مفهوم العلم في الإسلام وفضله
في هذا المبحث سيتعرض الباحث إلى مفهوم العلم في اللغة والاصطلاح كما سيبين حكمه وفضله من خلال تتبع نصوص الكتاب والسنة
أولا : تعريف العلم
أ. لغة : العلم نقيض الجهل وعلّمه الشيء أعلمه إذا عرّفه ( )
ب. اصطلاحا : اختلفت تعاريف علماء الإسلام للعلم وفيما يلي أمثلة عنها :
العلم هو كل ما استيقنه المرء وتبينه وعلى هذا من لم يستيقن الشيء وقال به تقليدا لم يعلمه( )
وعرفه الجرجاني بأنه الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ( )
من خلال التعريفين الذين بين أيدينا ندرك أن هناك اتفاقا على وجوب التأكد والثقة واليقين لنحكم على علمنا بشيء ما وإن كان الثاني اكثر دقة لأنه يؤكد على ضرورة مطابقة الواقع فقد يستيقن المرء شيئا في نفسه ولا يكون في حقيقة الأمر كذلك
كما تجدر الإشارة إلى أن العلم في الإسلام ليس خاصا بعلم الشرائع والأحكام من حلال وحرام كما يعتقد البعض إنما هو كل إدراك يفيد الإنسان توفيقا في القيام برسالته في تعمير الأرض وخلافة الله فيها( )
والدليل قائم على ذلك قال تعالى ..(( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءًا فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء )) ( )
والمتدبر للآيتين يجد أن كلمة العلماء فيها تشمل الذين يتأملون سنن الله ويبحثون في نظمه في الكون وقوانينه في الوجود من جماد وحيوان وإنسان ليدركوا من ذلك عظمة الخالق ( )
التفريق بين العلم والمعرفة : يفرق الكثير من العلماء بين العلم والمعرفة ويعتبرونهما عند الإطلاق شيئا واحدا إلا أن هناك من يميز بينهما بأمور منها ( )
أن المعرفة تتعلق بذات الشيء والعلم يتعلق بأحوال الشيء فيقال عرفت فلانا وعلمته صالحا لذلك جاء في القرآن الكريم الأمر بالعلم دون المعرفة قال تعالى ..(( فاعلم انه لا إله إلا الله)) ( )
المعرفة تفيد تمييز المعروف عن غيرهم والعلم يفيد تمييز ما يوصف به عن غيره
أن المعرفة علم يعين الشيء مفصلا عما سواه بخلاف العلم فإنه قد يتعلق بالشيء مجملا
ثانيا : حكمه: تفق العلماء على فرضية طلب العلم واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله علبه وسلم (( طلب العلم فريضة على كل مسلم )) ( )
ألا أنهم اختلفوا حول طبيعة هذه الفرضية هل هي فرض عين أم كفاية وقد روى ابن عبد البر أن مالكا سئل عن طلب العلم اوا جب قال : أما معرفة شرائعه وسننه وفقهه الظاهر فواجب وغير ذلك منه ، من ضعف عنه فلا شيء عليه ( )
وحاصل المسالة إن من العلم ما هو فرض عين وما هو فرض كفاية
فرض عين : وهو كل ما يحتاجه العبد لاستقامة عبادته من صلاة وصيام وحج إن وجبت عليه وكذلك عقيدته ومعاملاته مع الناس كالتجار مثلا يحتاجون إلى معرفة أحكام البيع والشراء وغيرهم من أصحاب المهن( ) وهو غير معذور بالجهل فيها قال تعالى ..(( وأسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) ( )
فرض كفاية : وهو علم كل ما يحتاجه المجتمع من غير نظر إلى شخص بذاته كتعلم الصناعات والمهن ( ) وأنواع المعارف التي لا غنى للناس عنها قال تعالى ((فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين )) ( )
وكما أن الإسلام أوجب على معتنقيه طلب العلم فقد حرّم كتمانه قال تعالى (( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك يأكلون في بطونهم نارا ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم )) ( )
وقال صلى الله عليه وسلم (( من سُئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة )) ( ) وقال أيضا (( ما بالُ أقوام لا يفقهون جيرانهم ولا يعلمونهم ولا يفطنونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم وما بالُ أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتفطنون))( )
ثالثا:فضل العلم
بعد أن تعرفنا على ماهية العلم و حكمه سنستعرض فيما يلي بعض النصوص الدالة على فضل العلم سواء من القران أو السنة أو آثار السلف
أدلة القران الكريم:
قوله تعالى"قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون"( ) قال:"قل هل يستوي الأعمى و البصير أم هل تستوي الظلمات و النور"( )
ومن الآيات الدالة على سمو مكانة العلم و العلماء قوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فأفسحوا يفسح الله لكم واذا قيل لكم انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات) ( )
وقد نزلت أولى آيات القرآن تحض وتأمر بالقراءة قال تعالى " اقرأ باسم ربك الذي خلق الإنسان من علق إقرا وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم " ( )
ب. أدلة السنة النبوية :
لقد وردت نصوص كثيرة في فضل العلم والعلماء نذكر منها قوله صلى الله عليه وسلم " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله به طريقا إلى الجنة . ( )
وقوله عليه السلام: ( إذا مات ابن آم ابن انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ( ) وقوله " من يرد الله له خيرا يفقهه في الدين " ( )
وفي غبطة العالم على علمه يقول عليه السلام " لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل أتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها " ( )
وفي بيان فضل العلم والتعلم وتشبيهه بالأرض المعطاء يقول صلى الله عليه وسلم " مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها اجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءا ولا تنبت كلأً فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به " ( ) فقد شبّه الرسول صلى الله عليه وسلم العالم المعلم بالأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها وانبتت فنفعت غيرها( )
فضل العلم في آثار السلف :
قال علي رضي الله عنه : كفى بالعلم شرفا أن يدعيه من لا يحسنه ويفرح به إذا نُسب إليه وكفى بالجهل ذما أن يتبرأ منه من هو فيه ( )
وقال رضي الله عنه : العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال العلم حاكم والمال محكوم عليه والمال تُنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق ( ) وعن عبد الله بن مسعود انه كان يقول إذا رأى الشباب يطلبون العلم مرحبا بينابيع الحكمة ومصابيح الظلم خلقان الثياب جُدد القلوب حُبس البيوت ريحان كل قبيلة ( )
وعن معاذ انه قال : تعلموا العلم فإن تعليمه لله خشيه وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سُبل أهل الجنة وهو الأنس في الوحشة والصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزين عند الإخلاء يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تُقتص آثارهم ويُقتدى بفعالهم ... يستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه ... يُلهمه السعداء ويُحرمه الأشقياء ( )
فضل العلم على العبادة :
الاشتغال بالعلم افضل من نوافل العبادات من صلاة وصيام وتسبيح لأن نفع العلم يعم صاحبه والناس والنوافل البدنية مقصورة على صاحبها ولأن العلم مُصحح لغيره من العبادات وتتوقف عليه ولا يتوقف هو عليها كما أنه يبقى أثره بعد موت صاحبه وغيره من النوافل قد تنقطع بموت صاحبها ( )
قال صلى الله عليه وسلم " إن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ليلة البدر وقال صلى الله عليه وسلم لأن تغدو فتتعلم باباً من أبواب العلم خير ٌ لك من أن تصلي مائة ركعة "( )
عن أبي هريرة انه قال : لأن أجلس فأفقه في ديني احب إليّ من أن أُحيي ليلة إلى الصباح ( )
يتضح من النصوص السابقة عظيم فضل العلم في الإسلام وجليل مكانة طالبيه مما لم يتحقق في شريعة أخرى فإن عجز المرء عن طلب العلم بعد تحصيله لضروريات استقامة دينه وحاله فإن النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى المحبة والاستماع كحد أدنى قال صلى الله عليه وسلم " أُغدُ عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا ولا تكن الخامسة فتهلك " أي بُغض العلم وأهله ( )
إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن المفاضلة بين العلم والعبادة لا تعني المفاضلة بين العلم المفروض والعبادة المفروضة ولا بين نفل العلم وفرض العبادة فلا يجوز أن يشغل شيء عن العبادة المفروضة كأداء الصلاة في وقتها ( )
ولهذا لما نقل ابن القيم حديث عائشة رضي الله عنها " نفل العلم خير من نفل العمل"
قال : وهذا الكلام هو فصل الخطاب في المسالة فإنه إذا كان كل من العلم والعمل فرضا فلا بد منهم كالصوم والصلاة فإذا كان فضلين وهما ألنفلان المتطوع بهما ففضل العلم ونفله خير من فضل العبادة ونفلها لأن العلم يعم نفعه صاحبه والناس معه والعبادة يختص نفعها بصاحبها ( )
وخلاصة هذا المبحث أن العلم نسبة جازمة مطابقة للواقع ولا يتصوّر علم دون هذا اليقين والمطابقة ومنه ما هو فرض عين وما هو فرض كفاية وقد جعل الإسلام العلم أفضل من العبادة ما تساوت درجاتهما من حيث الوجوب أو الندب ورفع مكانة طالبيه وجعلهم للأنبياء ورثة وللأمة هداة
في هذا المبحث سيتعرض الباحث إلى مفهوم العلم في اللغة والاصطلاح كما سيبين حكمه وفضله من خلال تتبع نصوص الكتاب والسنة
أولا : تعريف العلم
أ. لغة : العلم نقيض الجهل وعلّمه الشيء أعلمه إذا عرّفه ( )
ب. اصطلاحا : اختلفت تعاريف علماء الإسلام للعلم وفيما يلي أمثلة عنها :
العلم هو كل ما استيقنه المرء وتبينه وعلى هذا من لم يستيقن الشيء وقال به تقليدا لم يعلمه( )
وعرفه الجرجاني بأنه الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ( )
من خلال التعريفين الذين بين أيدينا ندرك أن هناك اتفاقا على وجوب التأكد والثقة واليقين لنحكم على علمنا بشيء ما وإن كان الثاني اكثر دقة لأنه يؤكد على ضرورة مطابقة الواقع فقد يستيقن المرء شيئا في نفسه ولا يكون في حقيقة الأمر كذلك
كما تجدر الإشارة إلى أن العلم في الإسلام ليس خاصا بعلم الشرائع والأحكام من حلال وحرام كما يعتقد البعض إنما هو كل إدراك يفيد الإنسان توفيقا في القيام برسالته في تعمير الأرض وخلافة الله فيها( )
والدليل قائم على ذلك قال تعالى ..(( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءًا فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء )) ( )
والمتدبر للآيتين يجد أن كلمة العلماء فيها تشمل الذين يتأملون سنن الله ويبحثون في نظمه في الكون وقوانينه في الوجود من جماد وحيوان وإنسان ليدركوا من ذلك عظمة الخالق ( )
التفريق بين العلم والمعرفة : يفرق الكثير من العلماء بين العلم والمعرفة ويعتبرونهما عند الإطلاق شيئا واحدا إلا أن هناك من يميز بينهما بأمور منها ( )
أن المعرفة تتعلق بذات الشيء والعلم يتعلق بأحوال الشيء فيقال عرفت فلانا وعلمته صالحا لذلك جاء في القرآن الكريم الأمر بالعلم دون المعرفة قال تعالى ..(( فاعلم انه لا إله إلا الله)) ( )
المعرفة تفيد تمييز المعروف عن غيرهم والعلم يفيد تمييز ما يوصف به عن غيره
أن المعرفة علم يعين الشيء مفصلا عما سواه بخلاف العلم فإنه قد يتعلق بالشيء مجملا
ثانيا : حكمه: تفق العلماء على فرضية طلب العلم واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله علبه وسلم (( طلب العلم فريضة على كل مسلم )) ( )
ألا أنهم اختلفوا حول طبيعة هذه الفرضية هل هي فرض عين أم كفاية وقد روى ابن عبد البر أن مالكا سئل عن طلب العلم اوا جب قال : أما معرفة شرائعه وسننه وفقهه الظاهر فواجب وغير ذلك منه ، من ضعف عنه فلا شيء عليه ( )
وحاصل المسالة إن من العلم ما هو فرض عين وما هو فرض كفاية
فرض عين : وهو كل ما يحتاجه العبد لاستقامة عبادته من صلاة وصيام وحج إن وجبت عليه وكذلك عقيدته ومعاملاته مع الناس كالتجار مثلا يحتاجون إلى معرفة أحكام البيع والشراء وغيرهم من أصحاب المهن( ) وهو غير معذور بالجهل فيها قال تعالى ..(( وأسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) ( )
فرض كفاية : وهو علم كل ما يحتاجه المجتمع من غير نظر إلى شخص بذاته كتعلم الصناعات والمهن ( ) وأنواع المعارف التي لا غنى للناس عنها قال تعالى ((فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين )) ( )
وكما أن الإسلام أوجب على معتنقيه طلب العلم فقد حرّم كتمانه قال تعالى (( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك يأكلون في بطونهم نارا ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم )) ( )
وقال صلى الله عليه وسلم (( من سُئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة )) ( ) وقال أيضا (( ما بالُ أقوام لا يفقهون جيرانهم ولا يعلمونهم ولا يفطنونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم وما بالُ أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتفطنون))( )
ثالثا:فضل العلم
بعد أن تعرفنا على ماهية العلم و حكمه سنستعرض فيما يلي بعض النصوص الدالة على فضل العلم سواء من القران أو السنة أو آثار السلف
أدلة القران الكريم:
قوله تعالى"قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون"( ) قال:"قل هل يستوي الأعمى و البصير أم هل تستوي الظلمات و النور"( )
ومن الآيات الدالة على سمو مكانة العلم و العلماء قوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فأفسحوا يفسح الله لكم واذا قيل لكم انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات) ( )
وقد نزلت أولى آيات القرآن تحض وتأمر بالقراءة قال تعالى " اقرأ باسم ربك الذي خلق الإنسان من علق إقرا وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم " ( )
ب. أدلة السنة النبوية :
لقد وردت نصوص كثيرة في فضل العلم والعلماء نذكر منها قوله صلى الله عليه وسلم " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله به طريقا إلى الجنة . ( )
وقوله عليه السلام: ( إذا مات ابن آم ابن انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ( ) وقوله " من يرد الله له خيرا يفقهه في الدين " ( )
وفي غبطة العالم على علمه يقول عليه السلام " لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل أتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها " ( )
وفي بيان فضل العلم والتعلم وتشبيهه بالأرض المعطاء يقول صلى الله عليه وسلم " مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها اجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءا ولا تنبت كلأً فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به " ( ) فقد شبّه الرسول صلى الله عليه وسلم العالم المعلم بالأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها وانبتت فنفعت غيرها( )
فضل العلم في آثار السلف :
قال علي رضي الله عنه : كفى بالعلم شرفا أن يدعيه من لا يحسنه ويفرح به إذا نُسب إليه وكفى بالجهل ذما أن يتبرأ منه من هو فيه ( )
وقال رضي الله عنه : العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال العلم حاكم والمال محكوم عليه والمال تُنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق ( ) وعن عبد الله بن مسعود انه كان يقول إذا رأى الشباب يطلبون العلم مرحبا بينابيع الحكمة ومصابيح الظلم خلقان الثياب جُدد القلوب حُبس البيوت ريحان كل قبيلة ( )
وعن معاذ انه قال : تعلموا العلم فإن تعليمه لله خشيه وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سُبل أهل الجنة وهو الأنس في الوحشة والصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزين عند الإخلاء يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تُقتص آثارهم ويُقتدى بفعالهم ... يستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه ... يُلهمه السعداء ويُحرمه الأشقياء ( )
فضل العلم على العبادة :
الاشتغال بالعلم افضل من نوافل العبادات من صلاة وصيام وتسبيح لأن نفع العلم يعم صاحبه والناس والنوافل البدنية مقصورة على صاحبها ولأن العلم مُصحح لغيره من العبادات وتتوقف عليه ولا يتوقف هو عليها كما أنه يبقى أثره بعد موت صاحبه وغيره من النوافل قد تنقطع بموت صاحبها ( )
قال صلى الله عليه وسلم " إن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ليلة البدر وقال صلى الله عليه وسلم لأن تغدو فتتعلم باباً من أبواب العلم خير ٌ لك من أن تصلي مائة ركعة "( )
عن أبي هريرة انه قال : لأن أجلس فأفقه في ديني احب إليّ من أن أُحيي ليلة إلى الصباح ( )
يتضح من النصوص السابقة عظيم فضل العلم في الإسلام وجليل مكانة طالبيه مما لم يتحقق في شريعة أخرى فإن عجز المرء عن طلب العلم بعد تحصيله لضروريات استقامة دينه وحاله فإن النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى المحبة والاستماع كحد أدنى قال صلى الله عليه وسلم " أُغدُ عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا ولا تكن الخامسة فتهلك " أي بُغض العلم وأهله ( )
إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن المفاضلة بين العلم والعبادة لا تعني المفاضلة بين العلم المفروض والعبادة المفروضة ولا بين نفل العلم وفرض العبادة فلا يجوز أن يشغل شيء عن العبادة المفروضة كأداء الصلاة في وقتها ( )
ولهذا لما نقل ابن القيم حديث عائشة رضي الله عنها " نفل العلم خير من نفل العمل"
قال : وهذا الكلام هو فصل الخطاب في المسالة فإنه إذا كان كل من العلم والعمل فرضا فلا بد منهم كالصوم والصلاة فإذا كان فضلين وهما ألنفلان المتطوع بهما ففضل العلم ونفله خير من فضل العبادة ونفلها لأن العلم يعم نفعه صاحبه والناس معه والعبادة يختص نفعها بصاحبها ( )
وخلاصة هذا المبحث أن العلم نسبة جازمة مطابقة للواقع ولا يتصوّر علم دون هذا اليقين والمطابقة ومنه ما هو فرض عين وما هو فرض كفاية وقد جعل الإسلام العلم أفضل من العبادة ما تساوت درجاتهما من حيث الوجوب أو الندب ورفع مكانة طالبيه وجعلهم للأنبياء ورثة وللأمة هداة