الأخبار
الإحصاء: انخفاض عدد سكان قطاع غزة بمقدار 10%(يديعوت أحرنوت): إسرائيل توافق على بدء ضخ أموال لإعادة إعمار غزة خلال الهدنة المحتملةالاحتلال يقتحم المصلى القبلي في المسجد الأقصىجيش الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ أطلق من اليمن(هآرتس): نتنياهو يشترط شروطاً تعجيزية ستؤدي لفشل الصفقةالشرطة بغزة تُصدر تصريحاً بشأن إلزامية التداول بالأوراق المالية المهترئة وفئاتهاانتحار جندي إسرائيلي في قاعدة سدي يمانقوات الاحتلال تُعدم مواطناً بإطلاق الرصاص عليه ثم دهسه بآلية عسكرية في جنينمعظمهم أطفال.. استشهاد وإصابة عشرات المواطنين في قصف إسرائيلي على مناطق متفرقة بقطاع غزةالولايات المتحدة تفرض عقوبات على مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية(أكسيوس) يكشف تفاصيل محادثات قطرية أميركية إسرائيلية في البيت الأبيض بشأن غزةجامعة النجاح تبدأ استقبال طلبات الالتحاق لطلبة الثانوية العامة ابتداءً من الخميسالحوثيون: استهدفنا سفينة متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي وغرقت بشكل كاملمقررة أممية تطالب ثلاث دول أوروبية بتفسير توفيرها مجالاً جوياً آمناً لنتنياهوالنونو: نبدي مرونة عالية في مفاوضات الدوحة والحديث الآن يدور حول قضيتين أساسيتين
2025/7/10
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

جورج قرم في تعْريته للثقافة الغربية الإستعلائية بقلم:غطاس أبو عيطة

تاريخ النشر : 2010-10-05
جورج قرم في تعْريته للثقافة الغربية الإستعلائية

غطاس أبو عيطة

في كتابه الصادر حديثاً عن دار الفارابي- بيروت مترجماً عن الفرنسية, بعنوان (( المسألة الدينية في القرن الحادي والعشرين)), يتصدى الدكتور جورج قرم للرد على انقلاب الغرب منذ أواخر القرن العشرين على العلمانية التي سادت خلال القرن التاسع عشر, بادعاء أن العلمانية لم تحمل للبشرية سوى العنف والحروب, حيث جرى في إطار هذا الإنقلاب, نسبة النازية والشيوعية( موضوعتان ضمن نسق واحد ولَّد الاضطهاد والعنف), إلى فكر عصر الأنوار العلماني الذي عممته الثورة الفرنسية, واعتبار الحربين العالميتين بما رافقهما من قتل ودمار نتاج هذا الفكر, لتكون العودة إلى الدين( الفكر الديني) هي المنقذ للبشرية وهي المخرج من دوامة العنف وحماية القيم الإنسانية.
وفي سياق رده على هذا الإنقلاب القادم من الغرب, يستعرض الدكتور قرم ما أطلقته(( المسيحية الغربية))- التي شكلت انحرافاً عن روح المسيحية التي عكست ثقافة الشرق الأوسط السمحاء- من حروب واضطهادات جرت باسم الدين, بدءاً من الحروب الصليبية في العصور الوسطى التي توجهت ضد الاسلام وضد المسيحية الشرقية, ومروراً بالحروب الأهلية التي انتشرت في عصر النهضة في أعقاب حركة الإصلاح الديني, ووصولاً إلى الحركة الإستعمارية بكل ما رافقها من همجية ضد الشعوب المستعمرة, وانتهاء بالحملة الأمريكية ضد العالم الإسلامي في عودة إلى نزعة صليبية عبر عنها من خلال تصريحاته بوش الإبن مستنداً إلى نظرية هنتنجتون بشأن صراع الحضارات, والتي جعلت الحضارة الغربية( اليهودية- المسيحيَّة) فوق الحضارات الأخرى, واعتبرت الإسلام بأنه التهديد الأساس لقيم تلك الحضارة بعد انحسار خطر الشيوعية.
وفي سياق هذا الرد, يعود الدكتور قرم إلى أطروحته بأن الإسلام الذي جسَّد روحية ثقافة المنطقة, التي نشأت على مبدأ قبول الآخر, قد بنى دولة على أساس هذا المبدأ, وهكذا فإن الدولة العثمانية, بقيت محافظة على نظامها القائم على التعددية الدينية والأقوامية, وذلك قبل أن يغزوها نموذج الدولة القومية الأوروبي الذي تبلور إثر سلسلة طويلة من الحروب الأهلية ذات الطابع الديني, والتي سادتها النزعة الإستئصالية تجاه أتباع المعتقدات الأخرى التي فرَّختها حركة الإصلاح الديني, ليصل إلى القول, بأن الفكر التكفيري الذي نشهده الآن لدى بعض الجماعات الإسلامية, هو وليد ثقافة الغرب الوافدة إلى المنطقة وإلى العالم, وإن الإسلام بمعزل عن تلك الثقافة, كان سيبقى دين تسامح بعيداً عن هذه الظواهر غير الإنسانية.
وما يراه الدكتور قرم في ذات السياق, هو أن النازية بكل جرائمها, وما ساد الشيوعية من عنف عبر الستالينية, لم تأتينا نتاج الفكر العلماني الذي أطلقه عصر التنوير في سعيه لإخراج ثقافة الغرب من انغلاقها الديني والمعتقدي, بقدر ما كانتا نتاج تغلغل" المسيحية الغربية" في مفاهيمهما, شأنهما في ذلك, شأن النابوليونية التي حرفت فكر الثورة الفرنسية عن محوره العلماني التنويري باتجاه فكر يقوم على مبدأ إلغاء الآخر استناداً إلى منطق القوَّة, ومنطق احتكار الحقيقة فيما يتعلق بخير الاجتماع الإنساني.
وفي تحليله لانتساب الحضارة الغربية على يد منظِّري أمريكا إلى الديانة اليهودية- المسيحية, يذهب الدكتور قرم إلى القول, بأن حركة الإصلاح الديني في اوروبا, لم تعُد بالمسيحية الغربية إلى منابعها الشرق أوسطية, بقدر ما عادت بها إلى الحضارتين اليونانية والرومانية, وإلى قراءَة نصيَّةٍ للتوراة كانت قد تجاوزتها رسالة السيد المسيح التي عملت على إخراج اليهودية من نزعتها القبلية كما تجاوزتها بعد ذلك رسالة الإسلام. وهكذا فإن انقلاب الغرب على علمانية وعقلانية عصر الأنوار, جاء امتداداً واتساقاً مع انحراف ثقافته عن روح الديانات التوحيدية وخاصة المسيحية والإسلام, وهو الإنحراف الذي بدأ منذ القرن الخامس, حين تعالت هذه الثقافة على المطلق اللامتناهي( الخالق) باسم قدرات العقل والبروموثوسية, لتتعالى من ثم على اتباع الديانات والحضارات الأخرى التي بقيت بنظرها خارج منطق العقل والعقلانية كما أشار إلى ذلك, البابا بندكت السادس عشر في محاضرته المعادية للإسلام وللمسيحية الشرقية.
وهكذا فإن انحياز الدكتور قرم إلى علمانية عصر الأنوار في خطابٍ موجَّهٍ بالأساس إلى العقل الغربي, لم ينمَّ عن موقفٍ سلبي تجاه الفكر الديني, بقدر ما عبر عن إدانة للمسيحية الغربية التي بقيت مهيمنة على ثقافة الغرب حتى إبان نزوعها العلماني, مبيناً في سياق كتابه, بأن فكرة الجامعة الإسلامية التي ظهرت إبان عصر النهضة على يد الإفغاني والكواكبي, لم تقم على أساس نزعة عدائية تجاه المسيحية واليهودية والغرب كونها أتت متسقة مع روح الإسلام ومنفتحة على الحداثة الكونية, كذلك كانت الفكرة القومية التي أطلقها عبد الناصر, والتي جرت محاربتها من جانب القوى الإستعمارية التي حاربت قبل ذلك الجامعة الإسلامية انطلاقاً من حساب المصالح وليس من حساب المبادئ والقيم الإنسانية,وينسحب ذلك على حركات المقاومة ذات المرجعية الإسلامية التي يحاربها الغرب الآن دعماً للقاعدة الصهيونية باعتبارها حركات إرهابية, موضحاً من خلال هذا العرض, بأن ثقافة المنطقة حين تتسق مع جذورها, فإنها تنتج فكراً متحرراً من النزعة الإنغلاقية تجاه الآخر, وقادرة على استيعاب قيم الحداثة الكونية, وعلى تجاوز ردة الفعل على ثقافة تسودها الروح العنصرية والهمجية التي برزت واضحة إبان الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان, ومن خلال الحروب الصهيونية الأخيرة ضد المحيط العربي, التي خرجت على كل القوانين والأعراف الإنسانية.
وما يخلص له قرم في قراءَته التحليلية لتاريخ الغرب, هو أن العنف وروح العداء للآخر التي طبعت هذا التاريخ, هما نتاج أزمة بنيوية في ثقافة الغرب التي سادت تاريخه القديم والمعاصر, مؤيداً في ذلك رؤية حنَّة آرندت الألمانية تجاه تلك الثقافة إلى جانب عدد من المؤرخين والمفكرين الغربيين.
وقد نصارح القارئ, بأننا ترددنا طويلاً في إقرارنا للرؤية التي استند لها الدكتور قرم في محاكمته لثقافة الغرب لشعورنا بأنها تغرق في نظرة أحادية الجانب تجاه تلك الثقافة, لكننا إزاء ما طرحته صحيفة الإندبندت البريطانية مؤخراً تعليقاً على استفزاز القس الأمريكي للمشاعر الإسلامية, حين أعلن عزمه على إحراق نسخ من القرآن الكريم, من أن هذا القس يمثل مساراً في الثقافة الأمريكية( ذات الأصول الأوروبية الغربية), وهو المسار الذي برَّر إبادة سكان البلاد الأصليين في أمريكا, وأن هناك مسارٌ آخر في تلك الثقافة, يجسد أرقى مظاهر النزعة الإنسانية, وهو الذي تجلى في الدستور الأمريكي, فإننا نعود إلى التذكير, بأن إنسانية وديمقراطية هذا الدستور, لم تشمل عند صدوره غير جماعة الواسب, وأن التمييز العنصري بقي مسلطاً على الجماعات الأخرى داخل أمريكا حقبة طويلة من الزمن, وهو ما زال قائماً ضد السود والملونين, وقد برزت هذه العنصرية عارية في سجن أبي غريب.
ونختم بالقول, بأن ما رصده جورج قرم في هذا الكتاب, هو المنحى العام لمسار الحضارة الغربية, وقد أشار إلى بعض مظاهر التهذيب في هذه الحضارة حين طرحت مشاريع طليعية وكونية ذات صبغة إنسانية, لكن تلك المشاريع لم تلبث أن انحرفت عن وجهتها تأثراً بثقافة استعلائية باتت تشكل في عصر العولمة الرأسمالي الذي تقوده أمريكا, تهديداً لمستقبل البشرية بل لمصير الحياة على الأرض.
وبقي أن نقول توخياً للدقة, هو أن تركيز الدكتور قرم على أهمية فكر عصر الأنوار العلماني, لم يقصد منه وضع هذا الفكر فقط في مواجهة الفكر الديني الغربي بل في مواجهة كل استخدام غير إنساني للدين, غير ان الفارق بين علمانية قرم وعلمانية بعض مثقفينا, هو أنه لا ينبهر بالعلمانية بنموذجها الغربي, ولا يضع فكرنا الديني في خانة واحدة مع الفكر الديني الغربي الذي تطبعه الثقافة الغربية بالعنصرية والاستعلائية.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف