والملاحق في نهاية الكتاب.
4- مصدر معلوماته مستقاة من معايشته لواقع الناس مباشرة خاصة الذين يتكلمون اللهجة الدارجة ويعبرون بعفوية عن ممارساتهم وسلوكياتهم.
5- حاول الربط بين جوانب العادات الحالية ومصادر العهد القديم-التوراة- ومصادر التاريخ الإسلامي والمسيحي مما يميز الرؤية القائمة على الفهم التراكمي للتاريخ الحضاري بعيدا عن الانتقائية التي ميزت فهم المحتل للتاريخ اليهودي.
6- يلاحظ اليوم أن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية الجذرية التي عصفت بالمجتمع الفلسطيني قد خلقت واقعا مغايرا للصورة التي رسمها الباحث في كتابه لأن الكثير من المقامات أزيلت عن الوجود مع تدمير 450 قرية فلسطينية سنة 1948-1952م، وسويت بالأرض وهجر وإهمال العديد من المقامات واختفت الطقوس والعادات التي ترافقها كما في موسم النبي موسى والنبي صالح، وتعرضت للنبش والتخريب من قبل لصوص الآثار.
وبعد هذا التعليق والعرض والتقديم كلمة حق تقال أن الباحث والمربي المتقاعد د.توفيق بشارة كنعان أضاء قنديلا وشق طريقا في مجال الحديث عن الأولياء والمزارات والمقامات في فلسطين في وقت كان فيه المجتمع الفلسطيني سالما متكاملا على أرضه وفتح المجال للباحثين والدارسين والفولكلوريين والمهتمين وطلبة العلم والجامعات لإجراء دراسات متخصصة على الحرم والخليل من كافة الجوانب.
يشكر المترجم السيد نمر سرحان المؤرخ التراثي البارع على جهده وهو في هذا العمر الذي يزيد عن السبعين عاما يبحث وينقب ويصفي ويكتب ويوثق للناشئة والأجيال القادمة بدافع وطني وقومي نحو بلده وشعبه ووطنه ، ويشكر المحرر الدكتور حمدان طه ووزارة الثقافة الفلسطينية ودار النشر وكل من ساهم بجهده على إخراج الكتاب إلى حيز الوجود.
عرض وتعليق . د. إدريس جرادات /مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي-سعير/الخليل
الأولياء والمزارات الإسلامية في فلسطين للباحث توفيق بشاره كنعان
عرض وتعليق . د. إدريس جرادات /مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي-سعير/الخليل [email protected]
صدر كتاب الأولياء والمزارات الإسلامية في فلسطين للباحث توفيق بشاره كنعان في وقت كان فيه المجتمع الفلسطيني سالما متكاملا على أرضه وامتد فضاؤها ليشمل فلسطين كلها ، وفي الوقت نفسه نشر ما يزيد على 130 مؤلفا من كتاب ودراسة ومقالة ومراجعات للكتب باللغتين الانجليزية والألمانية ، وهو ابن بشارة خوري مؤسس الكنيسة اللوثرية في بيت جالا، ونشر الكتاب باللغة الانجليزية سنة 1927م عن دار لوزاك للنشر في لندن،وأعيد نشره من قبل دار نشر أرئيل سنة 1987م.
ترجمه إلى العربية د.نمر سرحان وحرره د.حمدان طه وكيل وزارة السياحة والآثار ونشرته وزارة الثقافة الفلسطينية بالتعاون مع دار الناشر في رام الله سنة 1998م بحجم 241 صفحة من القطع المتوسط، وجاءت ترجمة الكتاب بعد مرور إحدى وسبعين سنة على صدوره.
أشار د.حمدان طه في مقدمته للطبعة العربية المترجمة:"أن هذا الكتاب يعد مسحا شاملا للأولياء والمقامات الإسلامية في فلسطين بالإضافة إلى البحث الميداني، وقام الباحث بالبحث الأثري والتاريخي واللغوي والديني، وما زال هذا الكتاب مرجعا معياريا للدراسة حول هذا الموضوع".صفحة 13.
الهدف من نشر الكتاب إدراكا لأهمية هذا الجهد العلمي ولتمكين طائفة أوسع من الباحثين من التعرف على محتوى الكتاب والاستفادة من هذا الجهد العظيم الذي حفظ ذاكرة المكان، ويلقي الضوء على المناطق المعتمة في الذهن الشعبي ويوفر إمكانية للمقارنة مع عادات وطقوس الأزمان السابقة.
زار الباحث 235 موقعا و348 مزارا توفرت لديه مادة ومعلومات عنها من خلال المشاركة في الاحتفالات الإسلامية والأذكار والموالد والحكايات عن الأولياء والأشعار التي يغنيها الناس تكريما للأولياء،كذلك المخزون الهائل من الأمثال والمصطلحات الفلسطينية في توضيح بعض العادات والممارسات المتصلة بالقديسين والمزارات والاتصال المباشر مع الحياة اليومية والعادات لسكان فلسطين.
أشار في الفصل الأول إلى مواقع المزارات والتي تعني:" الأماكن التي دفن فيها ولي أو نبي أو كل مكان ضريح وشجرة وكهف وينبوع وبئر وصخرة أو حجر يتمتع باحترام ديني حتى لو كان ذلك الاحترام مبنيا على الخرافة وعلاقته بالأماكن المأهولة بالناس، والتي تنتشر في معظم أرجاء فلسطين في الأماكن المرتفعة على قمة جبل أو تلة أو رابية أو على منحدر جبل بالقرب من مجرى الوادي أو في الخرائب أو ضمن المناطق المأهولة بالسكان.
ترتبط المزارات بالمقابر بنسبة 63% وبناء المزار إما من النوع البسيط حيث القبة مبنية مباشرة على الجدران الأربعة للمزار أو يتحول الفراغ الذي تشكله الجدران الأربعة إلى مثمن له نتوءات بالقرب من السطح من خلال تعبئة الزوايا، والمثمن مرتفع قليلا والقبة نصف دائرية فوقها ، وهناك مقامات تحمل قبتين معقودتين والقبر يقع في مركز الغرفة وفيه ضريح الشخص الذي يحمل المزار اسمه وقد يصل الضريح إلى متر ونصف أو بعضها منخفضا ويوجد على جدار الضريح طاقة صغيرة توضع فيها مصابيح الزيت وتكون في الجهة الشمالية من الضريح أو لحرق البخور ، وهناك أضرحة على شكل كومة مستطيلة من الحجارة محاطة بتحويطة حجارة.
تعامل الأشجار المحيطة بالضريح باحترام ويقوم الفلاح بوضع الحبوب والخشب والمحاريث والأدوات الزراعية تحت تلك الأشجار أو بقرب الضريح اعتقادا منه أنها في حماية الولي.
والماء من الملامح البارزة للمزارات وقد يكون بئرا تتجمع فيه مياه الأمطار أو هرابة –حفرة صغيرة على شكل البئر مقصورة- أو بيارة كما هو الحال في السهل الساحلي أو ينابيع جارية أو جدول ماء، والبئر أو النبع يأخذ صفة القداسة من الولي ومن الممكن أن يستمد منه قدرات خارقة للعادة وتجد السبيل أو المسقاي أو زيار-جرار- كبيرة إلى جوار المزار من اجل أن ينتفع منه عامة الناس ،الماء الجاري والشجرة تشكلان الدليل الوحيد على قداسة المكان.
يرتبط المزار بالكهف ولا يجرؤ أحد على الهبوط داخله لارتباطه بمعتقدات شعبية "بالوهرة "والرهبة ولا يسمح للحيوانات بالدخول إليه ويحظى بالاحترام وتضاء له مصابيح الزيت ويتم حلف الأيمان عنده وتقديم النذور له لاعتقادهم انه مسكون بالأرواح التي تنتمي إلى فئة العفاريت أو مسكونة بروح الولي.
تعرض الفصل الثاني للطقوس والممارسات للأعمال التي تتم في المزار نفسه أو في المقام أو خارجه أو على مسافة منه كالتلفظ بكلمات "دستور ،حظور،يا ستار، يا حافظ،يا أمين" والصلوات والأدعية والاحترام والبركة ووضع الممتلكات تحت حماية الولي وربط الخرق والأمور المتعلقة بالشفاء والقسم وأداء النذور والاحتفالات في الأعياد والمواكب، كما تحظى باحترام بخلع النعلين والدخول حافي القدمين ولا تجرؤ امرأة غير طاهرة على الاقتراب أو لمس المقام أو لمس شجرة أو نشل الماء من بئر أو عين المقام، وكذلك الحديث بصوت خفيض ولا يسمح بالتدخين أو الضحك ، ويقوم بتأدية الصلوات المفروضة والسنة والنافلة والتبرك بها من خلال اعتقاده بقوة خير تشع من المكان المقدس لكل شخص يتصل معه "فترى الزائر يمس الضريح وأغطيته ثم يمرر يده على وجهه وجسمه بزيت المزار ليوزع البركة على كل أطراف جسمه أو تقبيل موجودات المزار ليحصل على البركة الدائمة.
في الفصل الثالث تحدث عن طبيعة الأولياء وشخصياتهم ومميزاتهم والقديسين أنهم من البشر وحافظوا على صفات إنسانية حتى بعد تحولهم إلى أولياء وأنهم ينتمون إلى الجنسين ونسبة 60% من الوليات النساء يتمتعن بشهرة كبيرة بالمقارنة مع 31% من الأولياء الرجال وأن ملابسهم ترتبط بزي بلاد الولي الأصلية يلبس ملابس مماثلة للوسط الذي خرج منه وقد يظهر على شكل حيوانات كالطير والأفاعي أو الغزلان وغيرها-صفحة 263-264.
الولي النزق لا يظهر أية شفقة على المعتدي، ويطلب حقوقه ويستعمل أساليب قاسية في معاقبة المعتدي أو الذي يقسم يمينا كاذبا أو يحقر المقام أو يتحدث بشكل غير لائق عنه، وترتبط بهم ظواهر خارقة للعادة والتي يمكن ملاحظتها بالحواس ، فالضوء يرى بالعين والبخور يشم وتسمع الموسيقى والصلاة ولا يمكن إدراك الأمر بحاسة اللمس ومنهم العجم-"أعداء الصوفية"- والدراويش والشيوخ ولهم عجائب وكرامات وهي علامة الاعتقاد بأن هناك قدرة خاصة للولي ممنوحة من الله للتدليل عليه، ومنها الطريقة التي يعاقب بها الولي من يسرق ممتلكاته أو ممتلكات وضعت تحت رعايته، وان شيوخ الرفاعية يسيرون على النار وأن الشيخ البدوي يسير على الماء وغيرهم يمتلك القدرة على الطيران. صفحة 272.
يعتقد عامة الناس أن الولي هو المعين والطبيب والمواسي والوسيط وأنهم جيران يحمون الطيب ولا يقبلون البرطيل أو "البخشيش" ويساعدون الناس في الحروب والمعارك والأولياء كقضاة وكقوة إنسانية خارقة. صفحة 279.
وبعد هذا العرض السريع يمكن الإشارة إلى الملاحظات التالية حول الكتاب : -
1- أتفق مع ملاحظات د.حمدان طه في مقدمة الكتاب:" بأنه صورة لعالم مفعم بالحياة يختلط فيه الواقع بالأسطورة، ويعكس فيه حياة الفلاح الفلسطيني القاسية والتي تخضع لرحمة الطبيعة، وأن الأسطورة تمنح الإنسان الإحساس بالقدرة على فهم الكون ثم الوهم بالسيطرة عليه".
2- اعتمد الباحث المنهج التحليلي الأنثروبولوجي تحت تأثير المنهج التوراتي في البحث الأثري والتاريخي-مناخ عقد الثلاثينات-.
3- اعتماد أسلوب التوثيق العلمي في الهوامش ، في نهاية الفصل الأول 299 هامشا والثاني 452 هامشا والثالث 306 هامشا ولكن لم يورد قائمة بالمراجع والملاحق في نهاية الكتاب.
4- مصدر معلوماته مستقاة من معايشته لواقع الناس مباشرة خاصة الذين يتكلمون اللهجة الدارجة ويعبرون بعفوية عن ممارساتهم وسلوكياتهم.
5- حاول الربط بين جوانب العادات الحالية ومصادر العهد القديم-التوراة- ومصادر التاريخ الإسلامي والمسيحي مما يميز الرؤية القائمة على الفهم التراكمي للتاريخ الحضاري بعيدا عن الانتقائية التي ميزت فهم المحتل للتاريخ اليهودي.
6- يلاحظ اليوم أن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية الجذرية التي عصفت بالمجتمع الفلسطيني قد خلقت واقعا مغايرا للصورة التي رسمها الباحث في كتابه لأن الكثير من المقامات أزيلت عن الوجود مع تدمير 450 قرية فلسطينية سنة 1948-1952م، وسويت بالأرض وهجر وإهمال العديد من المقامات واختفت الطقوس والعادات التي ترافقها كما في موسم النبي موسى والنبي صالح، وتعرضت للنبش والتخريب من قبل لصوص الآثار.
وبعد هذا التعليق والعرض والتقديم كلمة حق تقال أن الباحث والمربي المتقاعد د.توفيق بشارة كنعان أضاء قنديلا وشق طريقا في مجال الحديث عن الأولياء والمزارات والمقامات في فلسطين في وقت كان فيه المجتمع الفلسطيني سالما متكاملا على أرضه وفتح المجال للباحثين والدارسين والفولكلوريين والمهتمين وطلبة العلم والجامعات لإجراء دراسات متخصصة على الحرم والخليل من كافة الجوانب.
يشكر المترجم السيد نمر سرحان المؤرخ التراثي البارع على جهده وهو في هذا العمر الذي يزيد عن السبعين عاما يبحث وينقب ويصفي ويكتب ويوثق للناشئة والأجيال القادمة بدافع وطني وقومي نحو بلده وشعبه ووطنه ، ويشكر المحرر الدكتور حمدان طه ووزارة الثقافة الفلسطينية ودار النشر وكل من ساهم بجهده على إخراج الكتاب إلى حيز الوجود.
عرض وتعليق . د. إدريس جرادات /مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي-سعير/الخليل