كتاب/ " المشروع الصهيوني"
( من التاريخ الأوروبي إلى إعلان الدولة)
غطاس أبو عيطة
في كتابه الصادر حديثاً عن دار كنعان بدمشق, يعيد الباحث المختص بقضايا الصراع العربي- الصهيوني محمد رشاد الشريف, يعيد كتابة التاريخ الأوروبي للجماعات اليهودية منذ العصور الوسطى وحتى قيام الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر, كما يعيد رواية مجريات تحقق المشروع الصهيوني على أرض فلسطين بعد أن احتضنته القوى الاستعمارية الغربية وأخرجه إلى حيز الوجود الاستعمار البريطاني.
ففي الباب الأول من الكتاب وعبر أربعة فصول, يدحضْ الباحث نظرية العداء الأبدي لليهود التي بنت عليها الصهيونية مشروعها, مبيناً بأن الوظيفة التي اختصت بها الجماعات اليهودية والمتعلقة بجمع المال, هي التي جعلتهم موضوع اضطهاد في مراحل تاريخية, وموضوع رعاية من السلطات الحاكمة في مراحل أخرى, ثم أن حياة الغيتو ( الانعزال في أحياء خاصة), لم تفرض على الجماعات اليهودية من خارجها بقدر ما كانت خيار أغنياء اليهود للتكتُّم على ثرواتهم ولإخفاء أساليبهم في تكديس الأموال بدءاً من الربا ومروراً بتمويل الحروب وانتهاءً بالسيطرة على المصارف وخاصة في المراحل الأولى من النظام الرأسمالي قبل أن تشاركهم وتنافسهم في ذلك البرجوازية المسيحية .
وعن ظروف نشأة الصهيونية وطرحها لمشروعها في إقامة دولة يهودية, يتوقف الكتاب عند مرحلتين متناقضتين بشأن أوضاع اليهود في مطلع وفي نهاية القرن التاسع عشر, فحين ساد النموذج التقدمي للدولة القومية في أوروبا الذي عممته الثورة الفرنسية, اتجه اليهود نحو الإندماج في إطار تلك الدولة التي قامت على مبدأ المواطنة, وحين انحدر هذا النموذج إلى الشوفينية ارتباطاً بالنشاط الإستعماري, عادت موجة العداء لليهود وللآخر بصورة عامة, مما دفع البرجوازية اليهودية لأن تتطلع إلى دولة خاصة بها تشكِّل حاضناً لنشاطها الإقتصادي والمالي, ليكون هذا النزوع القومي للبرجوازية اليهودية مرتبطاً بقومية رجعية تبرِّر الغزو الإستعماري, حيث غدا نموذج النظم الاستيطانية التي أنشأتها الحركة الاستعمارية في عدد من بلدان إقريقيا هو ملهم الصهيونية في إنجاز مشروعها الاستيطاني الذي استقر على فلسطين متقاطعاً مع المشاريع الاستعمارية الرامية إلى الإستحواذ على هذه المنطقة من العالم ذات الأهمية الاستراتيجية, وموظفاً الأساطير التوراتية بشأن أرض الميعاد والدولة اليهودية القديمة, التي أريد لها أن تحتل تاريخ فلسطين لكي تحتل مستقبلها.
وفي الباب الثاني من الكتاب وعبر أربعة فصول أخرى, يعرض الباحث مجريات تحقق هذا المشروع عبر الهجرة والإستيطان, ومن خلال بناء أسس النظام الإستعماري الاستيطاني الذي أُعلن دولة بقرار من الأمم المتحدة صادر عام 1947, ليكون انفصال هذه الدولة عن الدولة المستعمرة الأم ممثلة في بريطانيا, مشابهاً لما جرى لسائر النظم الإستيطانية التي نشأت في العالمين الجديد والقديم.
وإذ نتوقف عند تقييم هذا الكتاب, فإننا نرى بأن قيمته, تأتي من كثافة المراجع التي استند لها الكاتب, كاشفاً عن طبيعة المشروع الصهيوني بوصفه مجسداً لقومية رجعية وعنصرية وتلفيقية, ووليد الحركة الإستعمارية الغربية التي تحولت عقب الحرب العالمية الثانية من الكولنيالية إلى الإمبريالية, لتنزع في نهاية القرن العشرين نحو كولنيالية أشد عدوانية وهمجية واستخفافاً بالحياة الإنسانية, ومن هنا نرى بأن الكتاب, يشكِّل مصدراً هاماً للأجيال الشابة تتعرف من خلاله على جذور المشروع الصهيوني الذي ارتبط بما عرف بالمسألة اليهودية في بلدان أوروبا, كما يشكل مرجعاً كبير الفائدة, لأي باحث علمي يريد أن يعي طبيعة الصراع مع هذا المشروع بمعزلٍ عن الرواية الملفقة التي أشاعتها الحركة الصهيونية والتي تختلط فيها الأساطير مع تزوير التاريخ, ثم مع التهويل بشأن ما تعرَّض له اليهود من مذابح واضطهاد في سياق عملية تبريرٍ ممنهجة لما سترتكبه الحركة الصهيونية من إجرام بحق الشعب الفلسطيني وبحق المحيط العربي والإقليمي مدعومة من القوى الإستعمارية.
ويمكن أن نعلم القارئ هنا, بأن هذا الكتاب, أتى حصيلة جهد بحثي انصب عليه الكاتب على مدى أكثر من ثلاثين عاماً, أصدر خلالها مئات الدراسات والأبحاث والعديد من الكتب, ليعود عبر جهد بحثيٍ متميِّز, إلى تعميق رؤيته تجاه المشروع الصهيوني وإزاء تجسيده في الدولة الصهيونية.
وحين نعلم أن هذا الكتاب, هو توطئة لجزءٍ ثانٍ ينكبُّ الباحث على إنجازه, مدققاً فيما استطاع المشروع الصهيوني تحقيقه, وفيم ما زال يواجهه من تحدٍ وجودي, فإننا ندرك أهمية المشروع الفكري الذي أراد باحثنا التصدي له, وذلك ضمن قراءَة معمقة ومدققة لمسار الصراع مع القاعدة الصهيونية, وضمن رؤية موضوعية لعوامل القوَّة والضعف التي تحكم مستقبل هذه القاعدة التي لم تحسم بعد قضية بقائها, كونها لم تحل" المسألة اليهودية" بطريقة تجعلها تتسق مع القيم الإنسانية ومع مسار التاريخ, ولم تحقق تحولها إلى دولة طبيعية تتعايش مع محيطها الإقليمي, ولأنها- وذلك هو الأساس- قصًّرت كنظام استيطاني عن إنهاء الوجود المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني وعن إخضاع شعوب المنطقة لوجود توسعي وعدواني.
وإذا كان لدينا من ملاحظة على سياق الكتاب, فهي تنصب على الفكرة السائدة في محيطنا الثقافي والتي يبرزها الكتاب, والتي تنطلق من أن اليهود لا يشكلون أمة كما ادعت الصهيونية, وأن ذلك هو مصدر هشاشة البنية الداخلية للكيان الغاصب, ومكمن استعداده الذاتي للإنهيار. وحقيقة الأمر, هي أن هذا المشروع كان بمقدوره صهر الجماعات اليهودية المهاجرة في إطار قومي متماسك شأن العديد من النظم الاستيطانية لو أنه أتى في زمن متقدم ولم يأت تأسيسه في عصر الثورة التقنية وثورة الإتصالات التي تختصر زمن امتلاك الشعوب المتأخرة لما تدافع به عن وجودها, بعكس ما كان عليه الوضع في أمريكا الشمالية وفي أستراليا, حيث سهُّل على الغزاة المستوطنين إنهاء الوجود المادي والمعنوي لسكان البلاد المستعمرة, وفيما لو لم تكن الأمة العربية بالطبع, تملك ذلك الموروث الحضاري.
وهنا نريد القول مجدداً, هو أن ما تحتاجه الأمة العربية لكي تنتصر في صراعها مع الحلف الإستعماري- الصهيوني, هو أي فكرة جامعة تحشِّد طاقاتها, وأنه كما شكلت الفكرة الجامعة القومية إطاراً لتحشيد الطاقات العربية في مرحلة من التاريخ المعاصر, فإن الفكرة الجامعة الدينية غير المتعارضة مع الفكرة القومية, يمكنها أن تشكل الإطار المطلوب, إذ ليس دقيقاً ما يطرحه البعض من مثقفينا, بأن الفكرة الدينية التي يراد لها أن تسود وعينا العربي, تشكل دعماً للأساس الديني الذي استند له المشروع الصهيوني, فما نراه على هذا الصعيد , هو ان هذا المشروع قد استند إلى كل ما يخدم أهدافه من الناحية الإيديولوجية, وان تفوقه العسكري القائم على تقدم بنيته الإقتصادية, وتطورها في المجال العلمي والمعرفي, وفي النظام السياسي, هو ما يضفي قوة على هذا المشروع, وهو ما يحوِّل باطله إلى حقائق تظل متماسكة ما دام هذا المشروع محافظاً على تفوق القوَّة.
ونضيف على ذات الصعيد, بأن الهوية القومية ليست معطىً ناجزاً تملكه جماعة بشرية ولا تملكه جماعة أخرى, وأن الطابع الأصيل للهوية القومية العربية لا يشكل بصورة تلقائية الضمانة للإنتصار على هوية قومية ملفَّقة استندت لها الحركة الصهيونية, لتكون الهوية الدينية كما يرى البعض هي مدخل الأمة للخروج من العصر, ذلك أننا في الصراع الذي نخوضه كأمة, في حاجة لكل ما يحقق تلاحمنا وما يستنهض طاقاتنا, ومن هنا يمكن القول بأن حركات المقاومة العربية التي تتصدر الآن مجابهة المشروع االاستعماري الصهيوني , إنما تستمد قوتها من عدم اغفالها للهوية الوطنية والقومية وهي تستند إلى الهوية الدينية.
وفي الختام نقول, بأننا إزاء كتاب تستند علميته إلى منظورٍ ماركسي لا يحوِّل الماركسية إلى إيديولوجيا مغلقة بقدر ما يتخذها منهجاً لقراءَة التاريخ في سياق رؤية أكثر مطابقة للواقع, وهي الرؤية التي يمكن ان تبلغها كل مقاربة عقلانية بغض النظر عن مرجعيتها الفكرية, ذلك أن المعرفة العلمية والموضوعية ليست حكراً على مرجعية دون أخرى.
( من التاريخ الأوروبي إلى إعلان الدولة)
غطاس أبو عيطة
في كتابه الصادر حديثاً عن دار كنعان بدمشق, يعيد الباحث المختص بقضايا الصراع العربي- الصهيوني محمد رشاد الشريف, يعيد كتابة التاريخ الأوروبي للجماعات اليهودية منذ العصور الوسطى وحتى قيام الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر, كما يعيد رواية مجريات تحقق المشروع الصهيوني على أرض فلسطين بعد أن احتضنته القوى الاستعمارية الغربية وأخرجه إلى حيز الوجود الاستعمار البريطاني.
ففي الباب الأول من الكتاب وعبر أربعة فصول, يدحضْ الباحث نظرية العداء الأبدي لليهود التي بنت عليها الصهيونية مشروعها, مبيناً بأن الوظيفة التي اختصت بها الجماعات اليهودية والمتعلقة بجمع المال, هي التي جعلتهم موضوع اضطهاد في مراحل تاريخية, وموضوع رعاية من السلطات الحاكمة في مراحل أخرى, ثم أن حياة الغيتو ( الانعزال في أحياء خاصة), لم تفرض على الجماعات اليهودية من خارجها بقدر ما كانت خيار أغنياء اليهود للتكتُّم على ثرواتهم ولإخفاء أساليبهم في تكديس الأموال بدءاً من الربا ومروراً بتمويل الحروب وانتهاءً بالسيطرة على المصارف وخاصة في المراحل الأولى من النظام الرأسمالي قبل أن تشاركهم وتنافسهم في ذلك البرجوازية المسيحية .
وعن ظروف نشأة الصهيونية وطرحها لمشروعها في إقامة دولة يهودية, يتوقف الكتاب عند مرحلتين متناقضتين بشأن أوضاع اليهود في مطلع وفي نهاية القرن التاسع عشر, فحين ساد النموذج التقدمي للدولة القومية في أوروبا الذي عممته الثورة الفرنسية, اتجه اليهود نحو الإندماج في إطار تلك الدولة التي قامت على مبدأ المواطنة, وحين انحدر هذا النموذج إلى الشوفينية ارتباطاً بالنشاط الإستعماري, عادت موجة العداء لليهود وللآخر بصورة عامة, مما دفع البرجوازية اليهودية لأن تتطلع إلى دولة خاصة بها تشكِّل حاضناً لنشاطها الإقتصادي والمالي, ليكون هذا النزوع القومي للبرجوازية اليهودية مرتبطاً بقومية رجعية تبرِّر الغزو الإستعماري, حيث غدا نموذج النظم الاستيطانية التي أنشأتها الحركة الاستعمارية في عدد من بلدان إقريقيا هو ملهم الصهيونية في إنجاز مشروعها الاستيطاني الذي استقر على فلسطين متقاطعاً مع المشاريع الاستعمارية الرامية إلى الإستحواذ على هذه المنطقة من العالم ذات الأهمية الاستراتيجية, وموظفاً الأساطير التوراتية بشأن أرض الميعاد والدولة اليهودية القديمة, التي أريد لها أن تحتل تاريخ فلسطين لكي تحتل مستقبلها.
وفي الباب الثاني من الكتاب وعبر أربعة فصول أخرى, يعرض الباحث مجريات تحقق هذا المشروع عبر الهجرة والإستيطان, ومن خلال بناء أسس النظام الإستعماري الاستيطاني الذي أُعلن دولة بقرار من الأمم المتحدة صادر عام 1947, ليكون انفصال هذه الدولة عن الدولة المستعمرة الأم ممثلة في بريطانيا, مشابهاً لما جرى لسائر النظم الإستيطانية التي نشأت في العالمين الجديد والقديم.
وإذ نتوقف عند تقييم هذا الكتاب, فإننا نرى بأن قيمته, تأتي من كثافة المراجع التي استند لها الكاتب, كاشفاً عن طبيعة المشروع الصهيوني بوصفه مجسداً لقومية رجعية وعنصرية وتلفيقية, ووليد الحركة الإستعمارية الغربية التي تحولت عقب الحرب العالمية الثانية من الكولنيالية إلى الإمبريالية, لتنزع في نهاية القرن العشرين نحو كولنيالية أشد عدوانية وهمجية واستخفافاً بالحياة الإنسانية, ومن هنا نرى بأن الكتاب, يشكِّل مصدراً هاماً للأجيال الشابة تتعرف من خلاله على جذور المشروع الصهيوني الذي ارتبط بما عرف بالمسألة اليهودية في بلدان أوروبا, كما يشكل مرجعاً كبير الفائدة, لأي باحث علمي يريد أن يعي طبيعة الصراع مع هذا المشروع بمعزلٍ عن الرواية الملفقة التي أشاعتها الحركة الصهيونية والتي تختلط فيها الأساطير مع تزوير التاريخ, ثم مع التهويل بشأن ما تعرَّض له اليهود من مذابح واضطهاد في سياق عملية تبريرٍ ممنهجة لما سترتكبه الحركة الصهيونية من إجرام بحق الشعب الفلسطيني وبحق المحيط العربي والإقليمي مدعومة من القوى الإستعمارية.
ويمكن أن نعلم القارئ هنا, بأن هذا الكتاب, أتى حصيلة جهد بحثي انصب عليه الكاتب على مدى أكثر من ثلاثين عاماً, أصدر خلالها مئات الدراسات والأبحاث والعديد من الكتب, ليعود عبر جهد بحثيٍ متميِّز, إلى تعميق رؤيته تجاه المشروع الصهيوني وإزاء تجسيده في الدولة الصهيونية.
وحين نعلم أن هذا الكتاب, هو توطئة لجزءٍ ثانٍ ينكبُّ الباحث على إنجازه, مدققاً فيما استطاع المشروع الصهيوني تحقيقه, وفيم ما زال يواجهه من تحدٍ وجودي, فإننا ندرك أهمية المشروع الفكري الذي أراد باحثنا التصدي له, وذلك ضمن قراءَة معمقة ومدققة لمسار الصراع مع القاعدة الصهيونية, وضمن رؤية موضوعية لعوامل القوَّة والضعف التي تحكم مستقبل هذه القاعدة التي لم تحسم بعد قضية بقائها, كونها لم تحل" المسألة اليهودية" بطريقة تجعلها تتسق مع القيم الإنسانية ومع مسار التاريخ, ولم تحقق تحولها إلى دولة طبيعية تتعايش مع محيطها الإقليمي, ولأنها- وذلك هو الأساس- قصًّرت كنظام استيطاني عن إنهاء الوجود المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني وعن إخضاع شعوب المنطقة لوجود توسعي وعدواني.
وإذا كان لدينا من ملاحظة على سياق الكتاب, فهي تنصب على الفكرة السائدة في محيطنا الثقافي والتي يبرزها الكتاب, والتي تنطلق من أن اليهود لا يشكلون أمة كما ادعت الصهيونية, وأن ذلك هو مصدر هشاشة البنية الداخلية للكيان الغاصب, ومكمن استعداده الذاتي للإنهيار. وحقيقة الأمر, هي أن هذا المشروع كان بمقدوره صهر الجماعات اليهودية المهاجرة في إطار قومي متماسك شأن العديد من النظم الاستيطانية لو أنه أتى في زمن متقدم ولم يأت تأسيسه في عصر الثورة التقنية وثورة الإتصالات التي تختصر زمن امتلاك الشعوب المتأخرة لما تدافع به عن وجودها, بعكس ما كان عليه الوضع في أمريكا الشمالية وفي أستراليا, حيث سهُّل على الغزاة المستوطنين إنهاء الوجود المادي والمعنوي لسكان البلاد المستعمرة, وفيما لو لم تكن الأمة العربية بالطبع, تملك ذلك الموروث الحضاري.
وهنا نريد القول مجدداً, هو أن ما تحتاجه الأمة العربية لكي تنتصر في صراعها مع الحلف الإستعماري- الصهيوني, هو أي فكرة جامعة تحشِّد طاقاتها, وأنه كما شكلت الفكرة الجامعة القومية إطاراً لتحشيد الطاقات العربية في مرحلة من التاريخ المعاصر, فإن الفكرة الجامعة الدينية غير المتعارضة مع الفكرة القومية, يمكنها أن تشكل الإطار المطلوب, إذ ليس دقيقاً ما يطرحه البعض من مثقفينا, بأن الفكرة الدينية التي يراد لها أن تسود وعينا العربي, تشكل دعماً للأساس الديني الذي استند له المشروع الصهيوني, فما نراه على هذا الصعيد , هو ان هذا المشروع قد استند إلى كل ما يخدم أهدافه من الناحية الإيديولوجية, وان تفوقه العسكري القائم على تقدم بنيته الإقتصادية, وتطورها في المجال العلمي والمعرفي, وفي النظام السياسي, هو ما يضفي قوة على هذا المشروع, وهو ما يحوِّل باطله إلى حقائق تظل متماسكة ما دام هذا المشروع محافظاً على تفوق القوَّة.
ونضيف على ذات الصعيد, بأن الهوية القومية ليست معطىً ناجزاً تملكه جماعة بشرية ولا تملكه جماعة أخرى, وأن الطابع الأصيل للهوية القومية العربية لا يشكل بصورة تلقائية الضمانة للإنتصار على هوية قومية ملفَّقة استندت لها الحركة الصهيونية, لتكون الهوية الدينية كما يرى البعض هي مدخل الأمة للخروج من العصر, ذلك أننا في الصراع الذي نخوضه كأمة, في حاجة لكل ما يحقق تلاحمنا وما يستنهض طاقاتنا, ومن هنا يمكن القول بأن حركات المقاومة العربية التي تتصدر الآن مجابهة المشروع االاستعماري الصهيوني , إنما تستمد قوتها من عدم اغفالها للهوية الوطنية والقومية وهي تستند إلى الهوية الدينية.
وفي الختام نقول, بأننا إزاء كتاب تستند علميته إلى منظورٍ ماركسي لا يحوِّل الماركسية إلى إيديولوجيا مغلقة بقدر ما يتخذها منهجاً لقراءَة التاريخ في سياق رؤية أكثر مطابقة للواقع, وهي الرؤية التي يمكن ان تبلغها كل مقاربة عقلانية بغض النظر عن مرجعيتها الفكرية, ذلك أن المعرفة العلمية والموضوعية ليست حكراً على مرجعية دون أخرى.