
العراق : تحديات وإشكالات مابعد الانسحاب الأميركي
ا.د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
تمهيد :
بذلت الولايات المتحدة الأمريكية قبل غزوها للعراق ، والذي ابتدأ في 20 آذار-مارس 2003 ، وإسقاط النظام السياسي القائم فيه في التاسع من نيسان-ابريل2003 ، جهودا حثيثة في مجلس الأمن للحصول على غطاء شرعي لما كانت تنوي فعله ، ولكنها فشلت ،فقررت خوض الحرب بدون ذلك،وتحالفت مع بريطانيا وبعض الدول الأخرى الموالية لها .
كانت خطة الحرب هي الجزء الثاني من خطة ( عاصفة الصحراء التي طبقتها في حرب الخليج الثانية 1991) . وقد أشار بوب وودوارد Bob woodward في كتابه : ( خطة الهجوم ) Plan Attack الذي أصدره سنة 2004 إلى أن الخطة مكتوبة في 20 صفحة بعنوان ((خطة العمليات 1003 )) مضافا إليها 20 ملحقا مكونا من 600 صفحة تتضمن الأمور اللوجستية والاستخبارات والعمليات البرية والجوية وقال : انه بعد الحادي عشر من أيلول –سبتمبر 2001 ، ربط الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بين ( الإرهاب) و( غزو العراق). وأضاف : ((انه ليس من الضرورة أن نعثر أو لانعثر في العراق على أسلحة الدمار الشامل .. لكننا نفهم طبيعة صدام حسين وقدرته على إيذاء أمريكا )) وذكر وود وارد أن كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي السابقة وزيرة الخارجية فيما بعد ، قالت انه (( بالرغم من عدم العثور على أسلحة الدمار الشامل حتى اليوم في العراق ، إلا أن النتائج على المدى الطويل في العراق ، أكثر أهمية )) ... وكما قال الرئيس بوش ((فإننا خلقنا عراقا حرا ديمقراطيا مزدهرا ... وكانت الحملة على العراق رائعة ، إذ تم انجازها ، كما قال بول ولفويتز، نائب وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ، بأقل قدر من الخسائر البشرية الأمريكية . كما أن الحرب جرت دون تدخل إسرائيلي ، ولم يتم استخدام أسلحة دمار شامل ، ولم يحدث تدمير لحقول النفط العراقية ، ولم يحدث تدخل خارجي من قبل إيران أو تركيا ، ولم تقع اضطرابات عرقية ... هذا هو الجانب الايجابي من الحرب ضد العراق ... ان الحرية هي طموح أنساني في العالم كله ....)) .
مشكلات ما بعد الاحتلال :
وبعد انتهاء العمليات العسكرية الكبرى، وجدت الإدارة الأمريكية نفسها أمام مشكلتين:أولاهما أنها لم تكن تمتلك خطة واضحة تساعد في السيطرة على الأوضاع في العراق خاصة بعد قرار سلطة الائتلاف المؤقتة Coalition Provision Authority (CPA) التي شكلتها لإدارة العراق برئاسة السفير بول بريمر ، حل الجيش العراقي،والأجهزة الأمنية والاستخباراتية ،وفتح الحدود العراقية على مصراعيها . وقد أدى ذلك إلى خلق حالة من الفوضى والارتباك وعدم الاستقرار لانزال -حتى كتابة هذه السطور- نعيش تبعاته .
والمشكلة الثانية التي أصبحت تواجهها الولايات المتحدة في العراق ، هي أنها صارت وجها لوجه أمام عمليات مقاومة وطنية وإسلامية (سلمية ومسلحة) ليس من الممكن والسهولة إخضاعها لذلك اتجهت إلى مجلس الأمن ، وتمكنت من الحصول على القرار 1483 (2003) ، الذي عدها دولة محتلة تترتب عليها تبعات وواجبات متعددة ، ولعل في مقدمتها السعي باتجاه تشكيل سلطة أو حكومة وطنية . وفي 13 تموز-يوليو 2003 أقدمت على تشكيل مجلس الحكم من ممثلي الأحزاب السياسية العراقية التي كانت على صلة بها بشكل أو بآخر قبل سقوط النظام السابق ، وهي حركة الوفاق الوطني ،وحزب المؤتمر الوطني العراقي ، والمجلس الأعلى الإسلامي ، وحزب الدعوة الإسلامية، والاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الشيوعي العراقي، والحزب الديمقراطي الكردستاني،والحزب الإسلامي العراقي . وفي الأول من أيلول 2003 ، تشكلت الحكومة العراقية الانتقالية . وفي 8 آذار-مارس 2004 ، اصدر مجلس الحكم (قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ) . وقد أكد القانون على أن المرحلة الانتقالية تبدأ في 30 حزيران-يونيو 2004 وتنتهي عند تشكيل حكومة عراقية منتخبة بموجب دستور دائم وذلك في موعد أقصاه 31 كانون الأول-ديسمبر 2005 .وقد جاء إصدار هذا القانون تنفيذا لاتفاق تم عقده بين مجلس الحكم وسلطة الائتلاف المؤقتة في 15 تشرين الثاني-نوفمبر 2003 ،والذي يؤسس- كما أعلن في حينه - لنظم سياسي اتحادي ديمقراطي تعددي يتمتع في أفراد الشعب العراقي قاطبة بالحقوق الأساسية للإنسان . ونص على تأكيد الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ،والمساواة التامة بين الناس بصرف النظر عن الجنس أو المذهب أو الدين، وضرورة ضمان الحريات العامة ،وحق الفرد بالتعليم والصحة ،وتوفير فرص العمل . وقيل أن اللجنة التي وضعت القانون كانت برئاسة الدكتور عدنان الباجه جي لكنها كانت تستأنس بمشورة الدكتور نوح فيلدمان وهو رجل متخصص بالقانون الدستوري وهو أميركي من أصل يهودي عراقي .
كانت الحكومة العراقية المؤقتة هي السلطة الرابعة التي تشكلت في العراق عقب الاحتلال .وقد حلت محل سلطة الائتلاف المؤقتة ومجلس الحكم .وقد تضمنت هذه الحكومة رئيسا للجمهورية هو غازي مشعل الياور ونائبان للرئيس هما الدكتور إبراهيم الجعفري وروز نوري شاويس والى جانبهم رئيس للوزراء هو الدكتور أياد علاوي .أما الحكومة العراقية الانتقالية فحلت محل الحكومة العراقية المؤقتة في الثالث من مايس –مايو 2005 . وتم التصديق على هذه الحكومة من قبل ما كان يسمى ب "الجمعية الوطنية العراقية المؤقتة " في 28 نيسان –ابريل 2005 .وقد بدأت هذه الفترة الانتقالية والتي يقصد بها الانتقال التدريجي بالعراق إلى حكومة وبرلمان دائميين بانتخابات الجمعية الوطنية العراقية المؤقتة في 30 كانون الثاني-يناير 2005 .وكانت المهمة الرئيسة لهذه الجمعية اختيار مجلس الرئاسة الذي تكون من السيد جلال الطالباني رئيسا للجمهورية ، ونائبين هما الشيخ غازي مشعل الياور والدكتور عادل عبد المهدي نائبين له. وقام الثلاثة باختيار الدكتور إبراهيم الجعفري ليكون رئيسا للوزراء . وكمان من المهام الرئيسة لهذه الحكومة الإعداد للانتخابات واختيار برلمان وحكومة دائمية مدتها أربع سنوات، والتصديق على مسودة الدستور الدائم .وفي 15 تشرين الأول-أكتوبر 2005 شهد العراق الاقتراع الثاني في الانتخابات بعد الاحتلال حيث صوت العراقيون على مشروع الدستور وبعد إقرار المشروع أصبحت الخطوة القادمة هي إجراء انتخابات برلمانية يوم 15 كانون الأول-ديسمبر 2005 بهدف تكوين مجلس نواب له صلاحيات دستورية كاملة لدورة تستمر أربع سنوات .وجرت الانتخابات وتم اختيار 275 عضوا في مجلس النواب ، وبدأت الخطوات لتشكيل حكومة أطلق عليها حكومة وحدة وطنية برئاسة السيد نوري المالكي .
أخطاء الإدارة الأميركية في العراق :
صدر عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في 23 كانون الأول-ديسمبر 2003 تقرير وضعه الخبير الاستراتيجي الأمريكي انطوني كوردسمان، أشار فيه إلى الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها الإدارة الأمريكية في العراق بعد الاحتلال وأبرزها :( حل الجيش العراقي) و( الفشل في إيجاد توازن بين القوى السياسية)، و( التشجيع على مبدأ المحاصصة الطائفية) و( الفشل في ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار )، و ( الفشل في إيجاد موازنات جديدة في العلاقات مع جيران العراق تكفل عدم تهديدهم له او تدخلهم في شؤونه) . وأخيرا ( عدم القدرة على إعادة الأعمار)، و( الفشل في تفعيل الخدمات الضرورية للمواطنين كالماء والكهرباء والتعليم والصحة ) .
كما نشرت مجلة (الشؤون الخارجية Foregin Affaris) الأمريكية في أعدادها التي صدرت بين أيلول-سبتمبر ـ تشرين الأول-أكتوبر 2004 وتشرين الثاني –نوفمبر ـ كانون الأول –ديسمبر 2004 ، وكانون الثاني-يناير ـ شباط –فبراير 2005 ، سلسلة دراسات كتبها أساتذة وأكاديميون أمريكيون متخصصون بالشأن العراقي ،كشفوا فيها ما أطلقوا عليه ( أخطاء الإدارة الأمريكية في العراق) ومنها القرار بحل الجيش العراقي (مايس-مايو 2003) . ومن ابرز الذين كتبوا هذه الدراسات (روبرت تكر ) و ( وديفيد هندرسون ) و( لاري دياموند) .
كما كشفت مجلة الأهرام العربي الأسبوعية المصرية في الرابع من حزيران 2005 عن أنها حصلت على نص وثيقة أمريكية سرية تتألف من (30) صفحة أطلق عليها: ((خريطة الطريق العراقية )) بشأن خروج القوات الأمريكية من العراق في نهاية السنة 2005 . وقالت المجلة أن الخارطة تتضمن أربعة عناصر تتمثل بـ ( عقد مؤتمر مصارحة ومصالحة عراقية ، وصياغة بروتوكول واتفاق تفاهم شرف مشترك ، وتبني مشروع مارشال عالمي لأعمار العراق ، على أن تصبح القوات العسكرية الموجودة الآن في العراق تحت قيام الأمم المتحدة وتتحول إلى قوات حفظ سلام ) . وأوضحت الخطة أنها تسمح بقدوم قوات عسكرية من دول عربية وإسلامية إلى العراق لحفظ الأمن، وتدريب الشرطة والجيش العراقيين لحين إتمام العملية السياسية ، وكتابة الدستور الدائم . وأشارت المجلة إلى أن الوثيقة وضعت من قبل ارفع الشخصيات والقيادات والتيارات السياسية العراقية الحكومية. فضلا عن الجماعات المعارضة والرافضة للاحتلال .
دعوات للانسحاب من العراق :
وقد بدأت تظهر في الكونغرس الأمريكي دعوات للانسحاب من العراق، ومواجهة الخسائر التي باتت تعاني منها القوات الأمريكية (قتل أكثر من 4400 جندي أميركي بالعراق منذ 2003 وحتى 2010 حسب إحصائيات موقع "أي كاجويلتيز دوت أورغ" المستقل. كما قدرت الخسائر الأميركية للحرب هناك بمئات المليارات من الدولارات ).
كما عقد الكونغرس جلسات استماع عديدة منها جلسة يوم 19 حزيران-يونيو 2005 وتحدث فيها عدد من المتخصصين بالشأن العراقي أمثال الدكتورة فيبي مار ، والدكتور نوح فيلدمان والسيدة جودي فان رست ،والسناتور جوزيف بايدن . وقد تأكد في الجلسة تنامي القناعة لدى المسؤولين الأمريكيين بضرورة حل مشكلة العراق، وإشراك كل أطياف المجتمع العراقي في العملية السياسية ،والابتعاد عن الدخول في التفاصيل المثيرة للجدل، والسعي باتجاه تأجيلها . وقد بدأت بعض المصادر تتحدث عن محادثات بين مسؤولين دبلوماسيين ورجال استخبارات أمريكيين من جهة ،وبعض أطراف المقاومة العراقية للخروج من المأزق الأميركي الكبير في العراق .
الدستور والانتخابات ونتائجها :
جاء اختيار السيد نوري المالكي بعد وقوع أزمة سياسية استمرت قرابة أربع أشهر ،نتيجة تمسك الدكتور إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء المنتهية ولايته ، بمنصبه واعتراض البعض الآخر على ترشحه لرئاسة الوزراء وفي يوم 22 نيسان –ابريل 2006 كلف السيد جلال الطالباني رئيس الجمهورية السيد نوري المالكي بتشكيل حكومة وصفها التكليف بان "تكون قادرة على التعاطي مع مشاكل البلد الأمنية والاقتصادية ،ومواجهة الفساد الإداري ،ورفع الظلم عن كافة شرائح المجتمع العراقي ... " . ولكن هل استطاعت حكومة المالكي القيام بمهامها ؟
للإجابة على هذا السؤال لابد من الإشارة إلى أن الدستور العراقي الجديد يحصر السلطة الفعلية بيد رئيس الوزراء، فهو فضلا عن رئاسته لمجلس الوزراء فأنه القائد العام للقوات المسلحة .ويمارس رئيس الوزراء سلطته من خلال مجلس الوزراء الذي يتولى تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة، وإعداد مشروع الموازنة العامة، وخطط التنمية، والتوصية بالموافقة على تعيين وكلاء الوزارات والسفراء وأصحاب الدرجات الخاصة ،ورئيس أركان الجيش ومعاونيه ،ورئيس جهاز المخابرات ورؤساء الأجهزة الأمنية والتفاوض بشأن الاتفاقيات الدولية والتوقيع عليها وتكون مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء أمام مجلس النواب تضامنية .
حكومة المالكي: مالها وما عليها
والذي حصل أن السيد نوري المالكي –كما يقول خصومه – استفاد من بقائه بمنصبه للفترة من 2005 وحتى السابع من آذار سنة 2010 وهو اليوم الذي جرت فيه الانتخابات النيابية لاختيار 325 نائبا ،في تعزيز سلطته ،وتقوية نفوذه داخل الجيش والإدارة . وقد قام بإسناد الكثير من المناصب الإدارية والعسكرية إلى أقرباءه وأنصاره من أعضاء حزب الدعوة الإسلامية .وقد خاض انتخابات سنة 2010 بقائمة واحدة هي" ائتلاف دولة القانون" ،وحصل على 89 مقعدا في مجلس النواب مقابل 91 مقعدا حصل عليه منافسه الدكتور إياد علاوي رئيس القائمة العراقية . أما الائتلاف الوطني فقد فاز بـ70 مقعدا،والتحالف الكردستاني بـ43 مقعدا.
،ولايزال السيد المالكي حتى كتابة هذه السطور (27 اب 2010 ) ، متشبثا بموقعه .ومع أن مجلس النواب عقد جلسته الأولى في 14 حزيران –يونيو 2010 إلا انه علق اجتماعاته إلى إشعار آخر بسبب الأزمة السياسية المتعلقة بالخلافات حول تسمية رئيس الوزراء، وتفسير معنى مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا في المجلس الذي يحق له تشكيل مجلس الوزراء (المادة 73 من الدستور ) . وقد تم اختيار الدكتور فؤاد معصوم ليكون رئيسا للمجلس باعتباره الأكبر سنا .وصرح الدكتور معصوم بان قادة الكتل السياسية في المجلس اتفقوا على اعتبار حكومة المالكي حكومة تصريف أعمال ،فيما أبدى المالكي استغرابه لهذا الموقف .
وقال القيادي في ائتلاف دولة القانون كمال ألساعدي انه من " الغريب أن يبحث قادة الكتل السياسية مسألة تحويل الحكومة الحالية إلى حكومة تصريف أعمال، في وقت كان من المفترض بهم بحث المسألة الأهم وهي تشكيل الحكومة المقبلة".وبين ألساعدي أن"الدستور العراقي يشير في فقرتين فقط تقضي بجعل الحكومة حكومة تصريف أعمال وهما في حل مجلس النواب أو إقالتها وهذا لم يتحقق" ،معتبراً أن "القرار جاء مخالفاً للدستور، وان غاياته سياسية وإعلامية في محاولة الضغط على الحكومة وإحراجها" .وشدد على أن "الحكومة الحالية هي بحكم حكومة تصريف الأعمال كونها لا تعين موظفين بدرجة مدير عام ولا تعقد اتفاقيات خارج الإطار القانوني".وأشار ألساعدي أن"مجلس النواب إذا قرر وفق الإطار القانوني تحويل الحكومة الحالية الى حكومة تصريف الأعمال ، فأن المحكمة الاتحادية ستكون الفيصل بالموضوع".
أما القائمة العراقية ،فأكدت أن حكومة المالكي تمارس صلاحياتها خارج الدستور العراقي، وهناك نداءات داخلية وخارجية وجهت إلى الحكومة بهذا الصدد .ولم تتوصل الكتل السياسية الفائزة حتى الآن إلى توافقات لتشكيل الحكومة، في وقت يدور الخلاف حول أحقية الجهة المخولة بتشكيل الحكومة في ظل تمسك أكثر من طرف بهذا الحق وفقا لنتائج الانتخابات وتفسير المادة 76 من الدستور العراقي، حيث ترى القائمة العراقية (91 مقعد ويتزعمها علاوي) أنها الكتلة الأكبر التي يجب تكليفها بتشكيل الحكومة بناء على تحقيقها أعلى الأصوات في الانتخابات التي أجريت في 7 من آذار/ مارس الماضي، فيما ترى دولة القانون (89مقعد ويقودها المالكي) أن تفسير المحكمة الاتحادية للمادة الدستورية أعطى الحق للكتلة الأكبر بعد التحالف بتشكيل الحكومة.وكانت المحكمة الاتحادية قد أصدرت في 11 من تموز /يوليو تفسيرا جديدا للمادة 76 من الدستور العراقي مفاده أن "من حق الكتلة الأكبر التي تتشكل داخل مجلس النواب ترشيح رئيس الوزراء بعد أن يتم تكليفها من قبل رئيس الجمهورية".
ومع أن حكومة المالكي ، استطاعت تحقيق بعض الانجازات على الصعيد الأمني، وتمشية أمور الدولة ،إلا أن خصومه يتهمونه بان أسلوبه في الحكم يقوم على النهج التسلطي الدكتاتوري .كما أن حكومته فشلت في حل مشاكل الكهرباء ،والخدمات، والبطالة ، والوقود والحصة التموينية للمواطنين .ويبرر المالكي هذا الفشل في أن مجلس النواب لم يتعاون معه .كما انه عاجز عن تغيير أي وزير في حكومته لان الوزراء يتبعون قادة أحزابهم والكتل التي ينتمون إليها . وفوق هذا فهو مقيد بوجود القوات الأميركية وبوقوع العراق تحت بند الفصل السابع ،وعليه فأنه لابد من السعي لحل كل هذه الإشكالات وأبرزها ضمان انسحاب القوات الأميركية من العراق والتوقيع على اتفاقية تضمن ذلك .
مستقبل العلاقات العراقية – الأميركية :
وفي عهد المالكي تم التوقيع على ما سمي ب"إعلان مبادئ حول علاقة العراق والولايات المتحدة الأميركية وبموجب هذا الإعلان تنسحب القوات الأميركية من العراق بحلول نهاية آب- اغسطس 2010 .وقد تضمن الإعلان مبادئ وتصورات حول مستقبل العلاقة بين العراق والولايات المتحدة في العديد من القضايا السياسية والأمنية والعسكرية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية .وكان هذا الإعلان بمثابة إطار عام للمفاوضات مع الولايات المتحدة التي ابتدأت مع مطلع سنة 2008 وانتهت قبل 31 تموز-يوليو 2008 ،واستهدفت التوصل إلى اتفاقية ثنائية نظمت العلاقة بين البلدين .وفي 25 تشرين الثاني-نوفمبر 2007 وقع السيد نوري المالكي رئيس الوزراء والرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش "اتفاقية الصداقة والتعاون طويلة الأمد بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأميركية ". وفي يوم الأحد 16 تشرين الثاني –نوفمبر 2008 أقر مجلس الوزراء العراقي الاتفاقية ووصفت واشنطن الموقف العراقي بأنه خطوة ايجابية . وتسمح الاتفاقية للقوات الأمريكية بالبقاء في العراق حتى عام 2011 . وتشير مسودة الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق، التي نشرتها وسائل الإعلام العراقية الرسمية، إلى أن الغرض منها هو تحديد "الأحكام والمتطلبات الرئيسة التي تنظم الوجود المؤقت للقوات الأميركية في العراق وأنشطتها فيه وانسحابها من العراق". ومن أهم بنودها أن القوات الأميركية تنسحب من جميع الأراضي العراقية في موعد لا يتعدى 31 كانون الأول-ديسمبر عام 2011 ميلادي. وتنسحب جميع قوات الولايات المتحدة المقاتلة من المدن والقرى والقصبات العراقية في موعد لا يتعدى تاريخ تولي قوات الأمن العراقية كامل المسؤولية عن الأمن في أي محافظة عراقية، على أن يكتمل انسحاب قوات الولايات المتحدة من الأماكن المذكورة أعلاه في موعد لا يتعدى 30 حزيران –يونيو عام 2009. وتتمركز قوات الولايات المتحدة المقاتلة المنسحبة في المنشآت والمساحات المتفق عليها التي تقع خارج المدن والقرى والقصبات والتي سوف تحددها اللجنة المشتركة لتنسيق العمليات العسكرية .
كما تعترف الولايات المتحدة بالحق السيادي لحكومة العراق في أن تطلب خروج قوات الولايات المتحدة من العراق في أي وقت. وتعترف حكومة العراق بالحق السيادي للولايات المتحدة في سحب قواتها من العراق في أي وقت.
و يتفق الطرفان على وضع آليات وترتيبات لتقليص عدد قوات الولايات المتحدة خلال المدد الزمنية المحددة، ويجب أن يتفقا على المواقع التي ستستقر فيها هذه القوات. ما يتعلق بردع المخاطر الأمنية .وعند نشوء أي خطر خارجي أو داخلي ضد العراق أو وقوع عدوان ما عليه، من شأنه انتهاك سيادته أو استقلاله السياسي أو وحدة أراضيه أو مياهه أو أجوائه، أو تهديد نظامه الديمقراطي أو مؤسساته المنتخبة، يقوم الطرفان، بناء على طلب من حكومة العراق، بالشروع فورا في مداولات إستراتيجية، وفقا لما قد يتفقان عليه فيما بينهما، وتتخذ الولايات المتحدة الإجراءات المناسبة، والتي تشمل الإجراءات الدبلوماسية أو الاقتصادية آو العسكرية أو إي إجراء آخر، للتعامل مع مثل هذا التهديد.
ونصت الاتفاقية على ان الطرفان يستمران في تعاونهما الوثيق في تعزيز وإدامة المؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات السياسية والديمقراطية في العراق، بما في ذلك، وفق ما قد يتفقان عليه، التعاون في تدريب وتجهيز وتسليح قوات الأمن العراقية، من اجل مكافحة الإرهاب المحلي والدولي والجماعات الخارجة عن القانون، بناء على طلب من الحكومة العراقية.
ولا يجوز استخدام أراضي ومياه وأجواء العراق ممرا أو منطلقا لهجمات ضد دول أخرى. ويكون للعراق الحق الأولي لممارسة الولاية القضائية على أفراد قوات الولايات المتحدة وأفراد العنصر المدني بشأن الجنايات الجسيمة والمتعمدة وطبقا للفقرة الثامنة حين ترتكب تلك الجنايات خارج المنشآت والمساحات المتفق عليها وخارج حالة الواجب. وللعراق الحق الأولي لممارسة الولاية القضائية على المتعاقدين مع الولايات المتحدة ومستخدميهم. كما ان للولايات المتحدة الحق الأولي لممارسة الولاية القضائية على أفراد قوات الولايات المتحدة وافراد العنصر المدني بشأن أمور تقع داخل المنشآت والمساحات المتفق عليها وأثناء تأدية الواجب خارج المنشآت والمساحات المتفق عليها. حول الاحتجاز .
ولا يجوز لقوات الولايات المتحدة توقيف أي شخص آو إلقاء القبض عليه (باستثناء التوقيف آو إلقاء القبض على عضو من قوات الولايات المتحدة أو العنصر المدني) إلا بموجب قرار عراقي.
إلا أن مجيئ الرئيس باراك اوباما الى دست الرئاسة الأميركية عجل في قرار الانسحاب من العراق وذلك تنفيذا للوعود التي قطعها اوباما على نفسه في حملته الانتخابية.ففي يوم السبت 28 آب –أغسطس 2010 ،أعلن الرئيس الأميركي باراك اوباما ، أن الولايات المتحدة ستنهي رسميا الثلاثاء 31 آب-أغسطس 2010 مهامها القتالية في العراق، مؤكداً بذلك أن "الحرب بدأت تضع أوزارها" بعد سبع سنوات على الغزو، وأن العراق قادر على "رسم مسار مستقبله".وأشار في الخطاب إلى أن انسحاب القوات القتالية الأميركية من العراق وخفض عددها إلى أقل من خمسين ألفا حالياً ساعد في الوفاء بتعهد قطعه خلال حملة الانتخابات الرئاسية عام 2008.وقال بأن الولايات المتحدة أعادت أكثر من تسعين ألف جندي منذ أن أصبح رئيساً، "وتولى العراقيون المسؤولية الأمنية في أجزاء كثيرة من البلاد، وهم حالياً يتولون فعلياً القيادة الأمنية للعراق".ونبه أوباما إلى أن القوات الأميركية المتبقية في العراق ستواصل "دعم وتدريب القوات العراقية ومشاركة العراقيين في مهام مكافحة الإرهاب". وأضاف : "خلاصة القول إن الحرب تنتهي، والعراق مثل أي دولة مستقلة ذات سيادة حر في رسم مساره الخاص وبنهاية العام المقبل ستكون جميع قواتنا قد عادت إلى البلاد".ويحاول البيت الأبيض أن يؤكد إنجازات أوباما قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس تشرين الثاني-نوفمبر 2010 لدعم مرشحي حزبه الديمقراطي الذي من المرجح أن يخسر مقاعد وربما الأغلبية في أحد مجلسي الكونغرس أو كليهما.من ناحية ثانية حث أوباما الأميركيين على إبداء التقدير للقوات الأميركية العائدة من العراق وقال "إن القوات القتالية الأميركية فعلت كل ما طلبته منهم بلادهم على مدى السنوات السبع الماضية، ونحن مدينون لهم بامتناننا العميق لكل ما فعلوه ويفعلونه وسيستمرون بفعله للدفاع عن أمتنا".وسبق لاوباما ان وجه رسالة شكر مصورة نشرت على الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض أشاد فيها بالقوات الأميركية التي خدمت في العراق وتلك التي ما زالت فيه، مبرزاً دورها في المساعدة على ما أسماه "إحلال الديمقراطية بالعراق".
يؤكد خصوم المالكي حقيقة أن الانسحاب الأميركي لم يأت لجهود بذلها السيد المالكي وإنما جاء وفق حسابات أميركية صرف تتعلق بوعود أطلقها الرئيس الأميركي الجديد باراك اوباما في حملته الانتخابية تقضي بتحقيق الانسحاب الأميركي من العراق في موعد أقصاه أواخر آب-أغسطس 2010 .ولكن السؤال المهم هو هل تحقق الانسحاب فعليا ؟
إن مما ينبغي ذكره في هذا المجال أن الإدارة الأميركية لاتزال تبقي على 50 ألف جندي على الأراضي العراقية، وتتواجد هذه القوات في قواعد ثابتة وان من حق هذه القوات التدخل لمساعدة القوات العراقية في مواجهة التحديات .فضلا عن أن الإدارة الأميركية تعاقدت مع شركات أمنية خاصة وأسست لها اكبر سفارة في العراق تستوعب أكثر من أربعة آلاف عنصر امني واستخباري وفني .كما أنها لاتزال تمتلك أوراق التعاون مع القوى السياسية العراقية . ومما يقوي هذا الاعتقاد عدم جاهزية القوات المسلحة العراقية لمسك الملف الأمني والعسكري وتحقيق الاستقرار المنشود في ظل تصاعد أعمال العنف والتحدي العسكري الذي تواجهه الحكومة العراقية .ومما يدعم هذا الرأي ماقاله الفريق الركن بابكر الزيباري رئيس أركان الجيش العراقي من أن الجيش العراقي يفتقد القدرة على تنفيذ واجباته لنواقص فنية وإدارية وتنظيمية وتسليحية .كما أن الجيش الجديد يفتقد الكثير من المقومات التي تجعله يمارس دوره كجيش وطني بسبب تشكيلته الناقصة، وضعف تدريبه، ووجود عناصر ميليشياوية فيه تعود في ولائها إلى أحزابها وطوائفها أكثر مما تعود إلى مرجعية وطنية واضحة . وفي مطلع أيلول –سبتمبر 2010 أثار ضباط أميركيون مخاوف من عدم تمكن الجيش العراقي، الذي نجح في إخماد أعمال عنف، من تجهيز قواته باللوازم الضرورية. وقال مستشارون أميركيون أن أوجه القصور والمشاكل لا تعد ولا تحصى بدءا بالمستشفيات العسكرية ،التي تفتقر إلى أطباء صحة وأطباء الأسنان، وانتهاء بالبيروقراطية الواجب إتباعها لطلب قطع غيار المركبات والمعدات الحيوية.
وأضاف "الكولونيل ستيفن ابلاند "آمر فوج يقدم المشورة للفرقة الثالثة في الجيش العراقي في قاعدة الكسك غرب مدينة الموصل أن"القوات العراقية تبلي بلاء حسنا من ناحية التكتيك (...) إلا أن الحرب تتعلق كذلك بالنواحي اللوجستية".
وأوضح أن"نظامهم اللوجستي متخلف كثيرا بالنسبة الى ما تتطلبه مهارتهم".ولتوضيح وجهة نظره، رفع ابلاند قلمه ليظهر مدى التعقيدات التي يجب أن يتبعها الجيش العراقي لطلب صندوق جديد من هذه الاقلام.
ويبلغ عديد الجيش اقل من 300 ألف عسكري في حين يبلغ عديد قوات الشرطة نحو 560 ألفا.
وأوضح انه"للحصول على صندوق أقلام يجب أن أملأ طلبا بثلاث نسخ أو أربع نسخ، وأعطيه إلى احد الضباط الذي يأخذه إلى بغداد لكي يختمه ومن ثم يعود لإعطائي إياه قبل الحصول على اللوازم الموجودة على مسافة مئتي متر من هنا".
ويسير" اللفتنانت كولونيل كريج بينسون" احد مساعدي ابلاند في احد المراكز الصحية داخل القاعدة متذكرا كيف كان مجهزا بشكل جيد في السابق.
وكانت معظم مصابيح المركز مطفأة بسبب انقطاع التيار الكهربائي في القاعدة التي تملك مولد كهرباء قادرا على تزويد الطاقة لمساحة اكبر مرتين من القاعدة. وقال"لديهم المعدات لكنهم بحاجة إلى موظفين والى نظام لوجستي".وأضاف بنسون أن"وحدة الإنقاذ التي قمنا بتدريبها على التعامل مع الصدمة في ساحة المعركة لديها معدات منتهية الصلاحية".
وعاد ابلاند ليقول : إن الأمر سيستغرق ثلاث سنوات لكي تبلغ الخدمات اللوجستية في الجيش العراقي المستويات اللازمة، موضحا أن بناء الجيش الجديد بعد الاحتلال كان مركزا على مكافحة التمرد فقط.
وأضاف"كنا نعلم بان دقة التنظيم، وخصوصا في مجالات مثل النقل والإمداد والموظفين وإدارة الموارد البشرية، ستعاني من النقص". وختم"خلاصة القول انه نظام غير فاعل بشكل رهيب في الوقت الحالي".على صعيد آخر، قالت السفارة الأمريكية في العراق إن تخفيض عدد القوات العسكرية الأميركية لا يعني تخفيض الالتزام الأمريكي تجاه العراق بل يعني تغييرا في طبيعة التعهد الأمريكي من التزام يقوده العسكريون الى التزام يقوده المدنيون.
وأكدت السفارة في بيان لها إن"القوة الانتقالية الأمريكية المتبقية في العراق ستستمر في دعم قوات الأمن العراقية في حين تواصل الإدارة الأميركية تقوية أواصر الشراكة بين الولايات المتحدة والعراق في مجالات متعددة كالتعليم، والقانون، والتجارة ،والتكنولوجيا".
وأوضحت أن"عدد القوات الأمريكية انخفض إلى 50 إلف جندي أمريكي في حين تقلصت المعدات العسكرية الأمريكية في العراق من 4ر3 مليون قطعة كانت موجودة في 2009 إلى 2ر1 مليون قطعة ضرورية لدعم القوات العسكرية المتبقية في نهاية آب- أغسطس 2010 ".
وأشارت السفارة الأمريكية في بغداد إلى إن"القوات الأمريكية المتبقية ستتشكل في ستة ألوية لتقديم المشورة والمساعدة . فضلا عن قوات تمكين".
وأوضحت أن"نقل المعدات سيتم إلى احد الأمكنة الثلاثة وفق ترتيب الأولوية إما إلى القوات الأميركية المحاربة في أفغانستان أو لإعادة تزويد المخازن العسكرية الأميركية أو إلى قوات الأمن العراقية من اجل تأمين امتلاكهم الحد الأدنى من القدرة الأساسية التي تمكنهم من تولي مسؤولية امن بلادهم".
وثمة من يرى، بأن العراق بعد الانسحاب الأميركي ليس بحاجة الى جيش كبير . ومن هؤلاء الفريق الركن بابكر زيباري رئيس أركان الجيش نفسه .فلقد سبق ان دعا في شباط 2006 إلى انضمام العراق الى حلف شمالي الأطلسي لتجنيبه –حسب قوله – مشاكل كبيرة ستواجهه في المستقبل من بينها هدر ثرواته على بناء جيش قوي وكبير لحماية أراضيه من أي عدوان خارجي .وقال : " أنا كعسكري محترف اعتقد ان معالجة هذا الموضوع (الحفاظ على العراق وثرواته من أطماع الطامعين ) ،تكمن في ان يكون العراق جزءا أو عضوا في حلف شمالي الأطلسي ...وهذا الخيار سيجنب العراق مشاكل كبيرة في مقدمتها الحفاظ على ثرواته التي سيهدر معظمها على بناء جيش كبير .فضلا عن تجنيب العراق أي اعتداء من أي دولة كانت وهذا يصب في مصلحة الشعب العراقي ويجعل العراق بمنأى عن أية تهديدات أو مخاطر مستقبلية " .واستدرك زيباري ليقول بأن هذا تقرره القيادة السياسية واعترف بأن القوات الأميركية تسمح بوجود جيش عراقي قوي ولكن ضمن مفهوم محدد لدور هذا الجيش في المرحلة المقبلة ... " .
مشكلة دمج البيشمركة بالجيش العراقي :
وثمة مشكلة أخرى تواجه السلطة في العراق بعد الانسحاب الأميركي ، تتعلق بمسألة دمج قوات البيشمركة الكردية بمؤسسة الجيش .فثمة من يقول أن البيشمركة ميليشيا تعود في ولائها للحزبين الكرديين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وبالتالي فهي ليست مستعدة للاندماج بالقطعات العسكرية العراقية وغير قادرة –لأسباب كثيرة فنية وتسليحية وسياسية – على القيام بمهام قتالية دفاعية خاصة عند تعرض حدود العراق الشمالية والشرقية للخطر الخارجي .لكن الأكراد يقولون : " أن البيشمركة ليست ميليشيا "، " وإنما قوة عسكرية منضبطة تسهر على تحقيق الأمن في إقليم كردستان" .كما أنها قادرة على ضبط الحدود .وعلى أية حال فالمصادر الأميركية الرسمية تعترف " بأن قوات البيشمركة قامت في السابق بمقاتلة نظام صدام حسين ،وأسهمت في الانتفاضة المسلحة التي اندلعت في السنة 1991 .كما أنها شاركت إلى جانب القوات الأميركية في العمليات العسكرية خلال حرب 2003 .وهي تساند القوات الأميركية وتعمل حاليا كقوة نظامية لحفظ الأمن في إقليم كردستان العراق والدفاع عنه " . ومعنى هذا ان مسألة دمجها بالجيش ليست صعبة خاصة وانها تعتمد الألبسة والتشكيلات ، والسياقات التدريبية والفنية والعسكرية التي كان يتبعها الجيش العراقي السابق .وقبل أيام (29 آب –اغسطس2010 ) ،نقلت إذاعة العراق الحر، وهي إذاعة قريبة من المخابرات الأميركية "انه سيتم من قبل الجيش العراقي قريبا ،وبناء على نصيحة من القوات الأميركية ، تدريب 35 ألفا من عناصر البيشمركة، وتكوين فرقتين عسكريتين الأولى مقرها في اربيل. والثانية في السليمانية والسعي لتجهيز الفرقتين بأحدث الأسلحة .وقد تكون هذه الخطوة مقدمة لدمج البشمركة بالجيش العراقي .
مستقبل كركوك :
إن من التحديات التي يواجهها العراق بعد الانسحاب الأميركي مستقبل كركوك هذه المحافظة الغنية بالنفط وذات الموقع الاستراتيجي ومما يفاقم هذه المشكلة ، الاختلاف حول اقتسام عائدات النفط بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان .ويقينا أن التصريحات والهواجس التي تنطلق من أطراف الصراع حول كركوك هم العرب والأكراد والتركمان .وكما هو معروف فأن مشكلة كركوك ليس جديدة وإنما هي من المشاكل المتوارثة من تسويات الصراع الدولي حول العراق منذ سنوات الحرب العالمية الأولى والتسويات التي أعقبتها والمساومات التي جرت بين بريطانيا وفرنسا لحل إشكالات الاتفاقيات السرية المتناقضة التي حتمت عقدها ظروف الحرب العالمية الأولى .فكركوك كانت لواء تابعا لولاية الموصل وقد شملتها معاهدة سايكس- بيكو التي عقدت بين بريطانيا وفرنسا .وقد اضطر الانكليز الفرنسيين للتخلي عن ولاية الموصل للانكليز مقابل تخلي الانكليز عن دعم حكومة الملك فيصل بن الشريف حسين في سوريا ، وهكذا قيل أن بريطانيا باعت عرش فيصل في سوريا بنفط الموصل .وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى باحتلال بريطانيا للعراق بين 1914-1918 ودخول ولاية الموصل تحت الاحتلال البريطاني ، ظهرت مشكلة الموصل عند مطالبة تركيا بها باعتبار أن القوات البريطانية دخلتها بعد إعلان الهدنة في تشرين الثاني 1918 .وقد تطلب الأمر تدخل عصبة الأمم- وهي المنظمة الدولية التي تشكلت بعد الحرب العالمية الأولى وسبقت الأمم المتحدة - والوصول إلى اتفاقية عراقية –تركية –بريطانية أصبحت ولاية الموصل وبضمنها كركوك –جزءا من الدولة العراقية التي تشكلت سنة 1920.
يسمي الأكراد الأراضي التي كانت تضمها ولاية الموصل "كردستان الجنوبية " وهي تسمية كان الضباط السياسيون البريطانيون يطلقونها على ولاية الموصل ويرى الأكراد بان كركوك سلخت من كردستان تحت عنوان "ترسيم الحدود بين العراق وتركيا " سنة 1926 ،فحدثت مشكلة قومية معقدة ، ومما زاد في حدة هذه المشكلة التغييرات السكانية والإدارية التي حدثت في العهود التالية للاحتلال البريطاني للعراق ورغم عدم رضى الأكراد وقيامهم بالكثير من الثورات والانتفاضات ، إلا إن مشكلة كركوك ظلت بدون حل وقد زاد في تعقيد الأمر التدخلات الإقليمية والدولية في هذه المشكلة . إلا أن العقدة الكبيرة هي الإجراءات التي قام بها النظام السابق لتقليل عدد الأكراد في كركوك وبوسائل عديدة منها التعريب وترحيل الأكراد وعن بعض القرى وإجراء تغييرات إدارية في لواء كركوك .
وضع الدكتور مكرم الطالباني - وهو أكاديمي كردي ذو توجه ماركسي عمل وزيرا سابقا في العراق خلال عهد النظام السابق - دراسة بعنوان : "نحو حل صحيح لمستقبل كركوك " نشرت في كراس صغير في السليمانية سنة 2010 قال فيها أن وجود الأكراد والتركمان والعرب وحجم كل منهم في كركوك ليس مشكلة ولكن توسع أية مجموعة على حساب المجموعات الأخرى هو العقبة أمام حل عادل للمشكلة .المتطرفون من القوميين العرب أرادوا التوسع على حساب الأكراد والتركمان منذ تأسيس الدولة العراقية بضم مساحات شاسعة من كردستان بلغت قي المراحل الأخيرة حوالي 40 % من مساحتها الإجمالية وقد شمل استقطاع السهول الخصبة ضمن حدود لواء الموصل قبل فصل محافظة دهوك عنها وكذلك سهول كنديناوا ، وقراج في محافظة اربيل ،وسهل الحويجة ،وداقوق ،وطوز، وكفري ،وقره تبة بلواء كركوك قبل سلخ المناطق الكردية الصرف منها وهذه السهول كانت تشكل 80 % من المناطق الغنية بالنفط والمزروعة بالحبوب .والمشكلة الثانية هي المبالغة في حجم كل قومية في محافظة كركوك . فالقوميون المتطرفون الأكراد يكادون ينكرون وجود التركمان أو يعدونهم وافدين لذا يرون أن على التركمان أن يقبلوا بما " يتصدقون " عليهم من حقوق .والقوميون المتطرفون التركمان يبالغون في حجم التركمان وقلة عدد الأكراد .حتى أن احدهم أنكر وجود أكراد من سكنة كركوك واعتبرهم وافدين من المناطق الأخرى .
جرت محاولات لحل مشكلة كركوك ، ومنها تلك التي حدثت في المفاوضات بين وفد من الأحزاب الكردية والحكومة المركزية في 1991 ووضعت ورقة سميت "ورقة تطبيع الوضع في كردستان " تضمنت إعادة الأكراد المرحلين إلى أماكنهم وإعادة العرب الوافدين إلى مناطقهم واعتماد إحصاء سنة 1957 إلا أن شيئا من ذلك لم يحصل وظلت المشكلة قائمة ومستمرة بسبب أن هواجس العرب في الحكومة المركزية تجاه الأكراد تحول دون الإقرار الكامل بحقوقهم القومية ، وهواجس الأكراد تجاه الحكومة المركزية تحول دون التوصل إلى اتفاق عادل ، وهواجس التركمان تحول دون جلوسهم مع الأكراد وهواجس الأكراد تجاه التركمان تحول دون تقديمهم عرضا سخيا للتركمان يقرون بحقوقهم .أما تمسك الأكراد بالمادة 140 من الدستور وموافقة الحكومة المركزية عليها والتي تقضي بتطبيع الوضع في المناطق المسماة ب"المناطق المتنازع عليها " ،وتعويض المتضررين من المهجرين الأكراد والعرب الوافدين عند إعادتهم إلى مناطقهم أو أية منطقة أخرى ،فسوف لن يحل مشكلة كركوك لسبب بسيط وهو أن الحكومة المركزية لم تقر بعودة تلك المناطق إلى إقليم كردستان ،حتى وان كانت فيها كثرة كردية لوجود منشئات نفطية .لذا فأن الحكومة متشبثة ببقاء تلك المناطق ضمن الحدود الإدارية للحكومة المركزية . ورغم تباين مواقف الكتل والأحزاب سواء الموجودة في البرلمان أو خارجه ،فان محافظة كركوك تعد خطا احمرا لايستطيع أحد تجاوزه .ويترتب على هذا أن تمسك الأكراد بالمادة 140 من الدستور سوف لن يحقق لهم هدفهم حتى وان قبلوا بمبدأ ضمان تصرف الحكومة المركزية بالموارد الطبيعية ومنها النفط لمصلحة العراقيين جميعا .
إن مشكلة كركوك سوف تبقى بدون حل ولمدة طويلة وليس ثمة أمل في التوفيق بين المواقف المتناقضة لأطرافها لأسباب داخلية تتعلق بما يريده كل طرف وأسباب إقليمية ودولية ، فتركيا لايمكن أن تقبل بضم كركوك لإقليم كردستان خوفا من أن ييسر ذلك لهم الانفصال عن العراق وتشكيل دولة ،وكذلك الخشية على حقوق التركمان ، وقد تقبل بان يكون لكركوك وضع خاص أو أن يكون للأكراد والعرب والتركمان تمثيل نسبي متساو في إدارة المحافظة .كما أن الولايات المتحدة الأميركية تريد أن تتعامل مع حكومة قوية في بغداد بشأن النفط وغيره من القضايا المتعلقة بمصالحها ،وهي تفعل مثلما فعلت بريطانيا في مرحلة الحرب العالمية الاولى وما بعدها عندما تشبثت بولاية الموصل وكركوك ضمنها والتقت مصالحها آنذاك مع مصالح الحكومة العراقية في رد مطالب تركيا بولاية الموصل وتأكيد صيرورة الموصل جزءا من العراق .
بقاء العراق تحت بند الفصل السابع :
وثمة تحد آخر يعترض العراق بعد الانسحاب الأميركي ويتعلق باستمرار مجلس الأمن بتجديد بقاء العراق خاضعا لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .ومع أن حكومة المالكي كانت تعول على الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن التي عقدت في آب –أغسطس 2010 إلا أن آمالها خابت ، عندما جدد المجلس إبقاء العراق ضمن الفصل السابع والطلب من القوى السياسية العراقية ألإسراع في تشكيل حكومة وفقا للاستحقاقات الانتخابية .ومعنى بقاء العراق تحت الفصل السابع أن سيادته ستظل منقوصة ،وهذا يضع على عاتق الحكومة الجديدة مسؤولية العمل للسعي لاستعادة العراق وضعه الطبيعي كدولة كاملة السيادة والصلاحيات واسترجاعه لوضعه القانوني الدولي أي الحالة التي كان عليها قبل صدور قرار مجلس الأمن رقم 661 في سنة 1990 .
مستقبل المقاومة :
وفي هذا السياق لايمكن تجاوز الدور الذي تقوم به المقاومة في العراق ، خاصة بعد عجز قيادات القوائم السياسية الأربع التي فازت في انتخابات آذار-مارس 2010 ولحد كتابة هذه السطور (أواخر آب-أغسطس 2010 ) ، عن التوافق لتشكيل حكومة وطنية تأخذ على عاتقها حل المشاكل الإدارية والعسكرية ، وتوفير الخدمات للمواطنين والبحث عن سبل إخراج العراق من أتون أزماته وتلطيف علاقاته بجيرانه .ومع أن هناك من ينكر وجود مقاومة - سلمية أو مسلحة - إلا أن الوقائع على الأرض تثبت وجودها .وقد اعترفت الإدارة الأميركية بذلك وأشار الرئيس العراقي السيد جلال الطالباني إلى وجودها وقال في أكثر من مرة : "أننا نحاول كسب العناصر المسلحة ،ونعمل على إقناعهم بأن ينضموا إلى العملية السياسية " .
خاتمة وملاحظات :
لقد شهد العراق منذ الاحتلال الأميركي في 9 نيسان-ابريل 2003 هياكل ومؤسسات وإدارات عديدة كان لها دورها في صنع القرار السياسي ،لكن مما لابد من تأكيده أن شكل الدولة العراقية لايزال يعتوره الكثير من الغموض فثمة ملاحظات كثيرة على الدستور ومع أن رئيس الجمهورية كما جاء في الدستور هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن فان صلاحياته محدودة وبروتوكولية والسلطة الفعلية بيد رئيس الوزراء .كما أن هناك هياكل دستورية موجودة في الدستور لم تجد لها طريقا إلى الواقع كالمحكمة الاتحادية العليا وثمة اختصاصات متداخلة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وسلطات إقليم كردستان والمحافظات وخاصة فيما يتعلق بإدارة الكمارك واقتسام واردات النفط ومصادر الطاقة الكهربائية ورسم السياسات البيئية والتنموية والصحية والتعليمية والتربوية والموارد المائية . هذا الى جانب إن الدستور جميل بنصوصه فيما يتعلق بحقوق الإنسان في العراق وكرامته لكن ذلك غير موجود على ارض الواقع فالاعتقالات العشوائية مستمرة،ودهم البيوت لايزال موجودا ،وثمة أعداد كبيرة في السجون والمعتقلات ولم يقدم الكثيرون منهم إلى المحاكمة ودون توجيه تهم محددة .كما أن العراق يواجه مشكلات اقتصادية وبنيوية كثيرة أبرزها تدهور الزراعة وتوقف المصانع وتردي المواصلات ، وارتفاع نسبة الفقر والتشرد وزيادة أعداد الأرامل والأيتام وضعف التعليم، وتدهور المؤسسات الصحية .كما وصل البلد إلى مستويات متقدمة من الفساد الإداري والبطالة منتشرة والعشوائية تسم جوانب عديدة من الحياة العراقية .
وإذا كان القرار الدولي رقم 1483 قد نص صراحة على دور الأمم المتحدة في مساعدة الشعب العراقي على تنظيم حكومته الوطنية ،والقرار الدولي رقم 1546 ينهي رسميا الاحتلال الأميركي بعد وضع جدول زمني لإجراء الانتخابات ،فأن العراقيين اليوم وخاصة السياسيون الذين يتحملون المسؤولية لايزالون عاجزين عن صنع قراراتهم بأنفسهم وهم يبحثون عن المشورة من دول عربية وإقليمية ودولية وفقا لأجندات لاتصب دائما في المصلحة الوطنية العليا ،لذلك فأن من ابرز التحديات التي ينبغي أن يواجهها من يتمل المسؤولية –إن كان ذلك على مستوى الحكومة أو البرلمان أو الكتل السياسية والحزبية أن يأخذوا المبادرة ،ويسارعوا لحزم أمورهم، ووضع مصلحة الوطن أمام أعينهم وإعادة بناء دولتهم من جديد ،وصنع قراراتهم السياسية والاقتصادية والأمنية بأنفسهم ووفق مصلحة بلدهم الوطنية أولا، ومستقبل أجيالهم القادمة ثانيا .وهذا لايأتي- برأينا - إلا بمراعاة الأمور التالية :
1. السعي المستمر لبناء جيش وطني حقيقي محترف يضع قادته مصلحة العراق وحقوق شعبه في حدقات عيونهم لا أن يتحول الجيش إلى أداة قمع للمواطنين استجابة إلى أجندات طائفية ومذهبية ولابد لهذا الجيش من عقيدة عسكرية وطنية مستقلة عن التحزبات السياسية ، والانتماءات الطائفية ، والروابط العشائرية .
2. إعادة النظر في الدستور بما يلبي الطموحات الوطنية ويحل الإشكالات المختلف عليها ولاسيما فيما يتعلق بتأكيد انتماء العراق إلى محيطه العربي والإسلامي .
3. وضع فلسفة محددة للدولة تأخذ المصالح الوطنية العليا بنظر الاعتبار .فليس من المعقول أن لايكون هناك رؤية اقتصادية وتربوية تستند إلى فلسفة الدولة يتم بموجبها بناء الاقتصاد العراقي والاهم بناء الأجيال الجديدة .
4. الدولة بحاجة إلى انتهاج سياسة وطنية مركزية موحدة في مسائل الدفاع والتخطيط الاقتصادي والاجتماعي يرجع إليها السياسيون ورجالات الدولة وأهل التربية والاقتصاد والإعلام وهذا يتطلب أن يكون هناك نوع من المصالحة والتفاهم والتسامح ونسيان الماضي وترك الأحقاد ونبذ فكرة الانتقام وضمان حرية الإنسان العراقي وحقوقه المشروعة .
5. الدولة في العراق بحاجة إلى تحقيق جملة من الاستحقاقات التي ينبغي الالتزام بها وأبرزها التأكيد على فكرة المواطنة ، ونبذ الطائفية ،وإعادة صياغة الخطاب السياسي والإعلامي بما يشجع على التلاحم المصيري بين أبناء الشعب الواحد والجرأة في مواجهة الفساد بكل أنواعه والعنف بكل أشكاله وإعطاء المرأة حقوقها وتمكينها من ممارسة دورها في بناء الدولة من جديد .
6. الدولة بحاجة إلى انتهاج سياسة خارجية واضحة المعالم تأخذ بنظر الاعتبار إعادة العراق لممارسة دوره العربي، والإقليمي، والدولي ،وبما يمنع الآخرين من التدخل في شؤونه من خلال احترام حقوق الجيرة ، والتأكيد على المصالح المتبادلة ، والحيلولة دون التدخل بشؤونه الداخلية ، وإقامة أفضل العلاقات مع دول العالم .
7. الدولة بحاجة الى ترسيخ ثقافة جديدة في العراق قائمة على رفض العنف ونبذ سياسة الاحتراب والإيمان بالرأي والرأي الآخر والسعي لبناء تجربة ديمقراطية قائمة على التداول السلمي للسلطة والتخلي عن ثقافة التشبث بالكرسي والاستماتة في سبيله و-بدون شك –فأن هذه السياسة متأصلة في العراق ولها جذور ترجع إلى العصور القديمة وتتعلق بطبيعة مناخ العراق القاسي وعلاقة الشعب بالسلطة والقائمة على الخوف وليس على الاحترام والبدء من الأول باستمرار ، وعدم الاستناد إلى الإرث في عملية البناء .هذا فضلا عن انفتاح العراق على جيرانه وما يتبع ذلك من تحوله إلى ساحة للصراع الإقليمي والدولي بسبب الامتدادات البشرية فيه والتي لها علاقة بدول الجوار المحيطة به .
8. لابد لمجلس النواب المنتخب أعضاؤه أن يأخذ دوره في إدارة الدولة ،وتشريع القوانين المهمة المؤجلة مثل قانون النفط والغاز ، وإجبار قادة الكتل السياسية الفائزة الأربعة في الانتخابات على الإسراع بتشكيل الحكومة، واستكمال مؤسسات الدولة وإعادة تنظيمها ، والتشجيع على خلق رأي عام ضاغط على النخب السياسية .فليس من المعقول إن يستمر الحال على هذا المنوال، وتظل الاتهامات متبادلة بين ممثلي القوى السياسية والجدل قائم على قدم وساق بين النخب، وبما يؤكد قول الشاعر الذي وصف حال الدولة العثمانية اثر الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني 1876-1909 وخلعه في 1909 حين قال :
كان عبد الحميد بألامس فردا
فغدا اليوم ألف عبد الحميد .
يقينا انه في حالة عجز السياسيين العراقيين أو فشلهم في الاستجابة للمتغيرات الخطيرة والتحديات الكبيرة التي عصفت وتعصف ببلدهم ، فأنهم سوف يتحملون وزرا وخطيئة لايمكن أن تغفرها لهم الأجيال القادمة .نأمل في ان يستطيع العراقيون –وهم شعب متحضر ،وواع ،ولهم عمق في التاريخ ويمتلكون إرادة صلبة ومتعودين على الصبر ،تجاوز ماهم فيه وبأقل التضحيات .
*اعد خصيصا لمركز الجزيرة للدراسات
**الرجاء زيارة مدونتي "مدونة الدكتور ابراهيم العلاف " ورابطها التالي :http://wwwallafblogspotcom.blogspot.com/2010/02/1908-1995.html
ا.د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
تمهيد :
بذلت الولايات المتحدة الأمريكية قبل غزوها للعراق ، والذي ابتدأ في 20 آذار-مارس 2003 ، وإسقاط النظام السياسي القائم فيه في التاسع من نيسان-ابريل2003 ، جهودا حثيثة في مجلس الأمن للحصول على غطاء شرعي لما كانت تنوي فعله ، ولكنها فشلت ،فقررت خوض الحرب بدون ذلك،وتحالفت مع بريطانيا وبعض الدول الأخرى الموالية لها .
كانت خطة الحرب هي الجزء الثاني من خطة ( عاصفة الصحراء التي طبقتها في حرب الخليج الثانية 1991) . وقد أشار بوب وودوارد Bob woodward في كتابه : ( خطة الهجوم ) Plan Attack الذي أصدره سنة 2004 إلى أن الخطة مكتوبة في 20 صفحة بعنوان ((خطة العمليات 1003 )) مضافا إليها 20 ملحقا مكونا من 600 صفحة تتضمن الأمور اللوجستية والاستخبارات والعمليات البرية والجوية وقال : انه بعد الحادي عشر من أيلول –سبتمبر 2001 ، ربط الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بين ( الإرهاب) و( غزو العراق). وأضاف : ((انه ليس من الضرورة أن نعثر أو لانعثر في العراق على أسلحة الدمار الشامل .. لكننا نفهم طبيعة صدام حسين وقدرته على إيذاء أمريكا )) وذكر وود وارد أن كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي السابقة وزيرة الخارجية فيما بعد ، قالت انه (( بالرغم من عدم العثور على أسلحة الدمار الشامل حتى اليوم في العراق ، إلا أن النتائج على المدى الطويل في العراق ، أكثر أهمية )) ... وكما قال الرئيس بوش ((فإننا خلقنا عراقا حرا ديمقراطيا مزدهرا ... وكانت الحملة على العراق رائعة ، إذ تم انجازها ، كما قال بول ولفويتز، نائب وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ، بأقل قدر من الخسائر البشرية الأمريكية . كما أن الحرب جرت دون تدخل إسرائيلي ، ولم يتم استخدام أسلحة دمار شامل ، ولم يحدث تدمير لحقول النفط العراقية ، ولم يحدث تدخل خارجي من قبل إيران أو تركيا ، ولم تقع اضطرابات عرقية ... هذا هو الجانب الايجابي من الحرب ضد العراق ... ان الحرية هي طموح أنساني في العالم كله ....)) .
مشكلات ما بعد الاحتلال :
وبعد انتهاء العمليات العسكرية الكبرى، وجدت الإدارة الأمريكية نفسها أمام مشكلتين:أولاهما أنها لم تكن تمتلك خطة واضحة تساعد في السيطرة على الأوضاع في العراق خاصة بعد قرار سلطة الائتلاف المؤقتة Coalition Provision Authority (CPA) التي شكلتها لإدارة العراق برئاسة السفير بول بريمر ، حل الجيش العراقي،والأجهزة الأمنية والاستخباراتية ،وفتح الحدود العراقية على مصراعيها . وقد أدى ذلك إلى خلق حالة من الفوضى والارتباك وعدم الاستقرار لانزال -حتى كتابة هذه السطور- نعيش تبعاته .
والمشكلة الثانية التي أصبحت تواجهها الولايات المتحدة في العراق ، هي أنها صارت وجها لوجه أمام عمليات مقاومة وطنية وإسلامية (سلمية ومسلحة) ليس من الممكن والسهولة إخضاعها لذلك اتجهت إلى مجلس الأمن ، وتمكنت من الحصول على القرار 1483 (2003) ، الذي عدها دولة محتلة تترتب عليها تبعات وواجبات متعددة ، ولعل في مقدمتها السعي باتجاه تشكيل سلطة أو حكومة وطنية . وفي 13 تموز-يوليو 2003 أقدمت على تشكيل مجلس الحكم من ممثلي الأحزاب السياسية العراقية التي كانت على صلة بها بشكل أو بآخر قبل سقوط النظام السابق ، وهي حركة الوفاق الوطني ،وحزب المؤتمر الوطني العراقي ، والمجلس الأعلى الإسلامي ، وحزب الدعوة الإسلامية، والاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الشيوعي العراقي، والحزب الديمقراطي الكردستاني،والحزب الإسلامي العراقي . وفي الأول من أيلول 2003 ، تشكلت الحكومة العراقية الانتقالية . وفي 8 آذار-مارس 2004 ، اصدر مجلس الحكم (قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ) . وقد أكد القانون على أن المرحلة الانتقالية تبدأ في 30 حزيران-يونيو 2004 وتنتهي عند تشكيل حكومة عراقية منتخبة بموجب دستور دائم وذلك في موعد أقصاه 31 كانون الأول-ديسمبر 2005 .وقد جاء إصدار هذا القانون تنفيذا لاتفاق تم عقده بين مجلس الحكم وسلطة الائتلاف المؤقتة في 15 تشرين الثاني-نوفمبر 2003 ،والذي يؤسس- كما أعلن في حينه - لنظم سياسي اتحادي ديمقراطي تعددي يتمتع في أفراد الشعب العراقي قاطبة بالحقوق الأساسية للإنسان . ونص على تأكيد الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ،والمساواة التامة بين الناس بصرف النظر عن الجنس أو المذهب أو الدين، وضرورة ضمان الحريات العامة ،وحق الفرد بالتعليم والصحة ،وتوفير فرص العمل . وقيل أن اللجنة التي وضعت القانون كانت برئاسة الدكتور عدنان الباجه جي لكنها كانت تستأنس بمشورة الدكتور نوح فيلدمان وهو رجل متخصص بالقانون الدستوري وهو أميركي من أصل يهودي عراقي .
كانت الحكومة العراقية المؤقتة هي السلطة الرابعة التي تشكلت في العراق عقب الاحتلال .وقد حلت محل سلطة الائتلاف المؤقتة ومجلس الحكم .وقد تضمنت هذه الحكومة رئيسا للجمهورية هو غازي مشعل الياور ونائبان للرئيس هما الدكتور إبراهيم الجعفري وروز نوري شاويس والى جانبهم رئيس للوزراء هو الدكتور أياد علاوي .أما الحكومة العراقية الانتقالية فحلت محل الحكومة العراقية المؤقتة في الثالث من مايس –مايو 2005 . وتم التصديق على هذه الحكومة من قبل ما كان يسمى ب "الجمعية الوطنية العراقية المؤقتة " في 28 نيسان –ابريل 2005 .وقد بدأت هذه الفترة الانتقالية والتي يقصد بها الانتقال التدريجي بالعراق إلى حكومة وبرلمان دائميين بانتخابات الجمعية الوطنية العراقية المؤقتة في 30 كانون الثاني-يناير 2005 .وكانت المهمة الرئيسة لهذه الجمعية اختيار مجلس الرئاسة الذي تكون من السيد جلال الطالباني رئيسا للجمهورية ، ونائبين هما الشيخ غازي مشعل الياور والدكتور عادل عبد المهدي نائبين له. وقام الثلاثة باختيار الدكتور إبراهيم الجعفري ليكون رئيسا للوزراء . وكمان من المهام الرئيسة لهذه الحكومة الإعداد للانتخابات واختيار برلمان وحكومة دائمية مدتها أربع سنوات، والتصديق على مسودة الدستور الدائم .وفي 15 تشرين الأول-أكتوبر 2005 شهد العراق الاقتراع الثاني في الانتخابات بعد الاحتلال حيث صوت العراقيون على مشروع الدستور وبعد إقرار المشروع أصبحت الخطوة القادمة هي إجراء انتخابات برلمانية يوم 15 كانون الأول-ديسمبر 2005 بهدف تكوين مجلس نواب له صلاحيات دستورية كاملة لدورة تستمر أربع سنوات .وجرت الانتخابات وتم اختيار 275 عضوا في مجلس النواب ، وبدأت الخطوات لتشكيل حكومة أطلق عليها حكومة وحدة وطنية برئاسة السيد نوري المالكي .
أخطاء الإدارة الأميركية في العراق :
صدر عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في 23 كانون الأول-ديسمبر 2003 تقرير وضعه الخبير الاستراتيجي الأمريكي انطوني كوردسمان، أشار فيه إلى الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها الإدارة الأمريكية في العراق بعد الاحتلال وأبرزها :( حل الجيش العراقي) و( الفشل في إيجاد توازن بين القوى السياسية)، و( التشجيع على مبدأ المحاصصة الطائفية) و( الفشل في ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار )، و ( الفشل في إيجاد موازنات جديدة في العلاقات مع جيران العراق تكفل عدم تهديدهم له او تدخلهم في شؤونه) . وأخيرا ( عدم القدرة على إعادة الأعمار)، و( الفشل في تفعيل الخدمات الضرورية للمواطنين كالماء والكهرباء والتعليم والصحة ) .
كما نشرت مجلة (الشؤون الخارجية Foregin Affaris) الأمريكية في أعدادها التي صدرت بين أيلول-سبتمبر ـ تشرين الأول-أكتوبر 2004 وتشرين الثاني –نوفمبر ـ كانون الأول –ديسمبر 2004 ، وكانون الثاني-يناير ـ شباط –فبراير 2005 ، سلسلة دراسات كتبها أساتذة وأكاديميون أمريكيون متخصصون بالشأن العراقي ،كشفوا فيها ما أطلقوا عليه ( أخطاء الإدارة الأمريكية في العراق) ومنها القرار بحل الجيش العراقي (مايس-مايو 2003) . ومن ابرز الذين كتبوا هذه الدراسات (روبرت تكر ) و ( وديفيد هندرسون ) و( لاري دياموند) .
كما كشفت مجلة الأهرام العربي الأسبوعية المصرية في الرابع من حزيران 2005 عن أنها حصلت على نص وثيقة أمريكية سرية تتألف من (30) صفحة أطلق عليها: ((خريطة الطريق العراقية )) بشأن خروج القوات الأمريكية من العراق في نهاية السنة 2005 . وقالت المجلة أن الخارطة تتضمن أربعة عناصر تتمثل بـ ( عقد مؤتمر مصارحة ومصالحة عراقية ، وصياغة بروتوكول واتفاق تفاهم شرف مشترك ، وتبني مشروع مارشال عالمي لأعمار العراق ، على أن تصبح القوات العسكرية الموجودة الآن في العراق تحت قيام الأمم المتحدة وتتحول إلى قوات حفظ سلام ) . وأوضحت الخطة أنها تسمح بقدوم قوات عسكرية من دول عربية وإسلامية إلى العراق لحفظ الأمن، وتدريب الشرطة والجيش العراقيين لحين إتمام العملية السياسية ، وكتابة الدستور الدائم . وأشارت المجلة إلى أن الوثيقة وضعت من قبل ارفع الشخصيات والقيادات والتيارات السياسية العراقية الحكومية. فضلا عن الجماعات المعارضة والرافضة للاحتلال .
دعوات للانسحاب من العراق :
وقد بدأت تظهر في الكونغرس الأمريكي دعوات للانسحاب من العراق، ومواجهة الخسائر التي باتت تعاني منها القوات الأمريكية (قتل أكثر من 4400 جندي أميركي بالعراق منذ 2003 وحتى 2010 حسب إحصائيات موقع "أي كاجويلتيز دوت أورغ" المستقل. كما قدرت الخسائر الأميركية للحرب هناك بمئات المليارات من الدولارات ).
كما عقد الكونغرس جلسات استماع عديدة منها جلسة يوم 19 حزيران-يونيو 2005 وتحدث فيها عدد من المتخصصين بالشأن العراقي أمثال الدكتورة فيبي مار ، والدكتور نوح فيلدمان والسيدة جودي فان رست ،والسناتور جوزيف بايدن . وقد تأكد في الجلسة تنامي القناعة لدى المسؤولين الأمريكيين بضرورة حل مشكلة العراق، وإشراك كل أطياف المجتمع العراقي في العملية السياسية ،والابتعاد عن الدخول في التفاصيل المثيرة للجدل، والسعي باتجاه تأجيلها . وقد بدأت بعض المصادر تتحدث عن محادثات بين مسؤولين دبلوماسيين ورجال استخبارات أمريكيين من جهة ،وبعض أطراف المقاومة العراقية للخروج من المأزق الأميركي الكبير في العراق .
الدستور والانتخابات ونتائجها :
جاء اختيار السيد نوري المالكي بعد وقوع أزمة سياسية استمرت قرابة أربع أشهر ،نتيجة تمسك الدكتور إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء المنتهية ولايته ، بمنصبه واعتراض البعض الآخر على ترشحه لرئاسة الوزراء وفي يوم 22 نيسان –ابريل 2006 كلف السيد جلال الطالباني رئيس الجمهورية السيد نوري المالكي بتشكيل حكومة وصفها التكليف بان "تكون قادرة على التعاطي مع مشاكل البلد الأمنية والاقتصادية ،ومواجهة الفساد الإداري ،ورفع الظلم عن كافة شرائح المجتمع العراقي ... " . ولكن هل استطاعت حكومة المالكي القيام بمهامها ؟
للإجابة على هذا السؤال لابد من الإشارة إلى أن الدستور العراقي الجديد يحصر السلطة الفعلية بيد رئيس الوزراء، فهو فضلا عن رئاسته لمجلس الوزراء فأنه القائد العام للقوات المسلحة .ويمارس رئيس الوزراء سلطته من خلال مجلس الوزراء الذي يتولى تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة، وإعداد مشروع الموازنة العامة، وخطط التنمية، والتوصية بالموافقة على تعيين وكلاء الوزارات والسفراء وأصحاب الدرجات الخاصة ،ورئيس أركان الجيش ومعاونيه ،ورئيس جهاز المخابرات ورؤساء الأجهزة الأمنية والتفاوض بشأن الاتفاقيات الدولية والتوقيع عليها وتكون مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء أمام مجلس النواب تضامنية .
حكومة المالكي: مالها وما عليها
والذي حصل أن السيد نوري المالكي –كما يقول خصومه – استفاد من بقائه بمنصبه للفترة من 2005 وحتى السابع من آذار سنة 2010 وهو اليوم الذي جرت فيه الانتخابات النيابية لاختيار 325 نائبا ،في تعزيز سلطته ،وتقوية نفوذه داخل الجيش والإدارة . وقد قام بإسناد الكثير من المناصب الإدارية والعسكرية إلى أقرباءه وأنصاره من أعضاء حزب الدعوة الإسلامية .وقد خاض انتخابات سنة 2010 بقائمة واحدة هي" ائتلاف دولة القانون" ،وحصل على 89 مقعدا في مجلس النواب مقابل 91 مقعدا حصل عليه منافسه الدكتور إياد علاوي رئيس القائمة العراقية . أما الائتلاف الوطني فقد فاز بـ70 مقعدا،والتحالف الكردستاني بـ43 مقعدا.
،ولايزال السيد المالكي حتى كتابة هذه السطور (27 اب 2010 ) ، متشبثا بموقعه .ومع أن مجلس النواب عقد جلسته الأولى في 14 حزيران –يونيو 2010 إلا انه علق اجتماعاته إلى إشعار آخر بسبب الأزمة السياسية المتعلقة بالخلافات حول تسمية رئيس الوزراء، وتفسير معنى مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا في المجلس الذي يحق له تشكيل مجلس الوزراء (المادة 73 من الدستور ) . وقد تم اختيار الدكتور فؤاد معصوم ليكون رئيسا للمجلس باعتباره الأكبر سنا .وصرح الدكتور معصوم بان قادة الكتل السياسية في المجلس اتفقوا على اعتبار حكومة المالكي حكومة تصريف أعمال ،فيما أبدى المالكي استغرابه لهذا الموقف .
وقال القيادي في ائتلاف دولة القانون كمال ألساعدي انه من " الغريب أن يبحث قادة الكتل السياسية مسألة تحويل الحكومة الحالية إلى حكومة تصريف أعمال، في وقت كان من المفترض بهم بحث المسألة الأهم وهي تشكيل الحكومة المقبلة".وبين ألساعدي أن"الدستور العراقي يشير في فقرتين فقط تقضي بجعل الحكومة حكومة تصريف أعمال وهما في حل مجلس النواب أو إقالتها وهذا لم يتحقق" ،معتبراً أن "القرار جاء مخالفاً للدستور، وان غاياته سياسية وإعلامية في محاولة الضغط على الحكومة وإحراجها" .وشدد على أن "الحكومة الحالية هي بحكم حكومة تصريف الأعمال كونها لا تعين موظفين بدرجة مدير عام ولا تعقد اتفاقيات خارج الإطار القانوني".وأشار ألساعدي أن"مجلس النواب إذا قرر وفق الإطار القانوني تحويل الحكومة الحالية الى حكومة تصريف الأعمال ، فأن المحكمة الاتحادية ستكون الفيصل بالموضوع".
أما القائمة العراقية ،فأكدت أن حكومة المالكي تمارس صلاحياتها خارج الدستور العراقي، وهناك نداءات داخلية وخارجية وجهت إلى الحكومة بهذا الصدد .ولم تتوصل الكتل السياسية الفائزة حتى الآن إلى توافقات لتشكيل الحكومة، في وقت يدور الخلاف حول أحقية الجهة المخولة بتشكيل الحكومة في ظل تمسك أكثر من طرف بهذا الحق وفقا لنتائج الانتخابات وتفسير المادة 76 من الدستور العراقي، حيث ترى القائمة العراقية (91 مقعد ويتزعمها علاوي) أنها الكتلة الأكبر التي يجب تكليفها بتشكيل الحكومة بناء على تحقيقها أعلى الأصوات في الانتخابات التي أجريت في 7 من آذار/ مارس الماضي، فيما ترى دولة القانون (89مقعد ويقودها المالكي) أن تفسير المحكمة الاتحادية للمادة الدستورية أعطى الحق للكتلة الأكبر بعد التحالف بتشكيل الحكومة.وكانت المحكمة الاتحادية قد أصدرت في 11 من تموز /يوليو تفسيرا جديدا للمادة 76 من الدستور العراقي مفاده أن "من حق الكتلة الأكبر التي تتشكل داخل مجلس النواب ترشيح رئيس الوزراء بعد أن يتم تكليفها من قبل رئيس الجمهورية".
ومع أن حكومة المالكي ، استطاعت تحقيق بعض الانجازات على الصعيد الأمني، وتمشية أمور الدولة ،إلا أن خصومه يتهمونه بان أسلوبه في الحكم يقوم على النهج التسلطي الدكتاتوري .كما أن حكومته فشلت في حل مشاكل الكهرباء ،والخدمات، والبطالة ، والوقود والحصة التموينية للمواطنين .ويبرر المالكي هذا الفشل في أن مجلس النواب لم يتعاون معه .كما انه عاجز عن تغيير أي وزير في حكومته لان الوزراء يتبعون قادة أحزابهم والكتل التي ينتمون إليها . وفوق هذا فهو مقيد بوجود القوات الأميركية وبوقوع العراق تحت بند الفصل السابع ،وعليه فأنه لابد من السعي لحل كل هذه الإشكالات وأبرزها ضمان انسحاب القوات الأميركية من العراق والتوقيع على اتفاقية تضمن ذلك .
مستقبل العلاقات العراقية – الأميركية :
وفي عهد المالكي تم التوقيع على ما سمي ب"إعلان مبادئ حول علاقة العراق والولايات المتحدة الأميركية وبموجب هذا الإعلان تنسحب القوات الأميركية من العراق بحلول نهاية آب- اغسطس 2010 .وقد تضمن الإعلان مبادئ وتصورات حول مستقبل العلاقة بين العراق والولايات المتحدة في العديد من القضايا السياسية والأمنية والعسكرية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية .وكان هذا الإعلان بمثابة إطار عام للمفاوضات مع الولايات المتحدة التي ابتدأت مع مطلع سنة 2008 وانتهت قبل 31 تموز-يوليو 2008 ،واستهدفت التوصل إلى اتفاقية ثنائية نظمت العلاقة بين البلدين .وفي 25 تشرين الثاني-نوفمبر 2007 وقع السيد نوري المالكي رئيس الوزراء والرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش "اتفاقية الصداقة والتعاون طويلة الأمد بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأميركية ". وفي يوم الأحد 16 تشرين الثاني –نوفمبر 2008 أقر مجلس الوزراء العراقي الاتفاقية ووصفت واشنطن الموقف العراقي بأنه خطوة ايجابية . وتسمح الاتفاقية للقوات الأمريكية بالبقاء في العراق حتى عام 2011 . وتشير مسودة الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق، التي نشرتها وسائل الإعلام العراقية الرسمية، إلى أن الغرض منها هو تحديد "الأحكام والمتطلبات الرئيسة التي تنظم الوجود المؤقت للقوات الأميركية في العراق وأنشطتها فيه وانسحابها من العراق". ومن أهم بنودها أن القوات الأميركية تنسحب من جميع الأراضي العراقية في موعد لا يتعدى 31 كانون الأول-ديسمبر عام 2011 ميلادي. وتنسحب جميع قوات الولايات المتحدة المقاتلة من المدن والقرى والقصبات العراقية في موعد لا يتعدى تاريخ تولي قوات الأمن العراقية كامل المسؤولية عن الأمن في أي محافظة عراقية، على أن يكتمل انسحاب قوات الولايات المتحدة من الأماكن المذكورة أعلاه في موعد لا يتعدى 30 حزيران –يونيو عام 2009. وتتمركز قوات الولايات المتحدة المقاتلة المنسحبة في المنشآت والمساحات المتفق عليها التي تقع خارج المدن والقرى والقصبات والتي سوف تحددها اللجنة المشتركة لتنسيق العمليات العسكرية .
كما تعترف الولايات المتحدة بالحق السيادي لحكومة العراق في أن تطلب خروج قوات الولايات المتحدة من العراق في أي وقت. وتعترف حكومة العراق بالحق السيادي للولايات المتحدة في سحب قواتها من العراق في أي وقت.
و يتفق الطرفان على وضع آليات وترتيبات لتقليص عدد قوات الولايات المتحدة خلال المدد الزمنية المحددة، ويجب أن يتفقا على المواقع التي ستستقر فيها هذه القوات. ما يتعلق بردع المخاطر الأمنية .وعند نشوء أي خطر خارجي أو داخلي ضد العراق أو وقوع عدوان ما عليه، من شأنه انتهاك سيادته أو استقلاله السياسي أو وحدة أراضيه أو مياهه أو أجوائه، أو تهديد نظامه الديمقراطي أو مؤسساته المنتخبة، يقوم الطرفان، بناء على طلب من حكومة العراق، بالشروع فورا في مداولات إستراتيجية، وفقا لما قد يتفقان عليه فيما بينهما، وتتخذ الولايات المتحدة الإجراءات المناسبة، والتي تشمل الإجراءات الدبلوماسية أو الاقتصادية آو العسكرية أو إي إجراء آخر، للتعامل مع مثل هذا التهديد.
ونصت الاتفاقية على ان الطرفان يستمران في تعاونهما الوثيق في تعزيز وإدامة المؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات السياسية والديمقراطية في العراق، بما في ذلك، وفق ما قد يتفقان عليه، التعاون في تدريب وتجهيز وتسليح قوات الأمن العراقية، من اجل مكافحة الإرهاب المحلي والدولي والجماعات الخارجة عن القانون، بناء على طلب من الحكومة العراقية.
ولا يجوز استخدام أراضي ومياه وأجواء العراق ممرا أو منطلقا لهجمات ضد دول أخرى. ويكون للعراق الحق الأولي لممارسة الولاية القضائية على أفراد قوات الولايات المتحدة وأفراد العنصر المدني بشأن الجنايات الجسيمة والمتعمدة وطبقا للفقرة الثامنة حين ترتكب تلك الجنايات خارج المنشآت والمساحات المتفق عليها وخارج حالة الواجب. وللعراق الحق الأولي لممارسة الولاية القضائية على المتعاقدين مع الولايات المتحدة ومستخدميهم. كما ان للولايات المتحدة الحق الأولي لممارسة الولاية القضائية على أفراد قوات الولايات المتحدة وافراد العنصر المدني بشأن أمور تقع داخل المنشآت والمساحات المتفق عليها وأثناء تأدية الواجب خارج المنشآت والمساحات المتفق عليها. حول الاحتجاز .
ولا يجوز لقوات الولايات المتحدة توقيف أي شخص آو إلقاء القبض عليه (باستثناء التوقيف آو إلقاء القبض على عضو من قوات الولايات المتحدة أو العنصر المدني) إلا بموجب قرار عراقي.
إلا أن مجيئ الرئيس باراك اوباما الى دست الرئاسة الأميركية عجل في قرار الانسحاب من العراق وذلك تنفيذا للوعود التي قطعها اوباما على نفسه في حملته الانتخابية.ففي يوم السبت 28 آب –أغسطس 2010 ،أعلن الرئيس الأميركي باراك اوباما ، أن الولايات المتحدة ستنهي رسميا الثلاثاء 31 آب-أغسطس 2010 مهامها القتالية في العراق، مؤكداً بذلك أن "الحرب بدأت تضع أوزارها" بعد سبع سنوات على الغزو، وأن العراق قادر على "رسم مسار مستقبله".وأشار في الخطاب إلى أن انسحاب القوات القتالية الأميركية من العراق وخفض عددها إلى أقل من خمسين ألفا حالياً ساعد في الوفاء بتعهد قطعه خلال حملة الانتخابات الرئاسية عام 2008.وقال بأن الولايات المتحدة أعادت أكثر من تسعين ألف جندي منذ أن أصبح رئيساً، "وتولى العراقيون المسؤولية الأمنية في أجزاء كثيرة من البلاد، وهم حالياً يتولون فعلياً القيادة الأمنية للعراق".ونبه أوباما إلى أن القوات الأميركية المتبقية في العراق ستواصل "دعم وتدريب القوات العراقية ومشاركة العراقيين في مهام مكافحة الإرهاب". وأضاف : "خلاصة القول إن الحرب تنتهي، والعراق مثل أي دولة مستقلة ذات سيادة حر في رسم مساره الخاص وبنهاية العام المقبل ستكون جميع قواتنا قد عادت إلى البلاد".ويحاول البيت الأبيض أن يؤكد إنجازات أوباما قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس تشرين الثاني-نوفمبر 2010 لدعم مرشحي حزبه الديمقراطي الذي من المرجح أن يخسر مقاعد وربما الأغلبية في أحد مجلسي الكونغرس أو كليهما.من ناحية ثانية حث أوباما الأميركيين على إبداء التقدير للقوات الأميركية العائدة من العراق وقال "إن القوات القتالية الأميركية فعلت كل ما طلبته منهم بلادهم على مدى السنوات السبع الماضية، ونحن مدينون لهم بامتناننا العميق لكل ما فعلوه ويفعلونه وسيستمرون بفعله للدفاع عن أمتنا".وسبق لاوباما ان وجه رسالة شكر مصورة نشرت على الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض أشاد فيها بالقوات الأميركية التي خدمت في العراق وتلك التي ما زالت فيه، مبرزاً دورها في المساعدة على ما أسماه "إحلال الديمقراطية بالعراق".
يؤكد خصوم المالكي حقيقة أن الانسحاب الأميركي لم يأت لجهود بذلها السيد المالكي وإنما جاء وفق حسابات أميركية صرف تتعلق بوعود أطلقها الرئيس الأميركي الجديد باراك اوباما في حملته الانتخابية تقضي بتحقيق الانسحاب الأميركي من العراق في موعد أقصاه أواخر آب-أغسطس 2010 .ولكن السؤال المهم هو هل تحقق الانسحاب فعليا ؟
إن مما ينبغي ذكره في هذا المجال أن الإدارة الأميركية لاتزال تبقي على 50 ألف جندي على الأراضي العراقية، وتتواجد هذه القوات في قواعد ثابتة وان من حق هذه القوات التدخل لمساعدة القوات العراقية في مواجهة التحديات .فضلا عن أن الإدارة الأميركية تعاقدت مع شركات أمنية خاصة وأسست لها اكبر سفارة في العراق تستوعب أكثر من أربعة آلاف عنصر امني واستخباري وفني .كما أنها لاتزال تمتلك أوراق التعاون مع القوى السياسية العراقية . ومما يقوي هذا الاعتقاد عدم جاهزية القوات المسلحة العراقية لمسك الملف الأمني والعسكري وتحقيق الاستقرار المنشود في ظل تصاعد أعمال العنف والتحدي العسكري الذي تواجهه الحكومة العراقية .ومما يدعم هذا الرأي ماقاله الفريق الركن بابكر الزيباري رئيس أركان الجيش العراقي من أن الجيش العراقي يفتقد القدرة على تنفيذ واجباته لنواقص فنية وإدارية وتنظيمية وتسليحية .كما أن الجيش الجديد يفتقد الكثير من المقومات التي تجعله يمارس دوره كجيش وطني بسبب تشكيلته الناقصة، وضعف تدريبه، ووجود عناصر ميليشياوية فيه تعود في ولائها إلى أحزابها وطوائفها أكثر مما تعود إلى مرجعية وطنية واضحة . وفي مطلع أيلول –سبتمبر 2010 أثار ضباط أميركيون مخاوف من عدم تمكن الجيش العراقي، الذي نجح في إخماد أعمال عنف، من تجهيز قواته باللوازم الضرورية. وقال مستشارون أميركيون أن أوجه القصور والمشاكل لا تعد ولا تحصى بدءا بالمستشفيات العسكرية ،التي تفتقر إلى أطباء صحة وأطباء الأسنان، وانتهاء بالبيروقراطية الواجب إتباعها لطلب قطع غيار المركبات والمعدات الحيوية.
وأضاف "الكولونيل ستيفن ابلاند "آمر فوج يقدم المشورة للفرقة الثالثة في الجيش العراقي في قاعدة الكسك غرب مدينة الموصل أن"القوات العراقية تبلي بلاء حسنا من ناحية التكتيك (...) إلا أن الحرب تتعلق كذلك بالنواحي اللوجستية".
وأوضح أن"نظامهم اللوجستي متخلف كثيرا بالنسبة الى ما تتطلبه مهارتهم".ولتوضيح وجهة نظره، رفع ابلاند قلمه ليظهر مدى التعقيدات التي يجب أن يتبعها الجيش العراقي لطلب صندوق جديد من هذه الاقلام.
ويبلغ عديد الجيش اقل من 300 ألف عسكري في حين يبلغ عديد قوات الشرطة نحو 560 ألفا.
وأوضح انه"للحصول على صندوق أقلام يجب أن أملأ طلبا بثلاث نسخ أو أربع نسخ، وأعطيه إلى احد الضباط الذي يأخذه إلى بغداد لكي يختمه ومن ثم يعود لإعطائي إياه قبل الحصول على اللوازم الموجودة على مسافة مئتي متر من هنا".
ويسير" اللفتنانت كولونيل كريج بينسون" احد مساعدي ابلاند في احد المراكز الصحية داخل القاعدة متذكرا كيف كان مجهزا بشكل جيد في السابق.
وكانت معظم مصابيح المركز مطفأة بسبب انقطاع التيار الكهربائي في القاعدة التي تملك مولد كهرباء قادرا على تزويد الطاقة لمساحة اكبر مرتين من القاعدة. وقال"لديهم المعدات لكنهم بحاجة إلى موظفين والى نظام لوجستي".وأضاف بنسون أن"وحدة الإنقاذ التي قمنا بتدريبها على التعامل مع الصدمة في ساحة المعركة لديها معدات منتهية الصلاحية".
وعاد ابلاند ليقول : إن الأمر سيستغرق ثلاث سنوات لكي تبلغ الخدمات اللوجستية في الجيش العراقي المستويات اللازمة، موضحا أن بناء الجيش الجديد بعد الاحتلال كان مركزا على مكافحة التمرد فقط.
وأضاف"كنا نعلم بان دقة التنظيم، وخصوصا في مجالات مثل النقل والإمداد والموظفين وإدارة الموارد البشرية، ستعاني من النقص". وختم"خلاصة القول انه نظام غير فاعل بشكل رهيب في الوقت الحالي".على صعيد آخر، قالت السفارة الأمريكية في العراق إن تخفيض عدد القوات العسكرية الأميركية لا يعني تخفيض الالتزام الأمريكي تجاه العراق بل يعني تغييرا في طبيعة التعهد الأمريكي من التزام يقوده العسكريون الى التزام يقوده المدنيون.
وأكدت السفارة في بيان لها إن"القوة الانتقالية الأمريكية المتبقية في العراق ستستمر في دعم قوات الأمن العراقية في حين تواصل الإدارة الأميركية تقوية أواصر الشراكة بين الولايات المتحدة والعراق في مجالات متعددة كالتعليم، والقانون، والتجارة ،والتكنولوجيا".
وأوضحت أن"عدد القوات الأمريكية انخفض إلى 50 إلف جندي أمريكي في حين تقلصت المعدات العسكرية الأمريكية في العراق من 4ر3 مليون قطعة كانت موجودة في 2009 إلى 2ر1 مليون قطعة ضرورية لدعم القوات العسكرية المتبقية في نهاية آب- أغسطس 2010 ".
وأشارت السفارة الأمريكية في بغداد إلى إن"القوات الأمريكية المتبقية ستتشكل في ستة ألوية لتقديم المشورة والمساعدة . فضلا عن قوات تمكين".
وأوضحت أن"نقل المعدات سيتم إلى احد الأمكنة الثلاثة وفق ترتيب الأولوية إما إلى القوات الأميركية المحاربة في أفغانستان أو لإعادة تزويد المخازن العسكرية الأميركية أو إلى قوات الأمن العراقية من اجل تأمين امتلاكهم الحد الأدنى من القدرة الأساسية التي تمكنهم من تولي مسؤولية امن بلادهم".
وثمة من يرى، بأن العراق بعد الانسحاب الأميركي ليس بحاجة الى جيش كبير . ومن هؤلاء الفريق الركن بابكر زيباري رئيس أركان الجيش نفسه .فلقد سبق ان دعا في شباط 2006 إلى انضمام العراق الى حلف شمالي الأطلسي لتجنيبه –حسب قوله – مشاكل كبيرة ستواجهه في المستقبل من بينها هدر ثرواته على بناء جيش قوي وكبير لحماية أراضيه من أي عدوان خارجي .وقال : " أنا كعسكري محترف اعتقد ان معالجة هذا الموضوع (الحفاظ على العراق وثرواته من أطماع الطامعين ) ،تكمن في ان يكون العراق جزءا أو عضوا في حلف شمالي الأطلسي ...وهذا الخيار سيجنب العراق مشاكل كبيرة في مقدمتها الحفاظ على ثرواته التي سيهدر معظمها على بناء جيش كبير .فضلا عن تجنيب العراق أي اعتداء من أي دولة كانت وهذا يصب في مصلحة الشعب العراقي ويجعل العراق بمنأى عن أية تهديدات أو مخاطر مستقبلية " .واستدرك زيباري ليقول بأن هذا تقرره القيادة السياسية واعترف بأن القوات الأميركية تسمح بوجود جيش عراقي قوي ولكن ضمن مفهوم محدد لدور هذا الجيش في المرحلة المقبلة ... " .
مشكلة دمج البيشمركة بالجيش العراقي :
وثمة مشكلة أخرى تواجه السلطة في العراق بعد الانسحاب الأميركي ، تتعلق بمسألة دمج قوات البيشمركة الكردية بمؤسسة الجيش .فثمة من يقول أن البيشمركة ميليشيا تعود في ولائها للحزبين الكرديين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وبالتالي فهي ليست مستعدة للاندماج بالقطعات العسكرية العراقية وغير قادرة –لأسباب كثيرة فنية وتسليحية وسياسية – على القيام بمهام قتالية دفاعية خاصة عند تعرض حدود العراق الشمالية والشرقية للخطر الخارجي .لكن الأكراد يقولون : " أن البيشمركة ليست ميليشيا "، " وإنما قوة عسكرية منضبطة تسهر على تحقيق الأمن في إقليم كردستان" .كما أنها قادرة على ضبط الحدود .وعلى أية حال فالمصادر الأميركية الرسمية تعترف " بأن قوات البيشمركة قامت في السابق بمقاتلة نظام صدام حسين ،وأسهمت في الانتفاضة المسلحة التي اندلعت في السنة 1991 .كما أنها شاركت إلى جانب القوات الأميركية في العمليات العسكرية خلال حرب 2003 .وهي تساند القوات الأميركية وتعمل حاليا كقوة نظامية لحفظ الأمن في إقليم كردستان العراق والدفاع عنه " . ومعنى هذا ان مسألة دمجها بالجيش ليست صعبة خاصة وانها تعتمد الألبسة والتشكيلات ، والسياقات التدريبية والفنية والعسكرية التي كان يتبعها الجيش العراقي السابق .وقبل أيام (29 آب –اغسطس2010 ) ،نقلت إذاعة العراق الحر، وهي إذاعة قريبة من المخابرات الأميركية "انه سيتم من قبل الجيش العراقي قريبا ،وبناء على نصيحة من القوات الأميركية ، تدريب 35 ألفا من عناصر البيشمركة، وتكوين فرقتين عسكريتين الأولى مقرها في اربيل. والثانية في السليمانية والسعي لتجهيز الفرقتين بأحدث الأسلحة .وقد تكون هذه الخطوة مقدمة لدمج البشمركة بالجيش العراقي .
مستقبل كركوك :
إن من التحديات التي يواجهها العراق بعد الانسحاب الأميركي مستقبل كركوك هذه المحافظة الغنية بالنفط وذات الموقع الاستراتيجي ومما يفاقم هذه المشكلة ، الاختلاف حول اقتسام عائدات النفط بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان .ويقينا أن التصريحات والهواجس التي تنطلق من أطراف الصراع حول كركوك هم العرب والأكراد والتركمان .وكما هو معروف فأن مشكلة كركوك ليس جديدة وإنما هي من المشاكل المتوارثة من تسويات الصراع الدولي حول العراق منذ سنوات الحرب العالمية الأولى والتسويات التي أعقبتها والمساومات التي جرت بين بريطانيا وفرنسا لحل إشكالات الاتفاقيات السرية المتناقضة التي حتمت عقدها ظروف الحرب العالمية الأولى .فكركوك كانت لواء تابعا لولاية الموصل وقد شملتها معاهدة سايكس- بيكو التي عقدت بين بريطانيا وفرنسا .وقد اضطر الانكليز الفرنسيين للتخلي عن ولاية الموصل للانكليز مقابل تخلي الانكليز عن دعم حكومة الملك فيصل بن الشريف حسين في سوريا ، وهكذا قيل أن بريطانيا باعت عرش فيصل في سوريا بنفط الموصل .وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى باحتلال بريطانيا للعراق بين 1914-1918 ودخول ولاية الموصل تحت الاحتلال البريطاني ، ظهرت مشكلة الموصل عند مطالبة تركيا بها باعتبار أن القوات البريطانية دخلتها بعد إعلان الهدنة في تشرين الثاني 1918 .وقد تطلب الأمر تدخل عصبة الأمم- وهي المنظمة الدولية التي تشكلت بعد الحرب العالمية الأولى وسبقت الأمم المتحدة - والوصول إلى اتفاقية عراقية –تركية –بريطانية أصبحت ولاية الموصل وبضمنها كركوك –جزءا من الدولة العراقية التي تشكلت سنة 1920.
يسمي الأكراد الأراضي التي كانت تضمها ولاية الموصل "كردستان الجنوبية " وهي تسمية كان الضباط السياسيون البريطانيون يطلقونها على ولاية الموصل ويرى الأكراد بان كركوك سلخت من كردستان تحت عنوان "ترسيم الحدود بين العراق وتركيا " سنة 1926 ،فحدثت مشكلة قومية معقدة ، ومما زاد في حدة هذه المشكلة التغييرات السكانية والإدارية التي حدثت في العهود التالية للاحتلال البريطاني للعراق ورغم عدم رضى الأكراد وقيامهم بالكثير من الثورات والانتفاضات ، إلا إن مشكلة كركوك ظلت بدون حل وقد زاد في تعقيد الأمر التدخلات الإقليمية والدولية في هذه المشكلة . إلا أن العقدة الكبيرة هي الإجراءات التي قام بها النظام السابق لتقليل عدد الأكراد في كركوك وبوسائل عديدة منها التعريب وترحيل الأكراد وعن بعض القرى وإجراء تغييرات إدارية في لواء كركوك .
وضع الدكتور مكرم الطالباني - وهو أكاديمي كردي ذو توجه ماركسي عمل وزيرا سابقا في العراق خلال عهد النظام السابق - دراسة بعنوان : "نحو حل صحيح لمستقبل كركوك " نشرت في كراس صغير في السليمانية سنة 2010 قال فيها أن وجود الأكراد والتركمان والعرب وحجم كل منهم في كركوك ليس مشكلة ولكن توسع أية مجموعة على حساب المجموعات الأخرى هو العقبة أمام حل عادل للمشكلة .المتطرفون من القوميين العرب أرادوا التوسع على حساب الأكراد والتركمان منذ تأسيس الدولة العراقية بضم مساحات شاسعة من كردستان بلغت قي المراحل الأخيرة حوالي 40 % من مساحتها الإجمالية وقد شمل استقطاع السهول الخصبة ضمن حدود لواء الموصل قبل فصل محافظة دهوك عنها وكذلك سهول كنديناوا ، وقراج في محافظة اربيل ،وسهل الحويجة ،وداقوق ،وطوز، وكفري ،وقره تبة بلواء كركوك قبل سلخ المناطق الكردية الصرف منها وهذه السهول كانت تشكل 80 % من المناطق الغنية بالنفط والمزروعة بالحبوب .والمشكلة الثانية هي المبالغة في حجم كل قومية في محافظة كركوك . فالقوميون المتطرفون الأكراد يكادون ينكرون وجود التركمان أو يعدونهم وافدين لذا يرون أن على التركمان أن يقبلوا بما " يتصدقون " عليهم من حقوق .والقوميون المتطرفون التركمان يبالغون في حجم التركمان وقلة عدد الأكراد .حتى أن احدهم أنكر وجود أكراد من سكنة كركوك واعتبرهم وافدين من المناطق الأخرى .
جرت محاولات لحل مشكلة كركوك ، ومنها تلك التي حدثت في المفاوضات بين وفد من الأحزاب الكردية والحكومة المركزية في 1991 ووضعت ورقة سميت "ورقة تطبيع الوضع في كردستان " تضمنت إعادة الأكراد المرحلين إلى أماكنهم وإعادة العرب الوافدين إلى مناطقهم واعتماد إحصاء سنة 1957 إلا أن شيئا من ذلك لم يحصل وظلت المشكلة قائمة ومستمرة بسبب أن هواجس العرب في الحكومة المركزية تجاه الأكراد تحول دون الإقرار الكامل بحقوقهم القومية ، وهواجس الأكراد تجاه الحكومة المركزية تحول دون التوصل إلى اتفاق عادل ، وهواجس التركمان تحول دون جلوسهم مع الأكراد وهواجس الأكراد تجاه التركمان تحول دون تقديمهم عرضا سخيا للتركمان يقرون بحقوقهم .أما تمسك الأكراد بالمادة 140 من الدستور وموافقة الحكومة المركزية عليها والتي تقضي بتطبيع الوضع في المناطق المسماة ب"المناطق المتنازع عليها " ،وتعويض المتضررين من المهجرين الأكراد والعرب الوافدين عند إعادتهم إلى مناطقهم أو أية منطقة أخرى ،فسوف لن يحل مشكلة كركوك لسبب بسيط وهو أن الحكومة المركزية لم تقر بعودة تلك المناطق إلى إقليم كردستان ،حتى وان كانت فيها كثرة كردية لوجود منشئات نفطية .لذا فأن الحكومة متشبثة ببقاء تلك المناطق ضمن الحدود الإدارية للحكومة المركزية . ورغم تباين مواقف الكتل والأحزاب سواء الموجودة في البرلمان أو خارجه ،فان محافظة كركوك تعد خطا احمرا لايستطيع أحد تجاوزه .ويترتب على هذا أن تمسك الأكراد بالمادة 140 من الدستور سوف لن يحقق لهم هدفهم حتى وان قبلوا بمبدأ ضمان تصرف الحكومة المركزية بالموارد الطبيعية ومنها النفط لمصلحة العراقيين جميعا .
إن مشكلة كركوك سوف تبقى بدون حل ولمدة طويلة وليس ثمة أمل في التوفيق بين المواقف المتناقضة لأطرافها لأسباب داخلية تتعلق بما يريده كل طرف وأسباب إقليمية ودولية ، فتركيا لايمكن أن تقبل بضم كركوك لإقليم كردستان خوفا من أن ييسر ذلك لهم الانفصال عن العراق وتشكيل دولة ،وكذلك الخشية على حقوق التركمان ، وقد تقبل بان يكون لكركوك وضع خاص أو أن يكون للأكراد والعرب والتركمان تمثيل نسبي متساو في إدارة المحافظة .كما أن الولايات المتحدة الأميركية تريد أن تتعامل مع حكومة قوية في بغداد بشأن النفط وغيره من القضايا المتعلقة بمصالحها ،وهي تفعل مثلما فعلت بريطانيا في مرحلة الحرب العالمية الاولى وما بعدها عندما تشبثت بولاية الموصل وكركوك ضمنها والتقت مصالحها آنذاك مع مصالح الحكومة العراقية في رد مطالب تركيا بولاية الموصل وتأكيد صيرورة الموصل جزءا من العراق .
بقاء العراق تحت بند الفصل السابع :
وثمة تحد آخر يعترض العراق بعد الانسحاب الأميركي ويتعلق باستمرار مجلس الأمن بتجديد بقاء العراق خاضعا لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .ومع أن حكومة المالكي كانت تعول على الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن التي عقدت في آب –أغسطس 2010 إلا أن آمالها خابت ، عندما جدد المجلس إبقاء العراق ضمن الفصل السابع والطلب من القوى السياسية العراقية ألإسراع في تشكيل حكومة وفقا للاستحقاقات الانتخابية .ومعنى بقاء العراق تحت الفصل السابع أن سيادته ستظل منقوصة ،وهذا يضع على عاتق الحكومة الجديدة مسؤولية العمل للسعي لاستعادة العراق وضعه الطبيعي كدولة كاملة السيادة والصلاحيات واسترجاعه لوضعه القانوني الدولي أي الحالة التي كان عليها قبل صدور قرار مجلس الأمن رقم 661 في سنة 1990 .
مستقبل المقاومة :
وفي هذا السياق لايمكن تجاوز الدور الذي تقوم به المقاومة في العراق ، خاصة بعد عجز قيادات القوائم السياسية الأربع التي فازت في انتخابات آذار-مارس 2010 ولحد كتابة هذه السطور (أواخر آب-أغسطس 2010 ) ، عن التوافق لتشكيل حكومة وطنية تأخذ على عاتقها حل المشاكل الإدارية والعسكرية ، وتوفير الخدمات للمواطنين والبحث عن سبل إخراج العراق من أتون أزماته وتلطيف علاقاته بجيرانه .ومع أن هناك من ينكر وجود مقاومة - سلمية أو مسلحة - إلا أن الوقائع على الأرض تثبت وجودها .وقد اعترفت الإدارة الأميركية بذلك وأشار الرئيس العراقي السيد جلال الطالباني إلى وجودها وقال في أكثر من مرة : "أننا نحاول كسب العناصر المسلحة ،ونعمل على إقناعهم بأن ينضموا إلى العملية السياسية " .
خاتمة وملاحظات :
لقد شهد العراق منذ الاحتلال الأميركي في 9 نيسان-ابريل 2003 هياكل ومؤسسات وإدارات عديدة كان لها دورها في صنع القرار السياسي ،لكن مما لابد من تأكيده أن شكل الدولة العراقية لايزال يعتوره الكثير من الغموض فثمة ملاحظات كثيرة على الدستور ومع أن رئيس الجمهورية كما جاء في الدستور هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن فان صلاحياته محدودة وبروتوكولية والسلطة الفعلية بيد رئيس الوزراء .كما أن هناك هياكل دستورية موجودة في الدستور لم تجد لها طريقا إلى الواقع كالمحكمة الاتحادية العليا وثمة اختصاصات متداخلة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وسلطات إقليم كردستان والمحافظات وخاصة فيما يتعلق بإدارة الكمارك واقتسام واردات النفط ومصادر الطاقة الكهربائية ورسم السياسات البيئية والتنموية والصحية والتعليمية والتربوية والموارد المائية . هذا الى جانب إن الدستور جميل بنصوصه فيما يتعلق بحقوق الإنسان في العراق وكرامته لكن ذلك غير موجود على ارض الواقع فالاعتقالات العشوائية مستمرة،ودهم البيوت لايزال موجودا ،وثمة أعداد كبيرة في السجون والمعتقلات ولم يقدم الكثيرون منهم إلى المحاكمة ودون توجيه تهم محددة .كما أن العراق يواجه مشكلات اقتصادية وبنيوية كثيرة أبرزها تدهور الزراعة وتوقف المصانع وتردي المواصلات ، وارتفاع نسبة الفقر والتشرد وزيادة أعداد الأرامل والأيتام وضعف التعليم، وتدهور المؤسسات الصحية .كما وصل البلد إلى مستويات متقدمة من الفساد الإداري والبطالة منتشرة والعشوائية تسم جوانب عديدة من الحياة العراقية .
وإذا كان القرار الدولي رقم 1483 قد نص صراحة على دور الأمم المتحدة في مساعدة الشعب العراقي على تنظيم حكومته الوطنية ،والقرار الدولي رقم 1546 ينهي رسميا الاحتلال الأميركي بعد وضع جدول زمني لإجراء الانتخابات ،فأن العراقيين اليوم وخاصة السياسيون الذين يتحملون المسؤولية لايزالون عاجزين عن صنع قراراتهم بأنفسهم وهم يبحثون عن المشورة من دول عربية وإقليمية ودولية وفقا لأجندات لاتصب دائما في المصلحة الوطنية العليا ،لذلك فأن من ابرز التحديات التي ينبغي أن يواجهها من يتمل المسؤولية –إن كان ذلك على مستوى الحكومة أو البرلمان أو الكتل السياسية والحزبية أن يأخذوا المبادرة ،ويسارعوا لحزم أمورهم، ووضع مصلحة الوطن أمام أعينهم وإعادة بناء دولتهم من جديد ،وصنع قراراتهم السياسية والاقتصادية والأمنية بأنفسهم ووفق مصلحة بلدهم الوطنية أولا، ومستقبل أجيالهم القادمة ثانيا .وهذا لايأتي- برأينا - إلا بمراعاة الأمور التالية :
1. السعي المستمر لبناء جيش وطني حقيقي محترف يضع قادته مصلحة العراق وحقوق شعبه في حدقات عيونهم لا أن يتحول الجيش إلى أداة قمع للمواطنين استجابة إلى أجندات طائفية ومذهبية ولابد لهذا الجيش من عقيدة عسكرية وطنية مستقلة عن التحزبات السياسية ، والانتماءات الطائفية ، والروابط العشائرية .
2. إعادة النظر في الدستور بما يلبي الطموحات الوطنية ويحل الإشكالات المختلف عليها ولاسيما فيما يتعلق بتأكيد انتماء العراق إلى محيطه العربي والإسلامي .
3. وضع فلسفة محددة للدولة تأخذ المصالح الوطنية العليا بنظر الاعتبار .فليس من المعقول أن لايكون هناك رؤية اقتصادية وتربوية تستند إلى فلسفة الدولة يتم بموجبها بناء الاقتصاد العراقي والاهم بناء الأجيال الجديدة .
4. الدولة بحاجة إلى انتهاج سياسة وطنية مركزية موحدة في مسائل الدفاع والتخطيط الاقتصادي والاجتماعي يرجع إليها السياسيون ورجالات الدولة وأهل التربية والاقتصاد والإعلام وهذا يتطلب أن يكون هناك نوع من المصالحة والتفاهم والتسامح ونسيان الماضي وترك الأحقاد ونبذ فكرة الانتقام وضمان حرية الإنسان العراقي وحقوقه المشروعة .
5. الدولة في العراق بحاجة إلى تحقيق جملة من الاستحقاقات التي ينبغي الالتزام بها وأبرزها التأكيد على فكرة المواطنة ، ونبذ الطائفية ،وإعادة صياغة الخطاب السياسي والإعلامي بما يشجع على التلاحم المصيري بين أبناء الشعب الواحد والجرأة في مواجهة الفساد بكل أنواعه والعنف بكل أشكاله وإعطاء المرأة حقوقها وتمكينها من ممارسة دورها في بناء الدولة من جديد .
6. الدولة بحاجة إلى انتهاج سياسة خارجية واضحة المعالم تأخذ بنظر الاعتبار إعادة العراق لممارسة دوره العربي، والإقليمي، والدولي ،وبما يمنع الآخرين من التدخل في شؤونه من خلال احترام حقوق الجيرة ، والتأكيد على المصالح المتبادلة ، والحيلولة دون التدخل بشؤونه الداخلية ، وإقامة أفضل العلاقات مع دول العالم .
7. الدولة بحاجة الى ترسيخ ثقافة جديدة في العراق قائمة على رفض العنف ونبذ سياسة الاحتراب والإيمان بالرأي والرأي الآخر والسعي لبناء تجربة ديمقراطية قائمة على التداول السلمي للسلطة والتخلي عن ثقافة التشبث بالكرسي والاستماتة في سبيله و-بدون شك –فأن هذه السياسة متأصلة في العراق ولها جذور ترجع إلى العصور القديمة وتتعلق بطبيعة مناخ العراق القاسي وعلاقة الشعب بالسلطة والقائمة على الخوف وليس على الاحترام والبدء من الأول باستمرار ، وعدم الاستناد إلى الإرث في عملية البناء .هذا فضلا عن انفتاح العراق على جيرانه وما يتبع ذلك من تحوله إلى ساحة للصراع الإقليمي والدولي بسبب الامتدادات البشرية فيه والتي لها علاقة بدول الجوار المحيطة به .
8. لابد لمجلس النواب المنتخب أعضاؤه أن يأخذ دوره في إدارة الدولة ،وتشريع القوانين المهمة المؤجلة مثل قانون النفط والغاز ، وإجبار قادة الكتل السياسية الفائزة الأربعة في الانتخابات على الإسراع بتشكيل الحكومة، واستكمال مؤسسات الدولة وإعادة تنظيمها ، والتشجيع على خلق رأي عام ضاغط على النخب السياسية .فليس من المعقول إن يستمر الحال على هذا المنوال، وتظل الاتهامات متبادلة بين ممثلي القوى السياسية والجدل قائم على قدم وساق بين النخب، وبما يؤكد قول الشاعر الذي وصف حال الدولة العثمانية اثر الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني 1876-1909 وخلعه في 1909 حين قال :
كان عبد الحميد بألامس فردا
فغدا اليوم ألف عبد الحميد .
يقينا انه في حالة عجز السياسيين العراقيين أو فشلهم في الاستجابة للمتغيرات الخطيرة والتحديات الكبيرة التي عصفت وتعصف ببلدهم ، فأنهم سوف يتحملون وزرا وخطيئة لايمكن أن تغفرها لهم الأجيال القادمة .نأمل في ان يستطيع العراقيون –وهم شعب متحضر ،وواع ،ولهم عمق في التاريخ ويمتلكون إرادة صلبة ومتعودين على الصبر ،تجاوز ماهم فيه وبأقل التضحيات .
*اعد خصيصا لمركز الجزيرة للدراسات
**الرجاء زيارة مدونتي "مدونة الدكتور ابراهيم العلاف " ورابطها التالي :http://wwwallafblogspotcom.blogspot.com/2010/02/1908-1995.html