الوسائل الدبلوماسية لتسوية المنازعات الدولية
الأمن والسلام هما الركيزة الأساسية لوجود مجتمع دولي معاصر مزدهر ومتطور ترتفع به راية العدالة ، فما المطلوب في هذا المجتمع الدولي لتحقيق ذلك ؟
المطلوب منه القيام بمهمة أساسية وهي صنع السلام والمحافظة عليه، ولإنجاز هذه المهمة الصعبة والمزدوجة يجب توفر شرط مهم وهو توفر النية الصادقة والإرادة السياسية اللازمة لدى الأطراف المتنازعة لصنع السلام والمحافظة عليه. ويتطلب حفظ السلام والأمن أكثر من صفة، فيجب التزام الأطراف المتنازعة بمبدأ فض نزاعاتها بالوسائل السلمية وتقيد هذه الدول بميثاق الأمم المتحدة والقاضي بضرورة فض المنازعات بالطرق السلمية .
ولما لهذا الموضوع من أهمية قصوى على أمن وسلامة المجتمع الدولي وعلى تطوره وازدهاره ارتأينا أن من خلال البحث الآتي :-
التحديث عن الوسائل الدبلوماسية المتبعة لفض المنازعات وهي ( المفاوضات الدبلوماسية ، المساعي الحميدة والوساطة ، والتحقيق ، التوفيق ) وسنقوم بتقديم شرح مفصل لهذه الوسائل وكيفية استخدامهم والأطراف التي تقوم بها .
ثم سنقوم باستعراض المزايا والعيوب لهذه الوسائل وبشكل مفصل
الوسائل السلمية لتسوية المنازعات الدولية :-
يعد مبدأ التسوية السلمية للمنازعات أحد المبادئ الأساسية التي أنبنى عليها التنظيم الدولي الحديث، وعلى وجه التحديد منذ انعقاد مؤتمري السلام عامي 1899 و1907، فمع انتشار ظاهرة التنظيم الدولي خلال الفترة الموالية للمؤتمرين سالفي الذكر اكتسبت قضايا المحافظة على السلام والأمن والتسوية السلمية للمنازعات أهمية خاصة ، إذ أصبحت من بين المقاصد الأولى لأية منظمة دولية ، كما توفرت القناعة لدى المهتمين بأمور التنظيم الدولي بأن وجود أي نظام قوي وفعال يختص بوظيفة التسوية السلمية للمنازعات يعتبر أحد المقومات الموضوعية المهمة التي تستند إليها المنظمات الدولية عموما في مجال الاضطلاع بالمهام المنوطة بها .
وكما أن جامعة الدول العربية هي إحدى المنظمات الدولية الإقليمية التي أكدت في ميثاقها على عدم استخدام القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة، وقد تقرر هذا التوجه أيضا في معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي التي صادق عليها مجلس الجامعة في أبريل 1950 ، ودخلت حيز التنفيذ سنة 1952 في مادتها الأولى بالحرص على دوام الأمن والاستقرار وفض المنازعات بين الأعضاء بالطرق السلمية .
إن التسوية السلمية للمنازعات وعدم استخدام القوة والتهديد بها ، أو استخدامها أصبحت من الأمور المستقرة في فقه القانون الدولي العام ، و من المبادئ الأساسية الراسخة التي تحكم العلاقات الدولية .
وإن اضطلاع المنظمات الدولية بتسوية المنازعات التي قد تحدث بين الدول المنخرطة في عضويتها أمر منطقي و ضروري ، بل يعد ذلك وظيفة جوهرية لعمل هذه المنظمات.
فميثاق الأمم المتحدة أكد في المادة الثالثة والثلاثون على ضرورة حل أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدوليين للخطر، أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريقة المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية...
ولكننا هنا سنركز على الوسائل السياسية ( الدبلوماسية ) لتسوية المنازعات الدولية وتنقسم لأربع وسائل وهي المفاوضات , المساعي الحميدة والوساطة , التوفيق , التحقيق ,
المفاوضات الدبلوماسية + المساعي الحميدة والوساطة .
1- المفاوضات :
تعد المفاوضات الدبلوماسية المباشرة من أقدم وسائل تسوية المنازعات الدولية وأكثرها شيوعاْ . وتشير الدراسات إلى أن الدول كانت تشعر منذ العهود القديمة بوجود التزام قانوني يفرض عليها التفاوض قبل اللجوء إلى استخدام القوة ، حتى ولو لم يتعد ذلك الالتزام الإطار الشكلي .
وكان لهذا المفهوم دوره في الجهود التي بذلها الحقوقيون خلال القرون الوسطى لتحديد طبيعة الحرب العادلة وضرورة التفاوض قبل موافقة الجميع على استخدام القوة.
واعتبر التفاوض في القرون اللاحقة بأنه يشكل أحد الشروط المسبقة الضرورية للإقرار بعدالة استخدام القوة . وحتى لو كان من الواضح أن المفاوضات لا تعدو كونها مجرد تظاهر فإن ذلك التظاهر يبقى ضروريا إذ دونه يواجه استخدام القوة الشجب والتنديد.
وازداد دور المفاوضات في العصر الحالي ، خاصة منذ الحرب العالمية الثانية . فقد عرفت الجماعة عصرا جديدا تميز بكثرة التكتلات في مختلف المجالات وتعقد العلاقات الدولية تشابكها وتطورها في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية والاجتماعية وغيرها . وساعد ذلك على ازدهار المفاوضات باعتبارها الأداة المركزية للدبلوماسية إلى درجة أن المرحلة الحالية وصفت بأنها مرحلة مفاوضات. فقد أصبحت تشكل جزءا لا يتجزأ من التعاون الدولي في مختلف المجالات .وانطلاقا من ذلك فإن كل المبادئ التي تنظم العلاقات بين الدول تتجلى في تطبيق طريقة أسلوب الحوار الدولي.
كما عرفت المفاوضات الدولية الحديثة تطورا هائلا بعد أن أصبحت تشكل جوهر نشاط المنظمات والمؤتمرات الدولية . فقد تنوعت وتعددت المنظمات الدولية كثيرا في العصر الحالي وأصبحت تقدم مؤسساتيا ذا إجراءات سياسية مرنة تهدف في المقام الأول إلى مساعدة الدول على حل منازعاتها بواسطة المفاوضات الدبلوماسية . كما تنامي دور المفاوضات الدولية التي تجري في إطار المؤتمرات الدولية المخصصة لتسوية منازعات محددة (من أمثلة هذه المؤتمرات مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط الذي انعقد في 30 أكتوبر 1991 تحت رعاية كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبمشاركة الدول المعنية ).
وساعد على تطور المفاوضات ازدهار علم السياسة وعلم العلاقات الدولية واستخدام الوسائل الحديثة التي تملكها هذه العلوم لمحاولة وضع منهجية للمفاوضات الهادفة إلى استخلاص إلا أن القول بأن المفاوضات هي وسيلة الدبلوماسية والتعاون بين أشخاص القانون الدولي وإدارة علاقاتهم الدولية لا يعني أنها تخرج عن النظام القانوني الدولي . فقد نصت عليها أهم الوثائق الدولية باعتبارها وسيلة من وسائل تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية قواعد من الممارسة تطبق على أية مفاوضة .وذلك حسب المادة (33 من ميثاق الأمم المتحدة وإعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الدولية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة الذي أصدرته الجمعية العامة سنة 1970 )( وإعلان مانيلا المتعلق بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية لسنة 1982 ). فقد أوضحت المادة السابعة الأشخاص الذين يمكنهم التفاوض باسم دولهم ولحسابهم بحكم وظائفهم دون حاجة لتقديم وثائق تفويض (وهم رؤساء الحكومات ووزراء الخارجية فيما يتعلق بجميع الأعمال الخاصة بإبرام المعاهدات ، ويعتبر هذا تقنينا للقواعد العرفية الدولية . ويضاف إليهم رؤساء البعثات الدبلوماسية فيما يتعلق بإقرار نص معاهدة تبرم بين دولهم والدولة المعتمدين لديها والممثلون المعتمدون من الدول لدى مؤتمر دولي أو لدى منظمة دولية أو أحد فروعها يتعلق بإقرار نص معاهدة في هذا المؤتمر أو تلك المنظمة أو الفرع . فالمفاوضات إذن يتولاها ممثلون رسميون لأشخاص القانون الدولي ممن يتولون نشاطا دبلوماسيا . ويتولاها في الأصل رئيس الدولة أو من ينوبه من السياسيين كرؤساء الحكومات ووزراء الخارجية والبعثات الخاصة والممثليات الدبلوماسية والخبراء وغيرهم من الأشخاص المفوضين حسب طبيعة موضوع التفاوض وأهميته للدولة.
وتتم المفاوضات الخاصة بتسوية المنازعات الدولية من خلال الاتصالات والمناقشات وتبادل وجهات نظر الأطراف المعنية والاستشارات المنظمة على المستوى الثنائي أو المتعدد الأطراف بغية التوصل إلى حل للنزاع يقبله الأطراف.
فالمفاوضات يمكن إذن أن تتم بصفة مباشرة بين أطراف النزاع سواء في إطار ثنائي أو متعدد الأطراف أم في إطار مؤتمر دولي أو منظمة دولية بطريقة غير مباشرة من خلال وساطة طرف ثالث – سواء أكان شخصية ذات نفوذ واعتبار لدى أطراف النزاع أم دولة أم منظمة دولية ، خاصة في حالة عدم وجود اعتراف متبادل بين أطراف نزاع مسلح – بغية تقريب وجهات نظرهم تمهيدا لمفاوضات مباشرة يشترك فيها الطرف الثالث أو تتم تحت رعايته . ولنجاح المفاوضات في تسوية النزاع لابد من توافر عدة شروط .فالمفاوضات عموما تحتاج إلى جو يسوده الهدوء والبعد عن المؤثرات الخارجية ودرجة معينة من الثقة المتبادلة وحسن النية . كما يجب أن يكون لأطراف النزاع رغبة وإرادة في التوصل إلى اتفاق لتسوية النزاع . وتفترض المفاوضات مساواة الأطراف – على الأقل من الناحية القانونية – استنادا إلى مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الدول ، واحترامهم المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر . كما يجب أن تراعي المفاوضات مصالح كل طرف وأن تكون منسجمة مع مبدأ التعاون والمنفعة المتبادلة وتقتضي مواصلة الجهود والمحافظة على النتائج المكتسبة واحترام ما تم الاتفاق عليه أثناء المفاوضات استنادا إلى مبدأي حسن النية والمتعاقد عبد التزامه.
2- المساعي الحميدة والوساطة :
يشترك هذان الإجراءان في كونهما يمثلان جهودا يبذلها طرف ثالث لمساعدة طرفي النزاع على تسويته . ويمكن أن يكون الطرف الثالث فردا واحدا كالأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أو الأمين العام لمنظمة دولية إقليمية كجامعة الدول العربية ، أو شخصية بارزة ، كرئيس سابق لدولة ثالثة مثلا ، كما يمكن أن يكون دولة أو أكثر أو منظمة دولية . ويمكن أن تتم المساعي الحميدة والوساطة باقتراح من الطرف الثالث نفسه بعض مساعيه الحميدة أو وساطته ، كما يمكن أن تتم بناء على طلب أحد من أحد طرفي النزاع أو كلاهما ، وفي كلتا الحالتين فإن القيام بهما معلق على موافقة طرفي النزاع . ويشترك الإجراءان كذلك في كونهما وسيلتان لمساعدة طرفي النزاع على حل نزاعهما بنفسهما . أي تدخل الغير لا يهدف إلى إصدار قرار يفصل في النزاع القائم وإنما إلى تشجيعهما على الفصل فيه . وتظهر أهميتهما أكثر متى كانت العلاقات بين طرفي النزاع سيئة أو مقطوعة أو في حالة تحول النزاع إلى نزاع مسلح بحيث يصعب على طرفي النزاع في مثل هذه الظروف الدخول في مفاوضات مباشرة لتسويته . وتمكن المساعي الحميدة والوساطة من تلطيف الجو وتخفيف حدة التوتر أو إيقاف المواجهة المسلحة تمهيدا لدخولهما في مفاوضات مباشرة قد تسبقها مفاوضات غير مباشرة من خلال تدخل الطرف الثالث . كما يشتركان في عدم إلزامية الغير بالتدخل لعرض مساعيه الحميدة أو وساطته وعدم إلزامية النتائج التي يتوجان بها . وتتوقف فعاليتهما على من يتولاها وكيفية أدائه لمهمته . فنجاح أي منهما يتوقف على علاقة الطرف الثالث بطرفي النزاع ونفوذه لديهما وثقتهما فيه نتيجة إيمانهما بعدله وحياده وعدم عمله على تحقيق مصالح خاصة به أو استغلال ذلك لتدخل في الشؤون الداخلية لهذا الطرف أو ذاك.
وفي مقابل هذه العوامل المشتركة فإن الوساطة تتميز عن المساعي الحميدة من حيث السلطة التي يتمتع بها الطرف الثالث في الحالتين . فوظيفة الجهة التي تتولى المساعي الحميدة تنحصر في محاولة حث الطرفين المتنازعين على التفاوض . وبعبارة أخرى فإن مهمة المساعي الحميدة تقتصر على تذليل العقبات ومحاولة التقريب بين وجهات نظر الطرفين المتنازعين وتيسير دخولهما في مفاوضات مباشرة لا يشارك فيها القائم بالمساعي الحميدة كما أنه لا يقترح عليهما حلولا لتسوية النزاع . بينما يشارك الوسيط فعلا في المفاوضات ويدلي برأيه فيما يقدم من مطالب ويقدم الاقتراحات التي يعتقد أنها جديرة بأن تحظى بقبول الطرفين وتشكل أساسا لحل النزاع القائم . ويتابع الوسيط مهمته إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق . يمكنه أن يوقف عمله إذا اعتقد أن اقتراحاته غير مقبولة أو إذا رفضها فعلا طرفا النزاع أو أحدهم. ولكن يتداخل الإجراءان في الممارسة في بعضهما البعض . وعادة ما يتم الانتقال من المساعي الحميدة إلى الوساطة رويدا رويدا دون لفت انتباه . كما أن الاصطلاحين يستخدمان أحيانا كمترادفين .
وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية لاهاي لسنة 1907 المتعلقة بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية حاولت تنظيم المساعي الحميدة والوساطة بنصها على وجوب لجوء أطراف النزاع – بقدر ما تسمح به الظروف – إلى المساعي الحميدة والوساطة اللتين تعرضهما دولة أو عدة دول صديقة ، وعلى أن عرض طرف ثالث لمساعيه الحميدة أو وساطته لا يعتبر عملا غير ودي ، وأن الاقتراحات المقدمة من الدول التي تبذل مساعيها أو وساطتها تبقى استشارة تفتقد لأي صفة إلزامية
1- التحقيق :
يرجع الفضل في إنشاء هذه الطريقة وتطويرها إلى مؤتمري لاهاي للسلام لسنتي 1899 ، 1907 ، فقد حثت اتفاقية 1899 _ بناء على مبادرة روسية _ على استخدام لجان التوفيق لحل المنازعات الدولية . كما أكدت المادة التاسعة من الاتفاقية الأولى من اتفاقيات 1907 على رغبة الدول المتعاقدة لحل منازعاتها التي تنطوي على خلاف عجزت الدبلوماسية عن حله يتعلق بالوقائع ولا يمس شرف الدولة ومصالحها الحيوية بواسطة لجنة تحقيق دولية تكون مهمتها فحص وقائع النزاع وتقرير بذلك.
ونصت الاتفاقية على الاحتفاظ بقائمة دائمة تضم أسماء يختار منها أطراف النزاع خمسة أشخاص في كل نزاع ، يعين كل طرف عضوين ويتم اختيار العضو الخامس من قبل هؤلاء الأعضاء الأربعة . ويقتصر دور اللجنة على جمع الحقائق دون إصدار حكم . وتضمنت الاتفاقية تفاصيل إجرائية أخرى تتعلق بتحديد مكان الاجتماعات واللغات المستعملة وملء الأماكن الشاغرة في أية لجنة وغيرها.
وتطور التوفيق كذلك في المعاهدات الثنائية التي أبرمتها الولايات المتحدة الأمريكية مع دول أخرى والتي بلغ عددها 22 اتفاقية أبرمت بين 1913, 1915 (عرفت هذه الاتفاقيات باسم اتفاقيات Bryan نسبة إلى وزير خارجية الولايات المتحدة W.J.Bryan )
ونصت هذه الاتفاقات على إنشاء لجان دائمة للتحقيق يمكن أن يعرض عليها أي نزاع عجزت الدبلوماسية عن حله . وتشكل هذه اللجان من خمسة أعضاء يختار كل طرف عضوين يكون أحدهما من غير رعاياه ويختار العضو الخامس باتفاق الطرفين يكون من غير رعاياهما . ويمكنها أن تؤدي عملها بناء على طلب يقدم إليها من الطرفين أو من تلقاء نفسها . ولا يمكن إعلان الحرب قبل تقديم اللجنة لتقريرها . وكان القصد إذن توفير وقت مناسب لا تعلن فيه الحرب ويمكن أن يهدأ فيه التوتر بما يسمح بحل النزاع لأن الاتفاقيات نصت على ضرورة تقديم لجنة التحقيق لتقريرها خلال سنة
ونصت المادة 12 (1) من عهد العصبة على التحقيق بطريقة مشابهة لما جاء في اتفاقية لاهاي لسنة 1907 . كما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في المادة 33 كوسيلة من الوسائل السلمية لحل المنازعات الدولية . ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في الدورة 22 سنة 1967 على القرار رقم 2329 الذي حث الدول على الاستفادة أكثر من الوسائل المتوفرة لجمع الحقائق وفقا للمادة 33 من الميثاق . كما طلبت الجمعية العامة من الأمين العام إعداد قائمة بالخبراء الذين قد يستفاد منهم في جمع الحقائق .
وبصفة لإجمالية فإن مهمة لجان التحقيق تقتصر على سرد الوقائع دون إبداء رأي في المسؤوليات بأي شكل من الأشكال . وعادة ما تستخلص المسؤوليات من التقرير الموضوعي لسرد الوقائع . ويبقى أطراف النزاع أحرارا في الأخذ بما جاء في التقرير أو رفضه .
2- التوفيق :
يعتبر التوفيق إجراء حديثا نسبيا من إجراءات التسوية السلمية للمنازعات الدولية ، وعادة ما تتولاه لجنة يطغى على تشكيلها العنصر الحيادي ، كأن تتشكل اللجنة من خمسة أعضاء يعين كل طرف منهم عضوا ويعين الثلاثة الباقون باتفاق الطرفين من رعايا دول أخرى.
ويمكن أن تتميز اللجنة بطابع الديمومة بحيث تنشأ بمقتضى اتفاقية دولية ويحق لأي من الطرفين لاحقا اللجوء إليها . كما يمكن أن تنشأ بعد نشوب النزاع ، وتتميز بالتالي بالتأقيت بحيث ينتهي وجودها بانتهاء مهمتها . وقد انتشر هذا الأسلوب بعد الحرب العالمية الأولى على الخصوص حيث نص العديد من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف على إنشاء لجان دائمة خول بعضها حتى عرض خدماتها على أطراف النزاع دون أن يوجه إليها طلب بذلك من قبلهم . ونص البعض الآخر على إنشاء لجان مؤقتة بعد نشر النزاع .
ويهدف التوفيق في الأصل إلى تسوية المنازعات المتعلقة بتنازع المصالح وتعارضها مقارنة بتنازع الحقوق وتعارضها والذي يسوي عادة على أساس تطبيق القواعد القانونية .
فالتوفيق إذن إجراء شبه قضائي يتوسط التحقيق والتحكيم . فهو من جهة يتطلب وجود جهاز يكلف من الطرفين المتنازعين ببحث كل جوانب النزاع واقتراح حل له ، على عكس التحقيق الذي لا يهتم -من حيث المبدأ _ إلا بسرد الوقائع دون اقتراح حل للنزاع ومن الفوارق كذلك بين لجان التوفيق ولجان التحقيق أن هذه الأخيرة مؤقتة تنتهي بانتهاء التحقيق ، أما لجان التوفيق فكثيرا ما تتميز بطابع الديمومة .
ومن جهة أخرى فإن التوفيق يختلف عن التحكيم من حيث أن هذا الأخير يتوج بحكم إلزامي بينما ينتهي الأول باقتراحات يتمتع أطراف النزاع بحرية كاملة في قبولها أو رفضها . ومن ثم فإن التوفيق يتميز بمرونة أكثر من التحكيم ولا يمس بحرية وسيادة أطراف النزاع.
وقد شجعت هذه الميزة معهد القانون الدولي على اقتراح نموذج لتسهيل إنشاء لجان التوفيق وتوضيح كيفية عملها لاعتقاده بأن الحلول التي تقترحها هيئة حيادية حول كيفية تسوية النزاع دون إلزام الأطراف بذلك يمكنها إقناع الحكومات التي تكون مترددة في استخدام الحلول الأكثر إلزامية .
ويمكن أحيانا أن يتم النص على التوفيق الإلزامي . إلا أن الإلزامية في هذه الحالة تتعلق باللجوء إليه لا بنتائجه . وبمعنى آخر يمكن لأي من الطرفين عرض النزاع على لجنة التوفيق لتقديم اقتراحات حول كيفية تسويته بالطابع الإلزامي (نصت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 على التوفيق الإلزامي بالنسبة لبعض مسائل الصيد
مزايا وعيوب الوسائل الدبلوماسية لتسوية المنازعات الدولية
مزايا الوسائل الدبلوماسية :
1- الحلول التوفيقية :
غالبا ما تفضل الدول اللجوء إلى الوسائل غير التحاكمية لتسوية منازعاتها الدولية نظرا لقدرة هذه الوسائل على تقديم حلول توفيقية لطرفي النزاع بحيث لا يتحصل أحدهما على كل شيء ويخسر الآخر كل شيء وإنما يتحصل كل طرف على شيء ما تتفاوت نسبته تبعا لظروف النزاع وأهميته وعلاقاته بمنازعات أخرى بين الطرفين بحيث يمكن إبرام صفقة بينهما يكون أساسها التنازلات المقدمة من كل طرف وعلى العكس من ذلك فإن المحاكم الدولية _خاصة محاكم العدل _ تتقيد بالقواعد القانونية السارية المفعول عند فصلها في النزاع المفروض عليها وتكون النتيجة وجود طرف فائز وآخر خاسر ، وتساعد الإمكانيات التي توفرها الدبلوماسية الثنائية التقليدية والدبلوماسية الحديثة المتعددة الأطراف على ممارسة الضغط وتجنيد أطراف ثالثة لدعم الحلول التوفيقية وإبرام الصفقات ، وتعد هذه العوامل مستبعدة في العملية القضائية , كما أن المبدأ المعروف " فاوض باستمرار " يساعد على التوصل إلى حلول توفيقية ، فالمزاج الدبلوماسي عادة ما يفضل حلول جزئية توفيقية على الحلول المطلقة والصارمة.
2- المرونة :
من المزايا التي استندت إليها الدول كذلك في تفضيلها للوسائل الدبلوماسية المرونة التي تتسم بها هذا الوسائل . فقد تتضمن تقرير اللجنة الخاصة بمبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول المقطع التالي : "...فقد لبت المفاوضات _بطبيعتها_ وفي أغلب الحالات الحاجة إلى تسوية فورية ومرونة النزاعات الدولية ..." , ويمكن أن تتخذ هذه المرونة أوجه متعددة . فالوسائل الدبلوماسية عديدة ومتنوعة بحيث يمكن لطرفي النزاع اختيار أكثر الأجهزة ملائمة لطبيعة النزاع وملابساته وأكثرها ملائمة من حيث الآثار التي قد تترتب على التسوية المقترحة واستبعاد كل الأجهزة الأخرى التي يقتنع الطرفان بعدم لائمتها.
3- التعامل مع النزاع من مختلف جوانبه :
أن الحل القضائي قد لا يتعامل مع الأسباب الحقيقية للنزاع . فالمحكمة ملزمة _ باعتبارها محكمة قانون _ بالتركيز على المسائل القانونية المباشرة المعروضة عليها والتي قد لا تكون لها علاقة مباشرة بالمصدر الحقيقي للنزاع , بينما تمكن الوسائل التحاكمية من التعامل مع مختلف جوانب النزاع . ويمكن أن يتحقق ذلك في إطار الجهاز الواحد أو من خلال تعاون مختلف الوسائل الدبلوماسية . صحيح أن استخدام الوسائل التحاكمية لا يتعارض إطلاقا مع استخدام الوسائل الدبلوماسية ، بل أنهما يتكاملان ويمكن للوسائل التحاكمية أن تساعد على تسوية تتم خارج المحكمة يتبعها وقف الإجراءات التحاكمية وشطب القضية من الجدول ، إلا أن الوسائل الدبلوماسية قد تكون أنجع لحل المشاكل والمنازعات المعقدة والمترابطة .
4- احترام استقلال الأطراف ورغباتهم :
تختلف الدول عن الأفراد من حيث حرصها على سيادتها وتمسكها باستقلالها ، وخاصة الدول الجديدة التي لم تتحصل على هذا الاستقلال إلا بعد دفع ثمن غال . وترى هذه الدول أن التأكيد على الحقوق السيادية يشكل أداة عملية لترقية ذلك الاستقلال . ونجم عن هذا التمسك بالسيادة والاستقلال نفور أغلبية الدول الجديدة من الوسائل التحاكمية وتمسكها بمبدأ الاختيار الحر- كما سبق أن رأينا- وتفضيلها للوسائل الدبلوماسية التي يتم اختيارها بإدارة حرة بعد نشوء النزاع ، والتي تفرض عليها حلولا إلزامية ، والحقيقة أن هذا الموقف ليس حكرا على الدول الجديدة بل تمسكت به الدول العظمى قبلها . فقد رأت هذه الدول أن تقييد سيادتها بقبول ولاية إلزامية عامة وتلقائية للمحاكم الدولية يعد تقييدا للسيادة وبالتالي استسلاما لا يمكن قبوله . وكان تمسك الدول العظمى بهذا الموقف سببا لفشل الاقتراح الذي قدمته لجنة الحقوقيين الاستشارية في مشروع النظام الأساسي للمحكمة الدائمة سنة 1920 والذي نص على منح هذه المحكمة ولاية إلزامية تلقائية وحقيقية رغم أن أغلبية الدول الأخرى تمسكت به .
5- سهولة الإجراءات وسرعتها وقلة التكاليف :
لا يتطلب استخدام الوسائل الدبلوماسية إجراءات طويلة ومعقدة كتلك التي يتطلبها استخدام الوسائل التحاكمية ابتداء من رفع الدعوى وكيفية إدارة المرافعات الكتابية والشفوية والمدة اللازمة لتقديم المذكرات والمذكرات الجوابية والمداولات وكتابة الآراء الانفرادية من أجل إصدار حكم قد يكون بعدم الاختصاص أو بعدم قبول الدعوى بعد فترة قد تصل إلى عدة سنوات ، أو تأكيد الاختصاص ومن ثم بداية مرحلة جديدة من الإجراءات قد لا تنتهي إلا بعد انقضاء سنوات أخرى . بينما يمكن استخدام بعض الوسائل الدبلوماسية بصفة فورية ومباشرة دون حاجة إلى إتباع أية إجراءات أو بإتباع إجراءات تحدد تفاصيلها بحرية كاملة من قبل أطراف النزاع .
6- محدودية الإشهار:
عادة ما تكون التسويات التي تتم بالطرق الدبلوماسية – خاصة ما تم منها بواسطة المفاوضات الدبلوماسية المباشرة أو الوساطة والتوفيق والتحقيق والمساعي الحميدة – أقل إشهارا وإثارة مقارنة بالمحاكم الدولية ، بل كثيرا ما يغلب طابع الكتمان على هذه الوسائل .
7- أثر السوابق أقل :
تساعد السرية ومحدودية الإشهار على مرونة حركة الجهاز الدبلوماسي الذي يتولى الفصل في النزاع وتمكنه من أن يأخذ بعين الاعتبار كل الجوانب العملية للقضية دون أن يكترث بالآثار بعيدة المدى . وتتمتع اغلب الإجراءات التحاكمية – باستثناء أجهزة المنظمات الدولية ربما – بحرية أكبر للحركة مقارنة بالأجهزة الدبلوماسية . فالدول غير ملزمة بأن تتقيد بإجراءات محددة عند التفاوض بل يمكنها أن تدبر تلك المفاوضات بأية طريقة تتفق عليها . وهي غير ملزمة بإتباع نفس الطريقة أو الإجراءات مستقبلا . ويصدق الحكم ذاته على الوساطة والمساعي الحميدة مثلا. كما يمكن للدول أن تتفق على أحكام موضوعية مغايرة للأحكام التي سبق اعتمادها عند تسوية نزاع سابق .
8- ملائمة تطبيق قواعد العدل والإنصاف :
تتقيد الأجهزة التحاكمية – بطبيعتها –بقواعد القانون الدولي السارية المفعول وقت الفصل في النزاع . فمهمتها الأساسية تتعلق بما هو كائن لا بما يجب أن يكون . فالادعاءات والمطالب المتعلقة بتغيير الأوضاع والمصالح القانونية تجد مكانها في المحافل الدولية الأخرى خارج المحاكم الدولية . بينما لا تتقيد الوسائل الدبلوماسية بهذه القيود . ولذلك فإنها تعد أكثر ملائمة لتسوية القضايا وفقا لقواعد العدل والإنصاف . فهذه الأجهزة قادرة على أن تأخذ بعين الاعتبار التطورات والأعمال الجارية لتعديل وضعيات قانونية قديمة ، بل يمكنها أن تفصل في المنازعات المعروضة عليها وفقا لهذه التطورات فقط متى وافق أطراف النزاع على ذلك ، وأن تؤسس قراراتها أو توصياتها على اعتبارات سياسية أو اقتصادية أو دينية خالصة . كما يمكن للجهاز المعني أن يقدم بدائل جديدة جذابة . ربما في مجالات غير مرتبطة مباشرة بالمسألة موضوع النزاع ، وتوسيع سياق المشكلة . ويمكن مقابلة تنازلات خاصة بمسألة ما بتنازلات تتعلق بمسألة أخرى ، واعتماد أسلوب الصفقة .
9- القدرة على التعامل مع جميع المنازعات :
الوسائل الدبلوماسية تلاءم مع جميع المنازعات مهما كانت طبيعتها وذلك لتعدد الوسائل فيها بما يتلاءم مع هذه النزاعات.
10- الالتزام حقيقي ومجسد وليس عاما :
أن استخدام الوسائل الدبلوماسية لا يتم إلا بناء على موافقة الطرفين التي تتم بعد نشوب النزاع, وحتى في الحالات التي يمكن فيها لأحد طرفي النزاع أن يلجأ بإدارة منفردة إلى جهاز سياسي ما ، فإن سلطات هذا الجهاز السياسي تبقى مجرد توصيات لا يمكن أن تفرض على الطرف الآخر .
11- عن الشرعية قد يكون أسهل في إطار جهاز سياسي :
قد يساعد عامل صعوبة توقع الدولة لنتيجة الحكم ، على اختيار اللجوء إلى جهاز سياسي ، خاصة إن كانت تلك الدولة تسعى إلى إضفاء الشرعية على موقفها أو الحصول على دعم الرأي العام العالمي لها . فقد تعتبر تلك الدولة أنه من الأسهل لها إقناع وحدات سياسية يكون بعضها أو أغلبها متعاطفا معها من المغامرة بمحاولة إقناع جهاز محافظ وحيادي . من الأفضل لها سياسيا البحث عن دعم جهاز سياسي معين .
12- سلطات الجهاز الدبلوماسي قد تكون أكثر فعالية :
يصدق هذا بصفة خاصة على الأجهزة السياسية التي تملك إمكانية خاصة مدعمة من قبل الدول العظمى ، أو الأجهزة المالية الدولية ،ويمكن لهذه الأجهزة أن تستخدم سلطات خاصة بطريقة فعالة لتسوية النزاع . كما أن استخدام الجاهز المعني لإمكانياته الخاصة قد يلعب دورا هاما في تسهيل التوصل إلى حل لنزاع قائم .
13- الطابع غير الإلزامي قد يساعد على احترام القرار :
تتوج الوسائل غير التحاكمية باقتراحات أو توصيات يتوقف مصيرها على موقف طرفي النزاع منها . فإذا رفضها أحدهما فقط فقدت قيمتها . ويمكن القول إذن أن الحلول التوفيقية لا تعتبر حلولا كاملة مادامت المنازعات لا تسوى بصفة نهائية . إلا أن القبول الاختياري للتسوية يمكن أن يدعم فعالية الحلول غير الملزمة .
14- الوسائل الدبلوماسية تساعد على الإبقاء على النزاع قائما :
يمكن اعتبار هذا العامل عيبا من عيوب الوسائل الدبلوماسية ، ولكنه يعتبر ميزة بالنسبة للدولة المعنية باختيار وسيلة من الوسائل التي تخدم مصالحها الحيوية الخاصة ، فقد لا ترغب دولة في تسوية نزاعاتها مع دولة أخرى نهائيا بل تظهر بمظهر المهتم . ولتفادي اللجوء للوسائل التحاكمية التي تضعها أمام قرار نهائي ملزم.
15- الدور المزدوج الوقائي – العلاجي :
تتميز الوسائل الدبلوماسية بالمرونة والقابلية للتكيف مع كل الظروف . فتكون قادرة على القيام بدور مزدوج : قبل وبعد نشوء النزاع . والدبلوماسية أكثر الوسائل قدرة على القيام بدور وقائي يحول دون نشوب النزاع أصلا ، ودور في تسوية النزاعات القائمة لاحقا .
16- الدور البارز للمفاوضات في تطوير القانون الدولي :
يعتبر العصر الحالي عصر مفاوضات لما للمفاوضات من دور مهم في صياغة قواعد جديدة للقانون الدولي ، من خلال صياغة اتفاقيات دولية في إطار مؤتمرات دولية أم خارجها ، وكذلك للمعاهدات ، فكثيرا ما تحذف نصوص أو تعدل وتضاف أخرى جديدة .
17- لا تفرض الوسائل الدبلوماسية على الدول اتخاذ موقف :
المفاوضات المباشرة تشكل وسيلة لا تلزم أطرافا ثالثة باتخاذ موقف محدد بشأن المنازعات التي لم تؤثر على مصالحها أو تهدد السلم والأمن الدوليين .
18- إمكانية استخدام الضغط داخل الأجهزة السياسية :
تسمح الوسائل الدبلوماسية بممارسة مختلف صور الضغط السياسي المتوفرة ، كتجنيد أطراف ثالثة للتصويت مع القرار أو التوصية ، واستخدام وسائل الضغط الاقتصادية والمالية من جانب الدول الغنية .
عيوب الوسائل الدبلوماسية :
1- الحلول التوفيقية قد لا تكون عادلة :
رأينا أن الوسائل الدبلوماسية عادة ما تتوج بحلول توفيقية وتتفادى الحلول الصارمة التي تقدم إلى أحد الطرفين كل شيء . إلا أن الميل للحلول التوفيقية قد يؤثر عكسيا على موضوعية وقانونية القرار أو الحل المقترح ، ويخلق نوع من الريبة القانونية .
2- عدم التلاؤم مع مصالح الضعيف :
انتقدت بعض الوسائل الدبلوماسية على أساس أنها تضع الطرف الضعيف تحت رحمة الطرف القوي . فمثلا المفاوضات الدبلوماسية المباشرة إما أن تجري بين طرفين متساويين في القوة ، وتكون هنا المفاوضات عقيمة لعدم اضطرار أي من الطرفين لتقديم تنازلات ، فيصبح تدخل طرف ثالث ضروري باستخدام وسيلة أخرى من الوسائل الدبلوماسية أو التحاكمية .
وإما أن يكون أحدهما أقوى من الثاني ويفرض الطرف القوي إرادته على الطرف الضعيف.
3- خطر استخدام الجهاز السياسي لسلطته ونفوذه وميله لحماية مصالحه الخاصة :
سبقت الإشارة إلى أن الأجهزة السياسية يمكنها أن تستخدم سلطاتها ونفوذها عند تسوية المنازعات المعروضة عليها . إلا أن هذا الاستخدام لا يكون بالضرورة إيجابيا بل يمكن كذلك أن يكون سلبيا ، وبخاصة إذا كان لدولة كبرى أو مجموعة من الدول تأثيرا على كيفية أداء ذلك الجهاز لوظائفه . كما يمكن للجهاز السياسي أن يسيء استخدام سلطته ونفوذه . وقد تكون محاولة حماية المصالح الخاصة للجهاز بصفة غير مبررة على حساب أطراف النزاع جليه .
4- عدم ملائمة بعض الأجهزة السياسية لتسوية معقولة :
شكك بعض الفقهاء في مدى ملائمة بعض الأجهزة السياسية الهامة التي أنشئت خصيصا لتحقيق السلم والأمن الدوليين ، كالأمم المتحدة ن لتسوية ما يعرض عليها من منازعات بطريق ملائمة نظرا للضغوط المفروضة عليها من جميع الكتل المتضاربة أيديولوجيا وسياسيا واقتصاديا . فالوفود قد لا تذهب للأمم المتحدة لتسوية منازعاتها ولكن لربح قضاياها .
5- لا يمكن عرض النزاع في الكثير من الحالات على الجهاز السياسي المعني :
لا يمكن عرض النزاع في الكثير من الحالات على الجهاز السياسي المراد استخدامه لتسوية النزاع إلا بعد موافقته . ويمكن أن يكون الحصول على الموافقة صعبا للغاية في بعض الحالات . أو قد يرفض الجهاز المعني تدخله ؛ بحجة رؤيته لتدخله غير ملائم ، أو لا يتلاءم مع مصالحه وعلى العموم فإن عرض المنازعات على طرف ثالث يتوقف على موافقة هذا الأخير .
6- عدم توافر بعض الأجهزة المفضلة :
قد يفضل أحد طرفي النزاع أو كلاهما عرض النزاع على جهاز سياسي معين نظرا لأهمية النزاع أو أهمية الجهاز المعني بالنسبة لذلك الطرف أو لكليهما . في حين أن انعقاد هذه المؤتمرات غير منتظم ، كما أنها قد ترفض الانعقاد في دورة استثنائية لأسباب سياسية ، او أنها قد تعبر عن النزاع المعني غير مهم لدرجة تبرر انعقادها أو لا يمكن الحصول على الأغلبية اللازمة لانعقاد الجهاز المعني .
ويفضل أو يفضلان عرضه على الجمعية العامة بدلا من مجلس الأمن على أساس أن هذا الأخير خاضع لسيطرة الدول الكبرى ، نظرا لأن الجمعية العامة أكثر قدرة على تفهم مواقف هذه الدول وإصدار التوصيات اللازمة .
7- استخدام الوسائل الدبلوماسية لأغراض دعائية :
رأينا أن الوسائل التحاكمية يمكن أن تستخدم لأغراض دعائية وتنكيدية إلا أن الوسائل الدبلوماسية لا يمكن أن تستخدم هي الأخرى للغرض نفسه ، بل على العكس من ذلك فإن استخدامها بهذه الطريقة أسهل ، كما تؤكد الممارسة الدولية .
8- عدم وحدة القرارات وأثر ذلك على تجزئة القانون الدولي :
من عيوب الأجهزة الدبلوماسية عدم وحدة القارات الخاصة والحلول المتوصل إليها . وهذا يشكل مصدر خطر على التطور الموحد للقانون الدولي . إذ يمكن أن يؤدي تنازع تلك القرارات وعدم خلقها للسوابق وضعف سلطات الأجهزة التي أصدرتها إلى تجزئة القانون الدولي والاختلاف حول تفسيره وتطبيقه .
9- الاستخدام غير الإلزامي للوسائل الدبلوماسية :
لا يتعلق هذا العيب بطبيعة الحلول التي تقدمها الوسائل الدبلوماسية وإنما بكيفية استخدام هذه الأجهزة مقارنة بالوسائل التحاكمية . فبينما يمكن للدول أن تتفق مسبقا على تسوية فئة أو فئات محددة أو جميع ما قد ينشأ بينها من منازعات قانونية بواسطة محكمة دولية بحيث يستطيع أي منهما أن يلجأ إلى المحكمة بإرادته المنفردة بغض النظر عن موقف الطرف الثاني في النزاع ، أي التحاكم الإلزامي .
10- عدم صلاحية بعض الوسائل الدبلوماسية لتقييم الوقائع بصفة موضوعية:
قد يصعب على أطراف النزاع أو على الغير تقييم وقائع النزاع بصفة موضوعية ونزيهة في حالة اعتماد بعض الوسائل الدبلوماسية . وقد أشار تقرير اللجنة الخاصة بمبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقا لميثاق الأمم المتحدة إلى هذا العيب باعتباره لصيقا بالمفاوضات. وقد يصعب كذلك على الوسيط أو على الطرف الثالث الذي يعرض مساعيه الحميدة أن يقيم بصفة موضوعية وقائع النزاع .
11 - عدم ملائمة الوسائل الدبلوماسية لبعض المنازعات :
رأت بعض الدول أثناء المناقشات المتعلقة بمسألة مدى منح المفاوضات المباشرة أهمية قانونية خاصة مقارنة بالوسائل الأخرى لتسوية المنازعات الدولية أنه يجب أن تحظى هذه الوسيلة بعناية خاصة نظرا لقدرتها على تسوية كل المنازعات .
إلا أن بعض الدول الأخرى اعتقدت العكس وأشارت إلى أنه " لا يمكن استخدامها لتسوية بعض أنواع المنازعات ". ويمكن أن نتصور عجز المفاوضات المباشرة وكذلك لها أهمية خاصة بالنسبة لأطراف تربطهم علاقات عدائية بسبب تلك المنازعات أو غيرها .
12- الوسائل الدبلوماسية لا تضمن تسوية النزاع :
قد تعجز الوسائل الدبلوماسية عن تسوية النزاع بسبب فشلها في تقديم حل مقبول أو بسبب رفض الطرفين أو أحدهما للحل المقترح . فالوسائل الدبلوماسية تتوج –كقاعدة عامة- بحلول لا تتعدى كونها مجرد اقتراحات وتوصيات قد تقبل أو ترفض . وتساعد هذه الوسائل – وبخاصة المفاوضات – على اتخاذ مواقف متصلبة في أية لحظة أو حتى العودة إلى نقطة الصفر .
كما يمكن للمفاوضين أن يستمروا في المفاوضات إلى ما لا نهاية مع الإبقاء على المسائل التي تتطلب حلولا مستعجلة معلقة . ويمكن أن يعمق هذا المنهج كذلك من حدة التوتر .
الأمن والسلام هما الركيزة الأساسية لوجود مجتمع دولي معاصر مزدهر ومتطور ترتفع به راية العدالة ، فما المطلوب في هذا المجتمع الدولي لتحقيق ذلك ؟
المطلوب منه القيام بمهمة أساسية وهي صنع السلام والمحافظة عليه، ولإنجاز هذه المهمة الصعبة والمزدوجة يجب توفر شرط مهم وهو توفر النية الصادقة والإرادة السياسية اللازمة لدى الأطراف المتنازعة لصنع السلام والمحافظة عليه. ويتطلب حفظ السلام والأمن أكثر من صفة، فيجب التزام الأطراف المتنازعة بمبدأ فض نزاعاتها بالوسائل السلمية وتقيد هذه الدول بميثاق الأمم المتحدة والقاضي بضرورة فض المنازعات بالطرق السلمية .
ولما لهذا الموضوع من أهمية قصوى على أمن وسلامة المجتمع الدولي وعلى تطوره وازدهاره ارتأينا أن من خلال البحث الآتي :-
التحديث عن الوسائل الدبلوماسية المتبعة لفض المنازعات وهي ( المفاوضات الدبلوماسية ، المساعي الحميدة والوساطة ، والتحقيق ، التوفيق ) وسنقوم بتقديم شرح مفصل لهذه الوسائل وكيفية استخدامهم والأطراف التي تقوم بها .
ثم سنقوم باستعراض المزايا والعيوب لهذه الوسائل وبشكل مفصل
الوسائل السلمية لتسوية المنازعات الدولية :-
يعد مبدأ التسوية السلمية للمنازعات أحد المبادئ الأساسية التي أنبنى عليها التنظيم الدولي الحديث، وعلى وجه التحديد منذ انعقاد مؤتمري السلام عامي 1899 و1907، فمع انتشار ظاهرة التنظيم الدولي خلال الفترة الموالية للمؤتمرين سالفي الذكر اكتسبت قضايا المحافظة على السلام والأمن والتسوية السلمية للمنازعات أهمية خاصة ، إذ أصبحت من بين المقاصد الأولى لأية منظمة دولية ، كما توفرت القناعة لدى المهتمين بأمور التنظيم الدولي بأن وجود أي نظام قوي وفعال يختص بوظيفة التسوية السلمية للمنازعات يعتبر أحد المقومات الموضوعية المهمة التي تستند إليها المنظمات الدولية عموما في مجال الاضطلاع بالمهام المنوطة بها .
وكما أن جامعة الدول العربية هي إحدى المنظمات الدولية الإقليمية التي أكدت في ميثاقها على عدم استخدام القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة، وقد تقرر هذا التوجه أيضا في معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي التي صادق عليها مجلس الجامعة في أبريل 1950 ، ودخلت حيز التنفيذ سنة 1952 في مادتها الأولى بالحرص على دوام الأمن والاستقرار وفض المنازعات بين الأعضاء بالطرق السلمية .
إن التسوية السلمية للمنازعات وعدم استخدام القوة والتهديد بها ، أو استخدامها أصبحت من الأمور المستقرة في فقه القانون الدولي العام ، و من المبادئ الأساسية الراسخة التي تحكم العلاقات الدولية .
وإن اضطلاع المنظمات الدولية بتسوية المنازعات التي قد تحدث بين الدول المنخرطة في عضويتها أمر منطقي و ضروري ، بل يعد ذلك وظيفة جوهرية لعمل هذه المنظمات.
فميثاق الأمم المتحدة أكد في المادة الثالثة والثلاثون على ضرورة حل أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدوليين للخطر، أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريقة المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية...
ولكننا هنا سنركز على الوسائل السياسية ( الدبلوماسية ) لتسوية المنازعات الدولية وتنقسم لأربع وسائل وهي المفاوضات , المساعي الحميدة والوساطة , التوفيق , التحقيق ,
المفاوضات الدبلوماسية + المساعي الحميدة والوساطة .
1- المفاوضات :
تعد المفاوضات الدبلوماسية المباشرة من أقدم وسائل تسوية المنازعات الدولية وأكثرها شيوعاْ . وتشير الدراسات إلى أن الدول كانت تشعر منذ العهود القديمة بوجود التزام قانوني يفرض عليها التفاوض قبل اللجوء إلى استخدام القوة ، حتى ولو لم يتعد ذلك الالتزام الإطار الشكلي .
وكان لهذا المفهوم دوره في الجهود التي بذلها الحقوقيون خلال القرون الوسطى لتحديد طبيعة الحرب العادلة وضرورة التفاوض قبل موافقة الجميع على استخدام القوة.
واعتبر التفاوض في القرون اللاحقة بأنه يشكل أحد الشروط المسبقة الضرورية للإقرار بعدالة استخدام القوة . وحتى لو كان من الواضح أن المفاوضات لا تعدو كونها مجرد تظاهر فإن ذلك التظاهر يبقى ضروريا إذ دونه يواجه استخدام القوة الشجب والتنديد.
وازداد دور المفاوضات في العصر الحالي ، خاصة منذ الحرب العالمية الثانية . فقد عرفت الجماعة عصرا جديدا تميز بكثرة التكتلات في مختلف المجالات وتعقد العلاقات الدولية تشابكها وتطورها في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية والاجتماعية وغيرها . وساعد ذلك على ازدهار المفاوضات باعتبارها الأداة المركزية للدبلوماسية إلى درجة أن المرحلة الحالية وصفت بأنها مرحلة مفاوضات. فقد أصبحت تشكل جزءا لا يتجزأ من التعاون الدولي في مختلف المجالات .وانطلاقا من ذلك فإن كل المبادئ التي تنظم العلاقات بين الدول تتجلى في تطبيق طريقة أسلوب الحوار الدولي.
كما عرفت المفاوضات الدولية الحديثة تطورا هائلا بعد أن أصبحت تشكل جوهر نشاط المنظمات والمؤتمرات الدولية . فقد تنوعت وتعددت المنظمات الدولية كثيرا في العصر الحالي وأصبحت تقدم مؤسساتيا ذا إجراءات سياسية مرنة تهدف في المقام الأول إلى مساعدة الدول على حل منازعاتها بواسطة المفاوضات الدبلوماسية . كما تنامي دور المفاوضات الدولية التي تجري في إطار المؤتمرات الدولية المخصصة لتسوية منازعات محددة (من أمثلة هذه المؤتمرات مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط الذي انعقد في 30 أكتوبر 1991 تحت رعاية كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبمشاركة الدول المعنية ).
وساعد على تطور المفاوضات ازدهار علم السياسة وعلم العلاقات الدولية واستخدام الوسائل الحديثة التي تملكها هذه العلوم لمحاولة وضع منهجية للمفاوضات الهادفة إلى استخلاص إلا أن القول بأن المفاوضات هي وسيلة الدبلوماسية والتعاون بين أشخاص القانون الدولي وإدارة علاقاتهم الدولية لا يعني أنها تخرج عن النظام القانوني الدولي . فقد نصت عليها أهم الوثائق الدولية باعتبارها وسيلة من وسائل تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية قواعد من الممارسة تطبق على أية مفاوضة .وذلك حسب المادة (33 من ميثاق الأمم المتحدة وإعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الدولية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة الذي أصدرته الجمعية العامة سنة 1970 )( وإعلان مانيلا المتعلق بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية لسنة 1982 ). فقد أوضحت المادة السابعة الأشخاص الذين يمكنهم التفاوض باسم دولهم ولحسابهم بحكم وظائفهم دون حاجة لتقديم وثائق تفويض (وهم رؤساء الحكومات ووزراء الخارجية فيما يتعلق بجميع الأعمال الخاصة بإبرام المعاهدات ، ويعتبر هذا تقنينا للقواعد العرفية الدولية . ويضاف إليهم رؤساء البعثات الدبلوماسية فيما يتعلق بإقرار نص معاهدة تبرم بين دولهم والدولة المعتمدين لديها والممثلون المعتمدون من الدول لدى مؤتمر دولي أو لدى منظمة دولية أو أحد فروعها يتعلق بإقرار نص معاهدة في هذا المؤتمر أو تلك المنظمة أو الفرع . فالمفاوضات إذن يتولاها ممثلون رسميون لأشخاص القانون الدولي ممن يتولون نشاطا دبلوماسيا . ويتولاها في الأصل رئيس الدولة أو من ينوبه من السياسيين كرؤساء الحكومات ووزراء الخارجية والبعثات الخاصة والممثليات الدبلوماسية والخبراء وغيرهم من الأشخاص المفوضين حسب طبيعة موضوع التفاوض وأهميته للدولة.
وتتم المفاوضات الخاصة بتسوية المنازعات الدولية من خلال الاتصالات والمناقشات وتبادل وجهات نظر الأطراف المعنية والاستشارات المنظمة على المستوى الثنائي أو المتعدد الأطراف بغية التوصل إلى حل للنزاع يقبله الأطراف.
فالمفاوضات يمكن إذن أن تتم بصفة مباشرة بين أطراف النزاع سواء في إطار ثنائي أو متعدد الأطراف أم في إطار مؤتمر دولي أو منظمة دولية بطريقة غير مباشرة من خلال وساطة طرف ثالث – سواء أكان شخصية ذات نفوذ واعتبار لدى أطراف النزاع أم دولة أم منظمة دولية ، خاصة في حالة عدم وجود اعتراف متبادل بين أطراف نزاع مسلح – بغية تقريب وجهات نظرهم تمهيدا لمفاوضات مباشرة يشترك فيها الطرف الثالث أو تتم تحت رعايته . ولنجاح المفاوضات في تسوية النزاع لابد من توافر عدة شروط .فالمفاوضات عموما تحتاج إلى جو يسوده الهدوء والبعد عن المؤثرات الخارجية ودرجة معينة من الثقة المتبادلة وحسن النية . كما يجب أن يكون لأطراف النزاع رغبة وإرادة في التوصل إلى اتفاق لتسوية النزاع . وتفترض المفاوضات مساواة الأطراف – على الأقل من الناحية القانونية – استنادا إلى مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الدول ، واحترامهم المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر . كما يجب أن تراعي المفاوضات مصالح كل طرف وأن تكون منسجمة مع مبدأ التعاون والمنفعة المتبادلة وتقتضي مواصلة الجهود والمحافظة على النتائج المكتسبة واحترام ما تم الاتفاق عليه أثناء المفاوضات استنادا إلى مبدأي حسن النية والمتعاقد عبد التزامه.
2- المساعي الحميدة والوساطة :
يشترك هذان الإجراءان في كونهما يمثلان جهودا يبذلها طرف ثالث لمساعدة طرفي النزاع على تسويته . ويمكن أن يكون الطرف الثالث فردا واحدا كالأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أو الأمين العام لمنظمة دولية إقليمية كجامعة الدول العربية ، أو شخصية بارزة ، كرئيس سابق لدولة ثالثة مثلا ، كما يمكن أن يكون دولة أو أكثر أو منظمة دولية . ويمكن أن تتم المساعي الحميدة والوساطة باقتراح من الطرف الثالث نفسه بعض مساعيه الحميدة أو وساطته ، كما يمكن أن تتم بناء على طلب أحد من أحد طرفي النزاع أو كلاهما ، وفي كلتا الحالتين فإن القيام بهما معلق على موافقة طرفي النزاع . ويشترك الإجراءان كذلك في كونهما وسيلتان لمساعدة طرفي النزاع على حل نزاعهما بنفسهما . أي تدخل الغير لا يهدف إلى إصدار قرار يفصل في النزاع القائم وإنما إلى تشجيعهما على الفصل فيه . وتظهر أهميتهما أكثر متى كانت العلاقات بين طرفي النزاع سيئة أو مقطوعة أو في حالة تحول النزاع إلى نزاع مسلح بحيث يصعب على طرفي النزاع في مثل هذه الظروف الدخول في مفاوضات مباشرة لتسويته . وتمكن المساعي الحميدة والوساطة من تلطيف الجو وتخفيف حدة التوتر أو إيقاف المواجهة المسلحة تمهيدا لدخولهما في مفاوضات مباشرة قد تسبقها مفاوضات غير مباشرة من خلال تدخل الطرف الثالث . كما يشتركان في عدم إلزامية الغير بالتدخل لعرض مساعيه الحميدة أو وساطته وعدم إلزامية النتائج التي يتوجان بها . وتتوقف فعاليتهما على من يتولاها وكيفية أدائه لمهمته . فنجاح أي منهما يتوقف على علاقة الطرف الثالث بطرفي النزاع ونفوذه لديهما وثقتهما فيه نتيجة إيمانهما بعدله وحياده وعدم عمله على تحقيق مصالح خاصة به أو استغلال ذلك لتدخل في الشؤون الداخلية لهذا الطرف أو ذاك.
وفي مقابل هذه العوامل المشتركة فإن الوساطة تتميز عن المساعي الحميدة من حيث السلطة التي يتمتع بها الطرف الثالث في الحالتين . فوظيفة الجهة التي تتولى المساعي الحميدة تنحصر في محاولة حث الطرفين المتنازعين على التفاوض . وبعبارة أخرى فإن مهمة المساعي الحميدة تقتصر على تذليل العقبات ومحاولة التقريب بين وجهات نظر الطرفين المتنازعين وتيسير دخولهما في مفاوضات مباشرة لا يشارك فيها القائم بالمساعي الحميدة كما أنه لا يقترح عليهما حلولا لتسوية النزاع . بينما يشارك الوسيط فعلا في المفاوضات ويدلي برأيه فيما يقدم من مطالب ويقدم الاقتراحات التي يعتقد أنها جديرة بأن تحظى بقبول الطرفين وتشكل أساسا لحل النزاع القائم . ويتابع الوسيط مهمته إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق . يمكنه أن يوقف عمله إذا اعتقد أن اقتراحاته غير مقبولة أو إذا رفضها فعلا طرفا النزاع أو أحدهم. ولكن يتداخل الإجراءان في الممارسة في بعضهما البعض . وعادة ما يتم الانتقال من المساعي الحميدة إلى الوساطة رويدا رويدا دون لفت انتباه . كما أن الاصطلاحين يستخدمان أحيانا كمترادفين .
وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية لاهاي لسنة 1907 المتعلقة بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية حاولت تنظيم المساعي الحميدة والوساطة بنصها على وجوب لجوء أطراف النزاع – بقدر ما تسمح به الظروف – إلى المساعي الحميدة والوساطة اللتين تعرضهما دولة أو عدة دول صديقة ، وعلى أن عرض طرف ثالث لمساعيه الحميدة أو وساطته لا يعتبر عملا غير ودي ، وأن الاقتراحات المقدمة من الدول التي تبذل مساعيها أو وساطتها تبقى استشارة تفتقد لأي صفة إلزامية
1- التحقيق :
يرجع الفضل في إنشاء هذه الطريقة وتطويرها إلى مؤتمري لاهاي للسلام لسنتي 1899 ، 1907 ، فقد حثت اتفاقية 1899 _ بناء على مبادرة روسية _ على استخدام لجان التوفيق لحل المنازعات الدولية . كما أكدت المادة التاسعة من الاتفاقية الأولى من اتفاقيات 1907 على رغبة الدول المتعاقدة لحل منازعاتها التي تنطوي على خلاف عجزت الدبلوماسية عن حله يتعلق بالوقائع ولا يمس شرف الدولة ومصالحها الحيوية بواسطة لجنة تحقيق دولية تكون مهمتها فحص وقائع النزاع وتقرير بذلك.
ونصت الاتفاقية على الاحتفاظ بقائمة دائمة تضم أسماء يختار منها أطراف النزاع خمسة أشخاص في كل نزاع ، يعين كل طرف عضوين ويتم اختيار العضو الخامس من قبل هؤلاء الأعضاء الأربعة . ويقتصر دور اللجنة على جمع الحقائق دون إصدار حكم . وتضمنت الاتفاقية تفاصيل إجرائية أخرى تتعلق بتحديد مكان الاجتماعات واللغات المستعملة وملء الأماكن الشاغرة في أية لجنة وغيرها.
وتطور التوفيق كذلك في المعاهدات الثنائية التي أبرمتها الولايات المتحدة الأمريكية مع دول أخرى والتي بلغ عددها 22 اتفاقية أبرمت بين 1913, 1915 (عرفت هذه الاتفاقيات باسم اتفاقيات Bryan نسبة إلى وزير خارجية الولايات المتحدة W.J.Bryan )
ونصت هذه الاتفاقات على إنشاء لجان دائمة للتحقيق يمكن أن يعرض عليها أي نزاع عجزت الدبلوماسية عن حله . وتشكل هذه اللجان من خمسة أعضاء يختار كل طرف عضوين يكون أحدهما من غير رعاياه ويختار العضو الخامس باتفاق الطرفين يكون من غير رعاياهما . ويمكنها أن تؤدي عملها بناء على طلب يقدم إليها من الطرفين أو من تلقاء نفسها . ولا يمكن إعلان الحرب قبل تقديم اللجنة لتقريرها . وكان القصد إذن توفير وقت مناسب لا تعلن فيه الحرب ويمكن أن يهدأ فيه التوتر بما يسمح بحل النزاع لأن الاتفاقيات نصت على ضرورة تقديم لجنة التحقيق لتقريرها خلال سنة
ونصت المادة 12 (1) من عهد العصبة على التحقيق بطريقة مشابهة لما جاء في اتفاقية لاهاي لسنة 1907 . كما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في المادة 33 كوسيلة من الوسائل السلمية لحل المنازعات الدولية . ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في الدورة 22 سنة 1967 على القرار رقم 2329 الذي حث الدول على الاستفادة أكثر من الوسائل المتوفرة لجمع الحقائق وفقا للمادة 33 من الميثاق . كما طلبت الجمعية العامة من الأمين العام إعداد قائمة بالخبراء الذين قد يستفاد منهم في جمع الحقائق .
وبصفة لإجمالية فإن مهمة لجان التحقيق تقتصر على سرد الوقائع دون إبداء رأي في المسؤوليات بأي شكل من الأشكال . وعادة ما تستخلص المسؤوليات من التقرير الموضوعي لسرد الوقائع . ويبقى أطراف النزاع أحرارا في الأخذ بما جاء في التقرير أو رفضه .
2- التوفيق :
يعتبر التوفيق إجراء حديثا نسبيا من إجراءات التسوية السلمية للمنازعات الدولية ، وعادة ما تتولاه لجنة يطغى على تشكيلها العنصر الحيادي ، كأن تتشكل اللجنة من خمسة أعضاء يعين كل طرف منهم عضوا ويعين الثلاثة الباقون باتفاق الطرفين من رعايا دول أخرى.
ويمكن أن تتميز اللجنة بطابع الديمومة بحيث تنشأ بمقتضى اتفاقية دولية ويحق لأي من الطرفين لاحقا اللجوء إليها . كما يمكن أن تنشأ بعد نشوب النزاع ، وتتميز بالتالي بالتأقيت بحيث ينتهي وجودها بانتهاء مهمتها . وقد انتشر هذا الأسلوب بعد الحرب العالمية الأولى على الخصوص حيث نص العديد من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف على إنشاء لجان دائمة خول بعضها حتى عرض خدماتها على أطراف النزاع دون أن يوجه إليها طلب بذلك من قبلهم . ونص البعض الآخر على إنشاء لجان مؤقتة بعد نشر النزاع .
ويهدف التوفيق في الأصل إلى تسوية المنازعات المتعلقة بتنازع المصالح وتعارضها مقارنة بتنازع الحقوق وتعارضها والذي يسوي عادة على أساس تطبيق القواعد القانونية .
فالتوفيق إذن إجراء شبه قضائي يتوسط التحقيق والتحكيم . فهو من جهة يتطلب وجود جهاز يكلف من الطرفين المتنازعين ببحث كل جوانب النزاع واقتراح حل له ، على عكس التحقيق الذي لا يهتم -من حيث المبدأ _ إلا بسرد الوقائع دون اقتراح حل للنزاع ومن الفوارق كذلك بين لجان التوفيق ولجان التحقيق أن هذه الأخيرة مؤقتة تنتهي بانتهاء التحقيق ، أما لجان التوفيق فكثيرا ما تتميز بطابع الديمومة .
ومن جهة أخرى فإن التوفيق يختلف عن التحكيم من حيث أن هذا الأخير يتوج بحكم إلزامي بينما ينتهي الأول باقتراحات يتمتع أطراف النزاع بحرية كاملة في قبولها أو رفضها . ومن ثم فإن التوفيق يتميز بمرونة أكثر من التحكيم ولا يمس بحرية وسيادة أطراف النزاع.
وقد شجعت هذه الميزة معهد القانون الدولي على اقتراح نموذج لتسهيل إنشاء لجان التوفيق وتوضيح كيفية عملها لاعتقاده بأن الحلول التي تقترحها هيئة حيادية حول كيفية تسوية النزاع دون إلزام الأطراف بذلك يمكنها إقناع الحكومات التي تكون مترددة في استخدام الحلول الأكثر إلزامية .
ويمكن أحيانا أن يتم النص على التوفيق الإلزامي . إلا أن الإلزامية في هذه الحالة تتعلق باللجوء إليه لا بنتائجه . وبمعنى آخر يمكن لأي من الطرفين عرض النزاع على لجنة التوفيق لتقديم اقتراحات حول كيفية تسويته بالطابع الإلزامي (نصت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 على التوفيق الإلزامي بالنسبة لبعض مسائل الصيد
مزايا وعيوب الوسائل الدبلوماسية لتسوية المنازعات الدولية
مزايا الوسائل الدبلوماسية :
1- الحلول التوفيقية :
غالبا ما تفضل الدول اللجوء إلى الوسائل غير التحاكمية لتسوية منازعاتها الدولية نظرا لقدرة هذه الوسائل على تقديم حلول توفيقية لطرفي النزاع بحيث لا يتحصل أحدهما على كل شيء ويخسر الآخر كل شيء وإنما يتحصل كل طرف على شيء ما تتفاوت نسبته تبعا لظروف النزاع وأهميته وعلاقاته بمنازعات أخرى بين الطرفين بحيث يمكن إبرام صفقة بينهما يكون أساسها التنازلات المقدمة من كل طرف وعلى العكس من ذلك فإن المحاكم الدولية _خاصة محاكم العدل _ تتقيد بالقواعد القانونية السارية المفعول عند فصلها في النزاع المفروض عليها وتكون النتيجة وجود طرف فائز وآخر خاسر ، وتساعد الإمكانيات التي توفرها الدبلوماسية الثنائية التقليدية والدبلوماسية الحديثة المتعددة الأطراف على ممارسة الضغط وتجنيد أطراف ثالثة لدعم الحلول التوفيقية وإبرام الصفقات ، وتعد هذه العوامل مستبعدة في العملية القضائية , كما أن المبدأ المعروف " فاوض باستمرار " يساعد على التوصل إلى حلول توفيقية ، فالمزاج الدبلوماسي عادة ما يفضل حلول جزئية توفيقية على الحلول المطلقة والصارمة.
2- المرونة :
من المزايا التي استندت إليها الدول كذلك في تفضيلها للوسائل الدبلوماسية المرونة التي تتسم بها هذا الوسائل . فقد تتضمن تقرير اللجنة الخاصة بمبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول المقطع التالي : "...فقد لبت المفاوضات _بطبيعتها_ وفي أغلب الحالات الحاجة إلى تسوية فورية ومرونة النزاعات الدولية ..." , ويمكن أن تتخذ هذه المرونة أوجه متعددة . فالوسائل الدبلوماسية عديدة ومتنوعة بحيث يمكن لطرفي النزاع اختيار أكثر الأجهزة ملائمة لطبيعة النزاع وملابساته وأكثرها ملائمة من حيث الآثار التي قد تترتب على التسوية المقترحة واستبعاد كل الأجهزة الأخرى التي يقتنع الطرفان بعدم لائمتها.
3- التعامل مع النزاع من مختلف جوانبه :
أن الحل القضائي قد لا يتعامل مع الأسباب الحقيقية للنزاع . فالمحكمة ملزمة _ باعتبارها محكمة قانون _ بالتركيز على المسائل القانونية المباشرة المعروضة عليها والتي قد لا تكون لها علاقة مباشرة بالمصدر الحقيقي للنزاع , بينما تمكن الوسائل التحاكمية من التعامل مع مختلف جوانب النزاع . ويمكن أن يتحقق ذلك في إطار الجهاز الواحد أو من خلال تعاون مختلف الوسائل الدبلوماسية . صحيح أن استخدام الوسائل التحاكمية لا يتعارض إطلاقا مع استخدام الوسائل الدبلوماسية ، بل أنهما يتكاملان ويمكن للوسائل التحاكمية أن تساعد على تسوية تتم خارج المحكمة يتبعها وقف الإجراءات التحاكمية وشطب القضية من الجدول ، إلا أن الوسائل الدبلوماسية قد تكون أنجع لحل المشاكل والمنازعات المعقدة والمترابطة .
4- احترام استقلال الأطراف ورغباتهم :
تختلف الدول عن الأفراد من حيث حرصها على سيادتها وتمسكها باستقلالها ، وخاصة الدول الجديدة التي لم تتحصل على هذا الاستقلال إلا بعد دفع ثمن غال . وترى هذه الدول أن التأكيد على الحقوق السيادية يشكل أداة عملية لترقية ذلك الاستقلال . ونجم عن هذا التمسك بالسيادة والاستقلال نفور أغلبية الدول الجديدة من الوسائل التحاكمية وتمسكها بمبدأ الاختيار الحر- كما سبق أن رأينا- وتفضيلها للوسائل الدبلوماسية التي يتم اختيارها بإدارة حرة بعد نشوء النزاع ، والتي تفرض عليها حلولا إلزامية ، والحقيقة أن هذا الموقف ليس حكرا على الدول الجديدة بل تمسكت به الدول العظمى قبلها . فقد رأت هذه الدول أن تقييد سيادتها بقبول ولاية إلزامية عامة وتلقائية للمحاكم الدولية يعد تقييدا للسيادة وبالتالي استسلاما لا يمكن قبوله . وكان تمسك الدول العظمى بهذا الموقف سببا لفشل الاقتراح الذي قدمته لجنة الحقوقيين الاستشارية في مشروع النظام الأساسي للمحكمة الدائمة سنة 1920 والذي نص على منح هذه المحكمة ولاية إلزامية تلقائية وحقيقية رغم أن أغلبية الدول الأخرى تمسكت به .
5- سهولة الإجراءات وسرعتها وقلة التكاليف :
لا يتطلب استخدام الوسائل الدبلوماسية إجراءات طويلة ومعقدة كتلك التي يتطلبها استخدام الوسائل التحاكمية ابتداء من رفع الدعوى وكيفية إدارة المرافعات الكتابية والشفوية والمدة اللازمة لتقديم المذكرات والمذكرات الجوابية والمداولات وكتابة الآراء الانفرادية من أجل إصدار حكم قد يكون بعدم الاختصاص أو بعدم قبول الدعوى بعد فترة قد تصل إلى عدة سنوات ، أو تأكيد الاختصاص ومن ثم بداية مرحلة جديدة من الإجراءات قد لا تنتهي إلا بعد انقضاء سنوات أخرى . بينما يمكن استخدام بعض الوسائل الدبلوماسية بصفة فورية ومباشرة دون حاجة إلى إتباع أية إجراءات أو بإتباع إجراءات تحدد تفاصيلها بحرية كاملة من قبل أطراف النزاع .
6- محدودية الإشهار:
عادة ما تكون التسويات التي تتم بالطرق الدبلوماسية – خاصة ما تم منها بواسطة المفاوضات الدبلوماسية المباشرة أو الوساطة والتوفيق والتحقيق والمساعي الحميدة – أقل إشهارا وإثارة مقارنة بالمحاكم الدولية ، بل كثيرا ما يغلب طابع الكتمان على هذه الوسائل .
7- أثر السوابق أقل :
تساعد السرية ومحدودية الإشهار على مرونة حركة الجهاز الدبلوماسي الذي يتولى الفصل في النزاع وتمكنه من أن يأخذ بعين الاعتبار كل الجوانب العملية للقضية دون أن يكترث بالآثار بعيدة المدى . وتتمتع اغلب الإجراءات التحاكمية – باستثناء أجهزة المنظمات الدولية ربما – بحرية أكبر للحركة مقارنة بالأجهزة الدبلوماسية . فالدول غير ملزمة بأن تتقيد بإجراءات محددة عند التفاوض بل يمكنها أن تدبر تلك المفاوضات بأية طريقة تتفق عليها . وهي غير ملزمة بإتباع نفس الطريقة أو الإجراءات مستقبلا . ويصدق الحكم ذاته على الوساطة والمساعي الحميدة مثلا. كما يمكن للدول أن تتفق على أحكام موضوعية مغايرة للأحكام التي سبق اعتمادها عند تسوية نزاع سابق .
8- ملائمة تطبيق قواعد العدل والإنصاف :
تتقيد الأجهزة التحاكمية – بطبيعتها –بقواعد القانون الدولي السارية المفعول وقت الفصل في النزاع . فمهمتها الأساسية تتعلق بما هو كائن لا بما يجب أن يكون . فالادعاءات والمطالب المتعلقة بتغيير الأوضاع والمصالح القانونية تجد مكانها في المحافل الدولية الأخرى خارج المحاكم الدولية . بينما لا تتقيد الوسائل الدبلوماسية بهذه القيود . ولذلك فإنها تعد أكثر ملائمة لتسوية القضايا وفقا لقواعد العدل والإنصاف . فهذه الأجهزة قادرة على أن تأخذ بعين الاعتبار التطورات والأعمال الجارية لتعديل وضعيات قانونية قديمة ، بل يمكنها أن تفصل في المنازعات المعروضة عليها وفقا لهذه التطورات فقط متى وافق أطراف النزاع على ذلك ، وأن تؤسس قراراتها أو توصياتها على اعتبارات سياسية أو اقتصادية أو دينية خالصة . كما يمكن للجهاز المعني أن يقدم بدائل جديدة جذابة . ربما في مجالات غير مرتبطة مباشرة بالمسألة موضوع النزاع ، وتوسيع سياق المشكلة . ويمكن مقابلة تنازلات خاصة بمسألة ما بتنازلات تتعلق بمسألة أخرى ، واعتماد أسلوب الصفقة .
9- القدرة على التعامل مع جميع المنازعات :
الوسائل الدبلوماسية تلاءم مع جميع المنازعات مهما كانت طبيعتها وذلك لتعدد الوسائل فيها بما يتلاءم مع هذه النزاعات.
10- الالتزام حقيقي ومجسد وليس عاما :
أن استخدام الوسائل الدبلوماسية لا يتم إلا بناء على موافقة الطرفين التي تتم بعد نشوب النزاع, وحتى في الحالات التي يمكن فيها لأحد طرفي النزاع أن يلجأ بإدارة منفردة إلى جهاز سياسي ما ، فإن سلطات هذا الجهاز السياسي تبقى مجرد توصيات لا يمكن أن تفرض على الطرف الآخر .
11- عن الشرعية قد يكون أسهل في إطار جهاز سياسي :
قد يساعد عامل صعوبة توقع الدولة لنتيجة الحكم ، على اختيار اللجوء إلى جهاز سياسي ، خاصة إن كانت تلك الدولة تسعى إلى إضفاء الشرعية على موقفها أو الحصول على دعم الرأي العام العالمي لها . فقد تعتبر تلك الدولة أنه من الأسهل لها إقناع وحدات سياسية يكون بعضها أو أغلبها متعاطفا معها من المغامرة بمحاولة إقناع جهاز محافظ وحيادي . من الأفضل لها سياسيا البحث عن دعم جهاز سياسي معين .
12- سلطات الجهاز الدبلوماسي قد تكون أكثر فعالية :
يصدق هذا بصفة خاصة على الأجهزة السياسية التي تملك إمكانية خاصة مدعمة من قبل الدول العظمى ، أو الأجهزة المالية الدولية ،ويمكن لهذه الأجهزة أن تستخدم سلطات خاصة بطريقة فعالة لتسوية النزاع . كما أن استخدام الجاهز المعني لإمكانياته الخاصة قد يلعب دورا هاما في تسهيل التوصل إلى حل لنزاع قائم .
13- الطابع غير الإلزامي قد يساعد على احترام القرار :
تتوج الوسائل غير التحاكمية باقتراحات أو توصيات يتوقف مصيرها على موقف طرفي النزاع منها . فإذا رفضها أحدهما فقط فقدت قيمتها . ويمكن القول إذن أن الحلول التوفيقية لا تعتبر حلولا كاملة مادامت المنازعات لا تسوى بصفة نهائية . إلا أن القبول الاختياري للتسوية يمكن أن يدعم فعالية الحلول غير الملزمة .
14- الوسائل الدبلوماسية تساعد على الإبقاء على النزاع قائما :
يمكن اعتبار هذا العامل عيبا من عيوب الوسائل الدبلوماسية ، ولكنه يعتبر ميزة بالنسبة للدولة المعنية باختيار وسيلة من الوسائل التي تخدم مصالحها الحيوية الخاصة ، فقد لا ترغب دولة في تسوية نزاعاتها مع دولة أخرى نهائيا بل تظهر بمظهر المهتم . ولتفادي اللجوء للوسائل التحاكمية التي تضعها أمام قرار نهائي ملزم.
15- الدور المزدوج الوقائي – العلاجي :
تتميز الوسائل الدبلوماسية بالمرونة والقابلية للتكيف مع كل الظروف . فتكون قادرة على القيام بدور مزدوج : قبل وبعد نشوء النزاع . والدبلوماسية أكثر الوسائل قدرة على القيام بدور وقائي يحول دون نشوب النزاع أصلا ، ودور في تسوية النزاعات القائمة لاحقا .
16- الدور البارز للمفاوضات في تطوير القانون الدولي :
يعتبر العصر الحالي عصر مفاوضات لما للمفاوضات من دور مهم في صياغة قواعد جديدة للقانون الدولي ، من خلال صياغة اتفاقيات دولية في إطار مؤتمرات دولية أم خارجها ، وكذلك للمعاهدات ، فكثيرا ما تحذف نصوص أو تعدل وتضاف أخرى جديدة .
17- لا تفرض الوسائل الدبلوماسية على الدول اتخاذ موقف :
المفاوضات المباشرة تشكل وسيلة لا تلزم أطرافا ثالثة باتخاذ موقف محدد بشأن المنازعات التي لم تؤثر على مصالحها أو تهدد السلم والأمن الدوليين .
18- إمكانية استخدام الضغط داخل الأجهزة السياسية :
تسمح الوسائل الدبلوماسية بممارسة مختلف صور الضغط السياسي المتوفرة ، كتجنيد أطراف ثالثة للتصويت مع القرار أو التوصية ، واستخدام وسائل الضغط الاقتصادية والمالية من جانب الدول الغنية .
عيوب الوسائل الدبلوماسية :
1- الحلول التوفيقية قد لا تكون عادلة :
رأينا أن الوسائل الدبلوماسية عادة ما تتوج بحلول توفيقية وتتفادى الحلول الصارمة التي تقدم إلى أحد الطرفين كل شيء . إلا أن الميل للحلول التوفيقية قد يؤثر عكسيا على موضوعية وقانونية القرار أو الحل المقترح ، ويخلق نوع من الريبة القانونية .
2- عدم التلاؤم مع مصالح الضعيف :
انتقدت بعض الوسائل الدبلوماسية على أساس أنها تضع الطرف الضعيف تحت رحمة الطرف القوي . فمثلا المفاوضات الدبلوماسية المباشرة إما أن تجري بين طرفين متساويين في القوة ، وتكون هنا المفاوضات عقيمة لعدم اضطرار أي من الطرفين لتقديم تنازلات ، فيصبح تدخل طرف ثالث ضروري باستخدام وسيلة أخرى من الوسائل الدبلوماسية أو التحاكمية .
وإما أن يكون أحدهما أقوى من الثاني ويفرض الطرف القوي إرادته على الطرف الضعيف.
3- خطر استخدام الجهاز السياسي لسلطته ونفوذه وميله لحماية مصالحه الخاصة :
سبقت الإشارة إلى أن الأجهزة السياسية يمكنها أن تستخدم سلطاتها ونفوذها عند تسوية المنازعات المعروضة عليها . إلا أن هذا الاستخدام لا يكون بالضرورة إيجابيا بل يمكن كذلك أن يكون سلبيا ، وبخاصة إذا كان لدولة كبرى أو مجموعة من الدول تأثيرا على كيفية أداء ذلك الجهاز لوظائفه . كما يمكن للجهاز السياسي أن يسيء استخدام سلطته ونفوذه . وقد تكون محاولة حماية المصالح الخاصة للجهاز بصفة غير مبررة على حساب أطراف النزاع جليه .
4- عدم ملائمة بعض الأجهزة السياسية لتسوية معقولة :
شكك بعض الفقهاء في مدى ملائمة بعض الأجهزة السياسية الهامة التي أنشئت خصيصا لتحقيق السلم والأمن الدوليين ، كالأمم المتحدة ن لتسوية ما يعرض عليها من منازعات بطريق ملائمة نظرا للضغوط المفروضة عليها من جميع الكتل المتضاربة أيديولوجيا وسياسيا واقتصاديا . فالوفود قد لا تذهب للأمم المتحدة لتسوية منازعاتها ولكن لربح قضاياها .
5- لا يمكن عرض النزاع في الكثير من الحالات على الجهاز السياسي المعني :
لا يمكن عرض النزاع في الكثير من الحالات على الجهاز السياسي المراد استخدامه لتسوية النزاع إلا بعد موافقته . ويمكن أن يكون الحصول على الموافقة صعبا للغاية في بعض الحالات . أو قد يرفض الجهاز المعني تدخله ؛ بحجة رؤيته لتدخله غير ملائم ، أو لا يتلاءم مع مصالحه وعلى العموم فإن عرض المنازعات على طرف ثالث يتوقف على موافقة هذا الأخير .
6- عدم توافر بعض الأجهزة المفضلة :
قد يفضل أحد طرفي النزاع أو كلاهما عرض النزاع على جهاز سياسي معين نظرا لأهمية النزاع أو أهمية الجهاز المعني بالنسبة لذلك الطرف أو لكليهما . في حين أن انعقاد هذه المؤتمرات غير منتظم ، كما أنها قد ترفض الانعقاد في دورة استثنائية لأسباب سياسية ، او أنها قد تعبر عن النزاع المعني غير مهم لدرجة تبرر انعقادها أو لا يمكن الحصول على الأغلبية اللازمة لانعقاد الجهاز المعني .
ويفضل أو يفضلان عرضه على الجمعية العامة بدلا من مجلس الأمن على أساس أن هذا الأخير خاضع لسيطرة الدول الكبرى ، نظرا لأن الجمعية العامة أكثر قدرة على تفهم مواقف هذه الدول وإصدار التوصيات اللازمة .
7- استخدام الوسائل الدبلوماسية لأغراض دعائية :
رأينا أن الوسائل التحاكمية يمكن أن تستخدم لأغراض دعائية وتنكيدية إلا أن الوسائل الدبلوماسية لا يمكن أن تستخدم هي الأخرى للغرض نفسه ، بل على العكس من ذلك فإن استخدامها بهذه الطريقة أسهل ، كما تؤكد الممارسة الدولية .
8- عدم وحدة القرارات وأثر ذلك على تجزئة القانون الدولي :
من عيوب الأجهزة الدبلوماسية عدم وحدة القارات الخاصة والحلول المتوصل إليها . وهذا يشكل مصدر خطر على التطور الموحد للقانون الدولي . إذ يمكن أن يؤدي تنازع تلك القرارات وعدم خلقها للسوابق وضعف سلطات الأجهزة التي أصدرتها إلى تجزئة القانون الدولي والاختلاف حول تفسيره وتطبيقه .
9- الاستخدام غير الإلزامي للوسائل الدبلوماسية :
لا يتعلق هذا العيب بطبيعة الحلول التي تقدمها الوسائل الدبلوماسية وإنما بكيفية استخدام هذه الأجهزة مقارنة بالوسائل التحاكمية . فبينما يمكن للدول أن تتفق مسبقا على تسوية فئة أو فئات محددة أو جميع ما قد ينشأ بينها من منازعات قانونية بواسطة محكمة دولية بحيث يستطيع أي منهما أن يلجأ إلى المحكمة بإرادته المنفردة بغض النظر عن موقف الطرف الثاني في النزاع ، أي التحاكم الإلزامي .
10- عدم صلاحية بعض الوسائل الدبلوماسية لتقييم الوقائع بصفة موضوعية:
قد يصعب على أطراف النزاع أو على الغير تقييم وقائع النزاع بصفة موضوعية ونزيهة في حالة اعتماد بعض الوسائل الدبلوماسية . وقد أشار تقرير اللجنة الخاصة بمبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقا لميثاق الأمم المتحدة إلى هذا العيب باعتباره لصيقا بالمفاوضات. وقد يصعب كذلك على الوسيط أو على الطرف الثالث الذي يعرض مساعيه الحميدة أن يقيم بصفة موضوعية وقائع النزاع .
11 - عدم ملائمة الوسائل الدبلوماسية لبعض المنازعات :
رأت بعض الدول أثناء المناقشات المتعلقة بمسألة مدى منح المفاوضات المباشرة أهمية قانونية خاصة مقارنة بالوسائل الأخرى لتسوية المنازعات الدولية أنه يجب أن تحظى هذه الوسيلة بعناية خاصة نظرا لقدرتها على تسوية كل المنازعات .
إلا أن بعض الدول الأخرى اعتقدت العكس وأشارت إلى أنه " لا يمكن استخدامها لتسوية بعض أنواع المنازعات ". ويمكن أن نتصور عجز المفاوضات المباشرة وكذلك لها أهمية خاصة بالنسبة لأطراف تربطهم علاقات عدائية بسبب تلك المنازعات أو غيرها .
12- الوسائل الدبلوماسية لا تضمن تسوية النزاع :
قد تعجز الوسائل الدبلوماسية عن تسوية النزاع بسبب فشلها في تقديم حل مقبول أو بسبب رفض الطرفين أو أحدهما للحل المقترح . فالوسائل الدبلوماسية تتوج –كقاعدة عامة- بحلول لا تتعدى كونها مجرد اقتراحات وتوصيات قد تقبل أو ترفض . وتساعد هذه الوسائل – وبخاصة المفاوضات – على اتخاذ مواقف متصلبة في أية لحظة أو حتى العودة إلى نقطة الصفر .
كما يمكن للمفاوضين أن يستمروا في المفاوضات إلى ما لا نهاية مع الإبقاء على المسائل التي تتطلب حلولا مستعجلة معلقة . ويمكن أن يعمق هذا المنهج كذلك من حدة التوتر .