
بقلم عبدالرزاق خلف محمد الطائي
الموصل / مركز الدراسات الاقليمية
شهد العراق في القرن التاسع عشر نهضة أدبية كبيرة نتيجة عوامل متعددة فقد ظهر العديد من الشعراء والأدباء والعلماء والكتاب .
وكان من أركان هذه النهضة الأستاذ ابو الثناء الالوسي االذي مال إليه طالبي المعرفة ميل كبير وانضموا تحت لوائه وكانت علاقته بالعلماء والأدباء مشهودة .
ذاع صيته وتعالى شانه بين أرباب الأدب ولاشك انه كان من أساطين القرن التاسع عشر في العراق في حل مشاكل جمة في العقائد والتصوف والآداب من خلال مؤلفاته.....
ونحن نحتاج الكثير حتى نقف على حياة هذا الأستاذ الجليل وأثره في المجتمع .
يحاول هذه البحث تسليط الضوء على ابو الثناء الالوسي وعلى جهوده العلمية والادبية ومدى تأثره وتاثيره في عصره الذي كان حلقة من حلقات تطور المجتمع العراقي في العصر الحديث .
يتكون البحث من مبحثين وخاتمة اشتملت على أهم النتائج والتوصيات التي توصل أليها البحث ، إما المباحث فهي كالأتي :
الأول : حياته ونشأته الدراسية والوظيفية :
الثاني: نشاطه الفكري والأدبي ومؤلفاته :
المبحث الأول : حياته ونشأته الدراسية والوظيفية :
_ نسبه :
هو محمود شهاب الدين أبو الثناء الحسيني الآلوسي و كامل نسبه: محمود شهاب الدين أبو الثناء بن عبد الله بن محمود بن درويش بن عاشور بن محمد بن ناصر الدين بن حسين بن علي بن حسين بن كمال الدين بن شمس الدين بن محمد بن شمس الدين بن حارس بن شمس الدين بن شهاب الدين بن أبي القاسم بن أمين بن محمد بن بيدار بن عيسى بن أحمد بن موسى بن أحمد بن محمد بن أحمد الأعرج بن موسى المبرقع بن محمد الجواد بن علي الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه ).
يرجع نسبه إلى مدينة ألوس وهي جزيرة في وسط نهر الفرات في محافظة الانبار حاليا ، اذ انتقل إليها جد هذه الأسرة فنسب إليها. ويرجع نسب عائلته إلى الحسين بن علي بن ابي طالب( رضي الله عنهما ) فهي عائلة علوية النسب. وآلوسية في الموطن وبغدادية السكن
ولادته ونشأته وتحصيله العلمي:
ولد ابو الثناء الالوسي في جانب الكرخ من مدية بغداد في 14 شعبان 1217هـ / 1802م وهو من بيت عريق في النسب ضليع في الأدب عني والده السيد عبدالله الالوسيبتربيته وتنشئته فلقنه العربية اذ حفظ الاجرومية وألفية ابن مالك قبل إن يبلغ السابعة من عمره وحصل على طرفا من الفقهي الحنفي والشافعي واحاط ببعض الرسائل المنطقية والكتب الحديثة.
ولما بلغ العاشرة من عمره أذن له ابوه ان يأخذ من غيرهم فأتم دراسته عند كثير من علماء العراق، ونذكر منهم السيد عبدالعزيز الشواف والعلامة محمد أمين الحلي والشيخ السلفي المحدث علي السويدي والعالم الأديب علاء الدين علي الموصلي وقد استجاز هؤلاء وغيرهم في علوم اللغة والأدب والفقه والحديث ، وكانت خاتمة إجازاته على يد الشيخ علاء الدين الموصلي الذي لازمه نحو 14 عاما _ في يوم مشهود حضره علماء وأدباء ووجهاء بغداد وكان ممن حضر ذلك الاحتفال الحاج نعمان الباجه جي الذي أعجب بابي الثناء واقترح عليه أن يكون مدرسا في مدرسته .
التدريس:
بعد الاجازة نال ابو الثناء الالوسي منصب التدريس في مدرسة الحاج نعمان الباجه جي في محلة نهر المعلى (السبع ابكار حاليا ) قبل ذلك كان ابوالثناء مدرس في مدرسة خاله الحاج عبد الفتاح الراوي وكان خاله مهمل شؤون مدرسته ، لذلك عمل ابوالثناء بنقل طلبته إلى مدرسة الحاج نعمان الباحه جي إذ كانت المدرسة مجهزه بكل ما يلزم لضمان راحة الطلبة ونتيجة لذلك وما حصل من ووشاية بين ابوالثناء وخاله الذي ثارت ثائرته وشن حمله شعوا على ابن أخته شايعه فيها أولاده وإتباعه. ومضى أقارب أبي الثناء وأعداؤه في خصومته الى حد أنهم أغروا به مفتي بغداد الحنفي والشافعي بحجة انه هجاهما هجاءً مراً ، بل ذهبوا ابعد من هذا فأوفدوا إلى والي بغداد داود باشا(1818_1831) مندوباً يقول له : ان اباالثناء الالوسي سب ابن حجر احد ائمة الشافعية علناً في وعظ شهر رمضان ولكن الوالي داود باشا لم يصدق ذلك. بل كان ينظر بعين الارتياح الى تفوق ابي الثناء الالوسي؛ لذا أبقاه في منصبه في التدريس . ومع ذلك لم يكن الحاج أمين الباجه جي الذي كان من عرف أدب ابوالثناء وعلمه وفضله ليطمئن الى بقائه في مدرسة اخيه الحاج نعمان فطلب اليه ان يستقيل من التدريس فيها ، وذكر له انه قائم بإنشاء مسجد ومدرسة ، وانه سيطلب تعينه خطيباً وواعظاً في مسجده ومدرساً في مدرسته ، ثم انه وعده ان يدفع له مرتبه مدة انتظاره اكمال المسجد والمدرسة ، وقد أنجز امين الباحه جي وعوده كلها فحسنت حال ابي الثناء وسمت منزلته.
كما عمل ابو الثناء مدرساً في المدرسة القمرية ومسجدها ثم في المدرسة العمريةوبعدها في مسجد السيدة نفيسة ثم مسجد ال عطا وبعد ذلك في مسجد الحنان .
وقد بقي ابو الثناء مدرس في مدرسة الحاج امين الى ان حدث الطاعون . وبعدها نصب للتدريس في المدرسة القادرية.
ولقد اثمرت عنايه داود باشا بل شعراء والادباء فقد وقف ابو الثناء وقفة صادقة الى جانب داود باشا خلال حصار علي رضا باشا لبغداد 1831.
في أوائل سنة 1247هـ 1831م دخل علي رضا باشا (1831_1842) والي بغداد الجديد عنوة بعد ان قمع داود باشا وأرسله مخفوراً الى اسطنبول ، وأساء جنوده السلوك في بغداد فنهبوا الأموال وطلب سكان بغداد الى علي رضا باشا ان يضرب على ايدي جنوده فلم يفعل فكانت حركة الشيخ عبدالغني جميل ضد الوالي الجديد وكان ابو الثناء زعيم اهل الكرخ في هذه الحركة التي جرائها القي القبض عليه وجرد من وظائفه وسجن عند نقيب اشراف بغداد ، وبعد فترة افرج علي رضا باشا عن ابو الثناء وعينه واعظاً للحضرة القادرية . وبعد ذلك نشأت بين الاثنين صلة ودية وثيقة بعد ان كان الوالي يحضر وعضة في شهر رمضان فأعجب بفصاحته وسعة حفظه وغزارة اطلاعه وقد وطد ابو الثناء هذه الصلة بشرحه (البرهان في طاعة السلطان ) وتقديمه هذا الشرح الى علي رضا باشا الذي أجازه عليه بتوليته أوقاف مدرسة مرجان التي لا تعطى الا لكبير علماء البلد ، واتبع هذا حمل السلطان العثماني محمود الثاني (1808_1839)على منحه رتبة تدريس الأستانة.
امانة الفتوى والافتاء:
كان تعين مفتي الحنفية والشافعية في الولايات العربية يتم ترشيحهم من قبل علماء الدين في الولاية وتتم المصادقة على تعينهم من قبل الوالي ، وكانت منزلة المفتي مهمه في المجتمع العراقي بسبب ما يمارسه من إعمال وثيقة الصلة بجانب الديني ، ولم يكن المفتي يسلم راتب معينا فالكثير من هم قد عمل في التدريس لكسب عيشهم.
كان منصب الإفتاء في العهد العثماني يوجه في العراق الى احد علماء بغداد وفي القرن التاسع عشر عمل جملة من المفتين في بغداد منهم عبدالغني الجميل. والذي اتخذ ابو الثناء الالوسي امين للإفتاء وبعد ثورة الشيخ عبدالغني الجميل على أعوان الوالي علي رضا باشا ابعد عن الإفتاء ووقع الاختيار على ابو الثناء الالوسي فاسند إليه منصب الإفتاء عام 1833. وفي هذه الفترة وردت أسئلة دينية من إيران على علماء بغداد أجاب عنها ابو الثناء فكافأه علي رضا باشا بحمل السلطان على منحه وساماً من ارفع أوسمة الدولة وهكذا ذاعت شهرة ابو الثناء وقصده طلاب العلم من اماكن بعيدة يدرسون عليه ويأخذون عنه وظل وهو في منصب الافتاء يشتغل في التاليف وتدريس العلوم وقضاء حاجات الناس
_ رحلات ابوالثناء الى الاستانة :
بعد نقل علي رضا باشا الى ولاية دمشق وتعين محمد نجيب باشا (1842_1848) والي على بغداد الذي عمد على عزل ابو الثناء عن إفتاء بغداد عام 1847 ، وتجريده من أوقاف مدرسة مرجان عملاً بمشورة بطانته التي أوهمته ان هناك فتنه يقودها مفتي بغداد وان عزله وتجريده من كل ما في يده هو الوسيلة الوحيدة للقضاء على هذه الفتنة في مهدها . وهكذا ساءت حال ابوالثناء وبلغ من العسر حتى باع كتبه وأثاث بيته وعاش بثمنها مدة من الزمن
عقد النية على السفر الى الأستانة ليعمل على رفع الحيف الذي وقع عليه فا سافر الى الاستانه واول ما قصد شيخ الإسلام عارف حكمت وكان هذا ممتعضاً منه بسبب ما بلغه عنه من اقوال مكذوبة ، فاستقبله استقبالاً فاتراً ، ولكنه استطاع ان يحمل شيخ الإسلام على تغيير موقفه . ولم يطل الوقت حتى دارت بين الاثنين مناقشات ومناظرات علمية أوقفت كلاً منهما على فضل صاحبه فتفاهما واجاز احدهما الاخر، ونقل ابو الثناء الى دار الضيافة السلطانية ، ثم طلب اليه ان يضع مذكرة بما اقدمه الى الاستانة يرفعها الى الصدر الاعظم مصطفى رشيد باشا فوضع ابو الثناء هذه المذكره وذيلها ببيتين ضمنهما قول ابي فراس الحمداني " لنا الصدر دون العالمين او القبر "
قصدت من الزوراء صدرا معظما وقد سامني ضر وقد ساءني دهر
فقلت لنفسي والرجاء موفر: " لنا الصدر دون العالمين او القبر"
ونضر الصدر الأعظم الى مذكرة ابو الثناء بعين العطف فحمل السلطان على منحه خمسة وعشرين الف قرش ومثلها مرتبا سنويا ومنحه شيخ الإسلام خمسين إلف قرش من ماله الخاص وعرض عليه قضاء ارضروم ، فاباه وهكذا حسنت حال ابو الثناء وعاد الى بغداد . وقد دون كل ما حدث له في سفره الى اسطنبول رسالة سماها ( نشوة الشمول في السفر الى اسلامبول ) وكل ما حدث له في عودته الى بغداد في رسالة اسماها( نشوة المدام في العودة الى دار السلام ) كما نه جمع ما دار بينه وبين شيخ الإسلام عارف حكمة من مناقشات ومناصرات علمية وأمور اخر حدثت له إثناء هذه الرحلة التي استغرقت واحد وعشرين شهرا في كتاب اسماه( غرائب الاغتراب ونزهة الألباب في الذهاب والإقامة والإياب ) وقي إثناء عودة ابو الثناء الى بغداد تعرض في الطريق شديد في منطقة الزاب أدى الى إصابته بالحمى النافضة التي كانة تصيبه بين الحين والأخر حتى أودت بحياته في 25 ذي القعدة سنة 1270هـ الموافق 1854م
المبحث الثاني: نشاطه الفكري والأدبي ومؤلفاته :
_اتجاهه الفكري ومؤلفاته :
على الرغم من ان ابوالثناء تقلد الإفتاء على المذهب الحنفي الى انه كان سلفي الاعتقاد .
ولاشك ان الدعوة السلفية قديمة من اول الإسلام الى ايام الامام احمد بن حنبل في بغداد وقد استمرت هذه الدعوة او المنهج في العبادة الى اوئل القرن الثاني عشرالهجري الثامن عشر الميلادي وتشير إجازات العلماء الى اتباع هذا المنهج اذ يوصي رجال الإجازة متخرجيهم ان لا يعدلون عن إحكامها كما تشهد اجازة الشيخ ناصر بن سلطان الجبوري مدرس الحضرة القادرية في بغداد واستاذ الشيخ عبدالله السويدي وكان ذلك قبل ان تظهر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأكثر من نصف قرن
الى ان دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان لها الأثر الكبير في إحياء الدعوة السلفية وكان لها التأثير الكبير في ارجاء العالم الإسلامي ومنه العراق . اذا تأثر الكثير من العراقيين وكان عبد العزيز بك الشاوي اول من اقتنع بها وحملها الى العراق بعد ذهابه الى الحج . وفي اوخر القرن الثامن عشر وردت رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب الى العراق
ومن العلماء الذين تاثرو بالدعوة السلفية الشيخ علي السويدي أستاذ ابو الثناء الالوسي الذي تمكن من استمالة الوالي سليمان باشا الصغير(1807_1810) وقبوله بتباع الإحكام دون المجاهرة بذلك خوفا من الدولة العثمانية التي حذرت من هذه الدعوة على البلاد العربية ، فسخرت العلماء في الرد على الدعوة السلفية والرد على محمد بن عبدالوهاب والطعن فيه
وهذا لم يمنع ان الكثير ناصرو الدعوة السلفية وايدوها ومنهم ابو الثناء الالوسي الذي كان بلا شك متاثر و عارفا بها وهذا ما تبينه أشهر كتبة التي توضح اتجاهه الفكري :
_( روح المعاني في تفسير القران العظيم والسبع المثاني ) وهو تفسير في القران الكريم والذي قضا في تاليفة اربع عشر سنة في وسبعة اشهر واحد عشر يوما طبع في مطبعة بولاق في مصر سنه 1301هـ والذي اعتمد فيه على المبادئ التالية في تفسير الايات القرانية :
أ_ تفسير القران بالقران أي تفسير الآيات القرآنية بقريناتها.
ب_ تفسير القران بالحديث النبوي الشريف.
ج_ التفسير بالغة وذلك بدخول في فقه اللغة ومحاولة فهم الألفاظ القرآنية بمعزل عن التكلف في حملها اكثر مما تطيق في تفسيره .
د _ التفسير بالنحو ، وذلك بالعناية بالاعراب ومناقشة المشاكل النحوية .
هـ _ بيان المسائل البلاغية في التفسير .
ح _ بين اختلاف العلماء في تفسير الآيات .
ط _ استعمال العقل في النفي والإثبات والترجيح .
ولجاء في التفسير إلى علم اللغة لشرح المفردات والى النحو والبيان والبديع وعلم الكلام والقراءات وأصول الفقه
و قد ظهرت خصائه الفكرية في كتاب روح المعاني وهي:
1_ تنقية الدين مما علق به من شوائب. فقد أنكر التوسل بغير الله ، والقسم على الله بأحد من خلقه ، والدعوة لمن لا يضر ولا ينفع ، والتشفع بأهل القبور من شفاء المريض ، ورد الضالة وتيسير كل معسر .
2_ اتباع السلف في مسائل العقيدة . والتسليم بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد امن بما امن به الصحابة والتابعون.
3_على الرغم من تقليده الحنفي منذ توليه الافتاء نراه يعارضها في بعض المسائل الكلامية ، ففي قوله تعالى :( واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا" ) قال : وهذا احد ادلة من ذهب ان الايمان يقبل الزيادة والتقصير ، ومذهب ابي حنيفة ان الايمان لا يزيد ولا ينقص .
4_ استقلال الراي والتفكير واتباع اقوى الادلة عنده ، ولا يتعصب لمذهب بكامله ، وانما قد يتعصب للرأي الذي ظهرت صحته عنده من ذلك المذهب.اذ كان متبعاً للحق باحثاً عنه ، لايهمه ان وقع عليه في هذا المذهب او ذاك .
5_كان يعرض الاراء في نهج السلف ويقدم ما وقع من معارضات وللقارئ أن يختار
6_ ذكر اراء المتصوفة في مختلف نواحي الحياة الروحية وايد بعضهم في تاويل القران ، ولكن ما لبث ان هاجم البعض الاخر منهم اذ قال : " واذكروا ان في الدنيا موازين ايضا واعظم موزينها الشريعة ، والكتاب والسنة . ولعمري لقد عطل هذا الميزان متصوفة هذا الزمان ، اعاذنا الله تعالى والمسلمين مما هم عليه من الضلال ، انه عز وجل المتفضل بأنواع الافضال"
وقد اوصى ابوالثناء الالوسي ابنائه في اتباع منهج السلف كما هو صرح فقوله في مقاماته الى ابناه يدل على ذلك اذ قال (.... يأ بني عليكم في باب العقائد بعقيدة السلف فأنها اسلم بل من أنصف يعلم أنها أيضا اعلم واحكم لأنها بعد عن القول على الله مما لا يعلم ..)
ان دراسة الالوسي للسنة النبوية الشريفة من حيث قواعد الجرح والتعديل ، هي التي كونت عنده هذا الاتجاه ووضعت يده على مواضع الضعف والقوة في اراء الفقهاء ، فاخذ ما اخذ عن اقتناع ، ورفض مارفض عن بينه.
والذي كان له الدور الكبير في نقد مناهج الطرق الاخر ورد على الكثرين وقارعهم في الكثير من ارائهم وعقائدهم ومن هم الصوفية والامامية والايرانيين ، اذ اوضح الالوسي عن عقائد الغلا كثيران بتعليق او بنقل من الغير واحيانا بذكر الاراء المعارضة اذ نجد ذلك في كتبه الاتية :
_ ( الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية ) الذي يحتوي على ثلاثين مسألة مهمة في التفسير والفقه والعقائد والكلام والمنطق وغير ذلك وهذه المسائل وردت من إيران وقد أجاب عنها ابوالثناء ، وقد طبع الكتاب في مطبعة مكتب الصنائع في اسطنبول سنة 1317هـ1899م
_(الأجوبة العراقية عن الأسئلة اللاهورية ) وفي هذا الكتاب ذب عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وقد اجازه السلطان العثماني محمود الثاني على هذا الكتاب وقد طبع الكتاب في المطبعة الحميدية في بغداد سنة 1301هـ1884م
_ (الييان : شرح البرهان في طاعة السلطان ) وهو شرح لكتاب الشيخ عبدالوهاب ياسين حجي زاده " البرهان في طاعة السلطان " كلفه الوالي علي رضا باشا به ، والكتاب في مجمله بحث في شرعية وجود الدولة العثمانية وو جوب اطاعة سلطانها على جميع المسلمين وفي الكتاب رد على ادعاءات الشيعة وتنفيذ لفكرة المهدي المنتظر.
_ ( سفر الزاد لسفرة الجهاد ) والكتاب بحث في الجهاد وبيان فضائله واهميته بالنسبة للمسلمين .وقد الفه بمناسبة هجوم روسيا على منطقة القوقاز التابعة للدولة العثمانية عام 1853م..
_(النفحات القدسية في الرد على الأمامية ) و هو رد على عقائد الشيعة المخالفة لعقائد اهل السنة . عالج فيه موضوع الامامة.
_(منهج السلامة إلى مباحث الإمامة )كان اخر مؤلفاته وتوفي قبل ان يكمله.
_ نشاطه الأدبي ومؤلفاته:
كان ابو الثناء ركنا من أركان النهضة الادبية في إنتاجه وفي توجيهه فلم يكن فقيها فقط وانما أديبا ايضا قام بنفسه في تدوين كتب ومؤلفات أدبية خالصة و كان يعد في طليعة أدباء عصره من شعراء وكتاب وكان على علاقة طيبه بهم.
اذ كان له مجلس أدبي حافل في محلة العاقولية من جانب الرصافة يختلف اليه رواد العلم والمعرفة والأدب ومن رواد هذا المجلس الشعراء عبدالباقي العمري وصالح التميمي وعبدالغفار الاخرس و المفتي وعبدالغني جميل والخطاط احمد افندي القايمقجي وادباء الموصل مثل قاسم الحمدي وعبدالله المعروف بباش عالم وغيرهم ومن كربلاء كاظم الرشتى وقاسم الهر وفي النجف والحله جماعة كبيرة والشيخ جابر السيد راضي القزويني ووالده صالح القزويني ومهدي القزويني وغيرهم.
كان لمجلس ابو الثناء وباقي المجالس الأدبية التي عرفتها بغداد وباقي مدن العراق دوراً مهماً وبالغاً في دفع الحياة الفكرية وإنضاجها، وعلى الرغم من المسحة الأدبية التي كانت تطغى على تلك المجالس، إلاّ أن روادها لم يكونوا بمعزل عن مناقشة المهم من الأمور المتعلقة بالأوضاع السياسية والاجتماعية. وعلى هذا فإن المجالس الأدبية مثلت وسيلة لها قيمتها البالغة في تحفيز المجتمع العراقي نحو الثقافة والعلوم.
كما كان ابوالثناء كثير الاتصال با المجتمع غير منفك عنه وقد كتب عن المجتمع قبل غيره اذ لا تخلو مؤلفاته من ذلك . وكانت مؤلفاته مجموعات علم وأدب في شتى المجالات ومنها الأتي:
ففي التاريخ ، كان الاستاذ مؤرخ عصره في رحلاته دون ما شاهد واوضح ما علم وترجم علماء عديدين وكان نهجه الاتصال بالمعرفة واخذ التاريخ من عارفيه فكان لما كتب قيمة علمية وتاريخية ومؤلفاته في التاريخ كثيرة وغالب مؤلفاته ترجع الى الماضي القريب والبعيد ومن مؤلفاته :
_ (غرائب الاغتراب ونزهة الألباب في الذهاب والإقامة والإياب ) وهو كتاب في الرحلة الجامعة والرجال والأبحاث العلمية والأدبية بينه وبين شيخ الإسلام عارف حكمت في اسطنبول . وقد طبع في مطبعة الشابندر ببغداد سنة 1317هـ
_ (نشوة الشمول في السفر الى اسلامبول)
_ (نشوة المدام في العودة الى مدينة دار السلام)
وفي هذين الكتابين فصل ابوالثناء مشاهداته في رحلته الى اسطنبول ذهابا وإيابا وقد طبعا الكتابين في مطبعة الولاية في بغداد الأول سنة 1291هـ1874م والثاني سنة 1293هـ 1876م.
_ ( شهي النغم في ترجمة شيخ الإسلام وولى النعم ) وهو في احمد عارف حكمت شيخ الإسلام ،وكتب أخرى ذات علاقة مباشرة في حياته وفي أدباء عصره و علاقاته بهم .
اما في مجال اللغة كان ابو الثناء من ائمة اللغة ومن مؤلفاته فيها :
_ (الجريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية ). وهذه القصيدة نظمها الشاعر عبدالباقي العمري في مدح الامام علي( رضي الله عنه ) وشرحها الاستاذ ابو الثناء ، طبعت على طبعة حجرية في مصر سنة 1270هـ وقيها تعرض لمطالب لغوية ايضاً.
_ (الطراز المذهب في شرح قصيدة الباز الاشهب ): والاصل قصيدة للشاعر عبدالباقي العمري وفي شرح هذه الفصيدة تعرض للغة كثيرا وحقق الفاظها وفيها عينت مكانته وعرفت بقدرته في اللغة.
_ (الفيض الورارد على روضة مرثية الشيخ خالد): كان الاديب محمد جواد السياهبوش قدر رثى الشيخ خالد النقشبندي بقصيدة تولى شرحها ابوالثناء التي لا يغل شرحها عن القصائد السابقة في بيان اهم المطالب الغوية ، وا ظهار مكنون ألفاظها بقدرته القيمه ومادته العلمية الغزيرة.
_ ( كشف الطرة عن الغرة) : وهو كتاب لغوي في شرح درة الغوص للحريري وتصحيح اغلاط للغويين ، والكتاب ابدى فيه قدرة وكفاءة في اللغة إثناء إقامته في اسطنبول وقد طبع في المطبعة الحنفية في دمشق سنة 1301هـ 1883م
_ (الفوائد السنية من الحواشي الكلنبوية) وهو كتاب في الأدب والمناظرة.
_ (حاشية على شرح القطر لابن هشام ) لم يتم من اتمامها وكان قد وضعها لخدمة التدريس . وفيها اراء صائبة وتوضيح في النحو وقد تمها بعدهابنة السيد نعمان الالوسي ، وطبعت طبعة متقنه سنة 1320هـ 1902م في القدس.
_ (بلوغ المرام من حل كلام ابن عصام ): في علوم البلاغة جعلها حاشية من تحقيق على كتاب (بلوغ الاراب من تحقيق استعارات العرب ) لعبد الملك بن عصام وكان ابو الثناء علق عليه حاشية وكان عمره 16 سنة ثم ذهب الى الوس فجدد النظر فيها واضاف اليها ما كشف اكثر دقائقها.
ومن مولفاته.
_ (شرح سلم العروج ) وهو كتاب في المنطق
كما كتب ابو الثناء المقامات والتي تمثل النثر القديم بأبهى إشكاله ، و كانت أيضا حديث أدبي بليغ يوجه بشكل مباشر وعلى نحو خطابي وهي بذلك اقرب الى الرسائل الأدبية اذ كانت المقامة الأولى عبارة عن مجموعة من الوصايا لأبنائه ، والثانية والثالثة والرابعة ارخ فيها لحياته، اما الخامسة فهي محاولة طريفة خرج بها عن طابع مقاماته فإنها خيالية بطلاها رجل صوفي يزور ابوالثناء في ساعة متأخرة من اليل ويبدءا بينهما حوار حول الدنيا والتصوف والفناء في ذات الله.
تلخص مقامات ابو الثناء على انها تحتوي على دروس قيمة في الحياة ، اما اسلوبها فهو اسلوب المقامة سجع ملتزم ومطابقات ملتزمة واستعارات وتشبيه ......
وقال ابو الثناء الشعر الا انه لم يكن له ديوان مطبوع (وفي مجموعة عبد الغفار الاخرس ) شيء من شعره.
فمن شعره قوله مفتحا به مقاماته ومستغفرا :
إنا مذنب انا مخطئ انا عاصي هو غافر هو راحم هو عافي
قابلتهن ثلاثة بثلاثة وستغلبن أوصافه أوصافي
وقال في مرض موته شاكيا ً
ولو ان مابي من صداع بيذبل لأ صبح مصدوع الحشاشة (يذ بل)
الى الله اشك وان روض سلامتي لفرط سموم السقم يذوى ويذبل
وقال أيضاً :
أمولاي ان الناس قد جهلوا مري فمن قال ادري فهو والله لايدري !
واني ولي بيني وبينك حالة تدق على الافكار حتى على فكري؟
كما لابي الثناء على ماذكر حواش وتعليقات ورسائل وفتاوه.
الخاتمة :
لا يمكن القول إن هذا البحث قد أوفى الأستاذ ابو الثناء شهاب الدين الالوسي حقه وإنما أوردنا جوانب تفصيلية تفيد المتخصصين والقراء بصفة عامة، ألا أنها تحتاج إلى مزيد من العرض والتحليل . وفي هذه الخاتمة سوف يذكر ابرز المسائل التي تناولها البحث ثم يشار إلى بعض الجوانب التي يمكن أن تكون محل نظر الباحثين لمن أرد إن يكتب عن ابو الثناء الالوسي .
استعرض البحث وتطرق لسيرة ابو الثناء منذ مولده ونشأته وتحصيله وإجازاته العلمية ودوره في النهضة الأدبية التي شهدها العراق في القرن التاسع عشر .
فقد نهضة ابو الثناء بالأدب نهضة كبير والتف حوله الأدباء فكان ناظم الحركة الأدبية و حلقة الاتصال بينهم بعد ان نشط الأدب في عصره.
كان يقول الأدب للأدب ويعمل لتأكيدها ويحذر من الاتصال بالسياسة ، مع هذا طاردته السلطة وظنت فيه الظنون اذ كان للوشاية تأثيرها فيه فسلبته وظائفه بعد ان تطورت حياته من التدريس الى أمانة الفتوى والإفتاء الى التوغل في تدوين الآثار الدينية والعلمية والأدبية والتاريخية . فقد امتاز بمواهب جمة يكاد يكون في كل منها متخصص وكأنه لم يشتغل بغيرها وتشهد على ذلك مؤلفاته القيمة التي يمكن ان تكون محل نظر الباحثين فضلا عن تفسيره الضخم الذي لا يستغني عنه العلماء والباحثين وطلاب العلم . نسال الله له رحمة واسعة وجزاه عن دينه وأمته جزاء الصادقين الأخيار...
قائمة المصادر والمراجع :
_القران الكريم
_ الأثري ، محمد بهجت ،اعلام العراق ، المطبعة السلفية ،( د. م_1345هـ /1927 )
_احمد ،عبدلاله ، نشاة القصة وتطورها في العراق 1908_1939 ، ط2 ، دار الشؤون الثقافية ،( بغداد_1986).
_البصير ، محمد مهدي ، نهضة العراق الادبية في القرن الثالث عشر للهجرة ، الطبعة الثالثة، دار الرائد العربي ، (بيروت_1990) .
_ الحمداني طارق نافع ، ملامح سياسية وحضارية في تاريخ العراق الحديث والمعاصر ، الدار العربية للموسوعات ، ( بيروت_ 1989) .
_الربيعي اسماعيل نوري ،الاصول التاريخية للثقافة العراقية الحديثة ، مجلة إيلاف ، 15 تموز 2006.
_ زيدان ، جرجي ، تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر ، الجزء الثاني ، منشورات دار مكتبة الاحياة ،( بيروت_ د. ت ).
_الشهراباني ، عبد القادر الخطيبي ، تذكرة الشعراء او شعراء بغداد وكتابها ايام وزارة المرحوم داود باشا والي بغداد ، دار الطباعة الحديثة ، ( بغداد_ 1936 ).
_ضيف ،شوقي ، المقامة ، دار المعارف ،( القاهرة_ 1964).
_ عبادة ، عبد الحميد ، العقد اللامع باثار بغداد والمساجد والجوامع ، تحقيق عماد عبدالسلام رؤوف ، مطبعة انوار دجلة ،( بغداد_2004) .
_ العزاوي ، عباس ، تاريخ الادب العربي في العراق ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ،( بغداد_1962 ) .
_________، ذكرى ابي الثناء الالوسي ، شركة التجارة والطباعة ،( بغداد _ 1958) .
_________، تاريخ العراق بين احتلالين الجزء السادس ( قم _1954 ) .
_________، مجموعة عبد الغفار الاخرس ، شركة التجارة والطباعة ،( بغداد _ 1949) .
_القيسي ،قاسم ، تاريخ التفسير ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ، (بغداد_1964).
_المحافظة ،علي، الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة 1798_1914.، الدينيه والسياسية والاجتماعية ،الاهلية للنشر والتوزيع ، (بيروت 1983).
_ مراد ، خليل علي ، تاريخ العراق الاداري والاقتصادي في العهد العثماني الثاني 1638_1750 ، رسالة ماجستير غير منشورة ، ( جامعة بغداد_1975) .
_نوار ، عبد العزيز سليمان ، داود باشا والي بغداد ، دار الكتاب العربي ، (القاهرة _1968)،
_ الوائلي ،عثمان بن سند ، مطالع السعود تاريخ العراق من سنة 1188 الى سنة 1242هـ/1774_1826م ، تحقيق عماد عبدالسلام رؤوف وسهيلة عبدالمجيد القيسي، الدار الوطنية للنشر،ع مطبة دار الحكمة(الموصل_1991).
_ الورد، باقر امين ، بغداد خلفاؤها ولاتها ، ملوكها ، وؤساؤها منذ تاسيسها عام 145هـ الى 1404هـ(762م) _ (1984 ) ، دار التربية للطباعة والنشر ،( بغداد_ 1984).
الموصل / مركز الدراسات الاقليمية
شهد العراق في القرن التاسع عشر نهضة أدبية كبيرة نتيجة عوامل متعددة فقد ظهر العديد من الشعراء والأدباء والعلماء والكتاب .
وكان من أركان هذه النهضة الأستاذ ابو الثناء الالوسي االذي مال إليه طالبي المعرفة ميل كبير وانضموا تحت لوائه وكانت علاقته بالعلماء والأدباء مشهودة .
ذاع صيته وتعالى شانه بين أرباب الأدب ولاشك انه كان من أساطين القرن التاسع عشر في العراق في حل مشاكل جمة في العقائد والتصوف والآداب من خلال مؤلفاته.....
ونحن نحتاج الكثير حتى نقف على حياة هذا الأستاذ الجليل وأثره في المجتمع .
يحاول هذه البحث تسليط الضوء على ابو الثناء الالوسي وعلى جهوده العلمية والادبية ومدى تأثره وتاثيره في عصره الذي كان حلقة من حلقات تطور المجتمع العراقي في العصر الحديث .
يتكون البحث من مبحثين وخاتمة اشتملت على أهم النتائج والتوصيات التي توصل أليها البحث ، إما المباحث فهي كالأتي :
الأول : حياته ونشأته الدراسية والوظيفية :
الثاني: نشاطه الفكري والأدبي ومؤلفاته :
المبحث الأول : حياته ونشأته الدراسية والوظيفية :
_ نسبه :
هو محمود شهاب الدين أبو الثناء الحسيني الآلوسي و كامل نسبه: محمود شهاب الدين أبو الثناء بن عبد الله بن محمود بن درويش بن عاشور بن محمد بن ناصر الدين بن حسين بن علي بن حسين بن كمال الدين بن شمس الدين بن محمد بن شمس الدين بن حارس بن شمس الدين بن شهاب الدين بن أبي القاسم بن أمين بن محمد بن بيدار بن عيسى بن أحمد بن موسى بن أحمد بن محمد بن أحمد الأعرج بن موسى المبرقع بن محمد الجواد بن علي الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه ).
يرجع نسبه إلى مدينة ألوس وهي جزيرة في وسط نهر الفرات في محافظة الانبار حاليا ، اذ انتقل إليها جد هذه الأسرة فنسب إليها. ويرجع نسب عائلته إلى الحسين بن علي بن ابي طالب( رضي الله عنهما ) فهي عائلة علوية النسب. وآلوسية في الموطن وبغدادية السكن
ولادته ونشأته وتحصيله العلمي:
ولد ابو الثناء الالوسي في جانب الكرخ من مدية بغداد في 14 شعبان 1217هـ / 1802م وهو من بيت عريق في النسب ضليع في الأدب عني والده السيد عبدالله الالوسيبتربيته وتنشئته فلقنه العربية اذ حفظ الاجرومية وألفية ابن مالك قبل إن يبلغ السابعة من عمره وحصل على طرفا من الفقهي الحنفي والشافعي واحاط ببعض الرسائل المنطقية والكتب الحديثة.
ولما بلغ العاشرة من عمره أذن له ابوه ان يأخذ من غيرهم فأتم دراسته عند كثير من علماء العراق، ونذكر منهم السيد عبدالعزيز الشواف والعلامة محمد أمين الحلي والشيخ السلفي المحدث علي السويدي والعالم الأديب علاء الدين علي الموصلي وقد استجاز هؤلاء وغيرهم في علوم اللغة والأدب والفقه والحديث ، وكانت خاتمة إجازاته على يد الشيخ علاء الدين الموصلي الذي لازمه نحو 14 عاما _ في يوم مشهود حضره علماء وأدباء ووجهاء بغداد وكان ممن حضر ذلك الاحتفال الحاج نعمان الباجه جي الذي أعجب بابي الثناء واقترح عليه أن يكون مدرسا في مدرسته .
التدريس:
بعد الاجازة نال ابو الثناء الالوسي منصب التدريس في مدرسة الحاج نعمان الباجه جي في محلة نهر المعلى (السبع ابكار حاليا ) قبل ذلك كان ابوالثناء مدرس في مدرسة خاله الحاج عبد الفتاح الراوي وكان خاله مهمل شؤون مدرسته ، لذلك عمل ابوالثناء بنقل طلبته إلى مدرسة الحاج نعمان الباحه جي إذ كانت المدرسة مجهزه بكل ما يلزم لضمان راحة الطلبة ونتيجة لذلك وما حصل من ووشاية بين ابوالثناء وخاله الذي ثارت ثائرته وشن حمله شعوا على ابن أخته شايعه فيها أولاده وإتباعه. ومضى أقارب أبي الثناء وأعداؤه في خصومته الى حد أنهم أغروا به مفتي بغداد الحنفي والشافعي بحجة انه هجاهما هجاءً مراً ، بل ذهبوا ابعد من هذا فأوفدوا إلى والي بغداد داود باشا(1818_1831) مندوباً يقول له : ان اباالثناء الالوسي سب ابن حجر احد ائمة الشافعية علناً في وعظ شهر رمضان ولكن الوالي داود باشا لم يصدق ذلك. بل كان ينظر بعين الارتياح الى تفوق ابي الثناء الالوسي؛ لذا أبقاه في منصبه في التدريس . ومع ذلك لم يكن الحاج أمين الباجه جي الذي كان من عرف أدب ابوالثناء وعلمه وفضله ليطمئن الى بقائه في مدرسة اخيه الحاج نعمان فطلب اليه ان يستقيل من التدريس فيها ، وذكر له انه قائم بإنشاء مسجد ومدرسة ، وانه سيطلب تعينه خطيباً وواعظاً في مسجده ومدرساً في مدرسته ، ثم انه وعده ان يدفع له مرتبه مدة انتظاره اكمال المسجد والمدرسة ، وقد أنجز امين الباحه جي وعوده كلها فحسنت حال ابي الثناء وسمت منزلته.
كما عمل ابو الثناء مدرساً في المدرسة القمرية ومسجدها ثم في المدرسة العمريةوبعدها في مسجد السيدة نفيسة ثم مسجد ال عطا وبعد ذلك في مسجد الحنان .
وقد بقي ابو الثناء مدرس في مدرسة الحاج امين الى ان حدث الطاعون . وبعدها نصب للتدريس في المدرسة القادرية.
ولقد اثمرت عنايه داود باشا بل شعراء والادباء فقد وقف ابو الثناء وقفة صادقة الى جانب داود باشا خلال حصار علي رضا باشا لبغداد 1831.
في أوائل سنة 1247هـ 1831م دخل علي رضا باشا (1831_1842) والي بغداد الجديد عنوة بعد ان قمع داود باشا وأرسله مخفوراً الى اسطنبول ، وأساء جنوده السلوك في بغداد فنهبوا الأموال وطلب سكان بغداد الى علي رضا باشا ان يضرب على ايدي جنوده فلم يفعل فكانت حركة الشيخ عبدالغني جميل ضد الوالي الجديد وكان ابو الثناء زعيم اهل الكرخ في هذه الحركة التي جرائها القي القبض عليه وجرد من وظائفه وسجن عند نقيب اشراف بغداد ، وبعد فترة افرج علي رضا باشا عن ابو الثناء وعينه واعظاً للحضرة القادرية . وبعد ذلك نشأت بين الاثنين صلة ودية وثيقة بعد ان كان الوالي يحضر وعضة في شهر رمضان فأعجب بفصاحته وسعة حفظه وغزارة اطلاعه وقد وطد ابو الثناء هذه الصلة بشرحه (البرهان في طاعة السلطان ) وتقديمه هذا الشرح الى علي رضا باشا الذي أجازه عليه بتوليته أوقاف مدرسة مرجان التي لا تعطى الا لكبير علماء البلد ، واتبع هذا حمل السلطان العثماني محمود الثاني (1808_1839)على منحه رتبة تدريس الأستانة.
امانة الفتوى والافتاء:
كان تعين مفتي الحنفية والشافعية في الولايات العربية يتم ترشيحهم من قبل علماء الدين في الولاية وتتم المصادقة على تعينهم من قبل الوالي ، وكانت منزلة المفتي مهمه في المجتمع العراقي بسبب ما يمارسه من إعمال وثيقة الصلة بجانب الديني ، ولم يكن المفتي يسلم راتب معينا فالكثير من هم قد عمل في التدريس لكسب عيشهم.
كان منصب الإفتاء في العهد العثماني يوجه في العراق الى احد علماء بغداد وفي القرن التاسع عشر عمل جملة من المفتين في بغداد منهم عبدالغني الجميل. والذي اتخذ ابو الثناء الالوسي امين للإفتاء وبعد ثورة الشيخ عبدالغني الجميل على أعوان الوالي علي رضا باشا ابعد عن الإفتاء ووقع الاختيار على ابو الثناء الالوسي فاسند إليه منصب الإفتاء عام 1833. وفي هذه الفترة وردت أسئلة دينية من إيران على علماء بغداد أجاب عنها ابو الثناء فكافأه علي رضا باشا بحمل السلطان على منحه وساماً من ارفع أوسمة الدولة وهكذا ذاعت شهرة ابو الثناء وقصده طلاب العلم من اماكن بعيدة يدرسون عليه ويأخذون عنه وظل وهو في منصب الافتاء يشتغل في التاليف وتدريس العلوم وقضاء حاجات الناس
_ رحلات ابوالثناء الى الاستانة :
بعد نقل علي رضا باشا الى ولاية دمشق وتعين محمد نجيب باشا (1842_1848) والي على بغداد الذي عمد على عزل ابو الثناء عن إفتاء بغداد عام 1847 ، وتجريده من أوقاف مدرسة مرجان عملاً بمشورة بطانته التي أوهمته ان هناك فتنه يقودها مفتي بغداد وان عزله وتجريده من كل ما في يده هو الوسيلة الوحيدة للقضاء على هذه الفتنة في مهدها . وهكذا ساءت حال ابوالثناء وبلغ من العسر حتى باع كتبه وأثاث بيته وعاش بثمنها مدة من الزمن
عقد النية على السفر الى الأستانة ليعمل على رفع الحيف الذي وقع عليه فا سافر الى الاستانه واول ما قصد شيخ الإسلام عارف حكمت وكان هذا ممتعضاً منه بسبب ما بلغه عنه من اقوال مكذوبة ، فاستقبله استقبالاً فاتراً ، ولكنه استطاع ان يحمل شيخ الإسلام على تغيير موقفه . ولم يطل الوقت حتى دارت بين الاثنين مناقشات ومناظرات علمية أوقفت كلاً منهما على فضل صاحبه فتفاهما واجاز احدهما الاخر، ونقل ابو الثناء الى دار الضيافة السلطانية ، ثم طلب اليه ان يضع مذكرة بما اقدمه الى الاستانة يرفعها الى الصدر الاعظم مصطفى رشيد باشا فوضع ابو الثناء هذه المذكره وذيلها ببيتين ضمنهما قول ابي فراس الحمداني " لنا الصدر دون العالمين او القبر "
قصدت من الزوراء صدرا معظما وقد سامني ضر وقد ساءني دهر
فقلت لنفسي والرجاء موفر: " لنا الصدر دون العالمين او القبر"
ونضر الصدر الأعظم الى مذكرة ابو الثناء بعين العطف فحمل السلطان على منحه خمسة وعشرين الف قرش ومثلها مرتبا سنويا ومنحه شيخ الإسلام خمسين إلف قرش من ماله الخاص وعرض عليه قضاء ارضروم ، فاباه وهكذا حسنت حال ابو الثناء وعاد الى بغداد . وقد دون كل ما حدث له في سفره الى اسطنبول رسالة سماها ( نشوة الشمول في السفر الى اسلامبول ) وكل ما حدث له في عودته الى بغداد في رسالة اسماها( نشوة المدام في العودة الى دار السلام ) كما نه جمع ما دار بينه وبين شيخ الإسلام عارف حكمة من مناقشات ومناصرات علمية وأمور اخر حدثت له إثناء هذه الرحلة التي استغرقت واحد وعشرين شهرا في كتاب اسماه( غرائب الاغتراب ونزهة الألباب في الذهاب والإقامة والإياب ) وقي إثناء عودة ابو الثناء الى بغداد تعرض في الطريق شديد في منطقة الزاب أدى الى إصابته بالحمى النافضة التي كانة تصيبه بين الحين والأخر حتى أودت بحياته في 25 ذي القعدة سنة 1270هـ الموافق 1854م
المبحث الثاني: نشاطه الفكري والأدبي ومؤلفاته :
_اتجاهه الفكري ومؤلفاته :
على الرغم من ان ابوالثناء تقلد الإفتاء على المذهب الحنفي الى انه كان سلفي الاعتقاد .
ولاشك ان الدعوة السلفية قديمة من اول الإسلام الى ايام الامام احمد بن حنبل في بغداد وقد استمرت هذه الدعوة او المنهج في العبادة الى اوئل القرن الثاني عشرالهجري الثامن عشر الميلادي وتشير إجازات العلماء الى اتباع هذا المنهج اذ يوصي رجال الإجازة متخرجيهم ان لا يعدلون عن إحكامها كما تشهد اجازة الشيخ ناصر بن سلطان الجبوري مدرس الحضرة القادرية في بغداد واستاذ الشيخ عبدالله السويدي وكان ذلك قبل ان تظهر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأكثر من نصف قرن
الى ان دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان لها الأثر الكبير في إحياء الدعوة السلفية وكان لها التأثير الكبير في ارجاء العالم الإسلامي ومنه العراق . اذا تأثر الكثير من العراقيين وكان عبد العزيز بك الشاوي اول من اقتنع بها وحملها الى العراق بعد ذهابه الى الحج . وفي اوخر القرن الثامن عشر وردت رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب الى العراق
ومن العلماء الذين تاثرو بالدعوة السلفية الشيخ علي السويدي أستاذ ابو الثناء الالوسي الذي تمكن من استمالة الوالي سليمان باشا الصغير(1807_1810) وقبوله بتباع الإحكام دون المجاهرة بذلك خوفا من الدولة العثمانية التي حذرت من هذه الدعوة على البلاد العربية ، فسخرت العلماء في الرد على الدعوة السلفية والرد على محمد بن عبدالوهاب والطعن فيه
وهذا لم يمنع ان الكثير ناصرو الدعوة السلفية وايدوها ومنهم ابو الثناء الالوسي الذي كان بلا شك متاثر و عارفا بها وهذا ما تبينه أشهر كتبة التي توضح اتجاهه الفكري :
_( روح المعاني في تفسير القران العظيم والسبع المثاني ) وهو تفسير في القران الكريم والذي قضا في تاليفة اربع عشر سنة في وسبعة اشهر واحد عشر يوما طبع في مطبعة بولاق في مصر سنه 1301هـ والذي اعتمد فيه على المبادئ التالية في تفسير الايات القرانية :
أ_ تفسير القران بالقران أي تفسير الآيات القرآنية بقريناتها.
ب_ تفسير القران بالحديث النبوي الشريف.
ج_ التفسير بالغة وذلك بدخول في فقه اللغة ومحاولة فهم الألفاظ القرآنية بمعزل عن التكلف في حملها اكثر مما تطيق في تفسيره .
د _ التفسير بالنحو ، وذلك بالعناية بالاعراب ومناقشة المشاكل النحوية .
هـ _ بيان المسائل البلاغية في التفسير .
ح _ بين اختلاف العلماء في تفسير الآيات .
ط _ استعمال العقل في النفي والإثبات والترجيح .
ولجاء في التفسير إلى علم اللغة لشرح المفردات والى النحو والبيان والبديع وعلم الكلام والقراءات وأصول الفقه
و قد ظهرت خصائه الفكرية في كتاب روح المعاني وهي:
1_ تنقية الدين مما علق به من شوائب. فقد أنكر التوسل بغير الله ، والقسم على الله بأحد من خلقه ، والدعوة لمن لا يضر ولا ينفع ، والتشفع بأهل القبور من شفاء المريض ، ورد الضالة وتيسير كل معسر .
2_ اتباع السلف في مسائل العقيدة . والتسليم بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد امن بما امن به الصحابة والتابعون.
3_على الرغم من تقليده الحنفي منذ توليه الافتاء نراه يعارضها في بعض المسائل الكلامية ، ففي قوله تعالى :( واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا" ) قال : وهذا احد ادلة من ذهب ان الايمان يقبل الزيادة والتقصير ، ومذهب ابي حنيفة ان الايمان لا يزيد ولا ينقص .
4_ استقلال الراي والتفكير واتباع اقوى الادلة عنده ، ولا يتعصب لمذهب بكامله ، وانما قد يتعصب للرأي الذي ظهرت صحته عنده من ذلك المذهب.اذ كان متبعاً للحق باحثاً عنه ، لايهمه ان وقع عليه في هذا المذهب او ذاك .
5_كان يعرض الاراء في نهج السلف ويقدم ما وقع من معارضات وللقارئ أن يختار
6_ ذكر اراء المتصوفة في مختلف نواحي الحياة الروحية وايد بعضهم في تاويل القران ، ولكن ما لبث ان هاجم البعض الاخر منهم اذ قال : " واذكروا ان في الدنيا موازين ايضا واعظم موزينها الشريعة ، والكتاب والسنة . ولعمري لقد عطل هذا الميزان متصوفة هذا الزمان ، اعاذنا الله تعالى والمسلمين مما هم عليه من الضلال ، انه عز وجل المتفضل بأنواع الافضال"
وقد اوصى ابوالثناء الالوسي ابنائه في اتباع منهج السلف كما هو صرح فقوله في مقاماته الى ابناه يدل على ذلك اذ قال (.... يأ بني عليكم في باب العقائد بعقيدة السلف فأنها اسلم بل من أنصف يعلم أنها أيضا اعلم واحكم لأنها بعد عن القول على الله مما لا يعلم ..)
ان دراسة الالوسي للسنة النبوية الشريفة من حيث قواعد الجرح والتعديل ، هي التي كونت عنده هذا الاتجاه ووضعت يده على مواضع الضعف والقوة في اراء الفقهاء ، فاخذ ما اخذ عن اقتناع ، ورفض مارفض عن بينه.
والذي كان له الدور الكبير في نقد مناهج الطرق الاخر ورد على الكثرين وقارعهم في الكثير من ارائهم وعقائدهم ومن هم الصوفية والامامية والايرانيين ، اذ اوضح الالوسي عن عقائد الغلا كثيران بتعليق او بنقل من الغير واحيانا بذكر الاراء المعارضة اذ نجد ذلك في كتبه الاتية :
_ ( الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية ) الذي يحتوي على ثلاثين مسألة مهمة في التفسير والفقه والعقائد والكلام والمنطق وغير ذلك وهذه المسائل وردت من إيران وقد أجاب عنها ابوالثناء ، وقد طبع الكتاب في مطبعة مكتب الصنائع في اسطنبول سنة 1317هـ1899م
_(الأجوبة العراقية عن الأسئلة اللاهورية ) وفي هذا الكتاب ذب عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وقد اجازه السلطان العثماني محمود الثاني على هذا الكتاب وقد طبع الكتاب في المطبعة الحميدية في بغداد سنة 1301هـ1884م
_ (الييان : شرح البرهان في طاعة السلطان ) وهو شرح لكتاب الشيخ عبدالوهاب ياسين حجي زاده " البرهان في طاعة السلطان " كلفه الوالي علي رضا باشا به ، والكتاب في مجمله بحث في شرعية وجود الدولة العثمانية وو جوب اطاعة سلطانها على جميع المسلمين وفي الكتاب رد على ادعاءات الشيعة وتنفيذ لفكرة المهدي المنتظر.
_ ( سفر الزاد لسفرة الجهاد ) والكتاب بحث في الجهاد وبيان فضائله واهميته بالنسبة للمسلمين .وقد الفه بمناسبة هجوم روسيا على منطقة القوقاز التابعة للدولة العثمانية عام 1853م..
_(النفحات القدسية في الرد على الأمامية ) و هو رد على عقائد الشيعة المخالفة لعقائد اهل السنة . عالج فيه موضوع الامامة.
_(منهج السلامة إلى مباحث الإمامة )كان اخر مؤلفاته وتوفي قبل ان يكمله.
_ نشاطه الأدبي ومؤلفاته:
كان ابو الثناء ركنا من أركان النهضة الادبية في إنتاجه وفي توجيهه فلم يكن فقيها فقط وانما أديبا ايضا قام بنفسه في تدوين كتب ومؤلفات أدبية خالصة و كان يعد في طليعة أدباء عصره من شعراء وكتاب وكان على علاقة طيبه بهم.
اذ كان له مجلس أدبي حافل في محلة العاقولية من جانب الرصافة يختلف اليه رواد العلم والمعرفة والأدب ومن رواد هذا المجلس الشعراء عبدالباقي العمري وصالح التميمي وعبدالغفار الاخرس و المفتي وعبدالغني جميل والخطاط احمد افندي القايمقجي وادباء الموصل مثل قاسم الحمدي وعبدالله المعروف بباش عالم وغيرهم ومن كربلاء كاظم الرشتى وقاسم الهر وفي النجف والحله جماعة كبيرة والشيخ جابر السيد راضي القزويني ووالده صالح القزويني ومهدي القزويني وغيرهم.
كان لمجلس ابو الثناء وباقي المجالس الأدبية التي عرفتها بغداد وباقي مدن العراق دوراً مهماً وبالغاً في دفع الحياة الفكرية وإنضاجها، وعلى الرغم من المسحة الأدبية التي كانت تطغى على تلك المجالس، إلاّ أن روادها لم يكونوا بمعزل عن مناقشة المهم من الأمور المتعلقة بالأوضاع السياسية والاجتماعية. وعلى هذا فإن المجالس الأدبية مثلت وسيلة لها قيمتها البالغة في تحفيز المجتمع العراقي نحو الثقافة والعلوم.
كما كان ابوالثناء كثير الاتصال با المجتمع غير منفك عنه وقد كتب عن المجتمع قبل غيره اذ لا تخلو مؤلفاته من ذلك . وكانت مؤلفاته مجموعات علم وأدب في شتى المجالات ومنها الأتي:
ففي التاريخ ، كان الاستاذ مؤرخ عصره في رحلاته دون ما شاهد واوضح ما علم وترجم علماء عديدين وكان نهجه الاتصال بالمعرفة واخذ التاريخ من عارفيه فكان لما كتب قيمة علمية وتاريخية ومؤلفاته في التاريخ كثيرة وغالب مؤلفاته ترجع الى الماضي القريب والبعيد ومن مؤلفاته :
_ (غرائب الاغتراب ونزهة الألباب في الذهاب والإقامة والإياب ) وهو كتاب في الرحلة الجامعة والرجال والأبحاث العلمية والأدبية بينه وبين شيخ الإسلام عارف حكمت في اسطنبول . وقد طبع في مطبعة الشابندر ببغداد سنة 1317هـ
_ (نشوة الشمول في السفر الى اسلامبول)
_ (نشوة المدام في العودة الى مدينة دار السلام)
وفي هذين الكتابين فصل ابوالثناء مشاهداته في رحلته الى اسطنبول ذهابا وإيابا وقد طبعا الكتابين في مطبعة الولاية في بغداد الأول سنة 1291هـ1874م والثاني سنة 1293هـ 1876م.
_ ( شهي النغم في ترجمة شيخ الإسلام وولى النعم ) وهو في احمد عارف حكمت شيخ الإسلام ،وكتب أخرى ذات علاقة مباشرة في حياته وفي أدباء عصره و علاقاته بهم .
اما في مجال اللغة كان ابو الثناء من ائمة اللغة ومن مؤلفاته فيها :
_ (الجريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية ). وهذه القصيدة نظمها الشاعر عبدالباقي العمري في مدح الامام علي( رضي الله عنه ) وشرحها الاستاذ ابو الثناء ، طبعت على طبعة حجرية في مصر سنة 1270هـ وقيها تعرض لمطالب لغوية ايضاً.
_ (الطراز المذهب في شرح قصيدة الباز الاشهب ): والاصل قصيدة للشاعر عبدالباقي العمري وفي شرح هذه الفصيدة تعرض للغة كثيرا وحقق الفاظها وفيها عينت مكانته وعرفت بقدرته في اللغة.
_ (الفيض الورارد على روضة مرثية الشيخ خالد): كان الاديب محمد جواد السياهبوش قدر رثى الشيخ خالد النقشبندي بقصيدة تولى شرحها ابوالثناء التي لا يغل شرحها عن القصائد السابقة في بيان اهم المطالب الغوية ، وا ظهار مكنون ألفاظها بقدرته القيمه ومادته العلمية الغزيرة.
_ ( كشف الطرة عن الغرة) : وهو كتاب لغوي في شرح درة الغوص للحريري وتصحيح اغلاط للغويين ، والكتاب ابدى فيه قدرة وكفاءة في اللغة إثناء إقامته في اسطنبول وقد طبع في المطبعة الحنفية في دمشق سنة 1301هـ 1883م
_ (الفوائد السنية من الحواشي الكلنبوية) وهو كتاب في الأدب والمناظرة.
_ (حاشية على شرح القطر لابن هشام ) لم يتم من اتمامها وكان قد وضعها لخدمة التدريس . وفيها اراء صائبة وتوضيح في النحو وقد تمها بعدهابنة السيد نعمان الالوسي ، وطبعت طبعة متقنه سنة 1320هـ 1902م في القدس.
_ (بلوغ المرام من حل كلام ابن عصام ): في علوم البلاغة جعلها حاشية من تحقيق على كتاب (بلوغ الاراب من تحقيق استعارات العرب ) لعبد الملك بن عصام وكان ابو الثناء علق عليه حاشية وكان عمره 16 سنة ثم ذهب الى الوس فجدد النظر فيها واضاف اليها ما كشف اكثر دقائقها.
ومن مولفاته.
_ (شرح سلم العروج ) وهو كتاب في المنطق
كما كتب ابو الثناء المقامات والتي تمثل النثر القديم بأبهى إشكاله ، و كانت أيضا حديث أدبي بليغ يوجه بشكل مباشر وعلى نحو خطابي وهي بذلك اقرب الى الرسائل الأدبية اذ كانت المقامة الأولى عبارة عن مجموعة من الوصايا لأبنائه ، والثانية والثالثة والرابعة ارخ فيها لحياته، اما الخامسة فهي محاولة طريفة خرج بها عن طابع مقاماته فإنها خيالية بطلاها رجل صوفي يزور ابوالثناء في ساعة متأخرة من اليل ويبدءا بينهما حوار حول الدنيا والتصوف والفناء في ذات الله.
تلخص مقامات ابو الثناء على انها تحتوي على دروس قيمة في الحياة ، اما اسلوبها فهو اسلوب المقامة سجع ملتزم ومطابقات ملتزمة واستعارات وتشبيه ......
وقال ابو الثناء الشعر الا انه لم يكن له ديوان مطبوع (وفي مجموعة عبد الغفار الاخرس ) شيء من شعره.
فمن شعره قوله مفتحا به مقاماته ومستغفرا :
إنا مذنب انا مخطئ انا عاصي هو غافر هو راحم هو عافي
قابلتهن ثلاثة بثلاثة وستغلبن أوصافه أوصافي
وقال في مرض موته شاكيا ً
ولو ان مابي من صداع بيذبل لأ صبح مصدوع الحشاشة (يذ بل)
الى الله اشك وان روض سلامتي لفرط سموم السقم يذوى ويذبل
وقال أيضاً :
أمولاي ان الناس قد جهلوا مري فمن قال ادري فهو والله لايدري !
واني ولي بيني وبينك حالة تدق على الافكار حتى على فكري؟
كما لابي الثناء على ماذكر حواش وتعليقات ورسائل وفتاوه.
الخاتمة :
لا يمكن القول إن هذا البحث قد أوفى الأستاذ ابو الثناء شهاب الدين الالوسي حقه وإنما أوردنا جوانب تفصيلية تفيد المتخصصين والقراء بصفة عامة، ألا أنها تحتاج إلى مزيد من العرض والتحليل . وفي هذه الخاتمة سوف يذكر ابرز المسائل التي تناولها البحث ثم يشار إلى بعض الجوانب التي يمكن أن تكون محل نظر الباحثين لمن أرد إن يكتب عن ابو الثناء الالوسي .
استعرض البحث وتطرق لسيرة ابو الثناء منذ مولده ونشأته وتحصيله وإجازاته العلمية ودوره في النهضة الأدبية التي شهدها العراق في القرن التاسع عشر .
فقد نهضة ابو الثناء بالأدب نهضة كبير والتف حوله الأدباء فكان ناظم الحركة الأدبية و حلقة الاتصال بينهم بعد ان نشط الأدب في عصره.
كان يقول الأدب للأدب ويعمل لتأكيدها ويحذر من الاتصال بالسياسة ، مع هذا طاردته السلطة وظنت فيه الظنون اذ كان للوشاية تأثيرها فيه فسلبته وظائفه بعد ان تطورت حياته من التدريس الى أمانة الفتوى والإفتاء الى التوغل في تدوين الآثار الدينية والعلمية والأدبية والتاريخية . فقد امتاز بمواهب جمة يكاد يكون في كل منها متخصص وكأنه لم يشتغل بغيرها وتشهد على ذلك مؤلفاته القيمة التي يمكن ان تكون محل نظر الباحثين فضلا عن تفسيره الضخم الذي لا يستغني عنه العلماء والباحثين وطلاب العلم . نسال الله له رحمة واسعة وجزاه عن دينه وأمته جزاء الصادقين الأخيار...
قائمة المصادر والمراجع :
_القران الكريم
_ الأثري ، محمد بهجت ،اعلام العراق ، المطبعة السلفية ،( د. م_1345هـ /1927 )
_احمد ،عبدلاله ، نشاة القصة وتطورها في العراق 1908_1939 ، ط2 ، دار الشؤون الثقافية ،( بغداد_1986).
_البصير ، محمد مهدي ، نهضة العراق الادبية في القرن الثالث عشر للهجرة ، الطبعة الثالثة، دار الرائد العربي ، (بيروت_1990) .
_ الحمداني طارق نافع ، ملامح سياسية وحضارية في تاريخ العراق الحديث والمعاصر ، الدار العربية للموسوعات ، ( بيروت_ 1989) .
_الربيعي اسماعيل نوري ،الاصول التاريخية للثقافة العراقية الحديثة ، مجلة إيلاف ، 15 تموز 2006.
_ زيدان ، جرجي ، تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر ، الجزء الثاني ، منشورات دار مكتبة الاحياة ،( بيروت_ د. ت ).
_الشهراباني ، عبد القادر الخطيبي ، تذكرة الشعراء او شعراء بغداد وكتابها ايام وزارة المرحوم داود باشا والي بغداد ، دار الطباعة الحديثة ، ( بغداد_ 1936 ).
_ضيف ،شوقي ، المقامة ، دار المعارف ،( القاهرة_ 1964).
_ عبادة ، عبد الحميد ، العقد اللامع باثار بغداد والمساجد والجوامع ، تحقيق عماد عبدالسلام رؤوف ، مطبعة انوار دجلة ،( بغداد_2004) .
_ العزاوي ، عباس ، تاريخ الادب العربي في العراق ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ،( بغداد_1962 ) .
_________، ذكرى ابي الثناء الالوسي ، شركة التجارة والطباعة ،( بغداد _ 1958) .
_________، تاريخ العراق بين احتلالين الجزء السادس ( قم _1954 ) .
_________، مجموعة عبد الغفار الاخرس ، شركة التجارة والطباعة ،( بغداد _ 1949) .
_القيسي ،قاسم ، تاريخ التفسير ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ، (بغداد_1964).
_المحافظة ،علي، الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة 1798_1914.، الدينيه والسياسية والاجتماعية ،الاهلية للنشر والتوزيع ، (بيروت 1983).
_ مراد ، خليل علي ، تاريخ العراق الاداري والاقتصادي في العهد العثماني الثاني 1638_1750 ، رسالة ماجستير غير منشورة ، ( جامعة بغداد_1975) .
_نوار ، عبد العزيز سليمان ، داود باشا والي بغداد ، دار الكتاب العربي ، (القاهرة _1968)،
_ الوائلي ،عثمان بن سند ، مطالع السعود تاريخ العراق من سنة 1188 الى سنة 1242هـ/1774_1826م ، تحقيق عماد عبدالسلام رؤوف وسهيلة عبدالمجيد القيسي، الدار الوطنية للنشر،ع مطبة دار الحكمة(الموصل_1991).
_ الورد، باقر امين ، بغداد خلفاؤها ولاتها ، ملوكها ، وؤساؤها منذ تاسيسها عام 145هـ الى 1404هـ(762م) _ (1984 ) ، دار التربية للطباعة والنشر ،( بغداد_ 1984).