ما معنى إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ؟
بقلم/ د. نافذ الشاعر
إن المتأمل في الأحاديث الشريفة التي ترويها كتب السنة، يجد في بعضها كلمات شعبية غير متداولة وغير معروفة في لسان العرب وإنما هي ابتكار من وحي اللحظة، وخصوصا عندما لا يكون قائلها الرسول صلى الله عليه، وإنما أحد الناس الذين يصف فعلا صدر من الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن هذا القبيل الحديث الذي يرويه الإمام البخاري عَنْ السيدة عَائِشَةَ- رضى الله عنها- أنها قَالَتْ كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ.
واضرب هنا مثلا بعبارة: " شَدَّ مِئْزَرَهُ". فهذه العبارة وردت على لسان السيدة عائشة رضي الله عنها، تصف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان. لذا فإن كلمة "شد مئزره" نجدها كلمة مبتكرة لم تعرف عند العرب، لأنها ربما تكون كلمة شعبية محدودة النطاق، مقصورة الاستعمال في حي من أحياء العرب فقط، أو بين من فئة من الناس لا تتجاوزها إلى غيرهم؛ فالسيدة عائشة عندما تنطق بأمثال تلك الكلمات بتلقائية من وحي اللحظة، فإنها لا تدري أن ما تنطق به سيجري حبرا على ورق، ويسجلها التاريخ إلى يوم الدين، لأنها تقولها من وحي إحساسها في هذه اللحظة، أو من وحي فهمها الشخصي لآيات القرآن الكريم..
ولهذا اختلف العلماء ما المراد بتلك الكلمات؛ لأن شرح وتدوين السنة النبوية تم بعد ردح طويل من الزمن الذي عاشت فيه السيدة عائشة رضي الله عنها، كما أنهم يستندون عند شرحهم لهذه الكلمات إلى لسان العرب وقواميس اللغة، لكنها أحيانا لا تسعفهم في أمثال تلك الكلمات، لأن قواميس اللغة لم تسجل إلا الكلمات الفصيحة، أو الكلمات التي جرت على لسان فحول الشعراء المشهود لهم بالبلاغة والفصاحة، كما أنها لم تسجل الكلمات العامية التي يستعملها فئة محدودة من الناس.
والفصحى والعامية عبارة عن ثنائية موجودة حتى في عصر الجاهلية، وليست هي فقط معروفة في العصر الحديث كما يعتقد الكثير من الناس، فالفصحى هي التي سجلتها قواميس اللغة، أما العامية فقد اندثرت باندثار الزمن التي نشأت فيه؛ لأنها كانت كلمات شعبية محدودة النطاق غير واسعة الانتشار، ولم تدون هذه الكلمات في قصائد فحول الشعراء، وبالتالي لم تنل حظها من الذيوع والانتشار، فبقيت مغمورة لم يعرفها أحد، ولم يكن حينذاك جرائد أو صحف تعني بنشر أمثال هذه الكلمات على أوسع نطاق بين عامة المسلمين في أرجاء العالم الإسلامي.. أما الكلمات العامية التي أخذت حظها من الشيوع والانتشار فهي الكلمات التي وردت في قصائد فحول الشعراء، أو على لسان الشخصيات المشهورة على مدار التاريخ.
ونعود إلى كلمة "شد مئزره" فهذه الكلمة التي قالتها السيدة عائشة فسرها بعض العلماء بأنها كناية عن اعتزال النساء، وهي تفسير غير لائق لا يجوز الأخذ به أو تداوله حتى بين طلاب العلم، لأنه يظهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان شهوانيا طوال العام غير مشدود المئزر، ولم يشد مئزره إلا في العشر الأواخر من رمضان!..
وهذا تفسير يكذبه الواقع ولا يشهد بصحته على أية حال.. أما التفسير الآخر فيذهب إلى أنها كناية عن الجد والاجتهاد، كما هو مشاهد من أحوال الناس، فمثلا نجد الإنسان عندما يريد أن يباشر عملا صعبا كرفع حمل ثقيل أو اجتياز ماء قذر، نجده يرفع مئزره لتجنب هذا الأذى، فإذا رفع مئزره إلى أعلى انكشفت ساقه من أسفل، وأحيانا يقوم بثني إزاره عدة ثنيات فتكشف ساقه من أسفل.. وهذا المعنى ورد في القرآن الكريم بنفس هذه الصورة الحسية في قوله تعالى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ }(القلم 42). وهو كناية عن التشمير للجد والاجتهاد ، وهذه الآية هي التي جعلت السيدة عائشة تبتكر معنى "شد مئزره" من خلال فهمها للقرآن الكريم، وبالتالي فهذا المعنى مأخوذ من آيات القرآن الكريم وهو كناية عن الجد والاجتهاد للعبادة في رمضان أكثر من غيره..
بقلم/ د. نافذ الشاعر
إن المتأمل في الأحاديث الشريفة التي ترويها كتب السنة، يجد في بعضها كلمات شعبية غير متداولة وغير معروفة في لسان العرب وإنما هي ابتكار من وحي اللحظة، وخصوصا عندما لا يكون قائلها الرسول صلى الله عليه، وإنما أحد الناس الذين يصف فعلا صدر من الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن هذا القبيل الحديث الذي يرويه الإمام البخاري عَنْ السيدة عَائِشَةَ- رضى الله عنها- أنها قَالَتْ كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ.
واضرب هنا مثلا بعبارة: " شَدَّ مِئْزَرَهُ". فهذه العبارة وردت على لسان السيدة عائشة رضي الله عنها، تصف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان. لذا فإن كلمة "شد مئزره" نجدها كلمة مبتكرة لم تعرف عند العرب، لأنها ربما تكون كلمة شعبية محدودة النطاق، مقصورة الاستعمال في حي من أحياء العرب فقط، أو بين من فئة من الناس لا تتجاوزها إلى غيرهم؛ فالسيدة عائشة عندما تنطق بأمثال تلك الكلمات بتلقائية من وحي اللحظة، فإنها لا تدري أن ما تنطق به سيجري حبرا على ورق، ويسجلها التاريخ إلى يوم الدين، لأنها تقولها من وحي إحساسها في هذه اللحظة، أو من وحي فهمها الشخصي لآيات القرآن الكريم..
ولهذا اختلف العلماء ما المراد بتلك الكلمات؛ لأن شرح وتدوين السنة النبوية تم بعد ردح طويل من الزمن الذي عاشت فيه السيدة عائشة رضي الله عنها، كما أنهم يستندون عند شرحهم لهذه الكلمات إلى لسان العرب وقواميس اللغة، لكنها أحيانا لا تسعفهم في أمثال تلك الكلمات، لأن قواميس اللغة لم تسجل إلا الكلمات الفصيحة، أو الكلمات التي جرت على لسان فحول الشعراء المشهود لهم بالبلاغة والفصاحة، كما أنها لم تسجل الكلمات العامية التي يستعملها فئة محدودة من الناس.
والفصحى والعامية عبارة عن ثنائية موجودة حتى في عصر الجاهلية، وليست هي فقط معروفة في العصر الحديث كما يعتقد الكثير من الناس، فالفصحى هي التي سجلتها قواميس اللغة، أما العامية فقد اندثرت باندثار الزمن التي نشأت فيه؛ لأنها كانت كلمات شعبية محدودة النطاق غير واسعة الانتشار، ولم تدون هذه الكلمات في قصائد فحول الشعراء، وبالتالي لم تنل حظها من الذيوع والانتشار، فبقيت مغمورة لم يعرفها أحد، ولم يكن حينذاك جرائد أو صحف تعني بنشر أمثال هذه الكلمات على أوسع نطاق بين عامة المسلمين في أرجاء العالم الإسلامي.. أما الكلمات العامية التي أخذت حظها من الشيوع والانتشار فهي الكلمات التي وردت في قصائد فحول الشعراء، أو على لسان الشخصيات المشهورة على مدار التاريخ.
ونعود إلى كلمة "شد مئزره" فهذه الكلمة التي قالتها السيدة عائشة فسرها بعض العلماء بأنها كناية عن اعتزال النساء، وهي تفسير غير لائق لا يجوز الأخذ به أو تداوله حتى بين طلاب العلم، لأنه يظهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان شهوانيا طوال العام غير مشدود المئزر، ولم يشد مئزره إلا في العشر الأواخر من رمضان!..
وهذا تفسير يكذبه الواقع ولا يشهد بصحته على أية حال.. أما التفسير الآخر فيذهب إلى أنها كناية عن الجد والاجتهاد، كما هو مشاهد من أحوال الناس، فمثلا نجد الإنسان عندما يريد أن يباشر عملا صعبا كرفع حمل ثقيل أو اجتياز ماء قذر، نجده يرفع مئزره لتجنب هذا الأذى، فإذا رفع مئزره إلى أعلى انكشفت ساقه من أسفل، وأحيانا يقوم بثني إزاره عدة ثنيات فتكشف ساقه من أسفل.. وهذا المعنى ورد في القرآن الكريم بنفس هذه الصورة الحسية في قوله تعالى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ }(القلم 42). وهو كناية عن التشمير للجد والاجتهاد ، وهذه الآية هي التي جعلت السيدة عائشة تبتكر معنى "شد مئزره" من خلال فهمها للقرآن الكريم، وبالتالي فهذا المعنى مأخوذ من آيات القرآن الكريم وهو كناية عن الجد والاجتهاد للعبادة في رمضان أكثر من غيره..